في السترات الصفراء

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث

مصطلحات تحليل التغيير - السترات الصفراء مثالاً

مقالة مفيدة رسالة جان كلود ميشيا حول السترات الصفراء. لا أعرف كيف اقيم التحليلات التي تعرضها المقالة لكني استفدت منها في الحصول على رؤية شاملة للمسرح السياسي الفرنسي وصراعاته الأيديولوجية. في الحقيقة فقد سعدت بقراءة بعض المعلومات عن السياسات الطائفية والفئوية في فرنسا والتي تجعل السيناريو الخيالي الذي طرحته في بوستي الأخير غير بعيد تماماً عن الواقع، وهو تماماً ما قصدته.

ما يثير اهتمامي فعلاً في السياسة الفرنسية هو دور المثقفين والفلاسفة في صياغة الرأي العام والأيديولوجيات المتصارعة، وهو شيء لا نراه في الولايات المتحدة حيث الدعاية والإعلام والمؤسسات الحزبية هي المسيطرة على فضاء الافكار الشعبية. لكن هناك نقطة هامة في مشاركة المثقفين، ففي حين أنها تغني الحوار، فإنها ليست "مشاركات علمية" وإنما أيديولوجية بحتة. في الحقيقة فإني انظر إلى اية مشاركة في الفضاء العام على أنها أيديولوجية. واقصد بذلك أن صراع المصطلحات (مثل الليبرالية اليسارية، المستبعدون، القضايا المركزية، اليساريون البرجوازيون، فرنسا العصية، الماركسية الوطنية، ايسارية الفئوية، النموذج الأنغلوساكسوني، النموذج الجمهوري الفرنسي) هو فقط صراع أيديولوجيات تحاول شرح الواقع وتحديد مشاكله وطرح وصفة لحل هذه المشاكل. وما تطرحه الايديولوجيات من مصطلحات وتحليلات ليس بالضرورة "حقيقياً". في خضم هذا التفاعل السياسي المحتدم، كيف يمكن أن نفهم الوضع ومآلاته. أولاً ورغم الأرضية الماركسية لكثير من التعريفات المستخدمة على الساحة الفرنسية إلا أنها لا تعكس بالضرورة واقهاً "ماركسياً"، أي لا تعكس واقعاً يمكن فهمه فقط من منطلق الطبقات والصراع الطبقي. ثانياً، الفكر اليساري يمر بأزمة حقيقة. لقد اعتبر هذا الفكر منذ ظهوره في القرن التاسع عشر أنه يمثل الحقيقة التاريخية وأن أي فكر منافس أو معادي هو بالضرورة أيديولوجي (بالمعنى الماركسي) بمعنى أنه مضلل وغير واقعي. لكن يبدو واضحاً اليوم أن الفكر اليساري ليس إلا ايديولوجيا ولدت في رحم الثورة الصناعية ولا تزال تعيش في ذلك الزمن. الأيديولوجيات هي بنيات فكرية ضمن فضاء الأفكار العام. وككل البنيات فإنها تحاول الحفاظ على بقائها مهما تغير الواقع من حولها. ويبدو لي أن اليسار الفرنسي والعالمي أيضاً في طور الإحتضار. فمن جهة تحول بعض اليسار إلى مؤسسة رسمية تتبنى أفكاراً عامة مثل ضرورة الدولة كمراقب وضابط للإقتصاد وتوزيع الثروة العامة (وهذا هو اليسار المشارك في الحكم). ومن جهة أخرى هناك التيارات المتعددة اليسارية الهامشية التي تحاول إنقاذ اليسار من خلال إدخال أفكار شعبوية وقومية وثقافوية وطائفية أو استعادة النقاء الماركسي التقليدي لكي تجذب شرائح أوسع من السكان تستطيع دفع هذه التيارات إلى الحكم وبالتالس المأسسة والإستمرار.

ثالثاً، القضايا التي تحتل الفضاء الفكري الفرنسي (المركزية أو الهامشية، وهذا جدال أيديولوجي) تشمل المهاجرين، انحسار التصنيع، الطفرة الرقمية وآثارها وصعود برجوازية جديدة من المختصين، العولمة، التهميش الإقتصادي (الطبقة العاملة والطبقة الريفية الزراعية)، الثقافة القومية والهوية، التعامل مع الإرث التاريخي (صياغته واستخدامه)، الشعبوية وتناقضات الإقتراع والنظام الإنتحابي في تكوين الطبقة السياسية الحاكمة، الطفرة في التواصل وتبادل المعلومات واثرها في تكوين الرأي الشعبي، أزمة الفكر اليساري القائم على الطبقة والصراع الطبقي، صعود الإسلاموية في فرنسا، موقع فرنسا في السوق الأوروبية، مركزية أو هامشية قضايا مثل حقوق المثليين وغيرها. رابعاً، من المؤكد أن الفضاء الفكري الفرنسي يذخر بالمشاركين والأفكار ومن المؤكد أنه سيكون لصراع الايديولوجيات في فرنسا أثر على بقية بلدان العالم. لكن وفيما يخصنا، فإن الفضاء الفكري الفرنسي لا يزال مركزيا، ولا يزال فضاؤنا الفكري مهمشاً رغم أننا نصارع نفس المشاكل. الثورة السورية ليست بمنأى التيارات الغقتصادية والإجتماعية والفكرية التي تجتاح العالم، لا بل يمكن اعتبار الربيع العربي سباقاً في غبراز هذه المشاكل. الاستاذ ياسين الحاج صالح تحدث عن عالمية الثورة السورية وأنا أشاطره الراي. ولذلك كتبت بوستي الخيالي لأوضح كيف تم تهميش الثورات العربية من خلال إدخالها في خانة الصراعات الأهلية والطائفية، وكيف يمكن تهميش أي صراع سياسي بنفس الطريقة حتى ولو كان في فرنسا، بلد ثورات العصر الحديث. ولذلك فقد عارضت فكرة الاستاذ الحاج صالح التي أكدت على استثنائية الأزمة السورية، لأن هذه الإستثنائية ستؤدي بنظري إلى مزيد من تهميش الثورة السورية والقضايا التي أبرزتها. علينا اليوم أن نعيد التركيز على القضايا الاساسية التي ادت إلى الثورة السورية وأن نؤكد على عالميتها وعدم استثنائيتها وأن نعمل على دمجها فكرياً بالتيارات الفكرية الموجودة في بلدان أخرى يحتدم فيها الصراع السياسي. الثورة السورية (تلك التي انتهت عام 2011) ليست طائفية أو أهلية أو ردة فعل على ديكتاتورية شرقية فقط، إنها ثورة ضد أنماط مستحدثة في الحكم وتوجهات معينة توزيع الثروة وفي ممارسة الحكم أصبحت معولمة، إنها ثورة على استخدام جائر لأدوات الدولة الحديثة وعلى نوع معين من الراسمالية لم يكن يستطيع النشوء دون العولمة وحرية حركة راس المال.