رد على خاطرة لؤي حسين “لا بد من تنحية السلطة الحالية بطريقة سلمية وآمنة”

لؤي حسين

ظهر المقال على موقع مدونة الموسوهة السورية في 19 أوكتوبر، 2011

نص خاطرة لؤي حسين “لا بد من تنحية السلطة الحالية بطريقة سلمية وآمنة”
ربما أخطأت التعبير بمقابلة جريدة بلدنا، أو بسبب الفارق بين الكلام والتحرير الكتابي، ظهرت عباراتي بشكل لا يعكس آرائي المعروفة والمعتادة.
فموقفي من السلطة السورية بيّن منذ سنوات وجلي طيلة الأشهر السبعة الماضية. فهذه السلطة الفاقدة لأي شرعية انتخابية أو ديمقراطية أو حتى شعبية، كانت من وجهة نظري فاقدة طيلة العشر سنوات الماضية للأهلية أيضا. وقد أصبح هذا واضحا للجميع من خلال ممارساتها وطريقة تعاملها الاستبدادي مع الحراك الاحتجاجي والمعارض منذ انطلاق موجة الاحتجاجات الأخيرة.
لكن هذا لا يحول دون رؤية مخاطر التفكير بإسقاطها أو تنحيتها على الطريقة المصرية أو التونسية، كون السلطة السياسية في البلاد متماهية تماما مع أجهزة الدولة، خاصة المؤسسة العسكرية والأمنية. وبالتالي لا بد من أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار من دون القبول باستمرار بقاء هذه السلطة. أي لا بد من الاشتغال الحثيث والمسؤول للحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة وأجهزتها في حال انهارت السلطة بشكل مفاجئ، أو في حال توصلنا لطريقة تنحيتها بشكل سلمي. فكلا الحالين لا بد أن نجعل هذا التغير بشكل آمن. والقصد من كلمة الآمن هو تحديدا الحيلولة دون التسبب بنهيارات مؤسساتية أو مجتمعية. ودون المغامرة بالدخول بحرب أهلية ستكون أسوأ بكثير من التوصل إلى تسوية ما مع السلطة تحقن دماء السوريين وتؤمن لهم طريقا سلميا لإقالة السلطة من خلال المرور بمرحلة انتقالية؛ لكن ربما لن تكون أسوأ من انتصار السلطة على حركة الاحتجاج، الأمر الذي سيتيح المجال للسلطات الأمنية أن تحوّل البلاد إلى نموذج من الفاشية لم يشهده التاريخ. نص ردي على الخاطرة:

أستاذ لؤي لا أرفض الطرح تماماً ولا أقبله دون توضيح.
المصطلحات السياسية في بلدنا ليس لها أساس معرفي صلب ولذلك فهي تعني آلاف الأشياء المتناقضة ولا تصلح أن تكون أدوات للبحث والتوضيح لأنها هي نفسها في صلب المعركة وإحدى مواضيعها. ماذا تعني بالسلطة السياسية؟ ماذا تعني بالنظام؟ ماذا تعني بالمؤسسات؟ ماذا تعني بالدولة؟ هل المخابرات مؤسسة من مؤسسات الدولة؟ كيف تتماهى السلطة السياسية بنظرك مع أجهزة الدولة؟ وبالتالي ما معنى تنحية السلطة؟ وما معنى إسقاط النظام؟ وكيف سيكون إسقاط السلطة بداية لحرب أهلية؟ نحن ندور ونلف حول النقاط الأساسية لكننا لا نصل إليها أبداً. يقول الفلاسفة بأن الكتابة عملية مفتوحة الطرفين أي لا بداية لها ولا نهاية ولذلك يجب أن لا نتوقف عن الكتابة وعن تفصيل الافكار وتوضيحها فهذه وسيلتنا في الوصول إلى حل سلمي وليس فقط الإقتصار على ردود الأفعال. في الدولة الحديثة هناك سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية قد تنفصل الواحدة عن الأخرى أو قد تتداخل والسياسة هي مجموع أعمال هذه السلطات ومجموع أعمال المنافسة للوصول إليها فإذاً لا وجود لسلطة سياسية وإنما لأعمال سياسية. يمكن أنك تقصد أن الجانب المدني في الدولة السورية متداخل مع الجانب الأمني والعسكري. هذا صحيح باعتبار أن المخابرات في كل مكان ولا ينطبق هذا على الجيش. المخابرات عادة جهاز من أجهزة السلطة التنفيذية ويقتصر عملها على حماية أمن الوطن أما في سوريا فالمخابرات سلطة رابعة تتحكم بباقي السلطات وهي ليست من أجهزة الدولة التي تحتاجها أية دولة لتستمر في العمل والوجود. فكيف يكون سقوط المخابرات هو سقوط الدولة؟ أنا ارى أن سقوط المخابرات هو تحرير لاجهزة الدولة وسلطاتها. ولا يتأتى تعقيد الحالة السورية من تماهي الجانب المدني من الدولة مع الجانب المخابراتي أو الأمني فهذه حالة وجدت في دول أخرى ذات أنظمة ديكتاتورية. لكن التعقيد نابع من تماهي فئات بكاملها من المجتمع السوري مع الجهاز الأمني، وهذه هي صلة الوصل بين سقوط المخابرات ونشوب حرب أهلية. وهذا ينطبق أيضاً في بعض الحالات على الجيش لكني لا أخاف من حالة الجيش لأن الجيش مؤسسة حقيقية لكني أخاف من حالة المخابرات لأنها عصايات وليست مؤسسات. الفرق هو أن المؤسسة لها هيكل وتنظيم وقواعد عمل بينما العصابة لها زعماء وولاءات أي أن الشخص والمنصب يتماهيان في العصابة لكنهما لا يتماهيان في المؤسسة. وهنا نعود إلى قولك بتماهي السلطة السياسية مع أجهزة الدولة والذي يتطلب إيضاحاً كبيراً باعتقادي. بما أن المخابرات عبارة عن عصابات وبما أن قياداتها متشابكة ومتآلفة مع القيادة المدنية للسلطة التنفيذية وبما أن المخابرات ليست مؤسسات فنرى هنا أن الحالة السورية أصعب من غيرها باعتبار صعوبة الفصل بين الأشخاص أي العصابة وبين المؤسسة. لكن كما قلت هذا موجود في المخابرات أكثر من وجوده في الجيش. وحتى حزب البعث لايشغل بالي لأنه مؤسسة، نعم مؤسسة، لكن مؤسسة طفيلية ويمكن فصلها عن الدولة ليس بقتل الأشخاص أو إقالتهم وإنما بفك هرمية القرار في الحزب عن هرمية القرار في الدولة. إذاً باعتقادي المشكلة الأساسية في المخابرات وفي ارتباط المخابرات بفئات كاملة من الشعب. هذا ما نريد إسقاطه باعتقادي. لكن كيف؟ هل نقتل جميع عناصر المخابرات، أم ننتظر حتى ينفضوا من ذاتهم ويذهبوا إلى بيوتهم؟ كل هذا ممكن لكن الأسهل برأيي هو حرمان المخابرات من مصدر عناصرها الاساسي. إذا استمدت المخابرات عناصرها عشوائياً من جميع فئات الشعب لكان من السهل عزلها لأن حساب الإنسان سيتغلب في مرحلة ما على حساب العصبة ذات الإمتيازات. لكن حين تكون العصبة ذات الإمتيازات من فئة مجتمعية واحدة فإن حساب الفرد لا يختلف كثيراً عن حساب الجماعة. نحن هنا بمواجهة عصبة خلدونية لا تتحكم فيها المصالح وحدها بل العصبيات الفئوية أيضاً. القيادات في المخابرات ومن لف لفها من المدنيين وعائلة الأسد لها مصالحها وهي تدافع عنها لكن ما مصلحة العناصر في الإستماتة في الدفاع عن هذه الطبقة الطفيلية ذات الإمتيازات التي لا تُشرك بها أحداً؟ أنا أرى الحل في فك الأرتباط بين المخابرات وبين الفئة المجتمعية وبالتالي نقطع مصدر العناصر الذي لا ينتهي والذي قد يؤدي إلى حرب أهلية. لا أعني هنا الطائفة العلوية برمتها ولكن أعني شرائح كاملة منها مترابطة برباط يتعدى حدود العمل كالقرية أو الحي أو العشيرة أو العائلة. طبعاً هناك آخرون في الجانب المدني وفي الجانب الأمني، لكني لا أرى عصبية بينهم غير عصبية المصلحة المادية. ولا أعني أن هذا الجانب هو الوحيد الإشكالي في الدولة السورية. أبداً فالدولة السورية تراث كامل من تغييب الأخلاق والضمائر والمعايير المهنية والطفيلية، وسنحتاج لأجيال من العمل المتواصل لانتشال سوريا من هذا المستنقع. لكن وبخلاف ما تقول أنا أفكر في الحاضر وليس في المستقبل البعيد. هذا الحاضر الذي لو انفجر لانفجر معه أي مستقبل فيه بصيص أمل. همي إذاً هو إنجاز مرحلة إنهاء القمع الذي تقوم به أجهزة المخابرات وهذا بالتحديد ما أعنيه بإسقاط النظام. أما بشار وعائلته فليسوا إلا أجزاءً من هذا النظام وإن بدا لنا أنهم في كراسي القيادة. فهل نستطيع أن ندخل في هذه التفاصيل وأن نوضح المصطلحات وأن نركز على الحاضر والمستقبل معاً؟ تحية لمجهودكم الذي أحترمه وأقدره.

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

أحمد نظير الأتاسي

أنا أستاذ مساعد في قسم التاريخ والدراسات الإجتماعية في جامعة لويزيانا التقنية (لويزيانا، الولايات المتحدة). في عملي الأكاديمي، أدرّس مقدمة لتاريخ العالم، تاريخ الشرق الأوسط (القديم والقروسطي، والحديث). وأعمل أيضاً كرئيس للمركز الإستراتيجي لدراسة التغيير في الشرق الأوسط، SCSCme.

You may also like...

shares