أزمة الدين

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث

20 يناير، 2019، الإلحاد وازمة الدين في الثورات العربية

تعليق على فيديو الجزيرة "في سبع سنين"

الثورات تخلخل المنظومات ويصعب توقع النتائج. الفيلم ليس في اي تحليل، التحليل متروك للمشاهد، واعتقد ان صانعي الفيلم يميلون الى اعتبار الحالات المعروضة على انها حالات تشوش فكري من انحياز نحو اعتبار الفكر الاخواني مرجعية للتقييم. بغض النظر عن صانعي الفيلم، الحالات المعروضة حالات مثيرة للفكر والتحليل. بالنسبة لي كلها حالات انفجار بكل ما يعني ذلك من تهديم وخلخلة وما يتبع ذلك من احساس بالحرية او احساس بالخذلان او احساس بالغضب. ولذلك لا ازال اقول، الثورات شاملة بطبيعتها وعشوائية. من يخرج للثورة عليه ان يقبل بكل النتائج مهما كانت غير متوقعة. كل من يحاول ان يحصر الثورات في ايديولوجيا معينة هو مجرد متسلق. في النهاية، من يفلح في الحصول على سلطة القمع يضع حدا لانفجار الخيارات ويبني المنظومة التي تحد هذه الخيارات. لكن بالعموم الخطاب السائد عن كل هؤلاء الشباب هو خطاب ديني حتى ولو ثاروا على الدين نفسه. نحتاج الى عقود لخلق فضاءات فكرية اخرى جديدة متحررة من ثنائية الخضوع للاله او الثورة على الاله، هناك خيارات اخرى في الحياة. كل الحالات المعروضة هي اما ثورة على الاله لانه خذلهم او اندفاع نحو الاله لان المجتمع خذلهم. حتى الشابة التي تركت الدين تحس بالوحدة لانها اكتشفت ان التدين كان وحدة مقنعة، لا احد في النهاية يقف الى جانبك. الالحاد احيانا مجرد حسرة على فقدان الاله او نقمة على الاله ووعوده التي لا تتحقق. لكن هناك فعلا خيارات اخرى. الثورة ليست الا نقطة بداية، نقطة الانفجار، حين تنفجر الحتميات والثوابت، حين تنفجر المنظومة.

ملاحظات هشام غانم: ملاحظات سريعة وانطباعات أولية حول الفيلم الوثائقي "في سبع سنين":

١- الفيلم مشتت ولا يوحد فكرة مركزية أو خيط يجمع أفكاره المتناثرة. صحيح أن "التحولات" الفكرية للشباب هي ما قد يلاحظ المشاهد أنها جوهر ما يريد الفيلم قوله، إلا أن "التحولات" هذه موضوع عريض وواسع ومن الصعب تناولها في فيلم مدته أقل من ساعة. ببساطة فكرة الفيلم مشوشة حتى في رؤوس صناعه، ولو لم تكن كذلك لاختاروا له اسماً معبرا عن مضمونه، وليس عنوانا عريضا يعبر عن فترة زمنية كبيرة.

٢- مفهوم أن يجري التركيز على جوانب فنية أو شكلية في الفيلم، مثل زوايا التصوير والمؤثرات الصوتية واللقطات "المؤثرة" والتكوينات الجميلة، لكن ذلك كان على حساب أمور جوهرية كثيرة.

٣- يستفظع صناع الفيلم ويستهولون اتجاه الناس للإلحاد، وينشرون في نهايته إحصائيات ونسب. وهذا كله، في زعمي، ضئيل الأهمية. فلا الإلحاد ولا الإيمان ولا اللأدرية أو اللا اكتراثية تجاه الدين والخالق، أمور خطيرة. ذلك أن المجتمعات كلها، تحوي كل ما سبق وبنسب أعلى كثيرا مما هي في البلدان العربية والمسلمة. المهم لماذا يؤمن الناس عندنا ولماذا يلحدون. أهمية هذا السؤال تأتي من كون أسباب الإيمان والإلحاد عندنا تختلف عنها (إلى حد كبير) في بقية العالم، ويرتبط ذلك بالواقع السياسي بالدرجة الأولى. ففي بلداننا، وفي مصر على وجه الخصوص، يؤمن الناس بالخالق كما آمن الناس أول مرة في العصور البدائية، أي خوفا وطمعا ودرعا في وجه طغيان سياسي يكاد يكون ميتافيزيقيا من هول انتشاره وثقل وطأته واستحالة زواله فلا يُرد عليه إلا بعمل من صنفه، أي التضرع للسماء للوقوف في وجهه. وللأسباب نفسها أيضا يصير الناس ملحدون في بلدناننا ويتحول واحدهم إلى "داعية" ملحد، أي الواقع السياسي المادي الذي يستهلك أرواحنا ويسرق أعمارنا فلا نجد ملجأ منه أو جوابا عنه إلا في الدين والإلحاد. أن يستحوذ الدين (والإلحاد) على تفكيرنا ومحيانا ومماتنا فذلك لأن لا حياة لنا نحياها أو حتى نعيشها، بالمعنى الوظيفي البدائي للكلمة. أو بكلمات أقل، لأن واقعنا السياسي غير طبيعي وغير معقول، فإيماننا وإلحادنا غير طبيعي وغير معقول وفيه الكثير من السم والتسمم.

٤- هذه النقطة متصلة بالنقطة السابقة، الشباب والبنات الذين ظهروا في الفيلم، ملحدين ولا أدريين ومتحولين وجهاديين، تغلب عليهم الطيبة والنقاء والجمال. وهذا يثبت للمرة الألف أننا شأننا شأن بقية البشر، أناس عاديون ولنا ما للناس وعلينا ما عليهم ولسنا استثناء، وتاليا ليس فينا خلل جوهري متأصل يحول بيننا وبين الحياة الطبيعية سوى حفنة من الطغاة والعساكر.

٥- الحسنة الوحيدة المهمة للفيلم أنه استطاع النفاذ إلى مجموعة من الشباب الشجعان الذين تكلموا في أمور محرمة ومن النادر جدا أن تظهر للعلن بهذا الوضوح.