هل هناك حرب أهلية من طرف واحد؟

ظهرت هذه المقالة على موقع المندسة السورية بقلم سوري حر
ظهرت أيضاً على موقع مدونة الموسوعة السورية في 25 أبريل، 2011

بقلم: سوري حر

الجواب هو نعم. و لكن قبل أن نصل إلى هذا الجواب دعونا نبدأ من الأساس لنصل إلى رأس الهرم. القصة بدأت في السبعينات بانقلاب عسكري لإزاحة حكومة غير منتخبة شرعياً و استبدالها بحكومة أخرى غير شرعية سرعان ما غيرت القوانين لتضمن استمرارها في السلطة أو بالأحرى احتكارها للسلطة فالطالب الفاشل هو الذي يمكن أن يكون الأول لو لم يكن هناك طالب آخر في الصف . هذا ما دفعهم إلى إلغاء الآخر و بشكل صارخ. القاعدة القانونية “ما بني على باطل فهو باطل” و التي تجتمع عليها معظم القوانين الوضعية مهمة جداً و لا تسقط بالتقادم. بناءاً على ذلك لا توجد حكومة شرعية الآن في سورية وإنما عصابة تحكم البلد بطريقة مافياوية تألف قلوب من لانت جلدتهم و تسحق من كان عصياً على الإقناع .

الحرب الأهلية هي بالتعريف انقسام المجتمع إلى أكثر من فئة متصارعة غير  قادرة على حل مشكلاتها بالحوار فتلجأ إلى العنف الذي غالباً ما يواجه  بالصمت ، الرد السلمي ، أو بالعنف المضاد . في سورية الانقسام واضح و هو  متعدد الوجوه : طائفي ، اقتصادي ، اجتماعي و سياسي. إذا الشرط الأول للحرب الأهلية محقق. من يتبع أخبار سورية في الأسابيع الأخيرة لا يمكن له أن يتجاهل الصراع الدائر الآن و هو سلمي، في غالبيته، من طرف المدنيين يواجه بعنف وحشي، لا يمكن لأي مخلوق بشري احتماله، من الجهاز الأمني للعصابة الحاكمة و من لف لفها، فكما قلنا الدولة غير شرعية و بالتالي مؤسساتها غير شرعية. إذاً هناك حرب أهلية في سورية لكن من طرف واحد، و هي لا شك مرشحة أن تتطور و تتشعب لتأخذ أبعاداً إقليمية ودولية.

تحدثنا في البداية عن الطغمة الحاكمة، أول أطراف الأزمة السورية، ولكن من هي الأطراف الأخرى؟ خلافاً لما يعتقده الكثيرون، الجواب على هذا السؤال ليس بالأمر اليسير و ان كان كذلك فهو “السهل الممتنع” فالمجتمع السوري المتنوع اقتصادياً و عرقياً ومذهبياً من الصعب تجميعه تحت راية واحدة حتى و إن كانت راية “الحرية”. هذا المجتمع الذي عزل أطرافَه البعثُ الحاكم منذ حوالي النصف قرن بحواجز الخوف والتسلط، يده اليمنى لا تعي ما تفعله اليد اليسرى. إذاً السؤال الذي يطرح نفسه الآن : مالذي يجمع المحتجين في سورية؟ ومن قال أن المحتجين في سورية مجتمعون كجسد واحد إذا مرض منه عضو تداعت له سائر الأعضاء. الحقيقة أن المحتجين لم يجتمعوا على مطالب موحدة وإن كانت هناك بعض التقاطعات في مطالبهم. الكثير منهم بعثيون و الكثير منهم كان فاسداً و “خطو حلو” قبل أن ينقلب على النظام و يشكك في مصداقيته . أنا لست مع النظام و رأيت بأم عيني وحشيته. أنا متفاعل و متحمس للحراك  التغييري الذي يجري في سورية و لكن تحضرني مقولة أحد السياسيين المعارضين المخضرمين في أحد الحوارات معه حيث قال “لا يمكن لمسؤل فاسد أن يصحو ذات يوم ليقرر أنه أصبح مستقيما”. إذاً ماذا حصل؟ و هل هناك أغلبية صامتة؟ برأيي الذي حصل أن حليف البارحة الذي ربته الحكومة على الانتهازية واللصوصية أصبح عدو اليوم. رامي مخلوف (الذراع المالي لمافيا عائلة الأسد)  وبكل بساطة أكل الأخضر و اليابس و المكان أصبح ضيقاً لا يتسع لغيره أضف إلا ذلك أن وظائف الدولة، على قلتها لم تعد تغني من جوع و الناس، بشكل عام، لم يعودوا يهتمون بالسياسة ليجف نهر كتابة التقارير الذي لم يعد مغرياً للمؤسسة الأمنية التي تخلت عن كرمها . أضف إلى ذلك أن عوائل المدينة التقليديين، و لاسيما في دمشق و حلب، عادوا من منفاهم الطوعي بكثير من العلم و الخبرة ليديروا مؤسسات مخلوف و شركاته. هذا أدى إلى تهميش الحلفاء التقليديين للحكم، الأمر الذي أدى إلى احتقان تبلور عندما تهيأت الظروف الملائمة. وعلينا أن لا ننسى عامل الدين ، فشعوب الشرق و بكافة طوائفها محافظة و متدينة جداً و مما لا شك فيه أن هذا البعد الديني بدا واضحا في الفترة الأخيرة حيث تم تهميش أغلب المثقفين السوريين الذين لا ترضى عنهم المؤسسة الدينية ليحل محلهم خطباء جوامع و مشايخ ينقصها الوعي و الخبرة لإدارة صراع بهذا الزخم.

السؤال الأخير الذي يطرح نفسه الآن: هل هناك أغلبية صامتة؟ الجواب: هناك أغلبية قليلة الكلام. ليس لدي أدنى شك في أن الغالبية العظمى في سورية لم تعد تثق بالحكومة و لا حتى بشخص بشار الأسد، ولكن المشهد الضبابي أجبرهم على البقاء أمام شاشات التلفزيون ينتظرون ما يحمله اليوم التالي. هنا علينا أن نعود إلى نقاشنا الأول الذي أثبتنا فيه أننا في حرب أهلية من طرف واحد . ففي أي صراع إذا كنت أحد أطراف الصراع لا يمكنك الوقوف على الحياد طوال الوقت. فإما أنت مع أو ضد. وإذا قررت الخروج من هذا الصراع فستخرج أيضا من معادلة ما بعد الصراع فليس من حرب تستمر إلى ما لا نهاية. هذه الأغلبية، الغير متجانسة مذهبياً، لا تريد أن تخرج من حكم القرداحة لتقع في حكم قرداحة أخرى. رغم ذلك ستخرج إلى الشارع قريباً لتقول كلمتها و تعبر عن أفكارها و تطلعاتها و هذا سيؤزم الوضع و يضع مافيا الأسد أمام خير التصعيد العسكري الذي لا شك ستجد من يؤازره إقليمياً (إيران و حزب الله ) وداخلياً (كل من هو مستفيد) و إن كانت فرصة نجاحهم ضئيلة إذا أهملنا عامل الزمن.

إذن ما الحل ؟ الحلول و إن اختلفت فإنها تتقاطع في نقطتين: الحوار واحترام الآخر و عدم إلغائه.

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

أحمد نظير الأتاسي

أنا أستاذ مساعد في قسم التاريخ والدراسات الإجتماعية في جامعة لويزيانا التقنية (لويزيانا، الولايات المتحدة). في عملي الأكاديمي، أدرّس مقدمة لتاريخ العالم، تاريخ الشرق الأوسط (القديم والقروسطي، والحديث). وأعمل أيضاً كرئيس للمركز الإستراتيجي لدراسة التغيير في الشرق الأوسط، SCSCme.

You may also like...

shares