المنظومة الموازية-توصيف المنظومة

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث
أدوات المنظومة الموازية

توصيف المنظومة الموازية في الدولة السورية قبل 2011

تمهيداً لتقسيم المشكلة وتطوير الحلول الجماعية:

فهم المنظومة هو أول خطوات الحل :

ذكرنا سابقاً خطوات حل أي مشكلة حيث أن أول خطوة هي الإحساس بها ومن ثم توصيفها وفهم أسبابها واقتراح الحلول لمعالجتها والبدء بتنفيذ الحل الأفضل. إن المسؤول الأول عن الإحساس بالمشكلة السورية والمسؤول الأول عن توصيفها واقتراح الحلول وتنفيذها هو الشعب السوري نفسه وليس أي أحد آخر. إن ظن الواحد منا أنه لا دور له بحل المشكلة الكبيرة هو السبب الأكبر لولادة المصيبة أصلاً ولاستمرارها الآن ولتفاقمها غداً. إن جزءاً كبيراً من العجز الذي أصاب معظم الشعب السوري هو عجز "مكتسب" كما ذكرت إحدى الأخوات العزيزات وهو جزء من تربية مقصودة تربينا عليها كي نصبح أدوات غير فاعلة. ولكن هناك عجز آخر ناتج عن الجهل العام بالتاريخ والجغرافيا وبما يحدث وكذلك الجهل بما يمكن لكل منا أن يفعله بشكل فردي من أجل إجراء تغير اجتماعي إيجابي. سأقوم بهذا البوست بإجراء وصف عام للمنظومة السورية الموازية لمنظومة الدولة سنجد بأننا نشكل بقصد أو بغير قصد جزءاً من هذه المنظومة وسنجد بأن وعينا وامتلاكنا لإرادتنا له دور كبير في استعادة الفرد السوري لإنسانيته واستعادة المجتمع السوري لموقعه الحضاري واستعادة مؤسسات الدولة السورية لدورها في التعبير عن إرادة هذا المجتمع. في البوستات اللاحقة سأحاول التفصيل في كل مكون من المكونات وسأحاول فهم الآلية التي ولد من خلالها وكيف يمكن لنا بالعمل الجماعي كشف آلية شله للدولة السورية وكيف يمكننا تفكيك هذا المكون.

المنظومة الموازية موجودة في العديد من الدول

إن المنظومة الموازية موجودة بشكل ما في معظم دول العالم بدرجات مختلفة وخصوصاً في الدول التي تم اختلاقها بعد الحرب العالمية الثانية وبالذات الدول المسماة بالعربية ولذا فإن هذه الدراسة مفيدة جداً ليس فقط للسوريين ولكن لكثير من شعوب المنطقة. وهي مفيدة أيضاً لدراسة الدول التي يتم تجهيزها في المرحلة الجنينية اليوم كي تولد على المقاس غداً. حيث يسعى الكثيرون مثلاً لتجهيز المنظومة الموازية التي ستتحكم بدولة كردية وليدة ويتم حشر المثقفين للدفاع عن المنظومات الموازية ولمواجهة بعضهم بعضاً بدلاً من أن يسعى المثقون لرسم إطار إنساني جامع يفهم المشاكل العميقة لبني آادم في منطقتنا ويسعى لبناء المؤسسات التي تحلها. ومع ذلك تبدو الحالة السورية عميقة حيث تضخمت المنظومة الموازية لدرجة أن مؤسسات الدولة تم إلغاؤها بالكامل من أذهان المواطنين وأصبح مفهوم "الدولة" في رؤوس معظم السوريين (المؤيديين زالمعارضين والصامتين) هو "المنظومة الموازية" ولذا تبدو الحاجة ملحة لفهم هذه المنظومة الموازية وفهم مكوناتها.

بعض الشرح عن الرسم المرافق :

لتسهيل الفهم قمت برسم مخطط وله أسهم. المستطيل العلوي يبين رأس المنظومة المحلية المرتبطة بمنظومات عالمية. في المستوى الأوسط وضعت أدوات هذه المنظومة وفي المستوى الأدنى وضعت العناصر التي تتحكم بها هذه الأدوات. يجب علينا بالتدريج الآن وخلال الحلقات القادمة فهم المستطيلات والأسهم وفهم علاقتها ببعضها وضعت بجانب السهم الصادر عن مستطيل (الفروع السرية) والواصل إلى (الإنسان الفرد) الآليات التي تستخدمها المخابرات للسيطرة على الإنسان الفرد ولقد قمت بتوضيح ذلك من خلال الكلمات المجاورة : تخويف – اعتقال – تعذيب –ترك عاهى – قتل .. الخ ... هناك عدد كبير من الأسهم سأقوم بتوضيحها في الحلقات القادمة.

أدوات المنظومة الموازية:

1. العصبية القبلية :

تحتاج المنظومة الموازية إلى عصبية جاهلية تدافع عن الاشخاص وليس عن بنية الدولة نفسها. هذه العصبية تحققها بعض الدول الديكتاتورية عن طريق الدين أو عن طريق المذهب أو عن طريق القبيلة أو عن طريق سكان مدينة ما أو جهة ما أو عرق ما .. الخ .. في حالة الرئيس الراحل صدام حسين كان يتم تأمين هذه العصبية من خلال أهل مدينة "تكريت" مسقط رأس صدام حسين. أما في حالة الراحل "القذافي" في ليبيا أو في معظم الحالات الخليجية فيتم تأمينها عبر "العشيرة".  في الحالة السورية تحاول المنظومة الموازية تأمين هذا الكادر البشري من خلال الطائفة العلوية. وتحاول بشكل مستمر توريط الأقليات الأخرى من خلال التخويف  وسنفصل في ذلك لاحقاً

2. الكوادر التخصصية :

تحتاج المنظومة الموازية إلى كوادر تخصصية تدير المؤسسات لصالحها. لا ينفع مجرد انتماء الشخص للعشيرة أو الطائفة الحاكمة كي يستطيع إدارة مؤسسة رسمية ولذا تحتاج المنظومة الموازية إلى من يدير المؤسسات بما فيه صالحها وبما فيه التستر على المنظومة الموازية بحيث يبدو سلوك المؤسسة نظامياً. في الحالة السورية تؤمن ما يسمى بحزب البعث العربي الاشتراكي معظم الواجهة التخصصية لعمل المنظومة الموازية في الدوائر الرسمية وفي المؤسسات الخاصة وفي المؤسسات الاجتماعية. كما يمكن تأمينها خارج الإطار الحزبي من خلال أبناء الطائفة و الأقليات والمنتفعين بحيث يعطى الموقع الإداري من قبل المنظومة الموازية (وكأنه ملك لها) لشخص متخصص ما يشبه عقد انتفاع وفي كثير من الأحيان تطلق يد هذا المنتفع في المؤسسة كي يستفيد منها لأقصى فترة خلال فترة الانتفاع

3. فروع الإدارة السرية الموازية:

هي أداة التحكم الأولى للمنظومة الموازية وما تبقى مكملات. في سوريا تتولى هذه الإدارة السرية  عصابة المخابرات أو عصابات المخابرات.  ليست الغاية من فروع المخابرات جمع المعلومات كما في الدول الأخرى. عصابات المخابرات في سوريا هي اصطلاح لمنظمات سرية فوق أي قانون أو تنظيم مؤسسي سواء أكان تنفيذياً أو تشريعياً أو رقابياً. حيث تستطيع أن تسأل أي إنسان عن أي شيء وعليه أن يجيب بدون أي تنظيم أو تسجيل رسمي لشكل الاستجواب  كما تستطيع أن توقف أي إنسان أو تحقق معه أو تعذبه أو تقتله وتستطيع تعيين أي موظف صغير أو كبير وتستطيع عزله وتستطيع تعيين القضاة أو أي جهاز أو مجلس لأي مؤسسة حكومية أو غير حكومية أو عزله كما تعين الموظفين في وسائل الإعلام أو تعزلهم. كما تستطيع التدخل وتعديل أي بروتكول في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية كما تستطيع التحكم بالفرد مباشرة أو من خلال المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. ولا يوجد أي قانون يحكمها إلا قوانينها الداخلية التي تضمن أن لا تشكل هذه المؤسسات خطراً على رأس المنظومة الموازية وإن كانت هذه المؤسسات تغتال في الحقيقة نظام الدولة بالكامل. ومع كل هذه العلنية تلجأ هذه العصابات للسرية. فضباط المخابرات يستطيعون تجميد المؤسسات وتغيير أنظمة عملها وتغيير كوادرها ولكنهم يحاولون فعل ذلك غالباً من خلال استصدار كتب رسمية صادرة عن مؤسسات الدولة الرسمية لتنفيذ قراراتهم. وباعتبارهم غير متخصصين لذا يحتاجون إلى عناصر من ضمن المؤسسات هذه العناصر الاختصاصية قادرة على إدارة المؤسسات وضبطها من الداخل بحسب إرادة المخابرات. لذا فغالباً ما يعزو المواطن السوري المصائب التي يعيش فيها إلى مؤسسات الدولة نفسها أو إلى فساد مدراء تلك المؤسسات دون أن يرى العفريت الخفي الذي يدير المؤسسات من وراء ستار

4. القوة المسلحة غير الشرعية :

تستطيع قوات المخابرات السيطرة على الأفراد ولكنها لا تستطيع السيطرة على الجماعات. بسبب الطبيعة العشائرية أو القومية أو الدينية لمنطقة ما قد لا تستطيع قوات المخابرات اختراقها والتحكم بأفرادها وتكون العناصر التخصصية (كعناصر الحزب إن وجدت فيها) ذات انتماء قوي أيضاً لجماعتها الأصلية وهنا غالباً ما تتعامل المنظومة الموازية مع المجموع ككتلة واحدة وتحاول تدريجياً تفتيتها من الداخل من خلال دعم مراكز متعددة للقوى فيها. بجميع الأحوال هناك تخوف من خروج بعض المناطق ككتلة كبيرة وليس كأفراد عن السيطرة وهنا لا تستطيع قوات المخابرات التحكم بها ويصبح تدخل القوة العسكرية ضرورياً. ولكن القوة المسلحة عندما تتدخل فغالباً ما تقوم بالتدمير الكبير وبالقتل الجماعي لأن المقصود "تربية" الناس ولأن الجيش لا يعرف التفاصيل المتعلقة بكل فرد كالمخابرات. إن طبيعة القوة المسلحة المستخدمة (بعكس الحزب الذي يشكل واجهة مصطنعة للمنظومة ) يجب ان تكون تابعة تماماً للمنظومة. يتم غالباً تأمين هذه القوة في سوريا من خلال قطع خاصة  من الجيش حيث يتم العناية بها بشكل خاص من أجل القمع العام. أما باقي قطع الجيش السوري فيتم إضعافها وتخريب بنيتها كي لا تشكل خطراً على المنظومة الموازية ولأسباب أخرى نذكرها بتفصيل أكبر  ولذا تختار قيادة وحدات الجيش  الفاعلة من الكتلة العصبية ( الطائفة العلوية) أساساً ويكون الولاء فيه شخصياً (وليس بحسب التراتبية العسكرية). من الوحدات العسكرية التي تعتبر القوة المسلحة للمنظومة يمكن أن نذكر سرايا الدفاع  التي شكلها رفعت الأسد والتي تم تفكيكها بعد رحيله أو كالجيش الهندسي الذي شكله باسل الأسد وتم تفكيكه بعد رحيله. والفرقة الرابعة حالياً بقيادة ماهر الأسد. بشكل مبكر بعد 2011 تم استخدام أشكال أخرى من القوة المسلحة كالشبيحة والميليشيات الأجنبية.

5. التحكم من خلال مؤسسات الدولة.

مؤسسات الدولة نفسها تقوم المنظومة الموازية بتطوير طرق إدارتها ولكن هذه المؤسسات نفسها تستخدم للتحكم بالفرد والمجتمع ويتم توظيف المؤسسات السيادية العليا للتحكم في المؤسسات الحكومية والخدمية وبالمؤسسات النقابية والخاصة وبمؤسسات المجتمع المدني. يمكن مثلاً لمخابرات أن تفرض على الجامعة أن لا تعطي وثيقة التخرج لطالب ما أو لمجموع طلاب الهندسة وقد يتم (أو لا يتم)  تغطية هذه الأوامر من خلال قرارات إدارية وغالباً القرارات التي فيها شبهات قانونية تمر عبر قنوات خاصة للبريد تدعى " البريد السري" كما يوجد ما يسمى ب "البريد المكتوم" . إن طبيعة حياة الإنسان هي العيش ضمن جماعة ولقد تطورت الجماعة الإنسانية منذ بدء الخليقة ليولد شكل الدولة الحديث عبر مؤسسات تؤمن الخدمات المعقدة للبشر ويكون كل إنسان عضواً مختصاً في إحدى هذه المؤسسات. المنظومة الموازية تقلب المؤسسات فبدلاً من أن تكون المؤسسة وسيلة لتأمين الخدمات المعقدة المتنوعة للإنسان تصبح وسيلة لإذلاله فتستطيع المخابرات عن طريق المدرسة الحديثة ان تفرض على الطلاب أن يقولوا كل يوم "قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد" وتستطيع عن طريق الخدمة الإلزامية أن تفرض على الإنسان أن يكون عبداً مسخراُ لصالح الضابط وتستطيع عن طريق مؤسسة عمله أن تفرض عليه أن يخرج في المسيرات وتستطيع عندما تغضب عليه أن تمنعه من ان يأخذ شهادة ميلاد أو جواز سفر لكي يستطيع مغادرة البلاد وتستطيع إن رغبت قطع الماء والكهرباء والهواء عنه. 

6. التحكم بمصادر المعلومات:

يتم التحكم بنوعين من المعلومات : معلومات المفاهيم ومعلومات الأفكار. حيث يتم التحكم بعقول الناس وزرع المفاهيم لديهم خلال التحكم الطويل بالمعلومات المتراكمة التي تدخل بالأذهان حيث يتم التحكم لزمن طويل  بالمناهج التعليمية وبالمعلومات التي يبثها ما يسمى برجال الدين والمدارس والكتب كما تخضع الملصقات في الشوارع والمحاضرات في المراكز الثقافية والنقابية والاجتماعية وكل مصادر المعلومات الأخرى  لتدقيق شديد ولصياغة موجهة يجعل الفرد حبيس تصورات عجيبة فهو يظن مثلاً (إلا من رحم ربي)  أن أوربا تتحكم فيها الديانة المسيحية وهو يظن ان أراضي سوريا خضراء وهو لا يعرف شيئاً عن تاريخ سوريا قبل الأسد وهو قبل كل شيء يظن بأن الرئيس له صفات الإله وهو منزه عن العيوب ولذا مجرد فكرة تغييره يستغفر ربه من مرورها بخاطره وهو يعتقد ان إدارة مؤسسات البلاد هي نوع من القضاء والقدر الذي لا تتدخل فيه إرادة الناس وتعاونهم وجهودهم لذا فبالصلاة يمكن أن يشرح الله قلب الحاكم ويرزقه البطانة الصالحة التي ستصلح البلاد. كما يظن المؤمنون من كل الملل والنحل (وكذلك الملحدون) أن الرئيس رمز الإله (ورمز التحرر من الدين). وهم يعتقدون أن المال والشهادات إنما هي أعطيات من مؤسسات الدولة. ولذا تجد أكثر السوريين إذا خرجوا إلى أحد البلدان يصابون بصدمة في بادئ الأمر ثم يظنون أن البلاد التي خرجوا إليها أكثر بلدان الدنيا تنظيماً وهم لا يدركون أنه واقع الحال في معظم بلاد الله. إن التحكم بتصورات الناس وتجهيليهم بالية عمل المؤسسات وتغييبهم عن الطريقة التي يتم بها التحكم بالبلاد دمر قدرتهم على تطوير أنفسهم على المستوى الشخصي والجماعي وأثر على وعيهم لاليات تحررهم. التحكم بالعقول من بمصادر المعلومات ذات الأثر المباشر وعزل الناس  مؤسسات الإعلام العامة والخاصة مثل قنوات التلفاز والصحف ومصادر المعلومات الأخرى. أما مصادر المعلومات المباشرة كالأخبار فتحاول المنظومة الموازية احتكار صياغة الخبر (سواء أكان صادقاً أو كاذباً) بالشكل الذي يوجه المجتمع نحو الوجهة التي تريدها.

أدوات المنظومة الموازية تحتاج لدراسة مفصلة علينا جميعاً أن نتعاون على فهم تأثيرها في كل واحد فينا وعلى تأثيرها في الإنسان الفرد وفي المجتمع وعلينا جميعاً أن نتعاون لنشفى من تلك الآثار ولكي نستخدم الأدوات الهائلة بين أيدينا كي نعطل تلك الأدوات القاتلة. بشكل خاص سأركز على الحلول التي يمكن لأي منا تطبيقها. أرجو من أي شخص قادر على إغناء هذه المقالات أن لا يتردد بذلك فهو فرض وواجب عليه

25- هذه هي الحلقة 25 من سلسلة كيف نحل مشكلتنا؟