رأي في اجتماع دمشق – ليسا إسكاتاً وإنما إستراتيجية للصمت

لم يظهر المقال على أي موقع آخر، لكن كتِب في 12 يوليو، 2011

تعددت الآراء في الإجتماع الذي عُقد اليوم 27 حزيران في فندق سميراميس في دمشق. هناك من شجع وهناك من خون وهناك من دعا للصبر حت يظهر البيان النهائي. هناك من اعتبر الإجتماع إقراراً مبطناً بشرعية النظام وقبوله بمساحة من الحرية، أو تهميشاً لتضحيات المتظاهرين والشهداء الذين لم يكن الإجتماع ممكناً لولاها باعتبار أن التنسيقيات والمدن المنتفضة لم تكن ممثلة في الإجتماع. وهناك من طالب بضرورة التعامل الديمقراطي بين أفراد المعارضة وعدم إسكات الرأي الآخر واتباع سلوك النظام في التعامل مع المختلفين بالرأي. كثرت الشائعات حول طبيعة الإجتماع والمشاركين فيه وجدول فعالياته وأهدافه المحددة مسبقاً والجهة الداعية له والمنظمين والممولين. بعض الشائعات ذكرت أنه مؤتمر للمعارضة، وأخرى قالت بأنه مؤتمر للحوار مع النظام، وأخرى قالت بأنه إجتماع تشاوري. حتى مكان عقد الإجتماع لم يكن واضحاً فالبعض قال بأنع سيُعقد في الشيراتون ثم اتضح بأنه عُقد في فندق سميراميس. من دعا للإجتماع أهم الثلاثي كيلو- دليلة – سارة المسمون بالمعارضين المستقلين؟ أم بثينة شعبان الناطقة الرسمية باسم النظام؟ أم لؤي حسين؟ هذا أيضاً لم يكن واضحاً، وكذلك عدد الحاضرين وأسماؤهم. في النهاية خرجوا ببيان (في الحقيقة تسريبات عن بيان) يدعم الإنتفاضة ويطالب بوقف العنف والتجييش والتضليل ويدعو إلى إجتماعات مماثلة في كل المدن السورية. ظهر بعض المشاركين على التلفزيون السوري حصرياً وبعضهم تكلم مع الصحفيين واعتبروا ما جرى خطوة نحو الأمام.

لا أصادر حق أي كان بأن يفعل ما يريد فعله وأن يقول ما يريد قوله، لكن لي الحق بالتصريح عن رأيي مهما كانت قساوته. أعتبر ان هذا الإجتماع كان حدثاً ثقافياً جيداً لكنه كان غباءاً سياسياً. آسف مرة أخرى فأنا لا أكره إنساناً على القبول بأي شيء، وهذا مجرد رأيي الشخصي، لأني وعلى العكس من النظام لا أملك أية وسيلة إجبار. ولمن يريد أن يسمع تبريري لهذا النقد القاسي أقدم هذه الأفكار:

  1. هل كان بالإمكان إصدار البيان ذاته وبتوقيع كل من حضر الإجتماع دون عقد الإجتماع؟ طبعاً، فما الهدف من عقده إذن؟ وهل قدم شيئاً أكثر من بيان لا يتضمن أي حل لأية مشكلة؟ إذا كان الهدف إيصال أصوات المشاركين ومطالبهم فإن بياناً موزعاً عبر الفيس بوك كان سيحقق إنتشاراً أوسع من بيان لم نره حتى الآن ولا نعرف عنه إلا تسريبات. أما إذا كان الهدف هو التشاور من أجل الوصول إلى مقترحات وحلول للأزمة التي تعيشها البلد، فهذا لم يتحقق. فلا التشاور حصل ولا البيان تضمن حلولاً. الذي تسرب هو أن المشاركين لم يتعرفوا على بعضهم البعض ولم يشكلوا لجاناً للتداول، فأين هو التشاور؟ وأين هي الحلول؟
  2. باعتبار أن المجتمعين أقروا بما نعرفهم مسبقاً عن آرائهم ولم يخرجوا بأي حل لم يُطرح قبلاً، فمن المحتمل أن الهدف من الإجتماع كان الجانب الإستعراضي فقط. وأعني أنهم استعرضوا أمام الناس وأمام النظام حريتهم الجديدة التي حصلوا عليها بعد أشهر من النضال. فهل يا ترى كان هذا النضال نضالهم أم كان إنجازاً صنعه غيرهم؟ وهل فعلاً استعرضوا حريتهم وإذعان النظام للقبول بهذا الإستعراض، وهو ما عده البعض نصراً للإنتفاضة؟ الإستعراض بحاجة لمشاهدين، وبما أن المشاهدين قاموا بفعل المشاهدة عن طريق التلفزيون السوري الرسمي حصرياً فإن “النصر” المزعوم تحوّل من نصر للمتظاهرين إلى نصر للنظام باعتبار أنه استعرض الديمقراطية الجديدة التي يزعم باكتشافها فجأة في ذاته. النظام الآن يستمع للرأي والرأي الآخر، هو يقبل بالحوار ويستمع لأصوات العقل والمنطق وليس لأصوات المحتجين النشاز ونزعاتهم التخريبية، باعتبار غياب أي ممثلين عن الحراك الشعبي في هذا الإجتماع. هذه هي الصورة التي وصلت للمشاهدين وللعالم أجمع.
  3. لقد خلق النظام صورة لمعارضة مدجنة لا هي تمثل الشباب المنتفض ولا هي تمثل الأحزاب السياسية المعارضة. معارضة تشجب العنف من أي طرف جاء (كما ورد في البيان المسرب) مقرة بذلك ولو ضمناً بوجود عنف مواز لعنف النظام ومساو له بالشدة، ومقرة أيضاً باختزال الإنتفاضة إلى مواجهات شعبية بين معارضين وموالين لا دخل للنظام بها مما يؤكد الصورة التي حاول النظام ترويجها منذ البداية.
  4. التخويف من الصراع الطائفي دون تحديد للجهات الدافعة له والداعمة لوجوده واستمراره يعطي الإنطباع أيضاً بأن التجييش الطائفي يأتي من كل الأطراف المشاركة والتي لا يبدو النظام أنه واحد منها. ورفض التدخل الخارجي سقوط في فخ تحويل الأنظار عما يجري في الداخل ودعوة إلى توحيد الصفوف وراء النظام لدرء خطر خارجي مزعوم. لم تُبد أية دولة استعدادها للتدخل في سوريا ولذلك فإن العزف المستمر على وتر خطر التدخل الخارجي لا معنى له ولا يفيد إلا النظام. تركيا هي الدولة الوحيدة التي لمحت بمثل هذا التدخل نتيجة تدفق اللاجئين عبر حدودها وما يشكله هذا من ضغط إقتصادي واجتماعي على تركيا. ولا أستغرب أبداً أن تكون تصريحات تركيا المهددة والتي لم تترافق بأي تأزم للعلاقة مع النظام السوري مجرد مناورة في صالح النظام وفي صالح تركيا لأنها تقنع من خلالها شركائها الأوروبيين بأنه وسيطهم الناجح مع الشرق العربي والإسلامي.
  5. الإجتماع نخبوي ثقافي بامتياز أقصى ممثلي الحراك الشعبي وممثلي الأحزاب التقليدية وقصر صوت “المنطق والعقل” على المثقفين الذين لا يمثلون أياً كان. هؤلاء المثقفون الذين دفعوا ثمناً لمعارضتهم في الماضي ليس لهم يد في بدء الحراك الحالي أو في قيادته أو في تنظيم فعالياته. ومع ذلك فهم لا يزالون يعتبرون أنفسهم الطليعة الممثلة للشعب والمتحدثة باسمه. أين الشفافية، أين الدعوة العلنية، أين التحضيرات، أين الأهداف المعلنة، أين أسماء المشاركين، أين برنامج الفعاليات، أين المشاورات واللجان، وأين الحلول والمقترحات التي لا تدع مجالاً للشك في طبيعة الأزمة والمتسببين بها؟
  6. طبعاً من حق هؤلاء الفنانين والأطباء والكتاب والصحفيين أن يجتمعوا ويتشاوروا ويتكلموا ويصدروا البيانات ويتمتعوا بحريتهم الجديدة، لكن نرجوهم بأن ينتبهوا إلى أن النظام قد استغل اجتماعهم هذا لأغراضه الخاصة بتصويره على أنه لقاء للمعارضة أو حوار بين النظام والمعارضة. أرجوكم انتبهوا إلى النقطة الأهم وهي أن هذه الحرية منقوصة ولا معنى لها لأن النظام لا يزال يتمتع باحتكار الإعلام والعنف. عبرتم عن آرائكم لكنكم لم تتحكموا في رسم الصورة التي تريدون تجاه الشعب والعالم. لقد كان اجتماعكم شبيها بمعركة أحد، المتسارعون لجمع الغنائم يطعنون في الظهر من عدوهم الذين اعتقدا أنهم هزموه.
  7. إن هذا الإجتماع نجح إلى حد ما في كسر صف المعارضة وخاصة المثقفين وبلبل صورتهم في أعين الناس وشوش على صورة التنسيقيات كقائدة للحراك والممثلة الوحيدة عنه. لمن يريد أن يقول بالديمقراطية وحرية إبداء الرأي، أقول نعم هناك ديمقراطية بيننا لكن ليس هناك ديمقراطية في البلد وتحت سلطة هذا النظام. فلا تتهموا المعارضين لكم بأنهم يقصوكم ويسكتوكم لأن الصراخ والإعتراض ليس قمعاً وإنما القمع هو السلاح والشبيحة والأمن والجيش. هناك طرف يملك السلطة وأدوات العنف وأطراف أخرى لا تملك إلا الصراخ، فلا تحولوا الصراع الجاري الآن إلى صراع بين فرقتين من الصارخين لأنه في الحقيقة صراع بين الصارخين وبين قمع الدولة. باعتقادي أن اجتماعكم هذا كان انتحاراً جماعياً في أجواء من الديمقراطية المزيفة.

إذا كان النظام يريد حواراً فليتحاور مع التنسيقيات وبشروطها. وإذا كنتم تريدون دوراً إستشارياً فلا تعطوا للنظام الفرصة لاستغلالكم من أجل تلميع صورته وزرع الفرقة والخصام في صفوف المعارضة. الحالة متأزمة والوضع صعب جداً، لكن ليس هذا هو الوقد لتغيير الأولويات والمبادئ: من قام بالإنتفاضة يقوم بالحوار، وإذا أردتم تفويضاً للحديث باسن الناس فخذوه من الناس مباشرة. برأيي، ومع غياب مؤتمر وطني يمثل الشعب ويؤسس لمرحلة جديدة أو أو غياب تنسيق للوصول إلى هكذا مؤتمر،  الكتابة أفضل من استعراض لا معنى له ولا طائل من ورائه.

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

أحمد نظير الأتاسي

أنا أستاذ مساعد في قسم التاريخ والدراسات الإجتماعية في جامعة لويزيانا التقنية (لويزيانا، الولايات المتحدة). في عملي الأكاديمي، أدرّس مقدمة لتاريخ العالم، تاريخ الشرق الأوسط (القديم والقروسطي، والحديث). وأعمل أيضاً كرئيس للمركز الإستراتيجي لدراسة التغيير في الشرق الأوسط، SCSCme.

You may also like...

shares