خطاب صاحب السمو أمام مجلس الشعب

ظهرت هذه المقالة على موقع مدونة الموسوعة السورية في 31 مارس، 2011

بقلم: أحمد نظير الأتاسي
الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد يوم الأربعاء 30-3-2011 يحتاج إلى وقفة طويلة للتحليل واستخلاص النتائج. وليس ذلك لاحتواء الخطاب على أية أفكار هامة أو معلومات كانت مجهولة أو خطوات مستقبلية، وإنما  لأن الخطاب يعبر أفضل التعبير عن طبيعة نظام بشارالأسد وحزب البعث وعن عقليته، كيف يفهم الدولة ويفهم دوره فيها وكيف ينظر إلى الشعب الذي يحكمه.

نحن رعايا ولسنا مواطنين

حياة الإنسان الواحد لا تقدر بثمن وهي مطلقة الأهمية ولا تنقص أهميتها إن كثرت الجماعة أو صغرت. أي أن حياة كل إنسان تساوي حياة البشرية جمعاء لأن جوهر الحياة هو نفسه في كل جسد حي. إن إزهاق روح واحدة على يد شرطة أو جنود أية دولة يستدعي ظهور رئيس البلاد مخاطباً شعبه شارحاً الوضع ومطلقاً التعهدات ومعطياً الحلول. لكن رئيسنا تأخر خمسة عشر يوماً. هل لأنه مشغول؟ وإن لم تكن سلامة أفراد الشعب شغله الشاغل فليترك الرئاسة عسانا نبحث عن إنسان على قدر المسؤولية. هل لأنه يفكر ويحلل ويتحلى بالحلم عند الشدائد؟ بماذا يفكر؟ وماذا يحلل؟ وهل يغلي غضباً ليستجدي الحلم بالتأمل؟ المسألة مسألة حياة بشر ومواطنين وليست حياته الشخصية، فلم الغضب إذاً؟ لكن الحقيقة هي أن الموضوع يمسه مساً مباشراً لأنه يرى أن الوظيفة (وهي ما اصطلح الناس على تسميتها بالكرسي) هي الشخص والشخص هو الوظيفة. الرئيس السوري وكرسي رئاسته واحد لا يتجزأ، هو ملكه الشخصي يتوارثه أباً عن جد. الشعب بالنسبة لصاحب الكرسي مجرد عالة عليه يجب أن يطعمهم ويؤيهم حتى يجد من يحكمه. فبحكم الضرورة يحتاج الحاكم إلى محكومين حتى يصبح حاكماً. الشعب بالنسبة له هو الشر الذي لا بد منه ولو استطاع أن يحكم ويتسلط ويجني الثروة دون حاجة للشعب لتخلص منهم. إننا رعاياه ولسنا مواطني الدولة التي هو رئيسها. ينظر إلينا كما السيد إلى عبيده وكما الراعي إلى خرافه وكما الإله إلى عباده. ولذلك فموت شخص واحد لا يكفي ليطل علينا بطلته البهية ويرسل علينا أشعة شمسه. روح واحدة لا تكفي ولا حتى عشر أرواح. نحن نرى أن الروح جوهر لا تزداد بالجمع ولا تنقص بالطرح. لكننا في أعين السيد أرقام يعدنا واحد إثنان ثلاثة ولا يلتفت إلينا إلا عندما يصل العد إلى المئة والخمسين أو المئتين. مئتا روح مزهقة برصاصات في الجبين تقترب من الحد المقبول، حد الإلتفات والأخذ بعين الإعتبار. كانت الملوك في قديم الزمان تعتقد أن الله سلطها على شعوبها فهي تملكهم، تملك مالهم وأرواحهم وأعمالهم وأولادهم. هذا هو تعريف الرعية. الملك أزلي والرعايا تأتي وتذهب. أما المواطنون فهم بشر كل فرد قائم بذاته له حقوقه وعليه واجباته وما الدولة إلا خادمة لمصالحه تحميه يتناوب موظفون على وظائفها. أي هنا الشعب أزلي والحكام يأتون ويذهبون. ومن الواضح تماماً أننا رعايا ولسنا مواطنين، لأن حقوق مئات منا، لا بل أرواحهم، يجب أن تهدر قبل أن يلتفت إلينا صاحب الجلالة والسمو

إيهان الأمة وإضعاف شعورها القومي

عندما تخرج مجموعة من الشباب والشابات تنادي بالحرية فإنها تصبح مباشرة مجموعة من الغرباء المندسين الذين يطلبون الفتنة وإيهان الأمة وإضعاف شعورها القومي. التهمة جاهزة “ولا داعي لأن نستمع للمتهمين، فماذا عساهم يقولون؟ فهؤلاء ليسوا إلا خونة وعملاء لأعداء خارجيين ودمى تحركها خيوط خارجية؟” هذا كلام ألغاز يستعصي على العقلاء وعلينا أن نفك عقده ونفتح مغاليقه. كما بينا فنحن رعايا والرعايا تجتمع على الولاء للملك والطاعة المطلقة لشخصه المتعالي. لا يهم الملك أن نتكلم عشرات اللغات أو أن نعبد الشياطين مادمنا موالين له، نصفق ونهتف ونخر ساجدين على صورته وباتجاه قبلته. ليس هناك ما يجمعنا في نظره إلا الطاعة. لذلك، وحين يخرج أحدنا عن النسق والقطيع المطيع يتحول مباشرة إلى غريب خائن مندس لأنه اقترف أكبر الذنوب والخطايا ألا وهو ذنب المعصية. الرعايا ليس لهم حقوق، وأبسطها حق الكلام. الرعايا كلهم آذان صاغية ورؤوس تهتز موافقة طائعة. نحن رعايا إذن ولسنا أمة. الأمة تجتمع على تاريخ أو لغة أو دين أو آمال، ونحن لا يجمعنا بنظر صاحب الجلالة إلا الولاء. فإن اجتمع بعضنا على المعصية حق عليهم الغضب والعقاب. ومن المضحك حقاً أن يتهم عملاء الحرية هؤلاء بإيهان الأمة وإضعاف شعورها القومي ذلك الشعور الذي يفترض أن يجمعها على كلمة واحدة في أوقات الشدائد والأزمات. فكيف يوهن العصاة شعوراً ليس موجوداً أو شعوراً لجماعة لا وجود لها، على الأقل في وعي صاحب الجلالة. الحل الوحيد لفهم هذه الألغاز هو أن تكون الأمة مكونة من الحاشية والموالين. نعم الرئيس الاسد يفهم الأمة  على أنها جماعة المصفقين ولذلك فقد توجه إليهم بالخطاب، وأقصد هنا مجلس الشعب. إن عملاء الحرية يوهنون أمة المصفقين ويضعفون لحمتهم الوطنية بصراخهم المستمر عن حريتهم التي لا قيمة لها لأنها حرية عبيد

الممانعة والخطر الخارجي

طبعاً أمة المصفقين والمطبلين والمزمرين لها أعداؤها. لكن أعداءها أناس حقيقيون وهذه الشروط لا تتحقق في الرعايا لأن إنسانيتهم ليست مكتملة، إنها تتحقق في أعداء خارجيين يستخدمون أنصاف البشر من الرعايا لتهديد صاحب الرفعة والسمو. نحن الرعايا لسنا إلا دمى تشدنا خيوط الأعداء الخارجيين. إسرائيل والولايات المتحدة، دولتان جديرتان فعلاً بأن تكونا عدوتين حقيقيتين لأن صاحب الرفعة لا يعاديه إلا من هو فى مستوى قوته وذكائه. هاتان العدوتان تحوكان المؤامرات ليل نهار للنيل من صاحب السمو جل قدره وعلا شأنه، وهو يتمنع. هو لم يقتل رئيس الوزراء اللبناني، والمحكمة الدولية بلية ابتلوه بها وفرية صنعوها في أقبة تآمرهم، إذ لا شغل لهم إلا التآمر على مليكنا وصاحب عزتنا. هو لم يسمح للإنتحاريين بالدخول إلى العراق لقتل شعبه فالحدود بين العراق وسورية طويلة جداً ويصعب على مئات الآلاف من مخابراته أن تضبطها. الجولان أيضاً أخذوها غدراً في غفلة من أبيه. وباعتباره الإبن البار وارث الملك والرعية فإنه يحارب ليل نهار لاستعادة الجولان. وإسرائيل تكره حكم عائلة الأسد إلى درجة أنها تشعل جبهة الجولان ليل نهار بطلقات رشاشاتها ومدافعها. وصاحبنا يمانع ويضبط النفس ويتحين الفرصة المناسبة للرد. إنه لا يزال يفكر كما فكر أسبوعين قبل أن يخاطب رعاياه لأن المسألة تحتاج إلى روية وحلم وضبط أعصاب وكثير من التفهم والنقاش مع المستشارين والمستشارات. لكن ماذا يمانع؟ لا نعرف، لكنه مصر على الممانعة. ولاحظوا أن قضية أبيه من قبله كانت الصمود والتصدي. لكن الإبن أعانه الله فاق والده في الذكاء فلجأ إلى المراوغة والضحك على ذقون الأعداء فخفف العيار بعض الشيء إلى ممانعة حتى لا ينتبهوا إلى حقيقة ما يحوك لهم من أهوال في الخفاء. إنه في الحقيقة يمارس الصمود والتصدي تحت غطاء الممانعة لأن الممانعة فيها ظرف ودلال سيوهم الأعداء طبعاً ويحول أنظارهم بعيداً عن الأسلحة المهولة التي يعدها لهم في الخفاء. وبما أن الممانعة هي شغله الشاغل فإن مطالب الرعية وعملاء الحرية تأخذ المرتبة الخامسة عشر على جدول أعماله. وإذا أمعن الرعية بالصراخ، وهم طبعاً كالاطفال لا يعرفون إلا الصراخ، فلا بد من إسكاتهم حتى لا يشغلوه عن الممانعة. يقول أسكتوهم فصراخهم يعكر علي صفو أفكاري فتسرع أمة المصفقين لتنفيذ الأوامر

دواء كل الأمراض

الأوامر تنفذها أجهزة صنعت خصيصاً لهذا الشأن الجلل، أي إسكات الرعية. صاحب الجلالة فرغ من العناية بالزراعة والصناعة وتأمين العمل لعبيده ولم يبق على جدول إعماله إلا إسكات الرعية وعملاء الحرية. ولهذا الغرض اخترع والده وأجداه البعثيون وغيرهم من ملوك سوريا ومصر آلة عجيبة غريبة. والعجب فيها أنها تنتج دواءاً لكل داء ولا داء في الدنيا لا دواء له عندها. حتى السرطان الذي استعصى على أذكى الأطباء والعلماء وجدوا له دواءاً. إنها آلة القمع بمكوناتها المختلفة من مخابرات ومليشيات وحرس جمهوري وشبيحة ولجان مقاومة شعبية. حتى المخابرات لها ألوان وأشكال ونكهات مختلفة لترضي كل الأذواق. نحن الرعية وعملاء الحرية وأعداء النظام المندسين داء عضال لا بد له من دواء ولهذا فإنهم يرموننا بكل ما تفتقت عنه أذهان علماء الآلة الأجلاء. ويبدو أن الدواء بسيط جداً وهو كالتالي: إنتظر حتى تقترب الجراثيم منك وتجتمع ويعلو صراخها وعندها أطلق عليهم رصاصة الرحمة واجعلها في الجبين حتى لا يحسوا بالألم فقلب قائدنا الملهم يتقطع لرؤية الدماء ولو كانت دماء خراف.

الرحمة لكم يا شهدائنا، تعجز الكلمات عن وصفكم
لقد مات الخوف بدمائكم وسقط القناع
لن ننسى ولن نستكين، ثم سننتصر

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

أحمد نظير الأتاسي

أنا أستاذ مساعد في قسم التاريخ والدراسات الإجتماعية في جامعة لويزيانا التقنية (لويزيانا، الولايات المتحدة). في عملي الأكاديمي، أدرّس مقدمة لتاريخ العالم، تاريخ الشرق الأوسط (القديم والقروسطي، والحديث). وأعمل أيضاً كرئيس للمركز الإستراتيجي لدراسة التغيير في الشرق الأوسط، SCSCme.

You may also like...

shares