قيمة الإنسان في منطقتنا
19 نيسان، 2016-مقابر جرشر وأيلول الأسود
المرة الوحيدة التي شاركت فيها في حفريات بعثة تنقيب كانت في الاردن عام 2008. ركز التنقيب على القسم الإسلامي من مدينة جرش القديمة. عدا عن أن التاريخ يصمت على وجود مثل هذه الأحياء المسلمة في المدن الرومانية، فقد اصطدمت بنوع آخر من الصمت الذي نجيده إلى حد فقدان الإنسانية. أثناء الحفر عثرنا على جمجمة وهيكل عظمي كامل ثم عثرنا تحته على هيكل عظمي آخر كاملاً بجمجمته أيضاً. وكانت سعادتنا غامرة إذ اعتقدنا أنها إسلامية قديمة، خاصة وأننا اكتشفنا على بعد أمتار قطعة نقدية من الفترة التجريبية لعبد الملك ابن مروان أي ان القطعة النقدية احتوت على عناصر بيزنطية وعربية. لكن الفرحة انتهت بسرعة كما جاءت إذا وجدنا على الهيكلين أزراراً بلاستيكية سوداء وبيضاء. لم يدّل الدفن على أموات مسلمين لأن عظام الوجه والجسد لم تكن موجهة إلى مكة بل كان الهيكلان مستلقيان على الظهر. ولم نجد دلائل على دفن مسيحي. لم يبق إلا خيار أن الدفن كان مستعَجلاً. ثم سمعنا من الاردنيين معنا أن تلال جرش كانت مسرح مجزرة من مجازر أيلول الاسود. لم يأبه أحد بالهيكلين، فقام الباحثون الدنماركيون باستخراج العظام بعناية وإدخالها في كتالوج اللقى الاثرية وجعلوها مع بقية اللقى حتى لا يضيع أثرها وحتى يمكن استخدام هذه المعلومات يوماً ما في تحقيقات بالمجازر أو في التعرف على الضحايا. لم يأت مندوب من الحكومة الأردنية، وحتى مشرف الآثار المحلي لم يأبه بالعظام. واعتقد المنقبون الدنماركيون بان العمال الاردنيين الذين استقدموهم من القرية المجاورة، ومنهم فلسطينيون، كانوا سيثورون ويغضبون لإعادة ايلول الاسود إلى الذاكرة ونبش قبور الشهداء خاصة على أيدي "غرباء" أو "كفار". لكن أحداً لم يأبه بالعظام أو تحدث عنها. وبدا لنا أن العمال الشباب لم يكونوا يعرفون أي شيء عن أحداث أيلول الأسود. بينما مسؤول الآثار المحلي وهو من عشائر الضفة الشرقية الذين يعتبرون أنفسهم أردنيين أصليين بدأ يشكوا من الفلسطينيين ونكرانهم لجميل الضيافة. على فكرة عمال التنقيب الأردنيين كانوا من عشيرته، يعني أنه نفعهم بقرشين. وغابت الشمس ونسينا العظام وبدأ يوم جديد في جرش حيث ينقب الدنماركيون ليعرفوا ويدرسوا، ويراقب مسؤول الآثار ليبيض وجهه أمام مسؤوله (الذي كان من قبيلة أكبر ومدعومة)، ويأتي مسؤوله ليتذمر من "المستشرقين"، ويعمل القرويون الأردنيون ببضعة دولارات في اليوم للسنة الخامسة على التوالي (رغم سنهم الصغير مما يشي ببطالة متفشية). اليوم تذكرت هذه الحادثة لسبب لا أعرفه، أو لسبب أتجاهله لأنه أمامي كل يوم. في بلدنا يا صاحبي لا قيمة للإنسان حياً كان أو ميتاً ولا ذاكرة حية للشعب لأن الأهل لا يعلّمون الأولاد تاريخهم ولأن الأجيال الجديدة (بالتوالد السريع) تأتي بأسرع من أن نستطيع تعليمها. لا قيمة للحي ولا حرمة للميت "ولا نوائح له" تتذكره وتبكيه وتعمل على أن لا تتكرر المجزرة.
Kasem Atassi مفهوم تماما المغزى نظير , أنت ضربت على وتر كتير حساس , كنا منتأمل أنه رغم قساوة الظرف الحالي ربما ستخرج أجيال تعلمت من هذه التجربة و ستبني عليها , حسب رأيك حتى هذا الجانب ما كتير نعول عليه ......ما بعرف...
Salah Alrifai مع ان رفات كل انسان عاش في الشرق الاوسط تحمل الكثير من المعاناة الانسانية الثمينة من تجربة التخلف الممنهج و المقصود و الاستبداد السافر لكن لا يعتبرها الآخرين الذين على قيد الحياة من نفس المنطقة ثمينة لنفس اسباب كون قيمتها الروحانية عالية اي .... معاناتهم من نفس التخلف و القمع.
Hanane Atassi ماذا تتوقع استاذ احمد من شعوب عانت القهر منذ الف ومئتين عام انهم يخافون من ذكرى تاريخهم فلذلك يسمحون للسلاطين بكتابة تاريخمزيف وان منطقة الشرق اوسط وان الخلفاء كانوا يرضون الشعوب الاسلامية وكل حياتنا ازدهار وانتصارات ربما اليوم نقول فشلت الثورة او انحرفت او او ولكن شيئ اكيد ان الثورة السورية ولاول مرة في تاريخنا القديم والحديث قام الشعب وتار وكسر الخوف لم تعد ثورة ضد الظلم والحكم الاسدي وانما اظهرت جميع امراضنا الاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية وحتى حقيقة معتقداتنا ربما اليوم نرى عفونة ما نحن ولكن سياتي يوم وجيل جديد ليحاكم نفسه وتاريخه ووقتها سكون للميت ذكرى ثانية ذكرى ان هذا الهيكل العظمي له قيمة انسانية لانه يدل على ما كنا عليه
Houssam Attal لعلك تقصد "أيلول الأسود" وليس "الأسد" رغم ان المقارنه لاتخفى.
