الحشد الشعبي في سوريا: الفرصة والتهديد، وشبكات المنتفضين المبكرين الاجتماعية

ظهر المقال على موقع معهد العالم للدراسات في 15 مارس، 2017

ترجمة: أحمد نظير الأتاسي

ملخص

تستكشف هذه المقالة الآليات والظروف التي أنتجت الأشهر الأولى من الإنتفاضة السورية، من أواسط آذار عام 2011 إلى صيف ذلك العام. سوياً مع مساهمات دلماسو وقنديل، تستغل هذه المقالة الفرصة التي خلقتها الإنتفاضات العربية لتسلط ضوءاً جديداً على أنساق الحشد الشعبي والفعل الجمعي التي أغفلتها برامج البحث التي تركز على مرونة الأنظمة السلطوية.
بالتحديد، تقدم هذه المقالة تحليلاً يستعير بشكل حذر وفضفاض من نظرية الحركات الإجتماعية، كما يحاور ويأمل أن يقدم مساهمة متواضعة إليها. رغم أن التهديد والفرصة عاملان ضروريان للحشد الشعبي، إلا أنهما ليسا كافيين. إن مفهوما “التهديد” و”الفرصة” كلاهما بحاجة إلى أن يوضعا ضمن السياق الإجتماعي والسياسي المحدد، سواءاً الحقيقي أوالمتخيل، الذي أحاط “بالمنتفضين المبكرين” في سوريا، وذلك من أجل أن يتم تقييم أهميتهما المحلية. وتحاجج المقالة بأن المحتجين، تحت ضغط التهديد وبمواجهة الفرصة، انتفضوا جمعياً مستقوين بشبكاتهم الإجتماعية الكثيفة. وقد لعبت البنيات الإجتماعية القبلية أو العشائرية القوية، والعمالة المهاجرة الدائرية، والإرتباطات العابرة للحدود، وانتشار الممارسات التي توصف عادة “بالإجرامية”، بنسب مختلفة، دوراً مفتاحياً في تقوية هذه الشبكات الإجتماعية. وتحاجج المقالة أيضاً بأن قدرة هذه الشبكات على الإندماج والإنحلال في بعضها البعض (الإمتزاجية)، بسبب تشابكها الكثيف، قد لعبت دوراً أساسياً في الحشد الجمعي وفي قدرة هذه الشبكات على تشكيل تحد قوي ومستمر للنظام.

مقدمة  

من أجل فهم أفضل للإضطرابات العربية (Gregory Gause III 2011)، ستستخدم هذه المقالة نظرية الحركات الإجتماعية ((social movement theory SMT [1] وستبني في الوقت نفسه على أعمال مماثلة عن منطقة مينا (Middle East and North Africa MENA)؛ أي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا [2] (Bayat, 2009; Beinin & Vairel, 2011). لقد أُهمِلت نظرية الحركات الإجتماعية في الحوار الذي دار بين النظريات الشمولية (paradigm)[3] في مقدمة هذا الإصدار الخاص [4]، وستساعد الحالة السورية على إعادتها إلى الحوار.  

إن الأسئلة الرئيسة التي نتمنى الإجابة عليها هي: كيف ولماذا بدأ حشد شعبي معتبر في سوريا؟ ماذا يمكن أن نتعلم من (early risers) “المنتفضين المبكرين “(تارو، 1994:86) عن بدايات وطبيعة أي حشد شعبي (popular mobilization) يقوم تحت نظام قاس وسلطوي (authoritarian) كالنظام السوري؟ وإلى أي مدى لعب “الوسطاء” (brokers) (أو كما يسميهم النظام “المتآمرون”) دوراً في بدء الحشد وفي رفع مستواه إلى مصاف الإنتفاضة الجماهيرية (mass uprising)؟ في سياق تركيزنا على أنساق الحشد الشعبي، فإننا نشارك مساهمين آخرين لهذا العدد الخاص، لاسيما مقالة دلماسو [5] عن الحشد من الأسفل في المغرب ومقالة قنديل [6] عن دور حشد الطبقة الوسطى في مصر، قناعتهم بأن الإنتفاضات العربية كانت تدفعها أشكال من العمل الجماعي حجبتها برامج البحث التي ركزت على استراتيجيات أعلى-أسفل استخدمها الإستمرار السلطوي. مع ذلك فإن مساهمتنا هذه، وبشكل جزئي، ومن خلال جهدنا لصياغة مقاربة نظرية للحشد الشعبي كتحد لنظرية الحركات الإجتماعية، ابتعدت عن مقاربتي قنديل ودلماسو اللتين اعتمدتا نقاط إنطلاق تحليلية مختلفة لعمليهما عن مصر والمغرب، على التوالي.  

بالتحديد، فإننا سنحاجج بأن المناطق التي شهدت مستويات عالية وشديدة للغالية من الحشد في المراحل المبكرة من الإنتفاضة تحتوي على سمات اجتماعية وسياسية سمحت بمجموعها بظهور عمل جمعي وحشد شعبي مبكرين، وإن كانا قائمين على مظالم وتطلعات مشتركة مع العديد إن لم يكن معظم السوريين في سائر البلد. وسنبرهن على ذلك في درعا بالأخص، حيث بدأت الإنتفاضة السورية، وسنقترح أن المناطق التي حذت حذو درعا -من ضمنها حمص ودير الزور وإدلب- تتشارك على ما يبدو بالعديد من هذه الصفات. لقد ساهم مفهوما “الفرصة” ([7] opportunity) و”التهديد” (threat) -وهما مفهومان مفتاحيان في أشكال نظرية الحركات الإجتماعية الأكثر تداولاً- في إشعال فتيل الحشد الشعبي بين هؤلاء المنتفضين المبكرين، جزئياً نتيجة المظاهرات التي انبثقت من تونس ومصر، وفي جزء آخر كرد على القمع الشديد الذي أطلقته قوات الأمن السورية في درعا، خاصة بين 18 آذار وبداية أيار من عام 2011. لكن الفرصة ربما كانت ضاعت والتهديد بالقمع ربما كان قضى على الإحتجاجات في المهد. ولذلك فإن مفهومي “الفرصة” و”التهديد” بحاجة إلى وضعهما ضمن السياق الخاص الإجتماعي والسياسي، الحقيقي أو المتخيل، الذي تحرك ضمنه “المنتفضون المبكرون”، خاصة في درعا، وذلك من أجل تلمّس الأهمية المحلية لهذين المفهومين. وسنحاجج بالإضافة إلى ذلك أن المحتجين، تحت ضغط التهديد وبمواجهة الفرصة، إنتفضوا جمعياً مستقوين بشبكاتهم الإجتماعية (social networks) الكثيفة. ففي درعا، لعبت البنيات الإجتماعية القبلية أو العشائرية القوية، والعمالة المهاجرة الدائرية (circular labor migration)، والإرتباطات العابرة للحدود، وانتشار الممارسات التي توصف عادة “بالإحرامية”، بنسب مختلفة، دوراً مفتاحياً في تقوية هذه الشبكات الإجتماعية. وسنجادل أيضاً بأن “امتزاجية” (miscibility) هذه الشبكات (واسي، 2011)، أو قدرتها على الإندماج والإنحلال في بعضها البعض بسبب تشابكها الكثيف (interconnectedness)، لعبت دوراً أساسياً في الحشد الجمعي وفي قدرة هذه الشبكات على تشكيل تحد قوي ومستمر للنظام. تتحدى هذه الحجة تأكيد نظرية الحركات الإجتماعية على مفهوم “الوساطة” brokerage [8] كعامل مفتاحي في انتشار الحشد. وفي الوقت نفسه، تتصدى هذه الحجة لميول النظام إلى إلقاء اللوم على المحرضين أو المتآمرين أو ذوي الأغراض السياسية المزعومين. وتعتمد المقالة في بنائها لهذه الحجج على ما قمنا بتقييمه بصورة نقدية من فيديوهات قام ناشطون سوريون بتحميلها، مأخوذة بشكل رئيسي من يوتيوب، بالإضافة إلى مبادلات عبر التليفون وسكايب  والإيميل مع سوريين من درعا، بشكل رئيسي، وكذلك تقارير صحفية بالعربية، وتقارير لناشطين حول ضحايا الإحتجاجات، ومعلومات رسمية سورية (1).

إنطلاق الحشد: الفرصة والتهديد

من الفرضيات الأكثر أساسية في نظرية الحركات الإجتماعية فرضية أن الناس يتغلبون على أية عقبات تعرقل الفعل الجمعي (collective action) ويبدؤون الحشد والتحرك (mobilization) كرد على تغير في “بنيات الفرصة السياسية” (‘political opportunity structures’) (ماير، 2004). بالتالي فإن سؤال “متى” في الحشد للحركة الإجتماعية – أي متى تسنح الفرص السياسية – يجيب إلى حد بعيد عن سؤال “لماذا” (تارو، 1994: 17). وبناءاً عليه، فإن أي تغير في بنيات الفرص السياسية -أي “أبعاد البيئة السياسية التي تحفز الناس على البدء بالفعل الجماعي من خلال التأثير التي تمارسه على توقعاتهم بالنجاح أو الفشل” – له أهمية آنية في فهم قيام السوريين بما لم يمكن تخيله: الإنتفاض ضد نظام سلطوي متماسك ولا يرحم. ومع ذلك فقد حاجج البعض (تيلي، 1977؛ جولدستون وتيلي، 2001؛ عليمي، 2007؛ ألميدا، 2008؛ أينفونر ومار، 2001) أن الفاعلين، في حال تهددهم خطر، سيلجؤون إلى الفعل الجمعي والحشد عندما تصبح تكلفة عدم الفعل أعلى من تكلفة مخاطر الحشد. ويمكن للمرء أن يحاجج أيضاً أن مزيجاً من الفرصة والتهديد يفسر إلى حد بعيد كيف ولماذا بدأت الإنتفاضة السورية في درعا. رغم ذلك فإن هذا التفسير، كما سيتبين أدناه، غير كاف وناقص على حد سواء.  

وكما جادل محررو هذا العدد في مقدمته، فإن الإنتفاضتين التونسية والمصرية تشيران بشكل ملحوظ إلى أن الأنظمة السلطوية العربية لم تكن على تلك الدرجة من الصلابة كما كان مفترضاً. إن المؤثرات الإحتجاجية (demonstration effects)[9] المنبثقة من الحشد الجماهيري الذي أجبر ديكتاتوريين عرب راسخين على ترك مناصبهم كانت من القوة بمكان أنها كسرت حواجز الخوف التي طالما أبقت على إحساس واسع الإنتشار بالعجز والضعف (قصاب، 2010). بناءاً على ذلك، وعلى حد تعبير كاتب أردني (الدستور، 25 آذار، 2011) “إن القصة، وبكل بساطة، هي أن الشعب السوري قرر الإلتحاق بموكب الحرية العربي وأن السوريين أرادوا امتطاء الموجة الديمقراطية الرابعة، والتي هي موجة عربية بامتياز”. سارع النظام السوري، في مواجهة وجهات النظر تلك التي تؤكد على القدرة العالية للعدوى، إلى التأكيد على شعاره القائل “بالإستثنائية السورية” (دوناتي، 2009). وهكذا وفي عشية الإنتفاضة السورية، أكد الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة وول ستيرت يوم 31 كانون الثاني من عام 2011 أن السوريين لن يثوروا لأن البلد يمكن أن تعتمد على “تاريخها في الممانعة”. لكن هذه التأكيدات لم تثبط عزيمة السوريين، وبالتالي فإن التأكيد على قضية الإستثنائية، كما برهن على ذلك أيضاً النقاش الخاص بالمغرب في هذا العدد، قد يكون مبالغاً فيه. لم يكن الدرعاويون وحيدين في استشعارهم رياح التغيير. وفي الحقيقة، فإن جواً من الإستباق المحموم ساد في سائر سوريا في بداية عام 2011، وذلك عندما استشعر الناس أن أحداث تونس ومصر قد غيرت بنيات الفرصة السياسية في بلدهم أيضاً. ويمكن المحاججة أيضاً أن بنيات الفرصة السياسية في درعا كانت أكثر تحفيزاً على الحشد المبكر بالتحديد لأن أحداً لم يتوقع، للمفارقة، أن يبدأ الحشد هناك. إن السمعة المرتبطة بدرعا خلقت هامشاً للمناورة كان موجوداً بدرجات أقل في أماكن أخرى. لقد تفاعلت المؤثرات الإحتجاجية مع هذه الخصوصيات المحلية لتساهم في توليد تغيرات في “بنيات الفرصة” أثبتت أهميتها الحرجة في تحريك واستدامة الحشد المبكر.  

أولاً، لطالما نظر جماعة النظام (regime incumbents) والناشطون ضده (anti-regime activist)[10] إلى درعا على أنها موالية لنظام البعث إلى حد كبير. فقد استفاد المزارعون في هذا الإقليم ذي الطابع الزراعي الغالب من قوانين إصلاح الأراضي التي أطلقها البعث[11]. بالإضافة إلى ذلك، ومنذ عام 1963 استطاع عدد من الدرعاويين الحصول على مناصب رفيعة في النظام، وكانوا يُعتبرون مناصرين متحمسين لمواقف النظام القومية والمعادية لإسرائيل (2). من هذا المنظور، كانت درعا بالفعل مرشحة غير متوقعة لبدء إنتفاضة.  

لقد عززت تصوراتٌ مدينية (urban conceptions) شائعة عن درعا بأنها متخلفة، هامشية ,محافظة ومنعزلة إنطباعاتٍ عن هذا الإقليم تنعته بالحياد السياسي المتأصل. وحتى بين الناشطين ضد النظام، كما اعترف أحدهم، كان يُنظر للدرعاويين عادة على أنهم “غير متحضرين، بسطاء وضعفاء” (3). وكذلك كان وعيهم المدني [12] (civil consciousness) يُعتبر غير متطور نسبياً باعتبار أن العمل الزراعي القاسي كان يشغل حياتهم (4). وقد وَجَدَ تحاملٌ شائع ضد الأشكال “القبلية” في التنظيم الإجتماعي، والذي يشترك به بعض المثقفين والناشطين العلمانيين المعارضين للنظام، صدىً في تصورات عن ماهية السياسة الديمقراطية أو “الحديثة”، أو عن ماهية ما لا تشتمل عليه هذه السياسة، وهذا أهم.   قد لا تكون الإنطباعات الشائعة بأن الدرعاويين كانوا مستفيدين من النظام أكثر من غيرهم، أو أنهم متخلفون وخاضعون، سوى صوراً نمطية[13]. لكن في شباط من عام 2011 خففت هذه الإنطباعات عند جماعة النظام ونشطاء المعارضة التقليديين على حد سواء من تصور درعا كمصدر ممكن للإنتفاض. وعوضاً عن ذلك، ركزت كلتا المجموعتين انتباههما بمعظمه على مناطق مدينية (urban areas ) وعلى مناطق الشمال الشرقي ذات الأغلبية الكردية. ويبدو أن قوات الأمن لم تكن تراقب المناطق الكردية بالشكل الكثيف المتوقع، وخاصة القرى، لكن ليس لدينا معلومات صلبة لتؤكد هذا تماماً (5). لكن يبدو أنه تم تخفيض قوات الأمن والشرطة في سائر المحافظة عشية الإنتفاضة، فقد تم استدعاؤها إلى المدن المركزية حيث كان التخوف من القلاقل أكبر بكثير (6). من المحتمل أن حساسية درعا لتغير “بنيات الفرصة” المرافقة لأحداث تونس ومصر كانت أكبر منها في أماكن أخرى في سوريا، وذلك بالتحديد لأن الصور النمطية قادت السلطات إلى تركيز انتباههم على أماكن أخرى.[14] في هذا السياق، ولهذا دلالاته، ولعدة أشهر بعد بدء الإنتفاضة، كان لا يزال بعض الناشطين السوريين يرفضون الإعتراف بأن الإنتفاضة بدأت في درعا وليس في دمشق (7).  

إن تهديد النظام بالعنف والقمع وممارسته لهما ولدا ديناميكية ثانية تحرَّك أهل درعا ضمنها وانتفضوا ضد النظام. وكما لاحظت مجموعة الأزمة الدولية (International Crisis Group) (2011: i) “إنه من المؤكد تقريباً أن عنف قوات الأمن كان السبب الأساسي وراء نمو حركة الإحتجاج وتشددها”. لقد كان من الواضح أن قوات الأمن المحلية في درعا كانت مصممة على قمع أي تعبير معارض دون هوادة عندما اعتقلت في نهاية شهر كانون الثاني من عام 2011 عائشة أبو زيد، وهي طبيبة من درعا، إثر مكالمة تليفونية خاصة قارنت فيها بين مصير حسني مبارك ومصير النظام السوري (8). كما لم تتورع هذه القوات عن اعتقال 15 صبياً في سن المدرسة بتهمة كتابة شعارات معادية للنظام على حيطان بعض البنايات. ورغم  كون هؤلاء التلاميذ قاصرين فقد تم إخضاعهم للتعذيب. وبعد ذلك ردت قوات الأمن بعنف متزايد على تجمعات صغيرة لكن متنامية لمحتجين في درعا والقرى المجاورة بلغت ذروتها في احتجاج جماهيري يوم 18 آذار؛ وقد قوبل هذا الإحتجاج بقوة وقمع مفرطين. ومنذ 23 آذار، يوم اقتحام الجامع العمري في درعا حيث تجمع عدد من المحتجين، أرسل النظام قوات إضافية من دمشق. وقد صبت هذه القوات على المحتجين والمتفرجين في درعا والمناطق المحيطة عنفاً لم تُعرف غزارة وكثافة مماثلة له منذ بدايات التسعينات؛ ويتناقض هذا بحدة أكبر مع السنوات الهادئة نسبياً منذ بدايات الألفية حيث خفف النظام بشكل ملحوظ من اعتماده على أساليب قمع فوق القضاء (extra-judicial) (ليندرز، 2012 ب). تشير كل الشهادات عن أحداث درعا في بداية 2011 إلى مستويات من القمع لم تشهده بقية المناطق إلا لاحقاً في الإنتفاضة، وهذا يشمل الإعتقالات الجماعية، التعذيب، واستخدام الرصاص الحي ضد الجماعات والأفراد -مما يدل على سياسة “إطلاق النار بقصد للقتل”- نشر القناصة على أسطح الأبنية، ومنع العناية الطبية عن المجروحين. وقد صل عنف النظام إلى ذروته بين نهاية نيسان ومنتصف أيار عندما انتشرت الدبابات أثناء حصار درعا وتم قصف أحياء بكاملها. وقد كان عدد المعتقلين كبيراً إلى درجة تعسّر حشرهم في الملعب البلدي حيث تم جمعهم وأحياناً قتلهم رمياً بالرصاص حسب بعض الشهادات (هيومن رايتس واتش، 2011؛ الشرق الأوسط، 25 آذار 2011). مع الأخذ بعين الإعتبار أن الإحصائيات المتوفرة عن الضحايا في الإنتفاضة السورية متهمة بوثوقيتها (نرواني، 2012)، فإن إحدى إحصائيات “الشهداء” قدرت عدد ضحايا الإحتجاجات في محافظة درعا بين أواسط آذار وحتى نهاية حزيران بـ 623 (9). وآلاف أخرى جُرحوا أو اعتقلوا (10). لقد جادل الأكاديميون المختصون بنظرية الحركات الإجتماعية، خاصة المهتمون بالحالات السلطوية، مراراً بأنه يمكن للقوة والقمع المفرطين، تحت ظروف معينة، أن يدفعا الناس إلى الفعل الجمعي والحشد ضد خصومهم. ويجد هذا الإستنتاج أصداءاً واضحة في حالة درعا، حيث أدى قمع النظام إلى الحث على الحشد.  

نخلص إلى الإستنتاج بأن التغيرات في بنيات الفرصة ومستويات التهديد لها قدرة تفسيرية عالية على شرح أسباب بدء ونمو الحشد في درعا. لكن هذا التحليل يتركنا مع بعض الأسئلة العالقة. أولاً، كان من المحتمل إغفال التغير في بنيات الفرصة، تفويتها أو تبديدها إذا لم يتمكن المحتجون من صياغة (framing) الأحداث الخارجية كفرص جديدة، وكذلك إذا لم يمتلكوا القدرة أو الموارد من أجل التنظيم. باختصار، لم يكن الحشد الشعبي في سوريا نتيجة حتمية لانتفاضات “الربيع العربي” خارج سوريا. ثانياً، كان من الممكن لتهديدات وقمع النظام أن تكون فعالة في ردع وكسر الحشد الشعبي – فقد كانت فعالة غير مرة في الماضي – إلا أن الدرعاويين، وبعدهم بقليل أعداد كبيرة من السوريين في أماكن أخرى، ثابروا في حشدهم واستمروا في تحديهم لقمع النظام. أما أسباب تغلب الدعاويين على هاتين العقبتين، وكيف قدموا مثالاً حذت حذوه العديد من المدن والبلدات والقرى، فسنجدها في الشبكات الإجتماعية الكثيفة الحبك في تلك المنطقة وفي امتزاجيتها. ننتقل الآن بالتحديد إلى هذا المستوى من التحليل وذلك لأن “الفعل الجمعي غالباً ما يتم تفعيله واستدامته في مجموعات الوجه-لوجه وشبكاتها الإجتماعية ومؤسساتها” (تارو، 1994: 21).  

حيث بدأت: الشبكات الإجتماعية والحشد في درعا

إتخذ عدد متزايد من الخبراء ضمن نظرية الحركات  الإجتماعية نظرة نقدية إلى مقاربات “الفرصة” و”التهديد” التي اعتمدها المنظرون المبكرون (جودوين وجاسبر، 1999؛ جلادستون، 2004). وكان رد بعض الخبراء على هذا النقد تطوير إطار تحليلي يشدد على الروابط الإجتماعية السابقة والتي تعمل كقاعدة تجنيد للحركة ضمن السياق الإجتماعي القائم حيث تتحول هذه الأخيرة إلى بؤرة للحشد (دياني، 2003: 7). كنتيجة لذلك أصبحت الشبكات بين الأفراد والمجموعات نقطة التركيز الأساسية للبحث ضمن نظرية الحركات الإجتماعية، وبالتحديد لأن هذه الشبكات تعطي دلائل هامة على سبب وكيفية ترجمة فرص الحشد إلى أفعال، وعلى كيفية تأطير التهديدات بحيث تحفز على الفعل بدل الخنوع (تارو، 1994: 136). وقبل أن نوضح كيف ساهمت الشبكات الإجتماعية في درعا وغيرها من مناطق سوريا في الحشد، على خلفية من تغيرات في بنيات الفرص ومستويات التهديد، سنعرض السمات الرئيسية (والمتراكبة) لهذه الشبكات ونرسم بخطوط عريضة أهميتها في الحياة الإجتماعية اليومية.  

بالتأكيد لا تقتصر الشبكات الإجتماعية في درعا على روابط أسرية أو مجتمعية متوارثة (ascriptive)، بل إن البنية العشائرية للأسرة في هذه المنطقة وأهميتها في الحياة اليومية وفي مواجهة هذه الحياة ملفتة للنظر. إن البنية العشائرية لدرعا، والتي تتألف بشكل رئيسي من شبكات قائمة على روابط الأسرة الممتدة (extended family)، غالباً ما كانت توصف خطأً بأنها “قبلية”. فإذا فهمنا القبائل على أنها مجموعات أسرية تتخطى حدود الأسرة الممتدة لتشكل تحالفات أكبر (مثل قبائل شمر والجبور)[15]، فليس في درعا قبائل بهذا المعنى الضيق، بل عشائر و”بيوت” منفصلة (آل، أو ببساطة عائلة). بهذا المعنى، توجد حوالي سبع عشائر رئيسية تشكل مجتمعة نصيب الأسد من أهالي المحافظة وحياتها الإجتماعية: الأبو زيد (العشيرة الأكبر في مدينة درعا)؛ الزعبي (العشيرة الريفية الأكبر في حوران على حد الزعم؛ أنظر بطاطو، 1999: 25)؛ الحريري، المَسالمة، المِقداد، الجوابرة، والمَحاميد. على مستوى الحياة اليومية والتنظيم الإجتماعي، توفر العشائر مصدراً أساسياً للتكافل، والهوية، والتكيف أو البقاء الإقتصادي والإجتماعي. ففي أوقات الأزمات المالية، يعتمد أفراد العشيرة على الدعم المادي أو القروض التي يقدمها نظراؤهم في العشيرة. فمثلاً، يقوم أعضاء قياديون في العشيرة (11)، يُدعَون كبار العائلة، بالمساعدة في جمع المال لتمكين العرسان من دفع الصداق (12). بسبب طبيعتها المحافظة دينياً، تحافظ بنية العشيرة وتصون قيماً إسلامية سنية صارمة، غالباً ما تكون مرتبطة بنزعات صوفية، ذات طبيعة سياسية مسالمة في أغلبها. توفر العشيرة أيضاً، من خلال الجمع بين المحافظة الإجتماعية وآليات التكيف العملية، قيماً صلبة ومركزاً إجتماعياً لإدارة النزاعات وحل الخلافات بالإستناد إلى مفاهيم من العدالة والكرامة. أخيراً، توفر شبكة العشيرة وسيلة لتحقيق التسلق المهني والمكانة الإجتماعية (ليندرز، 2012 أ).  

ظهرت الشبكات الإجتماعية الكثيفة، المتشابكة جزئياً فيما بينها دون أن تكون متطابقاً كلياً مع التضامن العشائري (clan solidarity)، أيضاً حول مصدر الدخل الأكثر انتشاراً في المنطقة: أي العمالة المهاجرة (الدائرية)[16] (تشالكرافت، 2009). حسب الأرقام الرسمية، شكل الدرعاويون عام 1979 المجموعة الأكبر في البلاد من العمالة المهاجرة حيث كانت 35 بالمئة من القوة العاملة في المحافظة تعمل خارج البلاد (وينكلر، 1998: 95). في السنوات الأخيرة زادت العمالة المهاجرة المتوجهة إلى الخارج في سوريا بنسبة 10 بالمئة سنوياً (مرزوق، 2010: 17). بغض النظر عن الرقم الدقيق للعمال وعن حجم تحويلاتهم (remittances) النقدية (UNCTAD, 2009: جدول 7.4)، فإن هناك دلائل قوية على أن مساهمة حوران، فيما يبدو أنه منحى متزايد من العمالة المهاجرة (الدائرية)، كانت عالية بشكل لا يتناسب مع حجمها. وضعت الأرقام الرسمية لعام 2009 درعا في أعلى درجات الإعتماد على التحويل من الخارج كنسبة من الدخل المنزلي في المنطقة، حيث وصلت النسبة إلى 8.48 بالمئة، لا يسبقها في ذلك إلا دير الزور (13). لكن الرقم الحقيقي للعمال المهاجرين وتحويلاتهم قد تكون أعلى بكثير وذلك لأن نسبة العاملين في الأعمال الدونية (menial workers) غالباً ما تكون أعلى في العمالة الدائرية المهاجرة إلى الأردن ولبنان، وهي غالباً غير مسجلة، منها في أنواع أخرى من العمالة المهاجرة؛ وكذلك لأن نقل الأجور النقدية في هذا النوع من العمالة يكون معظمه في حقائب السفر وعبر مكاتب حوالات غير رسمية. فيما يخص أغراضنا، فإن الصفة البارزة في هذا السياق هي أن العمالة المهاجرة (الدائرية) والمتوجهة إلى الخارج من درعا غالباً ما كانت منظمة عبر شبكات إجتماعية واسعة، أحيانا قائمة على الإنتماء العشائري، لكن أيضاً قائمة على مدينة أو قرية الأصل، أو كلاهما. ومع غياب مكاتب عمالة مؤسساتية وفّرت هذه الشبكات للعمال المهاجرين موارد حيوية ساعدتهم على التكيف (تشالكرافت، 2009: 69–71، 149). والأهم من هذا، فقد وفرت الشبكات الإجتماعية صلات مع مستخدِمين محتملين، وملجأ أو منزلاً، مما جعل الدرعاويين يمضون فترات طويلة من حياتهم خارج البلاد في رفقة درعاويين آخرين. الأعضاء الناجحون في هذه الشبكات هم أشخاص يملكون قدراً كافياً من الخبرة العملية في السوق تساعدهم على البقاء، خاصة عندما تكون الهجرة تحت ظروف شبه قانونية (لبنان) أو غير قانونية (الأردن).  

هناك شبكة أخرى ذات علاقة جزئية بموضوعنا، وهي تخص حركة المرور والروابط عبر الحدود الأردنية. بسبب قرب درعا من الحدود، كان الجزء الأكبر من حياتها الإجتماعية والإقتصادية موجهاً نحو الأردن، خاصة المدن الحدودية مثل الرمثا وإربد التي تبعد عنها 20 كيلومتراً إلى الغرب. إن الروابط الأسرية والعشائرية قوية بين هذه المدن، وتقويها هوية مناطقية حورانية عميقة تنافس الهويتين الوطنيتين السورية والأردنية (14). وتربط هذه المدن روابط إقتصادية قوية أيضاً، فالمنتجات الزراعية من درعا والسويداء، والتي يشتريها ويخزنها تجار دعاويون بشكل شبه إحتكاري، تجد طريقها إلى أسواق الرمثا بكميات كبيرة (روسل، 2008: 219–221) (15). ويوفر معبر نصيب جابر الحدودي، والذي يصل بين سوريا والأردن والخليج العربي، فرصاً إقتصادية متعددة. حسب الأرقام الرسمية السورية، يخدّم هذا المعبر أكثر من خمسة ملايين إنسان سنوياً (الوكالة العربية السورية للأخبار، 21 تشرين الأول 2010). بالإضافة إلى المتاجرين بالمنتجات الزراعية، توفر حركة إنتقال الناس والبضائع المزدحمة عبر الحدود مصدراً أساسياً للدخل للعديد من الدرعاويين. تقدر الأرقام الرسمية أن أكثر من 11 بالمئة من سكان المدن في درعا يعملون في قطاع “النقل والتخزين والمواصلات” (16)؛ لكن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير، حيث أن العديد من السائقين غير المسجلين يستعملون سيارات عادية لنقل الناس والبضائع عبر الحدود، غالباً بشكل غير قانوني (17). يتم تنظيم هذه النشاطات الإقتصادية المتعددة والعالية الحركية، القانونية وغير القانونية، عبر شبكات معقدة قائمة على الثقة تربط بين أفراد الأسرة أو العشيرة، تجار رئيسيين، صرافين، مهربين، سائقي شاحنات، سائقي تاكسي وسائقين غير مسجلين، وبالطبع موظفي جمارك فاسدين (18).  

أخيراً، كانت حوران عموماً، ودرعا خصوصاً، معروفة بنسب “الجريمة”، كما يعرّفها السياق السلطوي، العالية والتي لا تتناسب مع حجمها. ما يهمنا في النهاية هنا هو أن الإنخراط في “الجريمة” أو أي نشاط غير قانوني، وبسبب كونه ممنوعاً وكذلك بسبب تنظيمه الإجتماعي، يولّد مهارات خاصة وتكتيكات وموارد وعلاقات إجتماعية وفضاء إجتماعي خاص به. حسب الإحصائيات الرسمية (19)، تجاوزت درعا في عام 2009 كل المحافظات الأخرى بعدد الإدانات المتعلقة بجرائم القانون العام. بكلمات أخرى، يبدو أن عدداً كبيراً من الدرعاويين، بما لا يتناسب مع حجم المحافظة بالمقارنة مع بقية المحافظات، منخرطون في نشاطات تصنفها الدولة على أنها “إجرامية”. كالعادة يجب استخدام الإحصائيات الرسمية بحذر، خاصة فيما يتعلق بموضوع حساس مثل الجريمة؛ لكننا لا نرى أي تحيز في المعلومات التي تقارن نسبة الإدانات في درعا مع نسبها في بقية المحافظات. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإنطباعات المستمدة من أحاديث درعاويين وغير درعاويين توحي بأن “الجريمة”، بمعنى النشاطات التي تعتبرها الدولة غير قانونية، كانت في ازدياد في المنطقة (20).  

وكما هي الحال في أماكن أخرى، فإن المبادلات الإجرامية المتكررة، حتى ولو تمت على مستويات متواضعة من التعقيد، تحتاج إلى وتولّد آليات ومهارات من أجل خفض كلفة المبادلات وحظوظ الوقوع في قبضة السلطات، وهذا يشمل إستخدام الوسطاء، سلوكيات متفق عليها، هويات محفزة على الثقة، الدهاء (cunningness)، ومخاطر محسوبة (calculated risk taking)، الإستطلاع وجمع المعلومات ووسائل للإتصال السري، بيوت آمنة، الحماية وأحياناً إستخدام القوة (ديلا بورتا وفانوتشي، 2004). يمكن للإنسان أن يتكهن عن الأسباب الكامنة وراء معدلات “الجريمة” المتفشية؛ قد يكون قُرب درعا من حدود وطنية رئيسية، وبالتالي ميلها إلى التهريب، أحد هذه الأسباب (21). حتى إذا كان من غير الممكن إختزال أي من الشبكات الإجتماعية السابقة الذكر إلى نشاطاتها الإجرامية فقط، فإنه من الملاحظ أن كل واحدة من هذه الشبكات لها أبعاد غير قانونية أو خارج القانون (extra-legal). أحياناً تحل العدالة وحل النزاعات القائمة على العشيرة محل القانون المدني للدولة. أما الهجرة الدائرية للعمالة فتحصل غالباً في جو غير قانوني أو قانوني غائم حيث يمتنع العمال عن إخراج رخص عمل، ويعبرون الحدود دون أن يدفعوا ضريبة الخروج الإجبارية، ويحوّلون أجورهم إلى عائلاتهم بشكل غير قانوني، إما في حقائبهم اليدوية أو عبر مكاتب حوالات غير قانونية، متهربين بذلك من القيود الرسمية التي تفرضها سوريا على المبادلات الخارجية وكذلك من قيود أسعار الصرف الرسمية. وكما ذكرنا سابقاً، تشمل حركة المرور عبر الحدود التهريب ودفع الرشاوى لموظفي الجمارك. ساعدت هذه الشبكات الإجتماعية، بعدة طرق، على إعادة إنتاج العلاقات والآليات والموارد والمهارات الضرورية للإستمرار في بيئة صعبة ومعادية جعلت في كثير من الأحيان من الخروج على القانون ضرورة (22).  

يمكن القول، خارج نطاق الإجرام، ولأسباب مختلفة وفي ظروف معينة، بأن كل الشبكات الإجتماعية التي تربط الدرعاويين تتمتع بدرجة عالية من “الإمتزاجية” (واسي، 2011)، بمعنى أنها تعكس درجات عالية من التشابك مع بعضها البعض. وهكذا فإن الشبكات العشائرية تتداخل جزئياً مع شبكات العمالة المهاجرة، الشبكات العابرة للحدود، والشبكات الإجرامية أو الخارجة عن القانون. كما تغذي شبكات العمالة المهاجرة أو تتكامل مع الشبكات العابرة للحدود والشبكات الإجرامية، والعكس بالعكس. ويمكن المحاججة بأن هذا التنظيم الإجتماعي قد ازدهر كرد مباشر على، أو إلى درجة ما بشكل مستقل عن، الحكم المركزي، السلطوي وغير المتسامح مع الفعل الجمعي المعلن والممأسس (formal).  

وبالعودة إلى الخط الرئيسي لجدالنا، يحتاج المرء أن يدرك إدراكاً كاملاً أهمية الشبكات الإجتماعية الكثيفة والمتشابكة في هذه المنطقة. إن مقاربتنا في هذا الخصوص مستوحاة جزئياً من منظري الشبكات الإجتماعية داخل نظرية الحركات الإجتماعية، ومن أعمال أخرى ذات صلة تقترح آليات يمكن للشبكات الإجتماعية استخدامها من أجل الحشد (ماك آدم وآخرون، 2001؛ أوسا، 2003؛ آينفونر ومار، 2011). في بيئات عالية السلطوية خاصة، حيث تم القضاء على الفضاء العام المفتوح (open public sphere) وحيث يمكن بسهولة مراقبة وقمع المنظمات الإجتماعية المعلن عنها والممأسسة، تلعب الشبكات الإجتماعية غير الممأسسة دوراً (informal) مفتاحياً في الحشد (جرلاش وهاين، 1970؛ شوك، 2005؛ جامسون، 1990؛ دينو، 1993؛ بفاف، 1996).  

خدمت الشبكات الإجتماعية القوية في درعا كحيز إجتماعي مستقل نسبياً عن الرقابة السلطوية للدولة، حيث يمكن للمظالم (grievances) ولمقاومة سلطة البعث أن تبدأ، أن تتطور، وأن يتم تبادلها والتعبير عنها. إما في مساكن متهالكة في عمان أو بيروت أو الخليج، أو أثناء زيارات لعائلاتهم في درعا، شارك العمال المهاجرون الدائريون بنقاشات حامية حول السياسة (23). مما يثير الإهتمام هو أنه يبدو أن التجربة الصعبة للعمال المهاجرين خارج سوريا قد ساعدت في صياغة مظالم ضد النظام. فمثلاً دفع الوجود العسكري السوري القوي، وأحياناً دوره الغليظ، في لبنان حتى عام 2005 العمال السوريين هناك إلى إبعاد أنفسهم عن النظام السوري (تشالكرافت، 2009: 172). كذلك ساعدت الإقامة الطويلة في الخارج في صياغة توقعات عما يجب أن تكون عليه سوريا، وخلقت سخطاً بخصوص ما تقدمه سوريا في الواقع (تشالكرافت، 2009: 217). وقد لاحظ آخرون في سياق آخر هو سياق العمالة المهاجرة الدائرية في الهند، “أن المهاجرين يشكلون جزءاً من ثقافة متنقلة تجعلهم عرضة لعوالم مختلفة من الروابط والدلالات التي تنشر بذور الإستياء” (جيدواني وسيوارامكريشنا، 2003: 191). يمكن أن نفترض بأن سائقي الشاحنات والتكاسي الذين يعبرون الحدود مع الأردن قد طوروا وعبروا عن وتبادلوا بشكل متشابه حكاياتهم عن السياسة الظالمة، وذلك خارج مسامع النظام. يحاجج سكوت (1990: 124) “بأن حظوظ الحاملين الرئيسيين للحكايات الأصلية الخفية (hidden transcripts) … تكون أكبر في امتهان مهن تشجع على التنقل”. وبالطبع فقد عزز غياب المخابرات السورية في الخارج، أو محدودية سطوتها هناك، الطبيعة غير المراقَبة نسبياً للمبادلات بين العمال المهاجرين والسائقين؛ كذلك وفي العموم فقد ولّدت الثقة المكوِّنة للشبكات الإجتماعية فضاءاً مستقلاً نسبياً للتعبير عن ولمناقشة السياسة الداخلية والدولية في سوريا (24).  

إستناداً إلى معرفتنا بالماضي، يمكننا أن نخمن الآن بكثير من الثقة أن عدداً من العناوين والشعارات وهتافات التحفيز في الإنتفاضة – بما فيها تلك التي ظهرت على جدران مدرسة الأربعين في درعا- كانت جاهزة لسنوات. لقد طورها الأفراد أثناء انخراطهم في الشبكات الإجتماعية المحبوكة بشدة والتي هي “غير شفافة بالنسبة للسلطات بقدر ما هي ضرورية للفعل الجمعي المستدام” (سكوت، 1990: 151).

ثانياً، ساهمت الشبكات الإجتماعية في درعا في نقل وتدوير وتفسير المعلومات التي من خلالها تم إدراك تغير الفرص الناتج عن الأحداث الجارية في المنطقة، وكما ساهمت بصياغة تهديدات النظام بشكل دفع الناس إلى الفعل. حتى تشكل إنتفاضة تونس، وإنتفاضة مصر خاصة، فرصاً لا بد من من رؤيتها كذلك، خاصة من خلال مقارنة ومماثلة ظروف سوريا مع ظروف تلك البلدان. خلافاً للتصورات الشائعة في بقية سوريا، فإن سكان درعا المدينة وبلداتها وكثير من قراها يتمتعون بثقافة معولمة (cosmopolitan) وعلى معرفة بالسياسة الإقليمية والدولية، ولهذا علاقة بموضوعنا، وذلك بسبب شبكاتهم العابرة للدول (25). رغم ذلك، وهذا الأهم، كانت شبكات درعا الإجتماعية والقيم التي تجسدها ذات أهمية حرجة في صياغة تهديدات النظام كمصدر للفعل أكثر منها كمصدر للخنوع. تعود بدايات هذه الآليات إلى توقيف إمرأتين من درعا في شباط من عام 2011 واعتقال تلاميذ المدرسة. يتذكر أحد المواطنين المحليين، والذي قابلناه في 19 تشرين الأول عام 2011: “كانت هناك شائعات بأنهم حلقوا شعر المرأتين المعتقلتين، وأنهم أهانوهما وضربوهما. بالنسبة للعشائر، هذا غير مقبول لأنه يمس بشرف المرأتين. لقد كنا غاضبين جداً. وفي هذا السياق كتب الأولاد ما كتبوه على حيطان المدرسة”.[17] وهناك قصة مشهورة ومتداولة بكثرة للأحداث اللاحقة تصف محاولات نائب درعا في مجلس الشعب، ناصر الحريري، التفاوض لإخلاء سبيل الأولاد. وقد رد رئيس فرع المخابرات في درعا عاطف نجيب بازدراء على هذه المحاولات: فقد عرض عرضاً مهيناً بأن يرسل الأهالي نساء درعا إلى مكتبه “حتى أجعلهن يحملن أولاداً جدد” (26). ورغم أن هذا التهديد استغرق لحظات قصيرة، إلا أن هذه الكلمات المنسوبة إلى نجيب كانت مهمة جداً في فهم الرد القوي للأمن كدافع على الإنتفاض ضد إهانات النظام أكثر منه كدافع على الخضوع الصامت. كان يمكن أن تدفع هذه الحادثة أي سوري إلى الغضب الشديد، لكن العقلية المحافظة دينياً للعشائر، بالإضافة إلى إدراكهم القوي للعدالة والشرف والعيب، حوّل هذا الغضب إلى برنامج للفعل. وساهم ما تبع ذلك من عنف لا هوادة فيه من قبل النظام في تضخيم الغضب، والذي بدوره أطلق شرارة حشد درعا.  

ثالثاً، وفرت شبكات درعا الإجتماعية منذ البداية إحساساً بالتعاضد، كما شكلت أيضاً خلفية التجنيد للحراك، التجنيد الطوعي أو المدفوع بالضغط الإجتماعي. حالماً وصلت الأنباء عن مقابلة الحريري لنجيب، تلقت عشيرة الأبا زيد الدعم من العشائر الأخرى. خلال أيام خرج أهل درعا للتظاهر في الشوارع متحدين بذلك النظام تحدياً علنياً. بالطبع كانت مشاركة العديد من الناس بالتظاهر بدافع التضامن التقليدي أكثر منه بدافع القناعة: “عندما تقول لك العشيرة ما يجب فعله، لا يمكنك بأي شكل من الأشكال إهمال ذلك”. ربما كان المشاركون المتأخرون مدفوعين للمشاركة في الحراك بدافع من إحساس شخصي بالغضب والفقدان إذ دخلت أعداد متزايدة من أفراد العشيرة إلى قائمة الجرحى (27). لقد شجعت قوات الأمن دون قصد منها التضامن العشائري حين ركزت اشتباهها على أفراد من عشيرة الأبا زيد واستهدفتهم بناءاً على ذلك (28). وقد كان ضغط العشيرة للإلتحاق بالحراك أشد وضوحاً في حالة الموالين للنظام من أفراد العشيرة والذين يشغلون مناصب ذات تأثير. لقد شعر العديد منهم بضرورة إنتقاد النظام أو قوات أمنه على عنفهم، أو التخلي عن مناصبهم احتجاجاً على العنف.  

أخيراً، لقد وفرت الشبكات الإجتماعية المهارات والموارد التي جعلت الحشد أكثر فاعلية وساعدت باستمراره تحت ظروف تعجيزية من القمع الجماعي (29). على سبيل المثال، تجندت الروابط مع العمالة المهاجرة الدائرية ومع أفراد العشيرة القاطنين في الخارج بسرعة لتأمين تليفونات الأقمار الإصطناعية الثريا لاستباق قطع النظام لشبكات الإتصالات المحلية. استخدم القرويون تحويلات أقاربهم للتكيف في خضم التظاهرات والإقتصاد المحلي المنهار، وكذلك لشراء أسلحة (30). ومع توقف الإنترنت أو تعرضها للمراقبة الشديدة، عبر سائقو الشاحنات والتكاسي والسائقون غير المسجلين الحدود لتهريب فيديوهات عن الإحتجاجات محمَّلة على ذاكرات فلاش، والتي تم رفعها إلى الإنترنت لاحقاً من قبل أقارب في الرمثا أو تم إرسالها بالإيميل من درعا إلى ناشطين في الأردن أو اليمن الذين أطلقوا موقعاً معارضاً على الإنترنت إسمه الشام الإخبارية. وفي طريق عودتهم قاموا بتهريب الأسلحة وكذلك الأدوية والحقن الطبية والأكل وحليب الأطفال، وذلك أثناء حصار درعا الذي دام بين آخر نيسان ومنتصف أيار عام 2011. وعندما شعرت قوات أمن النظام بالدور المفتاحي للمهربين صعدت من مراقبتها للحدود، وأغلقت الحدود بشكل مؤقت، وأرسلت المعتقلين من محتجي درعا إلى “جناح المهربين” في سجن عدرا السيء الصيت، ولهذا دلالاته. قدمت الشبكات الإجرامية مهاراتها الخاصة ومواردها وعلاقاتها للمساعدة في تهريب الأسلحة وغيرها من البضائع. كما وفرت معلومات إستطلاعية عن أماكن إنتشار قوات الأمن وعن حواجزهم، ونظمت بيوت آمنة لإخفاء الناشطين المطلوبين، وأخلت الجرحى والضحايا، وساعدت في إنشاء مستشفيات ميدانية سرية. وقد لا يكون من المستغرب، ربما بسبب مشاركة المجرمين في الإنتفاضة، أن محكمة درعا المحلية كانت أول الأبنية الحكومية التي أُضرِمت فيها النيران رغم أن هذه المحكمة لم تنظر في أية قضايا سياسية (31).

“الإنزياح في الحجم”: الحشد بين آخرين من المنتفضين الأوائل

الآن وقد وضعنا بداية الحشد في سياق بيئتها المحلية والشبكات الإجتماعية، فإنه من المذهل رؤية إلى أي مدى تشترك معظم المناطق التي تبعت حشد درعا بكل أو معظم السمات المفتاحية التي استكشفناها أعلاه. من بين أكثر المنتفضين المبكرين حماساً، بالتوازي مع درعا، كانت محافظات حمص، التي سميت لاحقاً “عاصمة الثورة”، وإدلب ودير الزور (32). في كل هذه الأماكن خرج آلاف من المحتجين، خاصة منذ 25 آذار 2011 فما بعد، ليعبروا بشكل عام عن تضامنهم مع درعا وغضبهم على النظام. في عدة مدن، ومن ضمنها إدلب، أُضرِمت النيران في مقرات حزب البعث وأُسقِطت تماثيل النظام. وحالما قمعت قوات الأمن الإحتجاجات، السلمية في غالبها، بقوة شديدة، تزايدت المظاهرات الجماهيرية بسرعة لتتخطى الإيقاع الأسبوعي المرتبط مع صلاة الجمعة، ولتصبح بذلك أحداثاً يومية.  

إذا اعتبرنا عدد ضحايا الإحتجاجات الموثّقين كمقياس غير مباشر لشدة الحشد المبكر (مأخوذة كعدد الأفراد الذين تم حشدهم في محافظة ما مقارنة مع حصة تلك المحافظة من العدد الكلي للسكان) فإن مدن درعا وحمص وإدلب ودير الزور ستبرز بوضوح كمعاقل الحشد في سوريا خلال بضعة الأشهر الأولى من الإحتجاجات. بين شهري آذار وحزيران من عام 2011، بلغت نسبة الضحايا الموثقين في هذه المحافظات حوالي 70 بالمئة من إحمالي عدد الضحايا الموثقين، في حين أن حصة هذه المحافظات من إجمالي عدد السكان في سوريا لا تتعدى 22 بالمئة (33). بعبارة أخرى، يبدو أن هذه الأرقام تشير إلى أن مواطني هذه المحافظات، أكثر من غيرهم في المحافظات الأخرى، تحركوا ونزلوا إلى الشوارع بأعداد كبيرة خلال تلك الأشهر المبكرة من الإنتفاضة مما أثار ردود فعل متوحشة من قبل قوات الأمن. وتتميز درعا في هذا الصدد إذ قدمت أكثر من 26 بالمئة من إجمالي عدد الضحايا في سوريا؛ أي تقريباً ستة أضعاف حصة المحافظة من إجمالي عدد سكان سوريا وهي 4.4 بالمئة (34). وحصل الشيء نفسه في محافظة حمص حيث قدمت خلال نفس الفترة 25 بالمئة من إجمالي عدد الضحايا المسجلين في سوريا؛ ولا تتناسب هذه النسبة من الضحايا مع حصة حمص من إجمالي عدد السكان في سوريا وهي 8.7 بالمئة (35). لقد شهدت بعض أحياء مدينة حمص، ومن ضمنها باب عمرو، وبعض القرى[18] المجاورة مثل الرستن حشداً كثيفاً. إلى الشمال من حمص، تضخمت الإحتجاجات الجماهيرية في محافظة إدلب واستمرت على مستويات عالية حتى حزيران 2011 على الأقل، وذلك عندما بدأت المواجهات المسلحة بين قوات الأمن وجماعات المعارضة المسلحة. بعد ذلك بوقت قصير إنتقل القتال إلى منطقة جبل الزاوية الوعرة والقريبة من الحدود التركية. على حد الزعم، قدمت محافظة إدلب ما يقرب من 15 بالمئة من إجمالي عدد الضحايا بين شهري آذار وحزيران عام 2011؛ أي أكثر من ضعفي حصتها من السكان وهي 6.4 بالمئة (36). محافظة دير الزور أيضاً شهدت حشداً كثيفاً وشبه آني بعد أحداث درعا، حيث أصبحت عاصمتها دير الزور ومدينة البوكمال مسرحاً لمظاهرات كبيرة ومستمرة. وأيضاً بدأ القتال في البوكمال بين قوات الأمن والمنشقين من الجيش، خاصة منذ صيف 2011 وما بعده. على حد الزعم قدمت دير الزور 3.35 بالمئة من إجمالي عدد الضحايا بين شهري آذار وحزيان 2011 -وهذه حصة ضخمة من الضحايا مقارنة بحصتها من إجمالي عدد سكان سوريا وهي 1.3 بالمئة (37).  

يمكن للمرء أن يفترض بشكل معقول أن الحشد في درعا أثر في بنيات الفرص كما رآها المحتجون في أماكن أخرى من سوريا حين حطم منظر المظاهرات الجماهيرية والعصيان الجماعي غير المسبوق في درعا، والتي كان يبثها ويرويها النشطاء بشكل محموم، أسطورة الإستثناء السوري. ويتفق هذا الإفتراض مع ما تقدمه نظرية الحركات الإجتماعية من تفسيرات (تارو، 1994: 86). وبالمثل، كانت مؤشرات التغيير المنبثقة من تونس ومصر قد رفعت في كل سوريا من سقف التوقعات بأن الحشد الشعبي يمكن أن يصل إلى البلد. في الحقيقة، كان بعض النشطاء المنفردين وبعض الجماعات الصغيرة من المحتجين عبر سوريا محاولات متواضعة أو غير ناجحة للحشد بين نهاية كانون الثاني وحتى منتصف آذار من عام 2011، في الحسكة وباب توما والحريقة (دمشق) وحلب (ليندرز، 2012 أ). لكن هذا لا يفسر كثافة الحشد في أماكن معينة بينما أخفق الإحتجاج الصغير الحجم في أماكن أخرى عن الوصول إلى الكتلة الحرجة خلال الأشهر الأولى من الإنتفاضة. ولذلك، ومن أجل أن يحصل “إنزياح في الحجم” (scale shift) -ونعني الآلية التي بواستطها يزداد “عدد ومستوى الأعمال الإحتجاجية المنسقة، بحيث تؤدي إلى إحتجاج واسع يشمل طيفاً أعرض من الفاعلين ويقيم الجسور بين مطالبهم وهوياتهم” (ماك آدم وآخرين، 2001: 311)- وجب أن نركز على الكيفية التي جعلت الإنتشار ممكناً وكيف أثر هذا الإنتشار في مدن حمص وإدلب ودير الزور بشدة مميزة. بانتظار أبحاث شاملة ومفصلة عن كل مكان من تلك الأماكن، هناك أسباب قوية تدفعنا للظن بأن ذلك النوع من الشبكات الإجتماعية القوية الحبك التي لعبت دورها في حشد درعا قد أدت إلى ومكنت من مستويات من الحشد مشابهة في الكثافة ومن استمرارها بين المنتفضين المبكرين. إلى حد ما، تملك مواقع الإحتجاج المبكر الأخرى صفات متشابهة إلى حد ملحوظ فيما يتعلق بقدرات الشبكات الإجتماعية وآلياتها ذات الصلة الوثيقة بالحشد كما فصلنا أعلاه في حالة درعا.  

ونخص بالذكر أن محافظتي حمص ودير الزور، واللتين تملكان أشكالاً قبلية أو شبيهة بالعشائرية من التنظيم الإجتماعي، كانتا ممثلتين في الإنتفاضة بشكل معتبر (38). كان خالد الخلف من ضمن الزعماء القبليين المرموقين الذين قدموا دعمهم للإنتفاضة علنياً، وهو أحد الشخصيات القيادية في قبيلة السادة البقارة، إحدى أكبر القبائل في دير الزور، وقد كان الخلف قد أُجبِر على اللجوء عام 2008 وانضم لاحقاً إلى المجلس الوطني السوري المعارض. وقد انضم منذ البداية زعيم آخر من نفس القبيلة، وهو الشيخ نواف البشير، إلى المهرجانات الشعبية ضد النظام في دير الزور والبوكمال وفرض نفسه كمساند متحمس للمعارضة السلمية ضد النظام حتى وقت إعتقاله ومقتله، على حد الزعم، تحت التعذيب في حزيران من عام 2011 (الشرق الأوسط، 1 آب 2011). وقد صاغ المحتجون في حمص ودير الزور ثورتهم بشكل واضح بعبارات قبلية حين استحضروا مفاهيم العدالة والكرامة القبلية ليفسروا غضبهم وردّهم على الضحايا الذين أردتهم قوات أمن النظام (ساندز، 2011).[19] وفي بعض الأحيان تم تنظيم بعض المظاهرات كاجتماعات قبلية حصرياً (الجزيرة، 10 حزيران 2011)، في حين أطلق المتظاهرون عبر سوريا إسم “جمعة العشائر” على يوم 20 حزيران تقديراً منهم لدور القبائل في الإنتفاضة[20]. وقد كان رد النظام أيضاً من المؤشرات على دور القبائل في الإنتفاضة، حيث استعرض بشكل متكرر زعماء القبائل من الموالين له من أجل أن يزعم زعمه المتهافت باطراد بأنه لا يزال يتمتع بدعم القبائل الكامل (وكالة الأنباء العربية السورية، 24 آب 2011؛ المنار، 28 أيلول 2011).  

للهجرة الدائرية والشبكات الملازمة لها أهمية خاصة في دير الزور حيث تعتمد مداخيل الأسر على التحويلات أكثر من نظيراتها في درعا (39). رغم أن حمص وإدلب تقعان أدنى من درعا ودير الزور على هذا المقياس، إلا أنهما في مرتبة أعلى بكثير من معظم المحافظات المتبقية (40). من المحتمل أن الأثر التراكمي للهجرة الدائرية والشبكات الإجتماعية المرتبطة بها على الحشد في درعا قد كان مفتاحياً أيضاً لتفسير المنتفضين المبكرين الآخرين.   بالإضافة إلى ذلك، فإن كل المنتفضين المبكرين يشاركون درعا موقعها على أو بالقرب من حدود سوريا الدولية. لقد أكد النظام وكذلك تقارير الإعلام بشكل متكرر على الشبكات الإجتماعية وحركة المرور عبر الحدود التي يولدها هذا القرب عند الحديث عن التهريب، لا سيما تهريب الأسلحة (تشرين، 8 نيسان 2011؛ السبيل، 28 حزيران 2011؛ كريستشان ساينس مونيتور، 9 حزيران 2011؛ ديلي ستار، 23 أيلول 2011). من المعروف عن كل المناطق التي انخرطت في الثورة، بما فيها محافظة حمص، تاريخها في التهريب والحدود التي يسهل اختراقها (عبيد، 2010؛ هتسون ولونج، 2011). مع ذلك لا يوجد ما يحتم الإعتقاد بأن الشبكات العابرة للحدود اهتمت بالتهريب فقط؛ من المحتمل أن مثل هذه الشبكات ساهمت بالحشد وسهّلته بأساليب أخرى متعددة ومهمة أيضاً، كما فعلت في درعا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا ولبنان تميزتا بعد فترة قصيرة كمواقع استضافة للناشطين السوريين الذين يعبرون الحدود محملين بفيديوهات رقمية عن أعمال النظام الوحشية، بأجهزة الإتصال، وبالإمدادات الطبية والطعام. لا بد أن الموارد المالية والبشرية والفكرية التي ولدها القرب من الحدود قد كانت في الأشهر الأولى من الإنتفاضة مركزية بالنسبة للحشد المبكر وبالنسبة لقدرة المحتجين على الإستمرار بفعلهم الجمعي وتوسيعه رغم قمع النظام الشديد.  

وأخيراً كانت مستويات “الجريمة” أعلى من المتوقع فيما لو بنينا التوقعات على نسبة السكان في محافظات المنتفضين المبكرين إلى إجمالي عدد السكان، عدا في حمص. بعبارة أخرى، كانت “الجريمة” متفشية في المحافظات الأربعة أكثر من أي مكان آخر في سوريا. لا تشبه النسبة الرسمية للجريمة في درعا أياً من نسبها في مناطق الإنتفاض المبكر الأخرى؛ ومع ذلك فإن النسب في إدلب ودير الزور، 8.4 و6.7 بالمئة على التوالي من إجمالي الإدانات عام 2009، تبدو عالية جداً بالمقارنة مع حصص المدينتين من إجمالي عدد السكان وهي 6.4 و1.3 على التوالي (41). أما حمص فقد كانت نسبة الإدانات فيها (تقريباً  6 بالمئة) أقل من المتوقع فيما لو بنينا التوقعات على حصتها من إجمالي السكان (8.7 بالمئة) (42). وقد اعترف العديد من النشطاء السوريين أو السوريين المتعاطفين مع الإنتفاضة بالدور المفتاحي لهؤلاء المنخرطين “بالجريمة” وذلك في معرض تأكيدهم على مساهمتهم في الإنتفاضة.

إمتزاجية الشبكات، وليس المؤامرة

يؤكد منظرو نظرية الحركات الإجتماعية بشدة على دور “الوسطاء” (brokers)، حيث ينظرون إليهم كفاعلين مفتاحيين في إقامة الآليات العلائقية (relational mechanisms) التي تبني وتغير الروابط بين الناس والجماعات بحيث تساعدهم على اكتشاف الإهتمامات والهويات التي تجمعهم وعلى التقارب خلال فترات من التبادل المتزايد، مما يساعد بالتالي على نشر التذمر (ماك آدم وآخرون، 2001: 331). إلى حد ما، فإن هذا التأكيد على دور فاعلين مميزين أو على قادة للحشد يجد صدى في إلحاح النظام على أن الإنتفاضة، في درعا وغيرها، كانت من عمل محرضين ومتآمرين مدعومين من الخارج، غالباً ما اتهمهم النظام بأنهم ذوو ميول سلفية أو إسلاموية (islamist). وبالرغم من صعوبة إهمال الإدعاء بأن بعض “الوسطاء” أو المحرضين الإسلامويين قد لعبوا دوراً في الأشهر الأولى من الإنتفاضة (بالطبع فقد ظهر هؤلاء في مرحلة لاحقة من المقاومة المسلحة)، فإن هذه الحجة تعجز وحدها عن شرح ديناميكية الحشد التي مارسها المنتفضون المبكرون شرحاً كاملاً. من أجل أن نفهم كيف يمكن للحشد أن يحصل دون وجود هؤلاء المحرضين، فإنه من المفيد أن نلقي نظرة على الفاعلين الذين اتهمهم النظام بالتحريض وقيادة “المؤامرة” في درعا.  

مباشرة بعد بداية الحشد الجماهيري في درعا، ركز النظام السوري سرديته التي رد فيها على الإنتفاضة على “المحرضين” و”المتآمرين” الذين اتهمهم بقيادة الثورة. في هذا الصدد وجدت شخصيتان رئيسيتان نفسيهما هدفاً لاهتمام النظام: الشيخ أحمد الصياصنة إمام الجامع العمري في درعا، ومفتي درعا الشيخ رزق عبد الرحيم أبا زيد (وكالة الأنباء العربية السورية، 27–29 نيسان 2001، 10 و27 أيار 2011). صورت رواية النظام هذين الرجلين على أنهما العقل المدبر وراء الإنتفاضة واتهمتهما بتدبير عمليات إرهابية مزعومة ضد قوات الأمن قام بها متطرفون سلفيون أو إرهابيون. ووُجِهت إليهما تهمة الحصول على موارد مالية وأسلحة من سلفيين من السعودية، والدعوة إلى الجهاد، والتحريض على المظاهرات، وإصدار فتوى وسمت قوات الأمن السورية “بالصهاينة”، واستئجار متطوعين للهجوم على قوات الأمن وإحراق مبنى فرع حزب البعث. ولمحت الرواية إلى وجود علاقة بين الصياصنة وعدنان العرعور، وهو شيخ ولد في درعا[21] واشتهر بعدائه للشيعة، والذي زعمت تقارير وكالة الأنباء العربية السورية بأن قام حيث يسكن في السعودية بتسهيل الصلات بين الصياصنة والداعمين السعوديين.  

بالإضافة إلى ذلك فقد زعم النظام بأن الرجلين وشركاءهما في المؤامرة حصلا على مساعدة أعضاء في مجموعات متطرفة تشمل فتح الإسلام وجند الشام، ومساعدة مجندين جدد حرضهم الشيخ المصري المتطرف يوسف القرضاوي (بي بي سي العربية، 28 آذار 2011؛ التلفزيون الرسمي السوري، 10 أيار 2011). ليس من المدهش أن رواية النظام ربما تخفق في الإقناع. في الحقيقة لقد كانت الرواية صادقة فقط في وصف أفكار العرعور والقرضاوي، حيث أصدر الرجلان فعلاً تصريحات تدعو السوريين لإسقاط النظام العلوي في سوريا كجزء من واجبهم الديني. لكن العرعور ترك السعودية منذ سنوات ثم توجه إلى لندن، وهو يسكن الآن في الأردن. أما رسالة القرضاوي فقد أخفقت في أن تلقى صدى في شوارع درعا، ولم نجد بعد التدقيق في عدد كبير من فيديوهات اليوتيوب أية شعارات أو لافتات ذكرت أو عبرت عن أفكاره خلال الأشهر الأولى من الإنتفاضة. أما الإشتراك المزعوم لفتح الإسلام وجند الشام فإنه يثير من الأسئلة أكثر مما يجيب عليه. أولاً، لماذا يتوجه المحتجون إلى أفراد من المؤسسة الدينية، سبق وأن تحالفوا مع النظام، إذا كانت المنظمتان المسلحتان المذكورتان قد قادتا الحشد الشعبي أو اختطفتاه، أو لعبتا دوراً هاماً بطرق أخرى؟ (43) زد على ذلك أن المنظمتين كانتا منتهيتين حيث كان كل أعضائهما وقادتهما المعروفين، بمن في ذلك أفراد من قرى قرب درعا، في السجن وبقوا في السجن طوال فترة الأشهر الأولى من الإنتفاضة على الأقل (44).  

فعلاً ألقى الرجلان خطباً غاضبة أمام جموع من المحتجين، كما وانتقد الصياصنة بشدة قسوة النظام في نشرات أخبار القنوات الفضائية العربية. ومع ذلك لم يَقبل أي من نشطاء أو سكان درعا الذين أجرينا معهم مقابلات بأن يصفوا هذه الرجلين كقادة للحشد أو كأشخاص لعبوا دوراً مفتاحياً فيه (45). ما عدا أحيان قليلة من الظهور العلني، بقي المفتي غائباً أثناء المظاهرات. ويبدو أن الصياصنة قد دُفع إلى موضع يبدو فيه مهماً لأن المسجد الذي يقوم على خدمته اًصبح معقلاً للمعارضة، وقد تكرس هذا الموضع فقط عندما قصفت قوات الأمن على المسجد وهجمت عليه كرد على الإحتجاجات. كنتيجة لذلك اضطر الصياصنة، ومعه عدد من الوجهاء الذين كانت تربطهم علاقات بالنظام، أن يأخذ موقفاً. في الحقيقة، قال أحد السكان أن الصياصنة ذهب إلى قريته القريبة في الأسبوع الأول من الإحتجاجات ليحث على ضبط النفس وليثبط أهالي القرية عن القدوم إلى مدينة درعا من أجل التظاهر. أخيراً، وبعدما أسكت النظام الصياصنة ورزق بأن وضعهما تحت الإقامة الجبرية وقتل أقاربهما وأجبرهما على الإعتراف بأنهما “أخطأا” بدعمهما للإحتجاجات، استمر الحشد دون هوادة. ونخلص إلى النتيجة، وهي أن المحرضين “الإرهابيين” والثوريين الرئيسيين في درعا لم يكونوا أكثر من أوهام نظام يبحث دون جدوى عن “متآمرين” ليستأصلهم.  

خلال الأشهر الأولى للإنتفاضة، تميز حشد المنتفضين المبكرين أيضاً بغياب الوسطاء أو القادة المفتاحيين. وهذا ما دعى المعلقين السوريين المعارضين للنظام وناشطين آخرين أكثر شهرة للتذمر من غياب القيادة، والتي اعتقدوا أنها ضرورية من أجل تحويل الإحتجاجات الجماهيرية إلى ثورة حقيقية (46). فقط في أواخر الصيف جرت محاولات لإنشاء مثل هذه القيادة، رغم أن هذه الجهود لم تكن ناجحة إلى تاريخه (47).  

تشير نتائج أبحاثنا إلى أن الشبكات الإجتماعية الكثيفة وقابليتها للإمتزاج (miscibility) قد أدت إلى حد بعيد الدور المخصص “للوسطاء” أو “المتآمرين”، وربطت بين أفراد من أصول مختلفة عبر المنطقة الواحدة وبين المناطق، في المدينة والريف، ومن طبقات إجتماعية-إقتصادية متعددة. ونذكر هنا باختصار “تنسيقية الحي” التي ظهرت في درعا من أجل شرح هذه النقطة (48). تشكلت أول “لجنة” من هذا النوع مباشرة بعد استخدام النظام للعنف في 18 آذار وبطريقة عفوية، وشكلها 82 رجلاً إلتقوا ببعضهم البعض على جبهات المواجهة مع قوات الأمن. “لم يشكل أحد اللجنة، لقد تشكلت لوحدها” (49). كان بعض أفراد اللجنة فقراء، وآخرون كانوا ميسورين، بعضهم كانوا عاطلين عن العمل، وآخرون كانوا يديرون أعمالهم الخاصة. تراوحت أعمارهم بين 26 إلى 48 سنة. جاؤوا من معظم عشائر درعا الرئيسية. كان لبعضهم أقرباء في الخارج، غالباً في الخليج. أغلبهم كان قد أمضى بعض الوقت في السجن، لكن ليس بسبب جرائم خطيرة. جمعوا مواردهم ومهاراتهم وعلاقاتهم وبدؤوا بالتفاوض مع قوات الأمن من أجل وقف إراقة الدماء. وعندما أخفقوا في تحقيق هذا الهدف، بدؤوا يقدمون الحماية والمعلومات إلى المحتجين، كما شجعوا جنود الجيش على الإنشقاق. أما الباقي فقد أنجزه عنف النظام المستمر دون هوادة: “كان هناك شعور جمعي غير مسبوق، لقد شعر كل شخص وكأنه يعرف الآخرين منذ سنوات. في الحقيقة، إن إعتداءات السلطات جعلت الروابط بينهم أقوى بكثير” (50).  

بينما ازداد عدد أعضاء اللجنة، إنتشر نموذجها إلى كل المنطقة، وخلال أسابيع أصبح للعديد من القرى والبلدات “لجانها” الخاصة بها. كانت الخطوة الثانية أن بدأت هذه اللجان تتواصل مع بعضها البعض، وساعدت بعضها البعض عند الحاجة. وبالرغم من أن أعضاء اللجان في هذه المنطقة لم يكونوا يعرفون بعضهم البعض شخصياً قبل الإنتفاضة، إلا أنهم شبكوا مع بعضهم البعض من خلال الشبكات الإجتماعية المتداخلة والتي بنوها عبر السنين، والتي بدأت توفر الإطار المعرفي والمعارف والتكافل والمهارات والموارد من أجل الإنتفاض ضد الحكم السلطوي.  

إنتشرت “لجنة” درعا إلى بقية المنتفضين المبكرين في أماكن أخرى من سوريا، جزئياً بسبب التقليد وجزئياً لأنها نشأت في الشبكات الإجتماعية وعكست آليات مماثلة لها. تطورت هذه اللجان بعد وقت قصير لتصبح شبكة متشعبة (لا شكل لها amorphous web) من اللجان والمفوضيات والمجالس والنقابات، بما في ذلك لجان التنسيق المحلية (Local Coordinating Committees) (شديد، 2011). استمر التشظي وغياب القيادة الواضحة إلى صيف 2011 على الأقل. من وجهة نظر معينة، ساهمت هذه اللامركزية واللاتراتبية التي استم بها الحشد بزيادة مرونة المحتجين السوريين في مواجهة قمع النظام، بينما عبر آخرون عن سعادتهم لغياب قيادة واضحة لأن “الثورات ذات القيادات الكاريزمية غالباً ما تنتهي بإنقلابات عسكرية” (51). فيما يخص النقطة الأولى، يبدو أن المنتفضين السوريين المبكرين يدعمون تأكيد بعض الكتاب الذين استلهموا نظرية الحركات الإجتماعية على أن الذين يتحدون السلطة  يكونون أكثر فاعلية عندما ينظمون أنفسهم في شبكات (جيرلاش وهاين، 1970؛ جامسون، 1990؛ شوك، 2005: 52). في الحقيقة، لم يكن للنظام السورية ليوقف الحشد باعتقال قيادته مهما حاول ذلك. رغم ذلك ومع قدوم رمضان في آب من 2011 يبدو أن قمع النظام، بالإضافة إلى تكتيكاته الذكية في تفريق المعارضة وحشد ولاء الداعمين له والمتفرجين، قد استطاع إجبار الحشد على الإبطاء. هذه الحملة المعادية للثورة فرضت الحاجة إلى جهود متحدة ومنسقة وماكرة (resourceful) من أجل مقاومة النظام والإنتصار عليه. لكن الجهود التالية لإنشاء مثل هذه القيادة تعرقلت لأسباب ليس أقلها كون أولئك الذين قدموا أنفسهم على أنهم المرشحون المناسبون كانوا بعيدين عن القاعدة الشعبية السورية ولأنهم، ويمكن دائماً اتهامهم بهذا، حاولوا فرض أنفسهم كقادة لانتفاضة شعبية بدأت وانتشرت دونهم. وبذلك، وإلى حد ما، ما كان مصدراً لقوة الحشد في الأشهر الأولى أصبح عبئاً بعد ذلك.  

إستنتاج

هناك منحى يحلل الإنتفاضات الشعبية، وخاصة الثورات، كحدث واحد تؤثر مآلاته بشكل رجعي على دراسة مراحله المبكرة أو المتوسطة. لقد فصفصت هذه المقالة، مدركة التحذيرات من مثل هذه المقاربة ومعترفة بالطبيعة الفوضوية وغير الخطية والسريعة التغير للحشد والإحتجاج (ماك آدم وآخرون، 2001)، الإنتفاضة السورية إلى مركباتها من خلال التركيز على الأشهر الأولى والمنتفضين المبكرين .حاججنا في البداية أن بنيات الفرص قد تغيرت بشكل كبير لمصلحة الحشد في كل سوريا وذلك بعد الأحداث الثورية الجذرية في تونس ومصر. أي أن الدفع الأولي جاء من الخارج. لكننا حاججنا أنه، من أجل أن يكون لهذه الأحداث الخارجية تأثير ملموس على الميل نحو الحشد، لابد أن بنية الفرص في درعا نفسها قد شجعت على الحشد الفعال، وذلك جزئياً بسبب التصور المتجذر عن ولاء درعا لنظام البعث وعن خصائصها “الهامشية” أو “المتخلفة” أو “المعزولة” والذي خلق فضاءاً مناسباً يتيح للإنشقاق أن يتنظم بطريقة غير مؤسساتية ودون جذب إنتباه النظام. إن صياغة النظام السردية للفرص لعبت دوراً في قولبة بنيات الفرص: لم تكن هذا الفرص بالكامل نتيجة لعمل أعداء النظام. إن ارتفاع مستوى التهديد لعب أيضاً دوره وذلك حين تعرضت درعا للقمع المتوحش ولعنف النظام. حالما أكدنا وجوب النظر إلى “الفرصة” و”التهديد” على أنهما شرطان ضروريان لكن ليسا كافيين للحشد الفعال، انتقلنا إلى الشبكات الإجتماعية الكثيفة للمنتفضين المبكرين. تمحورت هذه الشبكات حول البنيات القبلية أو العشائرية، والعمالة المهاجرة الدائرية، وحركة المرور و”الجريمة” عبر الحدود،  وشكلت فضاءاً إجتماعياً مستقلاً نسبياً عن الرقابة السلطوية للدولة يمكن فيه للمظالم والآراء غير المنضبطة (nonconforming views) عن الخضوع لسلطة البعث أن تنمو وتتطور وتتقولب وتنتشر. ساهمت هذه الشبكات الإجتماعية في نقل وتدوير وتفسير المعلومات التي من خلالها تم إدراك الفرص المتغيرة المنبثقة من أحداث المنطقة، وتم كذلك فهم تهديدات النظام بطريقة دفعت الناس إلى الفعل. منذ البداية، وفرت الشبكات إحساساً مهماً بالتعاضد وشكلت الخلفية التي تم على أرضيتها التجنيد من أجل الحشد، طوعياً وتحت الضغط الإجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، وفرت هذه الشبكات مهارات وموارد هامة لفعالية الحشد واستمراره تحت ظروف شديدة من القمع المكثف. أخيراً، حاججنا أن الشبكات الإجتماعية الكثيفة، بسبب إمتزاجيتها العالية وخصائصها المتداخلة بشدة، حلت محل الدور المناط “بالوسطاء” (حسب تعبير نظرية الحركات الإجتماعية) أو “بالمتآمرين” (حسب التعبير الذي يفضله النظام)، ونجحت في الربط بين أفراد من أصول مختلفة عبر المنطقة، مدينة وريفاً، ومن طبقات إجتماعية-إقتصادية متعددة. كانت النتيجة حشداً “لا قائد له” في معظمه، الأمر الذي أعطى للحشد في البداية مرونة في مواجهة نظام مصمم على إيجاد “متآمرين” ليقضي عليهم. لكن عندما ازداد قمع النظام وتطورت تكتيكاته المضادة للثورة، تعرقلت المحاولات لإدارة معارضة أكثر تنسيقاً واتحاداً ومكراً بسبب قيادة ناشئة منفصلة نسبياً عن الحشد الشعبي الذي بدأ واستمر لأشهر دونها.

هوامش المترجم

[1] كانت نظرية الحركات الإجتماعية من أوائل النظريات التي استخدمها الباحثون والمراقبون الغربيون لتحليل ظواهر الربيع العربي. وهذه المقالة تدفع أيضاً في هذا الاتجاه من خلال إدخال بعض التغييرات على تلك النظرية لتشمل الطبيعة غير المؤسساتية لكثير من المجتمعات العربية. نظرية الحركات الاجتماعية تهتم بالظواهر السياسية (خاصة المطلبية المعارضة) ذات الإنتشار الواسع التي يصعب ربطها بحزب واحد أو طبقة واحدة. لقد استُخدِمت النظرية بنجاح لتحليل حركة المطالبة بالحقوق المدنية للسود في أمريكا في الستينات، والحركات النسوية في الستينات والسبعينات، والإحتجاجات النقابية العمالية في الثمانينات (إنكلترة مثالاً)، وتيار الخضر (المدافعون عن البيئة) في التسعينات. النظرية ترى أن هذه الحركات هي تحالف واسع بين أنماط مختلفة من مؤسسات المجتمع المدني من أجل استغلال فرص سياسية لتمرير مطالب ملحة. النظرية تحلل شبكات التحالف لكنها تفترض أن المشاركين ينضوون تحت مجموعات منظمة لديها خبرة مؤسساتية وتمثل الشرائح من المجتمع التي تستطيع أن تجيشها. وبما أن الثورة السورية لم تبدأ كتحالف مؤسسات مجتمع مدني فقد وجب تطوير النظرية لتشمل الشبكات الإجتماعية غير الممأسسة. (المترجم)

[2] مصطلح مينا MENA مستخدم بكثرة في العلوم السياسية والمنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية المختصة بالتنمية العالمية. قد يرى بعض القراء أنه من المبرَّر جمع شرق المتوسط بمصر والمغرب وقد لا يرى هذا بعضهم الآخر. لكن العلوم الإجتماعية الغربية والمنظمات الدولية تجمع بين هذه المناطق التي تتحدث أغلبية سكانها بلهجات عربية مختلفة. (المترجم)

[3] النموذج النظري أو paradigm هو مجموعة من الفرضيات الأساسية التي تعتمدها جملة من النظريات بحيث تشكل هذه الفرضيات منظوراً واحداً للأمور تشترك به جميع هذه النظريات. فمثلاً دراسة ميكانيك الأجسام الأرضية ودراسة ميكانيك الأجرام السماوية تشترك بالمنظور النيوتوني الذي يرى أن الأجسام تتفاعل من خلال قوى الجاذبية المرتبطة طردياً بالكتلة وعكسيا بمربع المسافة. وكذلك فإن التحليل الماركسي للظواهر الإجتماعية والتحليل الفوكودي (Foucault) يشتركان بالمنظور البنيوي الذي يعتقد أن الظواهر الإجتماعية محكومة بقواعد خفية قاهرة لا تتغير تقوم على تفاضل في امتلاك السلطة. وما أراده الكاتب باعتقادنا من استخدامه لهذا المصطلح هو الإشارة إلى أن الحوار الذي دار على صفحات مقدمة الإصدار الخاص تطرّق إلى نظريات إجتماعية تشرح مجموعة كبيرة من الظواهر، وهذا ما ينطبق على نظرية الحركات الإجتماعية. ولذلك فقد فضلنا ترجمة مصطلح paradiam بعبارة النظريات الشمولية بدل استخدام الترجمة الحرفية أو “النموذج النظري” غير الواضح في السياق هنا، (المترجم).

[4] هذه المقالة جزء من إصدار خاص لمجلة السياسة المتوسطية (Mediterranean Politics)، مجلد 12، عدد 2. (المترجم).

[5] إيمانويل دلماسو. “التزلج على التسونامي الديمقراطية في المغرب: مجتمع غير مسيس وإعادة تشكيل نظام سلطوي مستدام”. مجلة السياسة المتوسطية، مجلد 12، عدد 2، صص. 217-232، تموز 2012.

Emanuela Dalmasso. “Surfing the Democratic Tsunami in Morocco: Apolitical Society and the Reconfiguration of a Sustainable Authoritarian Regime”. Mediterranean Politics, Vol. 17, No. 2, 217-232, July 2012.

[6] حازم قنديل. “لماذا سارت الطبقة الوسطى المصرية إلى ميدان التحرير”. مجلة السياسة المتوسطية، مجلد 12، عدد 2، صص. 197-215، تموز 2012.

Hazem Kandil, “Why did the Egyptian Middle Class March to Tahrir Square?” Mediterranean Politics, Vol. 17, No. 2, 197-215, July 2012.

[7] مفهوم “الفرصة” أو “الفرصة السياسية” في نظرية الحركات الإجتماعية هو عبارة عن شروخات صغيرة في الجدار المنيع الذي تمثله سلطة الدولة. قد يتمثل هذا الشرخ في وصول أطراف جديدة إلى مراكز اتخاذ القرار، أو في صدور قوانين جديدة للعمل السياسي، أو في تزعزع تحالف النخب الحاكمة، أو في انخفاض قدرة السلطة على القمع. في الحقيقة فإن هذه الشروخات قد تكون انطباعات خاطئة لدى المنتفضين على السلطة لكنها تساهم في إقناعهم بجدوى الإنتفاض وكسر حائط الخوف الذي يشلهم عادة. تركز نظرية الحركات الإجتماعية على فرص حقيقية أكثر من تركيزها على فرص متخيلة. ونعتقد أن تطبيق هذا المفهوم على الإنتفاضة السورية سينجلي عن فرص متخيلة أهمها باعتقادنا الزيادة السريعة في عدد السكان التي أدت، بالتزامن مع رغبة النظام في التقرب إلى الشعب وتحسين صورته بعد احتلال العراق واغتيال الحريري، إلى اعتقاد هؤلاء الشباب بأن النظام قد غير من قسوته أو خفض من اعتماده على القمع المضاعف وغير المتناسب طرداً مع حجم المعارضة له. للكاتب الأول دراسة أخرى ظهرت عام 2013  تفصل تطبيق النظرية على الإنتفاضة السورية (المترجم). رايناود ليندرز. “نظرية الحركات الإجتماعية وانطلاق الإنتفاضة الشعبية في سوريا”. فصلية الدراسات العربية، مجلد 35، عدد 3، عدد خاص: وجهات نظر عن الإنتفاضات العربية (صيف 2013)، صص. 273-289.

Reinoud Leenders. “Social Movement Theory and the Onset of the Popular Uprising in Syria”. Arab Studies Quarterly, Vol. 35, No. 3, Special Issue: Perspectives on the Arab Uprisings (Summer 2013), pp. 273-289.

[8] تؤكد النظرية على ضرورة وجود “وسطاء” (brokers) بين المعارضين المنتفضين والمجموعات المنظِمة وعلى دورهم في نشر ذهنية الإحتجاج وتحدي الوضع القائم وتنظيم الحراك المجتمعي. لكن الكاتبين لم ينتبها إلى أن هذه الشبكات الإجتماعية الكثيفة تقوم أيضاً على وسطاء، ذوي سمات قيادية، ينقلون الأخبار ويحفزون الناس وينظمونهم رغم عدم وجود مؤسسات ترعى وتنظم فكرة الإحتجاج والحراك المجتمعي. التنظيم في الإنتفاضة السورية “ناشئ” (emergent) وليس مفروضاً من فوق من أية مؤسسة “طليعية”. أما “الوسطاء” أو “المنظمون” (مثل غياث مطر في داريا) كما عرفتهم الإنتفاضة السورية فكانوا عاملاً اساسياً في الحشد ومن ثم التنظيم. (المترجم)

[9] يستعير الكاتبان هنا تعبير “المؤثرات الصوتية” (sound effects) المعروف من الأفلام من أجل بناء تعبير جديد هو “المؤثرات الإحتجاجية” (demonstration effects)، وكأن فعل الإحتجاج بحد ذاته يخلق جواً ملائماً لظهور ردات فعل معينة من النظام واستجابات قوية من الجماهير المتفرجة تؤدي بالتالي إلى مزيد من الإحتجاجات. وهذه هي بالفعل الحلقة التي شعر الجميع بها في بداية الإحتجاجات (المترجم).

[10] يتماشى هذان التعبيران مع اللهجة الحذرة والمحايدة التي انتهجتها وسائل الإعلام وحتى مؤسسات البحث الغربية تجاه الثورة السورية. المقالة لا تتحدث عن ثورة وإنما عن إنتفاضة، ولا تتحدث عن ثائرين وإنما عن ناشطين ضد النظام (anti-regime activists)، كما لا تتحدث عن موالين أو أعوان وأزلام للنظام وإنما عن “شاغلي مناصب في صفوف النظام” (regime incumbents). قد يكون هذا الحذر والحياد محمودين من وجهة نظر أكاديمية بحتة أو من وجهة نظر الوسيط المحايد بين أطراف الأزمة، لكن الحقيقة وللأسف هي أنهما قرار سياسي أيديولوجي غربي غير محايد في التعامل مع الحالة السورية كان ولا يزال له تبعات كارثية على سوريا وعلى الغرب باعتقادنا. ولسنا هنا في موقع إلقاء اللوم، كما أن الأمانة في الترجمة صفة مهنية لا يجب التخلي عنها. لكننا لم نجد في اللغة العربية تعبيراً متداولاً يعبر عن فكرة “شاغل منصب” (والمستخدم عادة للإشارة إلى مرشح الإنتخابات الذي يشغل المنصب ويحاول إعادة انتخابه إليه)؛ فاخترنا التعبير السوري العامي المتداول والمعبر، وإن كان بتهكم، عن موظفي النظام (وليس الدولة) والمؤيدين له، ونعني “جماعة النظام”. وكما أجاز الكاتبان المحايدان لنفسيهما تعبير “نظام” (regime) بدل “حكومة” (إذا لا يزال المجتمع الدولي يعترف بالنظام كحكومة شرعية لسوريا) فقد أجزنا لأنفسنا تعبيراً مثل “جماعة النظام” (المترجم).

[11] لا نعرف إذا كان الكاتبان يقصدان المبادرات التي أطلقها البعث في مجال الإصلاح الزراعي أم أن البعث هو أول من أطلق مثل هذه المبادرات. القصد الثاني غير صحيح فجدال الإصلاح الزراعي كان موجوداً منذ الخمسينات في سوريا. ونعلم أن قوانيناً لتأميم الأراضي صدرت أيام الوحدة مع مصر، ولا نعلم إن كانت هناك قوانين سابقة لها (المترجم).

[12] إدراك أهمية العمل السياسي بمعناه الأوسع، أي العمل الجمعي من أجل الصالح العام (المترجم).

[13] لقد تعجل الكاتبان في قبول واستخدام المصطلح المجتمعي “الدرعاويين” كما يستخدمه السوريون دون تحليل إجتماعي أكاديمي له. ماذا يعني السوريون عند استخدام مصطلح “درعاوي”، وهل يمكن أن ننبذه كصورة نمطية أو كاذبة عند “أهل المدن الكبرى”، أم أن الصورة النمطية بحد ذاتها تعبير مفهومي ولغوي عن صراعات مجتمعية وأيديولوجيات معينة. إذا كان للصورة النمطية هذا التأثير المزعوم بإبعاد “شبهات الإنتفاض” عن درعا فهذا يعني بأن الصورة النمطية فاعل مهم في الحركات الإجتماعية ويجب أن يؤخذ بعين الإعتبار لا أن يُعتبر من جهل العوام (المترجم).

[14] نعتقد أن هذا الفهم لمعنى “الفرصة السياسية” في نظرية الحركات الإجتماعية حشر تعسفي للوقائع في النظرية. كما شرحنا سابقاً فإن الشرخ في بنية النظام متخيل وسببه انخفاض مستوى الخوف عند الشباب وليس سببه تخفيف عدد عناصر المخابرات في درعا. إن مفهوم الشبكات في النظرية قادر على شرح الحشد ولا داعي للتقيد الحرفي بالنظرية ومحاولة استخدامها في شرح كل شيء وكل الظواهر المرتبطة بسيرورة معقدة مثل الإنتفاضة. إن نظرية الحركات الإجتماعية تفترض وجود دولة قانون ومجتمع مؤسسات، كما لا تولي أهمية كبرى للتغلب على حاجز الخوف وإنما على حاجر الحسابات العقلانية للمشاركين في الحركة الإجتماعية (استغلال الفرصة مقابل التهديد بالعنف أو صرف الطاقات في الحشد مقابل احتمال الفشل). لكن في الحالة السورية فإن المجتمع يفتقد إلى المؤسسات، والدولة لا تملك قوانين تسمح بأي تحرك سياسي معارض أو حتى مؤيد، وحاجز الخوف يعتبر جبلاً شاهقاً لا يمكن تسلقه لذلك فإنه من الضروري تغيير مفهوم الفرصة السياسية كلياً ليشمل مثل هذه المجتمعات. النظرية بشكلها الحالي (الغربي بامتياز) قد لا تشرح الأيام السابقة لإنتفاضة الثامن عشر من آذار أو اللاحقة لها لكنها تشرح بجدارة تنامي الحشد واستمرار التظاهر. أية نظرية إجتماعية ليست كلاً متكاملاً يجب تطبيقه كله أو رميه كله، وإنما هي مجموعة أدوات مفهومية يجب دائماً إعادة النظر في توليفتها واتساع مفاهيمها، خاصة وأن هذه النظريات صُممت لتشرح المجتمعات الغربية غالباً (المترجم).

[15] “الأسرة” (family)، “المجموعة الأسرية” (kinship group)، “الأسرة الممتدة” (extended family)، “العشيرة” (clan)، “القبيلة” (tribe)، “التحالف القبلي” (tribal confederation)، و”النزعة القبلية” (tribalism) كلها مفاهيم أنثروبولوجية رغم كون بعضها يدل على مفاهيم مجتمعية متداولة ومعروفة. يعتمد الكاتبان هنا على التفريق بين هذه المفاهيم من حيث الحجم والدور السياسي من أجل نفي صفة “القبلية” عن العشائر الدرعاوية. وذلك لأن صفة “القبلية” تضعهم في مصاف المجتمعات التي تلعب فيها القبائل دوراً سياسياً هاماً مثل العراق واليمن والعربية السعودية؛ هذا بالإضافة إلى ما تحمله كلمة “نزعة قبلية” من دلالات سلبية مثل العصبية وتفضيل أفراد القبيلة حين الحصول على منصب سياسي رفيع. ويعتقد البعض، ويبدو أن الكاتبان منهم، بأن الحجم ينفي النزعة القبلية أو الدور السياسي، فحين يستخدمون مفهوم “الأسرة الممتدة” (أي الأقارب الأقربون ما يلي الأب والأم والإخوة) فإنهم يؤكدون على التكافل الإجتماعي والعلاقات الأسرية العاطفية والإجتماعية القوية. في الحقيقة، نعتقد بأن الكاتبين لا يملكان الأدوات النظرية الكافية لفهم طبيعة المجتمعات الدرعاوية حيث لا نرى أية إحالة إلى مراجع سوسيولوجية أو أنثروبولوجية يمكنها أن توضح لنا ما يقصده الكاتبان بالفرق بين العشيرة والقبيلة والأسرة الممتدة والتحالف القبلي والنزعة القبلية التي يريدان أن ينفياها عن العشائر الدرعاوية السبعة التي سمياها وأن يلصقاها بقبائل الشمر والجبور التي يعتقدان أن لا وجود لها في درعا أو أنها تمثل مستوى من التدخل السياسي للقبيلة لا ينطبق على العشائر الدرعاوية. ونعتقد أن هذا الدفاع ليس إلا تحيزاً غير ضروري لمصادر الكاتبين، أصله محاولة إضفاء الطابع المديني البرجوازي على عشائر درعا ونزع صفة القبلية عنها والتي قد تحيل القارئ إلى البداوة أو الريفية. هذا الحذر المفهومي اللغوي ليس إلا جزءاً من الصراع الإجتماعي السياسي في المجتمع الدرعاوي والمجتمع السوري الأكبر، وننتظر من الكاتبين أن يقدما للقارئ شروحاً سوسيولوجية له وليس اعتماده كمرجع نظري والدفاع عن دلالاته السياسية. من الواضح أن “الشبكات العشائرية” في درعا مهما كانت طبيعتها قد لعبت دوراً سياسياً مهما في الثورة السورية، في تلك المنطقة وفي مناطق أخرى كثيرة في سوريا. ولسنا هنا بصدد إلصاق تهمة (أو صورة نمطية كما سماها الكاتبان) على المجتمع الدرعاوي وإنما نسعى إلى توفير الأدوات النظرية المناسبة لفهم ظاهرة معقدة مثل الثورة السورية ومجتمع مغيَّب عن التحليل السوسيولوجي الأكاديمي الرصين مثل المجتمع السوري (المترجم).

[16] العمالة المهاحرة الدائرية (circular migrant labor) تدل على حركة العمال بين بلدين أو منطقتين بشكل مؤقت، متكرر، وقانوني. الهجرة قد تعني الإنتقال النهائي إلى بلد آخر بقصد العيش والعمل، لكن العمالة المهاجرة الدائرية تركز على الإنتقال المؤقت بقصد العمل. وقد يتجدد هذا الإنتقال عدة مرات حيث ينقل العامل خبرته إلى البلد المضيف وينقل ثروته لاحقاً إلى بلد الأصل (المترجم).

[17] هل هذه فرصة سياسية تمت صياغتها في شبكات معولمة، أم أن النزعة العشائرية والحمية العربية (أو الفزعة والدفاع عن الشرف، وهي ليست صفات إسلامية محافظة كما وصفها الكاتبان) كانت ستؤدي إلى نفس النتيجة، حتى لو لم تكن هناك أحداث في تونس أو مصر، وحتى لو لم تكن الشبكات معولمة؟ قد لا يكون هذا السؤال مهماً اليوم بعد سنوات من الصراع استقطبت السوريين بشكل يرفض أي تفسير للإنتفاضة لا يأخذ الغضب اللاحق للإنتفاضة بعين الإعتبار، بل  وأكثر من الغضب السابق لها. لكنه سؤال مهم نظرياً، لأن الفرصة قد لا تكون بسبب عولمة الشبكات الإجتماعية ولكن بسبب طبيعة الثقافة العشائرية التي تفرض الإنتفاض واستخدام العنف عندما يتعدى تصرف النظام حداً معيناً، وهذا يشبه ما يحصل في جرائم الشرف (ومن هنا مقولة “عار لا يغسله إلا الدم”). وهناك سوابق تؤكد ذلك. ولا يزال كثيرون يعتقدون بأن النظام كان قادراً على تفادي المشاكل في درعا حتى بعد اعتقال المرأتين والتلاميذ لو أنه فعًل أدوات المصالحة العشائرية وقدم الإعتذارات الواجبة في حالات الإعتداء على الشرف. رغم ما قد يعنيه هذا الإعتقاد من نظرة نمطية لدرعا، كما وصفها الكاتبان، إلا أنها فرضية تجب مناقشتها. قد تكون الفرصة قد تشكلت حين رفض النظام الإعتذار وزاد عليه تهديداً بالإغتصاب، وهي بالتالي فرصة ناتجة عن الثقافة وليس عن الشبكات المعولمة. باعتقادنا أن الشبكات ساهمت في الحشد وليس في خلق الفرصة، وأن عولمة الشبكات ساهمت لاحقاً في استمرار المظاهرات من خلال استجلاب الدعم عبر الحدود. لا داعي لحشر الوقائع في النظرية إذا كان الشكل الحالي للنظرية لا يحتمل هذه الوقائع أو غير متطور بشكل كاف لشرحها بطريقة مقنعة (المترجم).

[18] كذا!؛ (المترجم).

[19] للأسف لم يلحظ الكاتبان أن مفاهيم مثل العدالة والكرامة من المفاهيم الأساسية في الثقافة العربية والشرق أوسطية بشكل عام ولا يمكن تخصيصها بالإرث القبلي أو الثقافة القبلية فقط. إن شعار “ثورة الكرامة والحرية” من الشعارات الأكثر رمزية في الثورة السورية والذي لم نجد إلى الآن أي اهتمام أكاديمي (أنثروبولوجي مثلاً) أو ذي شأن به، لا في العالم العربي ولا في الغرب. من المؤسف أنلا يرى الكاتبان في هذا الشعار إلا “صياغة قبلية”؛ ولا نعني هنا النفور من صفة “القبلية” فهذه حقيقة سوسيولوجية في كثير من الأحيان والحالات، وإنما ننوه إلى الإختزال المجحف لرمزية الشعار وتخصيصه بثقافة محلية معينة دون غيرها (المترجم).

[20] كانت أسماء الجمع محل خلاف في بدايات الثورة السورية ولم تكن هناك “سلطة مركزية” تقرر هذه الأسماء وتعممها، رغم ثقل بعض المجموعات داخل وخارج سوريا مثل مجالس الثورة والهيئة العامة للثورة وصفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد على الفيسبوك. وكانت بعض الأسماء مثل “جمعة العشائر” و”جمعة صالح العلي” و”الجمعة العظيمة”، بالإضافة إلى الخلافات التي أثارتها في أوساط الثورة وخارجها، محاولات لجذب قطاعات معينة من الشعب السوري إلى الثورة وليست بالضرورة تقديراً لدور ناجز (المترجم).

[21] المصادر المنتشرة على الإنترنت تُجمع على أن الشيخ عدنان العرعور قد ولد في حماة (المترجم).

ملاحظات

  1. من أجل نقاش مفصل عن دور وسائل التواصل الإجتماعي وفيديوهات اليوتيوب في الإنتفاضة السورية، والفرص والتحديات التي تمثلها هذه الأدوات بالنسبة للأبحاث المستوحاة من نظرية الحركات الإجتماعية أنظر ليندرز (2012 أ).
  2. مراسلات الإيميل بين رايناود ليندرز وأسامة المنجد، 29 أيلول 2011، وبينه وبين الصحفي والناشط السوري أيمن عبد النور، 19 أيلول 2011، وخطاب الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب، التلفزيون الرسمي السوري، 30 آذار 2011.
  3. مقابلة أجراها رايناود ليندرز مع الناشط في حقوق الإنسان وليد سفّور، 7 تشرين الأول 2011.
  4. أنظر مثلاً إلى التعليقات في (UNDP) برنامج الأمم المتحدة للتنمية (2008).
  5. مقابلات أجراها رايناود ليندرز مع ناشطين سوريين من محافظة درعا، أيلول–تشرين الأول 2011.
  6. المرجع نفسه.
  7. مراسلات إيميل بين رايناود ليندرز وأسامة المنجد، 29 أيلول 2011، ومقابلات أجراها مع ناشطين سوريين، نيسان–أيار 2011.
  8. أنظر بروفايل عائشة أبو زيد الذي كتبه ياسر أبو هلالة في الحياة (16 آب 2011).
  9. الأرقام التقريبية مستقاة من موقع “شهداء سوريون” المعارض، وهو المصدر الوحيد الذي نعرفه والذي قدم أعداداً إجمالية لضحايا الإحتجاجات شهرياً وحسب المحافظة، على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012) انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)
  10. من أجل قائمة بأسماء ومواقع الإعتقال والحجز خلال الأشهر الأولى من الإنتفاضة، أنظر معلومات حقوق الإنسان السورية على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)
  11. يبدو أن قيادة أكثر مركزية وكثافة – ظاهرة “القيادة العليا- انتهت في أوائل السبعينات (بطاطو، 1999: 26).
  12. مقابلة أجراها رايناود ليندرز مع أحد سكان درعا، 19 أيلول 2011.
  13. على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)
  14. مقابلات أجراها رايناود ليندرز مع سكان وناشطين من درعا، أيلول–تشرين الأول 2011.
  15. نفس المرجع.
  16. على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)
  17. مقابلة أجراها رايناود ليندرز مع أحد سكان درعا، 19 أيلول 2011؛ جوردان تايمز، 1 أيار 2011.
  18. مقابلة أجراها رايناود ليندرز مع أحد سكان درعا، 19 أيلول 2011.
  19. على الروابط (آخر دخول عليها في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط الأول و الثاني (روابط لا تعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)
  20. مقابلات أجراها رايناود ليندرز مع سكان وناشطين من درعا، أيلول–تشرين الأول 2011.
  21. في هذا الصدد، ليس وصف درعا بكونها “أراض حدودية” (‘borderland’) استثنائياً (جودهاند، 2011: 236).
  22. من أجل دور اللاقانونية (illegality) في استراتيجيات البقاء في سياق شرق أوسطي عام وسلطوي أنظر بيات (2009: 93).
  23. مقابلة أجراها رايناود ليندرز مع أحد سكان درعا، 19 أيلول 2011.
  24. مقابلة أجراها رايناود ليندرز مع مهاجر من درعا، 19 أيلول 2011.
  25. نفس المرجع. حول هذه النقطة الخاصة بالأراضي الحدودية بشكل عام أنظر جودهاند (2011: 232).
  26. مقابلة أجراها رايناود ليندرز مع أحد السكان المحليين، 19 تشرين أول 2011.
  27. في 17 نيسان 2011 كانت هناك لافتة خارج المسجد العمري في درعا أدرجت قائمة بأسماء “الشهداء”، العديد منهم من العشائر الكبرى. أنظر رابط (آخر دخول عليه 16 نيسان 2012، انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)
  28. أنظر إلى رواية شاهد العيان الذي ذكرته سمر يزبك في الحياة (16 آب 2011).
  29. معظم ما يلي يعتمد على مقابلات ومراسلات بالإيميل أجراها رايناود ليندرز مع سكان ونشطاء من درعا ونشطاء سوريين بين شهري أيلول وتشرين الثاني 2011، ما لم ننص على خلاف ذلك.
  30. أيضاً لاحظت بالانش (2005: 207) التأثير المحتمل للتحويلات والإستثمارات الخارجية في سوريا في خلق درجة ما من الاستقلال المادي عن الدولة.
  31. ألمح آخرون إلى أن قوات الأمن نفسها قد أحرقت المحكمة من أجل تشويه سمعة الإنتفاضة (مقابلة أجراها رايناود ليندرز مع أحد نشطاء درعا، 29 أيلول 2011.
  32. وقعت إحتجاجات في أماكن أخرى أيضاً، بما في ذلك أحياء وبلدات سنية في اللاذقية، لكن تم قمعها واحتواؤها بمستويات أقل من الشدة حتى صيف 2011 على الأقل.
  33. أرقام تقريبية عن أعداد ضحايا الإحتجاجات حسب الشهر والمحافظة، على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم. تعداد السكان الرسمي لعام 2010 من المكتب المركزي للإحصاء في سوريا، على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)
  34. نفس المرجع.
  35. نفس المرجع.
  36. نفس المرجع.
  37. نفس المرجع.
  38. عن أهمية القبائل في إنتفاضة دير الزور أنظر ناصر العايد في الحياة (22 كانون الأول 2012). عن القبائل والعشائر في محافظة حمص أنظر الشطي (2010).
  39. على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)
  40. نفس المرجع.
  41. على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)
  42. نفس المرجع.
  43. يشكر الكاتبان توماس بيرييه على التنبيه إلى هذه النقطة في حوار معه حول هذا الموضوع.
  44. مقابلات أجراها رايناود ليندرز مع ناشطين سوريين وسكان من محافظة درعا، أيلول–تشرين الأول 2011.
  45. نفس المرجع.
  46. أنظر على سبيل المثال إلى مقابلة ياسين الحاج صالح مع مجلة جدلية في 4 نيسان 2011، على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط. ومقابلة مع الناشطة في حقوق الإنسان رزان زيتونة في 18 أيلول 2011، على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)
  47. من أجل مسح مختصر لمثل هذه المحاولات أنظر سليم (2001).
  48. ما يلي يعتمد على مراسلات إيميل مفصلة مع محمد (21 تشرين الأول 2011)، وهو أحد الـ  zged  الذين شاركوا في أول لجنة أحياء في درعا.
  49. مراسلان إيميل أجراها رايناود ليندرز مع محمد، أحد أعضاء اللجنة، 24 تشرين الأول 2011.
  50. نفس المرجع.
  51. مقابلة أجراها علي الأتاسي مع رياض الترك، 29 تموز 2010، على الرابط (آخر دخول عليه في 16 نيسان 2012)، انظر الرابط. (رابط لا يعمل، 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم)

مراجع

عليمي، إيتان (2007) “جدال الفرص والمخاطر ووقتية النزاع: شواهد من الأراضي المحتلة”، مجلة علوم السياسة الدولية، 28(1)، صص. 101–123.

Alimi, E. (2007) “The dialectic of opportunities and threats and temporality of contention: evidence from the occupied territories”, International Political Science Review, 28(1), pp. 101–123.

ألميدا، بول د. (2008) موجات الإحتجاج: النضال الشعبي في إلسيلفادور، 1925-2005 (مينيابوليس، ولاية مينيسوتا: منشورات جامعة منيسوتا).

Almeida, P. D. (2008) Waves of Protest: Popular Struggle in El Salvador, 1925–2005 (Minneapolis, MN: University of Minnesota Press).

بالانش، فابريس (2005) “التصدع الجغرافي في سوريا: بين المحسوبية والطائفية المتفشية”، مجلة الإقتصاد الجنوبي، حزيران، صص. 203-210.

Balanche, F. (2005) “La fragmentation spatiale en Syrie: entre patrimonialisme et communautarisme rampant”, Revue de l’Economie Méridionale, June, pp. 203–210.

بطاطو، حنا (1999) فلاحو سوريا، أبناءُ وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم (برينستون، ولاية نيو جيرسي: منشورات جامعة برينستون).

Batatu, H. (1999) Syria’s Peasantry, the Descendants of its Lesser Rural Notables, and their Politics (Princeton, NJ: Princeton University Press).

بيات، آصف (2009) الحياة كسياسة: كيف يغير أناس عاديون الشرق الأوسط (ستانفور، ولاية كاليفورنيا: منشورات جامعة ستانفور).

Bayat, A. (2009) Life as Politics. How Ordinary People Change the Middle East (Stanford, CA: Stanford University Press).

بينين، جويل و فريديريك فيريل (محررون) (2011) الحركات الإجتماعية، الحشد، والإحتجاج في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (ستانفور، ولاية كاليفورنيا: منشورات جامعة ستانفور).

Beinin, J. & Vairel, F. (Eds) (2011) Social Movements, Mobilization, and Contestation in the Middle East and North Africa (Stanford, CA: Stanford University Press).

تشالكرافت، جون (2009) القفص الخفي: العمال السوريون المهاجرون في لبنان (ستانفور، ولاية كاليفورنيا: منشورات جامعة ستانفور).

Chalcraft, J. (2009) The Invisible Cage: Syrian Migrant Workers in Lebanon (Stanford, CA: Stanford University Press).

تشاتي، داون (2010) “البدو في سوريا المعاصرة: إستمرار السلطة والتحكم القبليتين”، مجلة الشرق الأوسط، 64(1)، صص. 29–49.

Chatty, D. (2010) “The Bedouin in contemporary Syria: the persistence of tribal authority and control”, Middle East Journal, 64(1), pp. 29–49.

ديللا بويرتا، دوناتيللا وألبيرتو فانوتشي (2004) “المعاملات الفاسدة وآليات حوكمتها”، في: يوهان جراف لامبسدورف، ماركوس تاوب، وماتياس شرم (محررون) الإقتصاد المؤسساتي الجديد للفساد (لندن: دار روتليدج).

Della Porta, D. & Vannuci, A. (2004) “The governance mechanisms of corrupt transactions”, in: J. G. Lambsdorff, M. Taube & M. Schramm (Eds) The New Institutional Economics of Corruption (London: Routledge).

دياني، ماريو (2003) “مدخل: الحركات الإجتماعية، أفعال الإحتجاج، والشبكات الإجتماعية: من الإستعارة إلى المحسوس؟” في: ماريو دياني ودوج ماك آدم (محررون) الحركات الإجتماعية والشبكات: مقاربة علائقية للفعل الجماعي (أوكسفورد: منشورات جامعة أوكسفورد).

Diani, M. (2003) “Introduction: social movements, contentious actions, and social networks: ‘from metaphor to substance’?”, in: M. Diani & D. McAdam (Eds) Social Movements and Networks: Relational Approaches to Collective Action (Oxford: Oxford University Press).

دوناتي، كارولين (2009) الإستثناء السوري: بين التحديث والمقاومة (باريس: منشورات لاديكوفرت).

Donati, C. (2009) L’Exception Syrienne. Entre Modernisation et Résistance (Paris: Editions La Découverte).

آينفونر، ريتشل ل. وتوماس ف. مار (2011) “تقدير الخطر وبروز الفعل الجماعي: مقاومة المعسكر والغيتو أثناء الهولوكوست:، الحشد: مجلة دولية، 16(2)، صص. 127–146.

Einwohner, R. L. & Maher, T. V. (2011) “Threat assessment and collective-action emergence: camp and ghetto resistance during the Holocaust”, Mobilization: An International Journal, 16(2), pp. 127–146.

جامسون، ويليام (1990) إستراتيجيا الإحتجاج الإجتماعي (بيلمونت، ولاية كاليفورنيا: دار وادسورث).

Gamson, W. A. (1990) The Strategy of Social Protest (Belmont, CA: Wadsworth).

جيرلاش، لوثر ب. وفيرجينيا هـ. هاين (1970) الشعب، السلطة، والتغيير: حركات التغيير الإجتماعي (إنديانابوليس، ولاية إنديانا: دار بوبس-ميريل).

Gerlach, L. P. & Hine, V. H. (1970) People, Power, Change: Movements of Social Transformation (Indianapolis, IN: Bobbs-Merrill).

جدواني، فيداي وكالياناكريشنا سيواراماكريشنا (2003) “الهجرة الدائرية وفضاءات الإصرار الثقافي” حولية جمعية الجغرافيين الأمريكان، 93(1)، صص, 186–213.

Gidwani, V. & Sivaramakrishnan, K. (2003) “Circular migration and the spaces of cultural assertion”, Annals of the Association of American Geographers, 93(1), pp. 186–213.

جولدستون، جاك (2004) “مزيد من الحركات الإجتماعية أم أقل؟ ما وراء بنيات الفرص السياسية وإلى الفضاءات العلائقية” مجلة النظرية والمجتمع، 33(3/4)، صص.

333–365. Goldstone, J. (2004) “More social movements or fewer? Beyond political opportunity structures to relational fields”, Theory and Society, 33(3/4), pp. 333–365.

جولدستون، جاك و تشارلز تيلي (2001) “التهديد و(الفرصة): الفعل الشعبي ورد الدولة في ديناميكية الفعل المعارض”، في: رونالد أمين زاده، جاك جولدستون، دوغ ماك آدم، إليزابيث بيري، ويليام سيويل، سيدني تارو، وتشارلز تيلي (محررون) الصمت والصوت في دراسة السياسة المعارضة (كامبريدج: منشورات جامعة كامبريدج).

Goldstone, J. & Tilly, C. (2001) “Threat (and opportunity): popular action and state response in the dynamic of contentious action”, in: R. Aminzade, J. Goldstone, D. McAdam, E. Perry, W. Sewell, S. Tarrow & C. Tilly (Eds) Silence and Voice in the Study of Contentious Politics (Cambridge: Cambridge University Press).

جودهاند، جوناثان (2011) “الحرب، السلام، وما بينهما: ما سبب مركزية الاراضي الحدودية”، في: مايكل بوغ، نيل كوبر، وماندي تيرنر (محررون) سلام من؟ منظور نقدي على الإقتصاد السياسي بناء السلام (لندن: دار بيلجراف ماكميلان).

Goodhand, J. (2011) “War, peace, and the places in between: why borderlands are central”, in: M. Pugh, N. Cooper & M. Turner (Eds) Whose Peace? Critical Perspectives on the Political Economy of Peacebuilding (London: Palgrave Macmillan).

جودوين، جيف وجيمس جاسبر (1999) “عالق في عريشة ملتوية ومزمجرة: الإنحياز البنيوي لنظرية العملية السياسية”، مجلة منتدى السوسيولوجيا، 14 صص. 27–54.

Goodwin, J. & Jasper, J. (1999) “Caught in a winding, snarling vine: the structuralist bias of political process theory”, Sociological Forum, 14, pp. 27–54.

غوس، ف. غريغوري الثالث (2011) مجتمع الشرق الأوسط الأكاديمي وشتاء التذمر العربي: لماذا لم نلتقطه؟” في: إيلين ليبسون (محرر) إنزياح مزلزل: فهم التغيير في الشرق الأوسط (واشنطن دي سي: مركز هنري ل. ستيمسون).

Gregory Gause III, F. (2011) “The Middle East academic community and the ‘winter of Arab discontent’: why did we miss it?”, in: E. Laipson (Ed.) Seismic Shift: Understanding Change in the Middle East (Washington DC: Henry L. Stimson Center).

هيومن رايتس واتش (2011)  لم نر أبداً مثل هذا الرعب: جرائم ضد الإنسانية في ارتكبتها قوات الأمن السورية، 1 حزيران، موجود على الرابط (أخر دخول في 14 نيسان 2012).

Human Rights Watch (2011) We’ve never seen such horror: crimes against humanity by Syrian security forces, 1 June. Available at: Link (accessed 14 April 2012).

هتسون، رويس وتيلور لونج (2011) “بعض سمات التهريب في وادي خالد، لبنان”، مجلة الصراع، الأمن، والتنمية، 11(4)، صص, 385–413.

Hutson, R. & Long, T. (2011) “Features of smuggling in Wadi Khaled, Lebanon”, Conflict, Security and Development, 11(4), pp. 385–413.

مجموعة الأزمات الدولية (2011) “الإحتجاج الشعبي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط (7): إنتحار النظام السوري البطيء”، تقرير الشرق الأوسط/شمال إفريقيا رقم 109، 13 تموز. موجود على الرابط (أخر دخول في 14 نيسان 2012)

International Crisis Group (2011) “Popular protest in North Africa and the Middle East (VII): the Syrian regime’s slow motion suicide”, Middle East/North Africa Report Number 109, 13 July. Available at Link (accessed 14 April 2012).

(رابط أفضل، آخر دخول 10 كانون الثاني، 2016؛ المترجم) انظر الرابط.

قصاب، إليزابيث سوزان (2010) الفكر العربي المعاصر: النقد الثقافي في منظور مقارن (كولومبيا، ولاية نيويورك: منشوةرات جامعة كولومبيا).

Kassab, E. S. (2010) Contemporary Arab Thought: Cultural Critique in Comparative Perspective (Columbia, NY: Columbia University Press).

ليندرز، رايناود (2012 أ) “الفعل الجماعي والحشد الشعبي في درعا: تشريح إنطلاقة الإنتفاضة السورية”، الحشد: مجلة دولية، كانون الأول 2012، مجلد 17، عدد 4، صص.

419–434. Leenders, R. (2012a) “Collective action and popular mobilization in Dar’a: an anatomy of the onset of Syria’s uprising”, Mobilization: An International Journal, December 2012, Vol. 17, No. 4, pp. 419-434.

ليندرز، رايناود (2012 ب) “محاكمة الإنشقاق السياسي: المحاكم ومرونة السلطوية في سوريا البعث”، في: ستيفن هايدمان وليندرز، رايناود (محررون) أنظمة سلطوية تحت المقارنة: إعادة صياغة السلطة ومرونة النظام في سوريا وإيران (ستانفورد، ولاية كاليفورنيا: منشورات جامعة ستانفورد، سيصدر قريباً)

Leenders, R. (2012b) “Prosecuting political dissent: courts and the resilience of authoritarianism in Baathist Syria”, in: S. Heydemann & R. Leenders (Eds) Comparing Authoritarianisms: Reconfiguring Power and Regime Resilience in Syria and Iran (Stanford, CA: Stanford University Press, forthcoming).

مرزوق، نبيل (2010) “الهجرة السورية عالية التأهيل: الرهانات الإجتماعية السياسية”،  ملاحظات (الإئتلاف الأروبي المتوسطي للبحوث التطبيقة حول الهجرات الدولية) في التحليل والتركيب، 2010/25. موجود على الرابط (آخر دخول في 14 نيسان 2012).

Marzouk, N. (2010) “L’émigration syrienne hautement qualifiée: les enjeux sociopolitiques”, CARIM Notes d’analyse et de synthèse, 2010/25. Available at Link (accessed 14 April 2012).

ماك آدم، دوغ، سيدني تارو، وتشارلز تيلي (2001) ديناميكية الإحتجاج (كامبريدج، منشورات جامعة كامبريدج).

McAdam, D., Tarrow, S. & Tilly, C. (2001) Dynamics of Contention (Cambridge: Cambridge University Press).

ماير، ديفيد س. (2004) “الإحتجاج والفرص السياسية”، المجلة السنوية في السوسيولوجيا، 30، صص. 125–145.

Meyer, D. S. (2004) “Protest and political opportunities”, Annual Review of Sociology, 30, pp. 125–145.

نرواني، شارمين (2012) “إثارة الشكوك حول قائمة الضحايا في سوريا”، الأخبار بالإنكليزية، 28 شباط، موجود على الرابط (آخر دخول في 14 نيسان 2012).

Narwani, S. (2012) “Questioning the Syrian ‘casualty list’”, Al-Akhbar English, 28 February. Available at Link (accessed 14 April 2012).

عبيد، ميشيل (2010) “البحث عن الوجه المثالي للدولة في بلدة حدودية لبنانية”، مجلة المعهد الملكي للأنثروبولوجيا، 16(2)، صص. 330–346.

Obeid, M. (2010) “Searching for the ‘ideal face of the state’ in a Lebanese border town”, Journal of the Royal Anthropological Institute, 16(2), pp. 330–346.

أوسا، مريان (2003) “شبكات في موقع المعارضة: ربط المنظمات من خلال نشطاء في الجمهورية الشعبية البولونية”، في: ماريو دياني ودوغ ماك آدم (محررون) الحركات الإجتماعية والشبكات: مقاربة علائقية للعمل الجماعي (أوكسفور: منشورات جامعة أوكسفورد).

Osa, M. (2003) “Networks in opposition: linking organizations through activists in the Polish People’s Republic”, in: M. Diani & D. McAdam (Eds) Social Movements and Networks: Relational Approaches to Collective Action (Oxford: Oxford University Press).

بفاف، ستيفن (1996) “الهوية الجمعية والمجموعات غير الممأسسة في الحشد الثوري: ألمانيا الشرقية في عام 1989″، مجلة القوى الإجتماعية، 75(1)، صص. 91–117.

Pfaff, S. (1996) “Collective identity and informal groups in revolutionary mobilization: East Germany in 1989”, Social Forces, 75(1), pp. 91–117.

روسيل، سيريل (2008) ” الزراعة في جبل الدروز (سوريا) بين الزبائنية، الإعاقة المجتمعية والليبرالية الإقتصادية: تنمية مستدامة للفلاحين الدروز؟” مجلة جيوكارفور، 83(3)، صص. 213–221.

Roussel, C. (2008) “L’agriculture dans la montagne druze (Syrie) entre clientélisme, blocages communautaires et libéralisation économique: un développement durable pour le paysan druze?” Géocarrefour, 83(3), pp. 213–221.

ساندز، فيل (2011) “العدالة القبلية متهمة بمقتل 120 شرطياً وجندياَ سورياَ”، مجلة الناشييونال، 17 أيار, موجود على الرابط (آخر دخول في 14 نيسان 2012).

Sands, P. (2011) “Tribal justice blamed for deaths of 120 Syrian police and soldiers”, The National, 17 May. Available at Link (accessed 14 April 2012).

سكوت، جيمس سي. (1990) الهيمنة وفن المقاومة: نصوص مخفية (نيو هيفن، ولاية كنيكتيكت: منشورات جامعة ييل).

Scott, J. C. (1990) Domination and the Arts of Resistance: Hidden Transcripts (New Haven, CT: Yale University Press).

شديد، أنطوني (2011) “تحالف جماعات من الشوارع يقدم وقوداً لمعارضة جديدة في سوريا”، مجلة نيويورك تايمز، 30 حزيران. موجود على الرابط (آخر دخول في 14 نيسان 2012).

Shadid, A. (2011) “Coalition of factions from the streets fuels a new opposition in Syria”, New York Times, 30 June. Available at Link (accessed 14 April 2012).

شوك، كورت (2005) تمردات غير مسلحة: حركات قوة الشعب في الدول غير الديمقراطية (مينيابوليس، ولاية مينيسوتا: منشورات جامعة مينيسوتا).

Schock, K. (2005) Unarmed Insurrections: People Power Movements in Non-democracies (Minneapolis, MN: University of Minnesota Press).

سليم، رندة (2011) “نقدم لكم المعارضة السورية”، مجلة السياسة الخارجية، 2 تشرين الثاني. موجود على الرابط (آخر دخول في 14 نيسان 2012).

Slim, R. (2011) “Meet Syria’s opposition”, Foreign Policy, 2 November. Available at Link (accessed 14 April 2012).

تارو، سيدني (1994) القوة في الحركة: الحركات الإجتماعية، الفعل الجماعي والسياسة (كامبريدج: منشورات جامعة كامبريدج).

Tarrow, S. (1994) Power in Movement: Social Movements, Collective Action and Politics (Cambridge: Cambridge University Press).

تيلي، تشارلز (1997) “من الحشد إلى الثورة”، أوراق مركز جامعة ميتشيجن لأبحاث التنظيم الإجتماعي رقم 156. موجود على الرابط (آخر دخول في 14 نيسان 2012).

Tilly, C. (1977) “From mobilization to revolution”, University of Michigan Center for Research on Social Organization Working Paper No. 156. Available at Link (accessed 14 April 2012).

منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (2009) دليل الإحصائيات (جنيفا: الأمم المتحدة).

UNCTAD (2009) Handbook of Statistics (Geneva: United Nations).

برنامج الأمم المتحدة للتنمية (2008) “سيحصل السوريون على منفذ أفضل على العدالة”، 27 تشرين الثاني. موجود على الرابط (آخر دخول في 14 نيسان 2012).

UNDP (2008) “Syrians to get better access to justice”, 27 November. Available at Link (accessed 14 April 2012).

واسي، إيون ب. (2011) “الوساطة، الإمتزاجية وإنتشار الإحتجاج”، الحشد: مجلة دولية، 16(1)، صص. 11–24.

Vasi, I. B. (2011) “Brokerage, miscibility, and the spread of contention”, Mobilization: An International Journal, 16(1), pp. 11–24.

وينكلر، أون (1998) التطورات السكانية والسياسات السكانية في سوريا البعث (برايتون: منشورات جامعة ساسيكس).

Winckler, O. (1998) Demographic Developments and Population Policies in Ba’athist Syria (Brighton: Sussex Academic Press).  

المصدر: نشرت هذه المادة في مجلة السياسة المتوسطية، مجلد 17، عدد 2، ص. 139–159، تموز 2012. كما يمكن قراءتها على الرابط التالي:  academia.edu

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

أحمد نظير الأتاسي

أنا أستاذ مساعد في قسم التاريخ والدراسات الإجتماعية في جامعة لويزيانا التقنية (لويزيانا، الولايات المتحدة). في عملي الأكاديمي، أدرّس مقدمة لتاريخ العالم، تاريخ الشرق الأوسط (القديم والقروسطي، والحديث). وأعمل أيضاً كرئيس للمركز الإستراتيجي لدراسة التغيير في الشرق الأوسط، SCSCme.

You may also like...

shares