التعقيد
1 تموز، 2019-التعقيد
أود الحديث عن التعقيد وعن كيفية فهمنا له وتعاملنا معه. دعوني ابدأ بالقول ان فهم المجتمعات الانسانية اصعب من فهم قوانين الطبيعة. كان من الطبيعي ان يخترع الانسان الرياضيات ثم اكتشف انها لغة مناسبة جدا للتعبير عن الطبيعة. لا توجد لغة من هذا الشكل في العلوم الاجتماعية. اتصل بي احد الاصدقاء القدامى من فترة قصيرة ليناقشني بموضوع الدين والحاجة إليه بعد ان لاحظ ان كتاباتي عن القرآن لا تبلغ مستوى الاعتراف بالقدسية التي يجدها عقلانية ومنطقية. وفي النهاية اتضح له اني غير مؤمن بالآلهة والاديان وفي نفس الوقت لا اعتبرها اعداءا وكذلك لا اتحدث عنها بطريقة من قرأ الادبيات الماركسية او اصبح من قبيلة اليسار المتحزب. في نهاية الحديث الطويل وصلنا الى نقاط التشعب الاساسية، وكنت سعيدا انه سار معي الى ذلك الحد. نقاط الخلاف هي التالية: هل اتت المادة من خالق ام من غير. هل الخلق الذاتي ممكن ام لا. هل السببية صحيحة دائما اي هل لكل موجود خالق خلقه. انا قلت اولا ان ازلية المادة لا تختلف عن ازلية الاله من حيث المبدأ. ثانيا، لا اعرف ماذا كان قبل البيغ بانغ ولا الفيزياء تعرف كذلك لكني لست قلقا من حالة اللامعرفة هذه. ثالثا، هو بحاجة الى يقينيات مثبتة بالتجربة والمنطق وانا لست دائما بحاجة الى هذا الكم الهائل من اليقينيات التي يقوم عليها الدين. رابعا، انا لا اعتقد ان السببية موجودة و اعتقد ان الخلق الذاتي من دون خالق ممكن جدا. في الحقيقة المنظومات الاجتماعية مثلا التي اتحدث عنها دائما هي ذاتية التنظيم وبالتالي ذاتية الوجود، وهي تخضع مثل الخلايا والعضويات لقانون التطور الذي اقترحه داروين. نشوء الانسان مثال جيد على التطور الطبيعي الذي يؤدي الى وجود ما لم يكن موجودا ودون تدخل عقل ناظم ومدبر. الدين قائم على يقينيات وعلى السببية والتي هي حالات تبسيطية للعالم الاجتماعي المحيط بنا. الدين لا يحب التعقيد واذا قبل به فانه تعقيد مسبق الصنع وخطي او سببي. الكرسي موجود لان احدهم تخيله وخلقه. قلنا سابقا ان الدين ترافق مع صعود الزراعة والمدنية وان وظيفته كانت الضبط والانضباط الاجتماعي. لم تكن قضية خلق الكون والكائنات تشغل القدامى كما نزعم اليوم. لقد كانوا مهتمين اكثر بصفات الضبط والتحكم والسلطة عند الاله. والخلق كان مظهرا من مظاهر الضبط والتحكم. الخلق كان دائما كما وصفه القرآن اي دليل ألوهية الرب وقدرته على الضبط والتحكم. القرآن يدعو الى النظر في تنظيم الطبيعة لان التنظيم دليل على سلطة الاله وقدرته على الضبط والتحكم. ان التنظيم الذي يتكلم عنه القرآن تنظيم خطي من نوع ترتيب الاشياء وهو تنظيم غائي اي يخضع لمخطط مسبق وهو تنظيم سببي يشرح الامور بمسبباتها ويكون فيها الاله هو المسبب الاول. خلق السماوات والارض بستة ايام واستوى على العرش. خلق الليل للنوم والنهار للعمل ولتعلموا عدد الايام. خلق القمر والنجوم ليضبط الزمن وتعاقب الاشهر والفصول. انه عالم منظم وبالتالي غير معقد. العالم الذي اراه لا يتبع مخططا، وهو غير سببي، وتنظيمه ذاتي وليس مفروضا، وهو شديد التعقيد. ما اريد ان اقوله هو ان الدين يمثل قلق الضبط والتحكم والسيطرة والسلطة، والتي هي اساسيات الحضارة. لكنه لا يعكس التعقيد الواقعي الطبيعي والاجتماعي. يمكن ان نقول ان الاخلاق اي الدين لا تشرح شيئا، خاصة في حالات الفوضى والتغيير
Oussama Al-chami إذا لم يكن هناك سببية فلا حاجة لأي حوار. لا منطق، ولا فيزياء ولا تحليل ولا تصميم. ولا ثواب ولا عقاب ولا أخلاق. لا سببية يعني لا وجود لأي منظومة ولا حتى التنظيم الذاتي الذي اخرجته من القبعة. 😀
Ahmad Nazir Atassi Oussama Al-chami تماما. المنظومات موجودة ولا تحتاج الى سببية والتنظيم الذاتي موجود
Oussama Al-chami Ahmad Nazir Atassi التنظيم الذاتي دكتور هو ميكانيزم سببي. المنظومة السببية هي ريكورسيف. بنيوي. إنت تنسف تماما، الفلسفة العقلانية. الديكارتية والديكارتية الحديثة. بالنسبة لي. ما تقوله فانتازيا ولا علاقة له أبدا بالابستمولوجيا.
Hanine Alhamis لا أوافقك بـ " ازلية المادة لا تختلف عن ازلية الاله " , فالإله أو الآلهة هي من خيال وصنع الانسان , والمادة هي أقدم من الانسان وبالتالي أقدم من الآلهة المُصطنعة ,,, وأعجبتني جملة .."لكني لست قلقا من حالة اللامعرفة هذه " , وهذا ماأكرره مع المتديّن الذي يريد منّي بالنقاش أن يصل الى ان هذا الوجود والكون مستحيل ان يكون بدون خلق = نقطة بداية = خالق , ودائماً وبعد الرجوع لنشأة الآلهة , بدايةً من الخوف (أو الحب والتقديس) للـ الظواهر الطبيعية ثم لصق وتسمية إله لكل ظاهرة : الشمس والمطر والرعد والحرب والخمر .. (قبل توحيدها من قبل الانسان القديم ..) ومحاولة المتديّن المُصرّ على وجود الخالق المُنظِّم , كبداية , وقبل كل هذه الآلهة ..!! وحتى لو قَبِل بأن أصل الانسان من القرد وحتى نظرية الخروج من الماء>> برمائيات >> ثديّات >> انتصاب القردة >>انسان .. وكل نظريات داروين بالتطور .. بعض المتديّنين يوافقك بكل ذلك !! ومع هذا يضيف ويصرّ على وجود خالق أوّلي !! عندها أقول له : هنا أترك الأمر للعلمــــــــــــــاء , فأنا واثق بهم , ولن أتبع الأسهل , وتكرار ماقاله الأقدمون والانسان القديم و " الأنبياء" : لن أكون ببغاء .. وبهذا أكون قريباً لجملتك : " لست قلقاً من حالة اللامعرفة هذه " .. /// ودمت بخير سيد أحمد
Ahmad Nazir Atassi Hanine Alhamis انا معك، لكني قلت من ناحية المبدا اي منطقيا من يؤمن بازلية الاله لن يجد عائقا منطقيا امام ازلية المادة
Hasan Elshekh كل العلوم مبنية على السببية!!!! وهي هوية العقل ذاته نحن في الفيزياء ندرس ظواهر المادة اما ماهي المادة ؟ فلا جواب . اما فرضية التطور الذاتي منقوضة بنظرية الاحتمالات المتكررة وكذا الطفرة المفيدة منقوضة بالطفرة المميتة
Ahmad Nazir Atassi Hasan Elshekh لا اعرف الاحتمالات المتكررة والطفرة المميتة، سابحث عنهما
Hassan Jamali يمكن الاعتقاد بوجود خالق للكون ولكن هل معنى هذا بالضرورة انه هو الاله الذي نؤمن به والمرسل للديانات السماوية؟
Kasem Atassi من أروع و اعمق ما قرأت، كلام مباشر، عدة أفكار طرحت ، كل واحدة منها تطلبت من صاحبها البحث و العمل الكثيرين للوصول إلي نتائجها... يجب ألا يُستهان على الإطلاق بهذا البوست... شكراً نظير ..
Kasem Atassi هالبوست بده حط النقط عالحروف حرفياً و مجازياً
Salah Alrifai سأمارس ما يحاول صديقي العزيز احمد ان يستجر الجميع له، وهو استجرار انساني في ارقى معانيه، و سأحاول ان اجيب على تلك التساؤلات كما لو انني اتكلم مع نفسي. لأنني على قناعة بأن ارقى انواع الحوار تكون على هذا الشكل. ان كان هناك خالق فكل المعطيات تشير لأنه يجب ان يكون خارج منظومتنا الكونية، و لعل نظرية الاكوان المتوازية هي بداية لتوسيع دائرة الاسئلة التي يسألها الانسان لنفسه منذ نشأته و التي ابتدأت الانسانية تتطور لدرجة انها استطاعت الاجابة على اسئلة كانت مستحيلة الاجابة للوهلة الاولى و اهمها اثبات مزاجية الالكترون بحسب وجود مراقب من عدمه و اختياره لطبيعة وجوده منتقلا من مادة لموجة بحسب (مزاجه). واضح ان الكون اكبر مما نتصور، حتى ان الكون ككلمة نستخدمها كتعبير عن اكبر وعاء زمني مكاني ممكن ان نتخيله (لأننا نحتاج ان نتخيله وهو بحد ذاته علة من علل تفكيرنا و محدوديتها) اصبح هذا الكون و بحسب تقدم الانسانية لا يكفي وجوده بدون اكوان موازية مختلفة عنه و متداخلة معه في كون اكبر او وعاء اكبر. المادة شكل من اشكال الطاقة المطوعة في كوننا بسبب نواميسه الخاصة، و بالتالي الحري بنا ان نسأل عن مصدر الطاقة الاكبر في الوعاء الاكبر اذا ماكان هو نفسه الخالق و اذا ما كان لديه وعي على نفسه. و هنا بعض الاجوبة قد تفتح افقا مختلف عن مجرد حالة الانكار او الاعتقاد بوجود خالق و انما تتناول ماهية الطاقة الكبرى و علاقتها بالانسان. السببية اعتقد انها محاولة لتثبيت نواميس كوننا و اعتبارها عامة على كل كوننا و على الاكوان الموازية، و قد تكون صحيحة في اطار ما نراه على الكرة الارضية و التي تخضع لنواميس من الدقة و الخصوصية لدرجة ان السببية تكاد تكون احدى نواميسها بذاتها، و بالتالي الجواب بالاعتقاد بالسببية هو محاولة ارضية(من كوكب الارض) لاقناع الوعي الانساني ان هذه النواميس عامة و تصلح لأي وجود واعي او وجود مراقب (بضم الميم و فتح القاف). اعتقد ان مشاكل او معضلات البشرية ستختلف بصورة جذرية عند معرفة المزيد من اسرار الكون و احدى تلك المعضلات سيكون الاختلاف على وجود او عدم وجود لخالق. تماما كما كانت البشرية تتناول السحر الاسود و القناعة بأنه موجود و يؤثر على مجريات حياة البشر، و مع انه حتى الان لم يتم اثبات اي شئ قطعا و يقينا و لكن الموضوع برمته انحصر و اصبح اقل تناولا بسبب المعلومات الهائلة التي تدفقت في عدة عشرات من السنين و ما افضاه ذلك من سعة معرفية عقلية تجعل اكتشاف سر اخر و احتمالية معرفة اكبر للكون اهم من التساؤل المجرد. اعتقد ان زمن تطور التساؤلات الفلسفية قادم، الفلسفة المجردة من اطار التطور المعرفي اصبحت اقل اهمية و اتى زمن تحور و اختلاف طبيعة الاسئلة الفلسفية ذاتها بحيث انها ستصبح جزء من كينونة مختلفة للبشرية، اي ان البشر عندما سألوا اسئلة فلسفية استطاعوا من خلالها تطوير انفسهم باتجاه العلم و المعرفة و الرقي الانساني و ارتبط مقدار هذا التطور بعدة عوامل، اولها عمق الاسئلة الفلسفية و جرأتها، ثانيا علاقة تلك الاسئلة بمعضلات العصر الذي طرحت به، ثالثا و هو الاهم برأيي هو اعتبار ان هناك محدودية و احيانا استحالة لمعرفة بعض المعلومات و اعتبار ذلك شئ ثابت ولا يمكن تجاوزه و بالتالي حددت الفلسفة نفسها بما تجده من عوائق عملية للتناول الفلسفي. الان الامر في طريقة للاختلاف، لأن الثوابت تهتز و تترنح لأول مرة في حياة الانسان..... و البشرية. الدين كونه شئ يساعد الانسان على الحياة لا يتعارض مع احتمالية كونه موضوع من جهة خارجية. وجود اديان و انبياء يسهل على الانسان حياته عندما كان في طور الطفولة الكونية. اعتقد ان الانسان الان يدخل مرحلة محاولة المشي كطفل و من الممكن قريبا ان يمشي لوحده بعد ان كان يحبي و سيستمر بالتطور حتى يصل لمنظومة معرفية قادرة على ان تتوازن مع معلوماته المعرفية و النظرية بشكل متكامل. الحياة على هذا الكوكب توحي بأن هناك تجربة ضخمة، تجربة جينية وعيوية، لا استبعد احتمال ان حضارات كونية اخرى تمارس هذا النوع من التجارب على الارض و لا يتعارض هذا مع وجود خالق بل على العكس، لأن وجود حضارات ذات مستوى متفاوت في العمر الكوني يحتم وجود مستويات معرفة عديدة و هذا بحد ذاته يتلائم مع فكرة تسيير الكون بدون تدخل مباشر..... تماما كما سيفعل الخالق............... في حال وجوده
Ahmad Nazir Atassi Salah Alrifai تماما صلاح، ان حجم ونوع الاسئلة المطروحة مرتبط بحجم ونوع المعلومات المعروفة، وهذه بدورها مرتبطه بحجم ونوع الكون الذي نعيش فيه. ان المعرفة نسبية ولا توجد معرفة مطلقة. هذا ما اريد قوله. ان سؤال وجود الاله ام عدمه مرتبط بنا اكثر من كونه سؤالا مطلقا. الاله محدود تماما كما نحن محدودون بما حولنا وكما هي اسئلتنا محدودة بوسطنا وكوننا. الغرض ليس اثبات وجود الاله او عدم وجوده، الغرض هو تخطي هذا السؤال الى ما هو اهم منه