كيف نحل مشكلتنا-ضرورة فهم الجذور

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث

21 : ضرورة فهم السوريين لجذور وأبعاد المشكلة كي يستطيعوا المساهمة في الحل (خلاصة):

رغم تفاقم المآسي لا يزال معظم ما يسمى بالشعب السوري يظن بأنه لا علاقة له بفهم مشكلته (أو مشاكله) وبفهم أبعادها والمساهمة في حلها في أي مكان كان فيه ولذا فإن السلوك الفردي لما يسمى بالشخص السوري يعمق في كثير من الحالات المأساة الجماعية التي يعيشها أو على الأقل تجعله غير قادر على المساهمة في الحل وفي أحسن الأحوال تجعله يساهم ظاهرياً في معالجة أحد مظاهر المأساة على حساب تعميق جذور المأساة في مكان آخر. فمثلاً كثيراً ما يتم تيسير العمل الخيري في مكان ما من سوريا من أجل تفريغ المساعدات وحجبها عن مكان آخر. وكثيراً يقوم من يذكر تاريخ إجرام المخابرات في سوريا بدمج فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينات والتسعينيات مع فترة ما بعد 2000 مع فترة ما بعد 2011. فالغاية غالباً من الحديث في القضية السورية هي الكلام و إثارة العواطف وليس الفهم الذي يؤدي لتفعيل آليات التعاون على البناء.لنلاحظ مثلاً عند بعض إخوتنا السوريين إعطاء اقتراحات وتوجيهات للدول الكبرى والمتوسطة والصغرى عبر صفحات الفيس وهم أنفسهم عاجزين عن تشكيل مؤسسة صغيرة أو إنشاء جمعية. والمتكلم نفسه لم يقم بواجبه الفردي تجاه إخوته ثقافياً أو مادياً أو معنوياً وأسرته نفسها لم تقم بواجبها تجاه الشعب النازف ولا تدري أصلاً أن لها واجباً تجاهه هذا إن لم يكن المتكلم هو نفسه يتستر على جرائم الإبادة أو يبرر للقتلة. إن واجب الإنسان السوري تجاه بناء الأرض كلها يتساوى مبدئياً مع واجب الإنسان الألماني وواجبه في فهم عمل المؤسسات الدولية وتطويرها يتساوى مع أي إنسان آخر ولكن مع القضية السورية واجب الإنسان السوري أكثر بكثير من واجب أي إنسان آخر ولا يحق له أن يطالب الآخرين بالعمل لصالحه وهو واقف يتفرج وينقد. يوجد الكثير الكثير الذي يمكن للفرد السوري (وغير السوري) أن يقوم به في مجالات كثيرة ولكن علينا أولاً أن نعرف جذور المشكلة بشكل واسع كي نعرف أين هو المكان الأفضل الذي يمكن أن نساهم فيه في الحل. فمن الطبيعي في البداية أن لا يستطيع الفرد الواحد التأثير في قرارات الأمم المتحدة لصالح الشعب الجريح مثلاً ولكن الانطلاق من الأفراد المتعاونين ثم المؤسسات المحلية ثم الدولية يمكن أن يجعلنا قادرين على ذلك. لقد كان الهدف من سلسلة "كيف نحل مشكلتنا؟" هو سد هذه الثغرة أي معرفة جذور المشكلة بشكل عميق وشامل كي يمكننا معرفة كيف أننا نشارك أحياناً عن غير قصد في تعميقها ولكي يمكننا معرفة كيفية التعاون على حلها. خطونا خلال سنة تقريباً خطوات كبيرة لتوضيح المشكلة : • حيث تحدثنا عن الأكاذيب والمغالطات الخطيرة التي نرتكبها أثناء التعبير العاطفي عن أنفسنا عندما نستخدم تركيبات من قبيل "نحن العرب" أو "نحن الإسلام" أو "نحن الأكراد" أو "نحن العلمانيون" أو "نحن المسيحيون" أو "نحن السوريون" أو "نحن أهالي حلب" أو "نحن أهالي مدينة كذا..أو قرية كذا.." أو "نحن السنة" أو "نحن الشيعة" أو "نحن أتباع مذهب كذا.." أو "نحن سكان الحي الفلاني" أو "نحن أبناء العائلة الفلانية" أو "نحن جامعة حلب" أو "نحن نقابة المعلمين" أو "نحن الثوار" أو "نحن أبناء الدولة" أو .. أو.. ونفس المغالطات نرتكبها مع ضمير "هم" وضمير "أنتم" .. • كما تحدثنا عن خطورة التناقضات التي يتم تفعيلها بسبب التلاعب بانتماءاتنا العاطقية حيث يتم إيجاد تناقض داخلي عند الإنسان مثلاً بين أصله الكردي أو ديانته الإسلامية أو المسيحية أو طائفته العلوية من جهة وبين انتمائه الحضاري أو المدني من جهة أخرى حيث يستخدم الأصل (الذي يتم تلقينه للإنسان) في ضرب قدرته على التعاون والعمل مع الآخرين على إنشاء المؤسسات الضرورية للصالح الخاص والعام. لقد تحدثنا عن خطورة هذا الأسلوب العاطفي الذي يتم التلاعب به وعن عجزه عن إنجاز أي حل. و تحدثناعن ضرورة الفهم العلمي متعدد الأبعاد لما يحدث حولنا و لأبعاد الدوائر التي تؤثر بنا ونؤثر بها وطورنا مخططاً أولياً لقياس أبعاد كل حدث أو فكرة على مستوى 1- الفرد عقلاً 2-الفرد جسماً 3-الأسرة 4-الدار 5-الحي 6-الطائفة (القبيلة ) 7- المدينة 8- الدولة 9- الأمة 10-التركيبة العالمية 11- البشرية 12-بيئتنا الأرضية 13-الكون وفهم الإنسان له • كما بدأنا بالتدرب على استخدام المخطط من خلال أمثلة قد لا تبدو ظاهرياً مرتبطة بجرائم القتل مباشرة في سوريا كي نركز على الهدف العلمي من المخطط مثل "مصادر الطاقة بين الغاليتين" "قيادة أميرة الدانمرك للدراجة" "ركوب المرأة للدراجة بين الغاليتين" .. الخ.. سنتابع استخدام هذا المخطط مع أمثلة كثيرة في المستقبل لتعميق الفهم ولكننا في نفس الوقت سنتابع باقي مراحل السلسلة للتوصيف التدريجي للحل. قبل عشرة أشهر قلنا بأن الفصل الأول من هذه السلسلة سيكون" من نحن؟ ما المشكلة؟ دورنا في الحل؟" ننهي اليوم هذا الفصل من خلال تقديم خلاصة عن بعض جذور المشكلة المتعلقة في المستويات التي تمت دراستها. الغاية ذكر الجذور هنا وليس بالضرورة كيف نمت هذه الجذور وكيف نعالجها فهذا سنتركه لباقي أجزاء السلسلة.

بعد المشكلة على المستوى الفردي:

1. غياب الروح النقدية والتحليلية والإبداعية عند الفرد: يوجد فصل في ذهن معظم من تربى فيما يسمى بسوريا بين الحياة العملية والحياة النظرية. فالتعليم المدرسي التلقيني غير مرتبط بالواقع وقد يدرس الطالب مثلاً نظرياً جغرافيا العالم ولكنه لا يعرف كيف يتنقل بين أحياء مدينته. وبنفس الوقت كان السوري يخضع في العقود الماضية لأسلوب تلقيني لتوجيه الانتماء القومي أو الديني أو المذهبي ( وهو يشترك في هذا مع كثير من سكان العالم) وينسجم هذا الأسلوب التلقيني مع توجيهات المنظومة الحاكمة. 2. المعالجة العاطفية والارتجالية للمعلومات : هذا يجعل الفرد عاجزاً عن تحليل المعلومات الواردة إليه وعاجزاً عن فهمها وعن الاستفادة منها. ففي كثير من الأحيان يصدق الفرد السوري مثلاً معلومات يقرؤها في صفحات على الفيس مع أنه يعرف مسبقاً أن تلك الصفحات منحازة ومع ذلك يصدق معلوماتها وينشرها. فالهدف أصلاً من قراءة الفرد لمعلومة هو اشباع العاطفة وليس وضع برنامج عمل يحل المشاكل. وبسبب ذلك تتراكم المعلومات المضللة في ذهن الفرد السوري لدرجة أنه يعيش في وهم بعيد عن الحقيقة ويسهل عليه في نفس الوقت ادعاء الفهم الشامل لأي شيء مهما كان خطيراً (كتطور الأمة الإسلامية مثلاً أو فهم الحالة الاستعمارية خلال القرنين الماضيين أو فهم ما يحدث في سوريا .. الخ) لأنه حفظ بعض المعلومات في رأسه من مصدر غير موثوق ولانه لا يبني برنامج عمله على المعلومات التي تصل إليه فهو لا يظن لأن ما يقوله له علاقة بطريقة أكله وشربه وأن صدقه مع نفسه ومع غيره ضروري لأمانه الشخصي والجماعي. 3. سهولة الخضوع للقوة والتبعية والمشاركة في إخضاع وتجهيل الآخرين: لقد تعود الإنسان المسمى بالسوري خلال عشرات السنوات أن يدرك تماماً وجود مؤسسات سرية-علنية تدير كل شيء في البلد (يعبر عنها عادة بلفظ المخابرات) وهو يدرك أنها تعتقل الناس بدون محاكمات وتعذبهم ويمكن أن تقتلهم ومع ذلك يعتقد أنه مضطر أن يتجاهل وجودهم كي يعيش حياته اليومية. فهو يمكن مثلاً أن ينقد الوزير ولكنه يعرف تماماً أن الوزير لا قيمة له عند المخابرات فهو يعرف تماماً أن نقده "للوزير المسؤول" يظهر شجاعة كاذبة تبطن فعلياً التستر على المحرك الحقيقي لمؤسسات الدولة. هذا النفاق الذي تعود عليه كثير من أبناء ما يسمى بالشعب السوري تجعله غير قادر على تقدير خطورة كلامه الفردي وأثر هذا الكلام في ملئ ساحة الفكر العام بالأفكار المغلوطة والكاذبة والأخبار المبالغ فيها أو المعلومات الأقل أهمية. انسحب هذا السلوك الذي ينافق للسلطات السرية على كل المناطق الأخرى التي لا تخضع بالضرورة لسلطة ما يسمى بالنظام فلا يتردد كثير من أبناء ما يسمى بالشعب السوري بالنفاق لحزب العمال الكردستاني الذي يقوم باعتقال الناس (مما يسمى بالأكراد وغيرهم) من دون محاكمة وإدارة المؤسسات العامة بدون تفويض وكذلك لا يتردد الإنسان السوري بقبول أن يمثله رجل اختارته المخابرات المحلية أو العالمية لينطق باسم طائفتة الدينية أو مجموعته العرقية ما وكذلك لا يتردد كثيراً في قبول تنفيذ أوامر أي "خليفة" ويعتبرها أوامر دينية لأنها جاءت عبر مجموعة تحمل السلاح وتحمل مع السلاح الشعارات الدينية وفتاوي ذاتية تثبت أن على الناس أن يخضعوا لها لدخول الجنة. 4. الضياع التدريجي للهوية الثقافية المميزة للفرد في المنطقة : هناك تدهور هائل وتغيير ثقافي في الطعام والشراب والملبس والمسكن وفي موازين القيم والأخلاق (أسبابها كثيرة كالحالة الاستعمارية وتطور الاتصال وتحكم المخابرات بالإعلام والثقافة ومحاولة فصل نسج المجتمع المحلي عن بعضها) يكفي أن نقارن بين جودة خط الكتابة وبين عدد أبيات الشعر المحفوظ والاهتمام الموسيقي والمعرفة الجغرافية والسياسية والانتماء الفكري بالمنطقة بين خريجي جامعات المنطقة من سنوات 1950 و 1970 و1990 و2010 كي ندرك الضياع التدريجي للهوية المميزة لسكان المنطقة ولعدم وجود مؤسسات حقيقية لنقل هذه الهوية التاريخية.

بعد المشكلة على مستوى العائلة:

1. لم يعد هناك شكل مجتمعي واضح للعائلة في المنطقة: إن شكل العائلة فيما يسمى بسوريا كان يتغير بشكل كبير و غير مدروس خلال القرن الماضي. هذا يعود للصدمة الحضارية الناتجة عن الظاهرة الاستعمارية ولكن سيطرة المخابرات المزمنة على مؤسسات الدولة منعت ظهور أية دراسات جادة لتأثير وسائل الإعلام ولتأثير الأفلام (حتى الأفلام القديمة) ولتغير وضع المرأة خلال القرن الماضي (وغير ذلك) على بنية العائلة. وفيما يسمى بسوريا اليوم لا يوجد نموذج عائلي يمكن أن نسميه بالسوري لأن تأقلم شكل العائلة مع المستجدات كان يتم من خلال اجتهادات فردية وليس من خلال دراسات اجتماعية. محاولات إجراء تناقضات في المجتمع السوري نجحت في خلق اختلافات وتوليد بنى مختلفة للأسر ولذا سنجد أفكاراً متناقضة فيما يسمى بالمجتمع السوري عن دور المرأة والرجل في العائلة وعلاقتهم بالعائلة الأكبر وبالجيران والمرجعية المشتركة وكيف يمكن أن تدار الخلافات .. الخ.. بسبب كل ما سبق نجد أن الأحداث الماضية تسببت في معدل عال من الطلاق لم نعهد له مثيلاً في بلادنا (للأسف لا تتوفر إحصائيات دقيقة) بسبب تغير التركيبة المجتمعية والاقتصادية والثقافية وخصوصاً عند المهاجرين. 2. عدم ارتباط تشكيل العائلة بأي مشروع مجتمعي: إن الفصل بين الحياة الفردية النظرية والعملية للفرد ينسحب على العائلة فغالباً يتم الزواج دون إدراك الواقع المتغير للمجتمع ودور الأسرة في توجيه هذا الواقع وبالتالي الاسرة تكون منفعلة أكثر مما هي فاعلة. ومفهوم الأسرة الناجحة يتعلق غالباً فقط بالصلة الحسنة بين الذكر والأنثى وبإنجابهم لأولاد محترمين بحسب موازين المجتمع (حملة شهادات جامعية ذوو دخل جيد ولا يؤذون الناس). أما الدور الذي تقوم به إحدى الأسر في ربط المجتمع ببعضه أو في النهوض به اقتصادياً أو ثقافياً فهو دور لا يقدره المجتمع. 3. استخدام الرابطة العائلية لتجميد عمل المؤسسات: في ظل جهل الفرد بأهمية المؤسسات للنهوض بالمجتمع فغالباً ما يحاول المدراء تأمين (تنفيعات) لأولادهم وأقاربهم مما يؤدي لشل المؤسسات وبالتالي تخريب المجتمع.

بعد المشكلة على مستوى الدار:

منذ عشرات السنوات وبسبب التزايد الهائل في عدد السكان عالمياً وبسبب تطور طرق البناء وأدواته وتغير مواده الأساسية و بسبب سيطرة المخابرات على مؤسسات البلديات فلقد طغى البناء الحديث والعشوائي على البنى التقليدية السابقة ونماذج العمارة الخاصة بالمنطقة. شكل البيت في الريف أو القرية أو البادية حالياً لا علاقة له بالنموذج الثقافي العمراني التقليدي المرتبط بالقيم الجمالية والأخلاقية والدينية المحلية. ولا تدرك الأجيال الجديدة أصلاً وجود هذا النمط المميز ولا يشعر معظم ما يسمى بالسوريين بتميزهم بنمط عمراني معين. فالعمارة هي هم ثانوي وخصوصاً مع استمرار التدمير الشامل للأحياء. طبعاً هذا لا ينفي استمرار بعض المظاهر العمرانية نتيجة بقايا ثقافة جماعية موروثة وليس نتيجة عمل مؤسسات ثقافية اجتماعية. فمثلاً حرص الشعب الحلبي معروف في الاهتمام بواجهة المبنى و باستخدام "الحجر السوري" وبوضع "الشلال" في البيت أوالحديقة مشهور.

بعد المشكلة على مستوى المبنى وعلى مستوى الحي والمدينة:

1. لا يوجد آلية إدارة يشارك فيها الفرد : علاقة الشخص مع جيرانه تعتمد على الأخلاق الخاصة بكل شخص وعلى التوصيات الدينية ولكن لا يوجد عموماً أية مؤسسات حقيقية لإدارة الحي ولا يوجد مجالس حقيقية منتخبة تعبر عن الأحياء وتنسق بين إرادة سكانها. إدارة الحي عشوائية تتعلق بالتوازنات بين معارف السكان فمن يعرف مساعد في المخابرات أو موظف في البلدية يستطيع أن يكون أكثر تأثيراً في تعديل بنية الحي التي لم يقررها أصلاً أي من السكان. يخلط معظم الشعب السوري بين مستوى إدارة الحي والبلدة والمدينة والدولة ويخلط هذه المستويات بمؤسسات الدولة وبشخصياتها فيمكن أن يطلق لفظ "حكومة" على "البلدية" أو "مجلس النواب" أو "رئيس الدولة". 2. لا يوجد وعي شعبي للعمل البلدي ولا لأي عمل مؤسسي يجمع إرادة الناس: لا يوجد خطط استراتيجية حقيقية لمجالس الأحياء والمدن وعمل المجالس البلدية منفصل عن وعي الشعب وليس غريباً أن تختار منظومة المخابرات رئيس بلدية لإحدى المدن ولكنه لا ينتمي لتلك المدينة! ويتعامل الشخص المواطن نتيجة ذلك مع عمل المؤسسات البلدية أو الخدمية من منطق "التأييد والمعارضة" للنظام السياسي فهو لا يعرف واجب وأهداف البلديات ولا يعرف أهمية مشاركته في إدارتها. ومن الصور المتناقضة أن نرى أن الطوابق العليا في القصر البلدي في حلب قد استلمتها قوات الجيش والشبيحة ومنها كان يتم إطلاق القذائف على أحياء حلب ومنها كان يطلق بعض القناصة النار على العابرين في الشريان الاساسي الذي كان يربط بين شرق حلب وغربها وعلى سوق الخضار في حي "بستان القصر". طبعاً المواطن الذي تختلط في رأسه البلدية بالمخابرات بالجيش بالشبيحة كان يطلق على كل ذلك كلمة "نظام" وبناء على ذلك كان "يؤيد" أو "يعارض" النظام قبل أن يستطيع فهم مكوناته الذي هو جزء منها!! ما يطلق على المؤسسات البلدية ينطبق على أي مؤسسة ضرورية لتجميع جهود وإرادة الناس كالنقابات. إن استلاب الإرادة الجماعية من المؤسسات جعل الإنسان السوري غير قادر على فهم أهمية الالتزام بالقرارات الجماعية ولذا فإنه حتى في حال تشكيل مؤسسة فإنها تتفكك بسرعة نتيجة عدم التدرب على العمل المؤسسي المنظم وعلى آليات اتخاذ القرار الجماعي.

بعد المشكلة على مستوى الطائفة:

منذ أكثر من مئة سنة يتم استغلال أي تمايز ثقافي (ديني أو مذهبي أو عرقي) واللعب عليه والكذب على التاريخ لتوليد مشاعر سلبية بين مكونات الشعب فالدولة الاستعمارية البريطانية تلاعبت بالدروز والفرنسية تلاعبت بالمسيحيين والروسية بالأرمن وإيران بالشيعة ونظام المخابرات المحلية يتلاعب بالعلويين وبدرجة ثانية بالشيعة ثم باقي الطوائف وعدة نظم مخابرات تلعب على الوتر الكردي أو الإسلامي. كل هذا التلاعب يؤدي إلى تنمية المشاعر العدوانية التنافسية وعدم قدرة الجماعة على تطوير المبادئ العامة المشتركة. إن عدم ربط الكلام العلمي النظري بالتطبيق الواقعي العملي يسهل إثارة المشاعر الطائفية لتفتيت المنطقة فيكفي مثلاً أن يتم إقناع ما يسمى بالأكراد بأنهم مظلومون لأنهم "أكراد" وليس لأن هناك "منظومة مخابرات" تحتل المؤسسات حتى يقتنع الأكراد بالثورة على "العرب" تحت ظل "منظومة مخابرات حزب العمال الكردستاني" ويتم زرع الكره الممنهج للغة العربية التي هي اللغة الثقافية والعلمية الأساسية للأكراد أنفسهم التي ألف فيها العلماء والأدباء. كذلك يكفي إقناع ما يسمى بالملتزمين دينياً بأن سبب الظلم هو "الابتعاد عن الدين" حتى يتبعوا لأي جماعة تحمل شعار "تطبيق شرع الله" ويقتنعوا أن تحكم من يحفظ بعض أحكام الفقه يستطيع أن يدير الجامعة والمشفى ويفهم تعقيد شبكات الاتصال ويمكنه أن يخطط لنهضة واسعة في كل المجالات.

بعد المشكلة على مستوى الدولة :

1. مفهوم الدولة أصلاً ليس ثابتاً: سبق وذكرنا أن مفهوم "الدولة" حديث نسبياً. وهو مبني على فكرة الحدود التي تفصل الكيان الإداري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الشعوب المتجاورة ولقد تطور في أوربا أصلاً في حقبة تاريخية بين فترة الإقطاعيات والممالك وبين الحقبة الاستعمارية وهو مفهوم غير مكتمل ومع ثورة المعلومات يتعرض لهزات عنيفة مع الانهيار التدريجي للحدود بين الدول. يمكن ملاحظة كيف انهار جدار برلين وكيف تتفكك الحدود بين الدول الأوربية مثلاً. 2. الدول في بلادنا مصطنعة: أوضحنا أن الحدود المختلقة في المنطقة (بين لبنان وسوريا مثلاً) لا تمثل أي حدود ثقافية أو طبيعية وإنما هي فواصل مصطنعة تم تقسيم المنطقة إليها بناء على نتائج الحرب العالمية الثانية ولذا فلا قيمة لها في وجدان الناس. ولكن تم إقحام مفهوم الحدود في منطقتنا ثم تم وضع المناهج الثقافية والتاريخية لتكريس الحدود في المنطقة. خلال الأزمة يتم التعامل مع هذه الحدود بشكل يفتت شعوب المنطقة حيث يتم تكريس أي مظهر سلبي وتعميمه في إطار الحدود المصطنعة للدولة فيمكن أن يقال "السوريون كذا.." أو "اللبنانيون كذا.." أو "السعوديون كذا.." ويكون المقصود أن فئة من السوريين أو اللبنانيون قامت بشيء معين أو بأن الحكومة السعودية قررت شيئاً معيناً .. الخ.. 3. ضبابية مفهوم الدولة عند السوريين: لم يمارس معظم الشعب السوري في الأربعين أو الخمسين سنة الماضية أية عملية انتخابية حقيقية وهو لا يميز كثيراً نتيجة ذلك كما سبق بين الحكومة والبلدية والبرلمان والقضاء والجيش والمخابرات والرئاسة. كذلك لا يعرف إلى حد كبير معنى النقابات والجمعيات. والكل بالنسبة له يسمى "دولة". وفي المصطلحات الجديدة "النظام". لذا لا يدرك أبناء الشعب السوري أن هذه التركيبة المخلوطة في عقولهم هي سبب من أسباب انهيار الدولة. فبعضهم يؤيد كل ما يظن أنه نظام وبعضهم يعارض كل ما يظن أنه نظام. 4. مفهوم الدولة غير مدعوم شعبياً : نتيجة عدم دخول الفرد المسمى بالسوري بأي شكل في عملية الإدارة أو التخطيط أو الانتخاب لأي مؤسسة فهو لا يدرك مسؤوليته عن بناء تلك الدولة وكيف يمكن لسلوكه الشخصي أن يقويها أو يضعضعها وهو لا يدرك أهمية تماسك المؤسسات للحفاظ على شخصه وعائلته. فهو يخلط بشكل كبير بين الشخصية التي تدير المؤسسة وبين النظام الداخلي الذي يجمع جهود الناس لإنجاز عمل المؤسسة. ولذا نرى كثيراً من "المؤيدين" يخربون بشكل ممنهج مؤسسات الدولة السورية ويسهلون تحكم شبكة المخابرات السرية بها وكذلك نرى الكثيرين من "المعارضين" يريدون تشكيل مؤسسات تدار بنفس الأسلوب مع تغيير الشخصيات. وتجد الكثير من المهاجرين مهووسين بالخدمات التي تقدمها لهم مؤسسات دول الهجرة مع أنهم كانوا يدمرون المؤسسات المماثلة في بلدهم من خلال سلوكهم الشخصي عندما كانوا فيها. وهم نتيجة جهلهم عاجزون في بلاد اللجوء عن إنشاء الجمعيات التي تساهم بتجميع السوريين في تلك البلاد. 5. توهم ضرورة النفاق: يظن كثير من أبناء الشعب السوري"المؤيدون للنظام أو المسالمون" أن عليهم كي يحافظوا على حياتهم وعلى البرلمان وعلى القضاء وعلى المرتب أن يصدقوا كل الأكاذيب التي توزعها أجهزة إعلام لا تتقن عملها في القرن الواحد والعشرين لأنها مدارة من قبل المخابرات وعليهم أن يتناسوا جرائم التعذيب على بعد مئات الأمتار من بيوتهم وأن ينافقوا للبراميل المتفجرة التي تسقط فوق أسواقهم. هذا الوهم يشل الإنسان ويساهم في زيادة أمد الإجرام في عالم لم تعد تتحكم فيه المخابرات بالمعلومة ولكن الإنسان تربى على ضبط نفسه ذاتياً. 6. توهم التغيير عبر تغيير الأشخاص: ويظن كثير من أبناء الشعب السوري "المعارض للنظام" أنه ما إن يتغير اسم الشخص الرمزي المحرك لمنظومة المخابرات حتى تتغير كل الموازين وتثمر الأشجار ويسود العدل.وأن عليهم إنجاز مؤسسة مخابرات ثورية تدير بشكل ما مؤسسات "الثورة" كما تدير مؤسسة المخابرات مؤسسات "الدولة". 7. عدم وجود مؤسسات سياسية حقيقية أدى لتخريب الصلات مع الجوار: سيطرة المنظومة السرية على المؤسسات السورية كان له دور سيء جداً في موقع سوريا العالمي وفي صلاتها مع الجوار فعدم وجود مؤسسات يشمل انهيار السياسة الخارجية. ففي الثمانينات كانت صلات الدولة السورية التي تحركها المنظومة السرية في حالة مواجهة أو احتلال لدول الجوار للبنان والأردن والعراق وتركيا وكان الأطفال المساكين في المدارس يهتفون ضد الإمبريالية! و لنتصور أن (الدبلوماسي المخضرم!!) وزير الخارجية السوري (الذي تضعه المخابرات) قال قبل فترة بأنه "مسح أوربا من الخريطة".

بعد المشكلة على مستوى الأمة:

1. الوهم في مفهوم الأمة العربية: يتم التلاعب بالعاطفة عند الحديث عن الانتماء "العربي" تماماً كما يتم التلاعب عند الحديث عن الانتماء "السوري" والانتماء "الحلبي" وغيره فهو انتماء غير مؤطر ضمن مؤسسات. شرحت مسبقاً الخلل في مصطلح "الأمة العربية" كيف تم توليده وكيف تم تحديد "الدول العربية" بشكل مضحك بحسب الحدود التي احتلتها الدول الاستعمارية وكيف تم تحويله إلى معنى "عرقي" بدلاً من أن تكون "العربية" وعاء حضارياً. وكيف أن هناك برامج تفتيت متشابهة تنفذ في المشرق والمغرب. من الناحية الإدارية لا يوجد منظومة حقيقية تعبر عن هذا المصطلح النظري للأمة العربية و تدار معظم الدول العربية من خلال أنظمة مستقلة عن بعضها ولذا فإن أي بحث عن حل ضمن هذا الإطار الوهمي الواسع للدول المسماة بالعربية ليس له معنى. ومساهمة الدول المسماة بالعربية في القضية السورية يتعلق بتوجهات النظم الحاكمة فيها أكثر بكثير مما يتعلق بعواطف شعوبها أو بقرارها الموحد المشترك. أما عواطف سكان تللك البلد فهي تعاني من الألم السوري ولكن هذا يشبه تألم الكثير من السوريين على بعضهم لا قيمة لها بدون مؤسسات تثمر عملاً ناتجاً عن تلك العواطف. 2. الوهم في مفهوم الأمة الإسلامية: شرحنا سابقاً الوحدة الحضارية التي جمعت الناس من الهند إلى الأندلس ومن أواسط أوربا إلى أواسط أفريقيا وكيف أن الهوية الحضارية الإنسانية واحدة وهي مدعومة بتاريخ متراكم و بنظام حياة متعدد الأبعاد يجمع البعد الروحي بالبعد المادي مما يؤدي لاستمرار هذه الهوية الفردية والعائلية ولكن نظام الحياة الفردي والعائلي هذا لا يتعلق ظاهرياً ببنية مؤسسات المدينة وببنية مؤسسات الدولة ولذا يعاني هذا المفهوم ايضاً في هذا المستوى مما يعانيه مصطلح "الأمة العربية" و تدار معظم الدول الإسلامية من خلال أنظمة مستقلة عن بعضها ولذا فإن أي بحث عن حل ضمن هذا الإطار الوهمي الواسع للدول المسماة بالإسلامية ليس له معنى.

بعد المشكلة على مستوى تركيبة دول العالم:

1. مفهوم الدول لا يعبر عن الإنسانية بل عن النظم الحاكمة: التركيبة العالمية تشكلت بحسب نتائج الحرب العالمية الثانية والعالم كله يعاني من هذه البنية والمؤسسات الدولية على مستوى الكرة الأرضية تمثل الدول ولا تمثل سكان الأرض وهي تستند إلى فكرة الصراع وتوازن القوى. الأمم المتحدة مثلاً تمثل مجموع الأنظمة الحاكمة في كل دولة من دول العالم ولا تمثل سكان الأرض. الدول المؤثرة في المنظومات الدولية هي الأقدر على توجيهها وهي تراعي نظرياً مصالح شعوب تلك الدول. وبالتالي لا يمكن أن نتخيل أن المؤسسات الدولية ستتحرك بشكل فاعل إلا بناء على مصالح الدول المشكلة لها (خصوصاً الكبرى). 2. الخلل في نظام الدولة المتخلفة يؤثر على تمثيلها الدولي: أنظمة الحكم الديكتاتورية تخرب بلادها وهي تسر الدول الكبرى في المنظمات الدولية لأنها عاجزة عن عمل تحالفات اقتصادية وسياسية تستطيع من خللها التأثير في المنظمات الدولية لصالح شعوبها. 3. المافيات الدولية والمؤسسات العابرة للقارات ذات دور كبير في السياسة الدولية: نظم الدول الكبرى تم تصميمه لتنسيق إدارتها الداخلية ولكنها نظم غير مكتملة أيضاً وهي عاجزة عن مقاومة مخططات المافيات الدولية للتأثير في سياسة تلك الدول. تصبح هذه المصيبة أكثر أهمية مع الشركات العابرة للقارات التي يمكنها الاستفادة من التواصل الشديد بين أبناء البشر دون أن تكون مسؤولة عنهم في أي دولة من دول العالم. 4. شخصنة الدول والعقدة الاستعمارية في رؤوسنا: يعاني سكان الدول الديكتاتورية من شخصنة الدولة. فبما أنهم لا يشاركون في إدارة دولهم ويخلطون بينها وبين الحاكم المركزي فيها فهم يظنون أيضاً أن كل دول العالم كذلك فهم يخلطون بين الدول وبين حكام الدول وهم يظنون بسبب ذلك أن الدولة عبارة عن شخص له مشاعر وله قرار. ويمكن لهذا الشخص أن يرسل طائرات على هواه وأن يقتل البشر في كل مكان على هواه وأن يتآمر مع أقربائه ضد دول أخرى على هواه. إن هذه الصورة الكاريكاتيرية لا تسمح لسكان بلادنا بفهم الآلية التي يتخذ فيها القرار في الدول الأخرى وتمنعهم من عمل ما يمكنهم عمله للتأثير في ذلك القرار. وقد يبلغ الجهل مبلغ تأييد قتل الناس الآمنين في دولة ما بحجة أن تلك الدولة عبارة عن شخص مجرم وبالتالي يقع الناس في مطب تنفيذ إرادة المافيات الدولية التي تريد صدم شعوب العالم ببعضها. إن الدول الاستعمارية لها بنى دول ومواجهة السياسة الاستعمارية يتطلب وعياً شاملاً لبنية الدولة التي تتبنى تلك السياسة وبنية مجتمعها ومصدر التوجه الفكري العام لأبنائها والمافيات التي تحاول التأثير فيها .. الخ.. وهو عمل ضخم لا يمكن أن يحصل من خلال شتم تلك الدولة أو الإجرام في حق أبنائها. 5. طريقة تقييم سياسة دولة ما تجاه سوريا ليست كتقييم الأشخاص: إن الحديث عن سياسة دولة ما تجاه سوريا أو غيرها يجب أن يتوجه إلى أهداف تلك السياسة وليس إلى وسائلها (ما دامت تلك الوسائل مشروعة). فلو افترضنا أن دولة ما استضافت السوريين المهددين بالقتل في أوطانهم لا يجوز لنا أن نناقش مثلاً بحث تلك الدولة عن مصادر دولية للحصول على دعم مالي لإيواء أولئك السوريين أو ندعي أن سياسة تلك الدولة سيئة لأن أحد السوريين قد تم إيذاؤه من قبل واحد من ابناء شعب تلك الدولة. ولا يحق أصلاً لمن يتم انتخابه لإدارة دولة ما أن يأخذ من أموال تلك الدولة ويعطي الآخرين مجاناً بل إن السياسة الحكيمة تحاول أن توجد المشاريع التي تنسق بين مصالح الجميع وتخدم الصالح الإنساني العام. إن واجبنا تجاه أية دولة لها سياسة إيجابية نسبياً تجاه شعبنا أن نفهم أبعاد هذه السياسة ونرتقي بها ونحسنها ونساعد تلك الدولة على تنفيذها وإن استطعنا تشكيل مؤسسات تعبر عن السوريين كي تساعد تلك الدول في تنظيم حياة اللاجئين حالياً وفي بناء المجتمع لاجقاً.

بعد المشكلة على مستوى البشرية والبيئة والكون:

رغم التطور التقني الهائل في العالم إلا أن قيمة الإنسان على مستوى العالم غير مقدرة حق قدرها. وكثيراً ما يظلم الإنسان اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً حول العالم. إن واجب الإنسان السوري في نصرة الإنسانية وفي مساعدة باقي البشر على التحرر وفي صياغة مبادئ العدل والارتقاء العالمي لا يختلف مبدئياً عن واجب أي إنسان آخر. كذلك واجب العرق البشري في الحفاظ على البيئة الأرضية وحيواناتها ونباتاتها وحجرها هو واجب إنساني شامل غالباً ما يلتفت إليه الآخرون أكثر مما نلتفت نحن إليه. أما النظرة الشاملة لمسؤولية الإنسان والتصور المتكامل لمعنى الحياة البشرية المؤقتة على سطح الأرض وللمعنى الوجودي للكون ولغاية الوجود الإنساني هذه النظرة وهذا التصور اللذان يشحذان همم الإنسان للقيام بواجباته السابقة كلها للأسف غالباً ما يتم تقزيمهما في أشكال قبلية.

الحلقة 21 من سلسلة "كيف نحل مشكلتنا"؟