أفكار الشحرور
16 حزيران، 2017 - تأثير أفكار الشحرور
برنامج النبأ العظيم مع د. محمد شحرور الحلقه 12 ما مدى انتشار افكار شحرور هذه الايام؟ Mohamed Ali Hamadeh June 16, 2017 · ي أواخر عام ١٩٩١ دلّني احد الأصدقاء الذي تربطه صلة قرابة بالدكتور محمد شحرور على كتابه الأول "الكتاب والقرآن - قراءة معاصرة" فسارعت لاقتناءه وقرأته مرات ومرات لتبدأ بذلك رحلة ربع قرن من متابعة أبحاث وإصدارات هذا الباحث السوري الفريد الذي كرس حياته للعمل على تجديد الخطاب الديني انطلاقاً من النص القرآني وعلوم اللغة العربية واستخراج أسسٍ جديدة لقراءة القرآن ليصل منها الى نتائج لم يسبقه اليها أحد في تاريخ الدراسات الاسلامية. فتح الدكتور شحرور الباب لفهمٍ يكاد يختلف بمقدار ١٨٠ درجة مع الفهم التراثي السائد للدين الاسلامي. فهمٌ ينطلق أولاً مِن اعمال العقل والبحث في كتاب الله بمنهجية لغوية ورياضية لم نعهدها من قبل وثانياً من مبدأ لا يقدس التراث بل يقيسه بمقياس العلم والسياقات السياسية والتاريخية التي جرت فيها كتابة وتوثيق هذا التراث. لجهوده الضخمة في مجال الدراسات الاسلامية وتصحيح الفهم السائد للقرآن الكريم والدين الاسلامي كتبت هذه المشاركة المتواضعة: هل كنّا صمّاً أم كنّا عميانا
حين كنّا نتلو ذلك القرآنا
فما وعينا من إعجازه شيئاً
ولا كيف نطبّق آياته بدنيانا
وما بحثنا في دقيق خطابه
هل نسينا؟ أم الشيطان أغوانا
اتخذنا كتاب الله مهجورا
وجعلنا معجزاتهِ سجعاً وبيانا
وقلنا ترادفٌ فزادَت مصيبتنا
وفسّرنا الكتابَ كأنه الفرقانا
وما فرّقنا بين معاني أبٍ ووالدٍ
وقرأنا "جاءَنا" فقلنا: مثلُ "أتانا"
وللنبي وللرسولِ معنى واحدٌ
فأخطأنا بالفهم حيناً وأحيانا
ركضنا وراء التراث هرولةً
فأنهكنا ذلك التراث وأعيانا
تفاسيرٌ قد ملأتها الغرائبُ
فإن تمعّنت بها أمسيت حيرانا
وفقهٌ كتبَ لعصرٍ غير عصرنا
وفكرٌ قد تَحجّر، يقوقع الإنسانا
يمسك بالقشور من غير لبٍّ
وتراه يهجر جوهر الدين هجرانا
حتى جاء شحرورٌ ليوقظنا
من غفلةٍ طالت بِنَا قروناً وأزمانا
قال عودوا لكتاب الله مالكمُ
إلّاه كي تنالوا الخير والإحسانا
تنزيلٌ لايأتيه الباطلُ أبداً
إن وعيتم آياتَهُ تزدادون إيمانا
قرآنٌ فيه قانونَ الله بخلقِهِ
أُحكمت آياته ممن أبدع الأكوانا
لا ترادف أو حشو في كلماته
كما يفعل شاعرٌ يكتب الديوانا
وعَلَّمَه الرحمن ونجّم آياته
جعلها هدىً لكل شَيْءٍ وتبيانا
فللّه درّك من باحثٍ أرِبٍ
بقراءةٍ من عصرنا يقرأُ القرآنا
فتبيّن صدق رسالةِ مُحَمَّدٍ
للبشر في الشام سكنوا أم اليابانا
هي دربٌ طويلة أنتَ بادئُها
وكم بذلت فيها عزيمةً وإيمانا
مبتغياً وجه الله ومرضاتهُ
أبداً، براً وتقوى لا إثماً وعـدوانا
Ezzat Baghdadi شعبوياً صفر... لكن هناك يحاول أن ينهج منهجه من مشايخ العلمانية الجدد، الشيخ رياض درار مثلاً
Mohamadkheer Farekh هو و الكيالي من نفس المدرسة لكن هذه المدرسة لا تقنع الشعوب العربية و السبب بسيط لأنهم ما بيلبسو متل المشايخ يلي وجدنا عليهم آبائنا
مراد بنيس خلاصة فكره أن "للذكر مثل حظ الانثيين" تعني أن للذكر مثل حظ الانثى، وأن "واضربوهن" لا تعني "واضربوهن" وهكذا
Oussama Al-chami أفكاره تنتشر بين المتفتحين عقليا وثقافيا. على نطاق الشارع ومشايخ الشارع فهو مكروه جدا لأن حملات التشنيع والضلالة مستمرة عليه بشكل دائم. الكثير من اكتشفاته ودراساته علمية وموثقة وفي حال تطبيق فقط عشر ما اكتشف فإن ثورة دينية ثقافية سوف تدفع بالعالم الإسلامي إلى الأمام.
Amer S S Atassi شعبيته محدودة و معظم آراؤه شاذة.
Rami Jandali الشارع و الموسسات الدينية ليست جاهزة لقبول آرائه او النقاش بها بعد. بانتظار الوصول إلى القاع حتى نقبل التجديد
24 كانون الأول 2019، عن أفكار الشحرور
اريد ان اسجل اضافة الى كل ما قيل ويقال وسيقال عن محمد شحرور. في البداية انوه الى اني لم اقرأ كتبه لكني سمعت عن بعض افكاره من عدة اشخاص وشاهدت بعض مقابلاته المتلفزة. كان عندي صديق في الجامعة ملتزم بالاسلام المديني الشامي المعتاد. ونهاية الثمانينات بدأ يتصرف بطريقة مخالفة للمعروف عنه وللمعتاد عند الملتزمين. وبدأ يتحدث بإطالة عن محمد شحرور الذي كان قد بدأ لتوه بنشر أول كتاب له. صديقي كان من أقارب شحرور ويعتبره اباً فقد توفي اباه في سن مبكرة. بالنسبة لي كإنسان غير متدين وغير ملتزم بتعاليم الاسلام كان التغيير محبذا لاننا اصبحنا انا وصديقي متشابهين في بعض التصرفات والاراء. كان يتكلم كثيرا عن القرآن وعن فهم جديد للقرآن. وكانت الاراء غريبة وكأنها من مجرة اخرى. لكن الادعاء بأنها علمية لمجرد ان صاحبها استخدم الاحصاء والخطوط البيانية كان يزعجني. الشيء الآخر الذي ازعجني وقتها ان صديقي كان لا يساوره اي شك ان شحرور على حق وان الاخرين على باطل وكان يتهمهم بالجهل. هذه المنغصات عادت إلي بعد عقدين من الزمن عندما استمعت الى بعض المقابلات مع شحرور: الغرابة، العلموية، اليقين التام، التعالي على اصحاب الاراء الاخرى. في وقتها اي اواخر الثمانينات كانت الاشاعة تقول بان شحرور مدعوم من النظام لان افكاره تناسب توجهات النظام وخاصة محاربته للتدين الاخواني الذي كان يرى نفسه ضمن اطار يشبه اطار شحرور، اي حديث، متلائم مع العصر، علموي، وصحيح دون شك، ومتعالي على الاخرين. هذه الاشاعات لم تحمسني وقتها لقراءة شحرور. وتوقعت ان يختفي اسمه من الساحة مثلما اختفت اسماء كثيرة، فالمصلحون كثر والاصلاح هو سمة العصر وبالتالي فان الكثيرين سيدعونه. ثم مرت سنوات وتحولت من الهندسة الى التاريخ. في منتصف العقد الاول من الالفية سمعت احدى طالبات الدراسات الدينية في الجامعة حيث كنت ادرس تتحدث عن محمد شحرور وانتشار كتبه في سوريا والعالم الاسلامي. قلت لنفسي، ربما نجح في امتحان الزمن، وربما كانت محاولة من الطالبة لايجاد موضوع لاطروحة الدكتوراه. وهذه المواضيع صعبة ومن المفروض ان تكون جديدة ولذلك فقد كان طلاب دراسات الشرق الاوسط يجنحون كثيرا الى مواضيع هامشية لكنها غير مطروقة وخاصة بعد زيارة او اثنتين للعالم العربي. تلك الطالبة ايضا وبعد عودتها من سوريا كان مبهورة بشخصيات اخرى كانت تتصدر الساحة الانفتاحية في بداية عهد الاسد الابن. فقلت لنفسي ربما لقي شحرور دعما من الابن كما لقي من الاب. مرت سنوات اخرى وجاءت الثورة وذهبت الثورة وتبدد غبار المعركة عن مجتمع مفتت ومنقسم على نفسه وكاره لبعضه حتى ضمن المعسكرات التي بدأت متماسكة مع بدايات الثورة. هنا بدأت أسمع مرة اخرى عن شحرور، لكن هذه المرة ليس من الهامش بل من عدد كبير من المسلمين المؤمنين الملتزمين بدينهم. علمت ان شحرور بدأ يظهر على قناة اماراتية خصصت له برنامجا كاملا لنشر افكاره. قلت لنفسي، هذا الرجل ثبت أقدامه، وتخطى عدد المحبين له الكتلة الحرجة مما يعني انهم باقون. وتأكدت انهم باقون عندما رأيت ان اتهامات الكفر والجهل تتطاير بين محبي شحرور واتباع الاسلام التقليدي تبع المشايخ والقنوات الفضائية. انقسام الجماعة فكريا وحسب المرجعية وتبادل الاتهامات وخاصة التكفير وخيانة الاركان من اساسيات تشكيل الانا والآخر. لهذا بدأت اهتم بشحرور فاستمعت الى عدد قليل من مقابلاته وقرأت بعض كتاباته على صفحته. اعتقد اني بدأت افهم أفكاره ومقولاته ومنطقه. وما ادهشني هو ان السمات الجديدة التي رأيتها في صديقي القديم رأيتها ذاتها في المدافعين عن افكار شحرور: اي الغرابة والعلموية واليقين التام والتعالي وحتى الشفقة من جهل المعسكر الآخر. وهي نفسها كما قلت السمات التي رأيتها في شحرور. هذا يعني ان شحرور صار مؤسسا لتيار اكثر من فكري، لقد اصبح مؤسسا لتيار ديني له مريدون يأخذون عن المعلم أفكاره ورؤيته لنفسه كفاعل اجتماعي. وهذه الملاحظة، بالاضافة الى الكتلة الحرجة وتبادل الاتهامات، تعني ان الشحروريين باقون وسيتمددون وسيتابعون تطوير افكار المعلم ونشرها وستزداد قطيعتهم عن التيار الاكبر السائد في الدين الاسلامي. لمن يتساءل عن معنى الاصلاح الديني، فهذا هو بالضبط الاصلاح الديني، اي افكار وجماعة متمايزة تدافع عنها ويرتبط تماسكها ببقاء الافكار والزيادة في الدفاع عنها. وهذا سيفضي الى ما يسمونه بقنونة افكار المؤسس، اي رفعها الى مصافي النصوص المؤسسة التي ستكثر تفاسيرها وشروحاتها في طريقها لتتحول الى ارثوذكسية. في الحقيقة ظهر شحرور في فترة حرجة من مسيرة الاسلام في سوريا خصوصا. لكن اليوم هو الظرف الانسب لانتشار افكار شحرور. سوريا منقسمة اصلا، واليوم الانقسام طال السنة. الاسد اقنع الناس بان الحرب طائفية، وكما اقتنع كثير من العلويين فان نظراءهم من السنة لحقوا بهم بعد زمن قصير. اصبح السنة طائفة بعد ان كانوا اغلبية. الاغلبية تعرّف المعتاد والطبيعي، ولذلك فهي تعرّف المقبول دون تفكير او اعتراض او اضطرار للتبرير. لكن تحول الثورة الى ثورة سنة على نظام شيعي وانخراط الفصائل الجهادية اجبر كثير من السوريين على اتخاذ موقف من الحرب. هل انت ضحية او ظالم؟ الرمادي غير مسموح به. اجرام الاسد دفع الكثيرين الى الانتقال على مضض من الرمادية الى المعارضة. لكن فشل الاسلاميين الذريع في تحقيق نصر مبين كسر التلاحم ضمن صف المعارضة. كذلك فإن عجرفة الفصائل وتحويلها الحرب الى مغانم واشتراكها في التدمير وقمعها لسكان المناطق التي احتلتها جعلها وجعل مشروعها الاسلاموي غير مقبولين، او على الاقل في موضع شك. يبدو ان جماعة شحرور استطاعوا بالاعتماد على افكاره الاصلاحية الانسلاخ عن تجربة الفصائل وعن مشروع الخلافة او الدولة الاسلامية وكذلك عن مشروع تحويل السنة الى طائفة مظلومة تبحث عن دولة تمثلها. السمعة السيئة جدا للاسلام والمسلمين التي تسببت بها داعش والحرب السورية والحرب العراقية اصبحت حملا هائلا لا يريد كثيرون ان يحملوه لانه يعني الانعزال والدفاع المستميت والمعاناة من التمييز الديني والاتهامات بالتخلف والتوحش. مجابهة هذه السمعة وهذه الاتهامات وهذا المستقبل يسكن في صميم افكار شحرور. مشروع شحرور مشروع حداثي باعتبار ان اي اصلاح في هذا العصر هو اصلاح باتجاه الحداثة، سواءا كان اصلاحا دينيا ام ثقافيا ام سياسيا. نجح شحرور في تأصيل كل افكار الحداثة اسلاميا. بل اكثر من تأصيل. الاسلام نفسه اصبح عند شحرور دينا يستطيع ان يتبنى افكار اي عصر. بالنسبة للمتعلمين والمثقفين، وهم جل محبي شحرور، فإن التأقلم مع الحداثة ايجابيا، اي دون انغلاق، اصبح حاجة ماسة، خاصة بالنسبة للمهاجرين والمغتربين منهم. كما يقول البعض، الغرب اسلام من دون مسلمين، اذا اردت كمغترب جني ثمار الغرب فعليك ان تتعايش وتتناغم مع الحداثة. الشحرور يقدم ذلك وبلباس عقلاني شديد الاناقة. الشحرور حداثي مع الاحتفاظ بالصلة مع الله منزل الكتاب المقدس على خاتم النبيين الذي جاء مصدقا لم بين يدينا من كتب سماوية. لحسن الحظ لم يقطع اصلاح الشحرور مع الكتاب المقدس، كلام الله، لكن الثمن كان قطيعة هائلة مع التراث الاسلامي. لا بد من ثمن، التغيير مكلف. المتنورون من المسلمين، اي محبو الغرب اثناء النهضة العربية، دفعوا ثمن التغيير انفصالهم عن المجتمع الشعبي واتهامهم بالدفاع عن المستعمر واستجلاب عاداته وتقاليده (الاغتراب)، سواءا كانوا يساريين او ليبراليين، واحتلال طبقة كاملة من مشايخ الاحياء الشعبية مكانهم في الساحة الاجتماعية (رأي توماس بيريه). الاصلاح بحد ذاته فكرة ايديولوجية. فلا يوجد وضع فكري اجتماعي جيد بالمطلق او سيء بالمطلق. الحكم القيمي من نمط منحرف قويم، صحيح خاطئ، اصلاحي ابتداعي، هو حكم ايديولوجي لانه جدالي. تغيير الفكر والممارسة لا يمر في اي مجتمع دون ان يثير جدلا. هذا الجدل يقسم المجتمع الى قسمين مع وضد، مستفيد وخاسر. ولا ينبع هذا الانقسام من مناصرة للحق او للصحة او للاستقامة ولا من مناصرة للباطل او للمرض او للانحراف. الانقسام ينبع من تهديد للمنظومة القائمة. كل عملية تغيير ستعيد بناء جزء من المنظومة وبالتالي ستعيد توزيع المستفيدين والخاسرين. اما التغيير المسبب للانقسام فهو تعبير عن تأزم يعيشه احد مكونات المنظومة. الطفرات تحدث عضويا او بتأثير خارجي وعليها ان تصارع من اجل بقائها. طبعا هذا يخرجنا من اطار العقلانية والارادة الحرة التي يفترض ان يتمتع بها المنخرطون في التغيير او في معاداة التغيير. هناك مستوى يجعل التغيير فعلا طفرة وهو مستوى تاريخي طويل الامد. اما على المستوى الاجتماعي الميكروي الحاضر فان افعال المنخرطين عقلانية واعية وحرة. سنبقى ضمن هذا المستوى لاننا فعلا نعالج حالة ميكروية. الاصلاح او الابتداع، حسب وجهة النظر هذه، هو اذن حركة تغيير . الاصلاح ترجمة عربية لحركة البروتستانت المسيحية المعارضة للكنيسة الكاثوليكية والتي ظهرت في القرن السادس عشر. لكن الاصلاح مصطلح اسلامي له تاريخ. الصالحون والصالحات هم المؤمنون الذي يقومون بأفعال تنظر إليها الايديولوجيا الدينية على انها موافقة لتعاليم الرب. أصلح الله الامير، تحية قديمة لا تعني الدعاء للامير بالتغيير والعودة عن الانحراف وانما دعوة للإله بأن يبقي الامير ضمن جماعة الصالحين. ومن المفيد التنويه الى ان ترجمة بروتستانت، اي معارض، الى العربية هي مصطلح له معاني دينية اوسع بكثير من مجرد معارضة. لا اعرف متى قرر الدارسون بان الحركة البروتستانتية هي حركة اصلاحية. لكن يبدو ان الترجمة العربية تعكس هذا الاجماع الحديث. هذه مقدمة طويلة اوردتها لتساعدني في فهم حركة تغيير فكري اجتماعي ترى نفسها بأنها مصلحة واصلاحية. مثل هذه الحركات، خاصة في اطار الدين، غالبا ما تزعم بأنها تعود الى لحظة تأسيسية انحرفت عنها الجماعة. بالطبع اعداء الحركة من المحافظين يعتقدون بأنهم لا يزالون على العهد ولم ينحرفوا. الشحرورية لا تختلف عن غيرها من الحركات الاصلاحية، انها ترى ان الجماعة قد انحرفت وقضت ألف واربعمائة سنة تمعن في انحرافها عن اللحظة التأسيسية. بالطبع هذا ادعاء ايديولوجي اذ لا يمكن معرفة فيما اذا سارت الاجيال ما بعد التاسيسية على خطى المؤسسين او انحرفت. وليس هذا لقلة المعلومات، ابدا. اللحظة التأسيسية نفسها لا تكون لحظة صفر، وانما جزء من سيرورة اخرى انتجها عصرها وبيئتها. اللحظة التأسيسية هي ايضا مفهوم ايديولوجي بحت. لا توجد لحظات تأسيسية وانما اعادة صياغة لسردية تاريخية جعلت الزمن ينقسم الى ما قبل ثم صفر وما بعد. القرآن نفسه يرسم لنا صورة جماعة المؤمنين على انها جماعة اصلاحية ضمن بيئة يهودية-مسيحية-وثنية. اذن ليس هناك لحظة فكرية اجتماعية يمكن العودة إليها. كل جيل يبني على سرديات أسلافه مضيفا ومغيرا وحاذفا ومقولبا. أعمال الاجيال ليست انحرافا او تصحيحا وانما جدال اجتماعي مستمر. لذلك ليس من الضروري معرفة تفاصيل فكر الشحرور حتى نعرف انه لا يصحح شيئا وانما يعيد صياغة ما ورثه ضمن جدال فكري اجتماعي يعبر عن عصره. لو صاغ شحرور افكاره بهذه الطريقة لما كان لي عليه اي اعتراض. لكن شحرور لا يستطيع ان يصوغ افكاره بهذه الطريقة المحايدة، انه جزء لا يتجزأ من الجدال الايديولوجي؛ وفي هذا الجدال هو اما مستقيم او منحرف، مصلح او مفسد، عالم او جاهل. وللصدق فان شحرور لا يزعم انه يستعيد تعاليم محمد كما كانت بالضبط، فهو اعتبر القرآن رسالة متغيرة حسب الزمان والمكان رغم ثباتها شكليا. اي انه اعتبر بأن محمد مجرد صياغة تاريخية للرسالة. ولو انزل الله القرآن صحيفة من السماء امطارا لما احتاج شحرور الى محمد ليكون حامل الرسالة. لكنه لا يستطيع إلا بأن يقر بأن محمد حمل الرسالة لكنه فهمها بطريقة مناسبة لاهل عصره. محمد لا يستطيع في فكر شحرور ان يتدبر كلام الله بمعزل عن تاريخيته كشخص. محمد لا يستطيع ان يعرف كل الاحتمالات المستقبلية واللانهائية للقرآن كرسالة إلهية. لا شك في ان هذه الفكرة احتاجت من شحرور الى سنوات من الصراع الداخلي مع المعتقدات التي تلقاها عن اهله ومجتمعه والتي تجعل من محمد الانسان الكامل الذي فقه رسالة الرب وحملها الى العالمين. ولا يجب ان ننكر على الرجل هذه الخطوة الجريئة. لكن في الوقت ذاته لم يتخل شحرور عن فكرة الانحراف. فعلماء العصور الخالية لم يفهموا القرآن كما فهمه شحرور. لكن كان بإمكانه ان يقول بأن كل جيل فهم القرآن حسب حاجته وبالتالي فلا يوجد انحراف. لكن مثل هذا القول لا يجعل شحرور مصلحا وانما مجرد قارئ للقرآن. سمى مشروعه قراءة معاصرة، ووضع منهجية لهذه القراءة، لكنه عاب على السلف جهلهم بحقيقة ان القرآن ثابت في الشكل ومتغير بالمعنى. هذا التناقض والتوتر ضمن افكار الشحرور بين "الاصلاح" و"مجرد قراءة" ليس عيبا او خطأ ارتكبه الشحرور وانما جزء من ادعاء الاصلاح. فمتى يجب على جيل ما ان يعيد قراءة الكتاب، كل سنة او كل خمسين سنة او كل مائة سنة. ويبدو ان فكرة ظهور مصلح كل قرن موجودة اصلا في الاسلام السني وحتى ممأسسة في الاسلام الشيعي. جدال الاصولية والاجتهاد حسم في التشيع الاثناعشري لصالح الاجتهاد، وبات واجبا على الشيعة اتباع تعاليم المجتهد الحي وترك العمل بتعاليم المجتهد الميت. فهل الاصلاح مجرد تجلي ووحي ام له شروطه؟ في الحقيقة لا يستطيع الشحرور ان يجيب على هذا السؤال، لأن الاصلاح مرتبط بمفهوم آخر هو التأزم. فلا حاجة الى اصلاح اذا كان المؤمنون متعايشين مع دينهم كما تركه لهم اسلافهم منذ آخر عملية اصلاح. اصلاح الشحرور مرتبط بأزمة الاسلام. حسب تعريف الازمة يكون الاصلاح. هناك الاصلاح السلفي والاصلاح السياسي والاصلاح الاخواني والاصلاح الصوفي والاصلاح الليبرالي. هناك ايضا الاصلاح التركي والاصلاح المصري. هناك اصلاح الحديث واصلاح الفقه واصلاح الاخلاق واصلاح الشعائر واصلاح المعتقدات. فأين يتموضع الاصلاح الشحروري. كما ذكرت في بداية المقالة بأن الشحرور حداثي بامتياز. انه الاصلاح الذي يجعل الاسلام ملائما للحداثة، ذلك المشروع الذي بدأ في اوروبا واصبح اليوم عالميا. لكن لا يستطيع احد ان يعيد انتاج التجربة الاوروبية، ولذلك فان الحداثة مشروع تطبيقي وليس نظري. بالطبع الجميع ينظر للحداثة، والجميع عندهم وصفات جاهزة، وخاصة الغرب، لكن لا توجد حداثتان متشابهتان. الحداثة بحد ذاتها ايديولوجيا. لا بل هي تقترب اليوم من مصاف الايديولوجيا الدينية. لا احد يعرف الطريق الى الحداثة، ولا احد يستطيع ان يصف الحداثة الاروبية بشكل علمي يسمح للآخرين بنقلها وتطبيقها. ما هو الحد الادنى من الحداثة الذي سيكون مشتركا بين بلدان الارض بعد مائة سنة من الآن؟ لا احد يعرف. وبما انها ايديولوجيا فالغرب مثلا يعرف ماهي الحداثة ويعطينا الطريق القويم إليها. لا بل يبدو ان هناك انحرافات عن الحداثة الارثوذكسية، وهناك حالات فشل، وهنا حركات عودة الى الحداثة الاصيلة. كل هذه الاعراض تدل ان الحداثة ايديولوجيا وليست معرفة واقعية محددة. احد مآخذي على الفكر الشحروري هو انه سوق لنفسه من خلال مواضيع ساخنة في الجدال حول الحداثة في العالم الاسلامي. الحجاب، شرب الخمر، اللباس الاسلامي، دولة الخلافة، التاريخ الاسلامي، التخلف، الارهاب، تطبيق الشريعة، الفائدة والاقتراض، عمل المرأة، العلم، الحديث، القرآن، الفقه، التراث، كلها مواضيع جدال محتدمة في المجتمعات المسلمة، ومحتدمة بين الغرب وتلك المجتمعات. قد يقول قائل بأن هذه المواضيع هي التحديات التي يواجهها المجتمع المسلم في العصر الحديث، ولذلك فانه من الطبيعي ان ينخرط الشحرور في جدالاتها. نعم هذا صحيح، لكن يبدو لي احيانا ان قراءة شحرور المعاصرة للقرآن والاسلام بشكل عام تحل وبلمسة سحرية كل الاتهامات التي يوجهها الغرب للاسلام. بالنسبة لي كشخص يعيش ضمن هذه الحداثة ويراها نمطا في الحياة مناسبا، يجب ان اهلل لافكار مثل افكار الشحرور. بالنسبة لي كانسان أعتبر ان المسلمين الذين يعيشون في الغرب يسيرون نحو ازمة تعايش خطيرة ستجعل من جاليات مسلمة ضخمة وموزعة في انحاء العالم مشاريع غيتوهات على النمط اليهودي، ودونما اجبار من المجتمعات المضيفة. فلماذا لا انخرط في حركة الشحرور الاصلاحية واصبح من انصارها والمبشرين بها؟ الشحرورية وجدت طريقة ذكية جدا في اجتراح تأويل منطقي ومتماسك للنص الاسلامي المقدس يبقي على الحد الادنى من الايمان الاسلامي، ويحل كل ازماتنا مع الغرب والحداثة، ويصالح المسلمين مع كل الاديان حتى الهندوسية ويجعل كل اهل الارض مسلمين. اولا انا لا اعمل من ضمن الاسلام، ولا ارى دوري كمصلح اسلامي. ثانيا، ليس عندي تعريف محدد للحداثة لاصفق له واشجع تطبيقه، لا بل اعترض على عناصر كثيرة من ايديولوجية الحداثة كما يروج لها الغرب واعتبرها عناصر ايديولوجيا هيمنة لا أكثر. ثالثا، الشحرور حافظ على النص، لا بل ربط اي تطور للفكر الاسلامي بتأويل النص، وهذا باعتقادي طريق مسدود. مهما كانت منهجية الشحرور في تأويل القرآن متماسكة ومنطقية فإنها تبقى محدودة بالنص. الشحرور لم يقدم منهجية للتأويل بشكل عام، لكنه قدم منهجية للتأويل تخص عصره. هذا بالضبط مشروعه، لكن منهجه لن ينجح في عصر آخر. وككل محاولات التأويل، فإنها خلطة سحرية لا تعمل الا مرة واحدة. لا يستطيع الشحرور ان يعطينا منهجا للاصلاح لان الاصلاح ايديولوجيا وليس علما. الشحرور ربط كل شيء بالنص. وأحيان تخلى عن التاريخ من اجل النص. التأويل الشحروري ليس له اي سند تاريخي. ان منطقه داخلي. وهذا بالضبط ما يجعله اصلاحا دينيا، ودينيا فقط. الشحرور عاب على المسلمين والعرب ان عقلهم نصي، لكنه كان نصيا اكثر منهم. النص اصبح السفينة والمرساة والمرفأ. شحرور لم يسمح للتاريخ بالعمل من خلال النص فهذا مستحيل، الشحرور حشر التاريخ الكوني والبشري كله في النص. لكن لا يجب ان نقف هنا دون ان نعطي للمفكر حقه من الابداع. في الحقيقة، تعرفت على العديد من الافكار التي يطرحها الشحرور بشكل مستقل عندما حاولت ان اجد صياغة اخرى للاسلام يمكن ان تلائم روح العصر. هذا كان في زمان اعتقدت فيه بفكرة الاصلاح وبضرورتها. يمكن تخيلت نفسي مخلص او على الاقل مصلح. وبسبب دراستي للرياضيات فقد اعتبرت ان الاصلاح يجب ان يكون متماسك داخليا، اي يضع قواعد منطقية ولا يخرقها. والطريق الى ذلك هي طريق رياضية. ابحث عن الحد الادنى من الافكار التي يمكن اعتبارها مسلمات وابدأ البناء عليها ضمن قواعد ثابتة. في الهندسة المستوية هناك مسلمة ان الخطين المتوازيين لا يلتقيان؛ وفي الجبر هناك مسلمة الاعداد الطبيعية. وطبعا هناك العمليات الاساسية على الاعداد وهي الجمع والضرب. ثم من هذا يمكن بناء كل شيء. وقد حاولت ان افعل ذات الشيء في الدين لكني فشلت. الشحرور نجح. لكن فشلي ونجاحه يمكن اعطائهما بعض التفسيرات السببية. لم أستطع التخلي عن التاريخ، اي انني ربطت القرآن بسياقه، وكلما وجدت مسلمات وانشأت على اساسها صرحا يعيد صياغة الاسلام كنت اصطدم بعدم تاريخية تلك المسلمات، او كنت اصل الى نتائج مخالفة لما اعرفه عن تاريخ الاسلام. بالطبع اقتصرت على القرآن لاعتقادي بأنه النص الوحيد الذي يمكن اعتباره موثوقا. بالطبع الشحرور ايضا افترض نفس هذا الافتراض. لكن الشحرور سحب القرآن نهائيا من التاريخ بان جعله متغيرا مع التاريخ، فقط بالمعنى. وعندما احتاج الشحرور الى فرضيات فانه اعتبرها مسلمات وانطلق منها. بعض مقولاته عجائبية، لكن والحق يقال ذكية. بالنسبة لي لا يوجد دليل على صحة مزاعمه لكنه حاول دائما توليف حجة قرآنية لاثبات صحتها. القرآن بالقرآن، هذا هو الاسم القديم لتفسير القرآن بالاعتماد على القرآن نفسه. ولهذا السبب احتاج الشحرور الى نظرية لغوية تمكنه من الاقتصار على القرآن في شرح القرآن، ومثالها نظرية رفض المترادفات. اللغة عند الشحرور بهلوانيات مبهرة، ليس بصحتها وانما بوضوحها وفائدتها. كما كان الاقدمون يعتقدون، النظرية تكون صحيحة عندما تكون مختصرة وواضحة وجميلة ومفيدة. اغلب الافكار التي قرأت عنها له تقوم على مواضيع متداولة في اوساط الابحاث التاريخية الاسلامية والابحاث القرآنية. لكنها مواضيع جدال لم يحسم، اما عند الشحرور فهي محسومة وبشكل لا يقبل الشك. وهي محسومة اما بحجة لغوية اخرى من القرآن، او بمسلمة بالاضافة الى مسلمة انعدام الترادف، هناك مسلمة لا تناقض القرآن مع نفسه، ومسلمة لا تناقض القرآن مع العقل والعلم، ومسلمة ثبات النص وتغير المعنى، ومسلمة القرآن المبين، ومسلمة ان القرآن محتوى في ذاته ويمكن تفسيره بنفسه، ومسلمة قدرة العقل على الوصول الى المعنى الجديد الذي اراده الله لكل عصر، ومسلمة عدم وجود النواسخ، ومسلمة ان رسم القرآن ثابت لا يتغير. وهناك مسلمات دينية اسلامية ترجع الى جدالات المعتزلة (ليست بالضبط مسلماتهم) مثل مسلمة العدالة الالهية المطلقة، ومسلمة القرآن كلام الله، ومسلمة المعرفة الالهية المطلقة لان ثبات النص وتغير المعنى يفترضان ان الله يعرف المستقبل الى نهاية الزمان. وفي النهاية، كان شحرور صادقا مع نفسه بقوله ان مشروعه هو عقلنة النص. لقد جعل الشحرور من نص القرآن القديم والمربك حتى للفقهاء (ولذلك ابتكروا الناسخ والمنسوخ) نصا واضحا متناسقا منطقيا. يبدو لي احيانا ان الشحرور اجبر القرآن على ان يكون منطقيا ومعقلنا، وهو ادعاء لم يزعمه حتى القرآن لنفسه. القرآن اعترف بوجود آيات بينات واخر متشابهات، لكن الشحرور حدد لنا البينات والمتشابهات. وهنا نرى التعالي الذي ذكرته في البداية. الشحرور يعرف عن القرآن ما لم يفصح عنه القرآن نفسه. عقلنة القرآن بهذه الطريقة مبهرة، لكنها ابقت الاسلام والمسلمين حبيسي النص. انتهى التاريخ كما انهاه فوكوياما. كل ما علينا هو ان نفك شيفرة القرآن. ما تعلمته من تجربتي الفاشلة كمصلح هو ان الاصلاح الديني كحركة تغيير اجتماعي لا يمكن ان يكون حبيس النص مهما ادعى بانه ملتزم بالنص . لابد من التدخل الكاريزمي الذي وصفه ماكس فيبر. المعلم الجديد يجمع عناصر من النص ومن خارج النص في توليفة جديدة تزعم انها تصحح الانحراف وتعود الى وضوح اللحظة التأسيسية. ايمان الناس بالمعلم يطغى على ايمانهم بالنص. المعلم الجيد هو الذي يقنع اتباعه بان كل البدع التي جاء بها هي مجرد اعادة قراءة وعودة الى القراءة الصحيحة. بعد المعلم، يتسع النص كمرجعية ليشمل تعاليم المعلم. فيبر اعتبر ان وظيفة الكهنوت هي الحفاظ على كريزما المعلم التي مكنت الناس من مخالفة الاسلاف، اي مخالفة ما كان يعتقد بانه كلام الاله. المعلم يعيد صياغة الاله بطريقة تسمح له بأن يقول كلاما جديدا دون ان يناقض الكلام القديم. الدين الجديد ينشأ عندما لا يحتاج المؤمنون الى العودة الى الكتب القديمة، او لا يعودون إليها إلا وهم مسلحون بتعاليم المعلم وكتابه الجديد، النسخة الصحيحة من كلام الله. اعتقد ان شحرور نجح نجاحا كبيرا بلعب دور المعلم. انه مصلح ديني واستمرارية لتاريخ طويل من المصلحين الدينيين (اي الانبياء واصحاب المذاهب ورؤوس الطرق الصوفية، وحديثا المثقفين التنويريين الحداثيين). من هذا المنطلق افهم افكار الشحرور وليس من منطلق صحتها العلمية او التاريخية او المنطقية. الشحرور ليس اكاديمي ولا باحث ولا محلل، انه مصلح ديني.