اكتشاف السلطة

من Wiki Akhbar
نسخة ٢١:٤٤، ٣٠ أكتوبر ٢٠١٩ للمستخدم Aatassi (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'=17 يناير، 2019، اكتشاف السلطة ليس اكتشاف مؤامرة= تعقيب على مقالة محمد الربيعو: سياسات صناعة الد...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

17 يناير، 2019، اكتشاف السلطة ليس اكتشاف مؤامرة

تعقيب على مقالة محمد الربيعو: سياسات صناعة الدين في العالم الإسلامي

اتابع موضوع الصحوة-الشرخ سيغضب كثيرون من هذا العنوان، لكن امهلوني. سيقول كثيرون ان كل ايديولوجيا جديدة تحفر لنفسها حيزا في المجتمع والافكار والمؤسسات قد تسبب او هي شرخ اجتماعي ثقافي. الليبرالية كانت شرخا في منظومة الاقطاعية الملكية في اوروبا، والاشتراكية كانت شرخا في كثير من البلدان الاوروبية، القومية كذلك وبوضوح. فكيف نحتفي اليوم بالثورات الليبرالية الاوروبية التي اعطتنا الديمقراطية وبالثورات القومية التي اعطتنا معظم دول العالم سواءا بالقضاء على الملكية القديمة او بالتحرر من الاستعمار. في الحقيقة ان اي تغيير متعدد الاصعدة يشكل شرخا في المجتمع، لكن اذا نجح طرف في الازمة من الانتصار فانه سيفرض سرديته وسيحكي قصة الثورة الحتمية التي نقلت المجتمع الى النور والتقدم ولن يحكي عن شرخ وصراع ومعاناة وآلام. يتحدثون عن الذاكرة الجمعية، انه مفهوم هراء محض. المجتمعات تنسى فقط ولا تتذكر، وكل ما تدعي انه ذاكرة جمعية فانه سردية المنتصر. لم تكن الامة القومية موجودة يوما حتى اخترعوها ولم تكن الخلافة موجودة يوما حتى اخترعوها ولا الديمقراطية موجودة حتى اخترعوها. قرات احدهم ينسب هذا القول لهيغل، اهم ما نتعلمه من التاريخ هو اننا لا نتعلم شيئا من التاريخ. لكن بعض مشاريع التغيير تفشل ويبقى الشرخ. لا اعرف كيف اميز بين المشروع المؤهل للنجاح وبين مشروع الشرخ غير المندمل. قد ياتي هذا اليوم. لكني اعرف كيف اميز المرحلة الانتقالية. انجازات البعض في الطريق الى النصر هي نفسها جروح الشرخ عند الاخرين. مشروع الثورة الروسية انتج شرخا وانتصارا، مشروع الثورة الايرانية كذلك، ومشروع الثورة السورية كذلك، مشروع الامة العربية، ومشروع الامة اليهودية، وكذلك مستقبل مشروع الامة الكردية. اذا لم يستطع المنتصر ان يكتب التاريخ ويقضي على الاطراف الاخرى جسديا او فكريا، فان الشرخ سيستمر كسرديتين متناقضتين في انتظار جولة اخرى. قد تكون هناك احتمالات اخرى، او ما يسمونه اليوم حلا للنزاع. المنظمات الدولية غير الربحية انتجت كما هائلا من هذه الادبيات الحالمة، اتمنى ان يحلوا اي نزاع وكل نزاع. الصحوة الدينية كاي مشروع تغيير احدث انتصارا-شرخا. اتذكر تماما النساء اللواتي توقفن عن مصافحتي، واتذكر السهرات التي لن تعود، واتذكر اتهامات الكفر التي لن تمحي، والمناقشات التي توترت وتوقفت، تماما كما اتذكر مداهمات المخابرات والاتهامات بالبرجوازية والعداء للنظام. واتذكر الخوف من الاجهار بالافطار كما اتذكر الخوف من امتلاك كتاب معين. اتذكر يوم اختفت من مكتبتنا كتب السيد قطب وكتب لينين. اتذكر يوم تعرضت لضغوطات للذهاب الى المسجد وضغوطات للانتساب الى حزب البعث. اين هذا كله من الصحوة الدينية. الصحوة لم تكن لتكسب ارضا جديدة دون ان تصنع مهاجرين وارضا ضائعة. قد يرى الناس اليوم من الغباء تعريف العلمانية او اليسارية بشرب الكحول ولبس الميني جوب ومايوه السباحة وحفلات الرقص. لكن لنعتبر ان العلمانية هوية وليست مجرد تغيير في خدمات الدولة، تماما كما كانت الصحوة هوية. عدم مصافحة الجنس الاخر مقابل حفلة مختلطة ، وارتداء الزي المسمى اسلامي مقابل ارتداء الميني جوب، واستخدام السواك مقابل شرب الخمر،وتمضية اليوم في الجامع مقابل تمضيته في حمام السباحة، واحياء مولد بالتلاوة والمديح مقابل احياء حفلة رقص وغناء. هذه الممارسات اليومية البسيطة التي نسخر منها اليوم، حسب الطرف، هي مؤشرات هوياتية قد تاخذ الصدارة حين ندخل في حرب هوياتية. هذه الممارسات تشكل انتصارات صغيرة ومتراكمة لاحد الاطراف وهزائم او افعال مقاومة للاطراف الاخرى. هل كان ممكنا ان يكون الانسان متنورا دون ان يكون جاره متخلفا، او ان يكون متدينا دون ان يكون جاره كافرا. هل يمكن ان يكون الانسان عربيا وكرديا، علمانيا ومسلما، محجبة ومتحررة، اخلاقيا وملحدا، منا ومختلفا عنا. عندما تكون الهويات صلبة الى درجة الاجبار على اعلان البراء والولاء، فاننا حتما امام شرخ. اذا كانت الصحوة الدينية لا تسمح بتعايش هؤلاء الجيران وهذه السمات، فيجب ان نعترف بان التنوير العلماني، والتقدمية اليسارية، والقومية العربية والاسلامية السياسية كلها شروخات لم تندمل او مشاريع شروخات لن تندمل. اقول دائما ان بلدي الذي ترعرت فيه لم يعد موجودا، ليس فقط لان الابنية تهدمت او تغيرت، بل كذلك لان ثقافة فئة اجتماعية معينة اختفت بسبب صعود هذه الايديولوجيا الذي حتم هبوط تلك. ما قاله السواح ليس تحليلا علميا، انما هو صرخة هوياتية بلباس مثقف. كل ردة فعل على السواح من مجتمع عربي معين عبرت عن شروخ ذلك المجتمع، وقد احببت ان احكي قصة الشرخ السوري حتى لا يتجرا البعض على تجيير هذه اللحظة لمصالحهم الايديولوجية خارج سياقها. كلمة اخيرة. الصحوة الدينية لم تكن سورية فقط لكني تحدثت عن حيثياتها السورية. هناك ابعاد اخرى للصحوة مهمة جدا لم اتطرق لها ومنها صعود بلدان الخليج كمجتمعات قومية متمايزة عن جيرانها، الهجرة الواسعة للمسلمين الى الغرب، التحولات الضخمة في ايران وتركيا، وتوسع الطبقات الوسطى في مجتمعات المنطقة. يعتقد الكثيرون ان بلدان الخليج جزء من امة عربية او اسلامية، او ان اي بلد عربي جزء من امة اكبر ومشروع اكبر. لكن من المهم جدا الانتباه ان القومية تاتي بعد الدولة، وبالتالي فان كل الدول العربية كرست وجودها المستقل من خلال ممارسات قومية محلية مع التشدق بانتماءات اوسع. الخليج جلب العمالة العربية تحت غطاء الاخاء العربي لكنه لم يسمح لهذه العمالة ابدا ان تتوطن وتتجنس. اذا سحبنا القومية العربية من الصورة فسنجد ان القوميات اللبنانية والسورية والاردنية المتمثلة بتلك الدول ظهرت باستهلاك القضية والقومية الفلسطينية، وان القومية السعودية ظهرت باستهلاك القومية العربية والاسلامية. ان الصحوة الدينية التي شكلت احد اهم العناصر الايديولوجية في تكوين القوميات المحلية الخليجية استهلكت ما يمكن تسميته بالقومية الاسلامية. لا اقول ان الخليج انتج الصحوة، فهي ظهرت في كل مجتمع حسب خصوصياته، لكنها شكلت دفعا هائلا للصحوات الدينية في كل الدول العربية المحيطة تماما كما انتجت قطر وتركيا الحرب في سوريا، الحرب وليس الثورة.