الطغـاة و شعـوبهم

السبت، 2 يوليو 2011

بقلم: خوان غويتيسولو (صحيفة إل باييس الإسبانية)ترجمة : زياد حدرامي الأميني إن حب الطغاة لشعوبهم لا يحتاج إلى أي دليل  . قد يمكن قياسه بعدد و تنوع الأسلحة و الذخائر التي يستخدمونها من أجل الإبقاء على هذه الشعوب في طريق التقدم و السلام الاجتماعي الذي صمموه من أجلهم  , الطريق المهدد من قبل أعداء داخليين و خارجيين , من عصابات من الأشرار يعملون  في خدمة الإرهاب الدولي . إلى هذه المقتطفات المثيرة للشفقة من اقتراحات الإصلاح المقدمة من قِبل زين العابدين بن علي و حسني مبارك في الأيام التي سبقت الإطاحة بهما ,  تلك الأيام التي اختلطت فيها الوعود الجميلة في التغيير مع  اللجوء المعهود إلى العصا , ربما تطبيقا للقول ” من يحبك جيدا سوف يجعلك تبكي ” , نستطيع أن نضيف في الأشهر الاخيرة تلك العائدة إلى القذافي و بشار الأسد و الرئيس اليمني : فهم مع تشبثهم بسلطاتهم العشائرية يعلنون وقف الأعمال الحربية , وتدابير مهدئة , و جداول زمنية انتخابية جديدة تلبي متطلبات شعوبهم  . إنه لأمر سوريالي رؤيتهم و الاستماع إليهم على شاشات التلفزيون فيما تركز الكاميرات على المظاهرات الحاشدة , أو مشاهد الحرب , ثمرة سأم شعوبهم من سلطتهم العائلية المحتكرة منذ عقود .خطاب الطغاة يتوافق , بطبيعة الحال , مع  نفسية و طبع  كل واحد منهم . فالقناع الكبير المذهل للقذافي يتقيأ تهديدات و شتائم على أعداء الشعب ( و الشعب هو القذافي ذاته ! ) , و علي عبد الله صالح يقول شيئا في يوم و شيئا آخر في اليوم التالي , و لكنه يبقى ملتصقا بكرسي الزعامة , أما بشار الأسد فيؤكد على مشاركته الألم مع عائلات الضحايا من أجل زيادة عددهم بعدئذ بمعدل مرعب .من بين عدة ثورات تهز العالم العربي ( و التي امتدت في سياق آخر إلى ساحة  بويرتا دل سول في مدريد ) , فإن الأكثر شجاعة و مثالية هي السورية . فبعد الحصار الوحشي لدرعا , حيث مركز النزاع , فإن  الأسد و بالرغم من صورته المزروعة  كرجل لطيف و متصالح , قادر على تحويل تسلطية والده شديدة القسوة إلى دكتاتورية أقل قسوة , لم يتردد في إرسال مدفعية و دبابات الحرس الجمهوري و الفرقة الرابعة المدرعة إلى حمص , اللاذقية , بانياس , و الضواحي ” المتمردة ” للعاصمة . و كما في حال زملائه في ليبيا و اليمن , يؤكد على أن المتظاهرين يتم تحريكهم من قبل حركات سلفية إرهابية مع أن الوقائع تكذّب هذا الزعم . فالفيديوهات المحملة على الفيس بوك تظهر السحق عديم الرحمة الذي يتعرض له المتظاهرون السلميون . و مع ذلك , تصر دمشق , على أن الجيش و الشرطة ينكبُّون على عمليات تطهير من أجل الحفاظ على السلام . سلام المقابر للضحايا والمحيطين بهم .الوضع الاستراتيجي لسوريا , كبلد مجاور للعراق و لبنان و الاردن و اسرائيل , يفسر حذر اوباما في خطابه الأخير . و العصا التي رفعت في وجه القذافي و علي صالح اللذين يُطلب منهما الخروج الفوري من أجل إفساح المجال لنظام ديموقراطي , تقتصر في حالة الأسد , المفاوض الذي لا غني عنه في  اتفاق سلام مع اسرائيل يُعد خياليا في الوقت الراهن , على مجرد شد الأذن .خطر الانجرار إلى نزاع طائفي على غرار ما عانى منه العراق بعد الغزو المشؤوم عام 2003 , لا يمكن استبعاده , لكن هذا يجب ألا يكون عذرا لنظام قمعي يزدري حياة المواطنين , نظام دكتاتوري أزاح عن وجهه القناع التحاوري الذي كان يعرضه عندما زرتُ دمشق قبل أكثر من عام بقليل . القمع العنيف للسلطة, سواء كانت الليبية أو السورية أو اليمنية, يستدعي أيضا إدانة حاسمة من جانب الاتحاد الاوروبي سيء الانسجام , و الذي يفتح عينيه الآن فقط على انتهاكات و تجاوزات قادة دعمهم  حتى الأمس بمصالح اقتصادية ضيقة , و كان يبيعهم الأسلحة , بما فيها القنابل العنقودية .من أجل الدفاع عن إنجازات و فتوحات  الشعب , نسمع هنا و هناك  و هنالك ,إننا مستعدون لكل شيء : التضحية حتى بالشعب نفسه . فالحب الذي يكنه الطغاة العرب و غير العرب – لا ننسى مثال شاوشيسكو و رفاقه – للوطن الذي يتماهون به لا يوجد له حد غير الموت , سواء أكان موتهم هم أنفسهم أو موت عدد غير مهم , في الحقيقة , من رعاياهم المحبوبين .

تابعونا على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي:

You may also like...

shares