تحليل لأحداث حمص الأخيرة

ظهرت هذه المقالة على موقع مدونة الموسوعة السورية في 21 أبريل، 2011

بقلم: أحمد نظير الأتاسي

كاد النظام ان ينجح بجعلها سلفية الثلاثاء الماضي في حمص. وبغض النظر عن كون المنادين بالجهاد من المؤذنين الخائفين أو من المخابرات المتحركين بسياراتهم، كاد السيناريو الذي يريده النظام ويسعى إليه بكل ما أوتي من تضليل أن ينجح. وهذا ليس في مصلحة أي منا نحن السوريين. ليس في مصلحة المسلمين أو المسيحيين أو أو. لأنه يعطي للنظام المبرر لاستخدام كامل ترسانته ضد مدننا وقرانا الآمنة. يعطيه المبرر لكي يعاقب الكل بجريرة البعض، دون محاكمة ودون حتى تقصي الحقائق، وبرضى دولي كامل. تسييس الدين أصبح مرفوضاً، مرفوضاً من المسلمين ومرفوضاً من اليهود الصهاينة ومرفوضاً من المسيحيين الأمريكان المتعصبين. وفصل الشرعية الدينية عن سلطة الدولة (وليس فصل الأخلاق عن الدولة والمجتمع) أصبح مطلباً عالمياً. وإن أحد الدروس العظيمة التي تعلمتها الشعوب العربية كلها من إنتفاضات تونس والجزائر ومصر واليمن وسوريا هو أن الوحدة الوطنية والتساوي بالمواطنة أما قانون وضعي هو أساس الدولة المدنية الحديثة. مواطنون لا ذميون، مواطنون لا رعايا، مواطنون لا طوائف تقوم على هوية يكتسبها الإنسان بالميلاد كالدين أو العرق.  إن عقوداً من عنف الدولة الموجه والمركز قد أفقد السوريين كل هوياتهم التي تمكنهم من تشكيل دولة ومجتمع متماسكين، وحولهم إلى جماعات طائفية أو عشائرية وهي أبسط أنواع التجمع لأنها علاقات دم لا علاقات إنتماء واع لوطن وأمة ومجتمع تمثله دولة منتخبة تستمد سيادتها من الشعب. لذلك فإن أكبر المشكلات التي تصادفها الإنتفاضة في سوريا هي جمع الناس والتنسيق بينهم عن طريق التواصل. لا أحد يثق بجاره أو أبناء الحي المجاور أو المدينة المجاورة أو القرية المجاورة لأن تطلع الإنسان هو إلى الداخل العشائري الطائفي الآمن.

إذا كنتم سوريين وتعتقدون بأنكم تنتمون إلى شعب واحد تمثله دولة واحدة فعليكم برفع أصواتكم والمطالبة بهذا. التعايش هو تعاقد والتعاقد يحتاج إلى الإجهار والصراحة والشفافية. أغلب الناس ينتظرون ويتفرجون وكأنهم في مباراة رياضية يشجعون اللعبة الحلوة أو الرابح الأخير. ليس هناك من رابحين، هناك رابح واحد هو الشعب المتماسك وخاسرون متعددون لأننا نربح معاً ونخسر فرادى. من يعتقد أن الإنتفاضة تسيطر عليها قوى طائفية عليه أن يخرج من قوقعته ويتحدث إلى جيرانه أو أقل الإيمان أن يدخل إلى صفحة على الفيس بوك تعرض أفكاراً جديدة ويرتادها أناس غرباء مختلفون. هناك إسلاميون وهناك كل طيف من أطياف سوريا السياسية والدينية والإقتصادية والإجتماعية. وستجد هناك العجب العجاب: الجميع يرفض الطائفية والجميع يخافها كما يخاف الطاعون. هؤلاء أكثرهم لا يراؤون. لقد اختاروا التعايش اختياراً واعياً وصريحاً. لأول مرة في تاريخ سوريا منذ الإستقلال يدخل السوريون في عقد إجتماعي طالبين التعايش. هذا هو أساس الديمقراطية والتعددية والعيش المشترك. فما هو السر يا ترى؟ إنه إيمان بأن الواحد يحتاج الكل حتى ينجح في رفع نير الإستبداد والظلم. الطريقة السلمية التي رأيناها تسقط إمبراطوريات الظلم والقهر والقمع في تونس ومصر لا تنجح إلا بإشراك الجميع. لأن قوة الجيش والسلاح والتكنولوجيا الحديثة لا يمكن أن تتغلب على الشعب بأكمله. فحتى الحاكم يحتاج إلى محكومين ليحكمهم. يحتاجهم أحياء ليتسلط عليهم. التكنولوجيا الحربية الحديثة قتلت الملايين لكنها وحدت الشعوب أيضاً، لأننا أمام الموت الشامل لن نحيا إلا مجتمعين. السلاح لا يوجد إلا في يد المستبد، هو مهووس به ويعتقده حلاً لكل مشكلاته ومشكلاتنا. وهذا هو بالتحديد سر ضعفه. نحن لا نملك السلاح ولا نريده لأن نجاحنا هو في اجتماعنا كدرع بشري نحمي به بعضنا البعض. ولهذا فائدة أخرى، فبما أن أحداً لا يملك السلاح، لن يستطيع أي كان أن يزعم أنه قاد الثورة أو كان السبب في نجاحها. ولن يستطيع أحد أن يفرض نفسه على الآخرين إلا من خلال صندوق الإنتخاب والعملية السياسية السلمية.

فإذا كنت تكره الطائفية وإذا كنت تخاف من صعود هذا أو ذاك على أكتاف الشهداء والمتظاهرين الشجعان فضمانتك الوحيدة هي أن تشارك. ليس من الضروري أن تتظاهر لكن إرفع صوتك وقل كلمتك. لا تدع النظام يعتقل ويعذب هؤلاء الشجعان الذين تحدوه وكسروا حاجز الخوف لنا جميعاً. إذا كنت ترى أن الناس لا تخرج إلا من مسجد أو كنيسة ولا تستمع إلا لخطبة إمام أو قسيس فليس هذا تعبيراً عن خيار سياسي. بكل بساطة، وبعد نصف قرن من القمع، هذا هو الموجود. إذا كنت تريد صوتك على المنصة فاعتلها أو إدفع بممثلك ليعتليها. إهتف هتافك وأسمعه للأخرين حتى يعرفوا أنك موجود. إن ضمانة مستقبلك الوحيدة هي صوتك. الكل متساوون بأنهم عزل أمام الرصاص. ،واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد، ليست دعاية إنتخابية إنها حقيقة.

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

أحمد نظير الأتاسي

أنا أستاذ مساعد في قسم التاريخ والدراسات الإجتماعية في جامعة لويزيانا التقنية (لويزيانا، الولايات المتحدة). في عملي الأكاديمي، أدرّس مقدمة لتاريخ العالم، تاريخ الشرق الأوسط (القديم والقروسطي، والحديث). وأعمل أيضاً كرئيس للمركز الإستراتيجي لدراسة التغيير في الشرق الأوسط، SCSCme.

You may also like...

shares