أحترم مشاعرك وتعلقك بقصص الأجداد، لكن … رد على عباس علي “لماذا نحن (العلويون) مع بشار الأسد

ظهر المقال على موقع مدونة الموسوهة السورية في 19 أوكتوبر، 2011

مقالة السيد عباس علي: لماذا نحن (العلويون) مع بشار الأسد

أسماها الفرنسيون عندما حكموا سوريا عقدة الأقلية، وهي في الحقيقة أيديولوجية هوية. هوية أية جماعة إنسانية هي عبارة عن أيديولوجيا قائمة على قصص تاريخية وعقلية معينة لربط هذه القصص بشكل يؤدي إلى النتيجة المرجوة، أي الهوية. مثلاً الهوية العربية قائمة على قصة الأصل العربي لسكان المنطقة وعلى حتمية إنتصار الإسلام الذي أصبح أحد مكونات العروبة وكذلك على تاريخ ذهبي للمالك الإسلامية ترى فيها إستمراراً لفكرة أساسية وهي إنبعاث روح العروبة الخلاقة من خلال الإسلام ولا ترى فيها تجزئة وفرض لثقافة ولغة معينتين. هذه أيديولوجيا العروبة، التي أضافوا إليها أيضاً مكون تجبر المستعمر على الشعوب العربيةالضعيفة التي تستلهم من ماضيها الذهبي روح الإنبعاث من جديد. أترك هذا الكلام لميشيل عفلق فهو بارع في حبكه. هذه قصص تعلمناها في المدرسة لكنها ليست بالضرورة حقيقية، إنها مجرد حبكة مفيدة. وكذلك هي الصورة التي يعطينا إياها الكاتب عن الهوية العلوية. إنها صورة رومانسية لشعب منعزل مضطهد مستضعف عانى القتل والغزو الثقافي والتفقير والإستغلال الطبقي. ثم جاء حافظ الأسد ليقلب المعادلة ويبعث الروح الحقيقة المقاومة للشعب العلوي ويعطيهم حقوقهم التي حرموا منها. وهو رغم قسوته تجاه الآخرين إلا أنه يظل المخلص. والآن وبنظره يعود المضطهدون (بكسر الهاء) القدماء للمطالبة يموقعهم المتسلط مما يرعب الشعب العلوي ويجعله يلتف حول إبن المخلص رغم بعض التحفظات عن بعض الفساد في حكمه. هذه هوية قومية بكل معنى الكلمة وفيها جميع العناصر اموجودة في أية هوية قوية بما فيها القومية العربية. الهويات القومية قد تكون حافزاً للتحرروالبنا كما قد تكون حافزاً للتعصب العنصري والقهر. القومية العربية مرت بمرحلة البناء في الأربعينات والخمسينات وفي الستينات مرت بمرحلةالقهر الذي مارسته ضد الأكراد وغيرهم من الأقليات القومية. ويصحب عادة مرحلة البناء ظهور طبقة متوسطة تدعمها دولة مركزية وتعطيها التعليم المجاني والوظائف الحكومية المجزية والرعاية الصحية المناسبة ورأينا هذا في سوريا حتى الستينات حيث كان الموظف “عريس لقطة” كما يقولون.

المشكلة أن القومية العربية والقومية العلوية كما رآها حافظ الأسد وزعت الغنائم على البعض وأهملت البقية. أي أنها خلقت طبقة متوسطة طفيلية لأن أساس توزيع الغنائم كان الولاء. ولذلك نجد أن بعض العلويين من الضباط وكوادر حزب البعث اغتنوا بينما بقي كثيرون فقراء يعملون مجندين في الجيش وفروع المخابرات ولا ننسى طبعاً أولائك الذين اغتنموا فرصة التعليم وبرزوا كطبقة وسطى مهنية وأعتقد أن هؤلاء هم الرابحون الحقيقيون في المستقبل. يمكن أن نقول الشيء نفسه عن العرب في سوريا بشكل عام تحت حكم حزب البعث لولا أن حافظ الأسد لم يستمر طويلاً في توزيع الغنائم بالتساوي على مؤيديه ونال مؤيدوه العلويون جزءاً أكبر من الغنيمة بسبب توجهه الطائفي. وهذا أمر متوقع في سوريا لأن الجميع يعمل بنفس المبدأ الطائفي أو العشائري. وأتكلم عن الطبقى الوسطى هنا لأني أقول بأن ما يقدمه الكاتب هو مثال عن أيديولوجيا قومية تصنعها الطبقات الوسطى المنتفعة من الحكم القومي وفي هذه الحالة القومية العلوية كما رآها حافظ الأسد. ويمكن أن نتكلم أيضاً عن قومية عربية للأسد لكن المشكلة اليوم هي باعتقادي من بقايا عدم تكافؤ الفرص أيام الأسد بسبب توجهه اطائفي. فما هي أسس هذه الأيديولوجيا القومية العلوية التي أتكلم عنها؟

طبعاً سيحتقرني كثيرون ويثورون علي ويتهمونني بالطائفية. مش مشكلة، تحليل وتفكيك أية أيديولوجيا قومية يؤدي إلى ردود فعل غاضبة مشابهة. وإذا قمت بتفكيك القومية العربية أو القومية الإسلامية أو القومية المسيحية أو القومية الكردية لحصل نفس الشيء. وسيعترض البعض على التسمية، أي القومية. وأقول ببساطة ما أسميه القومية هو ما تسمونه الطائفية. يعني الطائفية المسيحية (والتي فعلاً لا تقوم على أساس فكري ديني وإنما فقط على الإنتماء إلى مجموعة المسيحيين) هي قومية مسيحية. هي موجودة في لبنان أكثر من سوريا لكن ظهرت أكثر تحت حكم بشار الاسد. ويمكن أن نتكلم عن قومية سنية (وهي أيديولوجية الإخوان المسلمين) لنها تتقاطع كثيراً مع التعريف الرسمي للقومية العربية. نعود إلى القومية العلوية. هل من الخطأ القول أن مجموع العلويين تعرض للإضطهاد تاريخياً؟ بالطبع لا فنحن نعرف كيف عاملهم السلطان سليم حين فتح سوريا وكيف عاملهم سلاطين عثمانيون بعده. ونعرف أقل عن أوضاعهم قبل العثمانيين وتعطينا فتوى إبن تيمية لمحة بسيطة عن أوضاعهم خلا القرن الرابع عشر. نعم الفرقة الدينية ظهرا مع موت الإمام الحادي عشر وادعاء ابن نصير غيبة الإمام وبأنه هو الباب. وهذا حدث في العراق. لكن تتبع مسيرة شخصية هامة لا تعني تتبع تاريخ فرقة كاملة لأن الشخصية الهامة تنشر أفكارها بين جماعات مخلفة وتأتي أجيال جديدة لتنشر الفكرة بين جماعات أخرى. لذلك فإن قصة إقصاء العلويين إلى الجبال غير مقنعة تماماً وهي ليست مقنعة أيضاً في حالة الموارنة. ما يحصل عادة هو أن مجموعة من الفرقة تنزح إلى مكان آمن وتنشر أفكارها بين سكان ذلك المكان، ولن يون غريباً أبداً عن الجبل كان مسكوناً قبل أن يكون علوياً. والأفكار الشيعية في سوريا لها تاريخ طويل وليست طارئة أبداً على المنطقة كما يظن البعض. الإضطهاد الممنهج للشيعة بشكل عام قصة خاطئة ولم تحصل إلا في زمن العثمانيين بسبب علاقتهم العدائية مع الصفويين في إيران.
لا أقلل من معاناة أجداد بعض أو كثير من العلويين لكن من المهم معرفة حيثيات القصة. أين وقعت؟ متى وقعت؟ من كان مشتركاً؟ فمثلاً قصة مدينة الحفة التي يرويها الكاتب قصة حديثة نسبياً ويجب أن نسأل عن إمكانية تعميمها على كل المناطق العلوية. ونرى في القصة تعدي وانتقام ولا أرى جاني وضحية بشكل واضح وإنما أرى صراعاً طائفياً معتاداً كثيراً ما وقع في سوريا بين طوائف مختلفة: علويين-إسماعيليين، علويين-سنة، مسيحيين-دروز، دروز-سنة. وهذه الأحداث لم تكنن معممة وإنما حصلت بين قرى معينة لكنها ألهبت خيال الباقين المنتمين. الحادثة التي اتسع منطاقها هي حادثة 1860 بين الدروز والموارنة لتنتقل إلى سوريا بين المسيحيين والسنة. ما أقصده أن القصة لها سياقها التاريخي ولا يجب أن ننظر إليها من منظار جاني وضحية وأن نعممها إلى طائفة متعدية وطائفة مستضعفة وتاريخ كامل من الصراع الطائفي الممنهج. لكل قصة تفاصيل أخرى مغيبة تجعل الفصل بين الجاني والضحية أمراً صعباً، لا بل مجرد وجهة نظر. وحتى قصة صالح العلي ليست بهذه السهولة فلها روايات مختلفة حسب الراوي ويجب أن تسمعها من إسماعيلي مثلاً أو من علوي شمالي لتعرف ما أقصد. لا أشكك في نوايا الرجل فقد كان يعرف أنه قاتل الفرنسيين ولك لماذا وكيف وإلى متى وووو؟ كلها أسئلة تحتاج إلى جواب. وكذلك قصة الثورة السورية الكبرى التي بدأت في جبل العرب، فلها روايات متعددة طائفية. إذاً التعميم زمنياً وجغرافياً هو من ميزات الأيديولوجيا القومية، وكذلك عرض القصو بأنها بين ضحية مستباحة ومجاني شرس لا يرحم. هذه التفاصيل يمكن أن نراها أيضاً إذا عقدنا مقارنة بين تاريخ العلويين والدروز في سوريا. فرغم أن موقف الدولة العثمانية كان تكفير الطائفتين لكن أوضاعهما وردود أفعالها وذاكرتهما مختلفة. نعم الدروز يحسون بالإضطهاد التاريخي لكن وحدتهم وتنظيمهم العسكري عبر تاريخهم أدى إلى إحساس بالقوة بدل إحساس مستمر بالضعف والإستهداف. بينما التاريخ العلوي يشير إلى إنقسامات هائلة مناطقية وعشائرية ولم تكن هناك أية وحدة في ردود الأفعال وهذا قد يشرح الشعور الرهيب بالضعف والإستهداف لأن كل قرية جابهت التحدية وحيدة. لا بل كانت هناك عداوات بين قرى علوية مختلفة. أما الدولة العثمانية ورغم موقفها الديني من العلويين إلا أن طريقة تعاملها معهم تشبه إلى حد كبير طريقة تعاملها مع البدو. الخوزقة لم تقتصر على العلويين بل كانت وسيلة العثمانيين المعتادة في التعامل مع من اعتبروهم قطاع طرق. البدو كانوا يغيرون على القرى المتطرفة وينهبونها (وحتى المدن) والعثمانيون كانوا يوجهون إليهم قوات تختلف باختلاف الحاكم فبعضها كانت قوات كبيرة بقيادة الوالي وبعضها كانت قوات صغيرة جداً بقيادة الحاكم المحلي وبعض المتطوعين. والدين كان دائماً موجوداً في هذه الأعمال فهو لا ينفصل عن حماية العرض والمال. والعلويون كذلك كانت لهم غارات على المدن والقرى المجاورة. ولم تكن كل هذه الغارات بسبب الدين أو إنتقامية. والسؤال إذاً لماذا لا نرى الكره والحقد في أعين الأحفاد البدو الآن ونراه في أعين أحفاد العلويين رغم أن العثمانيين كانوا يستبيحون قبائل بأكملها، يعني مجازر حقيقية، والبدوي الذي يقبض عليه كان يخوزق مباشرة إلا إذا جاء بقصد البيع والشراء وضمن حدود إتفاقات مع الولاة؟

مرة ثانية، ليس غرضي التقليل من عذابات الأجداد، لك غرضي هو إدخال تفاصيل واسئلة حتى لا تبتعد كثيراً في الرومانسيات القومية التي لا تفعل إلا زيادة الحقد والكره وتصويره على أنه ابدي. السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1908 ورغم تركيزه على الخلافة والدولة الإسلامية فقد عرض المواطنة على العلويين ورفع عنهم تسمية الملة الكافرة. لكن الريبة من الجانبين أفشل هذه المبادرة. المشاكل الإقتصادية أيضاً كان لها حضور قوي منذ 1873 حيث وقعت أزمة إقتصادية عالمية. والأهم هو قانون تسجيل الأراضي الزراعية الذي صدر عام 1856 (أي الطابو وكان يسمى قبلاً الكداسترو) والذي أدى إلى ما نسميه الآن الإقطاعية. وهذه الظاهرة استمرت إلىالخمسينات مع البدء بقوانين الإصلاح الزراعي. والحقيقة هي أن هذا الكره الرهيب بين القرية والمدينة وبين الطوائف وتماهي المدينة مع السنة والقرى مع الأقليات يعود إلى مشكلة الأراضي هذه. الملكية كانت غير واضحة وشفهية لكن خوف الفلاحين من الدولة ومن التجنيد الإجبار والضرائب أدى إلى تسجيل الأراضي بأسماء أغنياء من المدينة وخاصة في حالة العلويين الذي لم تكن شهادتهم حتى مقبولة في المحاكم. هذا إجحاف شديد، لكن يبين لنا أن المشكلة ليست أبدية، وهي تختلف في حدتها من منطقة إلى أخرى. وكذلك فقد كان هناك العديد من العائلات الإقطاعية العلوية. وهذه العائلات وغيرها من عائلات القبضايات كانت تعامل الفلاحين العلويين بقسوة، لكن هذا انتسى أما معاملة الإقطاعي السنة فأصبحت معممة على كل السنيين.
وللحديث بقية

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

أحمد نظير الأتاسي

أنا أستاذ مساعد في قسم التاريخ والدراسات الإجتماعية في جامعة لويزيانا التقنية (لويزيانا، الولايات المتحدة). في عملي الأكاديمي، أدرّس مقدمة لتاريخ العالم، تاريخ الشرق الأوسط (القديم والقروسطي، والحديث). وأعمل أيضاً كرئيس للمركز الإستراتيجي لدراسة التغيير في الشرق الأوسط، SCSCme.

You may also like...

shares