التنقيب في جرش صيف 2008 (مشروع جرش الإسلامي)

جرش 2008

ظهر على مدونة سابقة في 25 نوفمبر، 2009

مشروع جرش جزء من الأركيولوجية الإسلامية الحديثة النشأة. تشرف عليه جامعة ستوكهولم الهولندية تحت إشراف مديرية الآثار الأردنية. الإكتشافات مثيرة (مسجد، أسواق، منطقة صناعية) وتعود إلى العصر الأموي المتأخر (الحي الإسلامي من المدينة).لكن طابع المدينة لم يزل رومانياً. جرش كانت إحدى مراكز صك النقود التي طلب منها عبد الملك بن مروان تجريب صك نقود تجمع بين العربية والإغريقية. وهذه فترة قصيرة وناجحة قرر بعدها عبد الملك تعريب النقود وأسلمتها كلياً.

أنا الثاني عن اليمين جنب طالبة الآثار الأردنية (لا بد للإنسان أن يقدّر صلابة إيمانها وأياً كانت الأسباب التي دعتها إلى التخمر في ذلك الصيف الحار، آب اللهاب كما يقولون، فهذا يفوق قدرة تحملي الذاتية). لا تستطيع الصورة أن تصور شدة عطشي وجوعي وتعبي، فهكذا حال الصور (دائماً كالنصوص المكتوبة) لا تتكلم. أعتذر مقدماً على شح عدد الصور فمن غير اللائق مهنياً نشر صور ستكون موضوع بحث علمي يعدّ للنشر قبل نشر البحث. وما سترونه أقرب إلى الصور التي يأخذها السياح، دون طويل من الشرح والتفصيل أو تسمية للتفاصيل المعمارية.

الشارع الرئيسي المستقيم في جرش

هذا هو الطريق المستقيم المرصوف والمحفوف بالأعمدة الذي يقطع جرش من أولها إلى آخراه (عماد التصميم الروماني للمدن) وتتقاطع معه عمودياً شوارع أخرى أقل فخامة (وهذا النمط يسمى بالخطط المربعة). هاكم بعض من الصور لإشباع رغبتكم في رؤية بعض الآثار الرومانية. على فكرة جرش تنتمي إلى الديكابوليس (جماعة من عشر مدن ثم ازداد عددها لكن الإسم بقي كما هو) وكانت حواضر سوريا والأردن وأمهات المدن الداخلية. نعتها بالرومانية لا يعني أن أهلها تكلموا اللاتينية وإنما يعني أنها جزء من الإمبراطورية الرومانية. أما سكانها فكانوا خليطاً من العرب والآراميين والإغريق والإيطاليين وآخرين جاؤوا مع قطعات الجيش واستقروا في المنطقة. أما الأبنية فمولها أهل المدينة أنفسهم فقد كان للرومان نظام طريف يحتذى به وهو فتح باب التنافس بين القرى والمدن لتكبر وتتجمل وتتوسع مرافقها حتى تعلنها السلطة مدينة ثم أم مدينة، مما يجعلها مركزاً إدارياً واقتصادياً وعسكرياً يدر بالأرباح على أهلها.

الفوروم في جرش، ساحة الإجتماع
أحد مسارح جرش
موزاييك في جرش
إحدى القناطر
شارع فرعي في جرش

الإنتماء إلى دولة مسألة إدارية (مواطنة) ومسألة أيديولوجية (لا علاقة لها بالعرق أو القومية) إذ يجب أن يدخل المواطن في اللعبة الكبيرة التي نسميها “الأمة” أي أن يدفع الضرائب ويحترم القانون ويشارك في الحروب، وبالنسبة للرومان، أن يؤمن الإمبراطور كقائد ملهم. وهنا نرى أن نظام الخلافة في العصور الإسلامية لم يكن إلا نظاماً ملكياً ابن عصره.
عند نهاية المشروع (شهر كامل) حلفت أن لا أعود مرة أخرى، لكن الآن أحلم بالذهاب مرة أخرى، الأركيولوجيا سوسة كما يقولون. على كل المؤرخين المختصين في العصور الوسطى (والذين يعتمدون أساسياً على النصوص المكتوبة) أن يشاركوا ولو لشهر في إحدى الحفريات ليتعلموا حدود النص وما يمكن أن يقدمه وما لا يمكن أن يقدمه. التواصل الحسي مع الناس موضوع البحث ولو بملامسة الأبنية التي لامسوها يوماً هام جداً حتى لا ننسى أنهم كانوا أناساً مثلنا لهم ذات الرغبات وذات الأحاسيس وذات النيات وإن اختلفت الأفعال.

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

أحمد نظير الأتاسي

أنا أستاذ مساعد في قسم التاريخ والدراسات الإجتماعية في جامعة لويزيانا التقنية (لويزيانا، الولايات المتحدة). في عملي الأكاديمي، أدرّس مقدمة لتاريخ العالم، تاريخ الشرق الأوسط (القديم والقروسطي، والحديث). وأعمل أيضاً كرئيس للمركز الإستراتيجي لدراسة التغيير في الشرق الأوسط، SCSCme.

You may also like...

shares