الثورة السورية و سلاحها الاقتصادي

ظهرت هذه المقالة على موقع مدونة الموسوعة السورية في 24 سبتمبر، 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: يوسف الخازن

انبرى بعض الصحفيين في أشهر الثورة الستة إلى الخوض في تحاليل مجاملة لما يطمح إليه الثوار من رهان على سقوط النظام متأثرا بالضغط الاقتصادي معتمدين على تقارير من هنا وهناك أشهرها ما أوردته مجلة الايكونوميست وملياراتها العشرون المهربة إلى لبنان دون ان يتكبد صحفي أو معارض أو ثائر عناء الغوص في تفاصيل الواقع الاقتصادي السوري و التعرف إلى فاعلية السلاح الذي اشهره متوعداً نظامه بالسقوط.وقد فشلت المعارضة في إيجاد كيان متخصص وذي خبرة لمتابعة هذا الملف طالما أن الظهور على الفضائيات وتكرار الشعارات المتداولة كفيل بصنع ثائر حر ومنحه ثقة ملايين المتابعين وبيعتهم لتمثيلهم في المحافل و المؤتمرات ولا داعي لسلوك الطريق الصعب في العمل المتخصص والبحث والتحليل.

ونحن نورد هنا هيكلاً تحليلياً ليس إلا يمكن للباحث دعمه بالأرقام ليقف على حقيقة ما يمكن أن يؤول إليه الرهان الاقتصادي. سلاح الاقتصاد هو السلاح الوحيد الذي ينال من قوة النظام الضاربة في الوقت الراهن فالحاكم يسود بما يحبسه من موارد تحت إمرته يوجهها حيث يشاء، ومشيئته الآن صوب جيوشه التي تعربد في كل أرجاء الخارطة السورية.

نصّ قانون الموازنة العامة للعام 2011 على مبلغ 835 مليار ليرة سورية ترد إلى الخزينة من القطاع الخاص وقطاع النفط ومن عامة الشعب على شكل ضرائب ورسوم عديدة. ثم إنها تذهب وفقاً لاعتمادات محددة من أكبرها الدعم الموجه للمحروقات والغذاء، فإذا تأملنا في ما انعكس من آثار لثورة الشعب السوري الراهنة على المالية العامة نجد الآتي:

الايرادات:

  • أ)     النفط: حتى نهاية أيلول تستمر ايرادات النفط بشكل طبيعي دونما تأثر لكنها معرضة للتراجع بسبب العقوبات اعتباراً من تشرين الاول حيث يكون التراجع بفارق السعر بين المشتري الاوربي وبديله الذي يتوقع أن يكون آسيوياً ولا بد من إرباك وتأخير في الصفقات الاولى مع الزبائن الجدد.
  • ب)    القطاع الخاص والعائد الضريبي: هناك تراجع في السياحة الخارجية اعتباراً من شهر نيسان يفوق نسبة 80% بينما تذكر بعض التقديرات تراجعاً في التجارة بنسب تصل إلى 70% حسب القطاع. وأكثر القطاعات المتأثرة هي السلع الكمالية والمعمرة ومنها السيارات. كما تراجعت كفاءة التحصيل الضريبي كونه نشاط حكومي تراجع كبقية الأنشطة، إضافة إلى تنازلات قدمت للصناعيين بإعفائهم من دفع الضريبة عند المنبع للمواد الأولية المستوردة. أما المصارف فإن زيادة المخاطر الائتمانية وتراجع الثقة في الاقتصاد أدت إلى تراجع هائل في خدماتها وشبه توقف عن الخوض في قروض جديدة مما ينعكس سلبا على نمو الأعمال فيها، كما زادت الضغوط على قطاع التأمين لزيادة التعويضات الناجمة عن الحوادث.
  • ج)     القطاع الأهلي: إن تراجع ساعات العمل وتعطل المصالح الحكومية تراجع الأمن في العديد من المناطق وغياب السلطات الرقابية لا شك يؤدي إلى تراجع حصيلة الضرائب والرسوم الناجمة عن تعاملات المواطنين.

النفقات:

  • أ)     زيادة الرواتب بنسبة أكثر من 10% هي زيادة ضاغطة كانت مرفوضة من الحكومة السابقة وغير ملحوظة في الموازنة العامة.
  • ب)   زيادة دعم الديزل بنسبة 20% لصالح القطاع الزراعي الذي لا يرتبط مباشرة بالمالية العامة علماً أن النسبة حسب الاسعار الثابتة، لكن واقع الاسواق هو ان الاسعار ارتفعت عام 2011 وليست ثابتة.
  • ج)     الموازنة الاستثمارية هي الموازنة المنقذة حيث من المتوقع استخدامها لسد العجز الناجم عن تراجع الايرادات مما سيؤدي إلى تراجع نسب النمو المستقبلية. وإن دعت الحاجة إلى تغطية قانونية فقد تم تجهيز مرسوم التعبئة العامة الجديد حيث يمكن للسلطة التنفيذية إعلان التعبئة الجزئية واستباحة كافة الاعتمادات لما تراه حرباً ضد الاضطرابات الداخلية.
  • د)     موازنة الدفاع تضخمت بأضعاف المتوقع حيث لم تتحرك الجيوش بهذا الحجم منذ عام 1973 وقد استحق مجندون إجباريون رواتب الاحتفاظ لمدة ستة أشهر نظراً لعدم امكانية تسريحهم في تلك الفترة.

ميزان المدفوعات:

لم تتأثر الصادرات السلعية حتى الان ومن المتوقع تراجع عائدات الصادرات النفطية بسبب فرق الاسعار، بينما تراجعت عائدات السياحة والمغتربين من جهة انخفاض عدد اجازات المغتربين وارتفاع عدد زيارات المقيمين لذويهم المغتربين. بينما انخفضت المستوردات من سلع عديدة ذات قيمة مرتفعة كالسيارات مما يرجح أن يكون ميزان المدفوعات السلعي الغير نفطي قد تحسن بينما تراجعت عائدات النفط و السياحة. نتيجة ذلك ستكون انخفاض اضافي في قيمة الليرة السورية لكنه ليس انهياراً مفاجئاً طالما أن الاحتياطيات تغطي تراجع السياحة وتمويل العمليات الحربية يتم بأساليب لا تؤثر على القطع كالمساعدات و القروض من روسيا و ايران.

خلاصة ما ورد هي أن الانهيار آت من تراجع بطيء للاقتصاد حيث يمكن تعويض أي تراجع في ايرادات المالية العامة أو زيادة في النفقات من الموازنة الاستثمارية أو من التمويل بالعجز، وعندها سيكون التضخم نسبياً بمقدار ما تضطر الحكومة لضخه من سيولة وهمية ولن يكون في هذه الحالة تضخما كارثياً مفاجئاً. وطالما أن هناك قطاعات أساسية كالزراعة وأسواق أساسية كحلب تعمل بشكل طبيعي فإن العجز نسبي وكلفة الدعم الخارجي لن تكون كبيرة على الدول الراغبة بذلك من قبيل إيران و روسيا. أما الدخل الناجم عن فساد القطاع الحكومي والذي تعتمد عليه معيشة مئات آلاف المواطنين فهو الذي بدأ يضغط على قدرة الحكومة على السيطرة ويتم تعويضه جزئيا بتجنيد الموظفين ضمن عصابات القمع والنهب والابتزاز مما يطيل عمر السيطرة على الجهاز الحكومي لأشهر قادمة.

ويكون بذلك سلاح الاقتصاد قد فتك بالمواطنين أولا حيث ينزل الآلاف يوميا تحت خط الفقر بما يحدث من توقف أو تقليص للقطاعات الأكثر تأثرا وبما يسببه الوضع الأمني لصغار الكسبة من تراجع لساعات عملهم ويبقى النظام بمنأى عن التأثر به لأشهر قادمة لا يعلم من الغالب فيها من المغلوب فهناك فارق كبير في حياة الشعوب بين الأشهر والأيام ويمكن للجوع أن يأتي بثورة على الثورة  بدلاً من أن يحرض على السلطة و الله أعلم.

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

You may also like...

shares