سمات المنظوماتية
محتويات
- ١ 11 آذار 2020، كيف تتحرك المنظومة بغض النظر عن ارادة افرادها وعن وعيهم لكامل المنظومة؟
- ٢ 11 آذار 2020، كيف نجمع بين اللاوعي الماكروي والنصيحة بفعل كذا وكذا؟
- ٣ 11 آذار 2020، السببية
- ٤ 12 آذار 2020، السببية وتحليل قصة موت عين
- ٥ 13 آذار، 2020
- ٦ 15 آذار، 2020
- ٧ 15 آذار، 2020 - سمات منظوماتية ج 5 - الوعي الماكروي ,اثره
11 آذار 2020، كيف تتحرك المنظومة بغض النظر عن ارادة افرادها وعن وعيهم لكامل المنظومة؟
- سمات_منظوماتية ج١
كيف تتحرك المنظومة بغض النظر عن ارادة افرادها وعن وعيهم لكامل المنظومة؟ اولا-يجب التنويه الى اننا نتحدث عن المنظومات ذاتية التنظيم. الشركة منظومة لكنها هرمية وخارجية التنظيم، اي ان لها صانع ومدبر وموجه. وهي غالبا هرمية مما يمكن الرأس من توجيه الاطراف ومراقبتهم ومساءلتهم. اما مجموعة الاصدقاء، او مجتمع الحارة او القرية، او مجتمع المدينة او البلد، فهي ذاتية التنظيم. المجتمع الدولي، مجموع دول العالم، والاقتصاد العالمي هي منظومات ذاتية التنظيم. فوضى الحرب، اقتصاد الحرب، والمليشيات هي ايضا منظومات ذاتية التنظيم. حتى تنتقل منظومة ما من التنظيم الذاتي الى التنظيم الخارجي المفروض فرضا فان على القوة الفارضة الناظمة ان تضخ كماً هائلا من الطاقة وان تستخلص كما هائلا من العلومات وان تقدر على الوصول الى كافة اجزاء المنظومة. علاقة النظام السوري مثلا بالمجتمع كانت هرمية ومفروضة ومضبوطة لكن الحرب كسرت ادوات الضبط فأصبحت العلاقة بين النظام والمجتمع فوضوية وبالتالي ذاتية التنظيم. ولذلك نرى ان اية قوة خارجية ترغب في فرض نظام حكم في سوريا فان عليها ضخ اموال هائلة وقوة عسكرية ضابطة هائلة. وهذا ما يحجم عنه الجميع خشية التورط. ولذلك فالحالة السورية، او العلاقة بين الفواعل الداخلية والخارجية والنظام، ذاتية التنظيم. وكل ما تستطيع القوى المتنفذة فعله هو الفعل الخفيف والبطيء ثم كثير من المراقبة والانتظار. وهذا ما يجعل اي مراقب للوضع محبطا وفاقدا للامل. لكن هذا لن يدوم. ثانيا-المنظومة ليست المجموع الميكانيكي لافرادها. فلنأخذ مجموعة من الاصدقاء الذين يعيشون لوحدهم بحيث يتفاعلون كل يوم ويتخذون قراراتهم ضمن الجماعة ودون اي فرض خارجي غير البيئة المحيطة من جغرافيا طبيعية وبشرية. جماعة الاصدقاء لا يتلقون اموالا او قرارات خارجية وانما يستجيبون لضغط البيئة المحيطة. هذه الضغوط نسميها المداخيل (جمع مُدخَل). وتصرفات المجموعة تجاه البيئة المحيطة نسميها المخاريج (جمع مُخرَج). كيف نعرف ان منظومة الاصدقاء مختلفة عن مكوناتها الفردية؟ إذا عزلنا اي فرد في الجماعة وراقبناه لوحده فان نتيجة الملاحظة ستكون مختلفة عن ملاخظتنا للفرد داخل الجماعة. وهذا نعرفه جميعا فتصرفاتنا تحتلف باختلاف الجماعة التي منحرك ضمنها سواءا الاهل او الاصدقاء او العمل او النادي. جماعة الاصدقاء من خلال المبادلات بينهم تتحول الى عالم خاص له اخلاقه وادواره ووظائفه ومعاييره. وهذه الجماعة عندما تتحول الى منظومة فانها تتصرف كشخص واحد، فهي تأخذ قراراتها جمعيا وبقبول الجميع. وهي تتحرك وتتغير ككتلة واحدة. والجماعة تضمن ذلك من خلال انتاج هوية، او عصبية خاصة بالجماعة بحيث الداخل الجديد إليها يكون غريبا ومعزولا، والمنتمي إليها يكون مقبولا لكنه خاضع لقواعد الجماعة وفروضها وحدودها. في هذه الجماعة المتماسكة والمتشابكة تنشأ مع الزمن علاقات تبادل وتكافل وتكامل وقنوات تواصل لاتخاذ القرارات وادوات للتعامل مع البيئة الخارجية. ستكون هناك بنية قيادة مهما كانت بسيطة، وسيكون هناك تخصص وتوزيع للادوار، وستكون هناك قواعد للتصرف وحدود، وسيكون هناك عقاب لمن يخرق الحدود ويهدد وجود الجماعة كجماعة منفصلة عن بقية ما حولها، وسيكون هناك تعريف للمصلحة لفردية وللمصلحة الجمعية، وستكون هناك آليات لتخطي التحديات ولحل النزاعات. في هذه الحالة فان كل فرد عندما يتصرف داخل الجماعة فانه يعي ما يفعله فهو يخضع للقواعد ويؤدي دوره ويتبادل مع الآخرين من خلال حسابات مصلحية اما لمصلحة الفرد او لمصلحة الجماعة. لكن الفرد لا يعي التوجهات العامة للجماعة. اي الأنساق الكبرى التي تحتاج لرؤيتها الى مراقب خارجي متمرس. نشوء العادات والتقاليد وتطورها هو توجه عام لا يعيه الافراد. الانقسامات الكبرى داخل الجماعة بسبب الصراع على الموارد الشحيحة مثلا لا يعيه الافراد، فصراعاتهم ستكون على ايديولوجيا او على تعريف العضوية او على طريقة الاستجابة لخطر خارجي. وستتأزم الاوضاع وستنقسم الجماعة لكن الافراد لا يعون خطوط الانقسام واسبابه العميقة، اي شح الموارد مثلا. لكن المراقب الخارجي المتمرس سيعرف ان المجموعة تسير نحو الانقسام. تفاصيل الاحداث لا تهم، الصراعات الثنائية لا تهم، الشتائم والاذية لا تهم، هذه التفاصيل متعددة وعشوائية، لكن التوجه العام نحو الانقسام ثابت ولن يتغير (ذا بقيت البيئة المحيطة على حالها). ثالثا- لنأخذ مجموعة أعرض.المجتمع السوري مثلا انقسم حسب خطوط الطوائف والعصبيات والاستفادة من النظام. السبب في ذلك كان شح الموارد والاحتكار المركزي الذي جعل من المستحيل اعادة توزيع الثروة على قطاعات واسعة من المجتمع. من منظور عام فان الحرب عشوائية، الموت عشوائي، تشكيل الفصائل عشوائي، تحركات الفصائل عشوائية، وكل القرارات اليومية لا يعرفها ويعيها الا اصحابها. اما التوجه العام نحو الانقسام على المحاور المذكورة فلم يكن يعيه الا قلائل او مراقبون خارجيون. ارادة الفواعل ليس لها تأثير كبير على مجرى التوجهات العامة. وليس ذلك لأن الافراد مسلوبو الارادة او لانهم مسيَّرون، لا بل لأن افعالهم متعاكسة وذات احتكاك عالي وتبدد آثار بعضها على بعضها الآخر. ولا يجب ان ننظر الى الحالة على انها عشوائية على المستوى الدقيق الميكروي وحتمية على المستوى العام الماكروي، اذ حتى خطوط الانقسام ونسبه قد تحتوي على اجزاء يستحيل توقعها. هذه الفكرة أساسية في فهم عمل المنظومات ذاتية التنظيم: عشوائية الافعال على المستوى الميكروي، وانتظام (وليس حتمية) التوجهات على المستوى الماكروي. في ديناميك السوائل مثلا نلاحظ الشيء ذاته، لكن هناك فرق كبير وهو ان مجموع الافعال الميكروية (حسب تعريف عملية الجمع، وهي هنا التكامل الرياضي) تعطينا تماما التوجهات الكبرى. فمجموع حركة الالكترونات تحت تأثير الفضاء الكهرطيسي ستعطينا قانون أوم البسيط. لكن في المجتمعات فان هذه الالكترونات لها ارادة وفعل ذاتي، ونسبة خضوعها للفضاء الناظم غير متجانسة. ولذلك فمن الصعب القفز من الميكروي الى الماكروي. لا بد ان هناك عملية جمع لم نكتشفها بعد ستشرح القفز بين المستويين. مما لا شك فيه ان الافعال الميكروية تحدث ضمن حدود التوجه العام. اي ان الخيارات محدودة. صحيح ان خيارات الافراد الثائرين ازدادت عددا لكنها بقيت محدودة من خلال علاقتها بخيارات فاعلين آخرين. أهالي الحي او القرية التي استهدفتها قوات الامن والجيش اعتبروا ان الخيار الوحيد المتاح هو الدفاع عن ممتلكاتهم بينما اعتبرت المخابرات ان القمع هو خيارها الوحيد. هذه العقليات هي التي تحد الخيارات وهذه الحدود هي التي ترسم التوجه العام نحو الحرب والانقسام. مهما حاول البعض وقف التوجه نحو التسليح فان افعالهم باءت بالفشل امام هذا الاعتقاد بحتمية خيار التسليح والمقاومة. ومهما حاول البعض في صفوف النظام الدعوة الى ضبط النفس فان افعالهم باءت بالفشل اما ماعتقاد المخابرات بوجوب الدفاع عن هيبة الدولة وعن امتيازات النظام. هذا التوتر بين الممكن والمتخيل، وهذا التوتر بين الميكروي والماكروي، وبين الارادة والحتمية، وبين الوعي الميكروي واللاوعي الماكروي هو ما يميز المنظومات.
11 آذار 2020، كيف نجمع بين اللاوعي الماكروي والنصيحة بفعل كذا وكذا؟
- سمات_منظوماتية ج٢
كيف نجمع بين اللاوعي الماكروي والنصيحة بفعل كذا وكذا؟ كيف استطيع ان اقول للناس ادعموا المحلية والقطاع الخاص، بينما اؤكد بأن التوجهات العامة لا يعيها الافراد في المنظومة؟ هذا ممكن في حالة ان الناصح موجود خارج المنظومة ويستطيع ان يرى التوجهات العامة. منظومة الازمة السورية معقدة ومؤلمة، وكلنا مربوط شعوريا بها بطريقة او بأخرى، وكلنا تأثرنا بأحداثها ونحاول التأثير فيها. لكننا لسنا جميعنا اعضاءا فيها. مراقبة وفهم المنظومة يعني أولا رسم حدودها ومعرفة اعضائها والفاعلين فيها سلبا او ايجابا. منظومة حرب الشمال الغربي او ادلب لا يشترك فيها الا المقاتلون والسكان وتركيا وروسيا وميليشيات ايران. نحن فقط متفرجون في هذه المنظومة. لسنا جزءا منها ولسنا من مداخيلها الا اذا كنا نرسل اموالا لاهل المنطقة او للمتحاربين فيها. منظومة المجتمع السوري داخل سوريا وعلاقته بالنظام، لاتحتوينا ايضا. منظومة صراع القوى الاقليمية والعالمية لا تشملنا. نحن اجزاء من منظومة تتشكل يمكن تسميتها بمنظومة الجاليات او منظومة المهجرين. وبالتالي فان تأثيرنا في منظومة الداخل هو مجرد مداخيل لتلك المنظومة وليس جزءا من ديناميكيتها. تحديد المنظومة واجزائها ومداخيلها ومخاريجها وعلاقاتها اساسي في فهم عملها. من الصعب احيانا القبول بهامشيتنا في بعض المنظومات التي تؤثر في حياتنا ماديا او معنويا. ارتباط الواحد منا بحياته الماضية في سوريا لا يعني ابدا انه جزء من ديناميكية منظومة الداخل. هذا التحديد الرغائبي للموقع والادوار قد يخلق الكثير من الارتباك والاحباط. لكن في النهاية عندما نحدد موقعنا بالنسبة لكل منظومة فاننا سنعرف كيف نصمم افعالنا بحيث تكون في المكان المناسب. اذا كنت خارج منظومة ما فان تأثيرك لن يكون مباشرا. بل سيكون محدودا ومحددا بطبيعة مداخيل ومخاريج تلك المنظومة وكيفية تأثيرها في المنظومة وتأثرها بها. من خارج المنظومة انت تنظر الى صندوق اسود لا تعرف بالضرورة كيف يعمل. فاذا كان الفعل الوحيد المتاح لك هو ان تعطي منحة لجمعية اغاثية، فانك ستكون محدودا بطبيعة وفاعلية هذا النوع من المداخيل. في منظومة الحرب، الجمعيات الاغاثية ساهمت في استمرار الحرب وليس في تخفيف معاناة الضحايا. هذه المقولة الصادمة تبدو غير منطقية ومخالفة لكل ما نعرفه عن السببية. انت تعطي لتغيث ملهوفا. المال الذي اعطيته يذهب لشراء سلة اغاثية، السلة تصل الى المحتاج، اذن انت اغثت ذلك المحتاج. في الحقيقة، تسلسل الاحداث لم يكن بهذه السهولة. انت تبرعت بمبلغ لمجموعة تسمي نفسها اغاثية. هذه المجموعة مرتبطة بشبكة لنقل الاموال الى تركيا، وبشبكة من المشترين بالجملة في تركيا، وبشبكة من الموردين، وبشبكة من وسائل النقل الى الداخل، وبشبكة من المستودعات في الداخل، وبشبكة من الموزعين، ثم قد يصل تأثير مالك الى الملهوفين. كل شبكة تأخذ نسبة لقاء خدماتها. وكل شبكة تسعى لاستمرارها لان مسيرة مال الاغاثة قد اصبح مصدر عيشها الوحيد في جو الحرب. احد افراد اي شبكة قد يسرق من المال، المال سيتحول الى مواد غذائية، الموردون للمواد الغذائية يرفعون الاسعار ويحتكرون المواد ويبيعون موادا منتهية الصلاحية. لا بل المورد الاصلي قد يكون رامي مخلوف الذي استولى على مواد الاغاثة من الامم المتحدة وباعها في السوق السوداء حيث تم تهريبها الى تركيا نظرا لرخصها ثم يشتريها المشتري بالجملة. فصيل او ميليشيا قد يعترض طريق السائق ويأخذ الحمولة او خوة على الحمولة. وعندما تصل الحمولة الى المنطقة الملهوفة فانه يجب تمريرها عبر الحصار وهذا يكون اما من خلال الانفاق او من خلال حواجز المليشيات، وهذه بدورها تأخذ خوة. عندما تصل المواد الى المنطقة المحاصرة يحتكرها الفصيل ويبيعها للناس بأضعاف كلفتها. المال الذي ربحه من الاحتكار يشتري به سلاحا وذخيرة. مورد السلاح والذخيرة هو في الحقيقة احد قادة المليشيات التي تحاصر نفس المنطقة. هذا يعني ان ٨٠ بالمئة او اكثر من مالك الاغاثي قد ذهب لدعم كل تلك الشبكات التي تعتاش من الحرب والتي لها مصلحة حقيقية في استمرار الحرب. وفي بعض الحالات كانت الفصائل والمليشيات تفتعل حروبا صغيرا من اجل ان يستمر تدفق المال الاغاثي الذي يستفيد منه الطرفان. في النهاية فان المال الاغاثي ساهم في استمرار منظومة الحرب واقتصادها. ولا يعني هذا اخي المتبرع ان هناك علاقك سببية بين نواياك واستمرار الحرب. كل ما هنالك هو انك لا ترى تفاصيل المنظومة التي تضخ فيها الاموال. احد اهم وسائل انهاء الحرب كانت في القضاء على ذلك الاقتصاد. الروس هم الذين قضوا عليه. ليس بسبب نواياهم الحسنة فهم قتلة، لكن بسبب ان مصالحهم اصبحت تتعارض مع مصالح الفصائل والميليشيات. حتى تركيا فعلت ذات الشيء. هذا ليس تحليلي فانا كنت بعيدا عن ديناميكية الاغاثة. لكنه تحليل صديق كان قريبا من تلك الديناميكية لكنه كان في موقع المراقب الخارجي. انا وهو تناقشنا في سلسلة الاغاثة هذه ووصفنا فواعلها وعلاقاتهم ومداخيلها ومخاريجها وفهمنا علاقتها بمنظومة اقتصاد الحرب في الداخل. وذلك لأننا لسنا مقاتلين في الداخل ولا ميليشيات. وكمراقبين خارجيين استطعنا ان نتوقع التوجه العام للحرب في السنوات الثلاث الاخيرة. ومن نفس الموقع عرفنا ان القصف الروسي سيؤدي بالمحصلة الى تفكيك اقتصاد الحرب. وهنا انتقلنا الى فهم منظومة النظام في الداخل ومنظومة التدخل الروسي والاوروبي والامريكي. فهمنا لهذه المنظومات ومواقعنا بالنسبة لها اعطانا امكانية اقتراح افعال معينة نعرف انها ان حصلت فستؤثر على فواعل محددة وديناميكيات محددة من اجل الوصول الى اهداف محددة. على هذا الاساس وبهذه الطريقة يمكن للمراقب الخارجي ان يعطي نصائح للفواعل المنخرطين في المنظومات المختلفة. لكن هل هذا يعني ان نصائحنا ستطبق بحذافيرها؟ وهل هذا يعني ان الاهداف التي رسمناها ستتحقق وان التلاعب بالمنظومات المختلفة سيتم كما تخيلنا؟ بالطبع لا، بالطبع لا. لكن نعود الى الفكرة الاولى وهي ان المستقبل ينبع من الماضي والحاضر فعليك ان تساهم في صنعهما، وان التوجهات العامة تحد من فاعلية التأثيرات والافعال المختلفة. كل ما هنالك هو اننا نحاول فهم المنظومة واقتراح الافعال في المواقع التي نعتقد ان لها تأثير كبير لانها تقوي التوجهات العامة وتسير معها. وفي كل لحظة نحدث ونجدد نصائحنا حسب المعلومات والتغذية الراجعة. ونأمل ان تصل المنظومات الى الاستقرار الذي نريده او قريبا منه. ومع ذلك فان هناك منظومة نحن جزء منها ولا نعي عملها وتوجهاتها وبالتالي لن نستطيع توقع تأثيرها. في النهاية نأمل ان ينشأ ذلك التوجه العام الذي يسير نحو مستقبل كان لنا يد في رسم بعض ملامحه. ولذلك نحن لا نقترح حلولا تفصيلية وانما ملامح عامة تراعي التوجهات العامة والديناميكيات. فهل هذا تفكير ليبرالي او نيوليبرالي او واقعي او مثالي. ان محاولة التصنيف بحد ذاتها ليست جزءا من عملنا. التصنيف يعني الماهية الثابتة، ونحن نسير مع المنظومات، نجلس على حدودها ونراقب توجهاتها العامة ونصمم الافعال والنصائح على ضوء الاحداث والاهداف. بعض الافكار قد تشبه الليبرالية، وبعضها اشتراكية، وبعضها واقعية، وبعضها انبطاحية. لكن الاساس هو ان هذه الافكار لا تخضع لتصنيفات وانما للديناميكيات والاهداف الممكنة والتي هي دائمة الحركة والتغير. غالبا الناس يستخدمون التصنيفات لان النموذج الوصفي للاحداث الذي يستخدمونه هو نموذج سببي وغير متحرك، او هو محكوم بغايات ميتافيزيقية. وهذه النماذج هي ما اسميه بالايديولوجيا. وليس هذا اتهاما لاحد فكلنا نستخدم هذه النماذج السببية. لكن ما اطرحه هنا يعطينا هامش فعل اكبر بكثير مما نتخيل، ابعد من التنوير والتعليم والنخبوية والدولة المركزية (وهي منظومة هرمية غير ذاتية التنظيم، ولهذا فهي جامدة وتنتهي بالاحتكار والديكتاتورية).
حسام الدين درويش يسلمو مرة تانية: تعليقات سريعة: حتى من هو داخل المنظومة يمكن أن يرى ما يراه من هو خارج المنظومة، إن لم يكن مباشرة، فعبر هذا الأخير. يعني يمكن أن يقرأ كلامك هذا شخص من داخل المنظومة التي نتحدث عنها ويقتنع بكلامك ويرى المنظومة التي هو جزء منها من خلال منظورك. معرفة النتائج وردود العفل الممكنة وتغير الوعي في خصوصها يمكن أن يغير في عمل الفعل قبل فعله، بحيث يتحول ما كان مجرد نتيجة غير معروفة للفاعلين هدفًا وغايةً أو أمرًا مأخوذًا في الحسبان ومقبولًا. وبهذا تزول الهوة المفترضة بين وعي من هم خارج المنظومة ووعي الفاعلين. من هو خارج المنظومة قد يؤثر أكثر ممن هو داخل المنظومة. وليس هناك منظومة معزولة بالكامل عن المنظومات الأخرى على الأرجح، ويبدو ذلك واضحًا في عالم السياسة المعاصرة. وبهذا يمكن للخارج أن يؤثر في الداخل أكثر من تأثير هذا الداخل في نفسه. وبهذا المعنى يكون الخارج جزءًا من الداخل وليس نقيضًا له. تتمة للملاحظة السابقة أجد إشكاليًّا جدًّا وضع حدود ما لمنظومة ما، والأكثر إشكالية هو توضيح علاقات التفاعل والتداخل بينها وبين المنظومات الأخرى. لفهم ما يحصل في عالم الإنسان لا ينبغي الاقتصار على فهم نتائج الأفعال/ الأحداث/ البنى فحسب، بل ينبغي أخذ الغايات والدوافع بالحسبان. خصوصًا إذا كنا نود توظيف معرفتنا لتوجيه نصائح، والنصيحة فعل معياري بامتياز أود أن أستفسرعن غرضك من الفهم أو التفسير أو امتلاك المعرفة عن الواقع؟ 1- ما الغاية أو ما غايتك من ذلك؟ 2-وإلى أي منظومة ينتمي هذا الفعل؟ للحديث بقايا وشظايا يسلموووووووووووو
Ahmad Nazir Atassi
بالنسبة للملاحظة الاولى، من في الداخل قد يعتمد رأي المراقب الخارجي. وهذا يعني ان ادراك المنظومة من الداخل ممكن.
كان يجب ان انتبه اكثر لاستخدامي للكليات. النفي الكلي القاطع غير صحيح: مقولة "كل من هو ميكروي داخل المنظومة لا يستطيع ادراك توجهاتها العامة". طبعا اذا وجدنا ولو شخصا واحدا يقدر ان يرى المنظومة من منظور ميكروي فان المقولة تصبح خاطئة. مع ان هذا من اوليات المنطق، إلا ان مثل هذا النقاش غير منتج هنا. يمكن ان اقول "الغالبية العظمى" بدل "كل" وبذلك يزول هذا الاعتراض. لكن بما ان مثالك المناقض كان شديد الخصوصية فلابد من اخذه بعين الاعتبار. هل يمكن ان ينقل المراقب الخارجي معارفه الماكروية لاحد الفاعلين داخل المنظومة؟ نعم هذا ممكن وهذا ما نفعله. لكن هذا المثال لا ينقض المقولة من جذرها. حسب خبرتنا فانه من الصعب اقناع الفاعلين في المنظومة بالتوجهات العامة. الفاعل يشتبك مع المنظومة كل لحظة وهو بذلك يتلقى معلومات مستمرة عن ديناميكية المنظومة. هذه المعلومات تخص التفاصيل الدقيقة، وهذا الفاعل سيضيع عاجلا ام اجلا في هذه التفاصيل. وهذا ما قصدته في منشور سابق "بقهر التفاصيل". الفاعل يستخلص توقعاته الخاصة من معلوماته الانية والتفصيلية، وهذه التوقعات خطية وقصيرة الامد. التوجهات الكبرى غير خطية وبعيدة الامد. ولذلك قد تبدو متناقضة مع استقراء التفاصيل الدقيقة. كذلك فان الفاعل لا يتلقى معلومات عامة وشاملة عن المنظومة بل معلومات عن اختصاصه ودوره وعن الادوار المتشابكة معه. من الصعب جدا والحال هذى ان يرى الصورة الكبرى.
هذا عن غالبية الفاعلين، لكن يبقى مثالك قائما وممكنا. ماذا لو اكتشف نظير الصورة الكبرى للحرب في الشمال وتوجهاتها، ونقلها الى احد المسؤولين الروس المنخرطين في اتخاذ القرار في روسيا. اذا اقتنع هذا المسؤول برؤية نظير فانه يمكن ان يتخذ قرارا قد يغير من مجرى الحرب. هل هذا ممكن؟
Ahmad Nazir Atassi منظومة الحرب فيها قوات من جميع الاطراف، فيها سياسيون وديبلوماسيون، وفيها قادة وصناع قرار، وفيها احداث لا يمكن توقعها. هل ذلك المسؤول الروسي داخل منظومة الحرب ام خارجها؟ اذا كان جنديا او جنرالا في غرفة العمليات فانه لن يقابلني ليستمع لنظرة شمولية. انخراطه الشديد يحجبه تماما عن الصورة الاكبر. ماذا لو كان مسؤولا في وزارة الخارجية الروسية؟ هذا المسؤول جرء من منظومة الصراع القائم، ويعمل ضمن الجزء الديبلوماسي وليس ضمن الجزء العسكري. اي انه خارجي بالنسبة للجزء العسكري على الارض وبالتالي فهو قادر على ومستعد لقبول صورة شاملة عن انتجاهار المعركة. وماذا عن الجزء الديبلوماسي من المنظومة؟ هل يقدر على ادراك الصورة العامة للجزء الديبلوماسي. اذا كان مسؤولا درجة عاشرة في وزارة الخارجية، مشغولا يوميا بالتقارير والاخبار، فانه لن يفهم الصورة العامة عن الجزء الديبلوماسي اذ لا يعرف ما يكفي عنها وما يعرفه محدود ومحلي وقد يتناقض مع التوجهات الكبرى. فماذا لو كان لافروف نفسه، اي وزير الخارجية، فهل سيفهم على نظير؟ نعم، لا بل قد يكون عنده ما لم يستطع نظير جمع معلومات كافية عنه. لكن اذا كانت التوجهات العامة المتوقعة مخالفة لمعارفن او لمصالحه، فانه لن يقبلها. بهذه الطريقة تستمر الاتوجهات العامة بالعمل. ولنفرض انه فعلا فهم الصورة الكبرى، فكيف استطيع ان افسر هذا، وهل هو مناقض لمقولتي اعلاه (مع استخدام الغالبية بدل كل). هدا هو جمال المؤسسات يا صديقي. انها مكونة من عشرات المستويات من العاملين محشورين ضمن هيكلية تراتبية هرمية. انه في الجزء المؤسساتي من المنظومة التي هي الحرب في الشمال الغربي. الجزء المؤسساتي يوفر حسب بنيته الهرمية فرصا لرؤوس الهرم كي يكونوا بعيدين عما يجري على الارض. هذه الهرمية تفلتر المعلومات. عندما تصل الى الرأس فان لهذه المعلومات اتساع شمولي قريب من التوجهات العامة حسب نظير. هذا جيد جدا. لكن رؤية نظير الشمولية والبعيدة المدى لمنظومة الحرب يجب ان تشمل دور لافروف
11 آذار 2020، السببية
- سمات_منظوماتية ج٣
السببية عندما بدأت بدراسة التاريخ كان كل استاذ يعيد على مسامعنا اهمية السببية. فالناريخ بالنسبة له هو اثبات علاقة سببية بين سلسلة من الاحداث تربط بين حدثين سين وعين. سين يؤدي الى ألف، وألف إلى باء وهكذا حتى نصل إلى عين. احد الأساتذة قال بأن المؤرخ الجيد هو من يربط بين الاحداث بطريقة معقولة ومقبولة للقارئ، أي انه يقنع القارئ. لكن الاستاذ كان يعتقد بأن النجاح في ربط سين مع عين هو إثبات لحقيقة تاريخية، او كما كان يقول "إعادة سرد الأحداث كما وقعت فعلا". الاقناع بالنسبة لي لم يكن بالضرورة اظهار الحقيقة الواقعية، انه مجرد محاولة لانتاج اجماع. لكن عند البشر، الاجماع يحل محل الحقيقة، او كما يقول الجديث المنسوب للرسول، ما أجمعت أمتي على خطأ. كلما كانت الحكاية التي ينسجها المؤرخ اقرب الى السببية كلما كانت قوة اقناعها اكبر. عندما نثبت ان فلان طعن فلان مما ادى الى موت الاخير فاننا امام حقيقة ساطعة نحكم على اساسها على الجاني ونقتص منه. هذه الحقيقة ساطعة الى درجة اننا على اساسها نقتل انسانا لانه قتل انسانا آخر. اي على اساسها نقرر ان القتل الاول كان جريمة غير مشروعة، وأن القتل الثاني كان عقابا مشروعا وضروريا. ونسمي هذا العدل. اي ان السببية اساسية لاقامة العدل، والعدل اساسي في بقاء المجتمع.غي هذه العملية يخسر المجتمع شخصين، لكنه يعتقد بأنه كسب ما هو اثمن من حياة شخصين، أي العدالة. فلننظر اذن في تلك السببية ولنر كيف تعمل ولماذا نعتقد بأهميتها. أحب ان اعطي المثال التالي. شخص سين رأي الشخص عين يتمشى على حافة الجرف المطل على البحر. الاثنان يعشقان الفتاة نفسها ويتنافسان على كسب ودها. سين اغنى من عين وأكثر سطوة، لكن يبدو ان الفتاة معجبة بفتوة عين واظهرت ميولا نحوه مما اغاظ سين وخاصة ان الفتاة غنية وعين ليس من مستواهما. والد سين من وجهاء البلد وله ساطة وكلمة مسموعة لأنه اكبر مشغّل في البلد اذ انه يملك المصنع الوحيد الذي يعمل فيه معظم اهل البلد بما فيهم عين. عين مجرد عامل لكنه وسبم وذكي. انه نجم صاعد في نقابة العمال التي بدأت تفرض نفسها على صاحب العمل والد سين. على الجرف، اقترب سين من عين حيث كانا يسيران في اتجاهين متعاكسين. الطريق على الجرف ضيقة ولا تتسع الا لشخص واحد. سين لن يميل عن طريقه ليفسح المجال لعين فالفرق في المكانة كبير. كان احد العمال الموالين لصاحب العمل برفقة سين يتزلف له ويمسك لجام فرسه. عين لم يجد حرجا في التنحي عن الطريق فهذه الحركات الصبيانية لا تهمه. لكن المرافق انحاز بالفرس الى طرف الجرف فاضطر عين الى الانحياز الى طرف الهاوية. وعندما تجاور الفرس مع عين، غمز سين لمرافقه فلكز المرافق الفرس بقضيبه فذعر الفرس وجمح على ساقيه الخلفيتين. بشكل عفوي تمادى عين في الابتعاد عن الفرس الجامح رافعا يد لكن باتج وجههاه الهاوية. هنا زلت قدم عين عندما تفتت التراب تحتها وسقط من اعلى الجرف الى الصخور تحته. انقلب جسده ١٨٠ درجة اثناء السقوط بسبب انه وقع وظهره للهاوية ليبتعد بوجهه عن اقدام الحصان الجامح. فجت الصخور الصلبة رأس عين ومات من فوره. السؤال هنا هو التالي: من القاتل؟ من هو السبب في موت عين؟ ممن سيقتص المجتمع؟ وكيف سيحقق العدالة؟
12 آذار 2020، السببية وتحليل قصة موت عين
- سمات_منظوماتية ج٤
السببية وتحليل قصة موت عين الصديق حسام الدين درويش سماها سياقات، والصديقة Reem Alhaj سمته التبعات، والصديق Ali Madani سماها درجات، أما انا فسأسميها منظومات. في الحادثة التي انتهت بموت الشاب عين يمكن التمييز بين مجموعة منظومات او سياقات مختلفة. سنفصل هذه المنظومات وندرس السبببة ضمن كل واحدة منها. المنظومة الاولى هي مثلث الحب بين سين وعين والفتاة الجميلة. سين وعين يحبان الفتاة بشغف وهي تميل الى عين، لكنها لم ترفض سين بالكامل. علاقة الحب عميقة وشديدة التأثير لأنها الديناميكية التي تضمن بقاء النوع، ولذلك فإن هذه المنظومة محفورة في الجينات وفي العقل، وكل مجتمع عنده نسخة منها، مختلفة بالتفاصيل لكن متشابهة بالادوار والعلاقات والمآلات. لو لم يقع سين في حب الفتاة لما تعرف على عين ولما اصبح عين محل غيرة وكره فينظر سين. التزاوج علاقة اقصائية. الرجل يجلمع المرأة حتى يضمن مرور الجينات وانتاج الوليد الحامل لها، وهو يحلول طرد اي ذكر آخر ينافسه في تمرير جيناته. انها علاقة صراع تنافسي. ليس من المستغرب او غير المعروف ان ينتهي مثلث حب بمقتل واحد او اثنين من رؤوس المثلث، وحتو الرؤوس الثلاثة في القصص التراجيدية. مع ان الحب موجود لانتاج الحياة، لكن الموت مرافق له وليس بعيدا عنه ويقد يكون احد نتائج منظومة الحب. الطبيعة بشكل عام هي توازن بين الحياة والموت، انهما مترافقان دوما. من غير الصعب توقع موت احد الاطراف في هذه العلاقة. واذا اضفنا الى منظومة الحب المنظومة الاجتماعية فان قصة عين ليست الا قصة موت معلن. يمكن ان نقول ان "من الحب ما قتل" وبالتالي فان سبب موت عين هو الحب من هذا المنظور. عندما دخل الثلاثة في هذه العلاقة فان المنظومة البيولوجية تفعلت واخذت مسارها المعروف. واذا قسنا عدد مثلثات الحب التي تنتهي بقتل واحد من الاطراف على الاقل ونسبناها الى مجموع مثلثات الحب في مجتمع ما فان هذه النسبة ستعطينا احتمال مقتل سين. ولنقل ان هذه النسبة هي ثلاثين بالمئة. اذن يمكننا ان نتوقع بنسبة ثلاثين بالمئة ان عين سينتهي ميتا خلال عدة اشهر. اذن الحب له دور في مقتل عين، ولا يمكن ان نقول ان دوره هو ثلاثين بالمئة لان النسبة هنا تكون واحد من مجموع كل الاحتمالات الممكنة لانتهاء قصة الحب تلك. أعمار المشتركين في مثلث الحب تغير من ديناميكية العلاقة. فاذا كانت الاعمار اعلى فان احتمال القتل يقل. لكننا نبقى ضمن نفس المنظومة لاننا نتعامل مع نفس الادوار ونفس الافعال وردود الافعال ونفس العلاقات ونفس المآلات. المنظومة الثانية اجتماعية- اقتصادية. اسرة سين تملك وسيلة الانتاج الاهم في البلدة، بينما عين احد العمال في معمل والد سين. التفاضل في امتلاك الثروة ووسائل الانتاج يترجم الى تفاضل في المكانة الاجتماعية. عندما يتحرك سين فانه لا يتحرك بمفرده بل مع حاشية، وهي هنا الحيوان والمرافق. دونية المرافق تضعه امام الفرس او الى جانبه، وتجعله سائس الفرس ويجهزه بقضيب ليمارس عمله كخادم او متملق. هذا الخادم على استعداد لعمل اي شيء لكسب ود وعطاءات سين. عين ايضا وخلال حياته وعمله في مشغل والد سين قد استبطن بعض ذلك التفاضل في المكانة. انه على استعداد لان يتنحى لسين وحاشيته، ولا يرى في ذلك بأسا بينما سين يعتبر ان تنحيه الى جانب الطريق مع حاشيته تهديد لمكانته. الفضاء الحيوي يتناسب مع المكانة الاجتماعية. سين يحتل فضاءا اوسع من ذلك الفضاء الذي يقبل به عين. تلرهانات كبيرة بالنسبة لسين بينما اقل بالنسبك لعين. ولذلك فان الاخير مستعد للتنحي عن الطريق. كان يمكن لعين ان يتخدى سين وحاشيته وان يرفض التنحي. وعندها فانه يعرف انه رفع رهاناته الى مستوى رهانات سين. سين سيبذل طاقة كبيرة للحفاظ على مكانته. وعلى عين ان يبذل الطاقة نفسها ليتحدى سين. اذا لم تغلب ذكورية عين على حساباته المنطقية فان احتمال تنحيه كبير. وبتنحيه هذا فانه يزيد من احتمال سقوطه. كان بامكانه ان يبادر الى التنحي بعيدا عن الهاوية. لكن سين وفضاءه الاوسع كانا اسرع. هنا لابد من ان نأخذ بالاعتبار نوايا سين ومرافقه. يمكن انهما خططا لحركاتهما حين شاهدا عين من بعيد. وهذا ينقلنا الى الانسان الفرد كمنظومة بحد ذاته، المنظومة الثالثة. العقل والجسد يعملان كمنظومة شديدة التعقيد مداخيلها افكار واحساسات ومشاهدات ومعلومات مجموعة من الحواس الخمسة، الطعام، ومخاريجها افكار واقوال وافعال. الكره الذي يحمله سين لعين يتناسب طردا مع التحدي الاجتماعي الذي يشكله فوز عين الافقر بالفتاة وخسارة سين للتنافس. الكره يحفز الانسان على صرف طاقة حتى يزيد نشاطه ويتجهز للحرب. هذه الطاقة تجعل بعض الخيارات المتطرفة والنادرة ممكنة. الانسان مثل الآلة، عندما يصرف طاقة اكبر فان دقات قلبه تتسارع وعضلاته تتقلص مما يجعل الجري والعنف ممكنا. كذلك فان الكره يؤثر في قرارات الانسان بأن يحصر خياراته بما يتناسب مع الخطر الذي حفز الكره. عين لا يكره سين لانه يعرف ان الفتاة تحبه. وكذلك فان رهاناته الاجتماعية اقل. ان عقل عين عقلاني اكثر لانه لا يرى اي خطر من جهة سين، ولذلك فهو سيقبل بالتنحي عن الطريق وفط الاتجاه الذي سيفرضه سين الذي حفزه كرهه على صرف وقت امثل للتخطيط لفعله. عين لا يرى معركة. لكن سين لا يرى الا المعركة. يمكننا ان نتوقع ان نوعا من الاذية سيأتي من سين باتجاه عين. الطبيعة البشرية حساباتها فرضت على عين مصيرا لم يكن يتوقعه وبالتالي فلم يأخذ حذره. المنظومة الرابعة اقتصادية-سياسية. عين نجم صاعد في السياسة العمالية. ان ذكاءه وشجاعته جعلته مرشحا محتملا لمنصب قيادي في النقابة العمالية التي تنظم العمال في مشغل والد سين. هذا الاخير كان يراقب تحركات عين منذ فترة. ان كاريزما عين وقدراته القيادية يحين يتم توظيفها في مؤسيك النقابة فان الراسمال السياسي للنقابة يرتفع ويشمل بالتالي خطرا على والد سين كمالك للمصنع. علاقة الانتاج في النظام الاقتصادي الرأسمالي تلقي بظلالها على كل شيء. العلاقة بين عين ووالد سين لن تكون الا صراعية وصفرية. في اجتماعات العائلة والد سين يذكر عين بالسوء مما يغذي مشاعر الكره عند سين. بالطبع الراسمال السياسي الذي تتمتع به اسرة يين يؤثر في القانون وفي تطبيقه. في هذه الحالك لا توجد مساواة بين سين وعين امان القانون. هذا يعني ان الضوابط الاجتماعية على سين معطلة بينما هي مفعلة على عين. خيارات سين حين يقرر كيف يتعامل مع مشكلة قد تشمل ما يعتبره المجتمع تابوا مثل القتل. هذا الخيار ليس متاحا لعين في حالة السلم. في حالة ثورة فان هذا الخيار يضبح متاحا لعين. موارد والد سين المالية والبشرية في خدمة اهواء سين. لا بل ان الوالد هو من طلب من احد العمال الموالين له ان يرافق سين وان يغتنم اية فرصة لخلق شجار بين سين وعين. هذا الشجار سيفعل الشرطة وسلطة القانون. ونعرف تماما ان الاثنين ليسا سواءا امام تلك المؤسسة. لعل المرافق فهم من غمزة سين ان المجال متاح لخلق شجار. ربما كان سين يريد ان يعمل مسرحية امام عين ليعرض ماله وقوته متمثلة بالفرس والخادم. وربما اعتقد المرافق بان التخويف الظاهر والمقصود للفرس سيجعل عين غاضبا وبالتالي قادرا علو اعتبار خيار العنف. هذا الخيار الذي هو في مصلحة سين لان القانون يقف معه. عمل عين في النقابة يجعله قادرا على ضبط افعاله وكلامه لانه في موقع الضعيف. ربما كان هذا الضبط وهذه العقلانية ما جعلاه يختار التنحي. العلاقات الاقتصادية السياسة لم تكن تعمل في مصلحة عين. المنظومة الخامسة هي منظومة التفاعل بين سين ومرافقه. سين اطلق رسالة لمرافقه بأن غمزه. لو لم توجد اية علاقة بين الاثنين فان ردة فعل المرافق لن تكون مرتبطة برسالة سين. علاقة التبعية جعلت مرور المعلومة من سين الى المرافق ممكنة. ولو لم يكن كلاهما قادرا على ارسال رسائل محملة بالمعنى وتلقيها واستخلاص المعنى منها لما كانت العلاقة بينهما ممكنة. اللغة ولغة الجسد وعلاقة التبعية بين سين والمرافق جعلت التعدي على عين ممكنا المنظومة السادسة هي منظومة تفاعل المجتمع مع جغرافية البلدة والطبيعة المحيطة. ساحل البحر مكان مناسب لانشاء قرية لان البحر طريق مواصلات ممتازة. لكن البحر قد يؤدي الى حت الشاطئ اذا كان الشاطئ مرتفعا ومكونا من صخور رملية. الجروف لا توجد على كل السواحل لكننا في هذه البلدة فان البحر وطبيعة الصخور تفرض وجود هذا التشكيل الطبيعي للصخور اي الجرف. الجروف تكون عادة غير مستقرة فالامواج الصاخبة في الشتاء يمكن ان تحفر في اسفل الجرف وان تقضم قسما كبيرا منه. هنا في حالتنا يبدو ان البلدة بعيدة عن الجرف بعض الشيء، فالجرف منطقة هامشية ويالتالي فان طرقاتها ضيقة وغير معبدة. المسالك التي تقترب من حافة الجرف تخطها الحيوانات والصيادون والمتنزهون. طرفية المكان وطبيعته جعلته ايضا متنزه لاهل القرية وخاصة المحبين بينهم. بجميع الاحوال لا احد ييبذل الجهد لدراسة سلامة المسلك واتخاز الاجراءات لخطه في مكان آخر او وضع اعمدة وقائية على الحافة. هامشية الجرف بالنسبة للبلدة ادت الى وجود مسلك لكنه مسلك غير آمن. لو كانت البلدة اكبر او اغنى لبذلت بعض المال لشق طرقات اكثر امانا ومجهزة باعمدة وعوارض وقائية. وهامشية المكان كمتنزه طرفي زادت من احتمال إلتقاء الشخصين. اذن عين هو الشخص المناسب في المكان الخطأ كما يقولون. لو كان مثلث الحب هذا في بيئة مختلفة لما وجد احتمال موت عين بالسقوط من حافة الجرف. هل يمكن ان نقول هنا ان الجغرافية الطبيعية والسكنية والصناعية تآمرت على عين وادت ولو بطريقة غير مباشرة الى موته. ان تفعيل هذه المنظومة جعل احتمال موت عين بالوقوع موجودا ومعقولا. المنظومة السابعة هي علاقة الحيوان بالانسان. الفرس حبوان أليف لكنه اذا ذعر فانه يتصرف بطريقة هائجة وغير متوقعة. المرافق يعرف تماما كيف يستثير الحيوان بحيث يدفعه نحو الهيجان. وعندما يهيج الفرس فانه يرفع قائمتيه الاماميتين ويقف فقط على قائمتيه الخلفيتين. هذا الوضع يجعل الفرس اطول بكثير من الانسان العادي ويجعله غير مأمون الجانب. الانسان يعرف ايضا ان ارتفاع الفرس الواقف على قائمتيه الخلفيتين قد يهدد منطقة حساسة عند الانسان هي الصدر والرقبة والرأس. في هذه الحالة سيرفع الانسان يديه ليحمي الجزء العلوي من جسده وسيشيح بجسده الى الخلف لخلق مسافة بين رأسه وبين قوائم الفرس، هذا الاندفاع النصفي نحو تلخلف سينقل مركز ثقل الفرد بعيدا عن المنطقة بين قدميه مما قد يخل بتوازنه ويؤدي الى سقوطه. الطبيعتين الحيوانية والبشرية والعلاقة بينهما خلقت ديناميكية بين عين والفرس لا تحمد عقباها. ويمكن ان نقول ان هذه الديناميكية لعبت دورا في موت عين. . المنظومة الثامنة هي الحيوان ككائن معقد وقادر على تلقي محرضات من الوسط والاستجابة لها بطريقة يمكن توقعها. المنظومة التاسعة هي علاقة بين جسم الانسان والوسط المحيط. في هذه الحالة، الجرف مكون من صخور رملية يمكن ان تتفتت تحت ثقل سين. ماذا لو كان الجرف من صخور الغرانيت، لما تفتت الارض تحت قدم عين واما وقع الى حتفه. المنظومة العاشرة هي الجاذبية بين الارض وجسم الانسان. ارتداد عين الى الخلف جعل مركز ثقله يبتعد عن المسافة بين قدميه مما جعل اعلى جسده يدور حول محور وسط جسده في حركة وقوع كما يقع قضيب مثلت من طرف واحد. هذ الاحساس بالسقوط جعل سين الانسان يدفع بقدمه اليمنى بقوة على الخلف لينقل مركز ثقل جسمه الى ما بين قدميه. هذه الحركة ضربت الارض الرملية وجعلتها تتفتت. وعندما تابع اعلى جسد عين بالسقوط فان اعلى جيده تابع دورانه حول محور وسط جسده فسقط على رأسه بدل قدميه او يديه. كذلك لو كان عين على كوكب اخر لاختلف تسارع سقوطه. على الجرف وتسارع الحاذبية جعل جسد عين يسقط بسرعة متغيرة طردا مع مربع الزمن. السرعة والكتلة يمكن ان يجعلا من بطيخة ساقطة شاقوليا على سيارة مسرعة مدمرة كقنبلة. طاقة الجسم الساقط الحركية حين ازتطم الجسم بالصخر القاسي في الاسفل عادت الى الجسد الاقل قساوة من الصخر مما جعل هذا الجسد ينشق وينفجر كتلك البطيخة. الجاذببة وقوانين الفيزياء كانت السبب المباشر الذي قضى على عين. اخيرا المنظومة الحادية عشر، الحياة هلى كوكب الارض. هذه الحياة، كمنظومة ذاتية التنظيم انتجت سين وعين والفرس والمرافق وعلاقات الكره. لو لم يولد واحد منهم على الاقل لما كان هناك موت. الحياة حكمت على عين بالموت منذ لحظة ولادته. المسألك كانت مسألة وقت وفرصة. ان الربط بين اشارة سين وموت عين عبر تفسير المرافق للاشارة، واتخاذه لقرار ضرب الفرس، ثم تعثر عين وسقوطه الذي ادى الى موته، هو ربط تعسفي. نحن انتقينا الحوادث التي تعنينا وحبكناها في سردية جعلت نوايا سين السبب في موت عين. هذا الانتقاء وهذا الربط خاضعان للمجتمع الانساني والحاجة الى بقائه. لو لم ننتق هذه الحوادث ونربط بينها ربطا سببيا فان افراد المجتمع سيتصرفون مثل سين او مثل المرافق مما سيعني بعد فترة تناقص عدد سكان المجتمع وربما زواله. هذا الربط السبب الانتقائي هو اساس فكرة العدالة. مفهوم الجريمة (النية والفعل والنتيجة) اساسي لبقاء المجتمع البشري وكذلك مفهوم القصاص والعدل. عين لن يعود من الموت، وسين او المرافق قد يقضيا سنوار من حيواتهما في السجن. المجتمع خسر ثلاثة اشخاص في تلك الحادثة. اولا خسر عين ثم خسر سين والمرافق، ليس لان سجن سين او المرافق سيعود بأية فائدة على عين. وانما الفائدة تعود على المجتمع ككل. المنظومة حافظت على وجودها. العدل غير الانصاف وغير المساواة. العدل هو معيار استمرار المجتمع وبقائه. فدونه سيقتل الافراد بعضهم بعضا دون عواقب وعقاب. وبالتالي سينتهي المجتمع كجماعة، كمنظومة. اخيرا، ان افعالنا لا تنتج كنتائج مباشرة، وانما تظهر النتائج لان افعالنا فعّلت منظومة اخرى. ضرب الفرس فعل منظومة الفرس، منا فعل منظومة عين، مما فعل منظومة الجاذبية، مما فعل قانون التصادم الذي كسر الرأس، وهذا فعّل سيرورة الموت. لم ينتج موت عين عن غمزة سين الا بسلسلة سببية نفرضها فرضا على الاحداث. مما يسهل تبرير هذه السلسلة هو ان كل منظومة تفعلت كان مؤداها محددا. فمثلا لو كان رد فعل الفرس على الضرب اما الغناء او الهيجان او الضرب بالارجل الخلفية لكانت السببية اصعب. ولو كان مؤدى منظومة الجاذبية اما الطيران او الوقوع، لاستحالت السببية. ومع تعقيد المنطومات الاجتماعية، ومع كونها سيرورات وليس احداثا منفردة، ومع تعدد النتائج المحتملة، اما بسبب العشوائية او بسبب التغذية الراجعة والتأقلم، فان السببية تصبح مستحيلة.
Reem Alhaj شكرا لفكرك احمد. للصدق انا ضعت شوي هون. مبارح كتبت كتير لرد على تفاصيل القصة بناء على مفهوم المنظومات اللي ذكرتها، بس بعدين لقيت انو الافضل اني اشرحلك شو فهمت من نص القصة، لاعرف اذا فهمتك قصدك صح قبل ما ابني رآيي. على ما يبدو انك هون عم تشرح انو الانسان، وشخصيته، وبيئته، ثقافته (بهالحالة كل المنظومات بالقصة)، محكومين ببنية كل منظومة وعلاقاتها بالمنظمات الاخرى وليس بنواياه وبالتالي افعاله متل ما السببية ممكن تشرح. بنفس الوقت، هون، يبدو انك اخدت الحديث لجانب أعمق بيتعلق بسؤال قديم جدا: من هو المتحكم بالأمور، الإرادة الحرة البشرية أو الحتمية؟ بالتفاصيل اللي ذكرتها، يبدو انو عندك ثقة لتبيين هيمنة الحتمية، والشرح المبنى على تعقيد المنظومات بهالقصة يثبت اعتباطية السببية. هل هالشرح منصف لأفكارك و المعنى المقصود؟
Ahmad Nazir Atassi
Reem Alhaj شكرا ريم. ما رح قول صح او خطأ لان المسألة اكبر من بوست واحد. حتى انا الكاتب قد اقع في مطبات عند شرح الفكرة. لنقل ان السببية المتهمة هي تلك التي نستخدمها عادة في حياتنا وفي كثير من العلوم الاجتماعية. انها السببية التي تفترض اولا بان السبب قبل النتيجة زمنيا، وان العلاقة بين السبب والنتيجة لا يؤثر فيها اية عوامل اخرى. فمثلا ١+٣س=ع هي علاقة سببية حيث سين هو السبب وعين هي النتيجة. وتجاوزا نقول بأن مرور الكهرباء في مادة مقاومة يؤدي الى ارتفاع درجة حرارتها. وتجاوزا نقول بأن المال يشتري البضاعة، اي ان المال المملوك والمدفوع يسبب امتلاك البضاعة المشتراة. ثم ننتقل إلى قضايا اكبر واعقد فنقول ان احتلال اسرائيل للضفة وغزة ادى الى الانتفاضتين الاولى والثانية. ونقول بأن الديكتاتور يسبب معاناة المساجين السياسيين، او ان انتشار الكورونا له اسباب مباشرة مثل القرب من الحيوانات في الصين، واسباب غير مباشرة مثل العولمة. هذه كلها امثلة لتفاسير نعطيها ونقبلها حيث نعتقد بأن حدث سين ادى الى حدث عين، وكأن كل شيء آخر توقف عن التأثير، وكأن كل شيء حتمي.
كيف ننتقد اذن هذه السببية؟
اولا، كل حدث هو مخرج لعملية او سيرورة وليس علاقة تأثير مباشرة ووحيدة بين الحدث السبب والحدث النتيجة. لا بل يمكن القول بأن كل حدث هو تقاطع مجموعة سيرورات، اي انه مخرج لعدة سيرورات متوازية. فالمال، اي ورقة البنكنوت، ليست الاساس في نقل الملكية. المنظومة الاقتصادية التي تعطي البنكنوت قيمة او رمزية هي التي جعلت نقل الملكية ممكنا. هذا بالاضافة الى إعتراف المجتمع بشيء اسمه ملكية، وإلتزام الطرفين بشيء اسمه عقد.
هذا يعني ان ما نعتقده علاقة مباشرة مثل ١+٣س=ع ليس كذلك. الاساس هو يقينية ووحدانية النتيجة. يعني اذا رمينا حجرة فانها ستسقط. لو كانت مخرجات سيرورة الجاذبية غير يقينية ومتعددة لاصبحت السببية غير ممكنة. يعني لو رمينا الحجر فسقط لفترة ثم انحرف يمينا لبعض الوقت ثم ارتفع ثم توقف مكانه ثم سقط في مكان لا يمكن توقعه فان فكرتنا عن السببية تزول. في الرياضيات يقولون ان الشروط الاولية تحدد النتائج النهائية. فاذا رمينا الحجر فيمكن ان نتوقع متى واين سيسقط بالتحديد، ولذلك نعتبر ان سبب سقوط الحجر هو الرمية ونهمل السيرورة. وبالتالي اذا حصلت اذية بسبب السقوط فان حتمية السيرورة تمكننا من القول بان الاذية كانت بسبب الرامي.
تركيزي ليس على النوايا فالنية مهمة فقط بالنسبة للعدالة وبالنسبة للمعاملات البشرية. لكن اذا حصرنا تفكيرنا في العلاقات البشرية فيمكن اعتبار النية احد مدخلات المنظومة. السببية تقول بأن النية تؤدي الى الفعل والفعل يؤدي الى الاذية وبالتالي النية مسببة للاذية. وانا اقول بأن النوايا والافعال ليست الا مدخلات لمنظومات متعددة ومتقاطعة تحتمل عدد من المخرجات. تعدد المنظومات لا ينفي ان نعتبر كل منظومة سببا اذا كانت كل واحدة يقينية ووحيدة المخرج. لكن اذا اصبح عدد هذه المنظومات هائلا او لامتناهيا فان السببية تصبح مشكلة ايضا.
عشرات المنظومات وكل واحدة غير يقينية وغير وحيدة المخرج. وهذا هو المثال الذي طرحته. موت الشاب هو مخرج لمجموعة كبيرة من المنظومات (نسميها في السببية عوامل) وكثير منها غير يقينية ومخارجها الممكنة متعددة.
منظومة الجاذبية يقينية، اما منظومة الانسان الخائف فليست يقينية، ومنظومة الحيوان الهائج غير يقينية لكن الاحتمالات محدودة. نعرف ان الفرس سيقف على قائمتيه الخلفيتين، والانسان سيحمي صدره ورأسه بيديه وارتكاسه الى الخلف. اما منظومة صخرة الجرف الهشة، ومنظومة جغرافية البلدة الصناعية، ومنظومة التمايز الطبقي فكلها غير يقينية ومن الصعب التكهن بمخرجاتها. فالعامل الخادم قد يرفض الانصياع، والشاب الضحية قد يرفض الحياد عن الطريق، والحجر الهش قد لا يتفتت، والطريق قد لا تمر بالجرف.
أعيد، الاحداث هي مخرجات لسيرورات او منظومات معقدة، كل حدث هو تقاطع لعدد كبير من المنظومات، ليست كل المنظومات يقينية ووحيدة الناتج.
اما ان الارادة البشرية تغيب امام حتمية المنظومة فهذا ليس بالضرورة صحيحا. ليست كل المنظومات حتمية. بالنسبة للمجتمعات فان ارادة الانسان تلعب دورا هاما. لكن في بعض الحالات الخيارات المتاحة قليلة وبالتالي تبدو المنظومة حتمية. مثلا الديكتاتورية تسعى لان تكون حتمية حتى يتمكن شخص واحد من ادارتها. المعارض السياسي سينتهي في السجن، البنت التي تخرج عن طاعة والدها ستتعرض لضغوطات شديدة، الرجل غير الحمش لن يجذب المرأة الجميلة، الغني سيسيطر ويربح، الفقير سيعاني المرض والجهل. هذه كلها نتائج نعتبرها حتمية. لكن عندما يبدأ المجتمع بالتغير فانها تفقد حتميتها بالتدريج.
13 آذار، 2020
- سمات_منظوماتية ج
يسلمو مرة تانية: تعليقات سريعة: من هو خارج المنظومة قد يؤثر أكثر ممن هو داخل المنظومة. وليس هناك منظومة معزولة بالكامل عن المنظومات الأخرى على الأرجح، ويبدو ذلك واضحًا في عالم السياسة المعاصرة. وبهذا يمكن للخارج أن يؤثر في الداخل أكثر من تأثير هذا الداخل في نفسه. وبهذا المعنى يكون الخارج جزءًا من الداخل وليس نقيضًا له. تتمة للملاحظة السابقة أجد إشكاليًّا جدًّا وضع حدود ما لمنظومة ما، والأكثر إشكالية هو توضيح علاقات التفاعل والتداخل بينها وبين المنظومات الأخرى. لفهم ما يحصل في عالم الإنسان لا ينبغي الاقتصار على فهم نتائج الأفعال/ الأحداث/ البنى فحسب، بل ينبغي أخذ الغايات والدوافع بالحسبان. خصوصًا إذا كنا نود توظيف معرفتنا لتوجيه نصائح، والنصيحة فعل معياري بامتياز أود أن أستفسرعن غرضك من الفهم أو التفسير أو امتلاك المعرفة عن الواقع؟ 1- ما الغاية أو ما غايتك من ذلك؟ 2-وإلى أي منظومة ينتمي هذا الفعل؟ للحديث بقايا وشظايا يسلموووووووووووو
Ahmad Nazir Atassi Ahmad Nazir Atassi يسلمو نظير اعتراضي لم يكن من ناحية الجهة المنطقية (كل، معظم ...إله) اعتراضي أكثر مبدئية ويخلص إشكالية شائعة في العلوم الاجتماعية وهي إمكانية تعديل المرء للسلوك بناء على تغير معارفه وتفاعله مع منشورات مختلفة ولهذا لا يمكن اختزال أفعال/ ردود أفعال الإنسان إلى علاقة ميكانيكية خطية فعل_ رد فعل. كل إنسان قادر من حيث المبدأ أن يكون، معرفيا داخل أي منظومة وخارجها، متأثرا بالعلاقات السببية وغير السببية ومؤثرا فيها، وقادرا على تحييد وتغيير تأثيرها جزئيا ونسبيا.
Ahmad Nazir Atassi كل من هو داخل المنظومة لا يرى تبادلاتها مع المستوى الماكروي ذاتياً. والإطلاق هنا صحيح. الفواعل ضمن المنظومات بمختلف مستوياتهم يهتمون بمعلومات المنظومة وعلاقاتها مع المنظومات الأخرى من أجل دراسة الاحتمالات التي تواجههم (الفرص - والتهديدات) يتغذى الفواعل بالمعلومات التي يحتاجونها من خلال نظام تدفق المعلومات العابر لخطوط الصدع والمنظومات. بدون نظام تدفق معلومات لا تسطيع المنظومات أن تؤدي مهامها. نظام تدفق المعلومات (Information flow) ينشأ نظام تدفق المعلومات من تبادل الفاعلين للمعلومات التي يحتاجونها لتأدية مهامهم أو للارتقاء في تراتبية النظام أو معالجة مهددات البقاء. تستخدم المنظومة أنماطها الخاصة في تداول المعلومات ضمن حدود المنظومة. يكون الانتقال سلس ضمن حدود المنظومة الواحدة، يزداد الموضوع تعقيداً عندما يصبح التداول بين منظومة وأخرى ويصبح التعقيد بأشده عندما تتشكل عقدة كبيرة لمداولة المعلومات بين النظم. لماذا تدفق المعلومات نظام قائم بذاته. إن الحفاظ على حدود منظومة يتطلب التحكم بمداخيلا ومخاريجها، فضلاً عن انتظام تدفق المعلومات. لذلك تنشأ في المنظومة آليات ضبط للمعلومات داخل المنظومة. وآليات أخرى تضبط التداول مع المنظومات الخارجية ، تتميز آلية التداول مع الخارج بـ 1- تحويل نمط المعلوات للملائمة بين الداخل والخارج (يشبه ذلك دور المودم الذي يكيف إشارة الهاتف مع لغة البرمجة) 2- ضمان التراتبية في تدفق المعلومات حتى لا تحصل القلقلة 3- تحديد المدولات المحتملة بين المنظومات (بما في ذلك الفرص والتهديديات) شروط نشوء عقدة تداول معلومات بين منظومات متعددة كما أسلفت يتم تبادل المعلومات من خلال عقد. كلما اتجهت باتجاه المحلية يقل التعقيد وكلما اتجهت نحو العالمية يزاداد التعقيد. كما يشترط نشوء عقدة تداول بين المنظومات أن تلتزم العقدة بحدودها الوظيفية التالية: 1- كلما تعددت روابط العقدة مع منظومات أكثر كلما زادت فرص حمايتها وبقاءها. 2- العقد إطار مداولة ووساطة ليس لها أي مهام تنفيذية 3- العقد العالمية تداول المعلومات مع المنظومات المشاركة عبر قنوات محدودة فقط. المهم ضمان عدم وصول المعلومات إلى جهات تؤدي إلى قلقلة بمجموع المنظومات المشاركة. يتبع.. تدفق المعلومات مهم جداً فهو منظومة قائمة بذاتها مثل نظم ضبط حركة الأشخاص والأموال والبضائع.
15 آذار، 2020
- سمات_منظوماتية ج
لماذا نعادي فكرة الدولة المركزية ونشجع اللامركزية الادارية. ولماذا ندعم القطاع الخلص والمجتمع المدني؟ وهل سيؤدي هذا الى الاندماج في الاتجهاه النيوليبرالي العالمي.
15 آذار، 2020 - سمات منظوماتية ج 5 - الوعي الماكروي ,اثره
- سمات_منظوماتية ج٥
الوعي الماكروي وأثره- ملاحظات وردود-سيل المعلومات ملاحظة من حسام الدين درويش- "لا توجد هوة بين وعي من هم خارج المنظومة ووعي الفاعلين" "يمكن أن يقرأ كلامك هذا شخص من داخل المنظومة التي نتحدث عنها ويقتنع بكلامك ويرى المنظومة التي هو جزء منها من خلال منظورك." "معرفة النتائج وردود العفل الممكنة وتغير الوعي في خصوصها يمكن أن يغير في عمل الفعل قبل فعله". ردي على الملاحظة كان يجب ان انتبه اكثر لاستخدامي للكليات. النفي الكلي القاطع غير صحيح: مقولة "كل من هو ميكروي داخل المنظومة لا يستطيع ادراك توجهاتها العامة". طبعا اذا وجدنا ولو شخصا واحدا يقدر ان يرى المنظومة من منظور ميكروي فان المقولة تصبح خاطئة. مع ان هذا من اوليات المنطق، إلا ان مثل هذا النقاش غير منتج هنا. يمكن ان اقول "الغالبية العظمى" بدل "كل" وبذلك يزول هذا الاعتراض. لكن بما ان مثالك المناقض كان شديد الخصوصية فلابد من اخذه بعين الاعتبار. هل يمكن ان ينقل المراقب الخارجي معارفه الماكروية لاحد الفاعلين داخل المنظومة؟ نعم هذا ممكن وهذا ما نفعله. لكن هذا المثال لا ينقض المقولة من جذرها. حسب خبرتنا فانه من الصعب اقناع الفاعلين في المنظومة بالتوجهات العامة، وذلك لعدة اسباب يمكن دمجها تحت مظلة سيل المعلومات ضمن المنظومة: أولا- قهر التفاصيل: الفاعل يشتبك مع المنظومة كل لحظة وهو بذلك يتلقى معلومات مستمرة عن ديناميكية المنظومة. هذه المعلومات تخص التفاصيل الدقيقة، وهذا الفاعل سيضيع عاجلا ام اجلا في هذه التفاصيل. وهذا ما قصدته في منشور سابق "بقهر التفاصيل". الفاعل يستخلص توقعاته الخاصة من معلوماته الانية والتفصيلية، وهذه التوقعات خطية وقصيرة الامد. اما التوجهات الكبرى غير خطية وبعيدة الامد، ولذلك قد تبدو متناقضة مع استقراء التفاصيل الدقيقة. ثانيا-الاختصاص: كذلك فان الفاعل لا يتلقى معلومات عامة وشاملة عن المنظومة بل معلومات عن اختصاصه ودوره وعن الادوار المتشابكة معه. من الصعب جدا والحال هذه ان يرى الصورة الكبرى. ثالثا-المستويات ولغاتها-حاجز اللغة: اذا اخذنا الكمبيوتر كمنظومة فاانا نللحظ ان هناك مستويات في معالجة المعلومة. على مستوى الالكترونيات، كل شيء عبارة عن بوابة ترانزيستور مفتوحة او مغلقة، اي مخرج صفر او خمسة فولط. كيف ننتقل من ملايين الصفر والخمسة فولط داخل دارات الكمبيوتر الى صورة او فيديو او قاعدة معلومات او اي برنامج آخر؟ مستخدم الكمبيوتر لا يرى الا مداخيل مثل تعليمات او اوامر تشغيل ومخرجات مثل صورة او عنصر في قاعدة معلومات او صفحة ويب على الشاشة. عند تصميم الكمبيوتر يتوقف المصمم عن التعامل مع الفولطات حين تجتمع عدة ترانزيستورات. هنا يراها جبر ثنائي اي صفر وواحد وعمليات على صفر وواحد مثل الجمع والضرب والمقارنة. يقوم المصمم بعدها بتصميم وحدات عملياتية، الاولى للجمع والثاني للطرح، والثالثة للمقارنة اكبر او اصغر، والرابعة للمطابقة، وخامسة للذاكرة، وسادسة للتنبيه وهكذا. ثم يجمع المصمم هذه الوحدات كعناصر ومكونات في وحدات اكبر واكثر تعقيدا مثل مجموعة التعليمات المسماة بلغة الآلة. وهي ابسط انواع لغات البرمجة لانها تتعامل مباشرة مع الوحدات العملياتية الاقرب للترانزيستورات. وفي مرحلة متقدمة تصبح تعليمات لغة الآلة مكونات لإنشاء تعليمات لغات برمجة اعقد. يمكن ان نعتبر ان لكل مستوى في المنظومة لغته الخاصة به حسب بعده او قربه من ارض الواقع الفيزيائي. وهناك ايضا مستويات حسب السلطة والتخطيط والضبط. فهناك مستويات قيادية ومستويات ادارية ومستويات تطبيقية. ولمل مستوى هنه طريقته في فهم دوره وادوار الآخرين وبالتالي لغته في التعامل مع اقرانه وفي التعامل مع رؤسائه ومرؤوسيه. رئيس الشركة مثلا يتحدث لغة الاوامر والتخطيط العام التي يفهما المستوى الاداري. والمستوى الاداري يتحدث لغة التعليمات والتوجيهات التي يفهمها المستوى الادنى. وهكذا حتى نصل الى مستوى العامل في المصنع او الجندي في المعركة. وحتى هؤلاء يتحدثون مع آلاتهم لغات تفهمها هذه الآلات. ولذل فان المراقب الخارجي الذي يعي المستويات الماكروية حسب البعد عن الارض وحسب امتلاك السلطة سيصوغ افكاره بلغت المستوى الذي يتحدث عنه. وبالتالي فانه من غير المجدي لهذا المراقب الخارجي ان ينقل معرفته وادراكه الى اي مستوى عشوائيا فذلك المستوى لن يفهم لغة المستوى الذي يقع فيه المراقب. رابعا-ممانعة التدخل: مهما كانت لغة المراقب في وصفه لعمل المنظومة مفهومة للفاعل الذي يتلقى المعلومة، فان هذا الفاعل لن يقبل بسهولة كل ما يقوله المراقب. الفاعل عنده معلوماته الخاصة عن عمل المنظومة التي يستنتجها من مشاهداته في موقعه في المنظومة. اذا جاءت افكار المراقب الخارجي مخالفة لافكار الفاعل فان الفاعل سيوفض افكار المراقب. لا بل ان رد الفعل الاول لاي مراقب خارجي هو الشك والريبة والرفض. من اجل ان تحافظ المنظومة على بقائها فانها تحجب اسرارها عن الوسط الخارجي (سنعود الى هذه النقطة عند الحديث عن انعزال المنظومة). المنظومة التي لا تضبط دخول وخروج المعلومات ولا تحتفظ بأسرار هي منظومة مخترقة تماما من الخارج وبالتالي فانها لا تستطيع المحافظة هلى بقائها. على الاقل في المنظومات الاجتماعية، المنظومة لها اسرار ولها قدرة على انتاج معلومات مضللة. وعندا يزعم احد المراقبين الخارجيين بانه يعرف ويفهم كل شيء، فان الرد سيكون الانغلاق وسد الفجرات ورفض فرضيات المراقب الخارجي. مثال: ماذا لو اكتشف نظير الصورة الكبرى للحرب في الشمال وتوجهاتها، ونقلها الى احد المسؤولين الروس المنخرطين في اتخاذ القرار في روسيا. اذا اقتنع هذا المسؤول برؤية نظير فانه يمكن ان يتخذ قرارا قد يغير من مجرى الحرب. هل هذا ممكن؟