فلسفة

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث

21 آذار 2018، في فلسفة الوجود

في فلسفتي، هناك نوعان من الوجود، الوجود الكائن والوجود الواعي. الاول لا اعرف من اين اتى ولا يجب ان يهمني ولا اعرف الغرض من وجوده ولا هو كذلك يعرف، والثاني هو الوجود الانساني المدرك لانسانيته والذي يعرف تماما من اين اتى ولماذا هو موجود. انه اتى من العقل المتعلم والروح الشاعرة، وهو يعرف انه موجود ليتعلم ويدرك ما حوله ويدرك ذاته، ثم هو موجود ليشعر ويتسع شعوره. الاول يشمل الكون والطبيعة والنبات والحيوان والجسد البشري. انه وجود مستمر وممتد اي مادي، ولا يمكن ان لا يوجد، او كما كانوا يقولون موجود لذاته وبذاته. اما الثاني فيشمل الوعي البشري والاحساس ولا اسميه الروح لان الروح بالاعتقاد الديني هي من نمط الوجود الاول، وهو وجود مؤقت ومتقطع، ويمكن ان لا يوجد. في الحقيقة، انه وجود مشروط بالانسان وبالعقل ولا يوجد خارجهما، يحيا ويوجد بحياة الانسان، الفرد والجماعة والنوع، ويموت بموته. انه عالم لا متناه، متنوع، دائم الخلق، دائم التوسع. الوجود الاول مكون من عدد محدود من العناصر، اما الثاني فلا نهاية لعدد عناصره، هذا ان كان فيه عناصر. لا اعتقد ان الوجود الاول معجزة فهو محكوم بقوانين صارمة لا تتغير، اما الوجود الثاني فلا مثيل له فهو دائما متجدد ولا تحكمه قوانين. الوجود الاول ليس له غاية، ويعتقد البعض بوجود اله خارجه خلقه ويتحكم فيه ويعطيه غاية. لكني اعتقد انهم مخطئون، انهم يسقطون الوجود الثاني على الاول ويجعلون الثاني تابعا للاول. لكني اعتقد ان الغاية موجودة فقط في الثاني، انه الوجود الذي يحس بوجوده ويسعد بوجوده ويدرك وجوده ويطور وجوده ويوسع وجوده ويعطيه غاية ان اراد. الارادة ايضا موجودة في الثاني وحده وليس خارجه. اعترف بالوجود الاول واحس به واشعر بوطأته، واستخلص منه السحر والالم، لكني مشغول تماما بالوجود الثاني ولا احس بالسعادة الا فيه، انه الابهة كلها، الاعجاز كله، السحر كله، الوجود الحق، الوجود الذي ليس كمثله شيء، انه اعلى القيم، وغاية الوجود، وموطن العلم، ومنبع الاحساس. ولا اعني الاله، بل اعني العقل البشري. وليس كل عقل بشري، فانا اكثر نخبوية من هذا، واكثر تمييزا وعنصرية، انه ما يسميه نيتشه الانسان الاعظم، وما سماه القدماء الانسان الكامل. لكنه اكثر انسانية من انسان نيتشة واكثر واقعية من الانسان الكامل. انه العقل العطوف الذي يحس بعقول الاخرين، الشغوف الذي يذوب في لحظة الابداع، الرؤوف الذي يساعد الاخرين، المتعلم الذي ينتج معارف لا تنتهي، المبدع الذي لا يتوقف عن الخلق، المفتون الذي يسحره الفن، العاشق الذي يعيش على الحب، الدؤوب الذي لا يكل من العمل، الحي الذي لا يجد مفرا من التفاؤل، الانساني الذي لا يرى قيمة اعلى من الانسان والحياة، والقنوع الذي يعرف ان الموت حق لكن يعرف كيف يموت على انسانيته. ليس كل انتاج العقل البشري يدخل في حيز الوجود الحق، بل فقط ما وصفته اعلاه. وما هو خلافه من نتاج العقل البشري فهو بالنسبة لي في الوجود الاول. لا اعرف تماما اذا كانت فلسفتي من عوالم الثنوية حيث الوجود الاول مادي ويقابله الشرير والمظلم في العقل البشري، وحيث الوجود الثاني روحاني نوراني. يبدو لي منطقيا ان اقول بالصراع الابدي بين النور والظلام، بين الاخلاق الرفيعة والوحشية، بين الانسانية واللاانسانية، لكني لا اريد انتاج انبياء او معلمين مثل زرادشت او بوذا. لكن لا انكر تعاطفي مع مبدا الزردشتية، خاطرة جميلة، كلمة طيبة، عمل صالح. ولا انكر اني احارب الاشرار والفكر الشرير المنافي للوجود الحق لكني لست في حرب كونية ابدية معه. قد يستنتج القارئ اني مثالي اخلاقي روحاني حالم. ثم يقرا ما اكتب حيث اذم المثال واؤمن بالمنظومة، واعطل الاخلاق في سبيل استقرار المنظومة الاجتماعية، وابتعد عن روحانيات الاديان الغائمة، واشدد على الواقعية الى درجة انعدام الاحساس. فهل هناك تناقض. لا، بالنسبة لي لا. الوجود الثاني خيار، فمن صفاته الارادة، والوجود الثاني مؤقت ومتقطع، وهو يتوسع بقدر ما تعمل عليه وتخلق فيه اركانا جديدة، انه وجود تدعو الناس اليه ولا تجبرهم عليه، وهو وجود مشروط بالانسان وبالمجتمع ولا بد له من ان يتعلم ويعي الوجود الاخر القائم على المنظومات والقوانين. الوجود الثاني عمل، هدية، دعوة يوجهها اليك اخرون وتوجهها الى اخرين. لست في حرب مع الشر، لكني احيانا اتمنى الموت لبعض الناس المجرمين ولا اعتقد اننا موجودون في نفس العوالم، لكن حتى احافظ على الوجود الثاني لا بد لي من الخروج من جنته والتعامل مع الوجودات الاخرى، ولذلك اتعامل معها دون احساس واعتقد دائما اني قادر على فهمها وتطويعها الى ان اغيرها او تقتلني. لكني اعرف دائما اين جنتي وكيف اصل اليها ولا احتاج غيرها غاية وادعو اليها كل العقول الموجودة حقا. محاولة فلسفية.


حسام الدين درويش شكرًا على مشاركتنا هذه الرؤية المثيرة للاهتمام والتفكير ... على المستوى الاولى أرى ضرورة تفكيك هذه الثنائية والتفكير في مدى تداخل الوجودين واعتماد كل منهما على الآخر في وجوده وتأثير كل منهما في الآخر. أما على مستوى التفاصيل فالحديث يطول لكن أكتفي بالقول بمدى اختلافي معك في نخبويتك في خصوص العقول، وفي إقصائك الأخلاقي للأخلاق وفي مبالغتك في التركيز على الكليات والشكليات بعيدًا عن الجزئيات المتينة والمضامين الحية. أخيرًا أتمنى لك كل السعادة في وجودك المزدوج الوجود.


Ahmad Nazir Atassi اتمنى لو تفصل، لم اكتب مثل هذه النصوص من قبل. لكن البارحة سمعت غناء وتاثرت به كثيرا، ثم فكرت باحوالنا وكيف يمكنني ان اعيش في هذا العالم الغريب الذي يحتوي هذا الجمال وذاك الاجرام. كيف يمكن لاختراع علمي مثل القنبلة ان يستخدم لقتل كل هذا العدد من البشر. العالم فنان ايضا وعندما ترى قوانين الطبيعة امامك وتلعب بها لتخلق شيئا محكما فان شعور العالم المخترع لا يختلف عن شعور الفنان. لكنه في النهاية يعرف ان كرة النار التي لعب بها ستقتل الاف البشر. هذا الاختلاف بين الفنان المغني والفنان صانع الطائرة او القنبلة جعلني اترك الهندسة، على الاقل احد الاسباب. لكن ما كتبته ليس تحليلا للوجود، انما هو تحليل لوجودي انا، انها فلسفة مفصلة على مقاسي. اما اذا اصبحت فلسفة لكل الوجود فانا لا بد اني هتلر الفلسفة.لا اجرؤ ان اطرح المقولات لتحليل كل العقول، افضل ان اكون اقصائيا ونخبويا في عالمي الخاص فقط.


حسام الدين درويش النص يفيض "شاعرية" أو بالمشاعر على الرغم من تضمنه للكثير من الأفكار المثيرة للجدل والاهتمام وهو تعبير عن الذات أكثر من رؤية لموضوع خارج عنه أو هو تعبير عن موضوع بوصفه موضوعًا ذاتيًّا أو موضوعًا للذات. هذا ما ارتأيت أنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار في مناقشته، وهذا يعني أن المناقشة "العقلانية" الجافة له غير مصيبة بمعنى ما ومصيبة أو حتى كارثة بمعنى آخر. هذه الأفكار والمشاعر مناسبة جدًّا لسهرة يفضفض فيها الندماء في جلسات أشبه بالبوح والنجوى. الملاحظ هو التصنيف الثنائي القطبي، الذي يريد إقصاء طرف من دائرة اهتمامه وتسليط كل الضوء والاهتمام على الطرف الآخر. منطق الأبيض والأسود هذا هو منطق الرغبة (الرغبة في مقابل الرغبة عن) وهو خيار شخصي لا أفضل كثيرًا مناقشة "حقيقته الموضوعية". لكن وجهة نظري لهذين الطرفين أكثر تعقيدًا وجدليةً فأنا لا أرى التناقض بين الطرفين هو مجرد إقصاء متبادل، بل أرى أن وجود كل طرف ومعناه مرهون بالطرف الآخر: فلا مجال لوجود عقل ولا معنى لهذا الوجود بدون جسد، كما انه لا مجال لوجود ذات ولا معنى لوجودها دون موضوع. والتداخل بين الطرفين كبير ووثيق لدرجة أن لاوجود لأبيض خالص ولا لأسود خالص، فنحن في منطقة رمادية غالبًا وغن تفاوتت نسبة السواد والبياض فيها. وثمة ثنائية أخرى بارزة ومثيرة للتفكير والاهتمام وتكمن في ثنائية المثالية والواقعية وهي ترتبط بثنائيات الفلسفة والعلم أو الأخلاق والمعرفة أو المبدئية والبراجماتية إلخ. وعلى العكس من الثنائية الاولى تبدو هذه الثنائية الجديدة (وهي ربما صورة من صورة الثنائية الاولى او امتدادًا لها) أكثر تعقيدًا وجدليةً. لكن يظل هذا الجدل أو التكامل بين طرفي الجدلية نسبي إذ يبدو غالبًا وجود توتر فيها وعند صاحبها في خصوصها. ويرتبط بالثنائية او الجدلية الأخيرة ثنائية الشكل والمضمون أو ثنائية المجرد والمتعين أو العام والخاص وعلى الرغم من نزعتك العلمية وربما العلموية وبسببها أيضًا فإنك تميل إلى الشكلي والعام والمجرد بحيث تهتم بالعلاقات بين العناصر بغض النظر عن ماهية هذه العناصر وذاتيتها الخاصة بوصفها كائنات فريدة ومختلفة عن بعضها البعض وأخلاقية ومريدة وهادفة ... إلخ. النص يغري بالقيام بالكثير من التأويلات والتأملات. لكنني سأكتفي الآن بملاحظة أخيرة. على الرغم من قولك إن هذا النص هو محاولة جديدة وغير مسبوقة لديك في هذا الخصوص إلا أنني أرى أن ملامحه وأفكاره ومشاعره متغلغلة في الكثير من بوستاتك ونصوصك الفيسبوكية السابقة. قد يكون هذا النص هو إنضاجًا لما يتم طبخه فيك ومن خلالك.

Ahmad Nazir Atassi شو بيقول الواحد بعد هيك تعليق، شكرا او يعطيك العافية او بكرة بفرجيك هههه. حكيك صحيح، ثنائيات الجسد والعقل، وحتى العقل اليومي والعقل المتسامي، الوجود المفروض والوجود المراد، الرغبة عن والرغبة في.ثم هناك ثنائيات العلم والفلسفة حيث الجسد موضوع العلم والعقل موضوع الفلسفة، المعرفة والاخلاق، البراجماتية والمبدئية، الواقعية والمثالية، ثم ثنائية الشكل والمضمون، المجرد والمتعين، والعام والخاص. جميل، سافكر فيها، لكن لن اكتب النتيجة الا بقدر ما تؤثر على كتاباتي الاخرى غير الذاتية. طبعا كما وجدت فان النفس او العقل كل لا يتجزء وكل انتاجاته ذاتية بشكل او باخر سواءا تحدثت عن ذاتي او تحدثت عن الرياضيات او تحدثت عن الدولة السورية، كل الطروح لها دمغة مميزة من ذاتي في التعامل والموضوع. لكن وحتى اكمل تحليلك فانا اصارحك اني اعاني من داء القلق والهلع، اي قطبية المزاج والمشاعر ولا واقعيتها وتطرف التصرفات. ثم انتقلت من حمص الى باريس، ثم انتقلت من الرياضيات الى التاريخ. حياتي كلها قطبية وتطرف. لكن ليس هذا لب الموضوع فاي مفكر او فنان او عالم او حرفي يضع ذاته في انتاجه، ولا نحكم على انتاجه من منطلق كونه سوي او متوسط او غير متطرف. الحياة كلها او على الاقل حياتي ليست في انتاجي وانما في تفاعل الانتاج مع الانتاجات الاخرى. نعود الى ثنائية العلاقة والمضمون. وقد ننتهي بثنائية الحياة والموت، التصالح مع الحياة او التصالح مع الموت، كما قلت انت في لقائنا في المانيا. الامر الاخير هو اني طرحت تحديا فلسفيا بان تحدثت عن ذاتي في خضم ماساة عامة، اي خارج ذاتي. التحدي هو مقولة لا يوجد شيء في عالم الانسان سوى الانسان، ولا شيء في عالم الانسان يستحق الحياة الا ما هو انساني بحت وذاتي بحت، اي المشاعر. نحن لا نعيش للطبيعة الا بما هو حيواني فينا، اما ما هو عقلاني فنعيشه من اجل بعضنا البعض. فماذا نفعل بالواقع الموضوعي الخارج عن نطاق المشاعر، ماذا نفعل بالمجرمين والقتلة والمعذبين والمذلين وبافعالهم وكلماتهم، اين هي في فضاء الانسانية الحقة. ثم كيف نحل مشكلة الموت ولا المذلة، كيف نسعى الى الوجود الحق اذا اخترنا الموت بسبب المذلة، اي بسبب ما هو شعوري.


مراد بنيس نص جميل جدا نجد فيه كود الDNA المميز لكتاباتك التي تبدو أحيانا لا إنسانية بواقعيتها الصمّاء وأحيانا فائضة بالرقة والاحتفاء بالجمال. ومن زاوية هذه الفلسفة يمكن أن ننظر إلى الأديان الإبراهيمية على أنها تنطلق بالضبط من نفي هذه الثنائية عبر إله "عابر للعوالم" حيث تؤدي أحداث في العالم الثاني (تخلي مجموعة من الناس عن أخلاقيات أو أفكار معينة) إلى خلخلة العالم الأول (هبوب ريح أقوى من المعتاد، حدوث فيضان أو زلزال...)


Ahmad Nazir Atassi شكرا مراد، شهادة اعتز بها. اكيد انك فهمت كم احاول ان اعزل الانسان عن اله ابراهيم وان اعطي الانسان مكان الصدارة لكي يفهم من هو وماهي قدراته وليستوعب انه وحيد في الكون وان وحدته وليس وحدانيته ليست بحاجة الى الهة لتعطيها معنى من خارجها. كم اخذت معك من الوقت حتى استعدت انسانيتك بعد صفوف الرياضيات التحضيرية الفرنسية


مراد بنيس أعتقد الثقافة السائدة في المنطقة التي نشأت فيها لا تساعد على إعطاء الإنسان الصدارة، لذلك فإن مختلف مراحل التعليم لا تفعل سوى ترسيخ ما هو موجود أصلا. أما الانعتاق من تلك النظرة التي تجعل الإنسان وسيلة وليس غاية فقد جاء -يا للغرابة- إثر عودتي لبلدي بعد سنين من الغربة (ربما لأنني أخذت أفتقد قيما بديهية في الغرب وغائبة عندنا)

22 تشرين الثاني 2018، سؤال "لماذا؟"

عبقري الفيزياء الرائع(Richard Feynman)يشرح مدى عمق السؤال لماذا؟؟

لا يوجد جواب على سؤال لماذا الا في اذهان الفلاسفة والاديان. الكون علاقات وليس ماهيات.

20 آذار 2018، فلسفة الموت

سأل الصديق حسام الدين درويش الاسئلة التالية عن فكرة الإنسان عن الموت وموقفه منها (نعم للإنسان موقف من الموت). وأحببت أن أشارككم إجابتي ليس لأني اريد أن أثير النقاش لكن لأني أريد أن عرض أجوبتي على المسألة الفلسفية لعل البعض يراها مفيدة كما كانت لي شخصياً. وللسؤال قيمة كبيرة اليوم بعد كل الآلام والموت التي عانهاها السوريون. سؤال حسام السؤال الفلسفي الأساسي أو الوحيد من وجهة نظر ألبير كامو هو "هل الحياة جديرة بأن تعاش أم لا؟" هل يوجد برأيك إمكانية تعايش غير ديني او لا-ديني مع فكرة الموت؟ ومع ليفيناس ودريدا وغيرهم ومع التفكير والتفكر، تزايدت القناعة بان الموت الذي نواجهه فعلًا ويؤثر فينا تأثيرًا حاسمًا هو موت من نحب، وليس موتنا الخاص. فبموتهم نستمر على قيد الحياة لكننا لا نعود مطلقًا إلى الحياة كما كانت قبل موتهم، أما موتنا، فعلى رأي أبيقور فنحن لا نلتقي به مطلقًا ومن ثم لا داعي للخوف منه: فحين يوجد ينعدم وجودنا، وحين نكون موجودين فهو غير موجود ...! قيل إن للدين ميزة تسكين أو تخفيف قلق الموت بالحديث عن وجود "حياة بعد الموت". لكن هل يتصالح المتدينون فعلًا مع فكرة موتهم الخاص؟ وهل يرتبط هذا التصالح بمدى إيمانهم مثلًا؟" جواب أحد المعلقين (إسمه الفيسبوكي جك روزا)، فقد أعجبني: "من الظلم بمكان أن يبقى مجرد بوست تحصد من وراءه بضعة لايكات، فأرجو أن تتطور الفكرة الى كتيب أو كتاب يشبع نهم قلقنا الوجودي، ولك منا خلودا لذكراك بذاكرتنا نحن الشبقيون للحياة دمت حساما مهندا يهوي على الظلم. واحلى ابو ريمي" جوابي على الاسئلة: يحرق حريشك ايه اصعب من اسئلة الفلسفة في البكالوريا الفرنسية. بالنسبة لي عانيت من الموت بطريقتين الاولى موت من احب واعني والدتي حين كانت في عز شبابها ومن ثم حالات الهلع التي تنتابني (وهو مرض عضوي يتمظهر نفسيا) والتي تتمحور حول الموت، وهي تشبه باعراضها الجلطة القلبية.

  • وبعد سنين من الصراع الداخلي بدا لي ان موت الاحبة تعانيه في عقلك الواعي واللاواعي، اما موت الذات فتعاني من الخوف منه على مستوى اللاوعي فقط. حالات الاضطرابات النفسية بعد الحوادث المفجعة PTSD مرتبطة باللاوعي، باعتقادي، وتبدأ وتنتهي هناك.
  • الحياة موجودة لانها موجودة، ليس لانها جديرة بان تعاش او لان لها غاية او لانها تنتهي بالموت.
  • الهوس بالموت هو علامة خلل (واقول خلل لأنه قد يؤدي إلى الموت) في توازن الانسان النفسي (لكنه في الحقيقة هو مجرد عدم توازن بين غريزتين الموت والحياة). ولا اقول مرض. الانسان في عقله يوازن بين الخوف والامان، الحياة والموت (حتى يجد القدرة اليومية على الحياة) ودائما يستعيد توازنه بمحاكمات منطقية بسيطة او حتى غير منطقية، المهم "يضحك" على نفسه ليستعيد أمله بالحياة. من ناحية إحصائية بحتة، إذا قارن الإنسان بين المخاطر والمحاسن فإن الحياة تبدو مغامرة خاسرة لا يقوم بها إلا المجانين.

صاحب الخلل لا يحصل عنده هذا التوازن فيبقى حبيس القلق الوجودي. طبعا هذه الحالة مفيدة جدا للفلسفة لانها تُخرج الى حيز الوعي ما كان محصورا في حيز اللاوعي او المنسي او المتناسى. هذا الانسان يحتاج الى محاكمة منطقية معقدة ليستعيد توازنه النفسي (غالباً غريزة الحياة أقوى، لأن حالات الإنتحار تبقى ضئيلة)، وبالتالي فإنه يخرج الى العالم بمنظومة فكرية تبرر الحياة (او تبرر الموت، أحياناً).

  • لكن من وجهة نظر الكون فالمادة والطاقة محفوظتان ولا يوجد ضياع وبالتالي فالحياة والموت شكلان للمادة لهما نفس القيمة.

أما الدين فيقدم المحاكمة "غير المنطقية" (من وجهة نظر إحصائية) التي ذكرتها سابقا بان يُقنع المتسائل بأن الموت عدو يمكن قهره بقوة الاله وأن الحياة أعلى شأناً من الموت لأنها ثواب بينما الموت عقاب أو فرض. وقد يستغل الدين هذه المحاكمة ليطلب من الانسان الخضوع والطاعة لسلطة الإله (وبالتالي لسلطة رجال الدين). وهذه الطاعة ايضا نتيجة غير منطقية للمحاكمة، فقرار الحياة او الموت بيد الاله، وعملية المقايضة، أي "الحياة مقابل الطاعة والعبادة"، لا معنى لها إلا من وجهة نظر الانسان والمجتمع (لأنها تضبط سلوك الإنسان) وليس من وجهة نظر الاله (فالإله لا ينتفع من الحياة أو الموت بشيء، ولا يضرانه أيضاً).

  • واعتقد ان الدين لا يحل مشكلة التساؤل عن الموت والخوف منه، فهو لا يمنع الاختلال العضوي مثل القلق والهلع، ولا يقلل من خوف أغلب الناس حين يواجهون الموت (طبعاً الدين قد يساعد بعض الناس في تفادي هذا الخوف، لكن منشأه العضوي قد يغلبهم في النهاية). وادبيات "الهلع عند الموت" الاسلامية من العصور القديمة كثيرة ومثيرة في معالجتها للموضوع (كتابات ابن أبي الدنيا مثلاً).
  • نجاعة الدين في هذا الشأن، إذا وجدت، لا تأتي من تناغم داخلي او منطق داخلي عالي يقهر الخوف العضوي وانما من التربية. الولد يقتنع بان الاله سيحميه من الموت لان اهله يربونه على ذلك. الإنسان يتخلص من الخوف بقدر ما يساعده أهله وهو صغير على مواجهة الألم بطريقة ناجحة. الاولاد الذين يتربون خارج الاديان يتعاملون مع مسألة الموت حسب تربية الاهل وحسب شخصياتهم ودرجة هوسهم.
  • لكن هناك جانب مهمل وهو ان الخوف من الموت موجود عضوياً، لكن التجربة الاولى لهذا الخوف تحدد ابعاد التجارب التالية. الانسان يخاف من تجربة الخوف اكثر من الموت نفسه فالانسان لا يمارس الموت ولا يحس به. بينما يمارس الانسان الالم قبل الموت ويخاف منه، لكنه لا يفصل بين الشيئين اي الموت والالم قبل الموت. الفصل بينهما مفيد.
  • بالنسبة لي انا اخاف من موت الاحبة ومن الالم الشديد والعذاب قبل الموت. الموت بحد ذاته لا يعنيني الا بقدر ما يعاني منه احبتي.
  • لكن هذا لا يعني اني بريء تماما من الهوس بثنائية الفناء والبقاء (أي الموت كانتهاء لعمل الإنسان ووجوده المادي ومن ثم نسيانه بعد جيل أو جيلين بالاكثر). هذا الهوس لم اختره فهو جزء من الهلع الذي أعاني منه. لكني اعتقد أن القلق من الفناء ليس معاناة من الالم وانما معاناة من المعنى. الناس مصممون على فكرة المعنى او ان المجتمع مصمم على فكرة المعنى. واعتقد ان المجتمع هو الذي يدفع باتجاه المعنى لان المعنى يبرر المنظومة الاجتماعية. المعنى ليس في الشيء، اي الحياة، وانما في الجهد الذي نبذله فيها. انها مسالة مقايضة، أي "هذا مقابل ذاك"، أي " معنى مقابل الجهد". المعنى لا وجود له خارج الإنسان وهو مرتبط بنوع نفعي، أو غائي، من التربية والثقافة، اي بفكرة ان لكل شيء غاية وسبب ونتيجة وجزاء وعقاب ولا شيء يوجد هكذا دون غاية (الدين يشجع على هذا النوع من العقلية، لكنه ليس الوحيد. الأهل كذلك، لأن التربية غالباً تقوم على منظومة ترهيب وترغيب وثواب وعقاب، أي شيء مقابل شيء).
  • وحتى لو قبلنا بوجود المعنى (دينياً أو خارج الدين)، فإني اعتقد ان المعنى يأتي من اعتراف المجتمع وليس من اعتراف الاله. الدين يؤكد ان الاله سيعترف بالجهد من خلال الحكم على الاعمال، غالباً في وقت لاحق (لا أعرف لماذا يحاكم الإله بالجملة وفي وقت واحد). انها طريقة ذكية في استخدام هذا السؤال من اجل ضبط المجتمع اخلاقيا.
  • لكن مع ذلك لا ينتظر المؤمن الى يوم الحساب ليحصل على الاعتراف بل يريده الان ويسعى إليه تحت شعار تحقيق مجتمع الرب على الارض. الجهادي مثلا لا ينتظر وانما يفعل الان وقسرا، انه بالفعل اقل الناس ايمانا بمقايضة العمل بالحياة الابدية انه يفضل مقايضة دنيوية

20 آذار 2019، معرفة الفلاسفة

قرأت بوستاً لصديق فيسبوكي يتذمر من ممارسة يقوم بها بعض (أو كثير من) المثقفين العرب تجعله يشعر بان القارئ سيقيمه سلبياً بسببها. وأعني ممارسة ذكر أسماء الفلاسفة هنا وهناك مثل ريكور ودريدا وهيدغر وغيرهم من فلاسفة القرن العشرين. بالنسبة لي كنت مهندس ودرست رياضيات وفيزيا ثم انتقلت إلى التاريخ ودرست بعض نظريات فوكو وإدوارد سعيد وحضرت دروساً (جهد خاص لأن المؤرخين يكرهون التنظير) في السوسيولوجيا والدراسات الدينية. بالمحصلة الجو العام للأكاديميا يعطي أفكار هؤلاء الفلاسفة في حدود موضوع الإختصاص دون أن يعطي اسماءهم. لكن في أجواء المثقفين العرب لا يزال ذكر الإسم مهماً إما كمرجعية او كإحالة أو فقط للمنظرة. فماذا يفعل أمثالي وامثال ذلك الصديق الفيسبوكي الذي لا أعرفه شخصياً، وهو يعتقد أن لديه أفكاراً جديرة بالقول والإستماع لها. وكذلك اعتقد أنا. هل أطلب من المثقفين والكتاب العرب أن يخففوا ذكر الأسماء أم أطلب منهم توضيح الفكرة مع ذكر الإسم وليس فقط الإحالة، أم أهاجمهم كاستراتيجية لاحتلال مساحة من المستمعين والمنابر. قد يقول قائل، ادرس كتابات هؤلاء الفلاسفة وابدأ بذكر الاسماء كعادة أهل القرية ممن شربوا من البئر المسمومة. جوابي هو، أنا قضيت في التعليم مثل ما قضوا، أي من السنين، وأعتقد أني مؤهل وبالتالي سارد إليك سؤالك في النحر، لم لا يكتبون بطريقتي ويقرؤون الكتب التي قرأتها وهي غالباً لمختصين في مجال واحد وليس لفلاسفة. لكنها في النهاية تحمل أفكاراً عميقة وجيدة وذات جدوى ونفع. في الحقيقة منهجي وموقفي ليس هذا ولا ذاك. وأحاول فهم هؤلاء وأولئك ووجهة نظرهم ومصادر تحصيلهم العلمي (يعني علوم اجتماعية وتاريخ وفلسفة). أولاً، أعتقد أن أغلب المثقفين والكتاب العرب من خريجي الفلسفة وهذا اختصاص أخذناه عن الفرنسيين على ما أعتقد لشيوعه في القرن التاسع عشر وربما العشرين بين الكتاب والمثقفين هناك. ثانياً، التيارات اليسارية التي ينتمي كثير من المثقفين لها (ملاحظة غير مدعومة بإحصاء) تعتمد على كتابات ماركس وماركسيين وكلهم فلاسفة. وحتى لو كانوا سوسيولوجيين أو إقتصاديين أو انثروبولوجيين فكثير منهم لا يزالون يكتبون بنفس ماركسي. إذن الفلسفة لا تزال في منطقتنا سيدة العلوم كما كانت منذ أجيال (طبعاً في حلقات غير الفقهاء والمحدثين). ثالثاً، في النهاية، حتى غير الدارس للفلسفة لكنه كاتب بالعربية يلجا إلى قراءة الفلاسفة الشائعة أسماؤهم ليحق له ذكر اسمائهم (ماركات مسجلة). رابعاً، ملاحظة موجهة إلى الكتاب بالعربية. أعتقد أن كثير من المثقفين العرب ينتهون في فرنسا والمانيا (المدرسة القارية) ويتعرفون على الفلاسفة. لكن من يدرس في أمريكا، حيث لا مكان لشيء إسمه مثقف (المكان للمختص)، فإنهم ينتهون بدراسة اختصاص محدد. طبعاً الجانب التطبيقي من الإختصاص لن يسمح لك بذكر الفلاسفة، لكن إذا اهتممت بالقسم النظري فإنك لا بد ستدرس هؤلاء الفلاسفة وما قالوه في اختصاصك (وليس في اختصاصات أخرى) وسيمكنك اللحاق بالركب العربي المستمرئ لذكر الاسماء. ولهذا فإني أعتقد أن المثقفين الذين ينتهون في الولايات المتحدة ومثيلاتها سيبتعدون شيئاً فشيئاً عن الكتابة بالعربية. ورغم كثرة عددهم ووصولهم إلى مراكز أكاديمية عالية فإنك ككقارئ عربي لن تسمع بهم أو بنتاجهم الفكري إلا من رحم ربي وحالفه الحظ مثل ادوارد سعيد. عادة هناك حاجز زمني من خمسين إلى سبعين سنة بين القارتين أوروبا وامريكا وفي الإتجاهين فلا يقرا هؤلاء كتابات أولئك إلا لمن ذاع صيته وبعد ما لا يقل عن خمسين سنة من قمة انتاجه. إدوارد سعيد كتب في السبعينات ووصلت كتبه وانتشرت في بداية الالفية، وهذا إنجاز. خامساً، أرى أن من يفهم الاشياء بعمق يستطيع الحديث عنها باية لغة (اي اية مجموعة من المصطلحات المرتبطة بوسط ثقافي واجتماعي ما). لا اقول أن هذا شرط ضروري، لكن من توسع بعلم وخبره من جوانب متعددة يستطيع أن يبسطه وينقله إلى أي وسيط لغوي. لا بل إن المسالة ليست مجرد تبسيط بل لها مقابل نظري. يسمونها في الرياضيات بالتحويلات التقابلية. اي أنك تحول المسالة من مجموعة إحداثيات إلى مجموعة إحداثيات اخرى من خلال تحويل واحد-لواحد. المشكلة الكبيرة في العلوم الإجتماعية هي أن الوسيط التعبيري هو لغة الإنسان، وهو الاسواء من ناحية الترجمة من فضاء إلى فضاء آخر. فإما لا توجد ترجمة أو لا توجد مصطلحات كافية في فضاء المآل لنقل كل افكار فضاء المصدر. باعتقادي أن أي نظريتين تشرحان نفس المسألة فلا بد من وجود تحويل واحد-لواحد لترجمتهما الواحدة إلى الأخرى. وإذا عجزت الترجمة فلا مانع من الإسقاط أي انك تبدأ من فضاء بعشرين بعد وتسقط النظرية على فضاء باربعة ابعاد. مثلاً تنقل الفلسفة إلى الدين (لا يغضبن احد، الدين فلسفة قليلة الابعاد باعتقادي). إذن يمكن للكتاب المحبين لنثر الاسماء ان يشرحوا الافكار دون الإحالة إذا كانوا يكتبوا لمستمعين من عموم الناس أو من غير المختصين بالفلسفة. وكذلك، يمكن لدارس الفلسفة أن يترجم افكار المختص إلى فضائه الفلسفي دون كبير عناء وإلا فيجب عليه أن يعترف بانه ليس مختصاً بكل شيء (كما يفعل البعض لمجرد أن الفلسفة سيدة العلوم). سادساً، وهذا أكثر أفكاري إزعاجاً، أنا افضل الإختصاص على الفلسفة العامة. اعتبروني أنكلوساكسوني تجريبي أو اية شتيمة فلسفية، أنا أحترم الممارسة الميدانية أكثر من الممارسة النظرية وأحب الإختصاص أكثر من الموسوعية، وأعتبر أن الطريق الأنجع والأنفع يكون من الإختصاص إلى العموميات وليس العكس. وأحرض الكتاب العرب على دراسة العلوم الإختصاصية أكثر من دراسة الفلسفة. ليس هذا عداوة كار، وإنما لاني أحب الإنطلاق من الواقع إلى التنظير وليس العكس. أخاف جداً من الإنحباس في إطار التنظير المجرد والمنفصل عن الواقع. العقلانية بالنسبة لي (اي استخدام العقل) لا تعني الصحة. معيار الصحة هو مدى مشابهة النظرية للواقع وليس مدى منطقية النظرية. أعتقد أن العقل البشري ليس مصمماً لاكتشاف العلوم الواقعية وإنما هو مصمم لبقاء النوع البشري وبالتالي فإن مشابهة الواقع محدودة (أحمي نفسي من خطر الحيات فقط بأن أمثل الحية بخط متعرج يتحرك وأصفه بالخطير، وهذا اساساً سبب العنصرية، اي الإختزال والتعميم). أثق بالطريقة العلمية (وأعتقد أنها غير عقلية أو حتى غير عقلانية) وأكره منطق ارسطو الذي اعتبره قمة العقلانية وأقصى ما يمكن أن تصل إليه، وهو لا شيء مشابه للطبيعة والواقع، رغم نفعه للإنسان (وهذا سؤال آخر: كيف يمكن الإستفادة من معلومة خاطئة من منظور واقعي؟ مثال الحيات قد يساعد). أخيراً، نصيحتي للصديق الفيسبوكي، اترك الأسماء ولا تبحث عن الشهرة عن طريقها وركز على المحتوى وتحدى كل الهازئين أن يأتوا بمثله (أي التحويل التقابلي). المحتوى هو الحكم، والواقع هو آخر معيار. وفي النهاية كل ما كتب البشر وسيكتبون إنما "هي سطور كتبت لكن بماء".


حسام الدين درويش

يسلمو عالمنشور المهم ...! أزعم انني أتجنب غالبًا ذكر الأسماء بدون ان أحاول أن أتجنب هذا الذكر، لكنني لا أستبعد وقوعي أحيانًا (كثيرة!) في فخ أو إغراء ذكر الأسماء للفشخرة أو لجذب القارئ أو ما شابه. في منشوري عن الموت كان هذا السؤال حاضرًا لدي أثناء كتابتي للمنشور، في أكثر من طريقة. من ناحية أولى، وجدت انني ملزم بدافع الأمانة أن أذكر أنني تأثرت بفكرة ليفيناس ودريدا ان الموت هو موت من نحب وليس موتنا الخاص كما رأى هايدغر. ورأيت أن الأمانة المعرفية تقتضي ذكر هذه الأسماء ورأيت أن ذلك يتضمن فائدة ما على الأرجح. من ناحية ثانية، هذا ما فكرت فيه في خصوص ريكور أيضًا، لكن إحدى الصديقات انتقدتني بكل ود لانني ذكرت ريكور بهذه الطريقة (كيفية مواجهته للموت) ورأت في ذلك إساءة وتدخلًا غير محبذ في حياته الخاصة ...إلخ، وقد كنت مقتنعًا نسبيًّا بمعقولية موقفي لكنني خشيت من أن موقفها قد يكون معقولًا أكثر لهذا قمت بحذف اسمه في أكثر من موضع في المنشور. من ناحية ثالثة، كنت أخشى من امتعاض بعض القراء المحتملين من وجود أسماء قد يرونها غير ضرورية مطلقًا في هذا السياق لست متأكدًا من وجوب أو عدم وجوب ذكر الأسماء. وفي الواقع هذا الأمر يعتمد على القارئ المتخيل او المفترض، وأنا حتى الآن لست متأكدًا من نوعية القارئ المفترض لمنشوراتي الذي ينبغي لي ان آخذه في الحسبان: فأصدقائي متفاوتون أو مختلفون في كل شيء تقريبا وهم متنوعون إلى درجة هائلة. والبارحة انتقدني بلطف أحد الأشخاص لان منشوراتي طويلة من وجهة نظره وهي لا تراعي أن الفيسبوك فيه منشورات كثيرة ولا يحتمل هكذا منشورات طويلة من وجهة نظره. أنا شخصيًّا رح أفكر بالأمر لكنني مبدئيًّا لا أرى إمكانية وجود توجه إيجابي واحد دائمًا في كل السياقات الفيسبوكية. يسلمو مرة تانية وعشرطاعش

25 آذار 2019، فلسفة الأديان

كل الاديان تقوم على ميثاق او عقد بين الانسان وإلهه فالانسان يتعهد بان يؤمن بابدية الاله وقوته وعظمته وان يخدمه ويعبده ويطيع اوامره، وبالمقابل يتعهد الاله برعاية المؤمن وحمايته واستجابة بعض صلواته وتوفير افضل النصيحة او القوانين وتكثير اولاده. الاديان الامبراطورية، اي الاديان التي تصبح اديان دولة متوسعة وغازية، يكون هناك عقد استثنائي بين الملك وبين الاله بان يعمر الملك معابد الاله ويذكر اسمه ويقدم له الاضاحي ك والهدايا ويجلب له المؤمنين، وبالمقابل يتعهد الاله بحماية الملك ومملكته ونصرته في حروبه وتكثير الخاضعين لملكه. في هذه الاديان يصبح الملك صفي الاله، وتصبح الدولة خادمة للاله. يتحول تاريخ الدين هنا الى تاريخ الملك، متى كان مؤمنا مطيعا ومتى كان عاصيا وبالتالي متى اكرمه الاله ومتى اذله هو وشعبه. الميثاق بين الاله والمبك يحل محل الميثاق الدستوري بين الشعب والملك. نرى هذا في الديانة الاشورية التي قامت على الحرب المقدسة، ونرى هذا في ديانة اليهود رغم انهم فئة قليلة، ونرى هذا في المسيحية بعد قنسطنطين ونراه ايضادفي الاسلام. كل هذه الديانات لديها مفاهيم شرع الاله، الجهاد والفتوحات في سبيل الاله، والحكم بامر وشريعة الاله اي خلافة الملك للاله على الارض. وهذا يعطينا الجواب الشافي عن توقيت تحول كل من هذه الاديان الى ديانات امبراطورية وبالتالي متى بدأت كتابة تاريخها. اليهودية بعد الغزو الفارسي والمسيحية بعد قنسطنطين والاسلام في عهد عبد الملك بن مروان. الدولة العثمانية كانت ترى انها حفيدة العباسيين. نعم لقد اتخذوا لقبالخلافة لكنهم لم يعيروه كل الاهتمام. اليوم ومع العثمانيين الجدد، الاجداد العثمانيون يطالبون بالخلافة. انهم سنينيطورون او يستغلون الاسلام السياسي ليقدموا انفسهم كقادة مؤزرين بالدعم الالهي، كخلفاء لله على ارضه وفي امته اي ملوك الامة الاسلامية. وهم يستحقون هذا لانهم بالتحديد اتراك، مثلما اعتقد العرب ان الاله عمل ميثاقا معهم دون غيرهم في غابر القرون. كانت الخلافة تعني قيادة الامة. ولم يتضح من التاريخ اذا كانت قيادة زمنية ام دينية. لكن خلافة الاسلامويين التي يستخدمها الاتراك هي الاثنين معا. هذه الخلاقة الجديدة هي مشروع توسعي فتوحاتي يحلم ككل الضعفاء باخضاع البشرية وقيادتها

28 آذار 2019، التحليل القيمي لحجرة تسقط

التحليل القيمي لحجرة تسقط من وجهة نظر المراقب هناك فقط حجرة ذات كتلة تتجه نحو الارض بفعل قوة الجاذبية للارض التي كتلتها اكبر بكثير من الحجرة. مثل هذا الاكتشاف لم يكن ممكنا الا بالتخلي عن التحليل الارسطي القيمي الذي يعتقد ان للحجرة ذات تشبه ذات الارض ولذلك فانها تحبها وبالتالي تقترب منها. لكن من وجهة نظر الحجرة الساقطة، اذا كانت عندها وعي وتفكير وتعبير فانها ترى ما يلي: لا تزال هيمنة الارض في مجال التفاعل البيني واضحا جليا. هذا الفضاء هو امبراطورية الارض حيث كل شيء خاضع لقوتها وجبروتها. ودون رحمةً وشفقة تشد الارض اي حجر يقفز في الفضاء محاولا الانعتاق من عبودية الارض. ومهما كانت الحماسة عالية والهمة عالية والقفز عاليا فان السقوط نحو الامبراطور الاعظم الارض لا مفر منه. اين العدالة والمساواة في هذه العلاقة، كلنا من جوهر واحد لكن لكلنا خصوصياته. الالهة تريدنا ان نقبل بان هذا الوضع غير المتكافئ سنة الكون التي لا تتغير. حقا ان الاديان افيون الشعوب. لا يريدوننا ان ننظر الى الاعلى، وفقط الى الاسفل. ويقولون لو زالت هيمنة الارض وقوتها الناظمة لفضائنا فستكون الفوضى والضياع في الكون السحيق. الحجر يحلم بالانضباط، هكذا يقولون. الطاعة اساس مجتمعاتنا انها تقينا شر الفوضى والضياع. قد تكون الحرية توقا فرديا نحو المغامرة، لكننا نعرف انه لا توجد حرية مطلقة. الحرية المطلقة مجرد فوضى وتناحر دائم وانعدام للمكانة وسطوة للغوغاء. الارض هي سبب وجود مجتمعنا كمجتمع ولهذا فنحن دائما نعود إليها. هكذا يقولون، لكن مقولتهم ايديولوجيا عفنة لابقائنا تحت النير. حان الوقت لنزع القناع ولنزع العصابة عن الاعين. الحجرة لن ترى ابدا قانون الجاذبية الذي يحكم الحجرة والارض معا ويجمعهما في منظومة واحدة. لان تحليل الحجرة تحليل قيمي قد يلاحظ القوة الجاذبية او حتى الجاذبية المتبادلة لكنه لن يقبل بالكتلة التي تشترك فيها الحجرة مع الارض. ان تكون هناك سمة تجمع الظالم والضحية كفر مرفوض بالنسبة للحجرة. وان تكونا خاضعتين لعلاقة تبادلية فان هذا لاينفع مشروع الحجرة التحرري ولذلك فلن تقبل بوجوده. وصف الحالة بالنسبة للحجرة لا يتعدى المظلومية في وجه جبروت السلطة الامبريالية للارض.

28 آذار 2019، إسقاطات للتحليل القيمي

بالطبع هناك فرق كبير بين منظومة التفاعل بين المجتمع والدولة ومنظومة الجاذبية بين الحجرة والارض. لا يمكن تفادي او ايقاف الجاذبية، المنظومة ابدية، واطراف المنظومة لا يفكرون،وهم يخضعون فقط للقانون الطبيعي. اما بالنسبة للمنظىمة الاجتماعية فهي تعيش وتتغير وتموت، وافرادها يفكرون ويفهمون ويقررون ويفعلون بناءا على ذلك، وكذلك المنظومة الاجتماعية لا تقوم على قوانين طبيعية لا تتغير ولا يمكن مناقشتها. ما اردت توضيحه هو ان التحليل القائم على مفاهيم قيمية، مثل منظور الحجرة، لن يستطيع رؤية الواقع كما هو وانما كما يجب ان يكون. انه ينقد الواقع بدل ان يحلله. افضل مثال على التحليل القيمي في اطار بحثي اكاديمي هو الدراسات الاسلامية سواء في التاريخ او دراسة التراث الديني ضمن سياقه التاريخي. المستشرقون ، وخاصة المؤرخون، لا يمتلكون اي تحصيل علمي نظري مختلف عن تحصيل الدارسين المسلمين. ادواتهم بسيطة جدا تقوم على السببية والمنطق. لكن دراسات المستشرقين تعطي دائما منتجا تحليلا اكثر جاذبية ووضوح وعمق من تحليل اي باحث مسلم مهما كانت سعة معرفته. كل الباحثين المسلمين في التاريخ الاسلامي يتوقون لقراءة انتاج المستشرقين رغم انهم دائما ينتقدون تحيزهم ونفورهم من الاسلام وعنصريتهم تجاه المسلمين وابحاثهم المغرضة. ويظل الباحثون المسلمون يقرؤون اعمال المستشرقين ويتأثرون بها ويتحاورون معها ويستسخفون اي واحد منهم يخرج عن السرب ويحاول نبذ اعمال المستشرقين. فلماذا اذن يكون انتاج المستشرقين في الاغلب افضل من انتاج الباحثين المسلمين رغم ان الاثنين يستخدمان نفس الادوات؟ صار لي عشرين سنة في هذا الوسط واعرف تماما امكانيات وادوات الباحثين. السبب ببساطة هو ان تحليل الباحث المسلم سيكون دائما قيميا. يصعب على الباحث المسلم الخروج عن السردية القيمية: القرآن كلام الله، محمد رسول من الاله، الرسول معصوم، الصحابة صادقون ومؤمنون، الرسول علم الصحابة والصحابة علموا من بعدهم، التواريخ القديمة موثوقة. اما المستشرق فهو متحرر تماما من هذه السردية ولا يحس بالخوف والرهبة من دراسة السلف الصالح. المستشرق خياراته اكبر واوسع وقراراته البحثية ليس لها تبعات، المستشرق يستطيع ان يغلب المنطق على الايمان اذا اقتضت المعلومات. الباحث المسلم محروم من كل هذا.

Ghiath Beirakdar دعنا نترك الباحث المسلم جانبا فما كتبته عنه مفهوم. ولكن كأنك تقول أن المستشرق معصوم من تلوين تحليلاته ونتائج أبحاثه حسب إنحياز فكري أو ثقافي داخلي شخصي لا يعترف به هو اصلاً. عذراً أستاذ ناظر لكن لاأؤمن بوجود المنطقية المطلقة.


Ahmad Nazir Atassi لا أقول أن الباحث الغربي منطقي، لكني أقول أنه ليس حبيس التقديس الذي يعطيه المسلم للتاريخ الإسلامي، وهذا يجعل المستشرقين يرون بوضوح اكثر من رؤية الباحثين المسلمين (لكن لا يرون كل شيء). لكن هذا لا يعني أبداً ان كل ما ينتجونه منطقي وعظيم وصحيح وغير قابل للنقاش. إنهم متحيزون عندما يرتبط الأمر بالرومان وبالمسيحية، وبعضهم متحيزون بسبب عداوتهم للمسلمين والإسلام، وبعضهم بسبب اقتناعهم بإسرائيل، وكثيرون منهم غير متحيزين، لا بل هناك من هم متحيزون للإسلام ومدافعون عنه سواءاً أصبحوا مسلمين أو لم يصبحوا. ما ذكرته هو االتخلص من قيد التقديس، ولا أتحدث عن القيود الأخرى.

10 نيسان 2019، الغياب

هذا سؤال فلسفي يستحق البحث، اي سؤال الغياب هل هو علمي ام غير علمي. وسؤال الغياب يعني ان تسأل مثلا لماذا تغيب عندنا الديمقراطية. واعيد نشره هنا لاني اريد ان اتذكره. واسجل تعليقي على صياغة الكاتب لمسألة الغياب. يمكن نقد بشارة من خلال اسباغ صفة العلمية على سؤال الغياب. وبالتأكيد هو استخدم الغياب للهروب من مشاكل مطروحة. لكن وبشكل عام علميا سؤال الغياب ليس بداية طيبة لاي بحث علمي. وهو كما ذكرت من باب الدراسات المقارنة التي تحل محل التجريب والمختبر في العلوم الاجتماعية. انت امام ظاهرة تريد دراستها فلماذا تضع محلها مئات الاسئلة من نمط الغياب. هل يمكن ان تدرس الغرب من خلال سؤال لماذا تغيب عندهم الديكتاتورية. ولماذا تعتقد ان سؤال لماذا ليس لدينا ديمقراطية احسن من سؤال لماذا ليس لديهم ديكتاتورية. التأكيد على ان سؤال الغياب علمي قد يعني عدم معرفة الطريق لتحقيق ما هو غائب. اشتغلت كثيرا في هندسة التحكم واعرف تماما معنى سؤال الغياب، وافضل ان اصوغه بسؤال التصميم او تحدي التصميم. كيف يمكن ان تحقق ما هو غائب. وطبعا ما هو غائب هو ايديولوجيا لانه غير حقيقي وفي المستقبل.


سمير سليمان أعتقد أن " الحضور " سابق في الوجود للغياب, في العقل وفي الواقع. وسؤال "غياب الديموقراطية " مثلاً لايمكن طرحه قبل معرفة ماهي الديموقراطية, أي قبل وجودها الأولي في مكان ما في العالم ووعيها في ذهن المتسائل عن غيابها. وغياب الشيء لايعني سوى حضور شيء آخر يحل محله ويمنعه من الحضور. أي أن شرط الغياب قائم في الحاضر. وبالتالي فسؤال الغياب لايجد جوابه في الغائب, بل في الحاضر الذي يفسر غيابه. أما البحث عن الغائب في شروط الغائب ذاته, فهذا يشبه إلى حد ما أسئلة الميتافيزيقيا. ذلك أن الواقع القائم متحقق بشكل محدد ولايحتاج الإحتمالية والإفتراض, بينما الغائب يبقى إحتمالي من إحتمالات عديدة . ومن جهة ثانية, لايتحقق الغائب إلا بتحقق شروط حضوره في الحاضر, وهذا يعيدنا للقول أن السؤال عن الغائب يحيل إلى الحاضر في فهم غيابه. لذلك أجد نفسي متفقاً مع الصديق أحمد ومع عزمي بشارة على الضد من أطروحة موريس العايق في هذه المسألة . تحياتي .


Ahmad Nazir Atassi ", بينما الغائب يبقى إحتمالي من إحتمالات عديدة"، ولهذا فسؤال ما هي الديمقراطية في بلدها قد يكون له جواب، أما سؤال لماذا هي غائبة في غير بلدها فله مئات الأجوبة حسب السيناريو المتخيل، المتخيل من أصله. في العلوم الإجتماعية يصبح سؤال الغياب سؤالاً أيديولوجيا يسعى إلى فرض واقع ما وليس إلى دراست ما هو قائم.

13 نيسان 2019، في الفلسفة العقلية

فلسفة العقل: مدخل موجز جدًا

الاخ موريس يعرض في هذه المقالة الفصلين الاولين من بحث الماجستير في الفلسفة العقلية. هذه الفلسفة عندما تصل الى تفسير للانتقال من مادة الدماغ الى فضاء العقل الفكري فانها ستفسر لنا كيف يتنتج المعرفة الانسانية. وعندها سنستطيع معرفة ما تستطيعه وما لا تسطيعه وما تحينه وما لا تحسنه. ستحدث عندها ثورة علمية هائلة. واعتقد ان المقاربة الثورية هي المقاربة المنظوماتية. واود هنا ان اعرض مثالين عن الانتقال من الفيزيائي الى التجريدي وكيف ان ذلك ممكن دون شروحات ميتافيزيقية. ممتع، مشكور اخ موريس وحظا سعيدا في اطروحة الماجستير ومن ثم الدكتوراه. وبما انني اتيت الى التاريخ من هندسة المنظومات فان موضوع فلسفة العقل كان دائما موجودا في ذهني. وفي الحلقة الاخيرة من سلسلة المنظوماتية التي كتبتها على الفيس بوك تجد انن كنت بالضبط اعالج مشكلة الوعي ومن ثم المنظومات الفكرية. وقد استخدمت وقتها مفهوم فضاء الحالات العقلية دون تعريف دقيق له لان هدفي كان انتاج الفكرة من الحالات العقلية. لكن عندي بعض الافكارع الانتقال من الحالة الفيزيائية الى الحالة العقلية وتمر تماما كما ذكرت انت بطريق الانبثاق الذي تكلمت عنه في حالة المنظومات الاجتماعية. لا يمكن في ممارسة البحث العلمي ان ينتهي الانسان الى مقولة ان الظاهرة المدروسة معقدة الى حد فوق الفهم. المقاربة تحدد النتيجة. لن نصل الى شيء اذا درسنا الكمبيوتر مثلا على انه مجرد مجموعة من الترانزيستورات. بجب اعتماد مقاربة اخرى. والاجمل من ذلك يا صديقي اننا اخترعنا الكمبيوتر ونعرف كيف يشتغل لكن لا نعرف اين ينتقل الموضوع من هاردوير الى سوفتوير. في المعلوماتيات المتقدمة يدروسون لغات البرمجة على اساس رياضيات الجبر المجرد. وهناك سترى تماما متى تتحول الحروف الى كلمات ومتى تتحول الكلمات الى جمل ومتى تتحول الجمل الى معاني. يمكن ارجاع كل ذلك الى العتبة الاولى وهي كيف ننتقل من الترانزيستور الى النظام الحسابي الثنائي اي واحد وصفر. قد تعرف ان الواحد في الكميوتر ليس في الحقيقة عدد واحد وانما حالة الاشباع في الترانزيستور التي تضع فولتاج عقدة المخرج الى حد الخمسة فولت لفترة زمنية ما يحددها المستخدم. اذن نحتاج الى حالة فيزيائية حدية ومستقرة لبعض الوقت. الحالة الثانية وهي حالة الامتناع والمقابل لفولتاج عقدة المخرج على صفر فولت. المنظومة الحسابية تحتاج على الاقل الى حالتين ثابتتين. وهناك منظومات بثلاثة واعلى وصولا الى العشرين. متى ما وجدنا حالتين متمايزتين يمكن ان نسمي الاولى واحد والثانية صفر فاننا نستطيع ان ننتقل الى المستوى الثاني من العمل التجريدي وهو الحساب الثنائي. عندها نحصل على الاحرف الاساسية في اللغة الرمزية. ترانزيستور واحد يعطينا حالتين متمايزتين وترانزيستوران يعطيانا اربع حالات وهكذا الى ثمانية او البايت الذي يعطينا ٢٦٤ حالة متمايزة. عندها ننتقل الى المستوى الثالث وهو الابجدية الكاملة من لغة الكمبيوتر البسيط. اين الانبثاق هنا؟ انه حالتا الترانزيستور اللتان تصبحان واحد وصفر. لكن نحن من قال بان حالة خمسة فولت هي واحد وحالة صفر فولت هي صفر. اذن هل يمكن القول ان الانبثاق يحتاج الى منظومة اخرى لتسميه انبثاق وتستغله. اعتقد ان الجواب هو نعم. فهل هذه حجة دائرية اي اننا نحتاج الى وعي من اجل انتاج وعي اخر. لكن هذا منطق ارسطي خاطئ. كل ما نحتاجه هو تفاعل اخر لا يرى في الترانزيستور الا حالتين. انه ليس وعيا كاملا وانما منظومة تفاعل تعتمد على الانبثاقات الاولى. عندها نصل الى انبثاقات ثانية وننتقل الى المستوى الثاني من التجريد وهكذا حتى نصل الى الوعي. التعقيد غير محلول اذا نظرنا دائما الى ما قبل الانبثاق الاول او الحالة الفيزيائية للترانزيستورات. بالطبع هنا تنتهي مهمة مثال الترانزيستور ويجب ان ننتقل الى البيولوجيا حتى نصل الى مرحلة الوعي. والسبب هو ان الكمبيوتر ليس منظومة ذاتية التنظيم. ان الترانزيستورات لا تتحرك في فضاء يمكن فيه استغلال حالتي الاستقرار. لكن مثلا اذا اخذنا المركبات العضوية المكونة لغشاء الخلية وجدنا ان لها قطبين واحد محب للماء وآخر كاره للماء. فاذا اخذنا سلسلتين من هذه المركبات ووضعنا الاقطاب الكارهة للماء في مواجهة بعضهما فاننا نحصل على غشاء الخلية حيث القطبان المحبان للماء واحد يواجه العالم الخارجي والاخر يواجه داخل الخلية. هذا مثال عن حالتين مستقرتين انتجتا انبثاقا ثالثا هو الخلية. خلايا العين الحساسة للضوء تعطينا مثالا ممتازا عن الانتقال من حالات فيزيائية الى حالة شبه عقلية هي الاحساس.

14 أيار 2019، لا أعتقد بالعقلانية

لا اعتقد بالعقلانية ولا بقدراتها الخارقة على التحليل. العقل البشري مثل الكمبيوتر اي يقوم بعمليات منطقية على مقدمات اولية لكنه لا يستطيع ان يضمن صحة هذه المقدمات. اي ان العقلانية التي تبدا بمقدمات سيئة ستستنتج بطريقة منطقية مقولات سيئة ايضا. ميزة العلم الحديث ليس في عقلانيته وانما في منهجيته التي تعتمد على التجريب والقياس. اي ان محاكات الواقع من خلال تقنيات التجريب والقياس هي المصحح الاكبر للمقولات والنظريات وليس التفكير العقلي العقلاني المحض. افهم تماما ان اصدقائي الفلاسفة سيعترضون ويعارضون، لكني اسف فلم تعد لدي اية ثقة بالعقل البشري في غياب المقدمات الصحيحة المثبتة تجريبيا. لكن في مجال العلوم الاجتماعية لا يمكن التجريب فما الذي سيعصم الباحثين من الوقوع في فخ العقلانية اذا لم يستطيعوا التأكد من صحة مقدماتهم. وهنا المقولة الثانية التي سيعترض عليها كثيرون. بالنسبة للعلوم الاجتماعية فان الامل الوحيد في الوقت الحاضر الذي قد يقوم مقام التجربة المخبرية هي المنهجية المنظوماتية. لا اقول انها تضمن انتاج مقدمات صحيحة دائما من اجل الاستهلاك العقلاني، لكنها افضل بكثير من مجرد استخدام العقلانية للتأكد من صحة المقولات النظرية. وكما يقول المصلون اللهم ولا تكلنا لانفسنا طرفة عين، وانفسنا هنا هي العقلانية. لكن هذه ليست دعوة لنبذ العقلانية والفلسفة والتمسك بالنقل والتقليد، وانما تنبيه الى خطر اعتماد العقلانية وحدها مصدرا للمعارف عن الوسط المحيط الفيزيائي والاجتماعي.

Khalid Sibai الصديق احمد اتاسي : آسف ان اقول لك . انت بهذا الشرح تشوه مدلول " العقلانية " لانها تعني بالمنطق استخدام قواعد ومبادئ العقل كما وضحها المنطق الصوري اولا . واستخدام المنطق الوضعي = التجريبي ايضا حسب نوع الموضوعات يتم استخدلم كل منطق منهما . وعلى الاخص : الاستدلال العقلي كما في الرياضيات , والاستقراء كما في العلوم التجريبية . واليوم اصبحت بعض الموضوعات حتى ذات الطابع الاستدلالي تستخدم التجريب نظريا .كما في علم الفلك الفيزيائي . لكن ما تعنيه " بالعقلانية " كما في البوست هذا يدل علىى نهج السفسطائية باستخدام المغالطات المنطقية , حتى تكسب قضياها في الحوار اذ تلجأ الى وضع " مقدمات فاسدة او خاطئة , فتكون النتيجة حكما خاطئة ,لكن ينخدع بها الانسان العادي , ويصدقها . اتمنى ان اكون قد وضحت " اللبس " في استعمال " العقلانية كما في اليوست . وشكرا

Ezzat Baghdadi أعتقد أن الدكتور نظير لم يجرد العقلانية من الاستدلال والاستقراء لكنه اعتبر أن العقلانية غير مجزية ما لم ترتبط بتحليل منظوماتي وأن الاستدلال والاستقراء المجتزأ. وإن كان عقلي ومنطقي لا يمكن الاعتماد عليه ما لم يأخذ بعين الاعتبار تحليل ديناميكية المنظومة ككل.


Ahmad Nazir Atassi Khalid Sibai العقلانية التي اعنيها هي استخدام العقل دون الاعتماد على التجريب والقياس. ما اريد قوله هو ان العقل وحده لا يكفي لفهم الواقع. لا بد من ادوات اضافية تساعدنا على قياس الواقع ومن ثم بناء نماذج وصفية مثل القوانين الفيزيائية. يمكن القول ان العملية المنطقية الوحيدة التي يستخدمها العقل هي المنطق الصوري. الرياضيات لا تقوم فقط على المنطق الصوري، الفيزياء كذلك. نحن بحاجة دائمة الى ادوات اضافية تعطينا المادة الخام للمنطق الصوري. الفلسفة الاغريقية مثل جيد عن العقلانية، اي العقل فقط مع الحواس.

16 أيلول 2019، عن فلسفة الدين

أ. فتحي المسكيني/تونس "الإيمان الحر أو ما بعد الملّة، مباحث في فلسفة الدّين" شكرا موريس على تقديم المسكيني لشخص مثلي لم يكن يعرفه. انت قلت مثير وهو فعلا مثير، لكنه بالنسبة لي لم يكن مريحا. انت مسكت احد اطراف هذه الشيء المزعج. هذا الانفصال التام بين الفضائين المتمثلين بالمسكيني والقنيبي باعتقادي هو انفصال مصطنع. في النهاية الفضاءان يتحدثان عن ذات الشيء، الدين والاله والمقدس ودورهما في المجتمع. يستطيع المسكيني ان يترجم كل فلسفته الى لغة الفضاء الاخر. لكنه وبدرجة من التعالي زعم ان فضاءه غير قابل للترجمة في الفضاء الاخر. وقال ايضا بفرادة التجربة اليونانية والاوروبية ومرجعيتها واستحواذها على الحقيقة، او حقيقة الضمير البشري. ليست هذه المقولة خاطئة فحسب، بل مهينة للمتحاورين المحتملين من الطرف الاخر. بالنسبة لي كل من يقول بتفرد المسلمين بالتدين على الطريقة القديمة هو احمق من ناحية سياسية واجتماعية وتحليلية. وبالنسبة لمنظوماتي مثلي، الايمان الحر وزوال الملة غير ممكنان خارج منظومة الوفرة والديمقراطية الاوروبية. ثم يزيد الطين بلة بان يقول بان الحل هو في التعليم وتغيير العقول. يحتاج الى جرعة ماركسية في الصراع الجدلي ليعرف ان التغيير لا يكون بالتعليم. ولا اتحدث هنا عن فهمه ذي المركزية الاوروبية للفلسفة اليونانية القديمة. انا درست تاريخ اثينا الى حد ما ودخلنا في التاريخ الاجتماعي. يجب اعادة موضعة الفلسفة اليونانية في سياقها وخارج النص العابر للزمان والمكان. هذا الفهم للسعادة الوثنية وللعبودية الشرقية مقابل الحرية الاثينية غير صحيح وهو اسقاط اوروبي حديث على حضارة متوسطية قحة واخراج لها من سياقها.

12 تشرين الأول 2019، فلسفة العدالة

اؤكد لكم ان هذا البوست من وحي الحاضر. ما هي العدالة؟ يبدو لي ان السببية من اساسيات العدالة. اذا اختفت السببية فان تحميل اللوم يختفي وتختفي معه العدالة. كما استنتجت في بوست سابق ان الإله يوجد في عقل البشر فقط، فكذلك هي العدالة. هذا يعني ان الاتكاء على اي مفهوم "طبيعي" للعدالة هو مجرد تبرير ايديولوجي. والطبيعة الوحيدة التي يمكن الاتكاء عليها في هذا الموضوع هي الطبيعة البشرية. لكن ما هي الطبيعة البشرية. في الاسلام حجة تقول بان هناك شيء اسمه الفطرة وان الاسلام هو دين الفطرة. هذا يعني ان الاسلام هو مرشح ممتاز لتعريف العدالة. لكن هل فعلا هناك شيء اسمه الفطرة البشرية؟ واذا ذابت هذه الفكرة فهل لفكرة العدالة من ارض صلبة تقوم عليها؟ واذا قبلنا ان العدالة موجودة فقط في عقل البشر، فهل نحتاج الى أكثر من هذا العقل او الخيال لانشاء المجتمعات البشرية. الجميع يتفق بان الطبيعة على مستوى الحيوانات والحشرات لا تخضع لموازين العدالة البشرية. اذن تبقى العدالة حاجة بشرية ومنتج بشري. لكن هذا يعني ان العدالة اتفاق بين البشر. قانون حمورابي كان يعتبر عادلا في زمنه. واذا كانت العدالة منتجا بشريا فلماذا نطلب من الاله ان يكون مطلق العدالة؟ الحجة القديمة لا تزال قائمة، اي ان الإله اذا كان مطلق العدالة فإن هذا يمنعه من ان يكون مطلق المعرفة، والعكس بالعكس. واذا كان الإله مطلق المعرفة فان هذا يجعل الحياة حتمية وقابلة للتوقع وهذا يلغي حرية الاختيار والارادة. هل توجد عدالة دون حرية الاختيار؟ الحتمية تؤدي بالنسبة لي الى السببية، اذ ان المستقبل معروف تماما انطلاقا من الماضي والحاضر. اي ان الحتمية تنفي العدالة المطلقة. نقترب كثيرا هنا من مبدأ هيزنبرغ في عدم اليقين، اي اننا اذا عرفنا مكان الالكترون بدقة فلن نعرف سرعته الا بالظن، والعكس صحيح. يبدو ان الاقتراب من طبيعة الاشياء يتنافى مع امكانية المعرفة المطلقة. ان المتناهي في الصغر غير معروف، ونعرف ان معادلاتنا الرياضية تتفتت تحد حد مسافة ثابت بلانك. ويمكن القول ايضا بان المتناهي في الكبر غير معروف ايضا. اذن الاطلاق في كوننا غير ممكن، على الاقل من منظور المعرفة البشرية. اعتقد ان الرياضيات خدعتنا. انها بمثاليتها اقنعتنا بان السببية ممكنة والحتمية ممكنة والمتناهي في الصغر ممكن والمتناهي في الكبر ممكن. وبالتالي فان العدالة ممكنة والإله ممكن وكل المطلقات التي لا نحيا دونها ممكنة. ليس غريبا ان الرياضيات اختراع بشري وليست لغة الطبيعة. ليس غريبا ان الرياضيات كانت دائما قريبة من الدين. وليس غريبا ان الرياضيات تفشل في عالم من الاحتمالات المفتوحة. لكن الطبيعة والحياة هي عالم من الاحتمالات المفتوحة. لذلك تعلقت بالمنظوماتية. انها لا تعترف لا بالسببية ولا بالحتمية ولا بالاطلاق. على الاقل لا تكذب عليك، فهي تقول انت ومعرفتك محدودان بالمنظومة. خارج المنظومة لا شيء له معنى، فقط انظر الى عملية "نبع السلام" وتعليقات الناس عليها. الفهم عبثي في الفوضى.

20 كانون الثاني 2020، فلسفة الموت والفناء

طُرِح علي سؤالان عقب بوست الموت والفناء. الأول هو لماذا لا نستطيع قبول واقع الفناء، اي انعدام الوجود، وهل من الممكن ان نتعايش معه؟ والثاني هو لماذا تحدثت فقط عن موت الذات وليس عن موت الأحباب ؟ كثيرون يتقبلون فكرة موتهم كذوات لكنهم يجدون صعوبة في تقبل فكرة موت احبابهم او تقبل فكرة ان موتهم سيجلب المعاناة لأحبابهم. لم بكن الغرض من البوست السابق بناء فلسفة متكاملة حول الموت بكل معانيه وآثاره. انا اردت ان اناقش الموت من وجهة نظر المكتئب، وخاصة المكتئب الذي يفكر بالانتحار. طرحي بسيط، وهو ان الاكتئاب والتفكير بالموت المرافق له ليس مسألة منطق يمكن ان يوجد خارج الشخص المكتئب كما في كتاب. الاكتئاب وفكرة المرت حالات شعورية ويجب مقاربتها منناحية الشعور وليس من ناحية المنطق. منطق المكتئب هو منطق فيه خلل وانحياز، ولا يمكن معالجة الخلل بالمنطق والبرهان. لا بد من تبديل الشعور. اقترحت تجاهل فكرة الموت بالتسلي او حتى بالدواء. كتبت منذ فترة ان الافكار وحدها لا تشكل منظومة. اي ان الافكار لا تمتج فقط عن افكار اخرى. ولو كان هذا صحيحا لكان اثباتها على وجود العقل المحض وبالتالي الروح والبقاء المتافيزيقي. الأفكار مرتبطة ارتباطا وثيقا بالواقع المحيط.اجتماع انعكاس الواقع على العقل مع الافكار الاسبق هو ما يولد الافكار الجديدة. بما ان معرفة واقع اسمه الموت مستحيلة فان الافكار التي نملكها عن الموت هي من وحي واقع الحياة. وعلى هذا الاساس يحب التعامل معها. بناءا على ذلك فلسفة معاناة الانسان بسبب موت الاحبة لا علاقة بأي نوع من انواع الفناء او الانتقال الى عالم آخر. هذه الفلسفة يجب ان تنبع من واقع الحياة، اننا لا نعرف شيئا عن واقع الموت. معاناتنا من فقد الاحبة معرفة بالكامل بأننا لا نزال موجودين وبأنهم غير موجودين، وليس بأنهم جربوا الفناء او الانتقال. عدم وجودهم معنا مختلف عن موتهم، بغض النظر عن تعريف الموت. نحن نتعامل مع تجربتنا الشخصية فقط، أي مع فهمنا لعدم وجودهم. الموت كما نعرفه هو خطأ لغوي. نتعامل معه كفعل وهو ليس بذلك. نقول مات فلان، ونعتبر ان فلان فاعل. لكن الواقع ان فلان مفعول به. الكلمة الافضل هي تُوفي فلان، حيث الفعل مبني للمجهول وفلان نائب فاعل وكان في الاصل مفعولا به. الجملة المبنية للمعلوم قد تكون توفى اللهُ فلانا، حيث الفاعل هو الله. بالنسبة للملحد هذه الجملة لا معنى لها. وخياره الوحيد هو جملة خاطئة ومضللة، اي مات فلان. هذا يعيدنا الى الاساس هو اننا لا نعرف الا ما تقدمه لنا الحياة، اي تجربتنا الخاصة: فكرتنا عن موتنا وفكرتنا عن موت احبابنا. الاولى حاججت بانه يجب التعامل معها كشعور فقط وليس كمنطق، والثانية يمكن ان نفكر بها لكن ليس في عالم من الافكار المحضة وانما في عالم خليط من الافكار وانعكاسات الواقع، فالافكار كما ذكرت لا تتولد من افكار فقط. واقترح ادخال المشاعر في المعادلة ايضا، وعدم الاعتماد كليا على المنطق والافكار. فما هو الواقع هنا وما هي المشاعر، اي واقع فقدان الاحبة والمشاعر المرافقة؟ هنا ايضا نتعامل مع خطأ لغوي. عدم وجود شخص ما ليس واقع، الواقع هو الخارجي عن الانسان، الذي يمكن التعرف عليه بأدوات الاحساس وادوات القياس. الكرسي واقع، اختفاء الكرسي ليس واقعا. انه مثل الموت، ليس هناك ما يقاس. ما اريد قوله هو ان الواقع الذي نتعامل معه في حال فقدان الاحبة هو واقع ذاكرتنا وذاكرة المحيطين بنا. لماذا نجد صعوبة في تقبل فقدان الاحبة؟ الجواب لان لدينا ذاكرة. من يفقد ذاكرته يستطيع التعامل مع الفقدان بسهولة. الناس في اقاصي الارض تموت كل يوم ولا نجد صعوبة في التعامل مع موتها. نجد الصعوبة فقط في حال وجود ذاكرة. علينا اذن ان نعرف كيف يتعامل الانسان مع الذاكرة لنصل الى جواب السؤال. اعتقد ان الانسان يتعامل مع الذاكرة كما يتعامل المدمن مع موضوع ادمانه. المحبة ادمان، لها نفس اعراض الادمان وتعمل بنفس الطريقة. بعض الناس يتخلصون من الادمان وبعضهم يقضون حياتهم يصارعونه وبعضهم يقتلهم الادمان. المدمن هو انسان لا يستطيع ان يستعيد توازنه النفسي باستخدام امكانياته النفسية فقط. انه بحاجة دائمة الى موضوع الادمان كتغذية راجعة. الانسان هو الوحيد الذي يجعل من الفقدان شيئا. حتى الذرة عندما تفقد إلكترونا فان شحنتها الموجبة لا تأتي من فقد الالكترون وانما من وجود بروتون زائد على عدد الاكترونات الباقية. تصور ان الذرة عندما تفقد الكترونا فانها تحمل شحنة كهربائية سالبة اسمها شبح الالكترون. هذا هو حال الذاكرة بعد الفقدان. الانسان هو الوحيد الذي يخلق شيئا من لا شيء. ولذلك فان التعامل مع الفقدان يكون بقطع العلاقة بين الذاكرة والمشاعر والافعال. المخ يفعل ذلك بشكل طبيعي، الذاكرة التي لا يتم استجلابها باستمرار تضعف، هذا هو النسيان والحكمة من ورائه. اذا لم ينجح النسيان فانه من الضروري التدرب على قطع العلاقة بين الذاكرة والشعور او تخفيفها. وهذا ما نفعله بعد الفقدان، فاما ان نشغل عقلنا بمشاغل اخرى واما ان نغير ردود افعالنا تجاه الذاكرة. قصة الخنساء وبكائها على اخيها طوال حياتها ليست الا اسطورة اجتماعية للتشديد على تبعية المرأة للرجل، وهي تشبه عادة حرق الزوجة الحية في الهند مع جثة الزوج- الزوج والاخ في الاساطير غالبا ما يتبادلان الادوار. تموز هو اخو عشتار وزوجها ايضا. اما قصة مجنون ليلى فلا يتأثر بها الا المراهقون الذين يؤمنون بالمثاليات والمطلقات. ولا ازال هنا اصف الاعراض، ولم اعط اي وصف لديناميكية الادمان. الدماغ يصنع نموذجا تمثيليا للواقع المحيط. العلاقات بين الاشخاص تتمثل بعلاقات بين المشاعر والافكار التي تحل محل الاشخاص في العقل. حتى الذات لها اسقاط على العقل. الاحباب كأفكار يلعبون ادوارا في العقل مشابهة لادوارهم في الواقع. عندما لا يكون الشخص موجودا فان دوره في العقل يصبح صامتا او معطلا. وعندما يعود الشخص الد دائرة ادراكنا فانه يستعيد دوره في عقلنا. كلنا نعرف ان زيارة الاهل بعد الزواج تجعلنا نتصرف احيانا كمراهقين. هذا في حالة الاغتراب والابتعاد عن الاهل لفترة بحيث ان دورهم في العقل لا يتحدث ويتطور. والسؤال هنا ماذا يحصل عند فقدان الاحبة؟ لماذا لا نتعامل مع الفقدان كتعاملنا مع الغياب المؤقت. لا اعرف الاجابة الدقيقة، لكن مشاهدة الموت ليس كسماع الخبر عن بعد. سماع الخبر عن بعد له نفس تأثير الغياب المؤقت. التأكد من الموت هو صاخب التأثير الاعمق. يبدو ان التأكد من موت الشخص الحبيب يعني تدمير الدور الذي كان يلعبه في الواقع وفي العقل. الانكار قد يحمينا، ويقولون بان او مراحل التعاطي مع الفقدان هو الانكار. اي اننا لفترة قد تقصر او تطول نقنع انفسنا بان الغياب مؤقت وبالتالي لا يجب تدمير الدور. لكن يبدو كذلك ان هنا سبب تطوري للخروج من مرحلة الانكار. لا بد ان الانكار الدائم يعيق بقاء النوع. لكن الحزن والمعاناة لا يعيقان بقاء النوع. واغلب الناس ينجحون في التعامل مع الحزن والمعاناة بالنسيان او التدرب على ردود افعال جديدة لا تهدد الحياة الادوار التي يرسمها العقل والتي تقابل الواقع هي اسس الادمان. دور الام، دور الاب، الاخ، الاخت، الصديق، الحبيب، وغيرها كلها درجات مختلفة من الادمان. بعض الادوار يرافقها افراز مواد في الدماغ تثير مشاعر السعادة والطمأنينة. نقص هذه المواد يتم التعامل معه في الدماع عبر الالم والمعاناة. لا اعرف لماذا. اي يتم التعامل معه بافراز مواد معاكسة تسبب الخزن والالم والقلق والخوف. ميزة الانسان عن غيره من الحيوانات هو قدرته على انشاء علاقات وروابط اجتماعية طويلة الامد. الانسان لا يحافظ على بقائه كفرد فقط وانما كذلك على بقاء الجماعة. لا بل ان الانسان هو الوحيد الذي يستطيع ان يتسبب بموت ذاته اذا كان ذلك الموت يخافظ على الجماعة. حتى الذكاء الصنعي يقوم على التعلم من خلال الثواب والعقاب. واعتقد ان الدماغ يتعلم بنفس الطريقة الثواب هو السعادة والعقاب هو الالم. ان نعاني من فقد الاشخاص الذين تربطتا بهم علاقة تعليم وتدريب قائمة على الثواب والعقاب. نفرح عندما نراهم ونحزن عندما لا نراهم. الام مثلا وجودها متعلق بالفرح والطمأنينة والطعام والشراب والمأوى. اقوى علاقة هي بين المربي والفرد. الاطعام والطمأنة والاسعاد من اكثر ما يقوي علاقاتنا. سحب هذه الثوابات لفترة قصيرة يزيد شدة العلاقة، انه العقاب. علاقتنا قوية بمن يمارس معنا هذه الثنائية. طبعا العقاب المتلاحق يبني علاقة كره، لكنها علاقة ونعاني من اختفائها. جميعنا مهووسون ببشار الاسد. وستصيبنا مشاعر متناقضة عند موته. هذا مثال متطرف لكنه حقيقي. هناك ما يمكن ان يقال عن العلاقات الاجتماعية من ناحية احصائية. التعلم يحتاج الى تكرار، والادمان يحتاج الى تكرار. لكن الموت لا يحدث الا مرة واحدة. العقل لا يعرف كيف يتعامل مع الحالات الاستثنائية غير المتكررة. المشاعر التي تنتاب الانسان عند فقدان حبيب غريبة ومتناقضة ولا نعرف كيف نتعامل معها. لكن بالتأكيد، فان ثاني تجربة مع موت الاحبة ستكون اقل صدما من التجربة الاولى اذا مضى وقت كاف وتعلمنا التعامل مع التجربة الاولى. هناك ايضا التعامل الجمعي مع الموت، هذا ايضا مهم جدا. كل المجتمعات عندها تراث في التعامل مع الموت يتراوح بين افساح المجال للوحدة وبين المعاشرة الكثيفة. الوحدة قد تساعد على النسيان، واحيانا العلاقات الكثيفة قد تساعد على التناسي. احب كلمة التسلية في العربية، يمكن استخدامها في حالة الموت لتعني مساعدة الفرد على تناسي موت الاحبة من خلال المعاشرة الكثيفة واشغال العقل بمشاغل اخرى مفرحة لا تستجلب ذاكرك المفقودين. مجتمعنا لا يؤمن بالوحدة بل يخاف منها. وهو لا يترك الفرد وحيدا ولو للحظة. يا حرام ليش قاعد لوحدك. هذه كلمات لن تسمعها في الغرب. اخيرا، ماذا عن السؤال الاول. لماذا لا نستطيع تقبل فكرة فنائنا او موتنا؟ وهل من وسيلة للوصول الى هذا القبول؟ اعتقد ان هذه الفكرة مخالفة للبقاء. اذا لم نكن نعرف خطر الموت ونتفاداها فاننا محكومون بالزوال كجنس وكأفراد. ولماذا نحتاج الى القبول بفكرة اننا سنموت. الفيلسوف قد يقول الجنس البشري لا يقبل فكرة الموت. كما كانوا يقولوت لنا بان الاجداد من القدماء كانوا دائما ينظرون الى السماء ويتساءلون من اين اتى الكون. هكذا يبدأ درس الديانة، العطش الانساني المزعوم لمعرفة من خلق الكون. طبعا الجواب هو الاله. لكني اعتقد ان الاحداد القدماء لم يطرحوا هذا السؤال على انفسهم. واغلب الناس لا تفكر بالموت ولا تتساءل من اين جئنا والى اين نذهب. لكن هناك قلة قليلة تطرح هذه الاسئلة غير الضرورية. لا يحتاج الانسان الى طرح هذه الاسئلة ولا يحتاج الى الاجابة عليها. الفيلسوف المكتئب يطرح مثل هذه الاسئلة، ورجل الدين. هذان هما الوحيدان اللذان يحتاجان الى مثل هذه الاسئلة. الفيلسوف المكتئب بسبب الخلل في التفاؤل الذي تحدثت عنه سابقا والذي يسبب هوسا بفكرة الموت. اما رجل الدين فهو بحاجة الى وجود الاله. ولذلك يربط الخلق به. الشعوب البدائية عندما اساطير عن نشوء الكون لكنها غير مرتبطة بآلهة. الشعوب الزراعية والحضرية هي وحدها التي تعتقد بان الاله هو خالق الكون. وعادة لا تكون قصة خلق الكون قائمة بذاتها كما عند الشعوب البدائية حيث النسر والغراب يخلقان الشمس والقمر. عن الزراعيين المتحضرين قصة خلق الكون تكون في صلب قصة امتلاك الاله لسلطة الرب او حاكم السماوات والارض. مردوخ البابلي خلق الكون بعد معركته مع تيامات وتعيينه ملكا للآلهة. إله التوراة خلق الكون في اول صفحة فقط. صبح وليل صبح ليل ستة ايام وخلصت القصة وبعدها ننتقل الى اللب الحقيقي وهو قصة آدم وحواء وسلطة الرب عليهما. حتى في القرآن فان خلق الكون يساق كدليل على قوك وسلطة الاله. وببساطة "ما خلقناكم الا لتعبدوا". لذلك فان الخلق والفناء افكار موجودة لسبب وليس لانها افكار طبيعية تخطر على بال كل فرد منذ بداية البشرية. بالنسبة لي عندما افكر بالوجود والفناء اعرف مباشرة اني مكتئب واني بحاجة الى مساعدة. الفلاسفة الذي تحدثوا عن الموت لم يقدموا لنا خدمة بأن شرحوا لنا الموت اذ ليس هناك ما يمكن شرحه لانه ليس هناك ما يمكن معرفته الا الحياة نفسها. هؤلاء الفلاسفة عبروا عن قلق حضاري لا يظهر الا في مراحل معينة من تطور الحضارة وخاصة في حالة الازمات العميقة مثل الحروب والتغيرات الاجتماعية العنيفة. اعتقد انه من الخطأ قراءة هؤلاء الفلاسفة كإجابة عن اسئلة ابدية، الافضل قراءتهم كتعبير عن ازمات حضارية معاصرة لهم.

Khaldoun M Zain الدماغ يصنع نموذجا تمثيليا للواقع المحيط كما تقول فما هي الطريقة التي يستخدمها وماهي المراكز داخل الدماغ المسؤولة عنها ؟ ومارأيك بالانسان الذي يكون طبيعيا منذ الولادة ثم يكبر تدزيجيا والبعض منذ مراحل الطفولة الاولى يصاب بالاكتئاب ويترافق مع الوسواس القهري ويظهر للناس غريب الاطوار مع انه شديد الذكاء متفوق في دراسته ولكن ضعيف في علاقته مع المجتمع ومن حوله ؟ هل لديك تحليل علمي لهذا أيضا ؟


Ahmad Nazir Atassi Khaldoun M Zain بالطبع هناك تحليل علمي. ما اقترحته اعلاه هو تحليل فلسفي يشبه تحليل فرويد. العلم يشرح الظواهر الدماغية على مستوى كيمياء الدماغ. هناك مسافة شاسعة بين الكيمياء والافكار. هذه المسافة تحتلها مستويات اكثر رمزية من الشرح. كيف تتكون الصورة الدماغية من حساسات العين والاذن. ثم كيف يربط الدماغ بين الصور الدماغية لتشكيل مفاهيم تجريدية. ثم كيف يستخدم المفاهيم التجريدية لفهم واقعه المحيط. ثم كيف تتشابك الافكار لتشكل عملية ذهنية مثل اتخاذ قرار. الفلاسفة يعملون على المستوى الاعلى ولا يعرفون كيمياء الدماغ. اما بالنسبة للامراض العصبية النفسية فلها تفسيرات علمية على مستوى الكيمياء. ولا اعرف تفسيرها على مستوى العمليات الذهنية. انت تلمح الى الخلق وثنائية العقل والجسد. انا اؤمن بأن الروح والعقل لهما اساس عضوي وعضوي فقط.


Khaldoun M Zain الروح والعقل لهما اساس عضوي وعضوي فقط...أخي نظير هل لك أن تشرح لي أكثر ماالمقصود أن الروح لها أساس عضوي ؟ وهل تتحلل كما يتحلل الجسد عند الموت ؟ كيف يمكن تفسير ذلك بالاعتماد على الفلسفة ؟


Ahmad Nazir Atassi Khaldoun M Zain شكرا خلدون هذا من لطفك. بالنسبة للروح فلا يزال البحث بعيدا عن الاستنتاج النهائي. يشترك في البحث البيولوجيا والسيكولوجيا والفلسفة وكذلك الدراسات الدينية. مقولتي عن الروح هي قناعة شخصية وليست مقولة علمية قطعية تدعمها حجة. لكن قناعتي مبنية على منهجية في البحث اتبعها اسمها المنظوماتية. في المنظوماتية هناك فكرة الانبثاق، اي ظهور شيء جديد من اجتماع وترابط اشياء اخرى. مثلا اذا جمعنا وشائع ومغناطيس وتيار كهربائي في جسم مثل المحرك فاننا نحصل على حركة دوراتية. هذه الحركة هي نتيجة علاقة المكونات السابقة. وهذه الحركة لم تكن موجودة قبلا ولا توجد اذا لم تترابط المكونات بعلاقة. عندمل يتوقف المحرك لتوقف التيار فاننا لا نقول بان الحركة كانت شيئا وتحللت. كل ما هنالك ان المنظومة توقفت. الروح هي الانبثاق الناتج عن ترابط عناصرالجسد والدماغ، وحتى الدماغ فانه مجموعة منظومات كل منها يعطي انبثاقا مخالفا. واحدة تعطي الذاكرة وواحدة تعطي الخيالات وواحدة تعطي الكلمات وواحدة تعطي سيل الافكار. هذه الانبثاقات تعيش في عالم مجرد. خد الكمبيوتر. الترانزيستورات لها حالتان الانقطاع والاشباع. الانقطاع يعني فولتاج صفر والاشباع يعني فولتاج ١٢ فولت، الانبثاق يحصل عندما نفكر في الفولتاج كرموز صفر وواحد. هذه الرموز تسمح بالقيام بعمليات حسابية ومنطقية وذاكرة وتلقي معلومات واصدار اشارات. هذه العمليات هي ايضا انبثاقات. استخدام هذه العمليات في خوارزمية معينة يعطينا صورة او صوت او برنامج معين. هذه ايضا انبثاقات. الانسان عنده انبثاقات مماثلة بحيث يستطيع تلقي انبثاقات الكمبيوتر على نفس مستوى التجريد. الروح او العقل هي انبثاق مركب من مئات المستويات من الانبثاقات. في النهاية، الدماغ هو مجموعة عصبونات نتبادل تيارا كهربائي، تماما مثل الكمبيوتر الذي هو في النهاية ترانزيستورات تتبادل تيار كهربائي

5 آذار 2020، ما هو الحاضر؟

ماهو الحاضر؟ هل هناك زمن يجري فعلا؟ ما هو الماضي؟ اقول بأن الانسان يعيش ضمن اطار نافذة زمنية مؤلفة من ثلاثة اجيال: جيل الجدود، جيل الأهل، وجيل الاولاد. هذا هو الحاضر بالنسبة لي. لكنه لا يتوقف. اذ يذهب الجدود، ويصبح اهل الامس جدودا، ونصبح آباءا، ويصبح اولادنا احفادا. كل فرد في النافذة المتحركة يلعب كل تلك الادوار في ازمنة متعاقبة خطيا. تزداد ذاكرة العضو وكذلك خبرته مع تحرك النافذة. وعندما نقترب من حافة النافذة ونستعد للخروج، كيف سنتعامل مع ذلك الكم من الذكريات الآيلة الى الزوال؟