نمط "النبي"

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث

30 آذار، 2016، العقلية الذكورية-الزعيم

قد لا يكون مفهوم العقل العربي ذو معنى سوسيولوجيا بسبب صعوبة تحديده. لكن مفهوم العقلية بشكله الإحصائي (أي نسبة من الناس تملك هذه الأفكار) يمكن أن يكون أداة ممتازة للتحليل السوسيولوجي للمجتمعات السورية المختلفة. إحدى هذه العقليات هي عقلية الذكر القائد (الزعيم). وهي مفهوم سياسي بما تعنيه السياسة من إدارة الشأن العام والتفاوض مع الآخرين وأحياناً قيادة مؤسسات. الذكر القائد قد يكون قائد أسرة كأب أو قائد قبيلة كشيخ أو قائد مجموعة دينية كشيخ دين أو وجيه في الحارة أو البلدة أو مسؤول في وزارة أو ضابط عسكري أو قيادي في حزب أو رئيس مجموعة عمل. في الثورة السورية برز الذكر القائد كالوباء المدمر وبشكل مثير للإستغراب، وكان غالباً آداة (آليات وتصرفات وقرارات) فاشلة تماماً لممارسة السياسة والقيادة السياسية (غير الإدارية). لقد شغلني هذا الموضوع كثيراً وناقشت مع أصدقاء مقاربات نظرية وتجريبية كثيرة لتفسير هذه الظاهرة، لكن لم نحصل على تحليل شافي. أعتقد أني اليوم أقدر على إعطاء تحليل نظري أجود. الذكر القائد يقوم على المنافسة الصفرية أي إما رابح أو خاسر وهذا يشرح تجبر المتنافسين إلى حين غلبة واحد منهم على الآخرين ليتحول بعدها هؤلاء إلى خدم طائعين (ولاء). نرى هذا أيضاً في بعض المجتمعات الحيوانية مثل الخيول، حيث الذكر القائد يتنافس مع بقية الذكور على كل الإناث وليس فقط على أنثى واحدة. ويقوم بعدها بطرد بقية الذكور من الجماعة. في النهاية يشيب الذكر ويتحداه أحد الشباب ويطيح به عن عرش القيادة (ثورة). ثانياً الذكر القائد لا يستخدم عقله إلا في التخطيط للوصول إلى مركز القيادة والإطاحة بالآخرين. عنده استراتيجيتان إما العنف أو المؤامرة (بدل التفاوض والتنافس البناء). إنه لاعب شرس ومؤامراتي ولا يحب التعاون إلا بما يخدم مسيرة وصوله. عندما يتآمر فإنه يتعامل مع فريق المؤامرة كأتباع وليس كأنداد لأن المحلصة يجب أن تكون صفرية ولذلك فإنه يحرص على استخراج عهد بالولاء منهم (البيعة أو الإمارة). التنافس الصفري يجعله شكاكاً (بارانويا) ولذلك فإنه يفضل الروابط السرية القائمة على الولاء الشخصي. الذكر القائد يزاود على الجميع في أيديولوجية القيادة، أي في الرصيد الذي يشرعن مركز القيادة. وهو في العرف السوري الدفاع عن العرض والدين والمال والشرف. عندما يكون على مسرح الدفاع عن هذه القيم (أرصدة) فإنه يلبس لبوس القتال والمواجهة وأعني الغضب والحمية (فار الدم إلى راسه، لم يعد يرى أمامه) والعنف اللفظي (غالباً ألفاظ جنسية ذكورية) والتهديد بالفصل عن الجماعة (التكفير والتخوين والإتهام بالإعتداء الجنسي) وأحياناً القتل (إذا وصل الأمر إلى المساس بالشرف والعرض). عندما تكون هناك مشكلة تضغط زر تفعيل عقلية الذكر القائد فإنه يبدأ بالنظر إلى كل الذكور بعين الريبة واعتبارهم منافسين يجب التخلص منهم أو تحييدهم بتحويلهم إلى أتباع. ولا يرى حل المشكلة إلا بتحقيق السلطة المطلقة التي تسمح له بتطبيق أفكاره التي يعتقد دائماً بأنها صحيحة، خلاصية، ليصبح هو المخلص والأب والمعلم حامي الحمى والبطل. طبعاً الدين وسيلة ممتازة في ساحة المنافسة لأن الدين الشعبي قائم على نفس العقلية، وأعني النبي القائد الذي هو في الحقيقة ديكتاتور مخلّص. أو هكذا تصورنا نبوة الرسول محمد. كانت نبوة يسوع مختلفة رغم انطلاقه من الفضاء اليهودي المشابه وذلك لانه قضى على الصليب ولم يتحول إلى ملك-نبي مثل داوود. رد فعل النظام المتوحش (القائد الذكر بأبشع صوره) فعّل عقلية القائد الذكر في كثير من الذكور السوريين لأنهم رأوا اعتداءاته كاعتداءات على المال والشرف والعرض والدين (الرباعية المقدسة). وبسبب هذا التفعيل فشلت كل المجموعات السياسية وغيرها بسبب التنافس الشرس بين الذكور للإطاحة ببعضهم البعض. العلمانيون والإسلاميون مارسوا نفس الذكورة المهدمة (محصورة في حل من نوع واحد، السلطة المطلقة للفرد المخلّص). وهؤلاء لا يزالون يعتقدون أنهم في حرب مزاودات أيديولوجية بينما السبب الأساسي لصراعهم هو ضيق أفق الذكر القائد وعدم رؤيته لبقية الخيارات المتاحة وصراعهم الصفري على السلطة. الصراع ليس على الدبن في الفضاء العام وليس بين العلم والدين وإنما بين متنافسين على السلطة. الخطأ المميت للطرفين هو الإعتقاد بأن السلطة تحل المشكلة وأن الآخَر عقبة في طريق الوصول إلى السلطة، بينما يتم تصوير الصراع على السلطة على أنه حرب مقدسة ضد الكفار أو المتوحشين (صراع صفري). الذكر القائد سلطوي ضيف الأفق ومهدم.