“لا أستطيع أن أقول من أنت ، و لكنني أستطيع أن أروي لماذا قتلوك”
الخميس، 13 أكتوبر 2011
موقع : بيريوديسمو اومانو
ترجمة : زياد حدرامي الأميني
* ناشط سوري تم قتله على يدي قناص عندما كان يخرج من أحد مساجد حمص في شهر رمضان .
* شاهد كان يعرفه يتحدث عن القناعات و الأفكار التي وهب حياته لها.
لا أستطيع الكشف عن اسمه و لا وضع صورة له لأن ذلك قد يعرض للخطر حياة
أفراد عائلته الأكثر قربا . لكنني رغم ذلك أستطيع الكتابة عن شخصيته و كيف
كان يخاطر بحياته من أجل إخبار العالم عما كان يحصل في مدينة حمص بسوريا .
لم يتجاوز عمره سبعة و عشرين عاماً ، كان أنيقاً و ذكياً و كانت له نظرة
متحدية ، عصية على النسيان . عرفته عندما بدأت الاحتجاجات لأن شهرته كناشط
كانت مستفيضة . اعتاد أن يلبس كما الشباب في عمره ، تي شيرت و سروالاً من
الجينز . عندما رأيته للمرة الأولى كان يضع قبعــة يحاول أن يمــر بها
دون أن يلاحظـه أحد . كـان يفتــخر بكونــه ” مندساً ” كما يسمي النظام
المتظاهرين الذين كان يحتجون سلمياً في الشوراع . لكنني أعترفُ بأنه كان
يحمل سلاحاً قوياً جداً : هاتفاً نقالاً مزوداً بكاميرا .
كان واحداً من الأشخاص الذين سجّلوا المظاهرة الحاشدة في ساحة الساعة
الجديدة بحمص في الثامن عشر من ابريل | نيسان ، الأولى بعد عقود من الصمت .
سيظل هذا التاريخ محفوراً للأبد في ذاكرتنا لأنه في تلك الليلة ، لم تتوقف
الطلقات النارية و صرخات المتظاهرين الممزقة للقلب حتى علا صوت أذان
الفجر من مئذنة مسجد خالد بن الوليد .
و بينما كنا جميعاً في البيوت نشاهد الرسائل التي كانت تصل إلى قناة
الجزيرة مباشر ، كان هو في شارع الدبلان ( واحـد من أكثــر الشوراع شهرة في
المدينة و قريب من الساحة ) يسجّل كيف كانت قوات الأمن تطلق النار على من
كانوا يتظاهرون في اعتصام سلمي . في هذا الفيديو يمكن أن ندرك كيف كان يركز
على الفجوات في الأبنية التي كانت تسببها الطلقات النارية ، في محاولة
لتجميع أدلة واضحة على عنف النظام .
لكنه كان شاهداً أيضاً على أمر أكثر سوءاً بكثير . شخصان ، واحد منهما شاب
في مثل عمره ، طالتهما الأعيرة النارية و سجل بكاميرا هاتفه المتحرك صوراً
مرعبة ، حيث تبدو جثتا الضحيتين محمولتين على الأذرع إلى المستشفى .
بعد ذلك مباشرة ، أرسل الصور إلى الجزيرة و كانت تسجيلاته بالتحديد هي ما
تم بثه . الناس المحيطون به كانوا يقولون له إنه كان يعرض حياته للخطر بشكل
كبير و إن عليه أن يتوقف عن الذهاب الى المظاهرات . كان عليه أن يختار بين
السكوت أو الالتزام بإخبار العالم عما يجري في سوريا ، و قد قرر أنه في
حال اختار عدم المخاطرة فإنه سيبقى نادماً طيلة ما تبقى من حياته .
الجميع كانوا يحبونه . لم أكن أعرفه جيداً ، لكنني أراهن أنه كان ينهض كل
صباح مفكراً أن دوره قد يأتي في يوم من الأيام . كان شاهداً يومياً على عنف
النظام و بالنسبة إلى عمره القصير ، فقد شاهد دماء كثيرة ، و مظالم كثيرة .
و هذا ما أسخطه كثيراً إلى الدرجة التي جعلت منه ثائرا . بالاضافة الى
ذلك ، فقد شاهد سقوط زين العابدين بن علي و حسنى مبارك ، و كان يؤمن بدور
وسائل الاتصال الجديدة ، و اعتقد أن بمستطاعه المساهمة بنصيبه في الأمر :
كان لديه أمل .
تلك المظاهرة الحاشدة ، المسموح بها مسبقاً من قبل النظام الذي كان يخشى أن
تستمر مالم يسمح بدفن الضحايا الذين سقطوا في اليوم السابق ، تطورت بطريقة
سلمية كما يمكن مشاهدة ذلك في الفيديوهات التي سجلها هذا الشخص ، الذي كان
مدركاً أنها ستجتاز ، عاجلاً أو آجلاً ، حدود بلاده .
عندما عدتُّ ، كنت مدركاً أن الاشخاص الذين تركتهم ورائي كانوا ما يزالون
عرضة لخطر جدي . فالنظام يحاول زرع الرعب بين السوريين من أجل أن يتخلوا
شيئاً فشيئاً عن الخروج إلى الشارع للمطالبة بالعدالة . و هذا يعني أعواماً
من القمع الوحشي . فمنذ الخامس عشر من آذار | مارس تم قتل ألفي شخص و أكثر
من ذلك بكثير ما زالوا مفقودين. المجتمع الدولي شاهِد على المذابح التي
يرتكبها بشار الأسد ضد شعبه ، لكن الجبهات الكثيرة المفتوحة لدى الولايات
المتحدة و حلف الناتو ، بالإضافة الى الموضع الجغرافي للبلد ، و الموقف
السلبي لروسيا و الصين و المصالح المتنوعة للدول المجاورة ، تصعِّب إصدار
قرار من الأمم المتحدة ، التي اقتصرت قبل أيام على صياغة إدانة غير ملزِمة
و بقوة قانونية معدومة .
بالرغم من الإدانة الرسمية ، لم يتم طرد أي واحد من سـفراء سـوريا في
الاتحاد الاوروبي ، الأمر الذي زاد من سـخط المنظمات المساندة للثورة التي
تفضل نـزع الشرعية عـن النظام .
إن صمت كثير من المواطنين ذوي الأصل السوري الذين يعيشون في بلدان أخرى هو
أكثر صمَّاً للآذان من الرصاصة التي قتلت هذا الشخص و كل الضحايا الذين
فقدوا حياتهم و هم يطالبون بإصلاحات مشروعة . فالظهور في القوائم السوداء
التي تعدها السفارات بأسماء الناشطين المنخرطين يجب أن يكون باعثاً على
الفخر ، و سبباً لخجل البقية الذين يفضلون الصمت .
لكن لا شيء سيعيد إليه حياته ، تلك الحياة التي انتهت قبل بضعة أيام فقط
عندما كان هذا الشاب الشجاع يخرج من المسجد في الليل كما في أي يوم آخر من
أيام رمضان ، فتلقى رصاصة في الرأس صرعته في الحال .
لقد جعلَنَا موتُه منكسرين ، إلى درجة أنه كان من غير الممكن تجنب التفكير
بأننا كنا نفضل لو أنه كان حياً و على الهامش . لكن هذا سيكون انتقاصاً من
أفكاره و قناعاته : بأن الحرية لها ثمن و أنه كان مستعداً لدفعه .
أنا لا أريد إصدار حكم فيما إذا كان قد فعل الصواب أو لم يفعله ( أفكر في
أقربائه و أصدقائه الأكثر قرباً ، و في ألمهم ) ، لكنني أريد فقط تسجيل
نشاطه و فعاليته ، و السبب الذي دفعهم لقتله . كنت بحاجة إلى الثناء عليه و
الإشادة به . إنها قصة مأساوية عاشتها آلاف العائلات من قبل ، و لن تكون ،
للأسف الشديد ، المرة الأخيرة التي تُسْكِتُ فيها طلقة نارية صوتاً
معارضاً في سوريا .
أحدث التعليقات