تعليق على اجتماع السميراميس

ظهر هذا المقال على موقع مدونة الموسوعة السورية في 29 يونيو، 2011

أعرف تماماً أن الناس تريد حلاً سريعاً وتريد سلامة أولادها وأهلها وأموالها. لكن ما يجري الآن ليس إلا لعبة بوكر بالنسبة للنظام. الورق الذي بيده ضعيف لكنه يُظهر وجهاً قوياً ويُشيع الرعب بين الناس. اعتقدنا أنه يقودنا إلى حرب أهلية، لكنه أثبت أنه أجبن من أن يفعلها، لكنه يخوّف الناس بها وقد نجح. ما حصل في السميراميس ضربة معلم وأعتقد أنها من عمل شركة أمريكية للعلاقات العامة من النمط الذي يدير الحملات الإنتخابية.

يعتقد الناس أن المعارضة في الديمقراطية تنشأ من تعارض في الأفكار فقط. هذا نصف الحقيقة، والنصف الآخر هو أن المعارضة تُعطي الشرعية للنظام القائم، وتعطي للنظام أناساً من أمثاله يتحاورون معه كلما وقع في أزمة وبذلك يبدو وكأنه يفعل شيئاً وبهذا يمتص النقمة. وكل نظام بحاجة لمعارضة وهذا ما يسميه الأمريكان مناورة الشرطي الجيد والشرطي السيء. ونرى هذا في الأسرة أيضاً حين يكون الأب قاسياً مثلاً والأم حنونة أو العكس. والهدف هو تعويد الطفل على القبول بالأمر الواقع الذي هو الحد من حريته المطلقة، فالشديد يفرض الحدود واللين الحنون يمتص الصدمة ويخفف منها ويبني مشروعيتها وحتميتها (أي الواقع الذي لا مفر منه). هذا ما يريده النظام، بعض التنازلات تضمن بقاءه وتُعيد إليه شرعيته التي فقدها بسرعة كبيرة وتعطيه محاورين يتفاوض معهم أمام الكاميرا يوافقون على كل طلباته. والأنظمة تصنع معارضتها على مقاسها. الأسد كان شديداً فصنع معارضة هزيلة وضعها في الجبهة التقدمية. والآن إبنه يصنع معارضة أقوى بقليل. لكنها تبقى معارضة هزيلة لأنها ستعطي النظام الشرعية التي يحتاجها والتي فقدها.

هذا تحليلي لما حدث في السميراميس. الإجتماع كان ميلاد معارضة لن تفعل أكثر من الإبقاء على النظام وإعادة الحياة إليه. معارضة ليس فيها سياسي واحد، كلهم حقوقيون وصحفيون وفنانون، أي معارضة “طيبة” ومثالية. في السياسة لا يلعب اللاعبون إلا ليربحوا (أعني سياسياً)، ولا أحد يلعب حتى يمارس الجميع حريتهم ويعبروا عن آرائهم وما إلى ذلك مما يطالب به المثقفون عادة. أعتقد أن النظام بمساعدة خارجية سيعيد إنتاج صورة لنفسه تشبه ما كان عليه نظام مبارك. وإذا لم تنجح الخطوة فهي على الأقل ستشق صف المثقفين المعارضين وستضعف أمل التنسيقيات والإحتجاجات في دعمهم. وإلى لقاء مع ثورة أخرى بعد عشرين عاماً ضد الأسد وقد ناهز السبعين. المقايضة كانت خاسرة لأن الثمن كان أكبر بكثير من المكاسب. ما حصل بالنسبة لي، وآسف لاستخدام مثال ديني، أشبه بمعركة أحد، المتسرعون لجمع الغنائم حوّلوا ضعف العدو إلى قوة أدت إلى خسارة المعركة. وكيف نعرف أن المقايضة خاسرة؟ بشيئين:

أولاً، لم يكن الإجتماع ليحصل لولا موافقة النظام. ومهما ادعى المشاركون الذكاء والشجاعة فإنهم يلعبون لعبة النظام وبشروطه وتحت أنظاره. والأحداث التي حصلت أثناء وبعد الإجتماع كلها تمثيليات لإضفاء مسحة من الإستقلالية على الإجتماع وإظهار النظام بمظهر من تم إجباره على الخطوة غير راضٍ. لو كانوا أقوياء فعلاً لاستطاعوا إجراء إجتماع مفتوح وبحضور مراقبين وصحافة عالمية. ليس فيما يناقشونه أسرار فلماذا التخفي وراء أبواب مغلقة. البيان الذي ألقوه على الصحفيين وأمام كاميرات التلفزيون السوري حصرياً ليس أقل ولا أكثر من إقرار “بديمقراطية النظام” و”نهجه الإصلاحي”. وإن إسراع الأوروبيين والأمريكان لتشجيع الخطوة يعني أنهم مشتركون في تصميمها ويعلقون آمالاً على إنجاحها، وهذا كان خطهم منذ البداية.

ثانياً، لم يكن أي ممثل عن المنتفضين موجوداً في الإجتماع. لا درعا ولا دوما ولا حمص وغيرها من المدن والقرى، ولا التنسيقيات ولا الشباب. يعني هؤلاء “فقراء وبسطاء” حتى لا يكون لرأيهم وزن. المشاركون في الإجتماع قايضوا بضاعة ليست لهم وأعلنو إنتصارات في حرب لم يخوضوها، والحصول على مكاسب لم يدفعوا ثمنها. وليست هي بالمكاسب الحقيقية لأن الإجتماع عُقد برضى النظام وتحت سيطرته. والذين قالوا بأنهم عقدوا اجتماعهم رغماً عن النظام مخطئون وهم يعرفون ذلك، ويعرفون أن النظام كان قادراً على منع الإجتماع متى أراد. ومع أن منهم من قضى سنوات في السجن، لكن دخول السجن ليس دليل الحنكة السياسية، وهو مجرد دليل الإنخراط في العمل السياسي.

وملاحظتي الأخيرة هي أن العلاقة بين المعارضة في الداخل والخارج أثبتت أنها علاقة أساسية في إنجاح الإنتفاضة. ولذلك فإن النظام يسعى بكل قوته الإعلامية لإضعاف هذه الصلة وزعزعة الثقة بين الطرفين بدعوى مثالية الخارج وعدم فهمهم لما يجري على أرض الواقع. وكل من يتكلم بعد الآن بالفوارق بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج يسعى إلى ضرب هذه العلاقة وبالتالي إضعاف الإنتفاضة.

نعم من حق المجتمعين التفكير والرأي والفعل ومن حق الناس حماية أنفسهم والبحث عن حلول، لكن البضاعة ليست بضاعتهم ولا هم من دفع الثمن. ومن يريد أن يدعم المؤتمر فليفعل. لكن ما سيحصل عليه هو نظام شبيه بنظام مبارك.  وكل ما أقوله هو أنه بالإمكان الحصول على أكثر من هذا بكثير لأن النظام ضعيف الآن ووصلت سياسته في حل الأزمة إلى طريق مسدود تماماً، وهو فعلاً يخشى من إندلاع حرب أهلية مع أنه يستخدم التجييش الطائفي لضمان دعم شرائح كاملة من الشعب. الثمن الذي دفعه المتظاهرون باهظ جداً ولا يحق لأي أحد أن يقطع عليهم الطريق بدعوى أنهم “فقراء وبسطاء” وبحاجة إلى “طليعة مفكرة ومثقفة”. المثقف منظر وليس بالضرورة سياسياً محنكاً أو خبيراً بإدارة الأزمات. التنظير ضروري من أجل فهم الصورة العامة وفهم الأسباب وصياغة التوقعات، لكن التطبيق ووضع الخطط العملية أمر يحتاج إلى خبرة عملية لا يملكها ال 

بالنسبة لي أتمنى أن تستمر التنسيقيات على خطها.

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

أحمد نظير الأتاسي

أنا أستاذ مساعد في قسم التاريخ والدراسات الإجتماعية في جامعة لويزيانا التقنية (لويزيانا، الولايات المتحدة). في عملي الأكاديمي، أدرّس مقدمة لتاريخ العالم، تاريخ الشرق الأوسط (القديم والقروسطي، والحديث). وأعمل أيضاً كرئيس للمركز الإستراتيجي لدراسة التغيير في الشرق الأوسط، SCSCme.

You may also like...

shares