كيف نحل مشكلتنا-انتماؤنا للدولة 2
كيان الدولة (2) سلسلة كيف نحل مشكلتنا؟ 14- من نحن؟ محاولة لإيجاد الانسجام بين الكيانات التي ننتمي إليها. (متابعة)
الشكل المجاور هو أهم عمل علمي قمت به في حياتي. ليس لصعوبته فبعض الناس تعرف بعض التفاصيل فيه وقد لا تكون إحدى تفاصيله سرية عن شخص ما. صعوبة العمل تكمن في معرفة معظم هذه التفاصيل معاً وفي القدرة على تجميعها معاً وفي امتلاك أدوات تمثيلها وشرحها. والأهم من ذلك هو صراعي النفسي الداخلي كإنسان يعيش نفسياً في تلك المنظومة الذي يتطلب منه جهداً كبيراً يمتلك القدرة على التغلب على آلامه الداخلية وطموحاته الذاتية وعلى عدم الإنجرار لتحميل مسؤولية آلامه ومآسي مدينته وبلده وأمته على شخص أو مجموعة أو على طائفة أو على شعب أو على شعبه نفسه (دون إنكار مسؤولية المجرمين منهم ). وإنما فهم أن العلاقات بين المكونات هي بحد ذاتها جزء من المصيبة الكبيرة.
يمثل الشكل المجاور البنية الحقيقية لكثير من الدول في المنطقة وفي كثير من دول العالم مع اختلاف في التفاصيل فالكتلة البشرية التي قد يتم تمييزها قد تكون أهالي مدينة ما أو عشيرة ما أو قد تكون أصحاب دين ما أو مذهب ما أو مستوى اجتماعي ما أو غيره. إن هذه التركيبة كانت موجودة في عدد كبير من الدول ولكنها في تناقص حتى بعض الدول المتخلفة التي يقال أنها متصارعة ومتحاربة كثيراً ما يكون لها نفس البنية المجاورة. وغالباً ما تكون الأجهزة الموازية في البلدان المتخلفة المتحاربة على خلاف في حجم القطعان التي تتصارع علي ملكيتها أو تتصارع على إثبات أنها المتعهد الأحق بتنفيذ توازنات الدول الكبرى أو الشركات الكبرى في المنطقة.
إن فهم هذا الشكل يجعلنا نفهم كيف أن سلوكنا الفردي (ولو بدا إيجابياً) غالباً ما يتم توظيفه في تكريس آلامنا. فغالباً ما يتم استغلال العمل الصالح في تحريك مؤسسة فاسدة تماماً كما يتم استغلال جهد المهندس الشريف المجد العامل في مصنع للسلاح النووي. فمثلاً سلوك الطالب الجامعي الساعي للحصول على شهادة وكذلك سلوك الأستاذ الجامعي الساعي للحصول على المرتب وعلى المركز الاجتماعي يتم توجيههما باتجاه فصل الجامعة عن المجتمع. وكذلك سلوك الطبيب الشرعي الذي يفترض فيه الكشف عن الجرائم يتم توجيهه باتجاه التبرير الضمني للقتل والتحريض عليه حيث تتضمن تقاريره الشرعية أسماء الشهداء الذين سقطوا نتيجة قصف المدارس من قبل جهة يحددها الإعلام (ولا تحددها الشرطة الجنائية وقضاة التحقيق) ولا يتضمن تقرير الطبيب الشرعي معلومات عمن قتلوا تحت تعذيب المخابرات في نفس اليوم قرب تلك المدارس ولا يتضمن أسماء الشهداء الذين قتلوا بالمئات تحت الأنقاض نتيجة تدمير مبان كاملة. وكذلك نرى لماذا يكون التوجيه الديني المؤثر عموماً إما باتجاه الاستكانة والخضوع والاستسلام الكامل للظروف المحيطة باعتبارها مشيئة إلهية أو باتجاه معاداة المحيط واستخدام قوة السلاح في فرض واقع يقال بأنه مشيئة إلهية أيضاً.
الشكل السابق هو حالة كانت منتشرة عالمياً
• في الحقيقة إن نظام سيطرة الفرد قديم جداً في العالم وليس طارئاً ولكن في كثير من الديكتاتوريات القديمة كان هناك نظام واحد ظاهر يقر بشرعية الفرد. مثل النظام القبلي ونظم الإدارة في مختلف دول العالم قبل المئتي سنة الماضية حيث كان حكم المجالس والهيئات واضحة الاختصاصات استثناء والله أعلم. أما النظام الظاهر والخفي فقد كان واضحاً في نظم "محاكم التفتيش" التي كانت منتشرة في إسبانيا قبل مئات السنين. ولكن النظام الموازي أصبح كامل الأركان مع اكتمال الشكل النظري للدولة وقد كان موجوداً في كثير من بلدان الكتلة الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية • تمت ولادة الكثير من الدول في العالم وفق إرادات القوى المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية مما أعطاها شكل المؤسسات للدول الحديثة من دون مضامين حقيقية. إن إنعدام وعي عموم الشعب في الدول الوليدة لمعنى الدولة وللمفاهيم العميقة لمبادئها مثل مبدأ فصل السلطات الثلاث عن بعضها سهل حرف مؤسسات الدولة عن وظائفها وأدى للتحكم بالدولة من قبل من يجيد السيطرةعلى تلك المؤسسات مما أدى لتحويل تلك الدول إلى دول ديكتاتورية بشكل أو باخر حيث تتحول الدولة وإمكانياتها إلى الة يستفيد منها من يجيد تشغيلها وتدر على من يستغلها ما لا يدره أي مصدر اخر للثروة. اقسى تلك الديكتاتوريات تمت في الدول التي حدثت فيها انقلابات عسكرية حيث أصبحت على الغالب كل مؤسسات البلد تحت سلطة الجيش الذي يتبع لسلطة رجل واحد. • . الديكتاتوريات قد تختلف من بلد لاخر ولكنها ترتكز على أسس مشتركة منها: التفرقة بين الكتل المكونة للمجتمع والاعتماد على تخويف الأفراد من التفكير في الشأن العام ..الخ.. • لا يكاد يخلو بلد في العالم من بعض أساليب التحكم الديكتاتوري ولكن في غالب بلدان العالم الثالث نجد أن أكثر الاليات الموصوفة في المخطط موجودة وفي البلدان الأكثر انحطاطاً نجد أن كل هذه الأساليب موجودة ولو بنسب مختلفة فبعض الدول ترتكز على الحزب الواحد أكثر مما ترتكز على العصبية العشائرية أو المذهبية وبعضها يرتكز على إغراق البلد بالمعلومات المضللة بدلاً من حجب وسائل الإعلام ..الخ.. • كذلك لا يسمح المخطط بإظهار بعض التفصيلات حيث ترتكز أكثر النظم الديكتاتورية على فرض تقديس رمز ما ربما يكون هذا الشخص شخصية بشرية أو مبدأ حزبي أو شعاراً دينياً وتتهم هذه الأنظمة كل من يحاول كشفها بالاعتراض على هذا المقدس لتوجه العامة نحو قتل الفكرة التي قد تحررها. • يجب عدم الخلط بين النظم الديكتاتورية وبين نظم الدول المركزية. مع وجود احتمالية في انتقال النظم المركزية المعتمدة على الفرد إلى نظم ديكتاتورية إلا أنه يبقى الفارق الاساسي في اعتماد النظم الديكتاتورية على نظام إدارة حقيقي غير النظام الظاهري غالباً ما يكون عصبه هو المخابرات • المخطط يبين صعوبة الحل الجزئي لمشكلة النظم الديكتاتورية بدون وجود وعي عام لتركيبة تلك النظم. فكثير من الأحيان تحدث نقمة على العشيرة أو الطائفة التي يرتكز عليها النظام فيظن الناس أن المشكلة هو في تلك العشيرة وتحدث نقمة تجاهها. هذه النقمة تؤدي إلى شعور العشيرة تلك بالخطر وتؤدي لإنغلاقها ولدفاعها المستميت عن النظام. من ناحية أخرى تظن عشيرة أخرى (أو مجموعة دينية أو مذهبية أو قومية) أنها مظلومة بذاتها ولذا تسعى للانفصال عن باقي مكونات المجتمع ظناً منها أنها تسعى لنيل حريتها وهي لا تدري بأن النظام الديكتاتوري نفسه هو الذي يريد إشعارها بهويتها المستقلة وأنها بتصورها أنها مظلومة بشكل خاص إنما تساعد النظام الديكتاتوري لانها تضع تناقضاً يدفع مكونات المجتمع إلى التصادم عن سعيه للتخلص من الديكتاتورية. • المخطط السابق يشرح البنية الداخلية للنظام الديكتاتوري ولكنه لا يبين مفاصل ارتباطه بالمنظومة العالمية. إن أكثر النظم الديكتاتورية منسجمة مع بعضها ومنسجمة مع التركيبة العالمية بغض النظر عن العداء بين الدول التي تقودها تلك النظم !!! لأن هدف النظم الديكتاتورية هو الحفاظ على تحكمها بالدولة كعصابة حاكمة وليس هدفها تحقيق التطلعات الاستراتيجية للأمة وبشكل معاكس فهي تستغل تلك التطلعات إعلامياً للتحكم بالفرد والجماعة والدولة وهنا تبدو خطورة المزج المتعمد الذي تقوم به تلك الأنظمة في المصطلحات من قبيل "الدولة والحكومة ورئاسة الدولة والبرلمان والشرطة والجيش.. الخ " مع مصطلحات "النظام والحزب ورئاسة النظام والمخابرات والجيوش الخاصة". إن عدم وضوح هذه المصطلحات في راس من يحاول حل المشكلة تدفعه إلى تفكيك الدولة بدلاً من تفكيك النظام الديكتاتوري. سيتم شرح تلك المفاصل الخارجية لاحقاً
شرح المخطط : من أركان التركيبة الديكتاتورية :
• إن الديكتاتورية يختلف شكلها وعمقها وتختلف أضرارها من بلد إلى بلد ولكنها على الغالب تعتمد على كتل بشرية (قبلية وتخصصية) وأجهزة موازية لأجهزة الدولة الرسمية.من هذه الكتل والأجهزة: • (القبلية): ترتكز التركيبة الديكتاتورية على زيادة كل أشكال التوترات المجتمعية بين (الأديان- القوميات- المذاهب- العشائر – الغني والفقير – الريف والمدينة – الخ) كي تبقى هي الوحيدة الضامنة للسلام المجتمعي وفي أي حالة مخالفة تصدم مكونات المجتمع ببعضه. من ناحية أخرى تعتمد التركيبة الديكتاتورية على مجموعة قبلية بشرية متميزة عن باقي الناس. وتحاول أن تقنعها بأن بأن من مصلحتها استمرار المنظومة الديكتاتورية حيث يتم اقناعها بذلك من خلال تمييز تلك المجموعة القبلية البشرية في المعاملة عن باقي الشعب ومن خلال تهديد الكتلة الديكتاتورية لها في حال انهيار الكتلة. هذه المجموعة قد تكون قبيلة أو عائلة أو طائفة دينية أو طائفة مذهبية أو عرقية أو تكون مختلقة تماماً كسكان مدينة ما. هذه الكتلة البشرية يجب أن تكون كافية لتوليد شعور بالعصبية يكفي لدفع ابنائها للدفاع عن النظام الديكتاتوري والسيطرة على المؤسسات الرئيسية للدولة وعلى المؤسسات الأساسية في البلد في مواجهة باقي الشعب. وتستخدم هذه الكتلة البشرية قدر الإمكان في السيطرة على كل شيء في البلد. الكتلة البشرية هذه هي عبارة عن مجموعة من الدوائر في مركزها يكون شخص الحاكم وفي الدائرة الأوسع قليلاً تكون العائلة البيولوحية المباشرة للحاكم ومن ثم في الدائرة الأوسع العائلة الكبيرة للحاكم وهكذا.. ويتم توزيع مراكز الإدارة الحقيقية -وليس الظاهرية- الكبرى غالباً في الدول بحسب درجة القرابة فالمؤسسة الأهم تسلم إدارتها للأقرب. الإدارة الحقيقية للمؤسسات تعني المراكز المفتاحية المهمة في الدولة فمثلاً رئاسة الحرس الجمهوري في اليمن كانت لابن حاكم اليمن وهي أكثر أهمية لعمل الإدارة الموازية من رئيس مجلس الوزراء. • كتلة بشرية مختلقة من الاختصاصيين وأصحاب المصالح ورجال الأعمال. لأن إدارة المؤسسات تحتاج إلى اختصاصيين فالدول الحديثة تزداد تراكباً وتعقيدا ولا يمكن لقبيلة الحاكم أن تضبط المؤسسات وبالتالي تقوم النظم الديكتاتورية بنوع من الرشى لهؤلاء الاختصاصيين كي تضمن ولاءهم وعلى الغالب يتم تجميعهم في كتل تأخذ شكل الأحزاب السياسية. و في الحقيقة يكون هناك جماعة اختصاصية على شكل حزب سياسي واحد يؤمن سيطرة الحاكم على المؤسسات المتخصصة وقد توجد أحزاب جانبية شكلية فقط لإعطاء الشرعية الشكلية. • كل المؤسسات المسلحة الرسمية للأمن الداخلي من شرطة مدنية وشرطة قروية وشرطة حدودية وشرطة جنائية تكون فيها نسبة عالية من أصحاب الكتلة البشرية المرتبطة بالنظام الحاكم • الجيش بالذات في الدول الاستبدادية يتم تسليم قياداته إلى الكتلة البشرية المقربة ويصبح له غايتان الأولى هي برمجة الإنسان كما تقدم (في سلسلة ابن آدم واحد - تاسعاً : تفعيل العادة وتعطيل التصور لمكننة الإنسان) ومن ناحية ثانية فهو يستخدم للتحكم بأي تمرد جماعي على النظام الديكتاتوري. غالباً ما يكون هناك جيوش صغيرة ضمن الجيش الرسمي قد تكون فرقاً خاصة أو ألوية خاصة كل من هذه الجيوش الصغيرة يتم إعدادها بشكل خاص وغالباً ما تكون حتى عناصرها في الرتب الدنيا من الكتلة البشرية المتميزة تؤمن هذه الجيوش الصغيرة السيطرة على أي كتيبة أخرى في الجيش فيما لو حدث فيها تمرد. وغالباً لا يكون هناك جيش وحيد صغير مميز تحت سلطة أحد الأقرباء وإنما عدة جيوش أحدها بقيادة الابن والثاني بقيادة الأخ وهكذا كي يأمن الحاكم الفرد عدم حدوث انقلاب عليه. • الإعلام : يتجاوز الإعلام في النظم الديكتاتورية مفهومه التقليدي عن وسائل الإعلام إلى أي وسيلة تدخل في بناء تصورات البشر كالكتب والملصقات والمؤسسات الدينية والمراكز الثقافية كما تم شرحه (في سلسلة ابن آدم واحد - عاشراً: صاحبة الجلالة وأخواتها.. التحكم بتصورات وردود أفعال المجموعة البشرية). • المخابرات : هي أداة التحكم الأولى في النظم الديكتاتورية وهي المؤسسة الوحيدة التي تعمل بشكل مؤسسي وما تبقى مكملات. المخابرات ليست الغاية منها جمع المعلومات. المخابرات في الدول الأكثر ديكتااتورية هي اصطلاح لمنظمات سرية فوق أي قانون أو تنظيم مؤسسي سواء أكان تنفيذياً أو تشريعياً أو رقابياً. تشكل هذه المؤسسات العصب الرئيسي الذي يؤمن التحكم الحقيقي للقيادة المستبدة بشكل سري مواز للتحكم الإداري الظاهري. حيث تستطيع هذه المؤسسات أن تسأل أي إنسان عن أي شيء وعليه أن يجيب بدون أي تنظيم أو تسجيل رسمي لشكل الاستجواب كما تستطيع أن توقف أي إنسان أو تحقق معه أو تعذبه أو تقتله وتستطيع تعيين أي موظف صغير أو كبير وتستطيع عزله وتشرف على تعيينات كل السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية أو أي جهاز أو مجلس لأي مؤسسة حكومية أو غير حكومية أو عزله كما تعين الموظفين في وسائل الإعلام أو تعزلهم. كما تستطيع التدخل وتعديل أي بروتوكول في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية بالشكل الذي يمكنها من إحكام السيطرة على المؤسسات. كما تستطيع التحكم بالفرد مباشرة أو من خلال المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. ولا يوجد أي قانون يحكمها إلا قوانينها الداخلية التي تضمن أن لا تشكل هذه المؤسسات خطراً على قيادة النظام وإن كانت هذه المؤسسات تقتل في الحقيقة نظام الدولة بالكامل. تلغي المخابرات هيكلية المؤسسات الأخرى من خلال الاليات التي تم شرحها سابقاً (في سلسلة ابن آدم واحد - ثاني عشر: الآليات الخفية لتطويع عمل المؤسسات وفصلها عن الوعي البشري.) وفي الدول الأكثر ديكتاتورية يكون هناك عدة أجهزة مخابرات لا يحق لها التدخل في عمل بعضها وتعمل بشكل مستقل عن بعضها كي لا تشكل خطراً ولكي لا تقوم بانقلاب على الشخص الممثل لرأس النظام. لذا لا تلتقي قيادات هذه الأجهزة وخيوطها إلا عند شخص الرئيس. • ******************
شرح المخطط : التحكم بالمؤسسات السيادية
في الحقيقة تقوم المخابرات مع الزمن بتطوير آليات للتحكم بالمؤسسات السيادية في البلد وهي تشكل سلطة سرية عليا فوق القضاء والبرلمان والحكومة مما يجعل الفصل بين تلك السلطات بلا معنى. مثلاً يحتاج الترشيح للبرلمان لموافقات أمنية وبالتالي لا تمرر المخابرات منذ البداية إلا من ترضى عنه. وتستطيع المخابرات التلاعب بالإعلام وإثارة الشائعات عن المرشحين. وتقوم بالتأثير بصوت الناخب (في كثير من الدول مثل سوريا يتم الانتخاب بأوراق مفتوحة أمام الجميع ولا يعرف المواطن معنى غرفة الاقتراع السري). كما يتم الاشراف على توزيع الصناديق وجمعها وتفريغها وحفظها من قبل أجهزة المخابرات التي تتحكم بوزارة الداخلية. وبعد كل ذلك معظم القوانين لا يصدرها البرلمان ولكن تصدر كمراسيم جمهورية!! إن ما يقال عن البرلمان يقال عن القضاء وغيره. حتى رجال الشرطة أنفسهم وضباط الشرطة أنفسهم يتبعون سرياً للمخابرات التي تستطيع أن تعتقلهم وأن تقتلهم
شرح المخطط : التحكم بالفرد :
• التحكم بالفرد من خلال مؤسسات الدولة : المخابرات إما أن تتحكم بالأشخاص مباشرة او من خلال أجهزة الدولة حيث تستطيع أن تفرض على مؤسسة رسمية ما أن لا تعطي وثيقة رسمية لمواطن ما وقد تتم تغطية هذه الأوامر من خلال قرارات إدارية وغالباً القرارات التي فيها شبهات قانونية تمر عبر قنوات خاصة للبريد تدعى " البريد السري" والتي هي غير "البريد المكتوم" . إن طبيعة حياة الإنسان هي العيش ضمن جماعة ولقد تطورت الجماعة الإنسانية منذ بدء الخليقة ليولد شكل الدولة الحديث عبر مؤسسات تؤمن الخدمات المعقدة للبشر ويكون كل إنسان عضواً مختصاً في إحدى هذه المؤسسات. نظام المخابرات يقلب المؤسسات فبدلاً من أن تكون وسيلة لتأمين الخدمات المعقدة المتنوعة للإنسان تصبح وسيلة لإذلاله فتستطيع المخابرات عن طريق المدرسة الحديثة ان تفرض على الطلاب في المدارس أن يرددوا شعارات تمجد القائد المستبد وتستطيع عن طريق الخدمة الإلزامية أن تفرض على الإنسان أن يكون عبداً مسخراُ لصالح الضابط وتستطيع عن طريق مؤسسة عمله أن تفرض عليه أن يخرج في المسيرات وتستطيع عندما تغضب عليه أن تمنعه من ان يأخذ شهادة ميلاد أو جواز سفر لكي يستطيع مغادرة البلاد وتستطيع إن رغبت قطع الماء والكهرباء والهواء عنه. • التحكم بالفرد من خلال البرمجة : والأخطر من التحكم بمؤسسات الدولة تقوم مؤسسات المخابرات ببرمجة الإنسان باليات معقدة تم شرح بعضها (مثلاً في سلسلة ابن آدم واحد - ثامناً :تعليم الطفل بين تحرير الفرد البشري واستعباده .. وفي نفس السلسلة – تاسعاً: تفعيل العادة وتعطيل التصور لمكننة الإنسان). .تستطيع أجهزة المخابرات في الدول المستبدة بشكل سري أو علني نشر الإشاعات وتلفيق التهم عن الناس واختراع الحكايا وتمارس التخويف والاعتقال والتعذيب والقتل والتوريط خلال مختلف مراحل حياة الإنسان مما يحوله إلى شبه إنسان تراه خائفاً منافقاً لا يملك العقل الحكيم لمناقشة الحقائق ولا يملك المعلومات الصحيحة ولا يملك الشجاعة للبحث عن تلك المعلومات وإن عرفها فلا يجرؤ على التحدث بها والاستفادة منها في حياته.. • إن الطرق التي يتم من خلالها تربية الإنسان في الدول المتخلفة تحوله إلى حجر ذو شكل عشوائي لا يمكن بناء مؤسسات ضخمة من خلاله وفي أحسن الأحوال وفي حال التأهيل التخصصي والأخلاقي المناسب يصبح نوعاً من أنواع ألعاب المكعبات التي تنتظر دائماً من يجمعها أو يفككها عن المكعبات الأخرى ليقوم الطفل باختيار شكل اللعبة التي يريد ويفكك تلك الألعاب ويكسرها متى يريد وهذه المكعبات تفتفد رغم جمالها أحياناً إرادتها الذاتية وتفتقد إرادة الحياة التي تدفع الخلية الحية في انسان الدول المتقدمة لبناء أجهزة الجسم الحيوية لتسهم من خلال حياتها الفردية في حياة الجسم كله.
شرح المخطط : التحكم بالمؤسسات الرسمية:
• يتم التحكم بتعيينات الموظفين الجدد حيث يحتاج الموظف الجديد دوماً لموافقات علنية أو سرية من المخابرات. • أيضاً نفس هذه الموافقات السرية يحتاجها الموظف من أجل استلام وظائف معينة تعتبر ذات أهمية خاصة أو ذات نفع خاص للمخابرات (مثل جباة الأموال) . • أيضاً ترسل المخابرات في حال الضرورة تعليمات سرية لرئيس الوزراء أو من هم دونه لفصل من لا ترغب بهم عن طريق قرارات رسمية تصدرها الحكومة الرسمية وتختبئ وراءها المخابرات. • تتحكم المخابرات بالتعيينات التي تصدرها الحكومة للمدراء وهي إما أن تعطي الأوامر بالتعيينات أو توافق عليها ويبقى من يتحمل مسؤولية التعيينات هم رجال الحكومة الموضوعون في الواجهة والذين غالباً ما يدركون دورهم قبل أن يتم تعيينهم لذا يمررون قرارات المخابرات بسلاسة شديدة وفي حال المخالفة قد يتعرضون بحسب مراكزهم لعقوبات بحسب الظرف • يتم وضع عناصر مفتاحية في كل دائرة بحيث تستطيع هذه العناصر التواصل مع أكبر عدد من الموظفين وكتابة تقارير عنهم تبين مدى ولاءهم للنظام الحاكم. يتم توظيف هذه التقارير كوسيلة أساسية في تركيب الهيكيلية البشرية للمؤسسات • إن أية رغبة لإصلاح النظم الإدارية للدول الديكتاتورية ليست مفيدة إذا لم يتم الكشف المفصل عن نظم الإدارة السرية البديلة التي تقوم بها أساساً أجهزة المخابرات و توضيح اليات هذا التحكم التفصيلية أمام الناس وتشكيل الضمانات لتفكيك تلك الاليات ومحاكمة القائمين عليها. وقبل بناء الأفراد يجب السعي لتحريرهم من اليات استعبادهم واجراء العلاج المناسب لنتائج الأمراض التي تراكمت عليهم خلال السنين
شرح المخطط : التحكم بالمؤسسات الخاصة.
رغم أن المؤسسات الرسمية هي التي تعطي التراخيص إلا أن المخابرات هي من تعطي فعلياً الترخيص وغالباً ما يخاطب المخابرات مباشرة مدراء المعامل والمؤسسات الخاصة ويعطونهم تعليمات وتوصيات غير مكتوبة وفي حال عدم التنفيذ يتم إلغاء الترخيص. وغالباً ما يتم توريط أصحاب المؤسسات الخاصة مع الزمن فالقوانين غير المدروسة تجعل أصحاب المعامل دوماً في حالة مخالفات لا يمكن أن يخرجوا منها إلا من خلال بناء شبكة صلات خاصة مع مسؤولي المخابرات تسمح لهم بالتواصل المباشر مع شبكة الإدارى الموازية بدلاً من التواصل مع مؤسسات الدولة. وتستطيع شبكة المخابرات بالمقابل عبر نفوذها التأثير على سجلات الدولة كي يتم تسيير أمور أصحاب الشركات الخاصة الأكثر تعاوناً. وفي حال الضرورة وعدم اتباع تعليمات المخابرات يمكن التضييق على أصحاب الشركات الخاصة واستخدام حتى القانون الرسمي لمعاقبة تلك الشركات بسبب توفر الكم الكافي من المخالفات. يمكن حتى أن يتم حرق الشركات الخاصة من قبل (مجرمين) ويمكن اعتقال أصحابها وتعذيبهم بدون محاكمات كي تتضمن المخابرات ولاء القطاع الخاص للسلطة الموازية. إن هذا السلوك يجعل عمل الشركات الخاصة في كثير من الأحيان في حالة تناقض مع المصلحة الحقيقية للبلاد تلك المصلحة التي يفترض أن تدرسها مؤسسات الدولة المركزية والتي يتم صياغتها في قوانين يصدرها البرلمان وتشرف الحكومة على تنفيذها ولكن سلوك المخابرات يجمد عمل الحكومة والبرلمان
شرح المخطط : التحكم بالمؤسسات المجتمعية والنقابية
لا يعرف الإنسان في البلدان الديكتاتورية أن النقابة هي مؤسسته الخاصة التي وظيفتها الدفاع عن أصحاب المهنة في مواجهة الدولة خصوصاً بل تصبح في ذهنه جزءاً من مؤسسات الدولة التي هي بحد ذاتها جزء من القضاء والقدر. ايضاً تتحكم المخابرات بالترشيحات وبالمنافسات بين أفراد من الكتل الاختصاصية باساليب مشابهة لاساليب التحكم بالبرلمان. وفي حال الضرورة يمكن حل المجالس بقوانين رسمية كما يمكن اعتقال الأفراد للتاثير في سير عمل النقابات فتتحول لما يشبه المؤسسات الخاصة التابعة للمخابرات. أيضاً النوادي والجميعيات الخيرية يتم التحكم بها باساليب مشابهة للتحكم بالمؤسسات الخاصة. إن تعطيل أجهزة الدولة وتعطيل إرادة الأفراد وفاعليتهم وشل قدرتهم على التفكير وصدم المكونات المجتمعية ببعضها وتجميد عمل المؤسسات والنقابات والجمعيات والمؤسسات الخاصة إنما هو مظهر موت جماعي متراكم ليس في الحقيقة في صالح الأسرة الحاكمة في أي بلد ديكتاتوري وليس في صالح القبيلة الحاكمة وليس في صالح سكان البلد ولا سكان العالم. إن الأبعاد المتعددة للإدارة البديلة تجعل من الصعب أن يكون هناك عملية إصلاحية جزئية من دون وجود وعي كامل لهذه الأبعاد. كما أن سرية عمل هذه الأجهزة يجعل قدرتها على صدم المكونات الرسمية والمجتمعية للبلد ببعضها هائلة بحيث تستطيع دائماً أن تختفي وراءها. تتعرض هذه الأنظمة لخطر شديد في العالم بسبب القضاء على أحد أهم أسلحتها وهو التحكم الكامل بتصورات الأفراد والجماعات من خلال الإعلام ومن خلال التعليم وذلك بسبب تطور وسائل الاتصال. ولكن لم يتطور حتى الان خطاب جامع يوحد جهود الأفراد والجماعات ويجمع الناس في الدول الديكتاتورية حول مشاريع جامعة وهادفة تحقق مصلحة الجميع وتعي الآثار الخطيرة الموروثة من تلك الحقبة فالناس مثلاً لا تفرق بين أجهزة المخابرات وبين أجهزة الدولة. بين القبيلة وبين توظيف أجهزة المخابرات للقبيلة. إن شاء الله في المرة القادمة سنركز أكثر على الحالة السورية (يتبع)