المنظومة الموازية-دورنا في مواجهة الترويع

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث
عقدة الخوف

دورنا في مواجهة عقدة الترويع المجتمعي الناتج عن تعذيب الأفراد.

الخوف من الاعتقال والتعذيب هو الأداة الأولى في تدمير الكرامة الإنسانية:

هذا الخوف المتجذر أصبح جزءاً من شخصيتنا الفردية ومكوناً أساسياً من مكونات شخصيتنا الجماعية فهو لا يغادر قلب الفرد السوري ولو أصبح على بعد آلاف الكيلومترات من مسقط رأسه وهو لا يغادر شخصيتنا الجماعية ولو تم استبدال أشكال وألقاب الأفراد والمجموعات المتحكمة بإدارة قضايانا المركزية سواء أجاء ذلك تحكم تلك المجموعات عن طريق الوراثة أو عن طريق الإكراه والتسلط بل حتى لو جاء عن طريق اختيارنا. فمعظمنا ينتظر أن يتحكم الأقوى بنا كي يأتي مستقبلنا أفضل بحسب تمنياتنا دون أن ندرك أن العامل الأساسي في صياغة مستقبلنا هو مجموع ما نفعله نحن لرسم ولصناعة هذا المستقبل. لقد ذكرت سابقاً أن تدمير الكرامة الإنسانية يعني تدمير الفرد الإنساني وبالتالي يعني مباشرة تدمير أي مشروع أخلاقي أو علمي أو اقتصادي وانهيار أي نواة لحضارة إنسانية. إن هذا التدمير لكرامتنا الجماعية لا يتعلق فقط بسلوك أفراد ومجموعات تريد التسلط علينا بل يتعلق بشكل أساسي بتربية طويلة تربينا عليها تجعلنا نظن بأن نشاطنا اليومي لا علاقة له بما يحل بنا أو تجعلنا نؤمن في أحسن الأحوال بأن تغيير حالنا له علاقة بتغيير نفسياتنا وليس بدراسة سلوكنا الفردي وتغييره باتجاه تغيير ما بنا. الترويع المجتمعي الناتج عن تعذيب الأفراد هو الأداة الأولى لتدمير كرامتنا الإنسانية وهو بالتالي أهم عامل في تدمير المجتمع والمؤسسات. إن سلوكنا الجماعي خلال عشرات السنوات قد أصبح متواطئاً مع هذا التدمير فمن ناحية أولى نحن نتأثر به وننشره بدون وعي منا ونخضع بسهولة لمن نظن بأن يستطيع تعذيبنا ومن ناحية أخرى لا يوجد في أهداف حياتنا العملية على المدى القريب أو البعيد أية نية لتحرير أنفسنا من الدائرة التي قد نخضع فيها للاعتقال والتعذيب سواء بالعمل على تقليصها أو بالابتعاد عن مركزها فلا نحاول تقييد إجراءات الاعتقال والتعذيب التي تخيفنا ولا نحاول أن نبتعد عمن يستطيع اعتقالنا أو إيذاءنا. الخوف هو وباء جماعي مجتمعي مُعدٍ وليس مرضاً فردياً يصيب المعتقلين: الخوف الشديد من أجهزة سرية أو نصف سرية قادرة على التجسس على ما قد يهمس به الإنسان لأخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه بل على ما يكنه في نواياه أو على ما يمر في هواجسه هو وباء جماعي ابتلي به معظمنا. نحن الذين يسموننا بأبناء الشعب السوري. ولعل نوع هذا الوباء هو ما يميزنا بالفعل عن باقي البشر. معظم أبناء ما يسمى بالشعب السوري لم يتم اعتقاله ولم يتم تعذيبه ولكنه أصيب بهذا الوباء عن طريق العدوى. تلك العدوى التي رضعها مع مفردات الكلام التي تعلمها في سني حياته الأولى. ثم تحولت خلال فترات الطفولة إلى مفاهيم عميقة في رؤوسنا تطغى في معظم الأحيان على المفاهيم الأخلاقية والدينية والمجتمعية جميعاً أو تتعايش معها. ثم تحولت بالتدريج إلى سلوك منسجم مع سلوك باقي أفراد المجتمع ولكنه متناقض مع الفطرة الإنسانية ومتناقض مع صالح الإنسان الفردي ومع صالح الجماعة البشرية ومع مسيرة الحضارة الإنسانية. هذا الوباء أخطر بكثير من الشلل الرباعي فهو لا يمنع الإنسان من القيام بما فيه صالحه والصالح العام بل تجعله يتحرك وفق المسار الذي يتوقع أنه لا يغضب تلك الأجهزة السرية فهو يتحرك دوماً في الاتجاه الذي حددته تلك الأجهزة بحكم الخوف وبحكم الحركة العامة للمجتمع وبحكم العادة رغم أن هذه الأجهزة غير واضحة الأهداف وغالباً ما يكون تحرك الإنسان (عن غير وعي منه) مدمراً للمجتمع ومدمراً لمستقبل الإنسان نفسه.

عقدة الخوف تشمل كل الطوائف والأفراد بما فيهم الطائفة العلوية النصيرية:

لقد اعتمدت المنظومة الموازية في سوريا (وفي بعض الحالات المشابهة) بشكل كبير على الترويع بعيد المدى للأفراد والجماعات والطوائف وهي تستخدم عنصر التخويف مع الجميع. سواء أكان هذا التخويف من الجوع أو العطش أو القتل الجماعي أو الإرهاب أو غيره. بشكل خاص يتم استخدام ترويع الناس من الاعتقال أو من التعذيب عند المخابرات لضبط أفعالهم وردود أفعالهم وفق ما تريده المخابرات. فمثلاً وعلى عكس ما يتوقع الكثيرون فإن المواطن السوري من أبناء الطائفة العلوية النصيرية إذا ما سعى لفضح المنظومة الموازية فإنه مهدد أكثر بكثير من أبناء باقي الطوائف لأنه يكسر في هذه الحالة مرتكزين أساسيين من مرتكزات المنظومة الموازية وهما : المخابرات والطائفة لأن الفصل للطائفة عن باقي الشعب يتم بشكل ممنهج كي تؤمن الطائفة الكوادر البشرية للمنظومة الموازية. خلال عشرات السنوات من النشر الممنهج لثقافة التخويف أصبح هذا الوباء مكوناً عميقاً من مكونات الشخصية المحلية مهما تنوعت تجلياتها يشترك فيه الذكر والأنثى، المثقف والعامي، الغني والفقير، القروي والمدني، المؤمن والملحد، المسلم والمسيحي، الصوفي والسلفي، الدرزي والعلوي، المؤيد والمعارض، العسكري والمدني بل ويشمل كثيراً من عناصر المخابرات أنفسهم. ولعل من المضحك المبكي أن أرى آثار هذه الثقافة في شخصيات أبناء للسوريين عاشوا عشرات السنوات خارج سوريا ولم يكن هناك من مصدر لتخويفهم سوى ثقافة آبائهم وزيارارتهم السنوية لبلدهم. من الواضح أن درجة الترويع العام بين العام 2000 و 2011 قد انخفضت لدرجة ما لأسباب ذكرتها سابقاً ولكن هذا كان تأثيره محدوداً على جيل الصغار بينما بقي معظم الكبار متأثرين بالمخزون المتراكم للخوف الذي تم تربيتنا عليه.

أي مشروع إصلاح يغفل عقدة الخوف هو مشروع شكلي يؤدي للتستر على الترويع

من هنا تبرز أهمية كشف هذا المرض العميق في قلب كل واحد منا ومعالجته على مستوى الفرد ومعالجته على مستوى الجماعة وعلى مستوى الطائفة فأي مشروع أخلاقي أو اقتصادي أو حضاري أو سياسي يغفل هذا الوباء ويغفل أسبابه وسبل علاجه غالباً ما يكون مشروعاً سطحياً مهدداً بالفشل منذ ولادته لتجاهله العامل الأهم في تشكيل شخصيتنا الجماعية. هذا إن لم يكن هذا المشروع بالأساس مشروعاً تدليسياً غايته التستر على العصابات التي تعمل بشكل منهجي على تحويل مجتمعنا إلى أفراد يسهل التحكم بهم ويسهل استعبادهم واستثمارهم.

ولو تعددت الجهات الشكلية المسؤولة عن الترويع ظاهرياً فهي تؤدي أدواراً متكاملة.

إن مبدأ عمل المنظومة الموازية في داخل سوريا يتطلب ترويع مختلف فئات الشعب السوري بطرق مختلفة. إن عصابات المخابرات هي من عطلت وتعطل عمل أجهزة الشرطة وعمل أجهزة القضاء وتحرفها عن عملها بل وتجمد نشاطها وتوجه تلك الأجهزة باتجاه المشاركة في الإجرام وهي من كانت تنسق عمل عصابات القتل والمخدرات منذ عشرات السنوات وهي من كانت بشكل أساسي تنظم عمل عصابات الشبيحة منذ عشرات السنوات وهي التي شاركت بإنشاء مجموعات إجرامية ذات طابع ثوري (قومي أو إلحادي أو ديني ..الخ..) هدفها الظاهر تحريك أحد مكونات الشعب وهدفها العميق صدم مكونات المجتمع ببعضها بحيث يصاب الإنسان العادي بحالة من العجز عن التفكير تمنعه من رؤية العصابات العميقة التي تمسك بالخيوط. إن تربية البشر على التخويف الجماعي المنظم خلال نصف قرن قد تم استكمالها في السنوات الست الماضية عن طريق البراميل المتفجرة وقذائف الهاون العشوائية وجرر الغاز العشوائية والمفخخات العشوائية وغيرها. هذا القتل العشوائي الواسع يؤدي إلى ضحايا أكبر ولكنه ليس إلا محاولة لاستمرار إمساك العصابات السرية بالبشر عن طريق الترويع وهو استمرار لجرائم التخويف الجماعي المستمرة منذ عشرات السنوات والتي يدخل فيها: 1. كل عملية اعتقال أو تلميح بالاعتقال أو ضغط أو ابتزاز قامت به عصابات المخابرات أو العصابات التي تولدت عنها 2. كل عملية اعتقال أو قتل تمت خارج تفويض الشعب السوري من جهة معلومة أو مجهولة 3. كل عملية اعتقال أو تهديد أو ضغط تمت من خلال مؤسسات رسمية سورية نتيجة توجيهات عصابات المخابرات أو نتيجة توجيهات المنظومة الموازية. هذه الجرائم كثيرة جداً ومتنوعة ومن الممكن أن يساعدني القراء في المستقبل على إضافة أنواع أخرى من مثل هذه الجرائم

مواجهة عصابات الترويع هو واجب كل البشر وليس واجب المعذبين أو المقتولين:

من مبدأ المصلحة الأنانية الشخصية أولاً (وليس من مبدأ الإنسانية والتعاطف مع الآخرين كما قد نظن) ومن مبدأ واجب الإنسان في الدفاع عن نفسه وعن عائلته وعن ماله وعن عرضه فإن أي إنسان يمكن لعصابات المخابرات أن تعتقله أو تخوفه أو تهدده أو تورطه يجب عليه أن يسعى لكشف تلك العصابات وامتداداتها ولمحاكمتها وعليه أن يساهم في الكشف عن آليات الترويع التي تستخدمها تلك العصابات. تجاهل هذا الفرض حصل بالتدريج لأن عصابات المخابرات تشكلت بالتدريج وسيطرت على وجدان الناس بشكل تدريجي خلال فترة أكثر من جيل في فترة لم يكن مفهوم الدولة قد اكتمل في أذهان الناس (وهو لم يكتمل بعد حتى اليوم) ومن الغباء أن يسعى الإنسان للحصول على لقمة عيش في بلد تتلاعب فيه المخابرات بالاقتصاد من دون أن يسعى لكشف تلك العصابة ولإيقافها. كذلك من الغباء أن يسعى الإنسان للحصول على شهادة علمية في بلد تتلاعب فيه المخابرات بالمدارس والجامعات من دون أن يسعى لكشف تلك العصابة ولتجميد عملها والأخطر هو أن يسعى الإنسان في إجراءات التقاضي ويبحث عن حقه في بلد تسيطر عصابات المخابرات فيه على القضاء ويمكنها أن تعتقل أو تقتل فوق أي رقابة وقانون. إن هذا الواجب يشمل كل أبناء سوريا بما فيهم أبناء الطائفة العلوية النصيرية وأبناء الأقليات وأبناء الأعراق المختلفة سواء أكنا ندعي أنها عربية أو كردية أو غيرها. بل بمن فيهم عناصر المخابرات السورية وضباطها ولعل ذبح "غازي كنعان" الذي كان أهم ضابط مخابرات في لبنان في مكتبه كوزير للداخلية في دمشق هو إحدى صور كثيرة تبين خطورة المنظومة الموازية حتى على العاملين فيها. من هذا المنطلق فإن التفكير في طرق مواجهة عصابات المخابرات وغيرها من العصابات التي تم استحداثها في السنوات الماضية يقع على : 1. عائلات جميع المفقودين السوريين وغير السوريين على الأراضي السورية خلال الخمسين سنة الماضية 2. عائلات جميع المعتقلين السوريين وغير السوريين الذين تم اعتقالهم في سوريا خلال الخمسين سنة الماضية 3. جميع من تم اعتقال ثم أطلق سراحه قبل أية جهة مجهولة أو من قبل أية جهة معلومة غير مفوضة من قبل الشعب السوري 4. جميع أبناء الشعب السوري وغير السوري الذي تمت توجيه ملاحظة مباشرة أو غير مباشرة له من قبل عصابات المخابرات أو العصابات التابعة لها 5. جميع البشر الذين يمكن أن توجه لهم عصابات المخابرات تهديداً مباشراً أو غير مباشر سواء أكانوا سوريين أو غير سوريين 6. جميع من يخاف ضمناً بأي شكل من الأشكال من المخابرات السورية الداخلية أو الخارجية. 7. جميع من ينافق في حديثه للمخابرات أو لأية قوة يخشى في عمقه من عقابها فيما لو تحدث ضدها 8. جميع من يدعي بأن لديه برنامج رعاية صحي أو إنساني أو ثقافي أو إنساني أو لديه مشروع بناء دولة على مستوى سوريا أو على مستوى أكبر منها أو أصغر منها وكذلك جميع من يدعي أن لديه مشروعاً إنسانياً أو مشروع مقاومة للمحتل إن على الأصناف السابقة جميعاً مواجهة المخابرات من مبدأ الدفاع عن النفس وعن المشروع الذاتي أما من مبدأ الدفاع عن كرامة الإنسان التي هي أساس الحضارة الإنسانية الجامعة فإن دائرة مواجهة المخابرات يجب أن تتسع لتشمل أي إنسان يؤمن بأن بني آدم مكرمون على باقي الكائنات بل تتسع لتشمل أي إنسان يظن بأن للحياة المبثوثة في الأحياء قيمة إضافية تميزها عن الجمادات.

الاعتراف بعمق عقدة خوفنا على مستوى الفرد والجماعة هو أولى خطوات الحل:

يجب على كل واحد فينا أن يعترف أولاً بوجود هذا المرض بدرجة ما في داخله. يجب أن يعترف بأن لديه عقدة خوف شديدة من المخابرات لا يدري بالضبط متى تشكلت. فإن لم تكن موجودة عنده بالذات فهي موجودة عند معظم أبناء بلدنا. يجب علينا أن نقر أيضاً بأننا نخلط في أذهاننا بين المخابرات وبين مؤسسات الدولة وبأننا نخلط في مفاهيمنا بين المخابرات وبين أجهزة الشرطة التي تمثل (على علاتها) أجهزة الأمن الرسمية وكذلك بين المخابرات والقضاء..الخ.. يجب على كل منا أيضاً أن يعترف أن تأثير هذه العقدة على حياتنا كبير جداً وأنها تضبط طريقة حديثنا وسلوكنا في الأماكن العامة والخاصة. ومع كل ذلك فنحن نتجاهل دراسة العوامل التي شكلتها ونخشى دراسة آليات الشفاء منها حتى أنها استعبدتنا فنحن خلال مسيرة الحياة اليومية تؤثر فينا هذه العقدة ولا نؤثر فيها نتآمر مع الآخرين فنسعى لتضخيمها عندهم ويسعون لتضخيمها عندنا من دون أن نشعر بدلاً من أن نتعاون على الفهم والعلاج.

تعاوننا ضروري لكشف هذه العقدة ولكشف آثارها على أنفسنا وعلى تركيبة المجتمع:

إن تجاهل هذه العقدة التي تشكل المصيبة الأكبر في النفسية السورية ينقل النقاشات حول مستقبل الأفراد ومستقبل البلد إلى نقاط أقل أهمية بكثير. فعلى مستوى الأفراد يقيم الناس مصائبهم فقط من خلال عدد الشهداء الذين ارتقوا أو عدد الأفراد الذين أصيبوا أو البيوت التي قصفت أو الأموال أو الأملاك التي نهبت أو اتلفت بشكل عشوائي أو بشكل مدروس ممنهج. وعلى مستوى البلد (ورغم قلة من يتحدث في ذلك) يتحدث الناس عن شبكات الخدمات وما لحقها من أضرار وعن تغيير الخارطة المجتمعية وعلى التدخلات الخارجية في البلد و عن دور الاقتصاد أو دور الدين أو دور الطوائف في مستقبل البلاد ..الخ.. ولكن لا يخطر ببالنا أن ندرس "عامل الخوف من الاعتقال والتعذيب" وكيف زاد في بعض المناطق وكيف نقص في مناطق أخرى. كذلك كيف تم تغيير بعض أدواته واستمرت أهدافه بسبب تغير الأوضاع والعجز عن الاعتقال والتعذيب المباشر كما في الماضي. وكيف بقي مضمون "هاجس الخوف من الاعتقال والتعذيب" وتغير القائمون عليه في بعض المناطق حيث نشأت منظومات أخذت الدور التقليدي للمخابرات في الاعتقال والتعذيب ذات لون قومي أو ديني أو مذهبي أو طائفي. السؤال الأعمق الذي يجب طرحه على الإنسان السوري في مناطق ما يسمى النظام أو مناطق ما يسمى الثورة أو في لبنان أو الأردن أو تركيا أو باقي دول العالم : ماذا تفعل لو اعتقلتك مجموعة ترتدي اللباس المدني وأوحت إليك أنها من عصابات المخابرات السورية؟ ماذا لو اعتقلت أحداً من أقربائك القريبين فيزيائياً منك أو البعيدين عنك؟ ماذا تفعل لو عذبتهم أو اغتصبتهم أو قتلتهم؟ ماذا لو أجبرتك على بيع عقارك أو قام أحد باحتلاله أو بمنعك من الوصول إليه أو من تأجيره أو ممارسة حقوق الملكية عليه؟ ماذا لو طلبت منك المخابرات تمرير عمل إداري في دائرتك؟ أو منعتك من الحصول على ورقة رسمية أو هويةأو جواز سفر؟ ماذا لو اغتصبت ابنتك أمامك؟ هل تعتبر ذلك قدراً خارجاً عن إرادتك؟هل تتجرأ على الاعتراض؟ هل تتجرأ على الحديث في الموضوع ؟ هل تعتقد بأن هناك جهة قضائية داخلية أو خارجية يمكنها أن تعيد لك حقك أو تقتص لك؟ هل تستطيع مواجة عصابات المخابرات التي تعتدي عليك بالكلام؟ هل تستطيع مواجهتها بالفعل؟ هل تستطيع تجميع الناس حولك للدفاع عن نفسك؟ هل تقبل بأن تنتصر للمظلوم عندما يكون الظالم هو عصابات المخابرات؟ هل تعتقد بأن للمخابرات السورية استطالات في المناطق التي تعيش فيها يمكنها أن تؤثر على حياتك وكيف؟ هل تحول خوفك من المخابرات السورية إلى خوف من جهات أخرى في مكان إقامتك ؟ الخ.. لقد أصبحت عقدة الخوف عميقة لدرجة أنني رأيت بعض اللاجئين ممن وصلوا إلى أوربا وقد اغتصبت أموالهم وأعراضهم من قبل عصابات المخابرات في سوريا وهم لا يتجرؤون حتى على إقامة الدعاوي القضائية على المخابرات مع أنهم في تلك البلدان يسعون للحصول على أعلى مستوى من الأرباح المادية لدرجة أنهم يسرقون ما لا يحق لهم من المساعدات. ورأيت آخرين مهددين دوماً كغيرهم في الداخل السوري باعتقالهم من قبل المخابرات وهم في نفس مجندين للدفاع عن التخريب الناتج عن عمل تلك العصابات على صفحات الفيسبوك. علينا جميعاً التعاون لتذكير بعضنا بهذه العقدة المستحكمة في أعماقنا وبأنها المرض الأكبر الذي يؤثر على حياتنا الخاصة والعامة وبضرورة التعاون كي نشفى منها.

من وسائل علاج رهاب الخوف من المخابرات

أعتقد أن هذا الموضوع يستحق من العاملين في مجال الطب النفسي التركيز الشديد عليه ودراسته و تحديد أسلوب علاجه. كثير من المؤسسات تسعى في علاج الأثر النفسي الخطير الذي انطبع في قلوب عدد كبير من أبناء الشعب السوري الذي عاش لفترة طويلة تحت البراميل والقذائف ولكن بحد علمي لم يفطن أحد لهذا الرهاب الذي يعاني منه معظم الشعب السوري. أعتقد أن من وسائل العلاج : • أن نميز بين الخوف الذي هو شعور طبيعي ينتاب الإنسان في لحظات معينة من حياته كي يستطيع تجنب الخطر ويحفظ حياته حيث يتعرف على سبب الخوف ويزيله وبين عقدة الخوف التي هي حالة دائمة في اللاوعي وهي توجه تصرفاته والتي قد تنقل الإنسان من حالة خطرة إلى حالة أكثر خطراً لدرجة أن يموت وأن يتم قصف بيته ويتم تدمير بلده وهو مازال لا يحاول كشف عقدته التي خربت بيته وبلده. • أن يعرف الإنسان خطر الصمت عن جرائم المخابرات على نفسيته وعلى معاشه وعلى ثقافته وعلى مستقبل أبنائه وعلى مستقبل البلد والمنطقة. إن ما يحدث اليوم من تخريب وتدمير وقتل وتشريد في سوريا سببه الأول هو ثقافة الخوف والصمت الذي بنت عليه المخابرات شبكتها لتشل أجهزة الدولة في سوريا مما جعل الشعب غير قادر على التعاون في ظل مؤسساته الرسمية وأصبح نتيجة ذلك ألعوبة بيد المنظمات والدول والأفكار المتطرفة مهما كانت ساذجة. • أن يدرك الواحد منا خطر هدر كرامة الإنسان والترويع الجماعي على كافة أبناء الشعب السوري وليس على أبناء بلد أو طائفة معينة فالكرامة الإنسانية لا يمكن أن تجزئ والسكوت عن الاعتقال والتعذيب الممنهج للبشر في ركن من أركان الأرض سيؤدي يوماً إلى تخريب الحضارة الإنسانية. فالإنسان الذي عنده عقدة الخوف هو إنسان مهلل الشخصية ولو بلغ أرقى درجات السلم الإجتماعي والأسرة التي يبنيها هي أسرة تابعة قابلة للتفتت ولو ادعى أنها مبنية على الحب والبلد الذي يبنيه هو بلد قابل للانهيار في أية لحظة مهما ادعى هذا الإنسان من وطنية. ولعل هذا يبين لنا سبب تفتت كثير من أسرنا المترافق مع قصف بيوتنا وتخريب مؤسسات دولتنا في نفس الوقت الذي يقتل فيه أبناؤنا ويحرص فيه بعضنا على تناول أطيب وجباتهم. • أن يناقش مع الجميع وعلى العلن خطر منظومات المخابرات على بناء الدولة في ضوء المصلحة الشخصية للمواطن وليس من وجهة نظر إنسانية فحسب. فالمخابرات تضع الإنسان العلوي والشيعي مثلاً في خطر شديد على حياته نتيجة التلاعب بالمكونات المجتمعية في المنطقة. كذلك تدمر أداء الأجهزة الخدمية للدولة لذا ترى القرى العلوية النصيرية في تركيا مثلاً أكثر تحضراً بكثير بكثير من القرى العلوية النصيرية في سوريا رغم أن المنظومة الموازية في سوريا تعتمد أساساً على الطائفة النصيرية العلوية في إدارة أجهزة المخابرات ومرافق الدولة الحساسة منذ عشرات السنوات. إن مشاركة أي مواطن في التشبيح وفي قتل المواطنين الآخرين وفي سرقتهم لا يخرج ذلك المجرم نفسه من دائرة التهديد بالاعتقال غير المشروع والقتل والتعذيب وربما يزيد من ذلك الاحتمال. • أن يستفيد من وسائل التواصل للحديث الممنهج وغير العدواني مع كافة أطياف الشعب السوري عن خطر الخوف من تعذيب المخابرات على كل الأطياف. إن من وسائل المخابرات في التحكم الفصل بين الناس وافتعال. • يجب أن يتحول واجبنا في كشف المخابرات إلى جزء من سلوكنا اليومي أو الاسبوعي أو الشهري. يجب أن نخصص نسبة من بوستاتنا مثلاً لكشف تلك العصابات. إن بوستاتنا على الانترنت التي تتغنى بأكلاتنا وبتاريخنا وبماضينا بل وحتى تلك التي تتحدث عن مآسي الشعب السوري نتيجة التهجير ونتيجة قصف البراميل والهاون وجرر الغاز وتهمل الجذر العميق للعصابات التي لها الدور الأكبر في تلك الجرائم كل تلك البوستات تؤدي إلى تآمرنا الجماعي على أنفسنا وإلى زيادة التستر على تلك العصابات المنظمة مما يؤدي لتسهيل تنفيذ نشاطاتها الإجرامية مهما كانت تلك النشاطات غبية. • الحديث عن المخابرات كمجموعات بشرية تعمل وفق آليات معينة منظمة في مجال تعذيب الأفراد وفي مجال ترويج الإشاعات و تحاول السيطرة بوسائل متعددة على تفكير الناس وعلى مؤسسات الدولة. المخابرات ورغم خطورة الجرائم الناتجة عن نشاطها ليست مجموعات من الجن ومقابل هذه المجموعات المتفرغة للسيطرة على إرادة الناس لا بد من جمع الإرادة الجماعية ضمن مجموعات لتوعية الناس بأهداف المخابرات وبكيفية تعطيل مخططاتها المدمرة وبكيفية إيقاف المجرمين ومحاكمتهم بدلاً من الصمت عن تلك الجرائم أو من تناقل الأحاديث التي تنشر ثقافة "الخوف من المخابرات" ومن ثم "الانصياع لإرادتها" • التعاون على فهم كيفية حصول عصابات المخابرات على المعلومات وعلى كيفية نشرها للفتن وفي إنشاء العصابات ولربطها بين العصابات وفهم ارتباطاتها مع العصابات الخارجية وكيف يقع معظم الشعب السوري في شراكها ويتورط عن غير قصد منه في خططها • فهم كيفية التعاون من أجل تقديم ضباط عصابات المخابرات للقضاء المحلي والعالمي ودور كل مواطن سوري في جمع دلائل إدانة تلك العصابات وإدانة كل من يتعاون معها • أي تفكير في مستقبل سوريا يجب أن يكون كشف شبكات المخابرات وفضح أعمالها وتفكيكها ومحاسبتها أول بنوده • يرى معظم البشر (بما فيهم أبناء الشعب السوري) المأساة السورية متمثلة في أعداد القتلى والمصابين والمشردين ولا يرون المصيبة العميقة المتمثلة في قتل نفسية المواطن السوري ولذا نجد أن جهود الإغاثة المحلية والعالمية مركزة على إطعامهم من جوع وليس على إيمانهم من خوف وقد نجد في بعض الأحيان محاولة لعلاج بعض السوريين من الأثر النفسي لظروف القصف المروع الذي عاشوه والمشاركين فيها هم بعض السوريين ممن لديهم القدرة العلمية والمادية أو البدنية أو ممن لديهم الرغبة في الحصول على الأموال من المنظمات الدولةي. ولكننا لا نجد في برامج الإغاثة أي برنامج لعلاج السوريين من عقدة الخوف المترسخة في داخلهم بسبب جهل المنظمات الإنسانية بوجود هذه العقدة أصلاً. إن الحديث عن هذه العقدة ووضع برامج علاجها سيكون له نتائج هائلة فهو سيفيد معظم السوريين وليس بعضاً منهم فقط وهو سيعطي لعدد هائل من السوريين فرصة للعلاج وسيدفعهم لاحقاً ليكونوا إيجابيين في طريق الخلاص من مصيبتهم

الانتقام ممن دمر البلاد فرض عين على كل مواطن على أن لا يكرس الانتقام الجريمة

لقد شمل الألم كل بيوت الشعب السوري وواجب كل إنسان أن يسعى لتخفيف الألم ولمحاسبة المتسبب فيه. ولكن المتسبب الحقيقي في الجرائم يحاول دائماً أن يختفي ويصدم مكونات الشعب السوري ببعضها وهو ينجح في ذلك. إن محاولة الانتقام العاطفية التي يقوم بها كثير من أبناء الشعب السوري من قبل من قتل المتظاهرين أو ممن رمى البراميل إنما يتم توجيهها بذكاء من قبل شبكات المخابرات كي تصدم مكونات الشعب السوري ببعضها وكي تبقى تلعب بتلك المكونات تحت تسميات مختلفة (قد تبدو في ظاهرها متناقضة) من وراء ستار.

واجب الشعب السوري في جمع الأدلة في جرائم التخويف والاعتقال والتعذيب

إن كل عمل يؤدي إلى زرع الخوف في قلب الشعب السوري يجب توثيقه. هذا التوثيق يجب أن يكون بهدف مكاملة المعلومات وإدانة المجرمين. وهذه بعض الأمثلة التي يمكن تعميمها والتعاون على تطويرها: 1. تسجيل كافة أشكال تدخل المخابرات في عمل الأجهزة الرسمية. وتوثيق اسم الموظف المباشر الذي ينفذ الأوامر غير القانونية. فعندما يقوم شخص بتسليم جواز سفره لقنصلية سورية مثلاً ويتم تجاهله عليه أن يوثق التاريخ وأن يسجل إفادات الشهود الذين كانوا معه. 2. في حال قدوم أفراد بلباس مدني أو عسكري لاعتقال شخص على كل جار من الجيران أو كل شاهد من الشهود أن يسجل تاريخ الواقعة وتوقيتها وموقعها وتفاصيلها كوصف الأشخاص وما قاموا بفعله ووصف السيارات التي قدموا بها وكيف قاموا باختطاف الأشخاص من دون تفريط من جهة ومن دون مبالغة من جهة أخرى. 3. يجب أن يسجل كل من يشاهد جثة ما أو يشهد اعتداء على الممتلكات كاحتلال البيوت أن يسجل بالتفصيل كل ما يمكنه وصفه عن نوع الجريمة وتفصيلاتها وتوقيتها والذين قاموا أو شاركوا بها. من الضروري عند تسجيل الشهادات عدم اللجوء إلى التفريط أو المبالغات بحيث يسهل على من ينسق بين الشهادات لاحقاً أن يفهم أبعاد الجريمة ويسهل عليه إدانة المجرمين. 4. على كل من يتم اعتقاله ويفرج عنه أن يحاول تسجيل كافة التفاصيل الممكنة عن الكيفية التي تم بها اعتقاله ومن شارك بهذا الاعتقال من خارج عصابات المخابرات وكيف تم نقله وإلى أين تم نقله وكيف كان يتم تعذيبه داخل المعتقل وكيف كان يتم تعذيب غيره مع تقديم أية ملاحظة ممكنة قد تساعد في الكشف عن عناصر العصابة من الجلادين والمحققين ومقدمي المعلومات 5. على كل المختصين أن يعملوا بحسب اختصاصهم على مقاومة الترويع المجتمعي عن طريق التعذيب أو غيره فعلى الأطباء مثلاً الكشف على أجسام المعتقلين أو المقتولين والمساعدة في رعاية المصابين وتوثيق الشهادات الطبية اللازمة لإدانة المجرمين وللتعويض المستقبلي عن الأضرار وعلى الأطباء النفسيين دراسة "رهاب الخوف" عند السوريين ووضع برامج علاجه وعلى العاملين في مجال الكمبيوتر أن يساهموا ببناء نظم المعلومات المناسبة لتجميع الشهادات وتوثيقها ومكاملتها دون أن تستطيع عصابات المخابرات الولوج لتلك النظم أو تخريب الشهادات من خلال حشر شهادات غير موثوقة أو مضللة. كما يجب على الحقوقيين أن يبدؤوا بتحضير ملفات الإدانة الجنائية لعناصر العصابات وأن يدرسوا كيفية مواجهة أولئك المجرمين أمام نظم القانون المحلي والعالمي. أما المختصين بالآداب فيمكنهم ترجمة الإدانات إلى أكبر عدد ممكن من لغات العالم 6. على المهاجرين السوريين ان ينشؤوا الجمعيات المناسبة في دول اللجوء كي يستطيعوا تجميع شهاداتهم وكي يستطيعوا أن يتكاملوا مع الجمعيات في المدن والدول الأخرى وكي تستطيع تلك الجمعيات تقديم النصح والتوجيه عما يمكن للفرد السوري إن شهد جريمة اختطاف أو تعذيب أو كان هو نفسه ضحية اختطاف أو تعذيب. كما أن عليهم المساعدة في تشكيل برامج علاج عقدة الخوف للسوريين في الداخل والخارج. 7. يجب عدم خفض الجريمة بأي حال من الأحوال إلى المستوى القبلي. ويعني ذلك أن نتحدث عن تعذيب الإنسان في سوريا كإنسان وليس كشخص ينتمي لقبيلة معينة بما يضمن تعاون أكبر عدد من الناس على سطح هذه الأرض معنا واكتشاف المؤسسات الدولية التي يمكن أن تخدمنا في هذا الإطار. 8. التمييز بين أجهزة المخابرات وأجهزة الدولة وتوثيق جرائم المخابرات قدر الإمكان عبر أجهزة الدولة فمثلاً عندما يتم خطف شخص من قاعة الامتحان على رئيس القاعة أن يثبت الحادثة في محضر الامتحان. كذلك من يتم اعتقاله يمكن لذويه أن يبلغوا الشرطة ويقوموا بتسجيل محضر رسمي إن أمكن عند الشرطة أوعند النائب العام أو غيره 9. عدم التنازل عن الحقوق في قضايا التعذيب الفردية 10. إنشاء كتل متخصصة لفهم عمل المخابرات وأهدافها وارتباطاتها ومعرفة مستوى مسؤولية كل ضابط فيها ونشر تلك المعلومات بما يساعد على إيقاف المجرمين 11. التعاون على منع المخابرات من تنفيذ ما تريد وهذا يحتاج لتوعية لكل واحد منا في حال شهد اعتقالاً أو قتلاً أو تهديداً مباشراً أو غير مباشر. ولعل بعضنا رأى كيف كان الناس في المظاهرات يتجمعون حول عناصر الشبيحة أو المخابرات عندما تقبض على فرد ما ويصيحون"عيفو.. عيفو" وغالباً ما كانوا ينجحون في تحريره. في حالة خاصة شهدت بالصدفة انطلاق مظاهرة في حلب في حي الجميلية وكانت المخابرات على علم بها على ما يبدو ولذا كان الشبيحة بائعو الدخان والخضار جاهزين مع أسلحتهم بجانب جامع الصديق وكان هناك تركيز عال للمخابرات الذين انطلقوا ليلتفوا حول أول من صاح في المظاهرة وسحبوه في شارع فرعي وحولهم المتظاهرون قد تحلقوا حول مجموعة المخابرات والشبيحة التي ألقت الشاب أرضاً وحصرته بين أقدام الشبيحة وبين عجلة إحدى السيارات. ولم يترك افراد العصابة ذلك الشاب ففوجئت بفتى ركض فوق تلك السيارة ورفس وجه زعيم المجرمين ومن بجواره ففروا رغم الاسلحة التي يحملونها. 12. لا شك أن مجموع أبناء الشعب السوري أقوى بكثير من قوى العصابات التي تحاول التحكم به و تصدمه ببعضه ولو كانت مسلحة ولكن معظم الأفراد لا تقوم بواجبها ولا تعرف كيف يمكنها مكاملة الجهود للحصول على النتائج الكبر 13. لا شك أن أدوات التواصل دمرت مرتكزاً اساسياً من مرتكزات المنظومة الموازية في سوريا ولكن معظم أبناء الشعب السوري يستخدم تلك الأدوات فقط للتنفيس عن نفسه ولا يعرف كيف يمكنه استخدامها لمكاملة أفكاره والتنسيق بين جهوده وإن تطور وعينا في أسلوب استخدام هذه الأدوات سيكون له دور كبير في تقصير فترة محنتنا.

29- هذه هي الحلقة 29 من سلسلة كيف نحل مشكلتنا؟