الثورة العامة والشاملة والموجهة

ظهر المقال على موقع المجلة الدولية لدراسات الثورة السورية في 5 أكتوبر، 2012

كُتبت كثير من المقالات عن أسباب قيام الثورة السورية ومراحل تطورها ومعالم أزمتها الراهنة، لكن لابد الآن من استخلاص النتائج واقتراح الحلول التي تساعد الثورة على تحقيق أهدافها وتضع سوريا على الطريق الصحيح لحل المشاكل التي اندلعت الثورة بسببها. وفي هذه المقالة نقترح صياغة عامة ونظرية للحلول. وهي تلخيص لمقترحات يزيد عمرها على السنة لكن من الواجب طرحها حتى يتم انتقادها والبناء عليها. هذه الصياغة تعتمد على 1) تعزيز ثلاثة مفاهيم أساسية في الثورة هي التوجيه والعمومية والشمولية، 2) وعلى التركيز على تغطية سوريا بشبكة من المكونات التنظيمية المتماثلة التي يختص كل منها بحي أو قرية، 3) على إيجاد مكونات تنظيمية مختصة بالتنسيق على مستوى المدينة أو المنطقة ثم على مستوى المحافظة ثم على مستوى القطر دون أن تكون مكونات قيادية هرمية، 4) وعلى تعزيز التخصص والمؤسساتية ضمن هذه المكونات وخاصة الموجودة على مستويات جغرافية أكبر من الحي أو القرية، 5) وعلى إيجاد مكونات تمثيلية وأخرى تنفيذية (مدنية وعسكرية) على كل مستوى.

مفاهيم الثورة الجديدة

مفهوم التوجيه

حاجة الثورة إلى توجيه. نجحت الثورة السورية في مرحلتها السلمية بإفراز جماعات منظمة من الناشطين وتجمعات من الداعمين للثورة وحتى مجالس تضم ممثلين لمكونات الثورة على مستوى المدينة وأحياناً المحافظة. لكن هذه المكونات (الجماعات والتجمعات والمجالس)  تختلف بأسلوب تنظيمها وأسلوب عملها من منطقة إلى أخرى لا بل من حي إلى آخر ومن قرية إلى أخرى. وهي غالباً معزولة في مناطقها ولا تتواصل مع مكونات الثورة في المناطق المجاورة. كما أن هناك مناطق عديدة ينقصها مكوّن أو أكثر من هذه المكونات، فمثلاً هناك مناطق تعمل فيها تنسيقيات لكنها تفتقد إلى تجمعات الخدمات والدعم، وهناك مناطق فيها بعض الدعم لكنها لا تنضوي تحت لواء مجلس يجمع مكونات الثورة على مستوى المحافظة، وهناك حالات لا يكون فيها هذا المجلس قيادياً وإنما إستشارياً وتُهمل مشورته في أحيان كثيرة. والمكون الأهم الذي نعول عليه في تحقيق نقلة نوعية على الأرض لصالح الثورة –أي المكون الموجِه للثورة- لا يزال مفقوداً.

الفرق بين التوجيه والقيادة. ولابد من أن نذكر هنا ان طول غياب هكذا مكون عن الساحة قد وطّد أركان قيادات محلية لا ترغب في أن تفقد سلطتها وبالأخص إذا كانت هذه السلطة تمر عن طريق الإعانة الإغاثية أو التسليح. ولذلك نتوقع مصادفة بعض المعارضة لفكرة وجود توجيه مركزي وقد يرفض البعض هذه التوجيه رفضاً قاطعاً. وتجب مراعاة هذه الخاصية للثورة السورية فلا أحد يملك السلطة الكاملة (تابع ومتبوع) على أحد ولا يجب لأحد أن يراها حقاً له. ولذلك فإننا ندعو إلى نوع آخر من “القيادة”. ومن هنا تأتي أهمية مصطلح الثورة الموجَهة ذات التنظيم الشبكي في مقابل الثورة الهرمية ذات القيادة الموحَدة التراتبية.

مفهوم العمومية

مشاركة عموم الشعب. لقد أثبتت تجربة الثورة السورية إلى اليوم أنها لن تنتصر وتحقق أهدافها إلأ بجذب العدد الأكبر من أفراد الشعب إليها، ومشاركة هؤلاء مشاركة فعالة في فعالياتها ورسم أهدافها والعمل على الوصول إلى هذه الاهداف. لا بل إن هذه المشاركة العامة والحقيقية هي الضامن الوحيد الذي يمكن أن تعطيه الثورة لأية فئة في المجتمع السوري تتخوف من وصول هذه الجماعة أو تلك إلى السلطة. لا يمكن إنكار وجود من يحلم بالإستئثار بالحكم لنفسه فقد عاش شعبنا لفترة طويلة تحت نظام ديكتاتوري مستبد واستبطن العديد من المواطنين عقلية وآليات هذا النظام، لكن لا يعني هذا أنهم سينتصرون أو أنهم سيصلون إلى تحقيق أحلامهم، لأن الآلاف من أبناء شعبنا الذين وقفوا في الشوارع يطالبون بالحرية في مواجهة آلة القمع ونيرانها لم يخرجوا ويقدموا التضحيات لتعود ديكتاتورية أخرى لتحكمهم مهما كانت أيديولوجيتها أو ذرائعها. الشعب يعرف طريقه إلى الحرية الآن، ويعرف كيف يتخلص من المستبدين.

تعميم هيئات الثورة. ليس هناك من وقت مفضّل لممارسة المواطنة الحقة، ولا نرى وقتاً لممارستها أفضل من الآن. إن هذه الثورة مدرستنا كلنا لتعلّم الديمقراطية وقبول الآخر المختلف وحقه بالوجود والإختلاف والتعبير عن رأيه. ومن هذا المنطلق يجب أن نعمل على تعميم هيئات الثورة من تنسيقيات وتجمعات ومجالس على كل الأحياء والقرى والمدن والمناطق والمحافظات. إن المشاركة الفعالة هي الوسيلة الأفضل للتعبير عن المطالب ولتحقيق الوحدة الوطنية وإرساء قواعد المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات.

الحل السريع في مشاركة الجميع. لن يكون تعميم الثورة سهلاً، فالفئات الصامتة لا تزال صامتة بعد أشهر من القمع وآلاف من الشهداء والمعتقلين والمهجرين والمنكوبين. إنها تخاف النظام أولاً وتخاف على أموالها ومصالحها ثانياً، ولا يخلو الأمر من فئات دعمت وتدعم النظام وتريد بقاءه. لقد أثبتت التجربة أن أقل من يخاف النظام هم أهل الأحياء والمدن والقرى الثائرة وأكثر من يخاف النظام هم الصامتون الذين استبطنوا هذا الخوف واعتقدوا خاطئين أن النظام قدرهم ومصيرهم الذي يجب أن يقبلوا به. إن أفضل طريقة للحفاظ على الممتلكات والارواح هي الإسراع في إسقاط هذا النظام الذي لا يتورع عن قتل معارضيه ومؤيديه على حد سواء إن احتاج لذلك.

التعميم بالمثال. ولن يكون تعميم الثورة بالمحاججة والمجادلة والإقناع وإنما بإثبات حقيقة أن الثورة وجدت طريقها وخرجت من أزمتها ووحدت صفوفها ووضحت أهدافها ونسقت بين مكوناتها واختارت لنفسها ممثلين واستعانت بالأخصائيين والخبراء الذين أثبتوا مهارتهم وقدرتهم على التخطيط والتنفيذ. وحين يحدث هذا لا بد من وجود هياكل تنظيمية على الأرض قادرة على استيعاب الاعداد الكبيرة من المشتركين وتوجيه جهودهم وعلى إفراز القياديين والموجِهين الذين أثبتوا مهاراتهم بالعمل الجاد والنتائج الملموسة.

مفهوم الشمولية

أزمة المجتمع والثورة وضرورة الشمولية. إن أحد عناصر أزمة الثورة يكمن في صراع الأفراد والأنانيات وضعف القدرة التنظيمية وانعدام الثقة بين الأحزاب والأيديولوجيات. ولابد أن نذكر أن خمسين سنة من حكم نظام استبدادي ديكتاتوري طفيلي علّم الناس الإنتهازية وعدم احترام القانون، وتحقير الآخر المختلف وتخوينه وإقصاءه، والتنافس غير النزيه على الفرص القليلة وغير المتكافئة، والتصارع على الموارد المحدودة. لا بل إن إنقسام المجتمع على نفسه في ردود أفعاله تجاه الثورة التي تسعى إلى تحريره يدل على شروخ متعددة في المجتمع السوري وعلى انعدام الإحساس بالوحدة الوطنية وبضرورة التعايش. هذه مكونات فكرية وأخلاقية يمكنها ان تقضي على الثورة وعلى أي حلم بنظام ديمقراطي عادل. لذلك يجب ان تتعدى الثورة حدود إسقاط النظام وأن تصل إلى النفوس والاخلاق والتعليم والوعي. لن تستطيع الثورة بلوغ أهدافها إلا بأن تشمل كل نواحي الحياة في المجتمع الثوري.

ثورة في كل نواحي حياة المجتمع. لا بد للثورة من أجل بقائها ونجاحها ان تتحول إلى ثورة شاملة. ولا نعني بذلك التربية العقائدية التي طالما تشدق بها البعث علينا. لا نريد أن يُلقي علينا أحد أية محاضرات في “التفكير القويم” و”الإعتقاد الثوري السليم” وإنما نريد أن تكون المشاركة بالثورة مدرسة في احترام رأي الآخر دون ضرورة قبوله، وفي نبذ عقلية التآمر والإلتفاف على الآخرين وسلبهم نتيجة أعمالهم، وفي نبذ عقلية الإقصاء والإعتداد بالرأي إلى درجة إستغباء الآخرين، وفي نبذ عقلية التخوين والتكفير للمخالفين لنا بالرأي، وفي تشجيع عقلية وضع الضوابط والقوانين واحترامها حتى لا تبقى حبراً على ورق، وفي تشجيع الإعتماد على المجتمع بدل الإعتماد الكلي على الدولة، وفي تنمية مؤسسات المجتمع المدني للتعبير عن الآراء والمصالح والعمل من أجلها دون ربطها بمؤسسة واحدة إما تعطيها أو تحجبها. أول الأسماء التي أعطيت للثورات العربية هي ثورات الكرامة، فهل تكون إعادة الكرامة بمجرد تغيير النظام السياسي؟ وهل تكون إعادة الكرامة بمجرد تشغيل الناس وتحسين حياتهم المادية؟ إن الثورة ضد الذل والعبودية تطالب بأن يعاملني أخي المواطن بما أستحقه من احترام وأن تعاملني الدولة كإنسان وليس كعبد، فهي إذاً وقبل كل شيء ثورة أخلاقية.

الثورة هي مدرسة التغيير. إن الإنضمام إلى أي من مكونات الثورة، واحترام قانونها الداخلي وقواعدها التي بنتها دفعات من المتطوعين، وتطوير عملها، والبناء على خبرات السابقين وتقديمها للاحقين هو أفضل مدرسة للتغيير وهو التطبيق الأمثل لمبدأ شمولية الثورة. كذلك فإن نجاحنا في اختيار مجلس تمثيلي واحترام شرعيته وقراراته سيعطي المثال الذي يُحتذى في الثقافة الديمقراطية والقدرة على التنظيم والرغبة في العمل المشترك والعيش المشترك والقبول بمبدأ أغلبية الرأي وليس أغلبية الطائفة او الجماعة. ليس للثورة أيديولوجية عامة يتفق عليها الجميع، ويعتقد الكثيرون أن زمان الايديولوجيات الشمولية قد ولّى، إن إنشاء هذا المجلس التمثيلي هو عنوان وحدة الشعب السوري وهو بداية العقد الإجتماعي الجديد بين فئات الشعب (العيش المشترك) وأيضاً بين الشعب ودولته (الدولة التي تمثل الشعب وتنبع منه).

مكونات الثورة – الجوانب، التنظيم، والمستويات

تعريف مكونات الثورة. نعتبر مكوناً من مكونات الثورة أية جماعة من الناشطين أو الداعمين للثورة تملك شيئاً من التنظيم والهيكلية وتوزيع الأعمال، وتضع بعض القواعد لضبط علاقة الأعضاء بعضهم ببعض، وتؤدي عملاً أو أعمالاً تصب في اتجاه تحقيق أهداف الثورة الموحدة. لكن لماذا هذا التركيز على الجماعات المنظَمة؟ وهل الأفراد وحدهم لا يعتبرون من مكونات الثورة؟ لا يمكن لعدد من الأفراد الذين اجتمعوا صدفة أن يكوّنوا مظاهرة أو أن يقدّموا خدمة لآخرين. إن خروج هؤلاء الاشخاص كان بالتشاور بين بعضهم البعض وتبادل المعلومات والتحريض والتشجيع المتبادل والإتفاق على وقت ومكان التجمع. جلسة الحديث والتشاور هذه هي نواة الجماعة المنظَمة التي نتحدث عنها. ليس من الضروري أن ينخرط كل المتظاهرين في مجموعات منظَمة، لكن ستظهر عاجلاً أم آجلاً بعض المجموعات المهيكلة والمنظَمة التي تتبنى المبادرة بالدعوة إلى عمل جمعي يتوحد فيه اتجاه عمل كل المشاركين. هذه الجماعات المهيكلة والمنظَمة والقائمة على شيء من التخصص وتوزيع الأعمال والمتميزة بطاقة كبيرة تساعدها على التجييش والتوجيه ونشر المعلومات وجذب الناس هي ما ندعوها بمكونات الثورة. وليس ذلك لأن بقية المشاركين لا أهمية لهم أو لا دور لهم، ولكن لأن العمل الجمعي لا يبدأ إلا بمبادرة الجماعة الموجِهة والمحرِضة ولا يستمر إلا باستمرارها بالدعوة والتحريض والتوجيه. قد لا تكون هذه الجماعة قيادية، أي قد لا يخضع المشاركون في العمل الجمعي لأوامرها لكنها موجِهة لهذا العمل لأنها تفهم رغبة الجموع بتحقيق هدف واحد فتوجه طاقات هذه الجموع نحو هذا الهدف.

التنظيم الشبكي. ليس للثورة قائد ولا قيادة مركزية يتبع لها الجميع وينصاعون لأوامرها. لقد فات أوان هذا النوع من التنظيم ولم تُفرزه الأحداث ولا نعتقد أنها ستفرزه. قد لا يكون من الضروري وجود مثل هذه القيادة الهرمية المركزية. وقد يكون من الممكن استغلال توزع الثورة السورية وتناثر مكوناتها الفاعلة كنقطة قوة. سنعتبر أن هذه المكونات الموجودة في كل أرجاء سوريا وخارجها عقداً في شبكة كبيرة. إلى كل عقدة تدخل معلومات وموارد وتخرج أفعال وفعاليات، هذه المداخل والمخارج تأتي من الوسط المحيط المحلي أو من عقد أخرى على الشبكة. كل عقدة لها حد كبير من الإستقلالية وتقوم بكل أنواع الفعاليات التي تقوم بها أية عقدة أخرى، وقد تتواصل مع العقد الأخرى وتقوم بتحالفات وتبادل للمعلومات والموارد والافعال. ستكون بعض هذه العقد نجوماً لها تواصل كثيف مع عدد من العقد الأخرى، هذه النجوم تتولى مهام توزيع المعلومات والموارد والأفكار على العقد الأكثر محلية وتقوم أيضاً بمهام التنسيق بينها.
جوانب ومستويات. وباعتبار أن الثورة إعادة إنشاء للدولة وللمجتمع المدني فإن لها مكونات لامركزية على مستويات جغرافية متعددة، ولا تقتصر الثورة على المكونات المحلية فقط او على المكون المركزي فقط. بناءً على معطيات الواقع نرى أن هناك أربعة مستويات جغرافية لمكونات الثورة. أولها هو مستوى الحي أو القرية وثانيها هو مستوى المدينة أو المنطقة وثالثها هو مستوى المحافظة ورابعها هو مستوى القطر والذي نسميه هنا المستوى المركزي. وكما في حالة أية دولة لامركزية يجب أن يكون للثورة على كل مستوى جغرافي جانبان تمثيلي وتنفيذي، وأن ينقسم الجانب التنفيذي إلى قسمين مدني وعسكري. باختصار، وتطبيقاً لمبدأ أن مجتمعنا يخضع لاحتلال نظام لا شرعي، فلا بد إذاً من بناء ما يشبه الدولة الموازية التي تحمل الشرعية. وباعتبار أن النظام القائم متغلغل في كل نواحي الدولة والمجتمع فإن هذه الدولة الموازية هي التي ستحمي المؤسسات من الإنهيار والمجتمع من التفكك بفعل سقوط النظام.

التنسيقية – مستوى الحي أو القرية

تعزيز التنسيقيات تنفيذياً وتمثيلياً. لقد بدأت مكونات الثورة بالظهور على مستوى الأحياء والقرى وهذه ما اعتاد الناس على تسميتها بالتنسيقيات. طبعاً هناك تنسيقيات تضم ناشطين ميدانيين وهناك أيضاً تنسيقيات تجمع الأخبار وتنشرها على شبكات التواصل الإجتماعي أو توصلها إلى وسائل الإعلام. هناك تنسيقيات كبيرة العدد وفيها تخصصات وهناك تنسيقيات صغيرة العدد يتشارك كل أفرادها في كل الأعمال والمهام. هذا واقع ما أفرزته الثورة خلال الأشهر الماضية، لكن نريد إضافة عنصرين مهمين لكل تنسيقية: اولاً الهيكلية وتوزيع الأعمال (الجانب التنفيذي)، وثانياً التواصل مع أفراد الحي أو القرية من أجل اختيار ممثلين يمكن أن يتكلموا باسم الحي أو القرية في المحافل الاكبر مثل التجمعات والمجالس (الجانب التمثيلي).

الجانب التنفيذي (المدني و العسكري). الهيكلية تعني وجود تخصصات ووجود أشخاص قادرين على القيام بهذه التخصصات دون عرقلة لأعمال الآخرين أو التدخل بمهامهم. في أوقات الفوضى التي سيخلقها سقوط النظام سيحتاج الحي إلى لجنة حماية تراقب مداخل الحي وتراقب حركة الغرباء فيه وتحمي أهل الحي وأملاكه من السارقين والمخربين. سيحتاج الحي أيضاً إلى سواعد إضافية للقيام بأعمال التنظيف التي قد لا تستطيع الدولة تأمينها (القسم المدني). وقد يحتاج الحي إلى من يسجل أسماء المحتاجين من أهل الحي الذين استشهد معيلهم أو اعتقل أو أصيب، وإلى من يسجل احتياجاتهم، ومن يتواصل مع الهيئات الإغاثية ويؤمن الدعم الإغاثي ويوزعه على هؤلاء المحتاجين. وسيحتاج الحي كذلك إلى مساعدة الحكومة الإنتقالية بتقدير الخسائر التي لحقت بالحي حتى يُصار إلى تخصيص المساعدات المناسبة.

الجانب التمثيلي. وسيحتاج الحي طبعاً إلى اختيار ممثليه مما يعني الكثير من المشاورات والنقاشات والمفاوضات والتواصل مع العدد الأكبر من أهل الحي لذلك قد يكون من المفيد تشكيل لجنة سياسية للحي. هؤلاء الممثلون ليسوا بالضرورة قيادات يأتمر الناس بأمرها وإنما هم المعبّرون عن الإجماع والتوافق في الآراء والقرارات التي يصل إليها أهل الحي. يمكن أن يكونوا مواطنين حكماء يسعى الناس لأخذ رأيهم، ويمكن أن يكونوا مجرد ناطقين باسم أهل الحي. لكن الأفضل أن يكونوا قادرين على الدخول في نقاشات ومفاوضات مع ممثلين عن جماعات أخرى، وعلى الوصول إلى نقطة اتفاق وإجماع يمكن أن يعرضوها على الحي لشرحها ولنيل الموافقة عليها. هؤلاء الممثلون أيضاً هم صلة الوصل بين الهيئات على المستويات الأعلى وبين أهل الحي وتنسيقيته، حيث ينقلون إليهم المخططات والمقترحات ويجمعون ردود أفعالهم واقتراحاتهم لينقلوها إلى المستويات الأعلى.

التجمع – مستوى المدينة أو المنطقة.

تعزيز التجمعات تنفيذياً وتمثيلياً. وقد برزت أيضاً على مستوى المدينة او المنطقة تجمعات واتحادات ذات طابع خدمي في غالبيتها. ما نريد التركيز عليه هنا هو أولاً الزيادة في تعقيد التنظيم والهيكلية والمزيد من التخصص في العمل (الجانب التنفيذي المدني)، وثانياً انتخاب ممثلين عن المدينة أو المنطقة كلها لتمثيلها على مستوى المحافظة (الجانب التمثيلي)، وثالثاً تأسيس مجلس عسكري لقيادة الألوية المتواجدة في المنطقة أو المدينة (الجانب التنفيذي العسكري).

الجانب التنفيذي (المدني والعسكري). إن الهدف الآن هو بناء هذه التجمعات في المناطق والمدن التي لم تشكل مثلها ومحاولة خلق المكاتب المتخصصة والواضحة الهيكلية والمهام (أي التي لها نظام داخلي). وذلك لأن التجمعات هي أول مكونات الدولة الموازية ولا بد من أن تكون منظمة ومجهزة بالخبرات وخاضعة للقواعد المهنية.

على هذا المستوى نتخطى المجموعات المسلحة التي تدافع عن الأحياء ونصل إلى المجموعات المسلحة المهاجمة التي تستهدف البنية التحتية للنظام القائم وتسعى للتخلص من رؤوسه. هذه المجموعات المهاجمة تتكون من مقاتلين مدرَبين ومجهَزين بعتاد هجومي مناسب وموزَعين على سرايا وكتائب تخضع لقيادة مركزية مهنية. ولا تستقر هذه المجموعات في منطقة معينة بل تتنقل باستمرار بين مخابئ آمنة قريبة من الأهداف التي أنيطت بضربها. وتكون قيادة المجموعات المهاجمة على هذا المستوى مؤلفة من ضباط ومدنيين تزكيهم التنسيقيات والتجمعات.

الجانب التمثيلي. يجتمع الممثلون الذين تنتقيهم التنسيقيات وينتخبون ممثلين عن المدينة أو المنطقة حسب نسب متفق عليها.

المجلس – مستوى المحافظة.

تعزيز المجالس تنفيذياً وتمثيلياً. أفرزت الثورة على مستوى المحافظة بعض المجالس هنا وهناك تتألف من ممثلين عن التجمعات والتنسيقيات العاملة ضمن المحافظة. لبعض هذه المجالس دور قيادي لكن معظم أعمالها تتعلق بالخدمات. ما نريد التركيز عليه هنا هو أولاً إنشاء مكاتب مختصة تقوم بدور المنسق العام لأعمال التجمعات والتنسيقيات (الجانب التنفيذي المدني)، وثانياً انتخاب ممثلين عن المحافظة  كلها لتمثيلها على مستوى القطر (الجانب التمثيلي)، وثالثاً تأسيس مجلس عسكري لقيادة الفرق والألوية المتواجدة في المنطقة أو المدينة (الجانب التنفيذي العسكري).

الجانب التنفيذي (المدني و العسكري). يكون التركيز على تشكيل المجالس حيث لا توجد وعلى تشكيل المكاتب الداعمة والتي سيكون عملها على هذا المستوى عمل تنسيق بين تجمعات المدن والمناطق وتوزيع الأموال عليها.

الجانب العسكري على هذا المستوى يقتصر على المجموعات المهاجمة ويتألف من قيادات الألوية والفرق ويكون هؤلاء من الضباط المهنيين الأعضاء في الجيش السوري الحر.

الجانب التمثيلي. ينتخب ممثلو المدن والمناطق ممثلين عن المحافظات. ويجتمع ممثلو كل محافظة دورياً لتدارس أمورها وإيصال صوتها إلى المجمع المركزي التمثيلي.

المجمع المركزي – مستوى القطر

مجموعات التخطيط والدراسات (الجانب التنفيذي). وهي العقد التي تحوي العقول المفكرة التي تُنتج المقترحات والإستراتيجيات والحلول والخطط العامة التي تساعد في توجيه الثورة على مستوى القطر نحو هدفها. هذه المجموعات هي عقد المعلومات والأفكار في شبكة الثورة، أي أنها تجمع المعلومات الهامة المدنية والعسكرية وتستخدمها في صياغة حلول للمشاكل وخطط للعمليات المدنية والعسكرية. هذه الحلول والخطط تكون على شكل مقترحات ويتم تعميمها على كافة عقد الشبكة، ثم تتلقى مجموعات التخطيط معلومات عن تنفيذ هذه المقترحات ومدى فاعلية هذا التنفيذ لتستخدمها في صياغة المقترحات المقبلة. هذه المجموعات تضع الخطط وتقترح التوجيهات وتضع آليات تنفيذها وكيفية مراقبة هذا التنفيذ لكنها لا تفرض هذه الخطط والتوجيهات على قواعد الثورة بل تمررها إلى مجمع تمثيلي لدراستها وبناء الإجماع الشعبي حولها ومن ثم إقتراحها على القواعد لتنفيذها.

المجمَع المركزي التمثيلي (الجانب التمثيلي). وهو العقدة المكلفة بضخ وتوزيع الافكار الموجِهة للشبكة بكاملها والتنسيق بين عقدها. وحتى لا يكون التوجيه مفروضاً من الأعلى بدعوى أنه عمل النخبة المتعلمة الطليعية التي تستحق أن تقود الثورة  نقترح أن يكون التوجيه موكولاً إلى مجمّع تمثيلي ينبع من قواعد الثورة ومكوناتها. هذا المجمع التمثيلي يمنع أياً كان من ادّعاء قيادة الثورة، كما يشكل النواة الديمقراطية للمرحلة الإنتقالية ويكون المَخبر الذي نتدرب فيه جميعاً على الديمقراطية.  المجمع المركزي التمثيلي مؤلف من ممثلين عن المحافظات حسب نسب متفق عليها. ويتلقى المجمع التمثيلي الأموال الموجهة لشراء الاسلحة ويوزعها على المعنيين حسب خطة مدروسة.

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

أحمد نظير الأتاسي

أنا أستاذ مساعد في قسم التاريخ والدراسات الإجتماعية في جامعة لويزيانا التقنية (لويزيانا، الولايات المتحدة). في عملي الأكاديمي، أدرّس مقدمة لتاريخ العالم، تاريخ الشرق الأوسط (القديم والقروسطي، والحديث). وأعمل أيضاً كرئيس للمركز الإستراتيجي لدراسة التغيير في الشرق الأوسط، SCSCme.

You may also like...

shares