سوريا وحيدةً
الأربعاء، 19 أكتوبر 2011
خوسيه انتونيو مارتين بايين – صحيفة ال بوبليكو
ترجمة : زياد حدرامي الأميني
في صيف عام 1936 قررت القوى الدولية ، و على رأسها المملكة المتحدة ، أنه
لن يكون هناك تدخل في إسبانيا لأنه ، استناداَ إلى المعلومات التي
بحوزتهم ، إذا تم سحق انقلاب العسكريين فستقوم جمهورية سوفياتية يكون
الفوضويون فيها عنصراً أساسيا . في ذلك الوقت ، كان الوزن البرلماني لهذا
الخليط الغريب – الذي شكل الفوضويون جزأً منه – قليل الأهمية .
في صيف عام 2011 ، تبرز تكهنات مشابهة حول الحالة الدموية التي تعيشها
سوريا أمام النظرة المستريبة للقوى الدولية . و قد كلف الأمر أنهاراً من
الدم ليتوصل مجلس الأمن إلى إنجاز إدانة خجولة للاعتداءات الوحشية التي
تقوم بها السلطات السورية .
مرة أخرى ، فإن استراتيجبي الجيو سياسية ( الجيوبوليتيك ) الذين يديرون
شؤون العالم كما لو أنه لوحة شطرنج ، ينسون و يستهينون بإخفاقات و مآسي
الماضي . لقد خلصوا إلى أن الحركة الديموقراطية العميقة للمواطنين
السوريين ليست أهلاً للثقة و أنها يمكن أن تؤول إلى دكتاتورية ثيوقراطية
ذات صبغة إيرانية . الجامعة العربية أصبحت أكثر حسماً و العربية السعودية
استدعت سفيرها في دمشق للتشاور . الضغوط تتزايد ، لكن تعنت النظام لا
يتزحزح.
هذا المأزق هو نتيجة للإبقاء على الديكتاتوريات القاتلة ، التي كانت
استجابتها الوحيدة هي تفريغ الأسلحة النارية بما فيها الدبابات و المدافع
ضد المواطنين الذي يردون فقط برفع أيديهم مطالبين بالكرامة و الحقوق . إن
التاريخ ، عندما ينحط إلى محاكاة ساخرة ، يميل إلى تكرار نفسه بشكل حتمي .
لا يمكن التسامح ، لأسباب جيو استراتيجية ، مع جرائم ضد الإنسانية .
تستعمل القوى الدولية ، من أجل تعزيز أطروحتها بعدم التدخل أمام مأساة
تصدمنا كل يوم من خلال تقارير محطات التلفزة ، عدداً لا يحصى من الأفكار
المُبتَذَلَة التي ترسَّخت بين بعض المحللين عن العالم العربي . فيتم
الإصرار على إلقاء اللوم في عدم الاستقرار الداخلي على المواجهات الدينية
بين فرعين من فروع الإسلام : السنة و الشيعة . لكن الواقع هو شيء مختلف
تماما . فالحركات الاجتماعية التي تشكل ما يُعرف بالربيع العربي هي حركات
عابــرة للطوائف و الطبقات . يندمج فيها العلمانيون ، و المثقفون ، و
المهنيون ، و حتى المتدينون غير المتشددين ، الكل يستنفرون مثل أي مواطن
آخر في هذا العالم استجابة لصيحة ” لم أعد أستطيع تحمل المزيد ” . إن
الحاجة الحيوية الى العدالة و الحرية هي أمر مشترك بين كل الذين يصرخون
في ساحات و شوارع معظم بلدان العالم العربي .
إن البرودة المميِّزة لمدَّاحي السياسة الواقعية دائماً ما تؤدي إلى أزمة .
بالنسبة إليهم ، الشيء الأكثر بساطة هو اللجوء إلى الاستنتاج بأن
دكتاتوراً دموياً هو أفضل من حشدٍ يطلب بصوت عال شيئاً ثورياً مثل الحرية و
العدالة و الديموقراطية . و في غياب طريق مضمون يتم اختيار ما هو موجود و
مستقر، حتى لو كان دكتاتورية متوحشة . يبدو كما لو أن الخوف من الحرية قد
أصبح جزأ لا يتجزأ من سياسة القوى الدولية . إن الحجج التي يقدمونها لا
تخلو من الخيال ، فهم يصرون ، مع شيء من العجرفة ، على أن تدخلاً عسكرياً
في سوريا سوف يستثير رداً فورياً من إيران و حزب الله . لكنّ الأولين ،
يعرفون أنهم بعد انتخاباتهم الأخيرة لا يستطيعون الشروع في مغامرات
عسكرية في بلد اسلامي آخر بدون تعريض استقرار نظام الآيات ( ملالي إيران )
للخطر . و حزب الله ، الحركة التي تدافع عن تحرير العالم العربي ، ليس
لديها خطاب جاهز تواجه به الموجة الديموقراطية بدون أن تعرض دورها السياسي
للخطر .
في النهاية ، عندما تتهاوى الحجج ، يظهر دائماً شبح الأخوان المسلمين .
الواقع يقول لنا إنهم تحولوا إلى حركة إسلامية معتدلة تتطلع إلى بناء حلم
الوحدة العربية . تركيا ، البلد حيث يلعبون دوراُ سياساً رئيسياً ، بعد
المحاولات العديدة للوصول إلى أبواب فيينا و دخول الاتحاد الاوروبي ، وجدت
مهمتها التاريخية في الشرق الأوسط . لقد دفعها ضيق عقل المتشددين
المسيحيين و ضراوة العنصريين الجدد باتجاه أصولها التاريخية . إن مذبحة
أوسلو الدامية و مضمون الشبكات الاجتماعية التي يتم فيها تغذية كراهية
الإسلام لا يدعوان للاستمرار في المحاولة .
يجرب الديكتاتور السوري ، في بحثه اليائس عن مخرج ، لعبة الانفتاح على
التعددية الحزبية معلناً عن انتخابات حرة و عادلة . الانتخابات يجب أن
تكون حرة ، و هي في بعض الأحيان تكون عادلة ، و لكنها يجب بالضرورة أن
تكون نزيهة . لقد اعتدنا على المهازل الانتخابية التي كان يديرها حسني
مبارك تحت عنوان الديمواقراطية الاجتماعية . و فتح النوافد لأحزاب سياسية
أخرى بدون ضمان انتخابات نزيهة يعني بناء ديكور بسيط ، بينما ما يُحتَاج
إليه هو أساسات صلبة من أجل بناء ديموقراطية جديدة .
يجب أن يواجه بشار الأسد مسؤولياته أمام محاكم عادلة في سوريا ديموقراطية
أو أمام المحكمة الجنائية الدولية . من الصعب أن تستطيع السلطات الناشئة
عن انتخابات ديموقراطية فتح صفحة جديدة و هو الأمر الذي تدافع عنه بعض
المنتديات الدولية . فالمناشدات النمطية التي تتحدث فقط عن المصالحة بين
من يطلقون النار و بين من يموتون تبدو كلمات فارغة أو شعارات مجردة . من
الصعب أن تدير خدك الآخر عندما تكون قد حطمته دبابة . ( إشارة إلى القول
الشهير المنسوب للسيد المسيح عن إدارة الخد الأيسر لمن صفعك على الخد
الأيمن ) .
في إسبانيا ، تَرَكَتْ القوى الدولية الديموقراطيةَ عاجزة . و عواقب ذلك معروفة للجميع . يجب أن لا يتكرر الأمر نفسه في سوريا .
أحدث التعليقات