تنظير الثورة

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث

محتويات

4 شباط، 2018 - تعريف الثورة

عرف لي الثوره متل ما بدك واثبت لي انها لا تزال موجودة. لا ناس ولا فكر ولا تطبيق. نحن فقط في حالة فوضى. بدل الثورة وما يتبعها من التزامات غير منطقية، خلينا نحط اهداف جديدة. شو لازم نعمل. لا تقل لي استسلام لكن اعطيني فكرة واحدة عملية على الاقل.

41 Comments

حسام الدين درويش لازم تنتهي هالحرب على السوريين ومحاسبة المجرمين وإيقاف نزيف الدم واستباحة الكرامات ... لازم نحاول نساعد السوريين الضحايا والمحتاجين ... لازم نحفظ كرامة الثورة حتى إن ارتأينا انها انتهت وذلك يتم من خلال تحقيق الاهداف والقيم التي ارتبطت بها يومًا ما )الحرية، الكرامة إلخ) ... لازم نتكاتف لمنع المجرمين من الانتصار ولمنعهم من الاستمرار في جرائمهم ولتوفير الظروف لحياة آمنة وكريمة للسوريين ... لازم نحاول نتكاتف ونتعاضد ونتساعد لتحقيق هذه الأهداف وغيرها أو لإبرز ضرورتها لأي حل واقعي وعادل للقضية السورية ...

Ahmad Nazir Atassi لم اعد استطيع ان ارى الامور بهذا الوضوح. اقنعت نفسي بان هناك نوعان من الفكر، واحد يعتمد على ما يجب ان يكون وهو فكر مبدئي واخلاقي. وهناك فكر يعتمد على ما هو كائن فقط وفي ابعد الاحوال يعتبر ما يمكن ان يكون، لكن ابدا ما يجب ان يكون. ماذكرته انت يدخل بتحليلي في نطاق ما يجب ان يكون وليس ما هو كائن وابدا ما يمكن ان يكون. انت فيلسوف وتمثل العقل البشري سواءا الواقعي او الرغائبي. وانا اعتقد اني متمسك بالواقع فقط كاي فيزيائي. هل في كلامي فهم صحيح ام اسقاطات وخيالات.

Ahmad Nazir Atassi محاسبة المجرمين، مساعدة الضحايا، الحرية والكرامة، منع المجرمين من الإنتصار، حياة آمنة في سوريا. ضرورة هذه الأهداف. أحاول أن ألخص الأفكار، على الأقل تلك التي استشفها من مداخلتك. هذا الأهداف ضرورية من أجل حياة آمنة وكريمة للناس في سوريا. لكن قد أختلف معك في إمكانية تحقيقها. يبدو أن المجرمين انتصروا، وأنه من الصعب محاسبتهم، وأن فهم الحرية والكرامة يختلف من فصيل إلى فصيل ومن أيديولوجيا إلى أخرى. أتفق معك أن هذه رؤية مستقبلية يمكن أن يتبناها الإنسان الفاعل والمتفرج. لكن أرى أن تحقيقها سيأخذ قرناً من الزمن وطريقاً ملتوية جداً وصاعدة وهابطة. أنا طرحت نفسي كمهندس وأعمل على حلول قصيرة الأمد (في خدمة مبادئ بعيدة الأمد). ولا أطلب من الجميع أن يتبعوا مثالي، فلكل إنسان طريقه وأدواته. فإذا بقينا في مجال الرؤية المبدئية (قد تختلف معي في هذه التسمية لمداخلتك)، فإني أعتقد أنه من الضروري توضيح المصطلحات: الجريمة، المجرم، المحاسبة، الحرية، الكرامة، التعاضد. أعتقد أن كثير ممن يسمون أنفسهم ثواراً ارتكبوا جرائم مماثلة لجرائم النظام، فهل نسيمهم مجرمين وهل نسمي أفعالهم جرائم، أم أن الهدف يبرر الفعل. هل تقتصر الجريمة على القتل والإيذاء الجسدي والنفسي وهدم الممتلكات وحجز الحريات أم أن هناك جرائم أخرى مثل احتكار السلاح واعتقال المعارضين وفرض الأجندة والإستهتار بأرواح المدنيين عند التخطيط والقيام بعملية عسكرية، قبول المال الخارجي، الإرتهان لقوى خارجية، فرض أيديولوجيا. ثم هناك جرائم أخرى اجتماعية مثل إساءة معاملة النساء المغتصبات، سرقة الممتلكات المهجورة، الثأر دون دليل، الطائفية والتعميم، فرض التعليم الديني، إهمال الصحة النفسية. منذ زمن بعيد ترجمة قانون المرحلة الإنتقالية في جنوب إفريقيا. كان هناك تعريف للجرائم وللمجرمين، وكانت المحاسب تقتصر على الإعتراف والندم. ويبدو أن كل التجارب المماثلة لم تتضمن محاكمات لأفعال ارتكبت خلال الحرب. الإستثناء الوحيد والذي نعتبره قاعدة هو محاكمات النازيين في نورمبرغ. وحتى هذه استهدفت القيادات العليا فقط. لم يتح للناس منذ بداية المظاهرات وإلى الآن أن يشرحوا ويطوروا مفاهيمهم للحرية والكرامة فبقيت على تعاريفها المستخدمة شعبية وبقيت غائمة ونسبية. قابلنا مجموعة مقاتلين وكان تعريفهم للحرية هو مشاركتهم في أجهزة المخابرات، ولم يناقشوا حتى ضرورتها أو ممارساتها. كل ما كان يهمهم هو عدم احتكار طائفة لأية ممارسة سلطوية من دونهم. العديد منهم لم ير في الدستور السوري والقوانين السورية أية مشكلة. وكلهم اعتبروا أن الأمة هي الطائفة السنية ولذلك يجب أن تحكم. الوحيد الذي أعرف أنه كتب عن الحرية ولم أقرأ كتابه هو ماهر مسعود. الكرامة مفهوم مرتبط بشبكة مفاهيم الشرف والذكورة والمكانة الإجتماعية. فهل الكرامة هي حقوق الإنسان كما نعرفها اليوم أم أنها شرف الرجل المهدور حين يضربه عنصر مخابرات. الكثيرون لا يرون أي تعارض بين مفهوم الذمية ومفهوم الكرامة. الكثيرون يعتقدون أن الكرامة مرتبطة بالحصول على عمل وأن الدولة مجبرورة بتأمين فرص عمل. هل وجود مخابرات يؤثر على الكرامة والحرية أم أن ممارسة المخابرات هي التي تؤثر. الإئتلاف مثال من الأمثل على التعاضد. منذ 2011 نشأت مئات المؤسسات والمجموعات من التنسيقية إلى المجلس الثوري إلى المجالس المحلية إلى منضمات الإغاثة إلى الحكومات المؤقتة. قد لا أجانب الصواب إذا قدرت أن 90 بالمائة منها فشل، والباقي يعاني مشاكل كثيرة تضرب في صميم مفهوم التعاضد. قد يكون التعاضد مفهوماً مجتمعياً لا يعني أكثر من القبلية والطائفية. المفهوم المؤسساتي للتعاضد غير موجود تقريباً ولم يدرس أحد أسباب غيابه وفشله من أصغر تنسيقية إلى أكبر مجلس وطني وإئتلاف.

حسام الدين درويش لسوء الحظ أنا مشغول كتيرًا حاليًّا لكني سأعقب سريعًا على تعقيبك: هل انتصر المجرمون نهائيًّا ولا مجال لتغيير ذلك؟ لا أظن والمسألة مازالت غير محسومة والمتغيرات كثيرة ولا يمكن البت في ماسيحصل في المستقبل، حتى القريب منه. وحتى لو افترضنا أن المجرمين انتصروا، ماذا يعني ذلك بالضبط؟ هل يعني نهاية المعركة ضدهم بكل أو ببعض أبعادها؟ هل يعني ذلك ضرورة قبولهم وقبول انتصارهم والخضوع لهم؟ هل يعني ذلك نسيان جرائمهم وتاريخهم الإجرامي "العريق"؟ هل يعني ذلك تطبيع العلاقة معهم وكأن شيئًا لم يكن؟ جوابي هو النفي عن الأسئلة السابقة. من الجيد أنك تتفق معي على الرؤية المستقبلية، ويبقى السؤال ما هي التكتيكات التي ترى ضرورة اتباعها لتحقيق هذه الرؤية؟ بالنسبة لتعدد المجرمين وتعدد أنواع الجرائم ووجود درجات مختلفة وكثيرة منها أنا أتفق معك، وأنا أرى ضرورة السعي إلى محاسبة كل المجرمين (المحليين منهم وغير المحليين) سواء من الأنظمة او من القوى غير الحكومية. أختلف معك في ربط الكرامة بمفهوم الشرف وأرى أن مفهوم الكرامة أرقى من مفهوم الشرف لأنه يتعلق بإنسانية الإنسان بغض النظر عن جنسه ومنزلته ومكانته إلخ. وكرامة الإنسان عمومًا مرتبطة بحقوق الإنسان العالمية ولا مجال للتفصيل هنا. وبالنسبة إلى التعاضد لا شك أن لدينا الكثير من التجارب السيئة مع المؤسسات التي أنشأها سوريون أو اهتمت بالقضية السورية لكن هذا لا يمنع من السعي إلى تعاضد أفضل وأرقى قدر المستطاع. تحياتي

Ahmad Nazir Atassi التعقيب السريع كافي وكثيرون لا يعتبرونه سريعاً. شكراً على المشاركة. أعرف أن المحاسبة صعبة لكني أعرف أن النسيان مستحيل وهما شيئان مختلفان. أما لاإقرار بانتصار المجرم، فقد يكون ضرورة تكتيكية. تطبيع العلاقة يحتاج إلى الفصل بين الأفراد والمؤسسات. كما ذكرت قد لا يمكن محاسبة أكثر من بعض الرؤوس الكبرى وهي إدانة للمؤسسة ممثلة بشخص. لكن الأفراد سيعودون كمواطنين وأعتقد أن التطبيع معهم ممكن وضروري. إذن لا نختلف في المبدأ ولكن نختلف كثيراً في التطبيق ومدى القبول بالإعتبارات العملية والواقعية. لكن ليس هدفي إقناعك باستراتيجيتي في التطبيق، ولكن هدفي التعاون معك لتوضيح وتحديد المفاهيم العامة والمبدئية. فعلى عكس ما يعتقد كثيرون هذه المفاهيم أساسية حتى يعرف من ينخرط في التطبيق متى خرقوها وتاهوا. لا بل هي تساعدهم في التفاوض و إيجاد المخارج وتوليد الخيارات. لن أستطيع التواصل مع "المجرمين" إذا لم يكن تعريف الجريمة واضحاً.

Ezzat Baghdadi التراجع قليلاً عن التغيير ، تداعي النخب من كل الأطراف من أجل التعاون على: الاتفاق على آليات تسمح بالعمل المشترك الذي يتجاوز خطوط الانقسام . الاتفاق على رؤية وخطة مشتركة تضمن تصحيح المناخات العامة و تحويل الأدوات والتفاعلات من الهدم الى البناء. ساعتها ستكون النتائج طيبة.

Ahmad Nazir Atassi حسب ما كتبه حسام، لايمكن التعاون مع المجرمين. هل تغيروا، ام اننا نتحدث عن اشياء تتخطى تصنيف مجرم وثائر. انت عملي، لكن الجميع يفكر بالواجب والعدالة والمحاسبة. فاين هذه المفاهيم فيما طرحته.

Ahmad Nazir Atassi ما هي النخب، وماهي المناخات العامة، وما هو البناء؟ ليس هناك أطراف متمايزة في طرحك. النظام مثله مثل أي فصيل أو حزب، كلهم متشاركون في التفاعل. ليس هناك مجرم وضحية. هناك فقط خطوط إنقسام. وتعتمد مقولتك على فرضية أن المناخات العامة ستؤثر في أفعال المشاركين وتحولها من أفعال إجرامية هدامة إلأى أفعال إنسانية بناءة. كثيرون سيختلفون معك وسيرون أنك تساوي بين الضحية والجلاد، وأن الجلاد ما أصبح جلاداً إلا بسبب المناخات العامة التي إذا تغيرت فإنه سيجد لنفسه عملاً آخر أكثر فائدة. قد أشاركك الرأي في أن عملية التغيير أو الإنتقال من مرحلة إلى أخر لا تقوم على تصنيفات مثل مجرمين وضحايا ولكن على تفاعلات قد يتبادل فيها الأطراف أدوارهم فيصبح الضحية جلاداً في لحظة ما وظرف ما. لكن "المناخ البناء" قد يكون مرتبطاً بمفهوم الحق والعدالة، وكذلك "المناخ الهدام" قد يكون مرتبطاً بعكس الحق والعدالة. فكيف يمكنك تجاوز هذه المفاهيم حين تخطط لدفع عملية التغيير في هذا الإتجاه أو ذاك؟

Ezzat Baghdadi الثورة مصطلح لا يجوز استخدامه من قبل معاصريها، وهو مصطلح للاشارة الى حجم الفوضى والبؤوس الذي يمر فيه مجتمع ما أثناء التحولات الاجبارية الكبرى والى الخلاصىات الفلسفية والأدبية الناتجة عن ذلك، تماما مثلما نتحدث اليوم عن الثورة الفرنسية

Ahmad Nazir Atassi اتمنى ان يرد حسام الدين درويش على هذا التعريف للثورة.

Ahmad Nazir Atassi المعاصرون قد يكونوا بنائين أو هدامين وقد يتبادلون الأدوار. فإذا منعتهم من استخدام مصطلح الثورة فيمكن أنك تعطي هذا المصطلحا مضموناً إيجابياً. إنه مصطلح خلافي واستخدامه هو في صلب المعركة. وتعريفك للثورة بأنها مجرد تسمية لمرحلة البؤس والفوضى والملازمة للإنتقال والتغيير قد لا يتوافق مع منعك المعاصرين لاستخدامها باعتبار أنها قد تكون إيجابية. ووفق هذا التعريف فإن الثورة حالة عامة وليست حالة فردية. فإذا كانت فردية فيمكن للنظام مثلاً ان يكون ثائراً باعتبار أنه يشارك في البؤس والفوضى.

حسام الدين درويش Ahmad Nazir Atassi لا أعرف المرجعية (المعرفية أو الأخلاقية) التي استند إليها الأخ عزت للقول بعدم جواز استخدام مصطلح ثورة من قبل معاصريها. ولا أظن كلامه دقيقًا أو واقعيًّا حين رأى أن مصطلح ثورة يستخدم للاشارة الى حجم الفوضى والبؤس الذي يمر فيه مجتمع ما أثناء التحولات الاجبارية الكبرى والى الخلاصات الفلسفية والأدبية الناتجة عن ذلك. من جهتي أرى أن مصطلح "ثورة" يشير إلى أي تغير جذري في ميدانٍ ما أو إلى أي سعي جدي مؤثر لإحداث هذا التغيير. وعلى هذا الأساس نتحدث عن ثورة علمية او تقنية أو معلوماتية أو طبية أو اقتصادية للإشارة إلى ذلك التغير الجذري. أما في الميدان السياسي فالثورة مرتبطة بإحداث تغيير جذري في نظام الحكم (ذو الطبيعة الاستبدادية غالبًا وربما دائمًا) بالإضافة إلى الثورات ضد الاحتلال الخارجي وما شابه. وفي الأبحاث المعاصرة للثورات التي حصلت أو تحصل في عالمنا المعاصر يتم استخدام هذا المصطلح وله معنى واضح محدد لتمييزه عن مجرد الاضطرابات أو الانقلابات او الحروب الأهلية إلخ. ولكل مصطلح أبعاد وصفية وقيمية ينبغي الانتباه إليها، فثمة فرق كبير بين مصطلحي الثورة والحرب الأهلية أو الاضطرابات أو الانقلابات، ليس من الناحية الوصفية فحسب، بل من الناحية القيمية أو التقييمية أيضًا. وباختصار أقول، من حق أي منا أن يتبنى مصطلحًا ما ويعطيه معنى محدد يعتقد انه مناسب له، لكن لا أرى أن ذلك يعطيه الحق في أن يمنع الآخرين من استخدام هذا المصطلح بمعانٍ أخرى ووفقًا لمسوغاتٍ معرفية وأخلاقية وسياسية كثيرة وكبيرة. تحياتي

Ahmad Nazir Atassi هذا جدال دائم مع الأخ عزت. يستخدم المصطلحات بمعان جديدة مغايرة للإستخدام الشائع. وأعتقد أن هذا جزء من استراتيجيته العملية. المصطلحات كما ذكرت موجودة في صلب الصراع، وتعريفها هو جزء من الصراع. لكن أحياناً للمصطلحات عطالتها الخاصة، وقد يخشر المرء معركة المصطلح مما قد يؤثر سلباً على معركة التغيير الحقيقي.

Ezzat Baghdadi حسام الدين درويش بالطبع لم أقصد بتعريفي نقد مصطلح "الثورة" الشائع، ولا أجد في نفسي الكفاءة لذلك. لكن أردت من صياغة التعريف الإشارة إلى أن التغيير الجذري في المجتمعات بالضرورة يولد الفوضى، وأنه أيضاً بالضرورة محفز للصراع المؤلم الذي يسبب البؤس. من الطبيعي أن تضرب الثورات الأنظمة الاجتماعية الهرمة التي لا تتمتع بالمرونة للتكيف مع البيئة. في الثورات يتدمر المجتمع ذاتياً بفعل الفوضى التي تنتج عن عدم اليقين بكفاءة النظام الاجتماعي، ثم تنزع الفوضى إلى الانتظام لينشأ مجتمع جديد من تكيف بقايا المجتمع وهياكله التقليدية والناشئة عن حالة الفوضى مع البيئة الخارجية المحيطة. يستخدم البعض كلمة الثورة للإشارة إلى حركة احتجاج أو تمرد أو تسلح أو إلى تكتل قوى أو إلى راية أو جماعة محددة . وكل هذه الاستخدامات أجدها غير صحيحة لأن الثورة أشمل من ناحية فواعلها (مع وضد) ومن ناحية مسيرتها الزمنية. وإذا اطلعت على علوم الفوضى لوجدت أن الاختزال في الفوضى غير جائز ولو أنه يجوز في النظم الخطية، ومن هنا أرى أن استخدام مصطلح الثورة من قبل معاصريها هو محاولة اختزال غير جائزة. ليست الأزمة أزمة مصطلحات لكنها أزمة إدراك، نقول تغيير جذري بسرور لكن دون أن ندرك أن ذلك هو عينه الألم الذي نعيشه. لا يعني ذلك أنني ضد الثورة فأنا راغب بهذه المقامرة. لا مرجعية أخلاقية في الفوضى يمكن فهم الاضطرابات الاجتماعية والثورات على أنها خروقات للقيم والقواعد الأخلاقية أو على انها مرحلة من مراحل تغيير القيم والقواعد الأخلاقية للمجتمع. إن القيم والقواعد الأخلاقية الموجهة للسلوك ليست أزلية، وهي متغيرة بتغير البنيات الاجتماعية وعلاقات التعاون والانتاج التبادلية والبينية. البشر كالنمل و النحل يعيشون في مجتمعات، ويعني وجود مجتمع تعاون أفراده على الإنتاج والحماية من أجل البقاء. يمكن فهم بنية المجتمع من خلال مراقبة السلوك وتحديد القيم والأخلاقيات التي تحكمه. تتطور قيم وأخلاق الجماعات مع تطور بنياتها، وتوفر القيم الأساس للأحكام حول ما هو مهم لنجاح المجتمع في أعماله الأساسية. أما الأخلاق تحدد ما يعتبر صواباً أو خطأ في المسلكيات بناءً على القيم الناظمة. في حالات الفوضى تتحول البنيات بطريقة أسرع من ترسي القيم، ومن جانب آخر يلامس عدم اليقين معظم جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، لذلك تفشل محاولات الفاعلين لتقييم النتائج المحتملة ومخاطرها وفوائدها عند اتخاذ القرارات ذات نتائج غير متوقعة. وبطبيعة الحال، فإن بعض القرارات تنطوي على مخاطر شديدة؛ فقرار دعم الاحتجاجات في سوريا /أو قمعها/ أو تجاهلها يمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى على حياة الناس والمجتمع والاقتصاد. وفي مثل هذه الحالات، حيث تكون حياة الآخرين عرضة للخطر، يزداد الإلحاح إلى اتخاذ القرارات دون القدرة على معالجة أوجه عدم اليقين والتعاطيمع الأبعاد أخلاقية . إذا كان أحدنا يكره العمل دون قواعد أخلاقية فهو شخص هارب من الفوض "الثورة"

حسام الدين درويش Ezzat Baghdadi ألف شكر على تعليقك المفيد المطول، ومن الواضح أنه يحتاج إلى الكثير من المناقشات، وهذا غير ممكن في السياق الحالي للأسف، لذا سأركز على بعض أهم ما جاء فيه. 1- من جهة أولى أنت تقول أنك لم تقصد بتعريفك نقد مصطلح الثورة الشائع، لكن من جهة أخرى تقول أن استخدام مصطلح ثورة من قبل معاصريها أمر غير جائز! فإذا لم يكن هذا القول الأخير نقدًا أو يتضمن نقدًا لمصطلح الثورة الشائع فأنا لا أعرف ما المقصود بالنقد هنا؟ هل تقصد أنك تنتقد لكن لا تنقد؟ 2- أنت تقول من جهة أولى أن الاختزال في الفوضى غير جائز لكنك تقوم من جهة أخرى باختزال الثورة إلى الفوضى! فالثورة تتضمن على الأرجح وتفضي غالبًا أو ربما دائمًا إلى فوضى ما قد تكون كبيرة ومدمرة، لكن كل ذلك لا ينفي أن الثورة تتضمن شيئًا ما غير الفوضى والاقتصار على رد الثورة إلى الفوضى وتناسي أو تجاهل أبعادها الأخرى فيه اختزال بالمعنى السلبي للكلمة، وأنا لا أعرف لماذا ترى عدم جواز الاختزال في الفوضى وضرورة الاختزال إليها؟ وحتى إذا اتفقت معك على أن البعض يختزل الثورة إلى حركة احتجاج أو تمرد أو تسلح ... إلخ (وهو أمر نادر الحصول في الأبحاث الأكاديمية وحتى غير الأكاديمية الأجنبية التي اطلعت عليها) فإن رفض هذا الاختزال ينبغي أن يقودنا إلى تعريف الثورة بدقة وتمييزها عن غيرها من الظواهر القريبة منها وليس إلى اختزالها إلى ظاهرة أخرى كما يبدو انك تفعل. 3- طبعًا الاختزال السابق له نتائج كبيرة على المستويين المعرفي والأخلاقي وووو.ويبدو ذلك واضحًا في العدمية الاخلاقية التي يبدو انك تتبناها حيال الثورة التي قمت باختزالها إلى فوضى. ففي هذه الثورة/الفوضى لا يوجد مرجعية أخلاقية والعمل في الفوضى/الثورة هو عمل دون قواعد أخلاقية. وبصراحة يعجز كيبوردي عن إظهار مدى عدم اتفاقي معك لا شكلًا ولا مضمونًا، لا جملة ولا تفصيلًا. وأكتفي بهذا الإعلان عن العجز للتعبير عن موقفي بدون إمكانية الدخول في المحاجة هنا. تحياتي

Ahmad Nazir Atassi شكرا حسام وشكرا عزت على المشاركة. اعتقد اننا وصلنا الى اقصى ما يمكن فعله على الفيس بوك. من معرفتي بكما فانا اعتقد انكما لا تتكلمان عن نفس الشيء. ولا ازال اعتقد ان عزت يستحوذ على المصطلحات الشائعة ويغير تعريفها مما يؤدي الى اختلاط كبير في ذهن المحاور والمستمع. منطلقات عزت مختلفة، وسوء الفهم باعتقادي يشبه حالة الحلاج عندما قال انا الحق فقتله الناس. واذل ارادوا ان يفهموا قصده لكان ضروريا ان يتعلموا منظومته الفكرية. ساحاول لاحقا ان اوضح المقصود بالاخلاق والفوضى والثورة من منظور عزت.

Oussama Al-chami الثورة اندلعت، والجماهير قامت بدورها ودفعت كاملا وزيادة ما عليها. المشكلة إنت وأنا. لا قيادة وطنية من القاعدة. السبب مفهوم، هو إنك بأمريكا وأنا بفرنسا وحسام بألمانيا وغيرهم وغيرهم. تم إفراغ البلاد خلال خمسين سنة بعناية فائقة. اما إن تلتحم النخبة مع الجماهير. وإلا الجماهير سوف تستمر بالسعير حتى نشوء نخبة منها. الالتحام يقصر عمر الفوضى. وإلا سوف تستمر عشرات السنين حتى تستوي الطبخة.

Oussama Al-chami ماذا كان يسمي أنفسهم الطرف الثائر في الثورة الفرنسية والثورة البلشفية أستاذ عزت؟

Ezzat Baghdadi البلاشفة في روسيا وحركة الكادحين الفقراء في فرنسا

Ahmad Nazir Atassi في الحقيقة كان هناك كثير من الأطراف لكن المنتصر يضع السردية ويقول ما كان في الميدان غير حديدان.

أحمد جميل بكوره عملية التغيير حرب طويلة وقاسية، مكونة من معارك عدة تربح بعضها، وتخسر بعضها، والثورة مرحلة من مراحل عملية التغيير تحفز وتسرع العمليات المؤدية للتغيير، لكنها تأتي بالفوضى والعشوائية وهدم كل ما هو قائم أيام الأستبدب من اعراف وقيم ومؤسسات، وتخلق حالة من الفراغ يصعب على المجتمع بنخبه ومكوناته ملأها بوقت قصير. بعد مرحلة الثورة بدأت مظاهر طارئة على المجتمع من سلاح ومؤسسات مدنية وثورية لم يكن له أي دراية بها وبآليات بنائها وعملها، مما زاد الوضع سوء وأطال عمر الأزمة. لا شك أن معركة بناء مجتمع حر بمؤسساته وقيمه ومعارفه يكون أرضية لحكم رشيد قد خسرناها عدة مرات حتى الآن، لكن لا يعني ذلك أن كفة الحرب مالت لجانب الطواغيت، بل على العكس تكرر التجارب والإخفاقات بنى ويبني قيادات جديدة ونخب تحمل رؤى قابلة للتطبيق على أرض الواقع، لكنها بطيئة الحركة وتفتقد إلى الأدوات والموارد اللازمة لاتمام الطريق، وسوف تجد سبيل لتأمين احتياجتها واتمام طريقها عاجلا أم أجلا. المهم هو تصدر نخبة من أصحاب الرأي والفكر لانتاج اطار فكري وقيمي يخلق البيئة المناسبة لقيام مجتمع رشيد، يترك تحويل هذا الإطار إلى واقع عملي لهذه القيادات الشابة التي ينقصها الخبرة العلمية لصناعة هكذا اطار.

Ahmad Nazir Atassi تعريفك يقترب من تعريف الأخ معاوية الصباغ أعلاه. وكذلك فإنك تتطرح فكرة دور النخبة. فهل يمكنك أن تتوسع في تعريف النخبة الآن وماذا يمكنها أن تفعل؟ ماهو الهدف القصير الأمد؟ وما هي الأدوات؟

أحمد جميل بكوره فشلت النخبة في قيادة الثورة فشل ذريع، ولذا أنا ذكرت "أصحاب الرأي والفكر" وحصرت دورهم الآن في دعم القيادات الجديدة التي تصنعها التجارب والخبرات المكتسبة من الأمة الراهنة. أظن أن انضاج أطار فلسفي للحل في سوريا، من ناحية شكل الدولة وعلاقتها مع المجتمع والقيم الحاكمة والحقوق والواجبات، والعلاقات بين المؤسسات والهيئات الحكومية والمدنية سوف تسهم بشكل كبير في توضيح طريق الحل أمام المجتمع والقيادات التي بدأ بإفرازها، ويجاوب عن كثير من الأسئلة والتحديات التي عجزت حركة التغيير على مر السنين الماضية عن الاجابة عنها.

أحمد جميل بكوره الإطار الفلسفي الذي سوف يتم انتاجه من خلال النخب الفكرية والعلمية في المجتمع مسؤولة بشكل أو بأخر عن تطوير أدوات ووسائل ايصال ما أنتجت إلى الفئات المستهدفة، كلا بحسب مهمته وثقافته.

Ahmad Nazir Atassi اوافقك اننا بحاجة لاطار فلسفي. لكني لا اعرف اذا كان يظهر من رحم التجربة ام من جلسات نقاش. القيادات على الارض لا تعير بالا للمنظرين. هذه مشكلة اخرى.

أحمد جميل بكوره أنا لا أتكلم عن "القيادات" غير قيادية التي تصدت للعب دور لا تتقنه ودخلت معتركات واستحقاقات دولية لا تملك أي قوة تجاهها، في مجتمع دولي لا يؤمن إلا بالقوة والمصلحة، وحصلت على فرصة لاثبات نفسها وفشلت. اتكلم عن قيادات واعية تنشئ من رحم المعانة الطويلة التي مرت بها سوريا، تبحث عن مصادر الحكمة وتتبنها مع تقدير واحترام مصادرها، لأنها براعم قيادية واقعية، تقدر خصائصها الذاتية بشكل جيد، وما ينقصها بشكل ممتاز.


Mahmoud Jisri ليس بالضرورة أن ترتبط الثورة بنظام محدد بل بالعكس أغلبها فوضى. الثورة فكرة بل ربما اصبحت معتقد عند البعض و إن لم تكن ترى وجودها فهذا شيء مؤسف. هي فكرة ضد المستبد هي فكرة ضد الاستبداد وهي أيضا فكرة ضد حقارة الديكتاتورية و أعوانها و هي أشياء كثيرة غير ذلك أيضا. أنت تبحث عن نظام و عن فكرة جامعة وربما ثورة يوتوبية و هذا ما نتمناه جميعا و لكن يبدوا أن الشعوب تحتاج المزيد من أشياء كثير أهمها الفكر و الوعي لتنضج.

Ahmad Nazir Atassi الفكر هو ما أسعى إليه

Ahmad Nazir Atassi الثورة كرمز، يجب ان اضيف هذا. مشكور

Mahmoud Jisri تمام. لتوضيح مصطلح الفوضى و الثورة. عندما يسيطر المستبد و يعمل على تردي المجتمع و قيمه و يزداد النفاق و الفساد و محاباة السياسيين الفاسدين و الكثير الكثير من الأمور التي تكون من نتائج الاستبداد و الفساد و يحصل الانفجار تكون النتيجة في البداية فوضى (في الوضع السوري حصل الانفجار من قبل كثير من الفئات فمنهم مظلوم جرى قمعه و منهم مفكر شاهد الظلم و منهم الحالم و منهم الحانق و الحاقد و يطول المجال عن حصر هذه الفئات و لكنها كلها كانت تثور ضد شيء ما). البلد لا يوجد به حكم ديمقراطي و لا مؤسسات مجتمع مدني وهذا مما زاد في الفوضى بشكل كبير و من العوامل التي زادت بهذه الفوضى الدول و مصالحها و استخباراتها و كان نظام الاستبداد يظن أن الفوضى هذه في صالحه أيضا وساعد في زيادتها. المهم هذه الفوضى هي مجرد بداية و ليس بالضرورة أن تستمر هذه الفوضى بل من الضرورة أن تنتهي في وقت ما. 7 سنوات هي مدة طويلة جدا في نظرنا و لكنها لا زالت قصيرة في عمر التاريخ.

Ahmad Nazir Atassi اكيد قصيرة في عمر التاريخ. الحانق والحاقد، تصنيفات مفيدة. ليس كل مظلوم ثائر مفيد. اكثرهم حاقدون يريدون الثار وهذا ما يزيد الفوضى.

5 شباط، 2018-تعريف الثورة 2

السؤال السابق الذي طرحته عن معنى الثورة وهل لا نزال في كرحلة ثورة وما هي التبعات العملية لهذا. أرى من الضروري تلخيص المداخلات حتى نتمكن من دراسة "الحالة" من خلال هذا المصطلح بالذات. 1- يبدو لي أن مفهوم الثورة قد تغير عند البعض (لا أعرف النسبة) من سيرورة تغيير إيجابية وبناءة إلى سيرورة تغيير فقط أي يمكن أن تكون هدامة وفوضوية. 2- البعض يعتقد أن الثورة "الحقيقية" (أي بالمعنى القديم الإيجابي) قد انتهت لكن سيرورة التغيير (الهدامة أو البناءة) لا تزال جارية. 3- هناك تركيز على جذرية التغيير الحاصل وعلى ضرورة التخلص من "العجالة" في رؤية النتائج؛ فالثورة كعملية تغيير ستأخذ عدة عقود من الزمن وأجيال من البشر. 4- الثورة كسيرورة مجتمعية مختلفة عن الثورة كأهداف ومبادئ. هذه الأخيرة باقية لأنها تعيش في عالم فكري وقيمي وليس في عالم الممارسة اليومية. الربط بين القيم والممارسة اليومية قد يكون صعباً لكن فكرة التخلي عن هذا الرابط نهائياً ليست مطروحة. 5- الثورة السورية كإرث جمعي تتكرس كل يوم، لكن سيكون هناك جدال حول مراحلها وتحولاتها وأهدافها المرحلية والعامة. 6- مفاهيم الحرية والكرامة كشعارات لم تدخل بعد حيز الجدال العلني، لكني أعتقد أن هذا الجدال يظهر في العداوة بين التيار الإسلامي والتيار العلماني (إذا جازت التسمية). وطيف المعاني يبدأ من العرف والثقافة الشعبية ولا ينتهي عند التعريف العالمي لحقوق الإنسان. 7- من الصعب التخلي عن مسألة أن الجريمة بينة والمجرم بين والضحية بينة، وبالتالي عن مسألة المحاسبة. قد نعترف بالهزيمة لكن لن نعترف بالهزيمة المبدئية والأخلاقية. فالعدالة والحق باعتقادي، مثل الحرية والكرامة، جزء من الثقافة متجذر. كل ما اطمح إليه هو إدخال هذه المفاهيم "المتعارف عليها" إلى حيز النقاش. إذا كان لا بد من الإعتراف بالهزيمة فإن لذلك تبعات هائلة من ناحية الحق والعدالة والحرية والكرامة يجب أن نتعرف عليها وأن نحددها. 8- لا نعرف كيف نؤطر التفاوض مع النظام في حالة الهزيمة. هل هو استسلام أم تطبيع مع المجرمين أم قبول بالأمر الواقع أم حاجة لوقف إراقة الدم. 9- هناك فرق الآن بين الثورة (بأي معنى كانت) وبين الحرب (أي إراقة الدماء) والجميع يريد وقف الحرب، لكننا لا نعرف كيف. باعتقادي ذلك لأننا لا نعرف كيف نتعامل مع المبادئ العليا، فلا هي معرفة ولا هي مطروحة للنقاش. 10- مفهوم النخبة الرائدة يعود باستمرار في نقاشات السوريين. نحتاج إلى نخبة "عارفة ورشيدة" لتقود وتصحح المسار وتخرجنا. بالنسبة لي هذا يأتي من اعتقاد بأن "الأغبياء والسفهاء" هم من يقودون المرحلة. لكن لا أحد يعطي تعريفاً "للنخبة الصالحة" ولا كيف نجدها ولا كيف يمكن أن تتصرف حتى تحقق الأهداف المرجوة. هذا نقاش آخر أتمنى أن ندخله. قضية النخبة ليست مجرد نقاش نخبوي وإنما حاجة إجتماعية وسياسية وتكتيكية. لا يمكن أن تصوغ المطالب وتفاوض عليها دون "نخبة". ما مدى "نخبويتها" أو رشادها أو صلاحيتها أو مشروعيتها، كل ذلك يبقى غامضاً. 11- مفهوم النخبة يبدو مرتبطاً بمؤسسة. لكن لا نعرف أية مؤسسة ولا كيف يمكن بناؤها ومن أين تمويلها ومن يضبط عملها. من أعراض الحداثة الإعتقاد بدور المؤسسة في الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية. لكننا في مجتمعاتنا التقليدية (ولا أعرف إلى أي مدى) لا نزال نناقش أساسيات المؤسسة ولم نصل بعد إلى أمورها العملية التطبيقية. الموجود على الساحة هو "الشكل التقليدي للمؤسسة" أي شبكة المحسوبية أو القبيلة أو الطائفة. فالدولة نفسها ليست أكثر من عصابة.

Ali Rekmani لا أرى أن التاريخ سيذكر ما حدث في سوريا على أنه ثورة. كل الدلائل تشير إلى مصطلح حرب أهلية، حدثت في ظل نظام كان يمر بمرحلة ضعف وفساد وتفسخ أمني وعسكري. ما حدث في لبنان ١٩٧٥ هو التشبيه الأقرب.

Ahmad Nazir Atassi تمرد على السلطان تدخلت فيه القبائل. لا حاجة لتصنيفات حديثة، التصنيفات القروسطية كافية.

Ahmad Nazir Atassi حسام الدين درويش نعم مذهل ومريع. لكني اعتقد ان هذا الوصف ينطبق على اكثرية المشاركين اليوم. وعلى اغلبية الاحداث. التمرد على السلطان ليس سيئا بالضرورة لكنه ليس له اطار سياسي ومؤسساتي واهداف. القبائل هي كل الولاءات غير الوطنية. اعتقد ان هذا التحليل مفيد نظريا اكثر بكثير من مفهوم الثورة.

حسام الدين درويش Ahmad Nazir Atassi أختلف معك تمامًا، أعتقد أن ما حصل في سورية منذ عام 2011 حتى الآن يتجاوز الأدوات التصنيفية المعاصرة ويتطلب رؤية مفهومية ومعرفية جديدة. ولا أرى في العودة إلى المقولات والتصنيفات القديمة إلا استسهالًا يفضي إلى التعمية أكثر مما يسهم في التوضيح. ما حصل فيه أبعاد محلية وإقليمية ودولية تتجاوز كل ما عرفته البشرية في عضر القبائل والسلاطين. طبعًا أنا لا أقول أن مفهوم الثورة كافٍ لوصف أو توصيف وتقييم ما حصل، لكنه ضروري إلى جانب مفاهيم أخرى كالحرب الأهلية والحرب بالوكالة والحرب العالمية إلخ لكن تعقيد ما حصل يتطلب رؤية أوسع غير أحادية ولا تستهل العودة إلى استخدام مفاهيم ماضية. تحياتي

حسام الدين درويش أنا أشتغل على مسألة التسمية منذ مدة وفاجأني أن معظم من يستخدمون مفهوم الحرب الأهلية لتوصيف ما حصل غير مطلعين على معايير الحرب الأهلية وفقًا للتصنيفات البحثية والأكاديمية، ولا يدركون الأبعاد القيمية للمقولات والمفاهيم التي يستخدمونها. على كل حال يبدو لي ان من بدأ أو أصر على استخدام مصطلح الحرب الأهلية أو الطائفية أو القبلية أو ماشابه لوصف ما حصل وييحصل هو تحت تأثير انفعال ونفور أكثر من كونه متأمل ومفكر فيما يقوله ويحصل في الواقع. سلامات

Ahmad Nazir Atassi لا اريد ان اخلط بين ما يحدث في سوريا وبين ما يقوم به السوريون. ماحدث ويحدث يحتاج بالتاكيد الى مفاهيم جديدة وقد ذكرت لك سابقا نظرتي عن الاهمية العالمية لما يحدث في سوريا. لكن افعال السوريين انفسهم لا تبدو لي خارجة عن اطار التمرد على السلطان. كل الفصائل الاسلامية تراها مذلك. ووعي كثير من السوريين للاحداث ليس اعقد من هذا. يمكن ان نكون قروسطيين في عالم الحداثة.

حسام الدين درويش Ahmad Nazir Atassi وأخيرًا أقول يبدو لي ان توصيفك لما يحصل وبحثك عن حلول له أو مخرج منه لا يأخذ كثيرًا في الحسبان قوة العوامل الخارجية غير السورية وفاعليتها الأكبر

حسام الدين درويش Ahmad Nazir Atassi لا يمكن الفصل بين الإثنين. والترابط بينهما أكبر وأعقد وأوثق من أن يتم فصله حتى في تجريدٍ نظريٍّ اوليٍّ

Ahmad Nazir Atassi التسمية جزء من المعركة. تسمية الحرب الاهلية روج لها الغرب لتبرير ابتعاده الظاهري. بغض النظر عن التعريفات الاكاديمية، لم تكن الحرب في سوريا حربا بين الاهالي الا في حالات منفردة. ولذلك اصر على وجود كلمة السلطان. انها اليوم صراع على السلطة. اما التدخل الخارجي فهو طبقة من عشرات الطبقة التي تكون البصلة السورية. كلها مترابطة لكن ايضا كلها لها وجود منفصل. ماساة سوريا من صنع السوريين. حسب تعريفك، اعتقد اني ثقافوي، مع الكثير من التحليل الذي قد يبدو تبريرات نخبوية. مرة اخرى، طرات علي تغييرات جذرية في السنة الاخيرة، وانا لا اريد اقناع احد وانما ابقاء الحوار قائما دون صدمات قاتلة. اعتقد ان لدي الكثير لاقوله وبا اريد ان يضيع ذلك في دوامة الصدمات.

Ahmad Nazir Atassi انت تبحث في التسمية وانا ابحث في المنظومة. هذا تلخيص عظيم لاختلافنا. لكن اعتقد ان الحوار ضرورة للمشروعين. ولا مانع عندي ان يكون الحوار فجا في طروحاته، هذا من ناحيتي، ولا اعرف موقفك.

حسام الدين درويش Ahmad Nazir Atassi سأتابع ما تقوله ولن أقاطعك إلا في الحدود الدنيا لكن أود أن أشير إلى أمر واحد لطرافته. عندما تكون الحرب بين الأهالي بدون تدخل السلطان أو الحكومة لا يمكن وفقًا لكل تصنيفات الصراعات أن يتم تسميتها بالحرب الأهلية. ففي الحرب الأهلية يجب أن تكون الحكومة أو السلطة الحاكمة مشاركة فيها أما إذا كانت حربًا بين الأهالي فهي ليست حربًا أهلية. تحميلك السوريين مسؤولية مأساة بلدهم، أمربحاجة إلى توضيح ونقاش، لكن يبدو لي أنني أختلف مبدئيًّا مع هذا الحكم لأكثر من سبب .... سلامات

Ahmad Nazir Atassi لطالما تساءلت عن ذلك. الحرب بين الاهالي ليست اهلية. نعم ساكتفي اليوم سلامات.

حسام الدين درويش Ahmad Nazir Atassi خود راحتك وأنا سآخد راحتي عندما أرى ذلك مناسبًا. اهتمامي بالتسمية جاء لانها ليست شكلية كما قد يظن، بل هي تعبر عن مضامين كثيرة وأظنها ترتبط بالمنظومة بقوة أيضًا

Ahmad Nazir Atassi عظيم اتفقنا. no pain, no glory شكرا صاحبي

Ali Rekmani أن ترفض تسمية ما يجري في سوريا بالحرب الأهلية فربما هذا أقرب إلى الانفعال والعاطفة منه إلى القراءة الحيادية لما حدث ويحدث. كل الشروط متوفرة لاعتبارها حرباً أهلية، وهي قرائن لا يمكن تكذيبها، وليست مبنية على مجرد فرضيات أو وجهات نظر وتسويقات إعلامية.. إن كنت تقصد التدخلات الخارجية فهذه كانت دوماً جزءاً من الحروب الأهلية، والتي يتم تعريفها على أنها حراك مسلح منظم بغرض قلب نظام الحكم وتسلّم السلطة في المركز أو في أطراف الدولة، وبشكل يؤدي إلى صدامات تثمر عن خسائر بشرية مرتفعة العدد. لا أتفق مع فكرة أن الحراك المسلح ولد لاحقاً، وبشكل تدريجي، وإلا كان من السهل القضاء عليه في المهد. المنشقون عن المؤسسة العسكرية هم دليل على التفسخ والفساد الذي ضرب تلك المؤسسة، ولكن من الساذج اعتبار هؤلاء غير منظمين أو لا يشكلون جزءاً من حراك مسلح منظم، وبالتالي كل ما حدث في سوريا يدخل ضمن التعريف الموضوعي للحرب الأهلية.

حسام الدين درويش أخ علي ما حصل في سورية منذ بداية 2011 حتى الآن لا يمكن اختزاله بمصطلح الحرب الأهلية (لا بالمعنى الوصفي ولا بالمعنى القيمي أو التقييمي) بأي حال من الأحوال. ولهذا ينبغي أخذ تسميات أخرى (كالثورة والحرب بالوكالة والحرب الدولية أو العالمية ...إلخ) كما ينبغي الانتباه إلى ضرورة اختلاف التسميات وفقًا لتحقيب ما حصل والمتغيرات الكثيرة والكبيرة التي طرأت واختلفت من حقبة او مرحلة إلى أخرى. وللحرب الأهلية معايير لا ينطبق عليها ما حصل في سورية انطباقًا تامًّا أو دائمًا. فمن معاييرها مثلًا حصولها في أراضي دولة واحدة، وهذا غير دقيق إذا تذكرنا أنها حصلت في سورية والعراق ولبنا ووو وإذا تذكرنا أن الحرب في سورية هي جزء من الحرب على الإرهاب الحاصلة في بلاد كثيرة أخرى. وإذا أخذنا بعين الاعتبار كثافة المشاركة غير السورية في هذه الحرب ربما تبين لنا أن وصف ما حصل بالحرب الأهلية (فقط) وصف غير دقيق مطلقًا. وازدياد قوة العوامل الخارجية يجعل ما حصل ينتمي في كثير من الأحيان إلى تسميات مختلفة. الأمر أكثر تعقيدًا من مجرد وصف/إدانة ما حصل تحت اسم الحرب الأهلية أو تمجيده/وصفه تحت اسم الثورة. وللحديث بقايا .... سلامات


Ahmad Nazir Atassi التسمية جزء من المعركة ولذلك هي مهمة، لكن بالنسبة للباحث فيمكن استخدام اي رمز طالما التعريف واضح. عندما احلل افضل استخدام المكونات عندما تكون التسميات الجامعة خلافية. هناك صراع على السلطة، هناك تدخل خارجي، وهناك انفجار ضد القهر، وهناك حرب بين الاهالي، وهناك قوات خارجية. هذه خلطة ويهمني مقارنتها بغيرها لكن لا توجد علوم تسمى علوم الثورات. ولو قارنا عشرين حادثة قديمة فان الجديدة دائما مخنلغة بعض الشيء. لا يوجد نموذج للحروب الاهلية او الثورات او التمردات وما الى ذلك من اوهام العلوم السياسية. هذه هي الخلطة السورية الان فماذا نفعل بها.

Ahmad Nazir Atassi نظام الحكم القائم بحاجة الى التغيير. والتركيز فقط على التدخل الخارجي لا يعفي النظام من فساده وهمجيته واحتكاره. تدخل السعودية لا يختلف عن تدخل ايران. لا يوجد شي يسمى حكومة تدافع عن نفسها ضد مواطنيها. هناك سلطان يدافع عن امتيازاته. ولا اقلل من فداحة الفصائل الاسلامية الطائفية، لكني لن اقول انهم مجرد خارجون عن القانون في دولة ذات شرعية. نحن امام خلطة جهنمية ويجب ان نتخلص منها وليس ان ندافع عن بعض مكوناتها. هذا رايي.

22 شباط 2018، تعريف أمراء الحرب

كيف نعرف انك من امراء الحرب او من داعميهم اولا. اذا بدا القصف ووقعت ضحايا مدنية فانك تركز على ضحايا المدنيين وخاصة الاطفال مع انك تعيش بينهم وتحتمي بهم ولا نرى صورا لك وانت مستشهد لانك لا تموت ولا يموت الا المدنيون. ثانيا. تستغل صور الضحايا المدنيين لتطلب المزيد من المصاري. ثالثا. تبدا حملة المدينة كذا تباد وتبدا بطلب الاغاثة والمعونات وانت تعرف ان القصف قادم. رابعا. لا تفكر بالمدنيين عندما تخطط لمستقبل فصيلك. خامسا. عندك رواتب للمقاتلين وما عندك اي شي للناس اللي انت كاتم على انفاسهم. سادسا. لا تعرف من الدنيا الا بقاء فصيلك وتعتبر اي محاولة توحيد خطرا عليك وعليه. سابعا. الفصائل الاخرى منافسين وانت تزاود عليهم بينما تبحث عن مخارج لنفسك. ثامنا. عند كل مجزرة تطلب من احد المشايخ ان يعمل فيديو خطبة او شعر يحرض الناس على الصمود وانت لا تستطيع ان تحميهم. تاسعا. عندما تدخل المساعدات فانها تمر اولا على جماعتك. عاشرا. لا تريد ان تفكر بنهاية الحرب لانك من المستفيدين وصاير لك جاه وعز ما كنت تحلم فيه. احد عشر. دائما تردد الشام فسطاط المسلمين وارض الحشر لتفسر تضحيتك بالمدنيين. اثنا عشر. دائما علىاتصال مع النظام بطريقة او اخرى. ثالث عشر. تعتبر انك تملك الثورة وتفهم اكثر من الناس بما يصلح لهم، وتقول نحنا ضحينا بالشهجلء انتم شو عملتم رابع عشر. مرتهن لاوامر المانحين وما عندك اي خطة للمستقبل سوى الحفاظ على فصيلك. خامس عشر. ما عندك اية مطالب سياسية ولا تفقه فيها شيئا. سادس عشر. اول شي تعمله هو القضاء على معارضيك، وعندك سجن مثل النظام. سابع عشر. تتدخل بشؤون المجلس المحلي وتحاول السيطرة عليه حتى ما يتفقوا الاهالي ويطردوك. ثامن عشر. في اسوا الاحوال تعرف انك اما ستذهب لعند النصرة او ستصبح شرطي براتب بعد توقيع الهدنة. تاسع عشر. عندك واحد شرعي مشان يفتي لك كل شي. عشرين. كل ما ذكرته اعلاه شيل كلمة ثورة وحط ثورة تشرين، وكلمة فصيل وحط فرقة رابعة، وكلمة كافر وحط خائن، وكلمة شرعي وحط بعثي، وكلمة حجي وحط قائد الوطن، وكلمة ايران وحط السعودية او قطر، وكلمة روسيا وحط تركيا، وكلمة العالم نسينا وحط مؤامرة كونية، وكلمة صامدون وحط ممانعة، وكلمة ثوار وحط جنود الوطن، وكلمة اعداء الثورة وحط مندسين وجماعات مسلحة، فستستنتج سريعا كيف انك نسخة مصغرة عن النظام الذي تحاربه.

22 شباط 2018، الثورة الفرنسية أكبر كذبة في التاريخ الحديث

افكار اخرى اقدم الثورة الفرنسية ”أكبر كذبة في التاريخ“ وعلاقتها بسوريا الثورة الفرنسية ”أكبر كذبة في التاريخ“ وعلاقتها بسوريا


"الثورة الفرنسية أكبر كذبة في التاريخ الحديث". وجب الشرح. أولاً هذه المقولة تعني أن الصورة التي لدينا عن الثورة الفرنسية هي ملفقة وكاذبة ولا تعبر عن حقيقة واقعية وإنما عن أيديولوجيا تبريرية كما هي كل الأيديولوجيات. ولكن أحببت أن أسميها كذبة لأن هذه الصورة أصبحت نظرية ثورات وموديل يحاول الناس تطبيقه أو القياس عليه وكأنه قانون إجتماعي صالح لكل زمان ومكان، وهذا فعلاً خطير. ثانياً، هذا الرأي ينطبق على كل الثورات، لكن الفرنسية هي الأولى حسب مناهج التعليم في كثير من دول العالم. الثورات تخلق فوضى عارمة. لكن بعد مرور عدة عقود وظهور نظام أكثر استقراراً يتبنى الثورة كأصل تاريخي له فإنه يقوم "بتنظيفها وتلميعها" لتبدو وكأنها حركة طبيعية للتاريخ باتجاه هدف حتمي مفروغ من نجاحه. وينسون أن كل يوم في الفوضى الثورية كانت الرؤية غائمة جداً والأحداث عشوائية والوجهة غير معروفة أبداً. إذن الثورات تنجح فقط في منظور من يعيد كتابة التاريخ. ثالثاً، الثورة الفرنسية كانت عدة ثورات كما تعلمنا من الأحداث في سوريا وكثير منها لم ينجح. كانت هناك ثورة البرلمانيين المثقفين الليبراليين وهي ثورة غير عنفية، وثورة الشارع الباريسي التي بدأت مع اقتحام الباستيل وإنشاء الميليشيات الوطنية، وثورة الفلاحين الأولى التي قضت على الإمتيازات الإقطاعية، وثورة الفلاحين الثانية التي قامت ضد الباريسيين وتهجمهم على الكنيسة الكاثوليكية. وبالطبع كانت هناك تحركات مضادة قادها الأرسطقراطيون المهاجرون. وكل ثورة تطورت بمنحى تأثر بالأخريات لكنه لا ينطبق عليه. وبعد بداية الحرب مع النمسا ودول الجوار التي بدأها الجيرونديون لتوطيد حكمهم غيم شبح الهزيمة وظهر المتشددون الذي كان يمثلهم روبسبيير في البرلمان وإن لم يكن يسيطر عليهم تماماً في الشارع. حكم روبسبيير بالمقصلة ومات بها وقام إنقلاب الثرميدوريين بعد أربع سنوات من الفوضى لوقف هذه الفوضى. هؤلاء جاؤوا بنابليون وهو ضابط من أصل كورسيكي يتكلم الفرنسية بلهجة إيطالية (كورسيكا أصبحت جزء من فرنسا قبل الثورة بقليل) لإيقاف الفوضى في باريس وفي المحافظات الأخرى. نابليون ثبت أقدام الليبراليين في البرلمان وأعطاهم ما كانوا يريدونه وهو الوصول إلى الوظائف الحكومية ومن ثم أخذهم في حروب توسعية كبيرة ومدمرة لها نفس الهدف التوسعي للملوك من قبله وطبل له الناس وزمروا لأنه رفع قيمة الأمة وكأي قوميين خرقاء لا يهمهم من يمون من أجل أن يحققوا إستعلاء قوميتهم. عادت الملكية عام 1815 بعد هزيمة نابليون وإستمرت إلى 1830 على ما أذكر أو 1848 وجاء بعدها حكم نابليون الثالث إلى كمونة باريس عام 1871. وبعدها نشأت الجمهورية. فما هي أهداف هذه الثورة-الثورات تبع عام 1789 وماذا حصل خلال ما يقرب من قرن بعدها؟ ما هو معيار النجاح؟ شرعة حقوق الإنسان التي أقرها البرلمان عام 1791 على ما أذكر لم تكن إلا محاولة من البرلمانيين الليبراليين للسيطرة على الشارع المضطرب ولم يطبقها أحد. الليبراليون انتصروا دون نزولهم إلى الشارع وبجيش نابليون وبعدها تحولوا إلى محافظين. ثورة الشارع كان يطغى عليها أصحاب المهن والمحلات في باريس وكانت مطالبها تثبيت الاسعار والخبز الرخيص وقتل الملك وقطع رؤوس "أعداء الثورة" بطريقة تشبه داعش وهي مطالب غير ثورية ولا حتى مفيدة. وحتى كمونة باريس عام 1871 التي تغنى بها ماركس كانت نموذجاً للثورات الفوضوية الأناركية التي يقوم بها أصحاب المحلات الصغيرة من برجوازية المدينة المتوسطة، أي طالبت بتثبيت الاسعار وإلغاء الحكومة وإغلاق البنوك. سلحت الناس في الشوارع وحصنت الحارات وقتلت "أعداء الثورة" وانشقت على نفسها مرات. هذه الصورة الرومانسية للثورجيين يجتمعون ويدعون أحدهم الآخر بأخي أو رفيقي ويتناقشون في أمور مثالية والتي بقيت الصورة النمطية للثورجيين حتى الآن ما هي إلا صورة عن أناس عشوائيين مثاليين يحلمون بالعودة إلى مجتمع حارات صغير ومحلات تجارية صغيرة وينقسمون على بعضهم إلى ما لا نهاية ويتشاجرون حول من يقود ومن يظهر وينتهون بأن يموتوا ميتة رومانسية على أحد الحواجز دفاعاً عن الحارة وكأن هناك شيئاً حقيقياً يدافعون عنه. ومن قتلهم؟ الدولة نفسها التي فشلت في صد الجيش الألماني ورضخت لشروطه. فعن أية ثورة نتكلم؟ وعن أية إنجازات؟ وعن أية أفكار ثورية؟ وعن أية أحلام؟ وعن أية صور مثالية للثورجية؟ أقرب شيء في سوريا لهذه الصورة الثورجية الوهيمة هم السلفيون. الفرق هو الأفكار الدينية للسلفيين والافكار غير الدينيية للثورجيين الفرنسيين. متى تحولت فرنسا إلى دولة صناعية؟ متى فرضت الدولة المركزية في باريس سلطتها على كل المناطق؟ متى بدا الفرنسيون يتكلمون اللغة الفرنسية أصلاً؟ متى منحت الدولة الناس حق التصويت ولم منحته؟ متى منحت حق التصويت للجميع؟ متى أصبحت باريس المدينة العصرية الجميلة التي نعرفها؟ متى طبق الفرنسيون فصل الكنيسة عن الدولة؟ هل هذه من نتائج الثورة الفرنسية؟ أبداً كل ما ذكرته حصل بعد عام 1871. تحولت فرنسا إلى بلد صناعي مديني يسكن أغلب ناسه المدينة ولا يزاولون الزراعة بعد الحرب العالمية الثانية. والثورة الروسية كما تصورها لنا كتب التاريخ على نفس النمط ونفس الفارق بين الحقيقة والخيال. ثم يأتي أناس لينظروا للثورات ويقولوا في سوريا ثورة، لأ في سوريا إنتفاضة، لأ في سوريا تمرد، لأ في سوريا حرب أهلية، وكلهم يفكرون بالنموذج الفرنسي والنموذج الروسي. أصدقائي إذا كان هدف اية حركة إجتماعية هو التغيير فيجب أن تصل إلى أجهزة الدولة لإحداث التغيير وغالباً يكون هذا إذا انحاز الجيش للتغيير. إذا لم يحصل هذا فكل الثورات تتحول إلى حروب أهلية مدمرة. هذا ما حصل في سوريا وعلينا الآن إيقافه بأي ثمن. حالنا سيكون أسوأ من أفغانستان والصومال هذا إذا لم يكن هذا واقعاً الآن.


إياد الريان: ما بعرف اذا كلمة "كذبة" تنطبق عكل الثورات. الكذبة هي في عملية التلميع والتنظيف المبالغ فيهم، والصاق شعارات طنانة بالثورات بعد الوصول للاستقرار. ربما الثورة الفرنسية لم تقم من اجل "الحرية، المساواة والاخوة" وانما فقط لان البرجوازيين ارادو تقاسم السلطة. لايزال الفرنسيين للآن عايشين في وهم شعارات الثورة، ويرفضو قبول ان الجبهة الوطنية هي حزب فرنسي يصوت له عدد كبير من الفرنسيين. هالحزب عوشك يوصل للسلطة ولايزال هناك من يقول "هذه ليست فرنسا". لنفرض ان الثورة الفرنسية لم تقم، هل يمكن الجزم ان الامور في فرنسا كانت ستؤول لما آلت عليه؟ لا أعلم. الثورة الفرنسية حوربت من كل الانظمة الملكية الاوربية. واعيد النظام الملكي لفرنسا من قِبل هذه الانظمة بعد هزيمة واترلوو ونفي نابوليون. النظام الملكي الاوروبي الوحيد الذي سقط بثورة هو الفرنسي. الانظمة الاخرى قبلت الاصلاحات. هل كان للثورة الفرنسية تأثير على مجرى الاحداث بهذا الشكل؟ ربما.

طارق الخواجة: ربما كان هذا تعريف الثورة .لم لانقر بذلك ..

نظير: إذا أقرينا بذلك فإنن نقر بأن الثورة جيدة بذاتها ولذاتها. وكأن الدمار وعدم التغيير جيد بذاته ولذاته.

طاري قاخواجة: الا تعتقد أبدا ان تغييرا ما حصل بل وتغيير جذري ..شخصيا اعتقد انه حصل ومن اصغر المكونات للمجتمع ..

نظير: أخي طارق أنا معك، أنت لا تزال متعلقاً بأول ثلاثة أشهر. أنا أتكلم عن تقييم الناس لم حصل خلال السنوات الأربعة الماضية

طاريق الخواجة: أبدا اجزم ان الفترة الاولى كانت رومانسية ولم أكن مقتنعا بها واجزم اني لليوم مقتنع بان ماجرى هو جزء بسيط من القادم الأسوأ ..لكن لاحل الا بهذه المراحل ..

نظير: هذا الحكي لايعني بأني لا أقر بضرورة ما حدث في سوريا في آذار 2011. ما حدث طبيعي وعظيم وهو خروج ناس من ذاتهم إلى الشوارع مطالبين بحقوق مسلوبة. لكن ما يجري الآن ليس إلا دماراً.

إياد الريان: نعم نظير ، ما حدث في البداية هو ثورة، تحولت الى دمار وحرب بالوكالة بفضل عُهر النظام

نظير:العهر لا يعبر عن الإجرام. العهر مسألة جنسية وهنا نتعامل مع مجرمين من الدرجة الأولى

طاري قالخواجة: نعم دمار ..ولم يحصل بعد الا جزء بسيط مما سيحصل منه ..

نظير: إذن نحن متفقان. الفرق هو في اختيار المرحلة التي يتعلق بها الواحد منا عاطفياً ويعتبرها ممثلة لأفكاره وعوطفه ونزعاته ورغباته. أما إذا نظرنا إلى الحالة ككل خلال السنوات الأربعة الماضية فإنها مزرية وفاشلة أي في تحقيق التغيير ومدمرة. وأتمنى العودة إلى السلم حتى يتمكن الناس من متابعة مسيرة التغيير التي يمكن أن تؤدي إلى نتيجة.

عزت البغدادي: ما هو تعريفك للثورة؟

نظير: أخي عزت لا يهم تعريفي للثورة ما أتحدث عنه هو الأيديولوجيا التي تخلق بعد الثورات وتقولب تاريخها، لتجعل منها السبب المباشر للتغيير الطويل الأمد، ولتجعل منها حتمية تاريخية. عندما أعرف الثورات فأنا أقوم بعمل نظري مقارن، لكن ما أقوم به هنا هو نقد تعريف الفرنسيين للثورة الفرنسية

قاسم الأتاسي: أبدأ أولاً بالشكر الجزيل لمجهودك بسرد الأحداث، و هذه معلومات تاريخية ذات دلالات عظيمة علينا جميعاً البحث عنها و محاولة فهمها كي لا نقع ضحية أفكار نمطية متوارثة ، و كما قلت متخيلة فيها الكثير من الأخطاء.. إذاً عند ذكرك ببوست سابق أن الثورة الفرنسية ما هي إلا كذبة كبيرة كنت تقصد بالضبط الأفكار النمطية و المختصرة لحد التشويه - أو كما يقال بالفرنسية : trop schématique - ثانياً فعلى الرغم من أن عملية تطور الدول و نظمها السياسية هي شييء بغاية التعقيد و عسير على الفهم حقيقة لم النظام السياسي تطور بهذا البلد بهذا الشكل و لم يتطور بالآخر بنفس الطريقة، أقول بالرغم من ذلك فإنه من دون أدنى شك لو تحقق التطور بطريقة تدريجية و هادئة على الطريقة الانكليزية لكان أفضل، و لكن أبداً الظروف لا تشابه نفسها.. ثالثاً فإنني أعتقد أن السوريين لم يكونوا يوما بوارد القيام بثورة مفاجئة ضد النظام، و لكن كان للأحداث السريعة التي حصلت اولا بتونس ثم بمصر أثر كبير بتغيير وجهة نظر الشارع السوري، أنه حسني مبارك ب ١٨ يوم كان منتهي، طيب ليش ما منجرب حظنا، هاد بالضبط الظرف أو العامل المحرك الذي شجع برأيي الناس للنزول للشارع- و طبعا ما كل الناس- بعدها صار شوية منظرين يحكوا بالثورات و خاصة الفرنسية و حسب طريقة نمطية كما تفضلت نظير... لا تآخذني عالإطالة ...

22 شباط 2018، في التنظير للثورة 1

في التنظير للثورة الجزء الاول التدين الإسلامي والثورة السورية من منظور نفسي-اجتماعي 1-2

مقدمة - علم النفس الاجتماعي

المقالات والسجالات السياسية والأيديولوجية التي تستخدم مصطلحات مثل إسلام وثورة وسورية تعطي انطباعاً وكأن الجميع متفقون على معناها. لكنها في الحقيقة مفاهيم ومصطلحات إشكالية ومربكة. من وظائف الدراسة المنهجية أن تفكك هذه المصطلحات المألوفة إلى معانيها المختلفة حسب اختلاف السياق الذي تستخدَم فيه، وأن تعطيها معاني محددة، يمكن من خلالها معالجة قضايا شائكة مثل الإسلام والثورة معالجة منهجية تبدأ بالمفاهيم وتنتهي بالنظرية الشارحة. يضاف إلى ذلك أننا نعاني في المنطقة العربية من قلة الاختصاصات الجامعية في مجالات العلوم النفسية والاجتماعية، وقلة الأبحاث الأكاديمية والمنهجية، وبالتالي فإننا نعاني من ضعف المصطلحات سوآءاً المنحوتة محلياً أو المعربة أو المترجمة. لذلك سنبدأ في هذه المقدمة بتوضيح المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بعلم النفس الاجتماعي ثم ننتقل إلى توضيح ما نعنيه بالتدين الإسلامي في سوريا ومن ثم بالثورة السورية وعلاقتها بالإسلام. أما الأقسام اللاحقة فنسلسلها زمنياً حسب مراحل تطور الثورة: البداية، الأسلمة، الحرب. وفي كل مرحلة نحاول دراسة أثر التدين كأيديولوجيا جمعية تساهم في صنع أفعال جمعية.

مواضيع ومفاهيم (2)

يمكن القول بأن علم النفس الاجتماعي يهتم بتكوين وتبادل المعارف اجتماعياً من أجل الوصول إلى الفعل الجمعي. أي أنه يهتم بثلاثة محاور تكتلت حولها مواضيع هذا العلم: أولاً، القيم والمعتقدات والآراء (attitudes, opinions, beliefs) كيف تتشكل ضمن الجماعة وكيف تصبح متشابهة ومشترَكة وكيف تتغير أو تتصلب؛ ما هو دور هذه المفاهيم ضمن الجماعة وفي علاقاتها مع الجماعات الأخرى؛ ما هي الأبعاد الواعية وغير الواعية لهذه المفاهيم وكيف تحكم تصرفات الأفراد والجماعات؛ كيف تتجمع بعض القيم والآراء والمعتقدات لتشكل تكتلات فكرية أكبر مثل الأيديولوجيات. ثانياً، الهوية وتصور الفرد لنفسه وتصور الجماعة له (social and self-perception, identity) أي ما هي الصورة التي يكونها الفرد عن نفسه ضمن الجماعة وكيف؛ وما هي الصورة التي تكونها الجماعة عنه وعن نفسها وكيف؛ ما هو دور هذه التصورات في الفعل الفردي والجمعي. ثالثاً، العلاقات ضمن الجماعة وبين الجماعات أو ديناميكية التفاعل (dynamics, inter and intra group processes) أي لماذا يتصرف ويفكر الفرد ضمن الجماعة بطريقة لا يمكن أن يعتمدها لو عاش وحيداً، كيف تفعّله الجماعة وتعطيه هذه الطاقة؛ كيف ولماذا تتكون الجماعات؛ كيف ولماذا يتعاون أو يتصارع الأفراد ضمن الجماعة الواحدة؛ كيف ولماذا تتعاون أو تتصارع الجماعات المختلفة.

ويجدر بالذكر أنه تاريخياً كان هناك تأكيد على البرهان التجريبي في علم النفس الاجتماعي وليس فقط الملاحظة (experimental demonstration). وذلك ليس من أجل إضفاء صفة العلمية على البحث وإنما من أجل إثبات السببية (causality) والحفاظ على الموضوعية أي محاكاة المفاهيم للواقع (objectivity) بدل محاكاتها فقط لأفكار الباحث الذاتية. لكن، رغم أن العلوم الاجتماعية والنفسية تطرح نفسها كعلوم تجريبية موضوعية منفصلة عن ثقافة الأفراد المنتجين لها، إلا أنها في النهاية تواجه تحديات كبيرة في سمتين من سماتها ونعني "التجريبية" و"الموضوعية". لا يمكن للعلوم الاجتماعية، وفي أحيان كثيرة النفسية، القيام بتجارب مخبرية تتحكم بشكل كامل بالوسط المحيط بحيث تضبط المتغيِّر المستقل وتسجل المتغير التابع مع الإبقاء على جميع العوامل الأخرى ثابتة من أجل إنتاج سببية واضحة. كما أن الباحث كإنسان يشبه مواضيع بحثه، أي الأشخاص الآخرين، وبالتالي فالباحث محكوم بدرجات متفاوتة بوجهات نظره وانتماءاته.

في هاتين الحلقتين لا نزعم بأننا قمنا بعمل تجريبي. فقد اقتصرنا على الملاحظة وعلى مقابلات مع مشتركين في الحدث الجمعي. كما لا نزعم السببية أو الواقعية، فجهدنا ينحصر في محاولة تطبيق بعض نظريات علم النفس الاجتماعي على فعل جمعي بامتياز مثل الثورة السورية. إنه عمل تفسيري (interpretive)، وبالتالي فهو محكوم بالذاتية (subjective) مهما حاولنا التخلص منها. وكل ما نأمله هو التعريف بعلم مثير مثل علم النفس الاجتماعي وبقدرته التحليلية العالية. هذه القدرة التي يحتاجها كل من يحاول فهم حدث جلل مثل الثورة السورية، وكل من يحاول التعامل مع أسبابها وسيرورتها ونتائجها من منظور قريب إلى الأرض يركز على الأفراد والجماعات الصغيرة كبشر وليس كروبوتات. ولا نحاول التطرق لكل جوانب الثورة كفعل جمعي، ونقتصر على محاولة شرح العلاقة بين هذا الفعل وبين أيديولوجية جمعية بامتياز هي الدين. لا نزعم أن الدين هو المسبب والمتحكم الأوحد، فهذا خطئ فادح، لكنه عامل شديد الأهمية لا يمكن إغفاله، بل لا بد من فهم دوره. نبدأ دراستنا فيما يلي بالمفاهيم الأساسية لعلم النفس الاجتماعي ثم نبني عليها إلى أن نصل إلى مفاهيم أكثر تعقيداً مثل الأيديولوجيا والدين والثورة. في القسم التالي نستخدم هذه المفاهيم للتخصيص، أي لتوضيح ما نقصده بالإسلام السوري والثورة السورية وعلاقتهما ببعضهما البعض.

التدين الإسلامي في سوريا


بما أننا أمام نسق اجتماعي سلوكي، أي الثورة السورية، فلن نستخدم مصطلح الدين وإنما التدين، أي سنبتعد عن الأيديولوجيا (خاصة المعيار والدوغما) ونتجه باتجاه الممارسة. حسب التعريف الشرعي فإن التديّن الإسلامي يشمل الإيمان بمعتقدات محدَّدة والمشاركة في شعائر وعبادات محددة، ونعني نطق الشهادتين والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر والحساب والثواب والعقاب في الدنيا والآخرة، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج إلى بيت الله عند الاستطاعة. التدين الإسلامي السني يضيف إلى ما سبق الإيمان بالقدر خيره وشره، وعذاب القبر، والالتزام بالشريعة التي تقوم على نصوص القرآن المنزل والسنة الصحيحة. وأما التمييز بين درجات من التدين فهو تمييز في طلب العلم، فكلما تقدم الفرد في طلب العلوم الإسلامية بأنواعها ازداد ارتقاؤه في سلم التدين.

أما التعريف السوسيولوجي للتديّن فيقوم على أساس العلاقات البشرية والاستخدام اليومي المتغير للأيديولوجيا، ولذلك فقد يحتوي عناصر قد تعتبرها الأديان ثانوية أو غير "قويمة". لذلك فإن تعريف التدين لا يقوم على التمييز بين مستويات من الالتزام بالأيديولوجيا المعيارية (الدين القويم) وإنما على أساس اشتراك أفراد مجموعة ما بأفكار وأفعال معينة تميزهم عن غيرهم. من منظور نفسي اجتماعي يمكن أن نعتبر أن للتدين ثلاثة محاور أساسية: الأول محور شعوري (affective)، والثاني محور معرفي (cognitive)، والثالث محور سلوكي (behavioral). الأول، أي الشعوري، يختص بالمشاعر التي تتولد عند الفرد عند ممارسة الشعائر الدينية الفردية أو الجماعية، عند الإحساس بوجود الإله واستجابته للدعاء وتدخله في حياة الفرد والجماعة، أو عند الإحساس بالانتماء للجماعة الدينية والتأكيد على هويتها والدفاع عن مقدساتها. الثاني، أي المعرفي، ليس فقط ما نتعلمه عن الدين "القويم" من المرجعيات، لكن أيضاً ما نتعلمه عن الدين والجماعة الدينية بالملاحظة والتقليد والتجربة والجدال، وما نتعلمه من الإعلام والخطب واللقاءات الاجتماعية. البعد المعرفي هو أيضاَ التصوّر الشخصي للإله، فهم معنى العبادة ودور الدين في المجتمع، التاريخ الديني للجماعة، وقصص المعجزات والكرامات؛ وهذه المعرفة اجتماعية بامتياز. المحور الثالث، أي السلوكي، يشمل الشعائر والعبادات والاحتفالات الدينية والدروس والخطب والمعسكرات وزيارة المشايخ والأضرحة والحضرات الصوفية. ولكل من هذه المحاور نمطان: شخصي ومؤسساتي. النمط الشخصي لا يعني الفردي ولا يناقض الجمعي وإنما هو العام والمشترك الذي يحمله كل فرد في الجماعة. أما المؤسساتي فهو الخاص بجماعة معينة منظمة داخل النسق الديني العام. يمكن القول بأن الشخصي في التدين الإسلامي هو أسس الدين، والمؤسساتي هو التدين الصوفي أو المسيس أو الجهادي. الجمع بين المحاور والنمطين يعطينا أبعاداً سته للتدين: البُعد المعرفي الشخصي، المعرفي المؤسساتي؛ الشعوري الشخصي، الشعوري المؤسساتي؛ السلوكي الشخصي، والسلوكي المؤسساتي.

هذه الأبعاد تساعدنا على دراسة وتحليل التدين كظاهرة اجتماعية، لكنها لا تدل على أنساق التدين، أي ما يميز المجموعات داخل النسق الديني العام. إذا جمعنا قائمة بكل التجارب الشعورية والمعارف والممارسات، الشخصية والمؤسساتية، المرتبطة بالمجتمع السوري المسلم السني (أي حسب الأبعاد الستة) وصغناها على شكل أسئلة يمكن أن نطرحها على الناس فإننا سنحصل على استبيان إحصائي شامل لكل نواحي التدين الإسلامي السوري السني. عندما نطرح هذه الأسئلة على فرد ما من هذه الجماعة فإن الأجوبة ستعبّر عن التدين الذي يحمله هذا الفرد. فإذا طرحنا هذه الأسئلة على عينة تمثيلية من المجتمع السوري المسلم السني فإننا سنحصل على صورة كاملة لما يعنيه هذا التدين. هناك تحليل رياضي يسمى "تحليل العوامل" (factor analysis) يمكن أن نُخضع له كل الأجوبة ليميز لنا بين حزم مترابطة من الأجوبة. أساس التمييز بين الحزم هو التشابه والتكرار في العينة والتزامن في الحدوث. مثلاً جواب "نعم أداوم على صلاة الجمعة" قد يحصل عند خمسين بالمئة من العينة، وجواب "نعم أصوم رمضان" عند ستين بالمئة من العينة، ويتزامن الجوابان في تسعين بالمئة من إجمالي الإجابتين في العينة. هذا يعني أن الدوام على صلاة الجمعة وصوم رمضان مرتبطان ويدلان على نمط منتشر بكثرة من التدين الإسلامي السني في سوريا. كل حزمة من الأجوبة التي ينتجها تحليل العوامل ستعبّر عن نمط معين ومحدد من التدين الإسلامي السوري السني. لم نقم بهذا المسح الإحصائي بعد، لكن ملاحظاتنا الأولية تشير إلى الأنماط الستة التالية من التدين السني: الشعبي، الملتزم، السياسي، الجهادي، الليبرالي، والثقافي أو الهوياتي. إنها أنساق اجتماعية أيديولوجية ويمكن أن نشرح سماتها وفق الأبعاد الستة التحليلية السابقة الذكر.

التدين الشعبي هو الأكثر انتشاراً. جذوره صوفية ويصعب تمييزه عن العادات التقاليد. الجانب المؤسساتي في هذا النمط ضعيف، إذ حتى الجماعات الصوفية رغم اختلافها الظاهري وتميزها فإنها تشترك في المعارف والشعائر ولا تفرض على أعضائها معارف وممارسات معينة. المعرفة الدينية في هذا النمط تتأتى من العائلة والحارة ومسجد الحارة والمشايخ المحليين. وهي بديهيات العقيدة الإسلامية، بالإضافة إلى معارف بسيطة تخلط بين الأقوال المأثورة والأحاديث النبوية وبين التقاليد وأحكام الشريعة وبين الخرافات والتقوى. البعد الشعوري مصدره ومسرحه العائلة والحارة ومسجد الحارة، وكذلك الالتزام بالعادات والتقاليد، وحماية العرض والشرف، والمشاركة في الشعائر الجماعية والمناسبات الدينية. الممارسات في هذا النمط هي خليط من الشعائر الأساسية في الدين والتقاليد المحلية، مثل صلاة الجمعة في المسجد الكبير، الاستماع إلى خطبة الجمعة من خطيب مشهور، صوم رمضان وتبربر الغضب السريع في رمضان بالصوم، الاستماع إلى تلاوة القرآن في أماكن العمل، حضور الموالد والحضرات، حفظ أدعية خاصة بكل حركة، ترديد آية الكرسي ودعاء اللطيفية للتبرك وإبعاد الشرور، الاستماع إلى تسجيلات مشاهير المشايخ، تبجيل المشايخ المحليين وزيارتهم، زيارة القبور والأضرحة، واستخدام الرقى والإيمان بكرامات الأولياء والتبرك بهم وبأضرحتهم وطلب شفاعتهم. هذا النمط من التدين عرضة للتلاعب والتجييش الشعوري وتحريض الغوغاء. يعتقد البعض أن هذا النمط من التدين يكوّن أساس هوية سنية سورية تجمع بين أفراد أغلبية سكانية. في الحقيقة فإن قوة الهويات المحلية (المنطقة والمدينة والقرية والحارة والعشيرة) تجعل من الصعب نشوء هوية وطنية جامعية سوآءاً دينية أو قومية. الثورة السورية والحرب التي تبعتها بلورت انتماءات دينية وطائفية؛ لكن لا نرى إلى اليوم هوية سنية تجمع الحلبي مع الدمشقي والديري مع الدرعاوي، بل هي هويات محلية قد يكون لها عناصر طائفية.

التدين السني الملتزم ظاهرة حديثة ظهرت في أوائل القرن العشرين مع بروز الطبقة الوسطى السورية المتعلمة المدينية(3). المشيخة ليست جديدة على الإسلام السوري وهي أساس الصوفية، لكن وجود الشيخ المعلم مؤسس المدرسة الإعدادية أو الثانوية الشرعية وصاحب حلقة التدريس في مسجد الحي لم يكن ممكناً إلا مع صعود التعليم العمومي. كان لهؤلاء المعلمين دور في محاربة التعليم المفرنس تحت الانتداب وفي إنشاء المدارس الشرعية بعد الاستقلال. علاقة الطلاب بالشيخ المعلم هرمية ومبنية على مثال العلاقة بين المعلم الصوفي والمريد، مما يشي بالأصول الصوفية لهؤلاء المعلمين. يحيط بالمعلم مجموعة من الأساتذة، يساعدهم طلاب علم متقدمون. هؤلاء بدورهم يتلقون الطلاب الجدد ويدخِلونهم في الجماعة عن طريق التعليم والمعاشرة. من الجماعات المشيخية المعروفة جماعة مسجد زيد في دمشق (4). فعّاليات الشيخ لا تقتصر على التعليم وإن كان التعليم أساسياً لبناء مشروعيته ومصداقيته. وتشمل هذه الفعاليات العمل الخيري وبناء شبكة من المريدين والمتبرعين والمتطوعين والطلاب، وأحياناً التوسع من خلال تعيين أئمة وخطباء من الجماعة في مساجد المدينة.

الشخصي هنا يضمحل أمام المؤسساتي، فهذه الجماعات منظمة وهرمية تعطي المنتمين إليها إحساساً بالانتماء إلى مجموعة اجتماعية ذات هوية متميزة، يتداعى ضمنها الأعضاء لخدمة ومساعدة بعضهم البعض. قد يخصص الشيخ المعلم لمريديه من المتبرعين الميسورين دروساً خاصة، لكن عماد الجماعة هم طلاب العلم الذين يخضعون لمنهاج تعليمي ينتقيه المعلم بعناية، ويستمر لعدة سنوات، ويتدرج في الصعوبة والعمق، ويشمل معظم جوانب العبادات والعقيدة والفقه واللغة العربية والتاريخ الإسلامي. هناك أيضاً معارف تختص بها الجماعة مثل اجتهادات الشيخ الخاصة وتوصياته. البعد الشعوري مرتبط بالمسجد والمعاشرة ضمن المسجد، والقرب أو البعد عن الشيخ المعلم، وبعلاقة التكافل بين الأعضاء ومنافستهم للجماعات الأخرى من أجل جذب الطلاب والمريدين والمتبرعين والسيطرة على مزيد من المساجد. البعد السلوكي يشمل بالإضافة إلى العبادات والشعائر المعروفة في التدين الشعبي، عبادات إضافية مثل صلاة السنن القبلية والبعدية وقيام الليل والصوم خارج رمضان والدروس الدينية وزيارة المعلم والطلعات الترفيهية والمعسكرات. يعتقد البعض ان الإسلام السياسي هو من أنتج هذا النمط من التدين ويسمونه تعسفاً بالنمط الإخواني (نسبة إلى الإخوان المسلمين)، لكننا نعتقد بأن الإسلام السياسي خرج من رحم هذه الجماعات وليس العكس. هذا لا يجعلها سياسية خالصة، لأن دور الشيخ التعليمي والخيري والاجتماعي والدعوي ينتفي بالانغماس بالسياسة ومشاكلها وفضائحها ويعرض مثاليات الشيخ لخطر الممارسة. قد يدعم الشيخ مرشحاً أو يتحالف مع سياسي، لكن الشيخ لا يترشح ولا يؤسس حزباً ولا يدخل في المعارك السياسية. لكن لا يجب أن نهمل حقيقة أن التعليم الديني السني يحتوي مكوناً سياسياً منذ العصور الوسطى وظهور نظريات الخلافة والسياسة الشرعية.

تنمّي هذه الجماعات بين أعضائها هوية سنية ظاهرة وقوية تقوم على الالتزام بالإسلام "السني الصحيح"، حسب نظرتهم، وعلى الانتماء إلى أمة إسلامية تتخطى الحدود الوطنية، وعلى ما يسمونه الوسطية (وهو ما تدّعيه كل الجماعات الإسلامية المنظمة)، أو بعبارات أخرى "لا صوفية تشطح ولا سلفية تنطح". لكن وكما أسلفنا فإن الهويات السورية غالباً محلية، والتنافس بين المشايخ وجماعاتهم يفتت أية هوية وطنية جامعة؛ كما أن هذه الجماعات مدينية بامتياز ولا تتوسع إلا في الأرياف التي تلتحق كأحياء في المدينة أو في الأرياف التي تتضخم لتصبح مدناً. هذا التنافس لا يهدأ إلا إذا قرر المعلمون خوض معركة ضد خصوم علمانيين، فعندها يزعمون بأنهم يمثلون هوية الأغلبية وينطقون باسمها ويعبرون عن ثقافتها "الأزلية" (روح الشعب). لكن هذه الهوية، إذا تمكنوا من تفعيلها، فإنها طائفية بامتياز لأنها تماهي بين الأمة الدينية والأمة السياسية (مواطني الدولة) ولا ترى في الأقليات الدينية إلا ضيوفاً على أرض الإسلام وأمة الإسلام.

نمط التدين السياسي ظهر في سوريا في الأربعينيات مع تأسيس جماعة الإخوان المسلمين. هذا النمط مؤسساتي بحت. المعارف فيه تشبه معارف النمط الملتزم لكن تتخطاها فيما يخص العمل السياسي (الحركية كما يسمونها) والاعتقاد بنظام سياسي متميز عن الأنظمة المعروفة والمسمى بالنظام الإسلامي أو الدولة الإسلامية. يجذب هذا النمط أعضاءه الجدد من صفوف الجماعات المشيخية والتدين الملتزم؛ وهذا ما يجعل التدين السياسي مدينياً أيضاً. البعد الشعور ينبع من الانتماء إلى جماعة شديدة التنظيم، شبه سرية، نخبوية طليعية، وتطمح إلى الوصول إلى الحكم ليس فقط عن طريق الانتخابات أو أحياناً الثورة ولكن عن طريق انقلاب مجتمعي ثقافي كامل (الصحوة أو العودة إلى الدين كما يحلو للبعض تسميتها). البعد السلوكي ليس غائباً ولا يتماهى كاملاً مع سلوكيات الملتزمين. هنا نجد تسمية "النمط الإخواني" مفيدة لأن هذه الجماعة هي رائدة العمل السياسي الإسلامي في المنطقة. ورغم تفتت هذه الجماعة في سوريا إلى مجموعات مختلفة التماسك ومتباينة في الفلسفة والمطالب، ورغم ظهور جماعات سياسية أخرى مثل حزب التحرير، إلا أن السلوكيات ضمن هذه الجماعات متشابهة. الطريقة الإخوانية لا تبني مجرد حزب سياسي، وإنما تطمح لبناء مجتمع جديد وثقافة جديدة يعتقدون أنها تشبه جوهر ثقافة السلف الصالح (وهذا ما يجعلها سلفية)، لكن بمظهر حديث وأدوات حديثة ومؤسسات حديثة. الانضباط مهم جداً وكذلك الانصياع للأوامر؛ اللباس عصري والدراسة الجامعية العلمية محبذة؛ اللحية مشذبة والكلمات محسوبة؛ والحجاب للنساء متشابه كاللباس العسكري؛ وهناك كثير من التقية السياسية والتحزب والتماهي التام مع الجماعة. عندما يدخل الفرد في الجماعة (يبدأ التأطير والجذب من سن المراهقة) فإنه سيمضي معظم أوقاته مع أعضاء آخرين في الجماعة وقد يعمل مهنياً معهم ويتزوج من بناتهم. اليوم، هذا النمط من التدين يحاول محاكاة نجاحات حزب العدالة في تركيا من حيث الاهتمام بمنظمات المجتمع المدني، التركيز على الحكم المحلي، والاختراق البطيء لمؤسسات الدولة المركزية، والالتزام بشكل ومؤسسات الدولة الحديثة بما فيها الدستور والبرلمان وفصل السلطات، وبناء شبكات اجتماعية ومصلحية ضخمة. يزعم هذا النمط من التدين، على غرار النمط الملتزم، بوجود أمة إسلامية عابرة للحدود، وهوية سنية هي هوية الأغلبية، وثقافة وطنية متماهية مع الإسلام السني، إنها فعلاً أيديولوجية قومية دينية.

التدين الجهادييجمع بين السلفية الوهابية (أقدم من التدين الملتزم)، والطفرة الجهادية المتحوِّلة عن التدين السياسي، والنزعة العالمية التي ظهرت مع الجهاد الأفغاني. وهذه السلفية مختلفة عن السلفية الإصلاحية المسماة بالشامية. هذه الأخيرة ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وكان هدفها مواجهة التحدي الثقافي الغربي؛ ومن أعلامها الأوائل طاهر الجزائري ورشيد رضا. أم السلفية الجهادية دخلت سوريا بشكل ملموس مع الجهاد العراقي ضد الغزو الأمريكي بعد 2003. شجع النظام في سوريا على تجنيد وإرسال متطوعين سوريين للحرب في العراق ضمن مجموعات جهادية عالمية ومحلية؛ وألقاهم في السجون عند عودتهم. أخذ هؤلاء أثناء وجودهم في العراق، وأحياناً أثناء وجودهم للعمل في دول الخليج، الأفكار السلفية الوهابية التي طورتها المؤسسة الدينية السعودية والأفكار الجهادية العالمية التي طورها فلسطينيون وأردنيون ومصريون أثناء الجهاد الأفغاني. بعد تراجع الثورة السلمية وانتشار العنف في سوريا في أواخر 2011، وجد الجهاديون لأنفسهم فسحة جديدة وموضع قدم فقدوه في العراق، فظهرت جبهة النصرة القاعدية والدولة الإسلامية العراقية. كما ظهرت فصائل جهادية أسسها سلفيون جهاديون سوريون خرجوا من سجن صيدنايا الشهير في حزيران من عام 2011.

التدين الجهادي مؤسساتي بامتياز، ويصعب على الشخص منفرداً أن يتحول إلى السلفية الجهادية. البعد المعرفي بسيط ويقوم على المكفرات العشرة التي صاغها مؤسس الوهابية السعودية محمد بن عبد الوهاب. وكما قال أحد المراقبين للثورة السورية، "يصبح المرء شيخاً من شيوخ السلفية الجهادية في سوريا في أسبوعين، وبعدها يمكنه أن يحاجج ويفحم أي خصم بأن يكفره". وقد أظهرت دراسات عن الهجمات الإرهابية في أوروبا وأمريكا أن المتحولين إلى الجهادية السلفية كثيراً ما يكونون مجرمين صغار ومتمردين معزولين اجتماعيا. تؤمن السلفية الجهادية بإعادة الخلافة الإسلامية "على منهاج النبوة" وذلك بالفهم والتطبيق الحرفيين للسنة النبوية والقرآن، وتركّز على تطبيق الحدود (خاصة العنيفة)، وعلى استمرارية الجهاد حتى تتحول البشرية كلها إلى الإسلام أو تدخل تحت سيطرة الشريعة الإسلامية على طريقتهم. الإمارة والخلافة التي ينادون بهما كمنظومة سياسية تقومان على بيعة لقائد، وإنشاء بعض الدواوين الإدارية التي تستخدم الأدوات القمعية للدولة الحديثة. من الناحية السلوكية، تركز الجهادية على التميّز بالمظهر واللباس والحديث عن بقية المجتمع لتمييز الفرقة الناجية من المؤمنين (أي هم) عن الفرق الضالة والكفار (أي بقية الناس). الشعر الطويل المنفوش واللحية الطويلة الشعثة واللباس الأفغاني والكلام بالفصحى والسواك ومجابهة المجتمع بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتكفير والانعزال، كلها سلوكيات سلفية جهادية. العنف كسلوك شخصي وممارسة مؤسساتية أساسي في هذا النمط من التدين لأن له مفعول تطهيري للفرد وللمجتمع. أما التجربة الشعورية فتتكون ضمن الجماعة الجهادية المنعزلة من خلال الجهاد الدائم والعنف التطهيري وادعاء الفوقية الأخلاقية واحتقار الآخرين لأنهم أدنى درجة في الإيمان والإنسانية. المشكلة في الجهادية هي أن التدين الملتزم لا يستطيع أن يفنّدها تماماً لأنها تدعو إلى أساسيات في التدين السني الملتزم مثل الخلافة وحكم الله من خلال الشريعة والواجب الجهادي، ولأنها تجابه أعداء الأمة من حكام طغاة وإمبريالية أمريكية وطغيان ثقافي غربي. ورغم أن التدين الملتزم السوري جذوره صوفية وعقيدته أشعرية إلا أنه لا يمتلك الفلسفة السياسية والثيولوجيا الكافية والعميقة ليصوغ الأساسيات نفسها بطريقة مختلفة عن السلفية الجهادية. ولذلك فأقصى ما يمكن للتدين الملتزم أن يفعله هو اتهام الجهاديين بالخروج (خوارج) عن إجماع الأمة المتخيّل، والإفراط في العنف وهو إفراط في الدرجة وليس في الجوهر والمقاصد. أما التدين السياسي فهو أكثر عملية ومرونة، وقدرته التبريرية لعداء السلفية الجهادية أو للتحالف معها كبيرة لأنه نمط نخبوي يهتم بالممارسة والأدوات أكثر من اهتمامه بالفلسفة والثيولوجيا.

التدين الليبرالي لا يهمه المعرفة العميقة للدين بقدر ما يهمه التشابه الثقافي الذي يمكن على أساسه بناء تحالفات اقتصادية. إنه تدين شريحة صغيرة من المجتمع المديني السني السوري هي شريحة رجال الأعمال والتجار الكبار والصناعيين السنة. لا يوجد جانب مؤسساتي لهذا النمط إلا إذا انتمى بعض أفراده إلى جماعة مشيخية ما يصرّ زعيمها على التمايز الفكري والاجتماعي لمريديه. وهنا نتساءل، لماذا يحتاج هؤلاء إلى هوية دينية طائفية؟ في الحقيقة، إن انعزال نخبة الدولة في سوريا عن بقية المجتمع جعل من الصعب إنشاء مؤسسات تكنوقراطية تدير مصالح هذه الشريحة من الناس. الدولة في عهد الأسد تحكمها نخبة ضيقة عشائرية وعسكرية، تتفرع منها مجموعات ولاء ومحسوبية أهمها مخابراتي ثم عسكري ثم طائفي ثم حزبي. مؤسسات الدولة، رغم تغلغلها في المجتمع، إلا أنها غير متطورة قانونياً وإجرائياً وتقنياً، ولا تسمح للمجتمع المدني بالتطور خشية أن ينافسها. البنوك مرتبطة بالدولة والشركات الكبرى خاضعة لشراكات مع النخبة الحاكمة، ورؤوس الأموال الخاصة لا تستطيع أن تكبر عن حد معين. هذا كله يجعل الشبكات القائمة على الانتماء الطائفي ضرورية للاقتراض وتحويل رؤوس الأموال وضمان السيولة النقدية بالعملة الصعبة وحل الخلافات التجارية وإبرام العقود الملزِمة لأطرافها. رجال الدين يلعبون دور الوسطاء والضامنين لكل هذه المعاملات الاقتصادية والاجتماعية. قد لا يكون للتدين الليبرالي دور في الثورة السورية لكن كان له دور في بعض مراحلها وسيكون له دور في مستقبلها. يعطينا النموذج التركي مثالاً عن كيفية توظيف مثل ها النمط من التدين في السياسة عن طريق تحالف بين رجال الأعمال (رأس المال) والتدين السياسي (الدولة) والتدين الملتزم (الدعاة) من أجل تحويل شكل التدين الشعبي ليصبح ثقافة وطنية تنتخب النخب السياسية الجديدة (الإسلامية) وتستهلك السلع الجديدة (الإسلامية) وتقترض من البنوك الجديدة (الإسلامية).

أخيراً، نمط التدين الهوياتي/الثقافي، قد لا يعتبره المنظور الشرعي المعياري للتدين أنه متدين أصلاً أو متدين كفاية. هذا النمط شخصي وليس له مظهر مؤسساتي. المعارف فيه تقتصر على أساسيات الإسلام، والممارسات على الحد الأدنى الذي يضمن الراحة النفسية أو الانتماء إلى الجماعة المحيطة. ينتمي إلى هذا النمط العلمانيون واللادينيون والملحدون وكثير من المثقفين وأصحاب الشهادات العليا، بالإضافة إلى المسلمين الإسميين الذين يعتبرون أن ثقافتهم إسلامية ويعتزون بها لكنها ثقافة منفتحة على الغرب والعولمة الثقافية. الهوية السنية عند هؤلاء ليست الهوية الأقوى وانتماءاتهم السياسية قومية وطنية غير إسلاموية وأحياناً يسارية. أصحاب هذا النمط من التدين لم يصوغوا اشتراكهم في الثورة السورية ومطالبهم صياغة إسلامية وإنما صياغة تركز على محاربة القمع واحتكار السلطة وعلى إقامة حكم القانون وإنشاء دولة الخدمات الحديثة التي تضمن المساواة في المواطنة والفرص وتوزيع الثروة.

علاقة التدين الإسلامي بالثورة السورية

هنا لا بد من الإشارة بدايةً الى أن أنماط التدين الليبرالية والهوياتية كان لحامليها مشاركة في الثورة، وخاصة السلمية. لكن المعارف والقرارات والممارسات الخاصة بحاملي هذين النمطين من التدين في الثورة السورية ليس لتدينهم أثر كبير فيها وإنما اعتمدوا على أيديولوجيات أخرى مثل القومية أو اليسارية أو الليبرالية الديمقراطية (حقوق الإنسان، الحريات، الدولة الحديثة، البرلمانية) التي أصبحت اليوم أيديولوجيا عالمية يتعامل معها الكثيرون على أنها أمر واقع أو آخر مراحل تطور التاريخ أو أفضل الموجود أو نتاج تطور العلم والتكنولوجيا والعلوم الاجتماعية. ولذلك فإننا سنركز على دور أنماط التدين الشعبية والملتزمة والسياسية والجهادية. ولا يعني اهتمامنا بدور التدين أن الأيديولوجيا الدينية كانت العامل الأهم في قيام الثورة، أو أنها ساهمت في صنع الصياغة الأكثر انتشاراً لسردياتها ومطالبها أو حددت الممارسات الأكثر انتشاراً في كل مراحلها، أو أنها المعبرة عن تطلعات كل السوريين، أو أنها التي ستقرر مصير الأزمة السورية ومستقبل البلد والدولة في سوريا. كان للتدين كأيديولوجيا وممارسات وتجارب شعورية أدوار مختلفة الانتشار والقوة في المراحل المختلفة للثورة، ويمكن أن نصوغ مقاربات نظرية متعددة أخرى لفهم الجوانب الأخرى لهذه الثورة الشعبية والأزمة الدولية التي نتجت عنها.

الثورات من منظار نفسي اجتماعي (5)

لماذا يشارك الإنسان في فعل جمعي مثل الثورة؟ هناك منحيان للتفكير النظري في هذا السؤال: منحى المعضلة الفردية (individual dilemma)، ومنحى المعضلة الجمعية (social dilemma). المنحى الأول يرى أن قرار المشاركة في النهاية قرار فردي تحكمه المنفعة الفردية، وبالتالي فإن الفعل الجمعي هو مجموع ميكانيكي للأفعال الفردية. أما المنحى الثاني فيرى أن المجموعة البشرية تتخذ قرار الفعل جمعياً وتنفذ الفعل جمعياً من أجل تحقيق منفعة جمعية، بغض النظر عن زيادة أو نقصان المنفعة الفردية.

يعتقد المنحى الأول أن كل فرد هو إنسان عاقل يسعى لتحقيق أقصى منفعة فردية ممكنة في أي فعل يقوم به. هذا النموذج النظري للإنسان المتخذ للقرار يسمى النموذج العقلاني النفعي (rational utilitarian). هذا المنحى يعتقد بأن المنفعة الجمعية لا تحصل إلا إذا تحققت المنفعة الفردية لكل فرد مشارك في الفعل الجمعي، أي الثورة. وبالتالي فإن القرار الفردي بالمشاركة يقوم على ضمانات الحصول على منفعة فردية بعد القيام بالفعل. فإذا لم توجد مثل هذه الضمانات فإن الثورة تصبح مستحيلة. هذه هي المعضلة الفردية؛ الإنسان العقلاني النفعي لن يشارك غالباً في أية ثورة إلا في حالات نادرة. فكيف تقوم الثورات إذن، الناجحة منها والفاشلة. الوجه الآخر للمعضلة الفردية هو أن المساهمة الفردية في النجاح المحتمل، حتى ولو كان مضموناً، تبدو صغيرة إلى درجة أن اختفاءها لن يؤثر على الناتج العام. وبالتالي فإن الإنسان العقلاني النفعي لن يتغلب على عطالته الذاتية ولن يحس بأهميته؛ فاستحالة الثورات إذن مضاعفة إذا اعتمدنا النموذج العقلاني النفعي؛ وقيام أية ثورة هو إما بسبب عدم عقلانية الأفراد أو عدم معرفتهم كيفية حساب منفعتهم الفردية. أي أن الأفراد قد يخطئون في تقييمهم لفرص النجاح أوفي تقييمهم لأهميتهم الفردية في زيادة فرص النجاح (أوهام أو خطأ في الحساب العقلاني). وبالتالي فإن قيام أية ثورة حسب النموذج العقلاني النفعي يأتي من أخطاء، وهذا ما يقود إلى الاعتقاد بأن الثورات تقوم على تناقض (paradox). بعيداً عن فرضية الأوهام، إذا أصرينا على عقلانية قرار المشاركة فلابد من حل للخروج من المعضلة. قد يعتقد بعض الأفراد أن الضرر (وليس المنفعة) من عدم قيام الثورة سيكون له تأثير على الجميع وبالتالي فإن الضرر الفردي ينتج عن الضرر الجماعي (عكس المنفعة، حيث المنفعة العامة تحصل من المنفعة الفردية). وكذلك قد يكون بعض الأفراد متفائلين ويعتقدون أن أهمية مساهمتهم ضئيلة لكن ليست معدومة. وبالتالي فمن الممكن وجود كتلة حرجة (عتبة الثورة) من المتفائلين تجعل البدء بالثورة ممكناً. لكن ما هو احتمال أن يكون هناك ما يكفي من المتفائلين حتى نصل إلى عتبة الثورة؟ لا نعرف، وبالتالي فإن قيام أية ثورة هو مسألة حظ لا أكثر ولا أقل.

الوسيلة الوحيدة لتفسير قيام الثورات باستخدام النموذج العقلاني النفعي هو إدخال متحولات جديدة في الحسابات العقلانية؛ على سبيل المثال، الفائدة المحتملة وليس الفائدة الناجزة، والأهمية المحتملة وليس الأهمية الأكيدة. لو نجحت الثورة سنستفيد جميعاً وسيكون لفعلي الفردي أهمية كبيرة جداً. هنا تصبح الخسارة المحتملة في حالة عدم المشاركة الفردية متبوعة بفشل الثورة كبير جداً. لا بل إن مشاركتي الضئيلة ومشاركة الأفراد أمثالي ستزيد من فرص النجاح أو ستقلل من فرص الفشل، وبذلك تصبح أهمية المشاركة الفردية هائلة. كذلك فإن الثورات ليست فعلاً واحداً وإنما أنواع كثيرة من الأفعال، أي أن نوعية مشاركتي قد تكون بالمقارنة مع من يملك مؤهلاتي وليس بالمقارنة مع كل المشاركين في الثورة، وهذا قد يزيد من أهمية مشاركتي، لا بل قد يجعلها ضرورية.

الفرق بين الاعتبارات الأولى التي ترى أن الثورة تناقض، والاعتبارات الثانية التي تحافظ على عقلانية المشاركين لكنها تطرح متغيرات جديدة هو إدخال المصلحة العامة في الحسبان. النموذج العقلاني الأناني الذي ينطلق من الفرد لا يشرح قيام الثورات، ولا يمكن شرح قيام الثورات إلا بإدخال المصلحة العامة (مثل: نجاح الثورة سيزيد منفعتي الفردية؛ أو مشاركتي ستزيد فرص النجاح) ولو كعامل سلبي (فشل الثورة سيضر الجميع ومنهم أنا؛ عدم مشاركتي ستكون كارثية للجميع ومنهم أنا). إذن شرط المنفعة الجمعية ضروري حتى في النموذج العقلاني النفعي الفردي. هذا يشجع على دراسة المنحى الثاني في تفسير مشاركة الناس في الثورات؛ ونعني منحى المعضلة الجمعية الذي يقول بأن قيام الثورة يكون دائماً قراراً جمعياً للقيام بفعل جمعي من أجل تحقيق منفعة جمعية. في هذه الحالة هناك سيناريوهان يمكن تخيّلهما لاتخاذ مثل هذا القرار.

في السيناريو الأول (حلاوة النجاح، تعميم النجاح الجمعي) نجد أنفسنا مهتمين بالمصلحة العامة لأنها متماهية مع المصلحة الفردية، وننتظر ما يجعلنا نعتقد بأن الثورة ستحقق منفعة للجميع لنسارع إلى المشاركة. هنا نجد أنفسنا متفائلين بفرص نجاح الثورة، ومعتقدين بأن ثمن المشاركة الفردية لا يهم مادامت المنفعة الجمعية عالية، لا بل إن التضحية تصبح ممكنة كلما زادت الفائدة الجمعية. كما ولا نقلل من احتمال أن تكون مشاركتنا الفردية أساسية من أجل النجاح. في مثل هذا السيناريو، وحسب علم النفس الاجتماعي، ما هي الشروط التي تحفز الناس على المشاركة؟ يبدو أن هناك أربعة شروط:

● الأول (دوام الحال): يجب أن يؤمن الناس بأن القهر والقمع لن يزولا إلا بالثورة. فإذا كان هناك احتمال بأن الأوضاع ستتغير قريباً، فإن الناس لن تثور لأنها تعتقد بأن وضعها السيء هو وضع مؤقت. ● الثاني (الجدوى الجمعية): يجب أن يؤمن الناس بأنهم معاً قادرون على تغيير الوضع. أي يجب أن يؤمن الناس بوجود موارد بشرية ومادية كافية يمكن تجييشها بنجاح من أجل الانتصار. وكلما كانت فرص النجاح أكبر كلما زادت المشاركة حتى ولو لم يكن الحنق الجماعي عالياً. ● الثالث (الطريق المسدود): يجب أن يتأكد الناس بأن فرص اختراق جدار النخبة الحاكمة فردياً شبه معدوم. معظم الناس يفضلون العمل لوحدهم، فإذا كانت فرص الانتقال من طرف المضطهَدين إلى طرف النخبة المتسلطة ممكنة فإن معظم الأفراد سيفضلون هذا النوع من الفرص على الاستراتيجية الجمعية في تحقيق التغيير. ● الرابع (نحن المضطهَدين): يجب أن يشعر المشاركون بأن هويتهم متماهية تماماً مع الجماعة المضطهَدة (6). يجب أن يحس المشاركون في الثورة بأنهم ينتمون إلى جماعة متماسكة ومضطهَدة. الإحساس الفردي بالعوز النسبي (ما أحصل عليه لا يتناسب مع ما أستحقه) ليس كافياً، يجب أن يكون هناك إحساس مشترك بالاضطهاد وعدم تكافؤ الفرص.

في السيناريو الثاني (حلاوة التضحية، تعميم الفشل الجمعي) نجد أنفسنا مندفعين لتحقيق المنفعة العامة حتى ولو كانت النتيجة ضارة على المستوى الفردي، أو لأن المنفعة الفردية لا تهم أمام احتمال الفشل الجمعي. هنا نجد أنفسنا غيريّين متعففين عن المصلحة الفردية في سبيل المصلحة العامة، وأحياناً غير عقلانيين في غيريتنا. في مثل هذا السيناريو، وحسب علم النفس الاجتماعي، ما هي الشروط التي تحفز الناس على المشاركة؟ إن الشرط الأكثر وضوحاً هو حجم المنفعة الحاصلة من احتمال النجاح بالمقارنة مع حجم الضرر الحاصل من احتمال الفشل. فإذا كان الفرق شاسعاً سيسعى الناس إلى المشاركة بدلاً من التقاعس والهرب. كما أن الإحساس بأن عدم المشاركة سيكون كارثياً على الجميع يدفعنا إلى المشاركة بدل أن يثبطنا عنها. وإذا كانت شخصية الفرد اجتماعية ومحبة للتعاون والعمل الجمعي فإن المشاركة ستكون كبيرة. وكذلك فإن درجة التماهي مع الجماعة المضطهَدة ستحدد درجة المشاركة. المنتمون إلى مجموعات صغيرة متماسكة ضمن المجموعة الكبيرة قد تكون مشاركتهم أقل في هذا السيناريو. كذلك فإن درجة التواصل بين أفراد المجموعة سيزيد من المشاركة لأن التواصل يزيد اللحمة والتماهي مع الهوية الجمعية ويزيد من الوعود التي يعطيها الفرد لجماعته، بالتالي التزامه تجاهها.

التدين الإسلامي وقرار المشاركين الأوائل

إذا اعتمدنا النموذج الفردي العقلاني لاتخاذ قرار المشاركة في التظاهرات الأولى وجب التركيز على المنفعة الفردية التي قد يجنيها المشارِك في الثورة، وعلى أهمية دور الفرد في الفعل الجمعي. وقد وجدنا أن هذا النموذج لا يسمح بمشاركة الفرد إلا إذا مرت المنفعة الفردية من خلال المنفعة الجمعية، وركز المشارك المحتمل على التخصص مما يجعل المشاركة الفردية تبدو مهمة لأن حقل المقارنة أصغر. في هذه الحالة، ما هي الصياغة الإسلامية للمنفعة الجمعية التي قد تتحقق من التظاهر والثورة؟ وما هي الصياغة الإسلامية للتخصصات المختلفة التي يحتاجها المتظاهرون؟ إسلامياً يمكن أن تتحقق المنفعة العامة بإنهاء حكم ظالم ومتجبر، بإعادة حرية العقيدة والممارسة الدينيتين، بالتخلص من حاكم كافر وطغمة كافرة، بانتقاء حاكم مسلم ومؤمن، بإقامة الشريعة الإسلامية، بإعادة الطابع السني التقليدي للبلد وبالتالي جلب الرضى الإلهي، برد الحقوق والكرامة وضمان أمن النفس والدين والعرض، بالقصاص العادل من المسؤولين عن الفساد والسجن والتعذيب، بالثأر لثورة الإخوان المسلمين الموءودة في الثمانينات، بتمكين الفئة الناجية، بالقضاء على حكم علماني، بإقامة الدولة الإسلامية، بإقامة دولة الخلافة، بإعلان الجهاد الفريضة المنسية، أو بإيقاف انتشار التشيع ومظاهره. كما يمكن أن تنتج عن الثورة مضرة عامة بإثارة الفتن، بالخروج على الحاكم صاحب الشوكة، بالتذرع بغياب الأمن من أجل التعدي على الممتلكات والأفراد. ولا نعتمد هنا فقط على محاكمة شرعية قائمة على نصوص وقياس وتجربة السلف الصالح، بل على أفكار وتقييمات وقناعات سائدة تستخدم مصطلحات وأخلاقيات ودوافع إسلامية معروفة للجميع ومتداولة بكثرة. ونذكر هنا بأننا لا نبحث عن دور الإسلام المعياري في الثورة وإنما عن دور التدين الإسلامي حسب أنماطه التي اعتمدناها أعلاه. وإسلامياً يمكن أن نتصور التخصصات التالية: الدعاء المستجاب، حضور صلاة الجمعة، الألفة الناتجة عن ارتياد المسجد الذي ستخرج منه المظاهرة، الخطابة، الصوت الجهوري وتلاوة القرآن، إمامة الصلاة والحس القيادي، استبطان مفهوم التضحية ومفهوم الشهادة ومفهوم الجهاد، والإيمان بالقضاء والقدر.

نمط التدين الإسلامي الشعبي يحتوي معظم الصياغات السابقة الذكر للمنفعة العامة بالإضافة إلى بعض التخصصات. التدين الشعبي قد يرى في الثورة دفاعاً عن الكرامة والعرض والدين، إنهاءً للظلم والجبروت وإحلالاً للعدل، عودةً لحرية ممارسة بعض مظاهر التدين مثل الحجاب والموالد والاستماع لتلاوة القرآن في الأماكن العامة دون خوف، وإحلالاً لحاكم مسلم مؤمن محل حاكم كافر. ويسمح التدين الشعبي بتخصصات مثل حضور الصلوات جماعة وخاصة الجمعة، ألفة المساجدة، واستبطان مفهوم الشهادة، والإيمان بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. وقد يزيد التدين الشعبي من التفاؤل بفرص النجاح لأن يد الله مع الجماعة، ولأن تحقيق المنفعة الدينية العامة مرضاة لله مما قد يزيد من فرص الاستجابة الإلهية لدعاء المؤمنين، ولأن الإيمان بالقضاء القدر يزيد من شجاعة الأفراد ويساعدهم على كسر حاجز الخوف. كل هذه الاعتبارات قد تدخل في حسابات المشارَكة ضمن أنماط التدين الأخرى وحتى التدين الهوياتي ذي المظهر العلماني. أما صياغات المنفعة العامة مثل إقامة حكم الشريعة الإسلامية وإنجاز القصاص العادل وإيقاف التشيع وتصوّر تخصصات مثل الإمامة والخطابة والجهاد فإنها تتلاءم أكثر مع أنماط التدين الملتزم المؤطر والسياسي الحزبي والجهادي. التدين السياسي الحزبي قد يعتمد صياغات مثل الثأر لثورة الإخوان، إقامة الدولة الإسلامية، إقامة دولة الخلافة، أو تمكين الفئة الناجية؛ وتخصصات مثل التنظيم الحزبي، المعرفة الإسلامية السياسية، والتوجيه العقائدي. أما التدين الجهادي فقد يعتمد صياغات مثل إقامة دولة الخلافة، القضاء على حكم علماني، أو إعلان فريضة الجهاد؛ وتخصصات مثل الجهاد العالمي والمشاركة في ساحاته مثل أفغانستان والبوسنة والعراق، العصبية بموالاة المؤمنين دون غيرهم، التنظيم العابر للحدود، أو معرفة التجربة الأفغانية في إقامة الدولة الإسلامية السلفية.

أما صياغات مثبطة مثل حصول المضرّة العامة بإثارة الفتن، بالخروج على الحاكم صاحب الشوكة، أو بالتذرع بغياب الأمن من أجل التعدي على الممتلكات والأفراد فإنها قد تدخل في حسابات التدين الملتزم المؤطر وربما الحزبي السياسي. التدين الحزبي السياسي حسم أمره منذ زمن طويل من ناحية الخروج على الحاكم ويستطيع أن يحاجج ضد مضرة إثارة الفتن بأن فتنة الحاكم الكافر أعظم من فتنة الحرب. وقد تكون صياغات مثل المنفعة بإقامة الشريعة وحكم الخلافة وتمكين الفئة الناجية وإعلان الجهاد مثبطة للتدين الجهادي في حال أن الثورة اقتصرت على المظاهرات والمطالب السياسية دون اللجوء للعنف. وكما ذكرنا فإن حسابات التدين الهوياتي ستكون أقرب إلى حسابات علمانية منها إلى حسابات دينية. نموذج القرار الجمعي، حسب سيناريو تعميم النجاح الجمعي، قد يعطي دوراً كبيراً للتدين بكل أنماطه، وذلك لأن صياغات التدين للمنفعة أو المضرة هي بعمومها جمعية ومتفائلة بطبعها، وخاصة عند نمطي التدين الملتزم المأطر والحزبي السياسي. ولا يعني هذا أن الثورة السورية بدأت في آذار من عام 2011 لأسباب دينية بحتة. فبالنسبة للتدين الشعبي، وهو النمط الأكثر انتشاراً، المنفعة العامة هي شعورية فيما يخص الدين، أما المنفعة الاقتصادية أو السياسية فصياغتها كانت علمانية غير دينية في الأشهر الأولى للثورة، ولا نرى لها علاقة بالتدين الشعبي. لكننا في هذه الحلقة نركز على دور التدين في الثورة وخاصة بدايتها، ولا ننظر إليه كسبب إذ أن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كانت قوية جداً؛ كما أننا ننظر إلى التدين كمعطى واقعي قد يدخل في حساب القرار الجمعي ببدء التظاهر وإطلاق الثورة السورية. لا توجد دراسات إحصائية لقياس دور هذين النمطين في إطلاق الثورة، لكن من المعروف أن الحاملين لنمط التدين الحزبي السياسي كان معظمهم يسكن خارج سوريا في البدايات، لكن كان لهم وجود كبير وكثيف كمشجعين وداعمين ومحفزين. أما الحاملين لنمط التدين الملتزم المؤطر فنعتقد أن مشاركتهم كانت كبيرة في إطلاق الثورة وفي المراحل التالية: كما نعتقد أيضاً بأن حسابات المشاركة بالنسبة إلى هؤلاء كانت في جزء لا يستهان به دينية.

أما التدين الجهادي فإنه لا يرى مصلحة الجماعة إلا من منظار نخبوي (بانتصار الفئة الناجية وتمكينها) وعنفي (الجهاد بالقتال)، كما أن خياراته وأدواته محدودة العدد. ولذلك فإن نموذج القرار الجمعي، كما في نموذج القرار الفردي العقلاني، سيقودنا إلى الاستنتاج بوقوف حاملي هذا النمط من التدين على الهامش عند انطلاق المظاهرات وأثناء انتشارها ينتظرون بدء الحرب أو يدفعون باتجاهها.

أما الشروط الضرورية لاتخاذ قرار المشاركة وفق نموذج القرار الجمعي، سيناريو تعميم النجاح الجمعي، فإنها شروط لا يلعب التدين فيها أي دور إلا في شرط الهوية الجمعية، وبدرجة أقل في شرط الجدوى الجمعية. شرطا الاقتناع بدوام الحال وانسداد الأفق تحققا بسبب تعنت النظام الحاكم واحتكاره للثروة والسلطة وتاريخه الحافل بالعنف. قد تقوّي كل أنماط التدين من الإيمان بجدوى العمل الجمعي فيد الله مع الجماعة ولا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. أما شرط الهوية المتجانسة والقوية فقد لعب التدين بكل أشكاله دوراً في التأسيس لها وتحويلها وتقويتها. تثير الهوية الطائفية اليوم جدالاً كبيراً بين السوريين يدور حول دورها في إشعال الثورة، أسلمتها، وتحويلها إلى طريق العنف. إن الشرط الرابع في اتخاذ القرار الجمعي بالخروج للتظاهر من أهم الشروط لأنه المولّد لسمة "الجمعية" في المشاركة في الثورة. في نقاشاتنا السابقة كان من الواضح أن المشاركة في الثورة ليست مجموع قرارات فردية، وإنما قرار يُتخذ ضمن الجماعة ويضع مصلحتها فوق مصلحة الأفراد. والهوية هي الأيديولوجيا التي تجعل الجماعة ممكنة وبالتالي فهي تجعل القرار الجمعي ممكناً. فهل كانت الهوية المشتركة التي أعطت المشاركين الأوائل الإحساس بالانتماء إلى جماعة واحدة هي هوية دينية طائفية؟ فإذا كانت كذلك فما هي أنماط التدين الإسلامية الأكثر مساهمة في تشكيل وصياغة هذه الهوية؟


كل من خرج في تظاهرة الجامع الأموي في دمشق يوم 15 آذار كان يحمل هوية المستضعَفين الذين سدت الدولة الاحتكارية أبواب الفرص في وجوههم. اختيار الجامع الأموي كان قراراً تكتيكياً وليس هوياتياً ولا رمزياً. لم يكن انتقاء الجامع الأموي لأنه أموي سني مقابل النظام العلوي الشيعي، بل لأنه مكان تجمع (الصلاة) قد تردع حرمته النظام من ممارسة العنف تجاه المتظاهرين. يمكن القول أن هذه الحرمة صفة دينية احتمى بها المتظاهرون، لكن هذا لم يمنع عنهم التعرض للضرب المبرح في ساحة المسجد. بالمقابل يمكن القول بأن رمزية المسجد الأموي وطنية أكثر منها دينية، أي أن التعرض للضرب في المسجد الذي ينتمي للبلد جميعاً قد يثير غضب كل سوريين وليس فقط غضب أهالي الأحياء المحيطة بالمسجد أو أهالي دمشق المدينة. لكن اختيار مكان التظاهرة الأولى ليس هو الدليل الوحيد على الهوية الجامعة. لم يكن كل المشاركين مسلمين ولم يكن كلهم من حاملي أنماط التدين الملتزم أو السياسي بل أغلبهم من حاملي نمط التدين الشعبي وبعضهم من حاملي نمط التدين الهوياتي. هذا ما أشارت إليه المقابلات التي أجراها الكاتب. أما الذين خرجوا في تظاهرات درعا يوم 18 آذار فيمكن القول بأن الهوية المحلية الدرعاوية العشائرية جيشتهم أكثر من الهوية الدينية الطائفية. ولا نهمل هنا هوية المستضعَفين الذين اضطرت الخصخصة والاحتكار أغلبهم للعمل في لبنان والأردن ودول الخليج (7). وماذا عن هوية المشاركين في تظاهرات حمص الأولى يوم 25 آذار 2011؟ أول الهتافات الطائفية استخدِمت في حمص، لكنها لم تكن معممة على كل التظاهرات في ذلك اليوم وأيام الجمع التي تلته. كانت الهويات الطائفية في حمص واضحة بسبب وجود الطوائف الثلاثة السنية والعلوية والمسيحية بنسب جيدة في المدينة وفي الريف المحيط، وكذلك بسبب الاحتقان الذي أثاره مشروع حلم حمص الذي روج له المحافظ العلوي إياد غزال والذي هدد الملكيات العقارية في وسط المدينة والتي تعود أغلبها لمالكين سنة. وقد فسر كثيرون هذا المشروع بأنه محاولة علوية لإقصاء السنة عن المجال الاقتصادي في المدينة الذي سيطروا عليه تاريخياً. يمكن أن نعرض حجة مماثلة لتظاهرات مدينة حماة الأولى باعتبار أن المدينة لديها مظلومية تاريخية مع حكم عائلة الأسد في حربها مع الإخوان المسلمين الذين أعلنوها حرباً طائفية في ثمانينات القرن الماضي على ما وصفوه بحكم العلويين. لكن المظاهرات التالية لم تُظهر أية هويات طائفية من خلال الشعارات والمطالب. كذلك فإن المظاهرات الأولى لم تقتصر على المدن بل انتشرت بسرعة في الأرياف المحيطة بهذه المدن والتي لا نعرف عنها تاريخياً تمسّكاً بهوية سنية طائفية تجمع كل السنة في سوريا. الحجة المعاكسة ستأتي بالتأكيد من نجاح أسلمة الثورة في معظم أرجاء سوريا. فإذا كانت هذه الهوية الطائفية موجودة وفاعلة فإن المتظاهرين والمنظمين نجحوا لعدة شهور في إخفائها وتثبيط فعلها. في الأقسام التالية سنحاول أن نشرح كيف يمكن تفسير الأسلمة اللاحقة ليس على أساس هوية مسبقة مخفية وإنما على أساس ديناميكية الثورة، وردود أفعال النظام القمعية ودفعه باتجاه الحرب الطائفية، بالإضافة لحجم الضخ الخارجي من المغتربين السوريين والدول المحيطة. ونستطيع التأكيد هنا على أن الهوية الجامعة (قد لا تكون الوحيدة) لكل المتظاهرين الأوائل هي هوية المستضعَفين؛ كما كانت هناك هويات فاعلة أخرى محلية وطائفية واجتماعية وطبقية وسياسية.

نموذج القرار الجمعي، حسب سيناريو تعميم الفشل الجمعي، قد لا يعطي دوراً كبيراً للتدين الشعبي في اتخاذ قرار المشاركة، فكما ذكرنا، المنفعة الدينية هنا شعورية، والمنفعة غير الدينية ملموسة وضخمة وبالتالي تلعب الدور الحاسم في تحديد المشاركة. التدين الشعبي لا يجزي المشاركين ولا يعاقب الهاربين، وهذا قد يرفع من قيمة مؤشر المشاركة (تناسب عكسي). أما من منظور التدين الملتزم والتدين السياسي فإن المنفعة عظيمة في حال النجاح وصفرية في حال الفشل (مؤشر موجب)، والمضرة صفرية في حال النجاح وعظيمة في حال الفشل (مؤشر موجب) مما يجعل قيمة المؤشر عالية وموجبة، أي أن الحافز للمشاركة كبير. وفيما يخص الجزاء والعقاب فإن الجزاء كبير في حال المشاركة والعقاب كبير في حال الهرب، مما يزيد من قيمة المؤشر الموجبة وبالتالي من حافز المشاركة. ويتأتى ذلك من تنظيم وتلاحم الجماعة الحاملة لهذين النوعين من التدين، وبالتالي زيادة الرقابة على الأفراد وإيلاء الانضباط والانصياع للقيم المعيارية أهمية كبيرة.

أما إذا اعتمد هذان النمطان صياغة الفتنة والخروج على الحاكم فإن المنفعة صفرية في حال النجاح وعالية في حال الفشل (مؤشر سالب)، والمضرة عالية في حال النجاح وصفرية في حال الفشل (مؤشر سالب)؛ أي أن مؤشر المشاركة يشير نحو التثبيط عن المشاركة وهو ما رأيناه في حال سعيد رمضان البوطي ومدرسته ومن شابههم في التفكير. التدين الجهادي هنا أيضاً يدفع نحو الانتظار لأن المنفعة لا تأتي إلا بشكل واحد وبطريقة واحدة لا تمثلها الثورة السلمية. هنا أيضاً الجزاء والعقاب كبيران بسبب التنظيم والانضباط والرقابة، مما يزيد من القيمة السالبة للمؤشر وبالتالي التثبيط.

النقاش السابق يشرح دور التدين بأنماطه المختلفة في صنع قرار المتظاهرين الأوائل في الخروج للتظاهر، أي الأفكار التي دارت في خلد الأشخاص الذين نظروا إلى الخروج يوم الخامس عشر من آذار عام 2011 في دمشق أو يوم الثامن عشر من آذار 2011 في درعا كخيار مطروح ومحتمل. الكاتب وباحثون آخرون أجروا مقابلات مع العديد من المشاركين الأوائل في التظاهرات. خلال هذه المقابلات كان من الواضح أن قرار المشاركة كان قراراً فردياً وجمعياً في الوقت نفسه. القرارات الفردية بالمشاركة نحت منحى النموذج الفردي العقلاني إلى حد كبير مع تضخيم دور التضحية الفردية من أجل تحقيق المنفعة الجمعية أو التقليل من أهمية الضرر الفردي مقابل احتمال النجاح الجمعي. أما القرارات الجمعية بالمشاركة في التظاهرات الأولى فإن سيناريو تعميم النجاح يشرح معظمها. الشروط الأربعة كانت محققة وتصوّر المستقبل بعد النجاح لابد جعل المشاركين سكارى، خاصة بعد نجاح الثورة المصرية والتدخل الدولي في الثورة الليبية مما عزز من احتمالات النجاح في نظر كثير من المشاركين الأوائل.

الليلة السابقة لأول تظاهرة كانت مليئة بالنقاش بين أفراد وجماعات من الأصدقاء وأهل الحارة في طول سوريا وعرضها. المقابلات التي أجريت مع المشاركين تشير إلى أن هذه الاجتماعات كانت عقلانية هادئة حيث تكلم العديد عن احتمالات الفشل وعن الأضرار الفردية الجسيمة التي يمكن أن تنجم عن المشاركة. وحاولت المداخلات الفردية العديدة تثبيط الآخرين عن الخروج مع التأكيد على النية الفردية في الخروج في اليوم التالي، وكذلك التأكيد على الامتناع عن معاقبة الهاربين، أي أن الرسالة كانت "أنا سأشارك غداً ولكني لن ألوم أحداً إذا لم تشاركوا". رغم الخطاب الفردي والعقلاني إلا أننا نعتقد بأن التجمع والنقاش دفعا باتجاه قرار جمعي، وهذه هي الحقيقة التي رآها الجميع لكن أحد لم يتكلم عنها. الرغبة الفردية بالتضحية من أجل الجماعة كانت واضحة، ومحاولة تثبيط الآخرين كانت لدفع الإحساس بالذنب في حال وقوع ضرر جسدي للآخرين، لكن الضرر الجسدي للنفس كان مهملاً تماماً. وهذا ما أعطى رسالة للجميع بأن الجميع مستعد للتضحية الفردية في سبيل منفعة الجماعة. تلك الليلة لم يكن هناك قرار جمعي معلَن بالمشاركة لكن كان هناك قراراً مبطناً. وفي اليوم التالي التقى كل المشاركين في اجتماع الليلة السابقة في أول مظاهرة. وهذا يدعونا إلى القول بأن القرار كان جمعياً لكن غير معلن، الاجتماع لم يكن لكسر حاجز الخوف وإنما لكسر حاجز الإحساس بالذنب بتوريط الجماعة في مغامرة قد تكون فاشلة وللتأكيد على أن الجماعة لن تعاقب أو تثيب أحداً.

كلما زاد عمر المشاركين المحتملين كلما أصبحت المحاكمة الفردية أكثر عقلانية وطغت المنفعة الفردية أو الضرر الفردي وكانت النتيجة التثبيط والإحجام عن المشاركة ومحاولة إقناع الآخرين بعدم جدوى المشاركة. إضافة إلى ذلك فإن من عايش عقد الثمانينات (أي كان مراهقاً فأكبر وقتها، وناهز الخمسين فأكبر عام 2011) ضخّم من حجم الخسائر في حال الفشل وقلّل من احتمال النجاح بسبب حاجز الخوف الشديد نتيجة معاناة الخوف في الثمانينات. أما الأصغر سناً فكان التفاؤل والتقليل من احتمال الفشل والاستخفاف بحاجز الخزف سمتهم الملحوظة. ولا علاقة لهذا بالتدين وإنما تشرحه الفجوة في تجربة الأجيال.

مع حلول ليل جمعة الخامس والعشرين من آذار كان من الواضح للجميع بأن المظاهرات ستستمر. بين هذا التاريخ وبين الشهر الثامن من عام، حين نجح النظام في محاصرة الأحياء ونشر القناصة والتعرف على القياديين وإلقاء القبض على بعضهم وقتل بعضهم الآخر واختباء أو فرار الآخرين، كيف يمكن تفسير استمرار التظاهرات؟ وهل كان للتدين بأنماطه المختلفة دور في استمرار التظاهرات؟ وما هو هذا الدور؟

التدين واستمرار الثورة السلمية

خلال هذه الفترة السلمية (الأشهر الخمسة الأولى) اقتصر التظاهر على أيام الجمع، خاصة المظاهرات الجماهيرية الحاشدة. كما توطدت سمات وأدوات مثل الخروج من المساجد، استخدام التكبير كهتاف، إطلاق صفة الشهداء على الضحايا، الخطب الحماسية في المساجد، صعود نجم الشيخ عدنان العرعور وخطابه الطائفي، تسريب فيديوهات طائفية لجنود النظام يتكلمون اللهجة العلوية ويهينون المساجد والقرآن، استهداف النظام للمساجد، تأكيد النظام على أن الثورة من عمل مندسين وجماعات مسلحة سلفية جهادية تستهدف الأقليات وخاصة الأقلية العلوية. هذه السمات والتي لها طابع ديني طائفي ليست هي السمات الوحيدة للثورة السلمية، لكنها مؤشرات على وجود نمط أو عدة أنماط من التدين في تجربة الثورة السورية السلمية. فما هو دور التدين في استمرار الثورة السلمية؟ لا نحتاج إلى نماذج جديدة لاتخاذ قرار بالمشاركة في الثورة، فالنماذج السابقة الذكر يمكن أن تبقى ذات قوة تفسيرية في حال مناقشة استمرار المشاركة. لكن متى تعجز هذه النماذج عن تفسير المشاركة ولماذا؟

كان قرار الاستمرار جمعياً (نموذج القرار الجمعي) بامتياز وطغى عليه سيناريو تعميم النجاح الجمعي، لكن مع مرور الزمن وزيادة القمع طغى سيناريو تعميم الفشل الجمعي. جادلنا أعلاه بأن أنماط التدين الشعبي والملتزم والسياسي تدفع باتجاه المشاركة، بينما يلعب التدين الهوياتي دوراً حيادياً (حاملو هذا النمط اعتمدوا على صياغات أخرى غير دينية للمنفعة والمضرة). الصياغة الدينية للمنفعة أو المضرة استمرت على حالها خلال الأشهر الأولى. سيناريو تعميم النجاح الجمعي يؤكد أن التفاؤل بنجاح الثورة وحجم المنفعة الجمعية المتوقعة من هذا النجاح يدفع الناس إلى المشاركة. هذا القرار تم اتخاذه مساء كل يوم سبق خروج المتظاهرين، وتم التحضير له في الاجتماعات والمناقشات والمداولات المتكررة على طول سوريا وعرضها أثناء الأيام الستة السابقة لأي يوم تظاهر (يوم الجمعة). الشروط الأربعة لا تزال محققة، لا بل تعزز الإيمان بها مع كل مظاهرة ومع كل اعتقال ومع كل قمع جماعي مارسه النظام. (دوام الحال) تعنّت النظام وعدم استجابته لأية مطالب عزّز الإيمان بأن الحال ستدوم على ما هي عليه ولن تتغير إلا بثورة عارمة. التأكيد الفردي على التضحية دفع إلى الخروج في اليوم الأول، وفي التظاهرات التالية أصبحت التضحية الفردية والجمعية مشهداً يومياً. أخبرني أحد المشاركين في مظاهرات دمشق الأولى أن قوات الأمن أحاطت به وأخذ ما لا يقل عن ستة جنود وعناصر أمن يضربونه ويركلونه، وعندما نظر حوله رأى حلقات مشابهة في وسطها متظاهرون يتعرضون للضرب. المضروب في إحدى الحلقات نظر إلى صاحبنا وابتسم وهو يتلقى الركلات، فرد صاحبنا الابتسامة. عندها، قال المتظاهر، "بأن إحساسه بالألم توقف وبات يسبح في فضاء شبه حالم لا مكان فيه للخوف". مادام شريكي في الثورة يضحي ولا يأبه فأقل ما يمكن أن أفعله هو مقابلة التضحية بتضحية مماثلة؛ هذا كان لسان حاله الذي لم يعبر عنه بكلمات. (جدوى الفعل الجمعي) جميع المشاركين الأوائل أكدوا أنه كان لديهم شبهات بأن الثورة قد تخمد، لكن مع كل اجتماع ومع كل احتكاك بمشاركين متحمسين آخرين ومع كل مشاركة جديدة في أماكن أخرى من سوريا تعزّز الإيمان بجدوى التظاهر. الفعل الجمعي، التظاهر والنقاش واجتماعات التحضير، حسب ما وصفه عدد من المشاركين الأوائل كان حالة من النشوة الجماعية؛ نشوة عارمة تجذب الإنسان يوماً بعد يوم إلى الخروج وكأنه مدمن على التظاهر. في هذه الحالة الحساب بسيط جداً، الجماعة مارد خرج من قمقمه ولن يعود إليه وسيحقق كل أهدافه. المنفعة الشعورية التي يستخدمها التدين الشعبي في حساب جدوى المشاركة وفرص النجاح تحققت. (الطريق المسدود) طريق النظام إلى تغيير نفسه مسدود لكن طريق الثورة كان مفتوحاً. هنا الطريق المسدود لم يعد يشير إلى الحالة السابقة للثورة وإنما إلى المستقبل. قمع النظام كان شديداً واختلف حسب المناطق في البداية لكن بعد عدة أسابيع أصبح قمعاً معمماً بوسائله وحجمه. إذا خفف النظام من قمعه استنتج المتظاهرون أنه يتزعزع ويضعف، وإذا زاد من قمعه تأكدوا أن لا مجال للعودة لأن النظام سيكون لهم بالمرصاد. أصبح التظاهر استراتيجية هجومية لزعزعة النظام ودفاعية لردعه عن ملاحقة المتظاهرين في الحاضر ومنعه منعاً كاملاً في المستقبل. لقد أصبح استمرار الثورة ونجاحها ضرورةً وجودية. هذا هو الطريق المسدود الجديد. (الهوية الجمعية) من كان يقف على الهامش متفرجاً متردداً نزل لاحقاً إلى الشارع للتظاهر، ومن كان خائفاً لم يشارك لكن كان مؤيداً للمتظاهرين، ومن عادى التظاهر اختفى أو أعلن ولاءه للنظام. الاستقطاب حصل، والانتماء إلى جماعة المضطهَدين أصبح واضح المعالم وعلنياً.

قبل أن نتكلم عن تطور مفهوم الهوية خلال الأشهر الأولى، لا بد من التوقف عند ممارسة فعل الثورة وذلك لأن هذه الهوية ستتطور من خلال هذه الممارسة. دور التدين في التظاهر، أي الممارسة، أصبح يزداد يوماً بعد يوم. وليس هذا ما يسميه البعض "أسلمة الثورة" (سنتحدث عن هذا لاحقاً)، لكنه نتيجة طبيعية للثقافة العامة السائدة في المجتمع. إن صياغة المطالب، وهي المعبرة عن أهداف ورؤية المتظاهرين للمنفعة الجمعية، لم تتغير وبقيت علمانية بمعنى أنها بقيت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية: وقف الفساد، وقف القمع، إطلاق سراح المعتقلين، تفعيل الحقوق الدستورية، وإقامة انتخابات حرة. لكن الممارسة اليومية لفعل التظاهر والخطاب اليومي المستخدَم لرفع المعنويات وحشد الجهود جمعا معاً الديني والوطني بوتيرة متزايدة. ارتكزت الهتافات في البداية على التكبير وهتاف "الله سوريا حرية وبس". وفي هذا الهتاف الأخير يجمع الهاتفون بين الإله والوطن وأساس الحياة الاجتماعية أي الحرية. وقد لا يكون الأصل في هذا الهتاف أكثر من مجر رد على هتاف سابق للثورة تفتقت عنه أجهزة دعاية النظام، ألا وهو هتاف "الله سوريا بشار وبس"، لكن الحفاظ على عنصري الإله والوطن في الهتاف له دلالاته. يذكرنا هذا الهتاف بظاهرة أمريكية تسمى بالدين الوطني (أو الوطنية الدينية) حيث يختلط الله بالوطن وتصبح الوطنية طقساً من الطقوس الدينية، ويتحول الدين إلى صلوات تدعو الله إلى مباركة الوطن والدولة. وليس هذا بعيداً عن المفهوم الإسلامي للدولة كمؤسسة بسيطة (حاكم وحاشية وبضعة دواوين بيروقراطية) هدفها تطبيق الشريعة، يرأسها مندوب الإله أو مندوبه على الأرض، أي الخليفة؛ والدعاء للخلفاء والأمراء من على المنابر بعد الصلوات عادة قديمة قدم الإسلام نفسه ولعلها أقدم. إن جمع الله والوطن في مرتكزات الجماعة يدل على وجود مكون سياسي في التدين الشعبي في سوريا. في الحقيقة فإن تصوّر النظام للجماعة على أنها قائمة على ركائز ثلاثة هي الله والوطن والرئيس ليس غريباً تماماً عن التصور الإسلامي للجماعة، والتي ترتكز على الله والوطن (النفس والممتلكات والعرض) والحاكم المسلم. ويمكن التساؤل، هل كانت الثورة ستكون ممكنة لوكان بشار الأسد، الحاكم الظالم، مسلماً سنياً؟!

مع كسر حاجز الخوف وتواتر المظاهرات وتزايد القمع تطورت الهتافات لكنها احتفظت بنسبة معتبرة من المصطلحات والإيحاءات الدينية مثل التشديد على شهادة الضحايا ودخولهم جنات الخلد (مثل "عالجنة رايحين شهداء بالملايين"، "لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله")، والتركيز على التضحية الجسدية على منوال الشهادة (مثل "بالروح بالدم نفديك يا شهيد")، والربط بين النظام وأعداء الله ("لا إله إلا الله وبشار عدو الله"، هذا الشعار كان أقل انتشاراً من الشعارات السابقة). الموت كان حاضراً بشدة بسبب قمع النظام، وبالمقابل كانت الصياغة الدينية للموت حاضرة أيضاً، أي التضحية والشهادة. الرمزية هنا قوية جداً، فالموت يصبح حياة لأنه تضحية من أجل الجماعة واستمرارها ولأن ضحية الموت يصبح شهيداً (أي حبيب الله) يعيش في جنة الإله حياة أبدية. لا يعني هذا أن الدين كان المؤثر الوحيد على الهتافات، لكن وجوده، مقترناً أو غير مقترن بالوطنية، مؤشر على الأثر المستقبلي للتدين في تغيير شكل وطبيعة الثورة السورية (8). إن تخلي النظام عن كل الخيارات المتاحة للتعامل مع الثورة واقتصاره على العقاب الجسدي والقتل، قابله عند المتظاهرين اختزال لممارسة الثورة، أي التظاهر، "بمشية نحو الجنة"، ليس كأحياء يسيرون نحو جنة أرضية بل كأموات-أحياء (أي شهداء) يسيرون نحو جنة أخروية. إنه اختزال قاتم يدل على تضحية عظيمة جمعية (بالملايين)، لكنها عدمية لأنها بمليونيتها تعني انتهاء الجماعة الدنيوية واستبدالها بجماعة متخيّلة أخروية من الشهداء الأبرار. إن هذا الهتاف إعادة صياغة لمفهوم نجاح الثورة (المنفعة) وتحويله من نجاح دنيوي أساسه الحياة الرغيدة إلى نجاح أخروي أساسه الحياة الأبدية في الجنة؛ لكن الحساب لا يزال قائماً ويشير باتجاه المشاركة. إن اختزال النظام في آلة للموت، واختزال الثورة بمشية نحو الموت، واختزال المنفعة بنجاح أخروي تزامن مع اختزال لمطالب المظاهرات "بإسقاط النظام". لاحقاً ومع انتشار العنف، تم اختزال الممارسة الثورية بالقتال، بالتوازي مع تحوّل الهدف والمنفعة إلى هدف ديني بحت وحيد البعد، "ما خرجنا إلا لنصرة هذا الدين". ولا نقول هنا بأن أسلمة الثورة كانت قدراً لا مهرب منه، على العكس، لكن الجو العام للثورة بعد عدة أشهر من القمع كان يسير باتجاه تزايد دور التدين في تصوّر الثورة كخطاب وممارسة وأهداف وحتى في إعادة تصوّر أسبابها.

كان خيار المساجد في البداية كنقطة لانطلاق التظاهر خياراً تكتيكياً وذلك لأن قانون الطوارئ يحظر كل التجمعات عدا صلاة الجماعة في المسجد وخاصة صلاة الجمعة. إن أي تجمع آخر سيشي بنية المجتمعين بالتظاهر وستتم تفرقته بسرعة. أما صلاة الجمعة فيمكن استخدامها كغطاء للتجمع ثم قلبها لاحقاً عند الخروج إلى تظاهرة. عملية القلب لم تكن مضمونة كل أسبوع فكثير من المصلين كانوا في المسجد للصلاة وليس للتظاهر، ولم يكن من المنطقي والأخلاقي تعريضهم لخطر آلة النظام القمعية. تحويل تجمع الصلاة إلى مظاهرة كان غالباً ما يكون في باحة الجامع وحين يتأكد المحرّضون والمشارِكون من وجود عدد لا بأس به من المشاركين المحتملين يمكن معه تخطي الكتلة الحرجة. لكن مع استمرار الثورة وازدياد قمع النظام أصبح الخروج من المسجد ضرورة. الناس لا تستطيع التظاهر إلا يوم الجمعة بسبب أعمالها وحاجتها للتكسب، وأزلام النظام في كل مكان مما يجعل أي تجمع مستحيلاً. فإما أن يجابه المتظاهرون قوات الأمن ويطردوهم من الحي مفسحين المجال للتجمع عند الرغبة، وإما أن ينتظروا يوم الجمعة ويعتمدوا بشكل رئيسي على الخروج من المسجد. ممارسة فعل الثورة أصبحت مرتبطة أكثر فأكثر بالمسجد. مع كل شهيد يعود المصلون إلى المسجد ويعود معهم المتظاهرون؛ ومع كل إمام وخطيب يلتحق بالثورة بسبب مكانته وتخصصه (القيادة والخطابة) يتجمع المشاركون في المسجد ليتزودوا بالحماسة والإيمان بالنصر (الرضى الإلهي) والحصانة ضد الموت (الشهادة)؛ ومع كل تكبيرة يزداد تعلّق المتظاهرين بالقوة الإلهية كمحرك وصانع للنصر؛ ومع كل ظهور للشيخ العرعور على قناة وصال الفضائية تزداد كثافة المفردات والعبارات والإيحاءات والرموز الدينية ويزداد ظهور رجال الدين كقادة فعليين أو روحيين للمتظاهرين.

إذا حرص الشيخ العرعور في البداية على تجنّب الخطاب الطائفي، فإن النظام أصرّ على التأكيد على أن ظهور العرعور وشعبيته وحدهما دليل على دينية الثورة (الهوية الجمعية). كان النظام بحاجة إلى أن تصبح الثورة دينية من أجل أن يعيد إلى أذهان مناصريه المستهدَفين بدعايته (أي العلويين والمسيحيين) أجواء الثمانينات، وبالتالي القناعة التي لا تقبل الشك بأن الأقليات تواجه وحشاً، أي الأغلبية، حرّضه التدين وأعماه التعصب. في الحقيقة فإن نمو وتبلور الهوية العلوية كهوية اجتماعية-سياسية (حول النظام) ونجاح النظام في تفعيلها عن طريق الخوف هو ما دفع هوية المتظاهرين إلى التبلور حول المكوّن الديني الطائفي أيضاً (الهوية السنية). ولا نزعم بأنه لم يكن هناك عند المتظاهرين الأوائل ومن شجعهم ودعمهم تصوّر لهوية الجماعة المضطهدَة كهوية دينية. لكن الهتافات والمطالب والخطاب العام الأولي للثورة لم يشي بهوية سنية متبلورة. بعد عدة أسابيع من التظاهر والقمع، من كان يقف على الهامش متفرجاً متردداً نزل إلى الشارع للتظاهر، ومن كان خائفاً ولم يشارك أصبح مؤيداً للمتظاهرين، ومن عادى التظاهر اختفى أو أعلن ولاءه للنظام. الانتماء إلى جماعة المضطهَدين أصبح واضح المعالم وعلنياً. المشاركة والمناصرة رسمت حدود الجماعة الثائرة المضطهَدة، والمشاركة في القمع والتشكيك والاتهام بالخيانة رسم حدود الجماعة الظالمة المضطهِدة. الفيديوهات التي تعمّد النظام تسريبها، والتي تظهِر جنوداً يوحون بأنهم علويون يدوسون المصحف ويشتمون الرب ويسخرون من صلاة "العراعير"، وضّحت للمضطهَدين سمات الهوية السنية التي يجب عليهم أن يتمسكوا بها.


إنها هوية بالتضاد، العلوي يشتم الرب ويحتقر القرآن ويدمر المساجد، وبالتالي السني يرفع صوته بالتكبير ويتمسك بالقرآن ويلتزم بالخروج من المساجد. أبنية المخابرات أصبحت مآوي العلويين والمساجد أصبحت مآوي السنة. البندقية أصبحت أداة العلويين والتظاهر أصبح أداة السنة (لاحقاً الجهاد). الخضوع الكامل أصبح مطلب العلويين، وإسقاط النظام بكل أشكاله أصبح مطلب السنة. دور الضحية أصبح الدور السني بامتياز في الحرب اللاحقة، ودور المتسلط الجبار أصبح الدور العلوي بامتياز (الأسد أو نحرق البلد). كان يكفي لأي مجادِل يؤكد طائفية النظام أن يشير إلى أن كل المناطق الثائرة سنية (أصبحت سنية) وأن كل الضحايا من السنة (ضحايا القمع وليس قتلى الجيش والمخابرات) لكي يكسب جولة المناظرة وليؤكد بالتالي على تماهي الجماعة المضطهَدة مع السنة والجماعة المضطهِدة مع العلويين. طبعاً كان من الممكن تفنيد هذه الحجة بالإشارة إلى أن الشبيحة في حلب أغلبهم من السنة، وإلى أن الميسورين في المدن الكبرى، وأغلبيتهم سنة، لم يخرجوا ضد النظام، وأن شريحة كاملة من مشايخ السنة أعلنوا الثورة فتنة وخروجاً على الحاكم. هذه الحجة ضعفت يوماً بعد يوم أمام تدمير المساجد وطغيان مفهوم الشهادة وزيادة عدد المشاركين في العنف المضاد واعتماد هؤلاء لخطاب ديني (طوعاً أم كرهاً، النتيجة لا تتغير). لكن وحتى بعد سبع سنوات من بدأ الثورة السورية لا يتماهى المنتمون إلى الثورة كلهم مع هوية سنية (حتى وإن انتموا إلى الفئة السنية) ولا يمكن إغفال الهوية السنية لكثير من مناصري النظام، ولا يزال بالإمكان المجادلة بأن الحرب في سوريا ليست كلها حرب هويات طائفية.

يجدر الذكر بأن التدين الملتزم دخل في مرحلة شك بسبب حساب المضَرة، وما أدى إليه من تثبيط، الذي تزعمه سعيد رمضان البوطي. الكثير من الملتزمين المشاركين في الثورة لم يستطيعوا شتم البوطي أو الدعاء عليه، واقتصروا بأن دعوا الله بأن يهديه إلى سواء السبيل. فهل يا ترى كان بقاء البوطي ضرورياً ليحاول جذب الملتزمين المشاركين إلى معسكر غير المشاركين، إن لم يكن إلى معسكر الموالي. في الحقيقة جذب مزيد من الموالين من السنة لم يكن حرجاً للنظام لأن معظم الملتزمين ينتمون إلى أوساط مدينية، وهذه الأوساط كانت حذرة من الانخراط الكامل في الثورة (لا بل بقيت فئاتها الميسورة موالية للنظام) التي طغى عليها انخراط الأرياف والمدن التي كانت أريافاً منذ ماض قريب. أما التخلص من البوطي فكان سيقضي على بذرة الشك عند بعض الملتزمين وسيدفعهم بالكامل إلى أحضان الثورة. هؤلاء يشكلون كتلة حرجة في أسلمة الثورة أي أسلمة الخطاب والأهداف والممارسات وهذا بالضبط ما كان النظام بحاجة إليه من أجل سد طريق العودة على العلويين والأقليات الأخرى المتخوفة من ثورة سنية. إن ولاء هؤلاء كجنود عند النظام أعلى قيمة من ولاء ملتزمين سنة لن ينخرطوا في صفوف الجيش والأمن من أجل الدفاع عن النظام. إذن هل قتل النظام البوطي أم قتله الثوار المتأسلمون المشجعون للعنف؟ لا نعرف، لكن نعتقد بأن قتله ساهم في أسلمة الثورة وهذا ما أراده النظام وأطراف أخرى سنفصلها في الحلقة الثانية.

الهوامش:

1- يود الكاتب أن يتوجه بالشكر إلى الدكتور جمال صبح على الدعوة التي وجهها إلى العديد من الباحثين والأخصائيين السوريين إلى الكتابة عن الثورة السورية من منظار نفسي إجتماعي. كانت هذه الدعوة هي المحرض على كتابة هذه المقالة. ونقيم عالياً محاولته إخراج أول كتاب سوري مكرس بأكمله لتحليل الثورة السورية من هذا المنظار العظيم الفائدة والقدرة التحليلية. 2- Lee Ross et al. “History of Social Psychology.” 3- يوهانس رايسنر. الحركات الإسلامية في سوريا. دارس الريس، 2005. 4- Thomas Pierret. Religion and State in Syria: The Sunni Ulama from Coup to Revolution. Cambridhe Press, 2013. توماس بيرييه. الدين والدولة في سوريا: علماء السنة من الإنقلاب إلى الثورة. دار كامبريدج للنشر، 2013. 5- Torbjörn Tännsjö, “Social Psychology and the Paradox of Revolution." 6- الهوية أيديولوجيا تكوّنها وتحملها الجماعة المترابطة المتماسكة لترسم حدودها وتحدد من ينتمي إليها ومن هو خارجها ولا ينتمي إليها. 7- رايناود ليندرز وستيفن هايدمان. "الحشد الشعبي في سوريا: الفرصة والتهديد، وشبكات الممنتفضين المبكرين الإجتماعية. ترجمة أحمد نظير الأتاسي. ظهرت على موقع معهد العالم للدراسات في 4 نيسان 2017. 8- طبعاً لا يجب أن نغفل مؤثرات أخرى غير الدين في الهتافات مثل الرياضة ("علّي الطير على الطير باي باي يا بشار تصبح على خير"، "بسيطة شو فيها الجمعة منكفيها") وسجعات ألعاب الأطفال ("يا حج محمد يويا"، "يا بشار ويا قيقة ياصرماية عتيقة")، خاصة في مدينة حمص المعروفة بهوسها بفريق الكرامة لكرة القدم. هناك أيضاً مؤثر العادات والتقاليد كما في ربط الجبن عن التظاهر بالتشبه بالنساء (كما في نكتة "النساء لا يغطين شعورهن في حلب لأن البلد كلها حريم") وكما في شعار جمعة الحرائر ("من كرامتنا وأعراضنا سنثور") الذي لا ذكر فيه للنساء المعتقلات والمستهدفات بالقمع إلا من خلال كرامة رجالهن وأعراضهم.

22 شباط 2018، في التنظير للثورة 2

تتمة المقالة السابقة التدين الإسلامي والثورة السورية من منظور نفسي-اجتماعي (2-2)

ماذا نعني بأسلمة الثورة؟

حاججنا في الحلقة الأولى بأنه يمكن شرح استمرار التظاهرات في الأشهر الأولى باستخدام مقاربتي تعميم النجاح وتعميم الفشل؛ وكذلك بأن دور نمطي التدين الشعبي والملتزم كان أكبر في قرار الاستمرار من دورهما في خروج التظاهرات الأولى. لكن ما هو الدور الذي لعبه هذان النمطان وغيرهما بعد الأشهر الخمسة الأولى (أي إلى نهاية آب من 2011)؟ وهل نعني بأسلمة الثورة ازدياد أهمية التدين في تجييش المتظاهرين وفي قرارهم تحدي الرصاص والقمع؟ في الحقيقة، ما نعنيه بأسلمة الثورة السورية من منظور نفسي إجتماعي يتخطّى دور التدين في قرار المشاركين بالخروج يوماً بعد يوم إلى تشكيل أيديولوجيا ناظمة لمعارف النسق الاجتماعي الثوري (أي سردية الثورة: أسبابها، تاريخها، تصوّرها، رموزها) وقراراته وممارساته وتجربته الشعورية (اختيار هذه العوامل يعتمد على أبعاد التدين، والمواضيع الأساسية في علم النفس الاجتماعي، والنموذج المعرفي لاتخاذ القرار والذي سيأتي ذكره). سيرورة تشكيل هذه الأيديولوجيا بدأت قبل الثورة بعقد أو أكثر واستمرت خلالها بخطى حثيثة، وبدأت تتوضح أنساقها مع نهاية 2011، وأصبحت واضحةً جلية مع حلول 2013. ليست هذه السيرورة انعكاساً لثقافة إسلامية أزلية لا تتغير؛ فكما تدعي الأيديولوجيا القومية بأن الهوية القومية أزلية، وكما تدعي الماركسية بأن صراع الطبقات أزلي، كذلك تدعي الإسلاموية (أو ما يسمى بالإسلام السياسي) بأن هناك فهم وحيد للإسلام متجذر في الثقافة لم يتغير من 1400 سنة، وهو نفسه ما تدعو الإسلاموية لفرضه بقوة الدولة. الأسلمة مظهر من مظاهر الإسلاموية، وهذه الأخيرة هي إحدى الأيديولوجيات السياسية الجماهيرية التي ظهرت في القرن التاسع عشر وتوطدت في القرن العشرين. وهي كغيرها من الأيديولوجيات الشمولية انعكاس لتغير جذري في بنية المجتمعات الحديثة، ونعني لنشوء الجماعة السياسية الشاملة (أي تحول المجتمع بكامله إلى ناخبين وفاعلين سياسيين) بعد أن كانت السياسة مقصورة على النخبة الملكية الحاكمة.

لابد لتوضيح المقصود بالأسلمة من شرح لآليات اتخاذ القرار وكيف يمكن أن تنحاز القرارات الإنسانية في اتجاه معين دون اتجاهات أخرى. ولا نعني بالقرار القيادة، وإنما القرارات المختلفة التي يتخذها الأفراد ضمن الجماعة وتتخذها الجماعة بمشاركة الأفراد. النموذج الذي استخدمناه لشرح قرار الخروج للتظاهر والاستمرار بالخروج كان عقلانياً نفعياً معدّلاً من أجل أخذ المنفعة العامة بعين الاعتبار، أي يعتقد بأن الإنسان يفكر بوعي ويقوم بحسابات منطقية رياضية واقعية، الغرض منها تحقيق المنفعة الفردية القصوى، سوآءاً عن طريق المنفعة الجمعية أو بالحصول على المنفعة الأنانية المباشرة. وافترضنا أنه عشية كل مظاهرة كانت الخيارات المتاحة للمواطن السوري (أي المقرِّر) هي إما المشاركة في التظاهر وإما البقاء في البيت، ونتائج الثورة هي إما النجاح وإما الفشل. لكن في الحقيقة لا يحسب الإنسان قراراته بشكل عقلاني وواقعي، ولا يعرف نتائج سلوكه وإنما يتوقعها ويرغب بها ويتمناها، فمن اللازم أن نستخدم نموذجاً لاتخاذ القرار يتخلى عن حساب المنفعة العقلاني ويأخذ بقية الخيارات والنتائج بعين الاعتبار ويدخِل توقعات الإنسان بالحسبان. هذا النموذج يعتبر اتخاذ القرار عملية معقدة تبدأ بالتعرّض لمحرض طارئ يستدعي التصرف، وتنتقل إلى جمع المعلومات والمعارف الداخلية والخارجية عن المحرض، ثم تستدعي الخيارات التي توفرها الذاكرة (النصوص الاجتماعية) وتقارن بينها اعتماداً على المعتقدات والآراء والتقييمات والحوافز الداخلية (motivation) التي يحملها الإنسان المقرِّر، ثم تنتهي باختيار واحد من هذه الخيارات السلوكية ليتم تنفيذه.[1] وهنا يختفي مفهوم المنفعة الواقعة خارج الإنسان ليحل محله مفهوم القيمة المرتبطة بالسلوك (أو منفعة متخيلة متوقعة وليست بالضرورة واقعية).

نخلص مما سبق بأن معارف الناس واعتقاداتها وتقديرها للحالة، ومن ثم الخيارات المتخيلة والنتائج المتخيلة، ثم القرارات الممكنة، كلها تقوم على تحيّزات قيمية؛ وليس أفضل من الأيديولوجيا لخلق مثل هذه التحيزات القيمية. القومية والطائفية والإسلاموية والليبرالية والاشتراكية كلها فضاءات معرفية تخلق تحيزاتها الخاصة. ومتى طغى فضاء معرفي معين جاءت معه التحيزات التي يشجعها وغابت التحيزات التي يثبطها. ونظريتنا هنا هي أن الإسلاموية (أو الأسلمة) طغت كفضاء معرفي وبالتالي كتحيزات باتجاه تقييمات واعتقادات وقرارات وسلوكيات معينة. ولم تكن هذه الأيديولوجيا قادرة على هذا التأثير، مثلها مثل أية أيديولوجيا أخرى، لولا عدة عوامل سابقة للثورة تعزز موقعها في المجتمع السوري خلال العشرية السابقة لها على أقل تقدير. هذه العوامل صنعت ما يسميه المشايخ المعلمون بالصحوة الدينية واليساريون بالردة الدينية وهي:

1) النظام الطائفي القمعي الذي حد من خيارات المجتمع السوري الثقافية والعملية.

2) انزياح مراكز الجذب والإشعاع الاقتصادي والفكري باتجاه الخليج السلفي.
3) وتطور التدين الملتزم على أيدي المشايخ المعلمين، والسياسي على أيدي الإخوان المسلمين، والجهادي على أيدي السلفية الوهابية. ولسنا هنا بصدد تفصيل هذه العوامل، لكننا سنذكر بعض إسقاطاتها على الثورة السورية من خلال تأثيرها في العوامل المختلفة التي تدخل في اتخاذ القرار أي في المعارف المنتشرة، وفي السلوكيات الممكنة والمتخيلة، وفي حساب القيمة (النتائج المتخيلة لهذه السلوكيات، والاعتقادات بخصوص علاقة النتائج بالسلوكيات).

قبل أن نبدأ بتعداد الأحداث والمصطلحات والسلوكيات والقيم والأدوات التي رسمت المسيرة نحو الأسلمة، لا نريد أن نظهر بمظهر المعدد للمثالب والموحي بوجود مؤامرة على المجتمع. التحليل وفهم الواقع لا يعنيان كشف مؤامرة وإن كان التحليل غالباً ما يتم سرده على أنه رواية لها بداية ونهاية وأبطال ومغزى (أي تشبه المؤامرة). الحقيقة هي أن السيرورات الاجتماعية فيها تجاذبات وفواعل، داخلية وخارجية، والفواعل عددها لانهائي والمسيرة يصعب فهمها إلا بعد حدوثها لا أثناءه، فإذا انتهت وتوضحت نتائجها جاء المحللون ليكتبوا القصة الدرامية عن بداية ونهاية وأبطال وضحايا. القصة دائماً انتقائية، والانتقاء غرضه إعطاء السيرورة معنى وإثبات وجهات نظر ودعم مقولات ومعتقدات معينة. المحلل في الحقيقة ليس محايداً بل هو أحد الفواعل، فهو يحاول إعادة كتابة التاريخ. لكن هذه هي دراما التحليل التي لا يمكن الإفلات منها. وكل ما نستطيع فعله هو الانفتاح الدائم على احتمالات جديدة ووجهات نظر جديدة والبحث عن تحيزات أيديولوجيا ممكنة وانتقائية تعسفية. القصة التي نرويها هنا، أي قصة الأسلمة، ليست القصة الوحيدة. والمعلومات التي ننتقيها ونربط بينها، ليست كل المعلومات الموجودة ولا كل الروابط الممكنة. اليوم هناك ظاهرة يصعب إهمالها وهي وجود الأسلمة في الثورة السورية. ولذلك نحاول هنا انتقاء بعض المعلومات والأحداث والتي نعتقد أنها مرتبطة ببعضها البعض وأنها ترسم سلسلة منطقية لمسيرة الأسلمة.

هل الأسلمة جيدة أم سيئة؟ هذا يعتمد على المراقب المحلل؛ ولا نزعم أننا واقعيون (objective) وأن ليس لدينا أي انحياز أيديولوجي، فهذا صعب جداً في العلوم الاجتماعية إذ مهما كانت النظرية واقعية فإن إسقاطها على الواقع ليس بالأمر السهل. الأسلمة على وضعها الحالي لا تعطي بنظرنا حلولاً للأزمة، بل تدفعها في طريق مسدود. هل هناك أسلمات أخرى؟ أم هل هناك أيديولوجيات أخرى؟، بالطبع، ولا نعرف أيها الأفضل فنحن كما الآخرين نتحسس طريقنا في الظلام. لكننا نعرف أيضاً أن أيديولوجيا النظام الطائفية أسوأ بكثير من أسلمة التيار الجهادي السلفي. نحن إذن أمام أزمة، الطرفان فيها متشابكان في صراع أعمى يسير نحو الهاوية. ولذلك نأمل أن يدرك القارئ مما كتبناه أن الأسلمة ليست مؤامرة بل هي جزء من صراع لا يمكن فهم طرف فيه دون فهم الآخر، ولا تحليل طرف فيه دون تحليل الآخر. وبالتالي لا يمكن أن نشرح الأسلمة بالأسلمة فقط، بل بالعلاقة الجدلية مع الطرف الآخر وأيديولوجيته (أو الأطراف الأخرى من الصراع). ونعتقد أن الأسلمة كانت رداً منطقياً على الديكتاتورية الطائفية. ولا يمكن أن نهمل حقيقة أن الثقافة التي أنتجت الواحدة أنتجت الأخرى.

أسلمة الفضاء المعرفي - الإدراكات


ونعني بالفضاء المعرفي كل الإدراكات والمفاهيم والتبريرات والاعتقادات والآراء والمعايير (أي الأيديولوجيات) التي يجمعها الإنسان من الوسط المحيط. ويتبع موضوع الفضاء المعرفي موضوع وسائل نشر المعارف مثل الإعلام ووسائل التواصل.

نجح المتظاهرون في مدينة حمص بالوصول إلى ساحة المدينة الرئيسة (ساحة الساعة الجديدة) في 18 نيسان 2011. كان هذا نصراً للمحتجين سيحاول النظام جهده منع تكراره في كل المدن. الاعتصام جمع جميع الطوائف وساد فيه جو من التسامح والوئام. وعندما حضرت صلاة العصر احتشد جمع كبير من المعتصمين للمشاركة في صلاة الجماعة التي أحاط به سور بشري للحماية اشتركت فيه الطوائف المختلفة. هل يجب أن ندفع التحليل هنا أم أن هذا الحدث عادي ويومي وبالتالي خارج التحليل؟ الحقيقة هي أن العادي واليومي هو الجدير بالتحليل، وليس فقط الطارئ والخارج عن العادة. إن المدينة الحديثة ذات الفضاء العام الرحب اختراع غربي وسياسي بامتياز؛ وعند انتقاله إلى سوريا وغيرها من دول المنطقة أصبح له نفس الوظيفة السياسية، أ] التجمع والتظاهر وتحدي سلطة الدولة، أو التجمع والمسيرات الإجبارية والهتاف للنظام القائم، وفي الحالتين هي وظيفة سياسية. الإسلام السياسي الصاعد في المنطقة استخدم هذا الفضاء العام بنفس الطريقة أي بتحويله إلى فضاء لإشهار القوة وتحدي السلطة وذلك من خلال الصلوات العلنية. لا يمكن تخطي مثل هذا الإشهار على أنه غير ذي مغزى ويعبر عن الثقافة العامة. المساجد الجامعة (المسجد الكبير) وُجدت لهذا الغرض، إنها فضاء عام لا توفره المدينة القديمة وهو فضاء سياسي يؤم فيه الأمير صلاة الجماعة ويخطب ويدعو لأمير المؤمنين. واستمرت هذه الوظيفة عبر العصور اللاحقة لظهور الإسلام إلى يومنا هذا. وعندما تتم أسلمة الفضاء العام (أي استخدامه السياسي) فإن هذا دليل على تغير في الساحة السياسية. هذا النمط من الممارسات وُجد قبل الثورة واستمر بعدها لكن وجوده أثناءها يدل على أن الخلفية المعرفية التي قامت عليها الثورة مأسلمة إلى حد كبير.

أثناء الأشهر الثلاثة الأولى برزت شخصيات كاريزمية قيادية محلية كان لها دور كبير في تحفيز الناس على الخروج وفي تنظيم المظاهرات والتنسيق بين الأحياء والمناطق من أجل الوصول إلى هدف المظاهرات الجماهيرية، التي اعتقد المنظمون بأنها ستشكل الضغط الحاسم على النظام ليرضخ للمطالب. لكن ما جرى هو أن النظام استطاع من خلال الاعتقالات المكثفة والتعذيب وتصوير المظاهرات واستخدام برامج التعرف على الوجوه أن يقاطع المعلومات وأن يصل مع حلول الشهر السابع إلى أسماء وصور هذه الشخصيات القيادية التي حظيت بثقة الناس واحترامهم. منذ البداية لم يكن إطلاق النار عشوائياً تماماً، وأوائل الضحايا كانوا خليطاً من المتظاهرين والمتفرجين؛ ويعتقد البعض أن هذا دليل على استخدام القناصة منذ البداية. لكن مع استمرار التظاهرات أصبح استخدام القناصة ممنهجاً؛ فقد تمركزت الحواجز والقناصة عند تقاطع الشوارع الرئيسية وقسمت المدن إلى قطاعات محدودة بهذه الشوارع؛ وكان دورها منع المتظاهرين في كل قطاع من التواصل والتلاقي مع المتظاهرين من القطاعات الأخرى من أجل تشكيل المظاهرات الجماهيرية والوصول إلى ساحة المدينة والاعتصام بها على غرار ميدان التحرير في القاهرة. كان القناصة مزودين بصور الشخصيات القيادية التي غالباً ما كانت تترأس المظاهرات؛[2] وكانت رصاصاتهم، سواءً استهدفت المتظاهرين أم القياديين، لها وقع نفسي شديد لأنها استهدفت الوجوه والرؤوس وفجّرتها بسبب سرعتها الهائلة (أو بسبب استخدام طلقات متفجرة). استنزِفت قيادات المظاهرات في مشاهد درامية، وزاد عدد الجرحى والقتلى من مهام المتظاهرين التي بدأت بالتنظيم والتنسيق ثم انتهت بتأمين المشافي الميدانية. وأصبح الخروج للتظاهر كما الذهاب إلى الحرب أو إلى الحتف. الجنائز تحولت إلى شعائر يومية، لا بل أصبحت ذريعة أخرى للقتل بعد أن كانت ذريعة للتظاهر. مع نهاية العام 2011 كانت المرحلة السلمية قد انتهت.

في هذا الجو الجنائزي لم يكن من العسير أبداً الربط بين القتل والتضحية والشهادة والجهاد. إنها ثقافة إسلامية شعبية استخدِمت بنجاح في العديد من مراحل تاريخ المنطقة، خاصة في الصراع ضد المستعمر ثم في القضية الفلسطينية. ثم استخدمتها الجماعات الإسلامية المسلحة لإعلان الجهاد ضد الديكتاتوريات، وبعدها الجهادية السلفية لقتال الروس في أفغانستان، وبعدها الجهادية العالمية في الشيشان والبوسنة والعراق. إذا امتنع المتظاهرون الأوائل عن استخدام العنف المضاد فإنهم لم يمتنعوا عن تحويل القتل إلى تضحية وشهادة، ولا نتكلم هنا عن شهادة وطنية وإنما عن شهادة دينية. ظهرت مقولات من قبيل "اللهم خذ من دمي حتى ترضى" لتبرير التضحية وإعطائها قيمة دينية؛ فهي لم تكن تضحية من أجل الوطن والقضية الوطنية بل من أجل إرضاء الإله الغاضب. قد يكون هذا الربط عادياً وأوتوماتيكياً عند كثير من السوريين المسلمين لكنه ربط مشروط بثقافة معينة ولا يوجد إلا ضمن هذه الثقافة. ولا نعني هنا الإسلام كأيديولوجيا معيارية وإنما التدين الإسلامي كتطبيق وأيديولوجيا عملية، وليس التدين الإسلامي بشكل عام وإنما التدين الملتزم والسياسي. على عكس ما يعتقد المؤمنون فإن الدين أيديولوجيا متغيرة حسب المكان والزمان. إن تصوّر الإله يتغير، فهم النص الديني يتغير، فهم المقاصد الشرعية يتغير، معاني المصطلحات والرموز الدينية تتغير. لا نعتقد أن أسلمة الثورة السورية كان سيكون بهذه السهولة لولا توسع التدين الملتزم خلال العقد الذي سبق الثورة ولولا صعود الجهاد العالمي وحرب العراق. وليس هذا التحليل لتوجيه الاتهام إنما لفهم الواقع كما هو وليس كما يجب أن يكون. من "الشعب يريد" إلى "شهداء بالملايين" إلى "هي لله هي لله" إلى "خذ من دمي حتى ترضى" إلى "ما خرجنا إلا لنصرة هذا الدين"، المسيرة ليست منطقية إلا وفق منطق معين خاص. الفضاء المعرفي العام، من مفاهيم ومعتقدات وآراء وتقييمات وتبريرات، المسيطر على الساحة منذ بداية 2012 كان فضاءً متديناً إسلامياً ملتزماً وسياسياً.

"الجيش السوري الحر" اسم لكتلة هلامية من المجموعات المتمردة المسلحة الصغيرة التي ضمّت منشقين عن الجيش ومتطوعين من أهالي المناطق التي تعرضت للقمع والقتل. تشكلت هذه المجموعات في أواخر 2011، وتسارع تشكلها في بدايات 2012. إعلان قرار التشكيل هو ما يهمنا هنا، فقد كان إشهار القرار نمطياً ظهر فيه ضابط بلباس عسكري يجلس إلى طاولة وأمامه كمبيوتر (لابتوب) يقرأ منه قرار التشكيل، وعلى جانبي الكمبيوتر على الطاولة نسخة من المصحف ومسدس، ووراء الضابط ملثمان يحمل كل منهما بندقية رشاشة ووراءهما بقية الكتيبة أو لافتة عليها اسم الكتيبة وشعارها. دائماً يبدأ إعلان التشكيل بقراءة آيات من القرآن هي نفسها في كل مرة "أذن للذين يقاتلون بأن ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير" ثم "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون بها عدو الله وعدوكم". المشهد مسرحي بامتياز ومليء بالرموز الموجَهة إلى المشاهدين سواءً كانوا سوريين معارضين أو داعمين من دول مختلفة. الضابط، أو القائد المزعوم للكتيبة، بلباسه العسكري يوحي للمشاهدين بأن الانشقاق عن النظام يتسارع وأن الضباط والجنود المنشقين يحاولون تشكيل جيش مواز له، بنفس المهنية، لكن بحماس أكبر وقضية أكثر عدلاً. هذا الضابط "التائب عن الانتماء إلى النظام" أعلن عن شرعية وجوده خارج الجيش النظامي المحتكر لاستخدام العنف والمدعوم بالقانون من خلال آية قرآنية. هذه الآية تعلن انتهاء مرحلة الصبر وبدء مرحلة الرد؛ لكن الصابرين ليسوا مجرد مواطنين بل هم مؤمنون يتعرضون للاعتداء والقتل (الذين يقاتَلون)، لكنهم صبروا على الشدة في انتظار أن يعلن الإله تحللهم من كل العهود السابقة التي منعتهم من الرد (الانتماء للجيش النظامي، الخضوع للقانون) وأنهم قد ظلِموا وأصبحوا ضحية، مما يعني شرعية ردهم على العنف بعنف مماثل. وتتخطى الآية التحلل من العهود والإذن بالرد المشابه إلى الإيحاء بأن الإله قد ينصرهم في المستقبل القريب، وليس هذا عهداً قطعياً (سينصرهم) وإنما خياراً ممكناً (على نصرهم لقدير) بانتظار القرار الإلهي بذلك. هذا التماهي مع النص القرآني، بحيث يتحوّل المخاطَب فيه من المسلمين الأوائل إلى مسلمي الزمن الحاضر الذين ظِلموا، يظهر عادة عندما يحتاج المسلمون لتجديد العهد مع ربهم؛ العهد الذي قطعه الرب مع المسلمين الأوائل يتجدد مع المسلمين الأواخر بسبب التشابه بينهما. يحصل هذا التماهي في حالات الأحكام الإلهية، فما كان مفروضاً على الأولين هو مفروض على الآخرين، وما كان ثواباً للأولين سيكون ثواباً للآخرين، لكن هذا ليس تطابقاً بين الفئتين. ادعاء التطابق بين الفئتين يتزايد في التدين الملتزم من ناحية أخلاقية (تتطابق أخلاق الفئتين وبالتالي الثواب) وفي التدين السياسي من ناحية سياسية (تتطابق دولة الفئتين وبالتالي العهد بالنصر الجمعي) ويصبح كاملاً في التدين الجهادي (الأواخر نسخة عن الأوائل، أخلاقياً وسياسياً، إنهم الفئة الناجية الأولية نفسها بلباسهم وسلوكياتهم وحتى بأسمائهم). حتى أسماء هذه الكتائب كانت ذات دلالات إسلامية غالباً مثل كتيبة خالد بن الوليد، أبي بكر الصديق، الفاروق، أبابيل، الأمويين، أبي ذر الغفاري، ذو الفقار، جنود الرحمن، فرسان القادسية وغيرها. القرآن المقروء يقابله المكتوب الموجود على الطاولة، والعدة القديمة تقابلها عدة حديثة (المسدس والرشاشات) والعهد القديم بالنصر يقابله انتظار لتحقق العهد الجديد. لكن هذا الاستحضار للماضي بعهده الإلهي وأسمائه ومظلوميته ليس كاملاً، وإنما يبني لشرعية موازية. الرسالة موجهة للمشاهدين المعارضين وللجيش السوري الرسمي، نتشابه باللباس والعدة والمهنية لكننا نختلف بالشرعية، لا بل ونستخدم أحدث التكنولوجيا كالكمبيوتر، في إشارة إلى شرعية عصرية أيضاً، إنها العدة العصرية؛ فكما يحدّث عدو الله نفسه من ناحية العتاد، وإن كان جوهره واحداً، يحدّث المؤمنون عتادهم لكن جوهرهم واحد، وإن كنا فئة صغيرة وقليلة العتاد فإننا سنغلب الفئة الكبيرة بإذن الله.

خلال الأشهر الثلاثة الأولى لم تكن دولة قطر قد حسمت موقفها من الثورة السورية ومن النظام السوري. وبعد فشل محاولاتها في تليين النظام وجذبه لمقترحاتها (نعتقد أنها مقترحات مشابهة للسيناريو الإخواني في مصر) قررت انحيازها لجهة الإطاحة بالنظام، وليس بالضرورة لجهة المتظاهرين والمعارضين. قطر تملك أداة هائلة التأثير هي قناة الجزيرة الإخبارية ذات النفس الإخواني الواضح؛ ومتى ما وجِهت هذه الآلة نحو تجييش الرأي والوعي العام فإنها تطغى على الأصوات المحيطة. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن السعودية وقنواتها الفضائية مثل قناة وصال (منبر الشيخ العرعور). في العام الأول من الثورة كان مصدر الأخبار مؤشراً دقيقاً على موقف الشخص من الثورة. الموالون كان يتابعون القناة السورية وقناة دنيا، والمعارضون يتابعون قناة الجزيرة وقناة وصال ثم قناة أورينت. التجييش الإعلامي لعب دوراً كبيراً في خلق الفضاءات المعرفية لكل الأطراف. وكلها كانت تصب في قناة الاستقطاب الطائفي. هذا بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، يوتيوب، سكايب) التي يمكن لأي فرد أو مجموعة أن يستثمروا فيها قدر ما يستطيعون من الموارد المادية والبشرية. وبقدر ما كانت هذه الوسائل أساسية لاستمرار التظاهر بقدر ما كان أساسية في صوغ الفضاء المعرفي العام.

أسلمة الفضاء القيمي – عوامل القرار

إن هذا الدفع للتدين الشعبي الذي ساد في الأشهر الأولى باتجاه التدين السياسي والجهادي هو سمة من سمات ما نسميه بأسلمة الثورة السورية. التدين الشعبي لا يستطيع صياغة مطالب سياسية لكن التدين السياسي والتدين الجهادي قادران على صياغة مثل هذه المطالب. ونخص المطالب هنا لأنها مؤشرات على تغير في المنظومة القيمية السائدة. الصياغات الأولى كانت علمانية (أي لا تتطرق لمطالب دينية) مثل إسقاط النظام وإطلاق المعتقلين ووقف القتل ومحاسبة القتلة وإنهاء الفساد وإقامة دولة جديدة. أما الصياغات اللاحقة فكانت مأسلمة مثل "هي لله لا للسلطة ولا للجاه" (مع أن السلطة مطلب أساسي لكل ثورة سياسية)، نصرة الدين، إقامة الدولة الإسلامية، إدخال المرجعية الإسلامية إلى الدستور، هزيمة الروافض والمجوس، إيقاف التشيع، نصرة أهل السنة المظلومين، محاربة البيت الأبيض، تمكين أهل السنة، إقامة حكم الله. هذه المطالب المأسلمة كان لها في البداية مقابل علماني (قومي أو ليبرالي)، لكنه مقابل في الدور وليس في المعنى. مثلاً يقابل الدستور العلماني إما دستور بمرجعية إسلامية أو دستور إسلامي أي القرآن؛ يقابل القانون العلماني الشريعة الإسلامية؛ ويقابل سيادة الشعب حكم الله؛ ويقابل الديمقراطية حكم الأغلبية السنية أو مشاورة أهل العلم؛ ويقابل انتخاب رئيس الجمهورية بيعة الأمير أو الخليفة؛ ويقابل الهوية الوطنية الهوية السنية. كان الانتقال من المطالب العلمانية إلى المطالب المأسلمة تدريجياً ومبطناً ومبعثراً في الخطاب والشعارات، بينما ظهرت المطالب العلمانية بشكل صريح ومتبلور في منشورات وبيانات ولافتات كبيرة. لم تتخط المطالب المأسلمة حدود الشعارات ورايات الكتائب وبعض الخطب المصوّرة. ولم تظهر صياغات مكتوبة وعلنية لهذه المطالب المأسلمة إلا بعد سنتين أو أكثر من بداية الثورة.

هناك أنماط أدبية تعود إلى الظهور في الأزمات، ومنها نمط وصية الشهيد. عندما تظهر في جريدة أو في بوست فيسبوك أو في رسالة إيميل يتبادلها الناس، ونقرأها على أنها حقيقية ونتفاعل معها بقدر ما تثير فينا من قيم نتمسك بها ونعتبرها جزءاً من ثقافتنا. في الحقيقة، إذا لم تكن معبّرة عن قيم نحملها فلن تثير المشاعر حتى ولو كانت الرسالة حقيقية، وسننساها أو نتجاهلها. إنها حقيقية بقدر ما هي معبّرة. القيم التي تعرضها مثل هذه الرسائل جديرة بالتحليل، وهي منتشرة ومؤثرة بقدر ما تنتشر الرسالة ويزداد عدد قرائها. هذا النمط الأدبي منتشر بين السوريين سواء في طرف المعارضين أو في طرف الموالين. بحث بسيط على غوغل (مفتاح: وصية شهيد سوري، وصية مجاهد سوري) سيوضّح ما نزعمه. هناك مشتركات وفروقات بين ما ينتشر عند هؤلاء وما ينتشر عند أولئك. لكن تشترك هذه الوصايا بأنها من شهيد إلى أمه أو زوجته أو أخته غالباً (مخاطَب نسائي)، وبأنها لا تتحدث عن خصوصيات إلا بقدر ما هي رموز لعموميات؛ وأحياناً تترك الخصوصيات جانباً لتتوسع في العموميات. هذه العموميات هي القيم والمبادئ التي يتمسك بها الكاتب وقرّاءه المتخيّلون.

الوصية التي سنحللها موجهة من "شهيد إلى زوجته"،[3] أو بالأصح من رجل سيستشهد إلى زوجته؛ استشهاده المستقبلي يغلب على تاريخه الماضي فيصبح الشهيد الحي الذي يكتب وهو متيقن من أنه سيصبح شهيداً في مستقبل قريب. الرسالة-الوصية تسرد تاريخ الكاتب مع زوجته عندما كانا طالبين في إحدى الجامعات السورية وكيف كانت زوجته تتعرض للإهانة من قبل الأساتذة المحسوبين على النظام لمجرد أنها محجبة، وكيف كانت المخابرات تضايقها لأنها تقرأ تدرس تفسير القرآن، وكيف كانت نار الغضب تحرقه وهو يرى عِرضه المستقبلي يهان أمام عينيه. ثم جاء ابنه الذي سماه حمزة وتوسم في مجيئه الخير، وبعده جاءت الثورة كالوليد بعد المخاض، وحان وقت الأخذ بثأر هذا الشرف المهان. الرسالة مليئة بالرموز الثقافية-الدينية التي تعبّر عن مظلومية مرتبطة بإهانة الدين أو إهانة الشرف بسبب التمسك بالدين. ومع تكرار هذه الإهانات يتحوّل الرجل الضعيف الخائف الجبان إلى مشروع شهيد شجاع لا يخاف. بعبارة أخرى إهانة الدين وإهانة الشرف المتكررة، وكلاهما واحد، تؤدي إلى مخاض طويل وعسير وولادة لثلاثية هي "الابن حمزة الأمل -- الثورة واستجابة الإله للدعاء -- ورجولة الأب التي حققها في خروجه واستشهاده." وهي لا تختلف عن كثير من الثلاثيات الرمزية التي نعرفها من التاريخ والأديان القديمة: الولادة-النضج-الموت بالتضحية؛ الآب- والروح الرسول بينهما- والابن الأضحية؛ الربيع-والصيف-والخريف في انتظار ربيع جديد. المفاهيم والقيم المرتبطة بها في الرسالة خليط بين التقاليد والدين، أو صياغة لقيم تقليدية بطريقة إسلامية.


المرأة-الزوجة هي "لباس يستر عورتي (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)"؛ وهي إحدى "المحجبات الجديات اللاتي يأتين إلى الجامعة ليتعلمن، ولا يأتين للهو وعبث"، إنها "الأنوثة الرقيقة العفيفة" التي تتردد "مع بعض الأخوات المؤمنات الفاضلات... على مربية جليلة"، هذه المربية الدينية كانت السبب في "صياغة شخصيتك بأنبل وأطهر وأكمل ما يمكن"؛ وهي أيضاً الضحية التي تدخل وحيدة إلى فرع المخابرات ليسألها المحقق "عن كتاب مختصر ابن كثير في التفسير الذي تقرؤونه على المربية"، لتقول له ببراءة الفطرة الدينية والعفة الرقيقة نعم إنه كتاب في تفسير القرآن ولتكتشف " أن ابن كثير نفسه صار من المطلوبين، هو وابن القيم وابن رجب الحنبلي ،باعتبارهم من تلامذة الإرهابي الكبير والخطير ابن تيمية "؛ إنها الأم التي تعاني مخاض الولادة لتلد طفلاً اسمه الحرية ينعم "بالكرامة والطهارة" التي ضحى الأب من أجلهما بحياته؛ إنها شريكته الدنيوية التي "لا بأس أن تفكر بزواج آخر" بعد موته لكنها ستكون شريكته الأخروية الأبدية "وحوريته الأولى في الجنة"، وهناك ستكون "أحلى من الحور، لن تغار غيرتها اللذيذة" كما كانت تفعل في الدنيا. باختصار الزوجة هي شرف الرجل وعِرضه، معرّفة بأنوثتها العفيفة وطهارتها وحجابها ومربيتها القبيسية، ثم هي الضحية التي يتكالب عليها أعوان النظام الشبقون ليثور لها الرجل مدفوعاً بحميته على عرضه، وفي النهاية هي حورية الرجل الأولى في الجنة وثوابها بأنها لن تغار على زوجها. طهارة المرأة، هذا المفهوم التقليدي، يتحول إلى مفهوم إسلامي مرتبط بالحجاب الذي يتعدى عليه النظام ويهزأ به. وخروج المرأة من بيتها للدراسة، هذا الهم الحداثي الذي أصبح مقبولاً، يعرّضها إلى مخاطر نظرات الرجال؛ لكن مقابل هذه الخروج الخطِر لتعلّم العلوم الدنيوية تذهب بصحبة مؤمنات (وليس رجال) إلى المربية القبيسية لتتعلم مختصر تفسير ابن كثير (وليس التفسير كله لأنه كبير)، أي لتتعلم دينها. وهي ضحية في الحالتين فذهابها إلى الجامعة يعرّضها لرجال النظام المتحرشين، وذهابها إلى المربية يعرّضها لفرع المخابرات، كما يعرضها ركوبها الباص لخطر جنون ضابط المخابرات الأرعن.

الرجل-الزوج فهو ضعيف ورقيق وليس "بطلاً من طراز حمزة بن عبد المطلب ولكن أقرب إلى حسان بن ثابت (دون المنكرات التي قالها)"؛ وهو الخاضع لجبروت النظام الذي يطلب منه أن يقول "منحبك" وهي الكلمة التي لا يمكن أن يقولها لغير زوجته؛ هو الجبان الذي يذهب بصحبة خطيبته إلى فرع المخابرات ليسألوها عن الدروس الدينية التي تحضرها بينما هو يقف خائفاً في الخارج يدعو ربه؛ وهو الحانق الغاضب الذي يشعر بأن "عيونهم وألسنتهم تنتهك عرضي فيك" ليتحول بعدها إلى ثائر لأن زوجته لن تفخر به زوجاً "وقد مُس عرضه وعرض عماته وخالاته ، وبنات بلده ،ولم يرفع صوته جهيراً يملأ سمع أهل الأرض"؛ ثم يصبح بطلاً يخرج مع من خرجوا "لأنك عندي غالية ، يجب ألا تُمسي بسوء، وألا يتثاقل عليك الوقحون، وألا يعسروا طريق نجاحك، وألا يساوموك على عفافك، وألا يأخذوك إلى فرع الإذلال والنكال والخسة كما أخذوا غيرك"، خرج وضحّى بحياته ليطهّر "البلاد من هذا الوباء، ويمهد للجيل القادم بيئة العزة والكرامة والطهر" . الزوج الجبان يصبح جباناً على طريقة التراث الإسلامي فهو لا يعرف إلا الكلمات مثل شاعر الرسول حسان بن ثابت. ثم يأتي النظام لينتقص من رجولته لأنه ترك خطيبته تدخل الفرع وحدها بسبب حضورها لدروس دينية. ثم يتحول إلى بطل يضحي بنفسه من أجل عرضه وشرفه المرتبط بالمرأة وبحضورها للدروس الدينية. من سمات العصر أن الزوجة تخرج من بيتها، وهذا لم يكن ممكناً منذ مائة عام، ففي ذلك الزمن الخروج وحده كان سيكون عاراً، أما اليوم ومع قبول هذا الخروج لتعلم الدين فإنه يصبح حقاً تعيقه السلطة الجائرة.

أما العدو فهو مجموعة من الرجال في مواقف سلطوية جنسية مختلفة. إنهم طلاب الجامعة من أعوان النظام الذين "يريدون أن تبذلن أنوثتكن لعيونهم الجائعة"؛ وأستاذ الجامعة العضو العامل في الحزب الذي "يسخر من المحجبات" ويقول "الشريفة لا تتخفى خلف قطعة قماش"؛ وهو الأستاذ "الذي كان يمشي في أروقة الكلية يتفاخر بالصبايا اللواتي يحومون حوله، ومثلك ممن لا يروي رغباته المريضة كان نصيبهن التعسير في الامتحان والتقييم"؛ وضابط المخابرات التي يضرب سائق الباص ويهدد حبيبة الكاتب بأن يأخذها إلى فرع المخابرات كما "فعلوها في الستينات والسبعينات وخصوصا الثمانينات"؛ إنه المعسكر الجامعي التدريبي حيث "السهرات الماجنة التي يختلط فيها الحابل بالنابل، وتذوب الكرامة فيها حياءً أمام سقوط كل حدود الاحترام والآداب والحرمات"؛ وكل هذا قد يكون مؤامرة "خطِط لها بمهارة شيطانية، هم يريدون مجتمعاً الدعارة فيه مقبولة على أنها انطلاق وحرية"؛ إنه الجامعة التي "تربي الفتيات على العنتريات التحررية، والخروج عن الدين والتقاليد والصراع مع الرجل لأنه رمز المجتمعات الذكورية"؛ وهو كذلك الفرع الذي تذهب إليه حبيبته وحيدة لأنها حضرت دروس الدين عند مربية طاهرة. إنهم كل رجال النظام الذين "لا يعرفون معنى للشرف، ولا قيمة للطهر"، ويحقدون على العفيفات لأنها "عقيدة حزبهم" وينتهكون عرضهن ومعهن حبيبة الكاتب "بعيونهم وألسنتهم". العدو باختصار رجال النظام الذين يهينون شرف النساء العفيفات ويفعلون الموبقات ويريدون أن تكون "بلدنا حانة كبيرة ونساؤنا بغايا لهم".

أما الثورة فهي استجابة لدعاء الكاتب أمام فرع المخابرات الذي كانت تدخله حبيبته وحيدة "اللهم احفظ وسلم"، الدعاء الذي شكك بعضهم باستجابة الله له "ولكن ..من قال إن الدعاء لا يكفي!! هذه الملايين التي خرجت اليوم لتقول " لا " هي استجابة رب العزة لدعائنا، ولدعاء مئات الآلاف من المظلومين منذ أكثر من أربعين عاماً، لكن الاستجابة حصلت عندما نفذ المؤمنون" سنة الله في التغيير، اذ أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فيصبح المحتجون على الظلم بقوة قدر الله في التغيير". هذه الثورة مثل ابنه الصغير الذي أرادت أمه أن تسميه محمد "ومَن أقرب إلى القلوب من محمد"، لكن الكاتب سماه حمزة "ليكون له نفرة حمزة رضي الله عنه العزيزة يوم خرج والفاروق مع المسلمين إلى الحرم في بداية العهد المكي، مما يعتبر أول مظاهرة احتجاج على الظلم"، هذه هي المظاهرة الحقيقية وليس "كما يقول بعض المتفذلكين من أن التظاهر وسيلة مدنية علمانية". الثورة ليست وسيلة علمانية، بل هي إرادة الله وقدره واستجابته لدعاء المؤمنين الذي أعدوا العدة كما أوصاهم الإله، إنها استمرار لتراث إسلامي قديم ابتدأ بنفرة حمزة بن عبد المطلب، صاحِب أول مظاهرة احتجاج على الظلم.

هذه الوصية في عام 2011، والتي صاغت الثورة بصياغة إسلامية تراثية محورها العرض والشرف، حلت محلها وصية أكثر مباشرة عام 2014 تقدّم صياغة إسلاموية موجزة بشعارات سياسية دينية سياسية محورها تحكيم شرع الله والشهادة. في هذه الوصية يبدأ الكاتب بوصايا دنيوية وينتهي فجأة بقوله "والله ما خرجنا إلا لنصرة دين الإسلام وإعلان كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحكيم شرع الله على الأرض، نسأل الله أن يقبلنا من الشهداء والله على ما نقول شهيد"[4].

ويمكن أن نرى مثل هذه التحولات في الخطاب والقيم والنظرة إلى العالم بين بداية الثورة عام 2011 وبين أعوامها اللاحقة في فيديوهات العمليات العسكرية والاستشهادية، والأناشيد، ووصايا الاستشهاديين المصوّرة، وفيديوهات تشهّدات الجرحى على حافة الموت، والمرثيات والخطب الحماسية والرسائل الموجهة إلى إخوة المنهج وغيرها من الأدبيات المقروءة والمسموعة والمرئية.

إن إحدى أهم المفاهيم القيمية التي تحولت مع أسلمة الثورة هي مفهوم الهوية. تحدّد الهوية المجموعة الاجتماعية بأن ترسم صورة أعضاء المجموعة "نحن" وصورة من هم خارجها ولا ينتمون إليها "هم". هذه الصورة ليست فقط وصفية بل أيضاً قيمية. الهوية السنية التي نهتم بها ليست فقط وصفاً للمعارف التي يجب أن يحملها حامل الهوية، أي السني، بل هي أيضاً قيم تلوّن هذا الوصف بالتضاد مع هوية الآخرين، خاصةً الأعداء. كما ذكرنا سابقاً فإن الهوية السنية ليس نابعة من التدين الشعبي بل من التدين الملتزم والسياسي والجهادي. ومع تحوّل التدين الشعبي خلال عدة سنوات من الحرب نحو التدين الملتزم والسياسي وخاصة الجهادي أًصبحت الهوية السنية تعريفاً وقيمة يحملهما العديد من السوريين المسلمين السنة. حكم الأسد الأب قام على تحالف واسع بين حزب البعث وشرائح متعددة تعرّف نفسها كأقليات طائفية أو دينية أو كطبقات دنيا ريفية. إحدى هذه الشرائح رأت نفسها علوية، وأخريات رأت نفسها فلاحية ريفية مهمشة سواءً كانت علوية أو سنية. قد يكون الأسد ومخابراته طائفيين، لكن التحالف الذي قامت عليه الدولة وحتى النظام لم يكن طائفياً. أما نظام بشار الأسد فقد كان تحالفاً بين شرائح أضيق اكتسبت هويات محوّلة عن بعض الهويات القديمة. الهوية العلوية الريفية انقسمت إلى علوية نخبة النظام المدينية والشبيهة بالقومية (العلوية السياسية التي قال بها صادق العظم)، وعلوية عناصر المخابرات الريفية أو الساكنة في العشوائيات لكن لا تزال تربطها بأريافها الأصلية علاقة وثيقة عشائرية وثقافية واقتصادية. بالطبع، قد يكون هناك علويون لا يرون أنفسهم لامع هؤلاء ولا مع أولئك. والحليف الآخر حمل هوية علمانية يسارية متعالية بغض النظر عن أصوله، والتي قد تكون أقلوية طائفية عند البعض. والحليف الثالث حمل هوية سنية مدينية سمح لها النظام من خلال استثمار رؤوس أموالها في البلد بممارسة ثقافتها السنية المحافظة. الأهم هو أن تحالف النظام كان في مجمله يحمل هويات طائفية علوية ومسيحية وسنية. وتحت حكم بشار الأسد قوي نفوذ كثير من رجال الدين من مختلف الطوائف، واستخدمهم النظام كوسطاء بين طوائفهم (التي أصبحوا يمثلونها) وبين مركز السلطة المتمثل بالقوى الأمنية والنخبة الاقتصادية الناتجة عن إجراءات الخصخصة ورفع الدعم. ومع توسع المدن الكبرى مع ما حولها من عشوائيات وضواحٍ، وتوسع المدن الصغرى لتصبح مليونية بعد أن كانت ريفية قبل عشرين سنة، أصبحت غالبية السكان في سوريا تعيش في مدن. رافق هذا التحوّل انتشار لأنماط التدين المدينية فيما سبق أن كان أريافاً، وانتشار شبكات المشايخ ورجال الدين المتمركزين في المدن. تحمل هذه الشبكات كما ذكرنا التدين الملتزم والسياسي، وبعضها التدين الجهادي. ولا نهمل هنا الدور الكبير الذي لعبه الاغتراب في دول الخليج لحوالي ميلوني سوري قبل الثورة؛ هؤلاء أصبحوا طبقات وسطى مهنية بغض النظر عن أصولهم وخرجوا عن الإطار التقليدي لدولة الإعانات (أي الوظيفة الحكومية) وتشربوا الأفكار الإسلامية الملتزمة والجهادية والسلفية المنتشرة في الخليج؛ هذه الأفكار هي عبارة عن إسلام معولم يمكن حتى أن نميزه كنمط قائم بذاته من التدين الإسلامي السني. باختصار، في مواجهة تحالف النظام الطائفي، كان هناك انتشار واسع لشبكات تحمل أنماطاً جديدة من التدين، المديني الملتزم أو السلفي المغترب أو الجهادي العالمي.

عندما قامت الثورة شارك الناس تحت مظلة هوية المضطهَدين لأنها المظلة الوحيدة التي يمكن أن تجمعهم على اختلاف مناطقهم وهوياتهم المحلية. لكن القمع ضرب المحليات وشتتها وضرب الأحياء الفقيرة في المدن وحاصرها ودمرها. الثورة الشعبية السلمية انتهت عندما اختار النظام كحل لأزمته أضخم عملية تهجير في تاريخ المنطقة، ستة ملايين إنسان مهاجرين داخل سوريا وأربعة ملايين إنسان لاجئين في جميع أنحاء العالم. تزعزعت كل أنواع الهويات في سوريا، وظهرت هوية جديدة للمضطهَدين المهجرين واللاجئين، إنها هوية بالتضاد مع الهوية التي اختار النظام أن يظهر بها أمام مواطنيه ونعني الهوية الطائفية العلوية (نتحدث عن الصور والخطاب وليس بالضرورة عن الأشخاص). هوية التضاد هذه، أي السنية، شجعها المال الخليجي والتركي الذي اختار "دعم الثورة" بعد أشهر من بدئها، وفي الحقيقة بعد هزيمة الثورة السلمية الشعبية. الأنظمة الحاكمة في الخليج طائفية سنية سلفية بامتياز، والحزب الحاكم في تركيا إسلامي بامتياز. وهؤلاء دعموا المشابهين لهم من السوريين في مغامرة بناء إمبراطورية فشلت بعد عدة سنوات من الحرب الطاحنة. هذا بالإضافة إلى الجهاديين الذي تموّلهم شبكات عالمية (كثير من أعضائها أغنياء من الخليج) تؤكد على هوية سنية إقصائية عنيفة هي الجهادية السلفية العالمية. وكما أراد النظام وأراد داعمو المعارضة المسلحة، تحوّلت الحرب في سوريا إلى حرب أهلية طائفية.

هذه الهوية السنية التي بدأت تحت النظام الطائفي وتقوّت أثناء الحرب الطائفية تحمل (مثل الهوية الطائفية المقابلة) كماً لا يستهان به من القيم التي تؤثر في تصوّر الناس للتصرفات الممكنة والمحتملة والمتوقعة والمقبولة ولنتائج هذه التصرفات (أنظر حساب القيمة). نذكر من هذه القيم:

المظلومية: ليست المظلومية بالضرورة قيمة تحملها كل ضحية. الضحية تحسّ بالظلم عند وقوع الاعتداء لكن المظلومية إحساس دائم بالظلم لا يرتبط باعتداء معين وإنما بانتماء إلى فئة معينة. السني المظلوم قد يكون ضحية، لكن المظلومية السنية تجعل من كل سني ضحية سواءً تعرض لاعتداء أو لم يتعرض، إذ أن أي اعتداء على أي سني يصبح اعتداءً على كل سني. هذه المظلومية السنية لا تختلف عن مقابلاتها في تحالف النظام أي المظلومية العلوية والمظلومية المسيحية والمظلومية الشيعية. المظلومية فكرة نمطية عن الذات والآخرين، الذات فيها دائماً ضحية والآخر دائماً ظالم والعلاقة بينهما دائماً علاقة ظلم، وهذا ينطبق على كل أفراد الطائفة المظلومة وكل أفراج الطائفة الظالمة. إن المظلومية لا يمكن أن تنتِج إلا العنف لأنها تقتصر على دورين وحيدين، إما دور الضحية وإما دور الظالم.

التكفير والطهرانية: يمكن أن يكون الطرف الآخر مجرد معتد، وقد يكون نداً. قد نحتقره بسبب أذية ألحقها بنا لكننا لا ننفي عنه بالضرورة صفة الإنسانية. وما دمنا نعتبره إنساناً فمن الممكن تحصيل الحق منه عن طريق القانون. لكن التكفير، كما هي الخيانة والتخلف في قاموس النظام، تجرد الآخر من إنسانيته وتجعل قتله إمكانية وأحياناً ضرورة من أجل الحفاظ على طهارة عالمنا. ولا نقول أن التكفير والطهرانية من سمات السنية بشكل عام، حتى وإن احتوى التاريخ الإسلامي على أمثلة كثيرة على التكفير. في الحقيقة التكفير نشأ قديماً تحت دولة إمبراطورية استخدمته لمحاربة أعدائها من المتمردين والمنافسين على السلطة والإمبراطوريات المجاورة. وبقي التكفير أداة تستخدمها الدولة. وهي وإن استخدمها الرعاع فإنهم استخدموها دائماً في ظل دولة تسمح بها. لكن التكفير الذي تمارسه الجهادية العالمية خارج تماماً عن أية سلطة ويقوم به أفراد وجماعات مستقلة، وهذا ما يجعل هذا التكفير سلاحاً فتاكاً يقضي حتى على الذين يستخدمونه لأنه سلاح مطواع بأيدي أعدائهم كما هو مطواع بأيديهم. والجهاد مرتبط بالتكفير، وكما كان التكفير حكراً على الدولة كان الجهاد أيضاً حكراً عليها، وكما أصبح التكفير أداة بيد أفراد، أصبح الجهاد أداةً فرديةً يعلنه من يشاء وعلى توتير ودون كبير عناء. وكلاهما، التكفير والجهاد، أثرا على مؤسسة إسلامية قديمة هي مؤسسة الفتوى وجعلاها مبتذلة في أيدي أفراد يزعمون الأهلية.

الخطر الثقافي والديني: منذ السبعينات استخدمت الطليعة المقاتلة الإخوانية أداة التكفير لتجييش الناس من أجل محاربة حاكم ظالم. لكن هذه الجماعة لم تستخدم هذا المصطلح السياسي وإنما استخدمت مصطلحاً طائفياً "حاكم علوي"، وزعمت أن وجوده كعلوي في سدة الحكم غير شرعي بغض النظر عن ظلمه. كما زعمت بأنه يقود حملة ثقافية دينية تهدف إلى تشييع البلاد السنية، أي التي هم أصحابها على حد زعمهم. هذا الخطر الثقافي الديني الداهم، لا يقتصر على الطليعة والإخوان بل يشمل الأنظمة الحاكمة في الخليج، التي تحارب معارضيها الذين ينتمي كثيرون منهم إلى الأقلية (أو الأكثرية في حالة البحرين) الشيعية. وزاد في الطين بلة أن هذه الأنظمة قضت على معارضاتها الأخرى العلمانية مثل القومية العربية واليسارية وتفرغت لمعارضيها الشيعة الذين كان كثير منهم يحمل أيديولوجيات أخرى، مما دفعهم لحمل لواء المظلومية الشيعية. هذه المظلومية أساسية في التدين الشيعي، وأكثر أهمية في التدين السياسي الإيراني الذي تولى الحكم بعد الثورة الإيرانية في 1979. هذه الحكم الطائفي بامتياز (يشبه كثيراً الأفكار الإخوانية) شجع الأقليات المعارِضة في الخليج على حمل لواء المظلومية الدينية. واليوم يتدخل النظام الإيراني الطائفي في العراق واليمن وسوريا والبحرين مما يعزز الرواية الإخوانية والرواية الخليجية عن حملة التشيع. الحقيقة أن هذه الحملة موجودة في عقول النظام الإيراني وعقول الطليعة الإخوانية وعقول أنظمة الخليج فقط. ليس هناك أي دليل ملموس على نجاح، أو وجود، مثل هذا المشروع في سوريا. نعم هناك وجود إيراني، لكن ليس هناك خطر تشيع وتغيير سكاني أدى إلى الثورة السورية ويحاول الجهاديون إزالته لأنه خطر وجودي على الهوية السنية.

هذه القيم التي ذكرناها كفيلة بأن تجعل أي مشروع تعايش يبدو مستحيلاً، وأي حل للأزمة يبدو مستحيلاً، إلا بالقضاء على الآخر المجرم الكافر بكليته من أجل إنقاذ الذات الطاهرة بكليتها.

أسلمة الفضاء السلوكي - النص الاجتماعي

عندما يقف الإنسان أمام محرّضات مثل الظلم والقهر والحرب، فإنه يستدعي كل الأيديولوجيات والسلوكيات التي يمكنها أن تحافظ على وجوده، أو أنه يعتقد أنها تفعل ذلك. وهنا يواجهنا مفهوم شديد الأهمية صادفناه عند مناقشة النماذج المعرفية لاتخاذ القرار، ونعني سيناريوهات السلوك المحفوظة في الذاكرة. نطلق على هذا النمط من سيناريوهات السلوك اسم النص الاجتماعي (social script). وهذا النص (أو السيناريو) هو مجموعة من التصرفات المتتالية المترابطة والتي يقوم بها الفرد في موقف معين. وكما يلتزم الممثلون في فيلم ما بنص الفيلم أو المسرحية، فإن الأفراد في مسرحية اجتماعية ما يلتزمون بنصها الاجتماعي المعروف مسبقاً. عندما يحضر المرء عزاءاً فإنه سيلتزم بنص اجتماعي معروف. يمكن تصوّر مواقف كثيرة في الحياة الاجتماعية لا يحتاج المرء أمامها إلا إلى استحضار نصوص اجتماعية جاهزة. وعندما تصبح معظم النصوص الاجتماعية المطروحة على الإنسان ذات صبغة إسلاموية فإننا نتحدث عن أسلمة الفضاء السلوكي. ذهن الإنسان يحتفظ بكثير من السيناريوهات الممكنة للتصرف، لكن الدعاية وطغيان أيديولوجية معينة يعطي السيناريوهات المناسبة لها أولية على السيناريوهات الأخرى (priming).

في بداية الثورة عندما كان النظام يسرّب فيديوهات جنوده يعذبون أهالي قرية البيضاء السنية قرب بانياس، ويدوسون القرآن، ويهدمون المآذن، ويقصفون المساجد، ويهزؤون بشعائر المؤمنين السنة، فإن هذه المشاهد كانت تدفع إلى مقدمة أفكار المعارضين سلوكيات مشابهة في العنف ومعاكِسة في الهدف. فكما أوحت الفيديوهات بأن المعتدي علوي والمعتدى عليه سني، تصبح أولى السلوكيات القافزة إلى ذهن المشاهد الذي يتماهى مع الضحية هي سلوكيات عنف ضد المعتدين العلويين. في الحقيقة فإن معظم السلوكيات التي رأيناها عند المعارضين المسلحين تشبه تماماً سلوكيات النظام، ونعني اعتقال المعارضين وتعذيبهم واغتيالهم، وإنشاء خلايا اغتيالات وفروع أمنية، وإعطاء احتكارات وإنشاء شبكات محسوبية. الذي تعلمه الأطفال سواءً من النظام أو من مجتمعهم يعيدونه وهم كبار.

هناك أمثلة أخرى على النصوص الاجتماعية الإسلاموية التي تشجع العنف، سواءً في حالة الحرب أم خارجها، ونعني الجهاد، العملية الاستشهادية، إقامة الحد، والحسبة (أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). وسنناقش بالتفصيل في القسم التالي أحدها وهو النص الاجتماعي الاستشهادي. وهناك نصوص اجتماعية أخرى مقاتلة أو سياسية تدور حول شخصيات بطولية إسلامية تمثل مثلاً عليا (archetypes) يتم استحضارها من التراث (وأحياناً من التاريخ غير البعيد) وإعادة صياغتها لتوافق معطيات العصر والأيديولوجية الإسلاموية، وذلك من أجل تحفيز سلوكيات معينة تتمحور حول مفهوم التضحية بالذات وعدم المهادنة والقسوة على الأعداء، وإقامة العدل (حسب مفهومهم). يستحضر الجهاديون في سوريا هذه الشخصيات البطولية بأفعالهم بالإضافة إلى لباسهم ولحاهم ولغتهم الفصحى وأسمائهم الحركية وخطبهم وفيديوهاتهم، فكأنهم ممثلون في مسرحية. ونذكر منها (بالإضافة إلى المثل العليا التي أصبحت تجسدها في البانثيون القيمي الإسلامي) شخصية خالد بن الوليد (المجاهد الأزلي)، القعقاع بن عمرو التميمي (المجاهد الذي يقاتل المرتدين)، عمر بن الخطاب (الحاكم العادل الشديد)، أحمد بن حنبل (المعارض الصادح بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم)، صدام حسين (الحاكم السني الشجاع، ضحية الشيعة)، ابن تيمية (السلفي المتمسك بدينه كالقابض على الجمر)، صلاح الدين الأيوبي (القائد المحارب الذي وحد المسلمين وهزم الغرب الصليبي)، أبو ذر الغفاري (المعارض المجاهد المسافر الغريب الذي نبذه مجتمعه لنقائه ووقفته مع المظلومين)، ونور الدين بن زنكي (القائد المجاهد موحد المسلمين ضد الشيعة والصليبيين).

العنف الديني[5]

العنف نص إجتماعي تشكلّه البيئة والثقافة، ويختاره الفرد أو الجماعة حسب الحالة والاستعدادات والمحرّضات. فإذا أخذنا التدين كأحد أهم الأيديولوجيات التي تكوّن وتقولب الثقافة المجتمعية، فكيف يمكن فهم دوره في الوصول إلى العنف أحياناً؟ وننوه هنا إلى أن العنف ليس الحالة الطبيعية واليومية للتدين وإنما هو حالة متطرفة ونادرة إحصائياً، وأننا هنا نحاول تحليل التطرف في فهم الدين وما قد يؤدي إليه من عنف. ونعود هنا إلى التفريق بين الدين والتدين، أي الأشكال الاجتماعية لفهم وتطبيق الدين. إن هناك عاملاً مهماً يعود إليه النفسيون الاجتماعيون مراراً وتكراراً لتفسير العنف الديني، وهو العلاقة بين العنف والإحساس بالعار والمذلة. وقد ميّزت الدراسات عدة سيناريوهات قد يساهم فيها التدين، مثل كثير من الأيديولوجيات، في توليد وترسيخ الإحساس بالعار والمذلة وبالتالي اللجوء إلى العنف: تشويه إدراك الذات والآخرين: قد يؤكد التدين المتطرف أحياناً على حقارة النفس البشرية وصَغارها أمام المعيار الديني المثالي، وعلى احتقار الجسد البشري والغرائز البشرية. قد يُترجم هذا الإحساس إلى إهانة الذات وتبشيعها وتدنسيها؛ أو قد يُترجم إلى شيطنة الآخرين وتجريدهم من الإنسانية، مما قد يستدعي أحياناً فنتازيا عدائية تطهيرية. مضاعفة المشاعر العدائية: تشير الأبحاث أن هناك ارتباط عند المتطرفين دينياً بين تصوّر غاضِب ومعاقِب للإله مبالغ فيه من جهة، وبين القلق والاكتئاب واعتبار أن التحكم بتصرفات الفرد خارج عن إرادته ويخضع لإرادة الإله فقط. في هذه الحالة لا بد للمؤمن القلق والمتوتر من أن يعترف بالخطيئة ويحس بالذنب وانعدام القيمة، وأن يكفّر عن خطيئته من خلال أعمال عنف وتضحيات دموية. نظرة عدائية إلى العالم: قد يرسم التدين المتطرف رؤية قيامية ترى العالم كصراع وجودي كوني بين قوى الشر وقوى الخير، وتحتاج فيه قوى الخير إلى تطهير العالم من قوى الشر؛ هذا التطهير غالباً ما يكون بالدم عبر حروب وأعمال عنف. في هذه النظرة يصبح العالم مدنساً ومنزوع القداسة ولا بد من تطهيره لتعود إليه القداسة، أي لا بد من تقديم الأضاحي الدموية. تبرير العنف: كلما زاد إحساس الإنسان بالعار والمذلة كلما زادت حاجته إلى ممارسة العداء والعنف وكلما بحث عن قنوات مقبولة إجتماعياً لتفريغ هذه الحاجة إلى العنف. التطرف الديني قد يوفّر مثل هذه القنوات كالتكفير، وإهدار الدم، وحملات التطهير الطائفية، وإنكار إنسانية الآخرين، والأحكام المسبقة.

العنف في الارثوذكسية الإسلامية

كل أيديولوجيا شاملة تطمح إلى التحكم بحياة المجتمع بجميع نواحيها تفترض وجود حالات يتحول فيها العنف من تصرف مكروه إلى تصرف مقبول، وأحياناً ضروري. القانون مثلاً يعتبر القتل جريمة، إلا إذا مارسته الدولة من أجل القصاص أو مارسه الأفراد في حالة الحرب. وقتل النفس محرّم عند كل المجتمعات إلا في حالات التضحية من أجل الجماعة، فإنه يصبح موضوع تبجيل. ولا يشذ الإسلام في أدبياته المعيارية المتعارف عليها عن هذه القاعدة. فما هي الحالات التي يقبل فيها الإسلام بممارسة العنف؟ الشريعة الإسلامية كأي قانون يحكم حياة المجتمع يعتبر العنف ضرورة أحياناً، كما في القصاص من قاتل النفس (العين بالعين والسن بالسن)، وحد الحرابة، وحد الردة، وحد شاتم الرسول، والجهاد ضد المعتدي، والجهاد لنشر الدين، ومحاربة الخارج على الحاكم، والاستشهاد أثناء الجهاد. تضبط كل هذه الحالات قواعد ناقشها الفقهاء لقرون. لكن ليس للإسلام سلطة قاهرة واحدة تضبط تفسير الشريعة. وفي العصر الحديث خرجت وظيفة الإفتاء من أيدي علماء الدولة إلى أيدي أفراد يعتقدون أنهم أكثر تأهيلاً وأعمق رؤية وأقرب إلى الله من الآخرين، مما يبيح لهم إصدار قوانين خاصة بهم يعتقدون أن الله خولهم بتنفيذها. فلننظر في بعض هذه الحالات التي تشرّع العنف أو تعظمه وتعتبره مقبولاً وظهورها في الثورة السورية. العنف والتدين الشعبي[6]

قد ينجح بعض المحرضين بإقناع الغوغاء بإحدى مبررات الرد العنفي المذكورة أعلاه، أي أن يأخذوا القانون (الشريعة) بأيديهم ليصبحوا المدّعي والقاضي والجلاد. لا أحد يجرؤ مثلاً على شتم الرسول في السوق، وأحياناً على الإفطار علانية في رمضان. لا ندّعي أن الحرية يجب أن تشمل هذين الفعلين، لكننا نذكر هنا حالة قد يتم فيها استخدام العنف بدافع من التدين الشعبي. هل كان للتدين الشعبي دور في تحوّل الثورة السورية إلى العنف؟ في الحقيقة لم يكن الناس بحاجة إلى تبريرات دينية معقدة ليردوا على عنف النظام بعنف مضاد. لكن يمكن القول بأن مفهوم الشهادة المنتشر عند الناس لعب دوراً في قولبة التضحية بالنفس ثم في قولبة اللجوء إلى الثورة المسلحة. في هذه الحالة يصبح موت الإنسان شاهداً على صدق إيمانه وبرهاناً على العلو الأخلاقي لقضيته. التضحية بالنفس تنتقل من خانة الإنتحار المحرّم إلى خانة الفعل النبيل الذي يرضى به الإله ويثيب عليه (الشهيد حبيب الله).

العنف والتدين الملتزم والسياسي

في حالتي التدين الملتزم والسياسي يمكن تبرير التضحية بالنفس أثناء الجهاد من خلال عدد كبير من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية. تتحوّل التضحية هنا من عمل شعوري إلى عمل عقلاني مبرر. وكذلك الحال بالنسبة للجهاد. لكن من أجل تبرير التضحية والجهاد لا بد من تفسير وضع المسلمين الحالي بطريقة تجعله مماثلاً لأوضاع معروفة من القرآن والسيرة تستوجب الجهاد بالقياس. إن الخروج على الحاكم الظالم ليس بالأمر اليسير حتى في الشريعة الإسلامية، وقد رأينا التجاذب الذي حصل بين البوطي ومخالفيه من الثائرين من أجل تبرير الثورة. وهناك أدبيات جاهزة عند التدين الإسلامي السياسي خاصة تصوّر المجتمع والدولة على أنهما في حالة من الجاهلية بحيث يصبح الخروج على الحاكم وإجبارالمجتمع على العنف ضرورة وواجباً تقوم به النخبة القائدة (أفكار سيد قطب مثلاً) من أجل التطهير والتقويم. هذه التبريرات تركز على وقوع المسلم المعاصر في الخطيئة بسكوته على الحاكم الجائر، وتمنح النخبة حق إيقاظه ولو بالقوة. الحكم النصيري الكافر، حكم الرافضة والمجوس، العهر السياسي، حكم العلمانية، تدنيس أرض الشام الطاهرة أرض المحشر، كلها تبريرات قدمها المحرضون على أسلمة الفعل الثوري وتحويله إلى فعل عنيف مسلح. لا بل أصبح الموت/الشهادة نبأ سعيداً يزفه الأهل لبقية المجتمع أو يزفه المقاتلون لأهل الشهيد.

العنف والتدين الجهادي

هناك فعل عنفي متطرف اختص به التدين الجهادي، ونعني به التفجير الاستشهادي بقيادة سيارة مفخخة أو ربط الأحزمة الناسفة. إن العزلة الاجتماعية التي يسوّر بها التدين الجهادي أفراده تجعل من العنف أسلوباً في الحياة وليس فقط خياراً في جعبة من الخيارات الأخرى.[7] المجتمع بأسره يصبح موبوءاً، مدنساً، كافر لا بد من التبرؤ منه وهجره ومن ثم تطهيره بالدماء والنار. عملية التطهير تأخذ طابعاً مسرحياً استعراضيا، فانتازيا جماعية،[8] يشترك فيها الجهاديون بدور المعلم المنبه، والأب الزاجر، والشرطي المقوّم، والقاضي المستقيم، والجلاد المؤزر بالرضا الإلهي. إقامة الحد تصبح استعراضاً لزجر المجتمع وترهيبه وكذلك لإظهار تديّن الجهادي وتمسكه بالحق؛ والعملية الاستشهادية تصبح تقمصاً لبطولات قديمة وبرهاناً على صدق الإيمان وصدق الوعد وشهادةً على القدرة الإلهية وتطهيراً بالنار والدم وصرخةً عالية تعبر عن قوة المشاعر الداخلية الجياشة. إن أي من فيديوهات الجهاديين في سوريا يُظهر تماماً عناصر هذه الدراما: اللباس يستعيد ذاكرة متخيّلة للسلف الصالح (رغم أن هذا السلف لم يكن يعرف البدلة الأفغانية)؛ الشعر الطويل واللحية الشعثاء والشارب المحفوف ليست فقط تنفيذاً لوصايا نبوية وإنما أيضاً رغبة بتمييز النفس عن الآخرين الكفار وكذلك تبشيعها وتحقيرها وجلدها كعنوان على التوبة عن الخطيئة (هناك أحاديث أخرى تحضّ على اللباس الحسن والتطيب وحسن المظهر، لكنهم لا يأبهون بها)؛ حمل السيف أو السكين تشبهاً بعمر بن الخطاب ودرته التي كان ينهر بها الناس (الرسول نفسه لم يفعل ما فعله عمر، رغم ذلك فعمر رمز العدالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)؛ الكلام بالفصحى والتصنع بنطق الأحرف المفخمة والمرققة للدلالة على معارفهم التجويدية (في الحقيقة فإن لفظهم يشبه اللهجة السعودية النجدية أكثر من لفظ مزعوم للغة قديمة، كما أن كلامهم مليء بالعبارة المحفوظة عن ظهر قلب وليس هو بالكلام العفوي الناتج عن لغة أم)؛ الأسماء الحركية التي توحي بتماهي مع السلف الصالح وخاصة المجاهدين منهم الذين حاربوا في حروب الردة أو في الفتوحات (لا أحد يريد أن يكون من الصحابة الهامشيين الذين تملأ أسماؤهم الكتب)؛ تعظيم العزلة الاجتماعية عملاً بالحديث "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء" (وهذه نظرة قيامية تتنبأ بعودة الجاهلية وبروز صراع كوني بين الكفر والإيمان، مما يجعل المجاهدين يلعبون دوراً مشابهاً لدور الرسول في محاربة الجاهلية)؛ الأمر والنهي وتهديد الناس بالكاتم والذبح وجلدهم وجز رؤوسهم (سلطة الحياة والموت) تقليداً لصورة متسلطة دموية لرسول الإسلام يقتل أسرى بني قريظة ويغتال الشعراء الذين هجوه ويرجم الزانية ويقطع يد السارق (السيرة مليئة بتصورات أخرى عن الرسول مليئة بالرقة والتسامح، لكنها لا تخدم قضيتهم)؛ الإيمان بثبات لفظ ومعنى النص الديني (القرآن والسنة الصحيحة) وما يتبعه من نصوص اجتماعية؛ فالمسرحية هي نفسها باعتقادهم منذ أيام الرسول إلى يومنا هذا لم تتغير، وهي مسرحية كاملة تشمل كل نواحي الحياة بحيث يتطابق حديث الرسول مع حياته ويشملها.[9] التحدّث بالآيات (لكل حدث آية يستشهدون بها) وكأن القرآن يتحدث معهم مباشرة دور وساطة الرسول؛ إنهم لا يعترفون بأسباب النزول أو بمقاصد القرآن، ويجتزؤون الآيات حسب حاجاتهم وكأنهم يملكون النص (الجهد التفسيري لأجيال من المسلمين يذهب هباءً وكأنه كان مجرد انحراف تم تصحيحه). إن انتشار الفكر الجهادي في سوريا يعبر عن حاجة جمعية للعيش في فانتازيا. هذه الحاجة تأتي من التناقض بين الآمال والرغبات الجمعية وبين ما يفرضه الواقع القاسي. إن الجماعة ترفض أن ترى نفسها كما يراها الآخرون المعتدون فتمارس رغباتها في عالم خرافي مليء بأمجاد الأجداد المتخيلة، إنه الإسقاط العكسي لعجز الذات. عظمة الرومان خرافة آمنت بها الفاشية الإيطالية، وتفوّق العرق الآري خرافة آمنت بها النازية الألمانية لتجييش الناس والخروج من محنها. كل المجتمعات بحاجة إلى خرافة، وتكبر كلما كبرت الطموح واتسعت الهوة بين الآمال والحقيقة. لكن الانطلاق من الواقع هو وحده ما يضمن الحل.

الهوامش:

[1] I. Ajzen, “The Social Psychology of Decision Making”. [2] اغتيل هادي الجندي في حمص في 8 تموز 2011 وألقي القبض على غياث مطر ثم سلِمت جثته لأهله في 10 أيلول 2011. [3] كاتب مجهول، "وصية شهيد (متظاهر سلمي سابقاً في سوريا)". على موقع د. بشر محمد موفق لطفي (دكتور في الإقتصاد الإسلامي، سوري الجنسية حسب السيرة الذاتية، مقيم في البحرين)، بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني، 2011. تنويه تحت العنوان (أوراق تركها شهيد لزوجته قبل أن يقتل في مظاهرة احتجاج في سورية الحبيبة). (آخر دخول 8 نيسان 2017) انظر الرابط.. [4] كاتب مجهول. " وصية شهيد من ريف حلب وُجدت في جيب سترته." موقع زمان الوصل، 13 نيسان 2014، (آخر دخول 8 نيسان 2017) انظر الرابط. [5] James Jones, “Why Does Religion Turn Violent?” [6] Part II of Richard Koenigsberg's paper “Death as Proof of Devotion” [7] Hafez, “From Marginalization to Massacres.” [8] Lee Harris, “Al Qaeda's Fantasy Ideology.” [9] Adis Duderija, “Neo-Traditional Salafi Qur’an-Sunna Hermeneutics”

22 شباط 2018، مبادرة مصالحة وطنية (إعادة نشر)

افكار من 2011

مبادرة مصالحة وطنية

23 شباط 2018، المساواة بين الفصائل والنظام

المقولة الاولى، هل يمكن المساواة بين الفصائل والنظام في الجريمة، وهل هذه المساواة هي مساواة بين الضحية والجلاد. من منظوري فان الجواب هو نعم، انهما سواء في جريمة قتل المدنيين. ومن منظوري، فإن صفة الضحية لا تنطبق على الفصائل، وبالتالي فانا لا اساوي بين الضحية والجلاد. الضحية الوحيدة هنا هي المدني الذي يعيش في منطقة محاصرة ويعيش تحت القصف ويموت دون ان يكون له رأي في القتال او الصمود او الاستسلام او اي خيار اخر. التمييز الاول هو تمييز زمني، ضحية الامس ليس بالضرورة ضحية في كل زمان ومكان. محاكمة الجريمة في محكمة عادلة تفترض ووقوف الزمن وانتهاء الحدث وتتعامل مع الجريمة واشخاصها واحداثها في الماضي. اي ان ضحية الامس يبقى ضحية في تلك الجريمة فقط. وهذه الضحية يمكن ان تكون مجرمة في موقع اخر وزمان اخر وحيثيات اخرى. ان مغالطة ايديولوجية المظلومية هي انها تعتبر الضحية صفة ابدية لا تتغير وحتى تورث الى الابناء وتعتبر الاجرام ابديا ويمكن توريثه الى الابناء. ومن هذا المنطلق يمكن المطالبة بثارات الحسين واحقية علي بالخلافة واعتبار كل اليهود قتلة المسيح واعتبار كل العلويين ضحايا او اعتبار كل السنيين ضحايا. اذن حتى المُعتقل الذي تعرض للتعذيب وخرج وحمل السلاح وشارك في المعارك لا يستطيع ان يعتبر نفسه ضحية في كل زمان ومكان ولجرائم غير التي وقعت عليه، ولا يعصمه كونه كان ضحية في مكان ما لجرم ما من ان يكون مجرما في مكان اخر وزمن اخر وظروف اخرى. هذا من حيث المبدا العام، الضحية يمكن ان يكون مجرما مع اختلاف الزمان والمكان والسياق وبالطبع الجريمة. اذن لنفترض ان لدينا مقاتل في فصيل ما، إن حكمه وهو يحمل السلاح لا يتعلق بماضيه. ويمكن ان نحكم على افعاله من منطلق افعاله فقط وليس من منطلق ماضيه. وكذلك الحال بالنسبة لمن اذاه بجريمة. طبعا الجريمة القديمة تبقى والباب مفتوح دائما لبت الحكم فيها وهذا لا ينفي امكانية جرائم جديدة من الطرفين وحتى تبادل المواقع، اي من ضحية الى مجرم او العكس. هذا المقاتل المسلح الواقف ضد مرتكب الجرم بحقه سابقا ليس ضحية في هذا السياق الجديد. طبعا يمكن ان نحاجج في قضية ما اذا كان حمله للسلاح مشروعا ام لا، وايضا في قضية مشروعية حمله للسلاح من اجل محاكمة المجرم على جريمته السابقة. هذا المسلح، وحال حمله للسلاح، يصبح على قدم المساواة مع عدوه. ليس المساواة في المشروعية ولكن المساواة في امكانية الفعل وفي امكانية اقترافه لجريمة من خلال حمله للسلاح. لا ضحية في معركة بين مقاتل ومقاتل. الواحد منهما قد يقتل الاخر ولن يكون بذلك مجرما. طبعا المشاركون في الحروب يعتبرون دائما انفسهم ضحايا لا حول لهم ولا قوة وهم لا يفعلون الا احقاق الحق ومعاقبة المجرم، طبعا لا تحارب الضحية السابقة المجرم السابق بل تحارب جنوده، والاعم هو ان جنود الضحية السابقة يحاربون جنود المجرم السابق، وكأن صفة الضحية تعممت وصفة المجرم تعممت، وهذا ما يسمح بشرعنة القتل العشوائي في الحرب. المجتمعات تعاقب على القتل زمن السلم ولا تعاقب على القتل في المعركة. الحقيقة هي ان الحرب تمحي الخصوصية، الكل يصبح ضحية او مجرما حسب المنظور. يجب ان نفهم معنى حمل السلاح والانخراط في حرب. الحرب تختلف تماما عن الجريمة في زمن السلم، هذا بين المقاتلين. المسلح استقوى بالسلاح وبالتالي لا يمكن ان يكون ضحية للمقاتل الاخر بالاطلاق، وانما هو ضحية او مجرم نسبيا وحسب المنظور. السيدة الكردية التي قالوا ان المقاتلين السوريين من طرف تركيا مثلوا بها، لا جرم لهم في القتل فهي كانت مسلحة ولكن لهم جرم بالتمثيل لان الجسد عاجز عن الدفاع عن حرمته. اما بالنسبة للمدني غير المسلح فهو غالبا في موقع الضحية، إما المحتملة او المحققة. المدني الذي لا يحمل السلاح ولا يستطيع رد الاذى عن نفسه هو ضحية اذا اصابه الاذى النفسي او الجسدي او المادي. من يحمل وزر الجرم اذا تعرض المدني للاذى. هذا بالضبط مربط الفرس في مقولتي اعلاه. من آذى المدني، ومن هو المجرم؟ أهو صاحب الرصاصة التي قتلته ام رامي القنبلة التي فجرت بيته، ام اي انسان شارك في بدء المعركة التي ادت الى مقتله. اذا قارنا حالته بحالة الضحية زمن السلم فان قاتله هو صاحب الرصاصة، وهذه جريمة قتل عمد اذا تقصّده مُطلق الرصاصة، وجريمة قتل غير متعمد اذا كان اطلاق الرصاص عشوائياً، وجريمة قتل من الدرجة الثانية لكل من شارك في اثارة الحدث الذى ادى الى مقتل المدني، اي من امر الجندي باطلاق النار ومن خطط للمعركة ومن اثار المعتدي ومن شارك في تطويل زمن المعركة. وفي القانون الامريكي فانه من الممكن مقاضاة صانع البندقية وصانع الرصاصة لانه لولا السلاح الذي صنعاه لما وقعت الجريمة. قد يعترض البعض بان يقولوا، هذه مثالية، والحروب دائما تحصد الضحايا من المقاتلين والمدنيين، متى قاضت البشرية في اي عصر من عصورها من شارك في الحروب. في الحقيقة، المنتصر دائما يفرض وجهة نظره وتعريفه للمجرم والضحية والذي اثبتنا نسبيته، لا بل يحاكم المهزومين ويعاقبهم جماعات وافرادا، في المحاكم وفي كتب التاريخ. فهل ننتظر لنرى من المنتصر حتى نعرف من المجرم في قتل المدني. هذا ممكن، لا بل هذا ما سيحدث. اما من ناحية المنطق وبالقياس مع حالة السلم فان كل مشترك في الحرب مشترك في الجريمة، بشكل مباشر او غير مباشر. اما المنطلقات المنظوماتية التي طالبني الاخ حسام الدين درويش باستخدامها في حجتي، فهي واضحة في تفريقي بين حالتي الحرب والسلم، وفي محاججتي ان التعريفات والادانات نسبية، حسب المنظور والموقع في المنظومة، منظومة الدولة والمجتمع في السلم، ومنظومة الجيش والفصائل في الحرب. ولن اكتفي بهذا بل ساتوسع لاحاجج بان الفصائل تشترك مع النظام في اثارة المعارك دون اية اعتبارات لحياة المدنيين. اولا الحصار لا يعني بالضرورة ان النظام في موقع الاقوى والفصائل المحاصرة في موقع الاضعف. مثل هذا التفاضل قد يكون مدخلا لجولة اخرى في تعريف الضحية والمجرم. الحصار يمنع الاكل والشرب والماوى الآمن عن المدني مما يجعله ضعيفا مضاعفا. اما المقاتل فلا ينطبق عليه هذا. المقاتل يحصل على ما يحتاج اليه من مال واكل ولبس وعناية طبية وسلاح رغم الحصار.اسالوا عن الانفاق وأصحابها واسالوا عن الحواجز وأصحابها. ومن لا يعرف فلا عذر له. احتياجات المقاتلين تدخل عن طريق النفق والحاجز بمعرفة اصحاب النفق والحاجز وبالمحاصصة بينهما. المال الذي ترسله اخي المتبرع الصادق النية يذهب قسم معتبر منه اجرة لصاحب النفق، هؤلاء بعضهم من الفصائل، وقسم اخر للحاجز. والانكى من ذلك ان الفصائل تقتطع حصتها اولا وتبيع الباقي للمدنيين باسعار باهظة تذهب في الجيوب او في شراء اسلحة اخرى وتخزينها. اما نصيب الحاجز فيذهب الى الجندي والضابط والشبيح ليتابع القتال والى الراس الكبير ليشترى المزيد من السلاح ويتابع المعركة. نعم اموالك اخي المتبرع يذهب بعضها الى جيب النظام الذي تعتقد انك تحاربه. وفي المحصلة الفصائل تقتني السلاح والاكل لتتابع المعركة وكذلك يفعل النظام. فاذا كان محرّض القتال اشد إيغالاً في الجرم من المقاتل الذي فُرضت عليه المعركة، فان الفصائل على اقل تقدير شريكة في استمرار الحرب والقتل. يمكن ان نتحدث ايضا عن حصافة الاحتماء بالاماكن السكنية، وعن تجويع المدنيين، وعن رفضهم التفاوض او الخروج وفي هذا اوجه. كما يمكن ان نتحدث عن جدوى المعركة وامكانية النصر وعن سوء التخطيط والتعنت الايديولوجي ووضعه فوق حياة المدنيبن. واذكر هنا ان الفصائل لا تستشير المدنيين فيما اذا كانوا راضين عن قراراتهم، لا بل يتهمونهم بالخيانة والتعاون مع النظام. وهناك ظروف خاصة بالغوطة، واعني ان كونها جيب محاصر يعرّضها دائما لاحتمال معركة جديدة. والجيوب السابقة قد تم محوها مثل حلب وحمص، والجيوب الحالية تتعرض للقصف المنتظم، ونعرف ان امربكا وروسيا وتركيا وايران متفقون على محو هذه الجيوب. في ظل هذه المعلومات، تكون الفصائل على معرفة سابقة بالمجزرة القادمة، فلا هي تتفاداها ولا هي تسمح للمدنيين بالرحيل. ولا اميز هنا بين النظام والفصائل فهما طرفان في المعركة وبتخذان قرارات متشابهة. انهما شركاء في قتل المدني. هذا لا يعفي النظام من جرائمه السابقة ولا يهدر حق الضحية السابقة. انها جربمة مختلفة التي نتحدث عنها. ولذلك اتخذت من الحياة قيمة اخلاقية عليا فوق غيرها، لانه بانعدامها لا ينفع الحديث عن غيرها. عندما يستوي الطرفان ويموت المدني فقط لا يمكن الحديث عن اخلاق اخرى لا تاخذ المعركة بعين الاعتبار.

Oussama Al-chami هذا هو الظلم بعينه. تنظير وتجريد بقضية زمانية مكانية محددة.

Ahmad Nazir Atassi هذا هو دفن الراس في التراب بعينه. ائت بحجتك.

Oussama Al-chami حجتي أوضح من الوضوح. عندما نفصل في قضية اعتداء انتهى بجريمة قتل. فيجب إن نأخذ بيعين الاعتبار، الأسباب، والبادئ ثم مراحل الشجار. وحتى نهاية الشجار، لا يسقط إطلاقا من البادئ بالشجار والمقدمات. في نصف الشجار. ستجد متقاتلان يحمل كل منهما سلاحا ليقتل الآخر. ليسا متساوين في قانون الأرض والسماء. أليس كذلك. هذا فقط لنستطيع معرفة ما يجري. هل أحدهم يمكن أن يصبح حكيما ويحول المعركة آلى نضال سلمي. ممكن ليس مع نظام لا أخلاق فيه حتى لانصاره. لذلك التنظير و التجريد، في قضايا زمانية مكانية، كما اسلفت أعلاه هو الظلم بعينه. هل وصلت الفكره؟

Ahmad Nazir Atassi كيف حجتك اوضح من الوضوح وانت تعتبر حربا دامت سبع سنوات وكانها شجار واحد. هذا الاختزال هو ما احاول الابتعاد عنه. حرب تختزل في شجار، فصائل متعددة ومتغيرة تختزل في ضحية واحدة ابدية، وجيش ومؤسسات تختزل في مجرم واحد ابدي. هل رايت المجندين حين يقعون في الاسر، معظمهم شباب سنة مسحوبين على الجيش ويطيعون الاوامر. واذا دخلنا في جدال من بدا فهل نتجادل فيمن بدا اول رصاصة او فيمن بدا حسب الزمان والمكان. ثم هل انا اثبتت ان النظام غير مجرم، انا اثبتت ان الفصائل مشتركة في الجريمة ويمكن ان نناقش كل حالة على حدة. المتقاتلان ليسا متساويين في قانون الارض والسماء. هل ينطبق هذا على اية حرب في التاريخ ام في ذهنك حروب معينة، ام انك لا تفرق بين الحرب والشجار. في حرب الثمانينات، من كان المجرم ومن كان الضحية، ام تريد ان ناخذ كل معركة على حدة هذه المرة. وفي الفتوحات الاسلامية من كان المجرم ومن كان الضحية. وفي حرب الخليج بين العراق وايران من كان المجرم ومن كان الضحية، وفي حرب الكويت، وفي حرب امريكا في العراق، وفي هجمات الحادي عشر من ايلول، وفي احداث 1860 في دمشق. هل كانت السماء اوضح من الارض في تلك الحروب، او كان الحلال بين والحرام بين في تلك الشجارات. نعم النظام لا اخلاقي، هذا لا جدال فيه، ولكن هل تعتقد ولو للحظة ان الفصائل هي الخلاص، ام انك لا تجرؤ ان ترفع راسك بين الرؤوس خشية ان تخرج عن القطيع. انا لا انظر انا احكي كلاما واقعيا عن معرفة ومعاينة. فماهي معرفتك ودرايتك. وماذا تفعل لهؤلاء المساكين في الغوطة غير ان تدفع لهم قوت اليوم ليموتوا غدا ولا تنفك تحرضهم على الصمود وانت تنعم بالامان في فرنسا.

حسام الدين درويش مشكور كتير على الاستجابة الكبيرة لبعض التساؤلات التي سبق طرحها في مناقشات سابقة. بالطبع لا يسمح السياق الفيسبوكي بمناقشة معمقة ومطولة للمسائل المطروحة، ولهذا كنت وما زلت أتمنى أن تطرح أفكار في مقال يمكن نشره في أحد المواقع السورية (الجمهورية و/أو جيرون). وفي كل الأحوال سأقوم لاحقا بإبداء رأيي المقتضب في النقاط التي طرحتها وآمل أن تسمح لي الظروف أو أن أسمح لنفسي في الظروف الحالية غير المناسبة بأن أكتب نصا مطولا عن الموضوع. تحياتي

Ahmad Nazir Atassi بالطبع الظروف غير مناسبة فلا صوت يعلو على صوت المعركة، اليس هذا ما كان يسكتنا به الاسد كلمة مرة طالبنا بحريتنا. لن اكتب في الجمهورية او جيرون، لن استجدي هذا او ذاك لاعبر عن رايي، ثم ليقولوا لي الوقت غير ملائم كما تقول. رايك المقتضب هو ماقلته في غير مكان، طروحاتي لا اخلاقية وتبرر للنظام افعاله، ويمكن انها توهن روح الايمان بالثورة المقدسة. هذه شتائم مثففة وليست ردود مقتضبة. على كل لا اكراه في الحوار. انت طرحت قضايا شائكة وانا ارد وعلى المنبر الذي اختاره، ويمكنك ان تختار الوقت والمنبر الذي تريد او حتى ان تختار عدم الرد. انا لا اتهجم على شخصك ولذلك لا احتاج الى مناظرة، انا فقط اعلن قطيعتي عن افكار وممارسات نتهمها بخنقنا ثم نعود اليها كما يعود القط الى خناقه.

حسام الدين درويش قصدت بالظروف غير المناسبة ظروفي الشخصية المتعلقة بانشغالاتي المهنية والبحثية والأسرية. وعلى الرغم من تكرار سوء الفهم أو عدمه، ما زلت أشعر بالدهشة ذاتها عندما يحصل! لم أكن أعلم أن الكتابة في الجمهورية أو جيرون هي استجداء من وجهة نظرك. وانطلاقا من ذلك أسحب أمنيتي بأن تكتب هناك وأرجو أن تعتبرها لاغية وكأنها لم تكن. أرجو ألا تصادر على رأيي قبل أن أكتبه وإذا كنت متأكدا مما سأكتبه كان حريا بك ألا تطلب مني إبداء رأيي وربما ليس هناك معنى أو جدوى من إبداء رأيي حينها. بت قريبا من إعلان عجزي عن فهم سبب توترك الشديد وردود الانفعالية التي أظن وأزعم أنها لا تتناسب مع سياق التفاعل بيننا. أتمنى لك التوفيق في حياتك الخاصة والعامة وأيدي أسفي من اعتقادك بأن آرائي السابقة تتضمن ما أسميته "شتائم مثقفة" وأعدك بأن أحاول بأن لا تتلقى مني أي شتائم لاحقة بغض النظر عن مستوى ثقافتها. تحياتي

مراد بنيس وجهة نظر "فضولي" غير سوري : عقلانية تحليلك "الصماء" وبعده عن المسلّمات العاطفية ستجعل الغالبية العظمى في الظروف الحالية تهاجم التحليل وتهاجمك معه. لكن بعد بضع سنين ستجد عددا ممن يهاجمونك الآن يكررون نفس كلامك

Ahmad Nazir Atassi مراد بنيس انت تفهمني، احبك يا رجل

Ahmad Nazir Atassi على فكرة مراد بنيس لا بهم كونك سوري او غير سوري، في هذا المنطقة المنحوسة نحن مجرد السابقون وانتم اللاحقون فتعلموا. احصائيا هناك حرب او حرب اهلية في المنطقة كل عشر سنوات ابتداءا من بدايات القرن العشرين. وحرب الجزائر في التسعينات لم تكونوا بمناعة تامة تجاهها. ولا كانت تونس بمناعة عن حرب ليبيا، كل ما هنالك ان هذا البلد الوديع التقدمي صدر الى سوريا ما لا يقل عن ثلاثة الاف سلفي من اشرس السلفيين بشهادة الكثيرين. خذ راحتك وقل رايك، كلنا في الخرا سوا كما يقولون.

مراد بنيس أتفق معك تماما. علما أنه في المغرب -إضافة إلى الفوارق الاجتماعية المهولة ووجود جماعات إسلامية ذات خطاب عنيف - هناك من يعمل بنشاط على تحويل التنوع اللغوي والإثني إلى وقود لإيديولوجيات قومية مشحونة بالكراهية. كلنا في الفرث والدم سواء، لكن هناك من وقع في الحفرة وهناك يحاول تجنبها وهناك من يسعى إليها باسم شعارات عاطفية جوفاء

Iyad Rayane "هل يمكن لرفرفة أجنحة فراشة في البرازيل أن تُحدث إعصار في تكساس" عم تهمل الشروط البدائية نظير.

Ahmad Nazir Atassi هذا موضوع السببية، وأنا لا أهمله لكني أؤجله إلى بوست آخر.

Ammar Aljer الأفكار المطروحة مهمة لا تتناسب مع اللغة المستخدمة. بدأت قراءة "المقولة الاولى" فانتظرت الثانية. قرأت "التمييز الأول" ثم انتظرت "التمييز الثاني". هناك عدة مواضيع مهمة مطروحة ولكن لم يتم إعطاؤها الوقت الكافي للصياغة. مثل هذا الموضوع يستحق أن تتعب عليه أستاذ أحمد أسبوعاً في الصياغة والترتيب وجمع الأدلة ويستحق أن يبقى شهراً ونحن نعلق عليه ونبتادل الأفكار ونجمع الناس حوله

Ahmad Nazir Atassi شكرا على اهتمامك اخ عمار. المقولات قادمة. اللغة هي احد التحديات وتتطور مع الكتابة والحوار. التعب على البوست وجمع الادلة مطلب صحيح لكنه سيجعل من البوست الطويل مقالة. هذه المقالة لن ينشرها احد، لكني لا اعارض الفكرة. اما النقاش فكما ترى عدد قليل يشارك فيه وهم نفسهم كل مرة، والمشاعر جياشة والتهم تتطاير. اما جمع الناس فامر يحتاج الى عمل منظم. هل عندك منبر نتكلم منه، وهل عندك منتدى نتبادل فيه الافكار دون اتهامات. انا عجزت ايجاد مثل ذلك او حتى تاسيسه. ابقى مفتوحا لاي اقتراح.

Ammar Aljer Ahmad Nazir Atassi من الطبيعي أن لا يشارك الكثيرون في البداية لأن طريقة تعاملنا مع البوستات تشبه طريقة تعاملنا مع السجائر. قارئ البوست هدفه العميق هو التنفيس وليس الحل. ولكن مع وجود عدد كبير من المثقفين يمكن إنشاء مجموعات ذات محتوى عميق من جهة ومشروح بشكل مبسط من جهة أخرى بحيث يشعر الإنسان بأهمية الوعي على حياته. كتابتك تساهم في تعميق المحتوى ولذا تجميعها ومراكمتها وتسلسلها ومكاملتها مع مثيلاتها مع الزمن يظهر فائدتها للعموم

23 شباط 2018، رد على حسام

ردا على البوست السابق طرح الاخ حسام الدين درويش عدة افكار وتساؤلات، ووعدت بالاجابة في ستة بوستات. الاخ حسام فيلسوف متمرس وليس من السهل الاجابة على تساؤلاته كلها لكن هذا تحد اقبله. الحوار ليس مناظرة بين فيلسوف ومؤرخ، او بين ثوري وغير ثوري، وانما حوار كان يجب ان يبدا منذ سبع سنوات مهما كان جارحا او صادما. حسب فهمي للافكار التي طرحها فان بوستاتي ستعالج المقولات التالية

الاول عن المساواة بين الفصائل والنظام من منطلقاتي، الثاني هل بدء او انتهاء ثورة هو حكم موضوعي ام ذاتي وهل للمشاركين دور في التسميات، الثالث الحياة كقيمة اخلاقية وهل يختلف هذا عن قيم المشاركين في الاحداث الجارية، الرابع هل الحياة كقيمة اخلاقية دعوة الى حياة دون اخلاق ومنطق مخالف لمنطق الثورة، الخامس، هل تتقاطع هذه الدعوة مع منطق النظام، السادس، هل الحياة كقيمة اخلاقية هي دعوة للتضحية بالكرامة والحرية حفاظا على الحياة.

Oussama Al-chami عظيم جدا جدا. نشهد الآن الولادة التاريخية لنواة واعده جدا. احترامي وتقديري لكم. حسام الدين درويش Ahmad Nazir Atassi هلق حلوة. بعد سبع سنين مافي مشكلة..

Ahmad Nazir Atassi مرة اخرى لا افهم، هل تشجع ام تسخر. انا لم انتظر سبع سنين، هناك من انتظر السبعة ليسمع. على العموم ساخذ الجملة الاولى واكتفي بها.

Ahmad Nazir Atassi والله يا اسامة Oussama Al-chami انا مرهق ونكدي ويمكن عندي بارانويا. في ذهني دائما عدة قراءات محتملة لاي بوست، القضية هي انني تعرضت للهجوم مرات تفوق مرات المشاركة او المديح. ساحاول ان اختار القراءة الايجابية. انل ساتابع بوستاتي رغم اعتذار الاخ حسام عن المشاركة. وشكرا لتشجيعك.

Ahmad Nazir Atassi الاخ حسام الدين درويش لن يستمر معنا لانشغاله ولاسباب اخرى يمكن ان اخمنها، اولها طول البوستات وضيق المساحة، ثانيها استخدام كلمات قد تفسر على اوجه وهذا ما حصل عدة مرات، ثالثها ان سهولة استخدام الفيسبوم يغري بالرد السريع واحيانا المازح مما قد يصب الى القرئ على انه نقد وسخرية، الافضل التروي. وهذل ممكن اذا وجدنا منتدى او منبر اخر يقبل المقالات الطويلة ذات النفس الحواري. لن اسال اية جهة من هذا القبيل لاني لا اريد سماع ردود من قبيل هذا موضوع شائك واشكالي ومثير للمشاعر، يكفينا ما اشعر به من سخط على العالم كله.

Oussama Al-chami دكتور مقارنة بين المقالات التي تكتبها وبين البوستات التي تضعها كما نقول بالفرنسية الفرق مثل الليل والنهار. التحليل أعمق بكثير في المقالات وجميل جدا والصياغة أكثر من رائعة. فعلا قلت لك مازحا طبعا من أين نقلت هذه المقالة. وكأن الكاتب مختلف. كما أعرفك ظهر في مقالاتك بشكل جلي تماما. لاشك إن طبيعة النصوص و قصرها على الفيس بوك والتويتر سوف تؤثر على التعبير والفكرة وحتى تبترها من جذورها. لذلك أقترح عليك إنشاء بلوغ خاص بك تجمع تحته المقالات التي تكتبها لكي لا تبقى مبعثرة مع الوقت. ويمكن أيضا أن تضع على البلوغ مقالات للآخرين تراها تتماشى وتكمل أفكارك وتحليلاتك من خلال اختصاصك المعرفي الذي نحن بحاجة إليه. وأنا أساعدك بكل ما أعرف من تقنيات. يمكن أن تستخدم فيسبوك وتويتر كاداة مكمله والحوار. وتبادل الآراء حول محور البلوغ مع بعض البوستات التي لا يبلغ حجمها حجم مقال على أن تجمع أيضا في البلوغ. لا تنتظر منا التصفيق ولا من أحد وأنا أولهم. سوف ننقض ما تكتب وسوف تحسنه إنت ليبلغ أعلى مراحل الاتقان. جزاك الله خيرا. ونحن معك بالنقض والمساعدة. وسترى إن كرة الثلج سوف تكبر مع الدحرجة أكثر وأكثر. Ahmad Nazir Atassi طبعا وضع هذه المقالات في مواقع متعددة هام جدا ودوما ضع رابط البلوغ الخاص بك.

Ahmad Nazir Atassi معك حق اسامة. كتابة بوست فيس بوك مثل محاجرة في الحارة، تعتقد ان فيه استراتيجية لكنه مجرد غضب وردة فعل. لكن كثير من الافكار تنتج عن هذه المناكفات، طبعا كثير من الشتائم وفقدان الاصدقاء. عندي صغحة مقالات اهملتها من سنوات واخطط جديا بالعودة اليها. لقد لاحقني القرف والياس لسنتين ولكني احس ان العودة ضرورية. شكرا على عرض المساعدة، قد تجدني قريبا على ابوابك اطالبك بوعدك. شكرا على التشجيع. اما من اين سرقت المقالة، في الحقيقة فبعضها ماخوذ من مصادر اخرى. التعريفات تجمع الجهد الشخصي والكتب المعيارية. التحليل الفلسفي للمشاركة ماخوذ من مقالة مشار اليها في المراجع، تطبيق هذا التحليل ونظريات علم النفس الاجتماعي من عملي وقد تعذبت فيها لانها متشعبة وقد يفلت خيط المنطق من يدك في اية لحظة. انماط التدين هي عمل مشترك مع صديق ومركز ابحاث سيصدر في الاشهر القادمة، لكن ابعاد الندين الستة معروفة في اوساط العلوم الاجتماعية الدينية وماخوذة من علم النفس الاجتماعي. وفي الحقيقة انا مدين بشكل كبير لذلك الفيلسوف الدنماركي كما اعتقد. تحليل التدين في سوريا كذلك متاثر بكتابات الباحث البلجيكي توماس بيريه. المقابلات مع المشاركين كانت ايضا مليئة بالتحليلات الذكية، شارك في بداية الثورة الكثير من الاذكياء والموهوبين، وكثير من المغامرين والمقامرين وصغار المجرمين وهذا طبيعي. لكن التحول الكبير كان من عمل النظام نفسه والمال الخليحي وبعض المغتربين، كله صب في تلك الاسلمة العدمية، التي اعرف انك ترفضها وتحاربها. للاسف العنف الشديد يقضي على الاذكياء العقلاء بالقتل والنهجير، ويبقي على المتهورين وعديمي الاحساس. وكم من ثائر مبكر قال لي، لم اعد احتمل بعد فترة، المال الخارجي السهل جعل السفهاء يتغلبون.

Oussama Al-chami المعركة ازلية أبدية بين الفكر والتفاهه. أرسطو أعدم من قبل التافهين. فقط للتذكره. وبقي أرسطو واختفى التافهين. لن تموت كارسطوا. وسيبقى العمل الجيد. فأما الزبد فيذهب جفاء وإما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. صدق الله العظيم. لا تنتظر احتراما الآن ولا تقدير بل سب ولعن ومحاجره. وسيبقى ما كتبته لأنك عملت به مع العديد من العقلاء. طبعا توقع النقد البناء، هو يشبه اللعن عند البعض أو النباح لدى آخرين. 😁 عندك من العقل والإنشاء ما يزيد عن حاجاتك. لاحظ معي أنا ذات الشخص الذي أعجب بالمقاله وعارضك على البوست. الأفكار المقتطعه لها شكل جزء من صورة. ولكنها وحدها تشبه الخربشة. إذا لم يفهم الآخرون ما كتبت فهي مشكلتك وليس مشكلتهم. الأداة هامة جدا. والسياق بقوة تأثير الفكرة الجزئية. أنا معك، اعتبر الوعد منجزا. فما تكتبه يعبر عني وكأني أنا كاتبه. شكرا وأمتنانا لجهودك. وسيجزيك الله خير الجزاء هنا في الدنيا قبل الآخرة إني شاهد على ذلك.!

23 شباط، 2018-المقولة الأولى

المقولة الأولى - المساواة في الجريمة

المقولة الأولى - المساواة في الجريمة

المقولة الاولى، هل يمكن المساواة بين الفصائل والنظام في الجريمة، وهل هذه المساواة هي مساواة بين الضحية والجلاد.

من منظوري فان الجواب هو نعم، انهما سواء في جريمة قتل المدنيين. ومن منظوري، فإن صفة الضحية لا تنطبق على الفصائل، وبالتالي فانا لا اساوي بين الضحية والجلاد. الضحية الوحيدة هنا هي المدني الذي يعيش في منطقة محاصرة ويعيش تحت القصف ويموت دون ان يكون له رأي في القتال او الصمود او الاستسلام او اي خيار اخر.

التمييز الاول هو تمييز زمني، ضحية الامس ليس بالضرورة ضحية في كل زمان ومكان. محاكمة الجريمة في محكمة عادلة تفترض ووقوف الزمن وانتهاء الحدث وتتعامل مع الجريمة واشخاصها واحداثها في الماضي. اي ان ضحية الامس يبقى ضحية في تلك الجريمة فقط. وهذه الضحية يمكن ان تكون مجرمة في موقع اخر وزمان اخر وحيثيات اخرى. ان مغالطة ايديولوجية المظلومية هي انها تعتبر الضحية صفة ابدية لا تتغير وحتى تورث الى الابناء وتعتبر الاجرام ابديا ويمكن توريثه الى الابناء. ومن هذا المنطلق يمكن المطالبة بثارات الحسين واحقية علي بالخلافة واعتبار كل اليهود قتلة المسيح واعتبار كل العلويين ضحايا او اعتبار كل السنيين ضحايا.

اذن حتى المُعتقل الذي تعرض للتعذيب وخرج وحمل السلاح وشارك في المعارك لا يستطيع ان يعتبر نفسه ضحية في كل زمان ومكان ولجرائم غير التي وقعت عليه، ولا يعصمه كونه كان ضحية في مكان ما لجرم ما من ان يكون مجرما في مكان اخر وزمن اخر وظروف اخرى. هذا من حيث المبدا العام، الضحية يمكن ان يكون مجرما مع اختلاف الزمان والمكان والسياق وبالطبع الجريمة.

اذن لنفترض ان لدينا مقاتل في فصيل ما، إن حكمه وهو يحمل السلاح لا يتعلق بماضيه. ويمكن ان نحكم على افعاله من منطلق افعاله فقط وليس من منطلق ماضيه. وكذلك الحال بالنسبة لمن اذاه بجريمة. طبعا الجريمة القديمة تبقى والباب مفتوح دائما لبت الحكم فيها وهذا لا ينفي امكانية جرائم جديدة من الطرفين وحتى تبادل المواقع، اي من ضحية الى مجرم او العكس.

هذا المقاتل المسلح الواقف ضد مرتكب الجرم بحقه سابقا ليس ضحية في هذا السياق الجديد. طبعا يمكن ان نحاجج في قضية ما اذا كان حمله للسلاح مشروعا ام لا، وايضا في قضية مشروعية حمله للسلاح من اجل محاكمة المجرم على جريمته السابقة.

هذا المسلح، وحال حمله للسلاح، يصبح على قدم المساواة مع عدوه. ليس المساواة في المشروعية ولكن المساواة في امكانية الفعل وفي امكانية اقترافه لجريمة من خلال حمله للسلاح. لا ضحية في معركة بين مقاتل ومقاتل. الواحد منهما قد يقتل الاخر ولن يكون بذلك مجرما. طبعا المشاركون في الحروب يعتبرون دائما انفسهم ضحايا لا حول لهم ولا قوة وهم لا يفعلون الا احقاق الحق ومعاقبة المجرم، طبعا لا تحارب الضحية السابقة المجرم السابق بل تحارب جنوده، والاعم هو ان جنود الضحية السابقة يحاربون جنود المجرم السابق، وكأن صفة الضحية تعممت وصفة المجرم تعممت، وهذا ما يسمح بشرعنة القتل العشوائي في الحرب. المجتمعات تعاقب على القتل زمن السلم ولا تعاقب على القتل في المعركة. الحقيقة هي ان الحرب تمحي الخصوصية، الكل يصبح ضحية او مجرما حسب المنظور.

يجب ان نفهم معنى حمل السلاح والانخراط في حرب. الحرب تختلف تماما عن الجريمة في زمن السلم، هذا بين المقاتلين. المسلح استقوى بالسلاح وبالتالي لا يمكن ان يكون ضحية للمقاتل الاخر بالاطلاق، وانما هو ضحية او مجرم نسبيا وحسب المنظور. السيدة الكردية التي قالوا ان المقاتلين السوريين من طرف تركيا مثلوا بها، لا جرم لهم في القتل فهي كانت مسلحة ولكن لهم جرم بالتمثيل لان الجسد عاجز عن الدفاع عن حرمته.

اما بالنسبة للمدني غير المسلح فهو غالبا في موقع الضحية، إما المحتملة او المحققة. المدني الذي لا يحمل السلاح ولا يستطيع رد الاذى عن نفسه هو ضحية اذا اصابه الاذى النفسي او الجسدي او المادي.

من يحمل وزر الجرم اذا تعرض المدني للاذى. هذا بالضبط مربط الفرس في مقولتي اعلاه. من آذى المدني، ومن هو المجرم؟ أهو صاحب الرصاصة التي قتلته ام رامي القنبلة التي فجرت بيته، ام اي انسان شارك في بدء المعركة التي ادت الى مقتله. اذا قارنا حالته بحالة الضحية زمن السلم فان قاتله هو صاحب الرصاصة، وهذه جريمة قتل عمد اذا تقصّده مُطلق الرصاصة، وجريمة قتل غير متعمد اذا كان اطلاق الرصاص عشوائياً، وجريمة قتل من الدرجة الثانية لكل من شارك في اثارة الحدث الذى ادى الى مقتل المدني، اي من امر الجندي باطلاق النار ومن خطط للمعركة ومن اثار المعتدي ومن شارك في تطويل زمن المعركة. وفي القانون الامريكي فانه من الممكن مقاضاة صانع البندقية وصانع الرصاصة لانه لولا السلاح الذي صنعاه لما وقعت الجريمة.

قد يعترض البعض بان يقولوا، هذه مثالية، والحروب دائما تحصد الضحايا من المقاتلين والمدنيين، متى قاضت البشرية في اي عصر من عصورها من شارك في الحروب. في الحقيقة، المنتصر دائما يفرض وجهة نظره وتعريفه للمجرم والضحية والذي اثبتنا نسبيته، لا بل يحاكم المهزومين ويعاقبهم جماعات وافرادا، في المحاكم وفي كتب التاريخ. فهل ننتظر لنرى من المنتصر حتى نعرف من المجرم في قتل المدني. هذا ممكن، لا بل هذا ما سيحدث. اما من ناحية المنطق وبالقياس مع حالة السلم فان كل مشترك في الحرب مشترك في الجريمة، بشكل مباشر او غير مباشر.

اما المنطلقات المنظوماتية التي طالبني الاخ حسام الدين درويش باستخدامها في حجتي، فهي واضحة في تفريقي بين حالتي الحرب والسلم، وفي محاججتي ان التعريفات والادانات نسبية، حسب المنظور والموقع في المنظومة، منظومة الدولة والمجتمع في السلم، ومنظومة الجيش والفصائل في الحرب.

ولن اكتفي بهذا بل ساتوسع لاحاجج بان الفصائل تشترك مع النظام في اثارة المعارك دون اية اعتبارات لحياة المدنيين. اولا الحصار لا يعني بالضرورة ان النظام في موقع الاقوى والفصائل المحاصرة في موقع الاضعف. مثل هذا التفاضل قد يكون مدخلا لجولة اخرى في تعريف الضحية والمجرم. الحصار يمنع الاكل والشرب والماوى الآمن عن المدني مما يجعله ضعيفا مضاعفا. اما المقاتل فلا ينطبق عليه هذا. المقاتل يحصل على ما يحتاج اليه من مال واكل ولبس وعناية طبية وسلاح رغم الحصار.اسالوا عن الانفاق وأصحابها واسالوا عن الحواجز وأصحابها. ومن لا يعرف فلا عذر له. احتياجات المقاتلين تدخل عن طريق النفق والحاجز بمعرفة اصحاب النفق والحاجز وبالمحاصصة بينهما. المال الذي ترسله اخي المتبرع الصادق النية يذهب قسم معتبر منه اجرة لصاحب النفق، هؤلاء بعضهم من الفصائل، وقسم اخر للحاجز. والانكى من ذلك ان الفصائل تقتطع حصتها اولا وتبيع الباقي للمدنيين باسعار باهظة تذهب في الجيوب او في شراء اسلحة اخرى وتخزينها. اما نصيب الحاجز فيذهب الى الجندي والضابط والشبيح ليتابع القتال والى الراس الكبير ليشترى المزيد من السلاح ويتابع المعركة. نعم اموالك اخي المتبرع يذهب بعضها الى جيب النظام الذي تعتقد انك تحاربه. وفي المحصلة الفصائل تقتني السلاح والاكل لتتابع المعركة وكذلك يفعل النظام. فاذا كان محرّض القتال اشد إيغالاً في الجرم من المقاتل الذي فُرضت عليه المعركة، فان الفصائل على اقل تقدير شريكة في استمرار الحرب والقتل.

يمكن ان نتحدث ايضا عن حصافة الاحتماء بالاماكن السكنية، وعن تجويع المدنيين، وعن رفضهم التفاوض او الخروج وفي هذا اوجه. كما يمكن ان نتحدث عن جدوى المعركة وامكانية النصر وعن سوء التخطيط والتعنت الايديولوجي ووضعه فوق حياة المدنيبن. واذكر هنا ان الفصائل لا تستشير المدنيين فيما اذا كانوا راضين عن قراراتهم، لا بل يتهمونهم بالخيانة والتعاون مع النظام.

وهناك ظروف خاصة بالغوطة، واعني ان كونها جيب محاصر يعرّضها دائما لاحتمال معركة جديدة. والجيوب السابقة قد تم محوها مثل حلب وحمص، والجيوب الحالية تتعرض للقصف المنتظم، ونعرف ان امربكا وروسيا وتركيا وايران متفقون على محو هذه الجيوب. في ظل هذه المعلومات، تكون الفصائل على معرفة سابقة بالمجزرة القادمة، فلا هي تتفاداها ولا هي تسمح للمدنيين بالرحيل.

ولا اميز هنا بين النظام والفصائل فهما طرفان في المعركة وبتخذان قرارات متشابهة. انهما شركاء في قتل المدني. هذا لا يعفي النظام من جرائمه السابقة ولا يهدر حق الضحية السابقة. انها جربمة مختلفة التي نتحدث عنها. ولذلك اتخذت من الحياة قيمة اخلاقية عليا فوق غيرها، لانه بانعدامها لا ينفع الحديث عن غيرها.

عندما يستوي الطرفان ويموت المدني فقط لا يمكن الحديث عن اخلاق اخرى لا تاخذ المعركة بعين الاعتبار.

23 شباط، 2018- المقولة الأولى 2

المقولة الأولى - المساواة في الجريمة - مقاربة منظوماتية

المقولة الأولى - المساواة في الجريمة - مقاربة منظوماتية

ذكرت في المقاربة الأولى لمعالجة المساواة بين النظام والفصائل في جريمة قتل المدني أن ”المجتمعات تعاقب على القتل زمن السلم ولا تعاقب على القتل في المعركة. الحقيقة هي ان الحرب تمحي الخصوصية، الكل يصبح ضحية او مجرما حسب المنظور.“ وأشير هنا إلى حالات تنعدم فيها القدرة على إطلاق حكم في فعل القتل. هل هذه الحالة، أي القتل في الحرب (قتل المدني أو المسلح)، هي حالة إنعدام وجود حكم قيمي من قبيل ”مجرم“/بريء، أو هي حالة إنعدام القدرة على التنفيذ الحكم أي وسم كل مشارك في الفعل بوسم الضحية أو المجرم أو المشارك وبالتالي إلحاق العقوبة بالمجرم (أية عقوبة من تشهير إلى إدانة إلى قصاص) وإعادة الحق الإعتباري إلى الضحية (أي تعيين المجرم وإقامة نوع من التوازن، فكأن الضحية فقد رصيداً اعتبارياً ثم أعيد إليه هذا الرصيد من خلال العقوبة)؛ فيما يلي سنسمي العقوبة أو رد الحق الإعتباري فعلاً تصحيحاً.

في الحقيقة إن إمكانية إطلاق الحكم القيمي وإمكانية تنفيذ تبعات الحكم، أي تنفيذ الفعل التصحيحي، يحتاجان إلى منظومتين متعاونتين ومتكاملتين لكنها من طبيعتين مختلفتين. المنظومة الأولى فكرية/أيديولوجية تسمح بالتمييز بين أنواع من الأفعال، أيها جيد وأيها سيء، أيها فضيلة وأيها خطيئة أو جريمة. والمنظومة الأخرى إجتماعية تسمح بالتمييز بين الأفراد أيهم مفيد وأيهم مسيء، أيهم فاضل وأيهم مجرم. هذه المنظومة الأخيرة تستطيع فرض العقوبة، أي الفعل التصحيحي، على الطرف المذنب، بعد أن تكون قد أقرّت ذنبه من خلال المنظومة الفكرية الأولى. المنظومة الإجتماعية تفترض خضوع كل أفراد المجتمع لنوع من السلطة التي تستطيع أن تطلق الأحكام، وقبول كل الأفراد بهذا القرار، وقبولهم أيضاً باستخدام كل ما يلزم من عنف وإكراه لمعاقبة المجرم، أي لتطبيق الفعل التصحيحي. في الحقيقة لا وجود لجريمة خارج هاتين المنظومتين. إن مجرد استخدامنا لكلمة جريمة (وكذلك ضحية وعقوبة وحق) أي لحكم قيمي يقتضي امتلاكنا للمنظومة الأولى. وأي شيء نفرضه على المجرم (الذي حكمنا عليه بالمنظومة الأولى) كفعل تصحيحي يقتضي وجود المنظومة الثانية. إن امتلاك الأولى في غياب الثانية لا ينتج عنه إلا اتهامات متبادلة لا يتبعها أي فعل تجاه أي من الطرفين. في الحقيقة لا يمكن أن توجد المنظومة الأولى دون الثانية، إن المنظومة القيمية هي انعكاس للمنظومة الإجتماعية، ولذلك سنستخدم تعبير منظومة قيمية-إجتماعية للدلالة على تكامل الإثنتين في كل واحد.

قد يحمل أحدنا منظومة قيمية معينة لكنه يعيش في منظومة إجتماعية مختلفة، كحال المهاجر مثلاً. وفي هذه الحال فإن هناك تضارب هائل بين الفرد والجماعة المضيفة وعدم انسجام يؤدي إلى محاولات إقصاء من المجموعة أو تمرد على المجموعة أو إكراه على القبول والإذعان. الآن يمكننا أن نطرح تعقيدات إضافية تقترب من موضوع المقولة التي نحن بصدد معالجتها. لنفترض وجود جماعتين وبالتالي منظومتين قيمية-إجتماعية. ولنفترض أن فردأ من إحداهما اعتدى على فرد من الأخرى. فهل نحن أمام جريمة، أي هل نحن أمام حكم قيمي وفعل تصحيحي مقابل له. الجواب معقد، إذن سنجد أنفسنا أمام حكمين قيميين مع استحالة تطبيق أي فعل إصلاحي. لن تستطيع أي من الجماعتين تطبيق أي فعل تصحيحي إلا إذا احتكمتا إلى منظومة قيمية ثالثة أقرتا بتعاليها على منظومتيهما القيميتين من أجل أن تطلق حكماً قيمياً، وأقاما سلطة خارجة عن الإثنتين يقبلان بها ويخضعان لها لتقوم بتطبيق الفعل التصحيحي المقابل للحكم القيمية السابق الذكر. هذه يعني أن المنظومتين القيمية-الإجتماعية قد دخلتا في منظومة قيمية-إجتماعية ثالثة تجمع بينهما.

في حالة الحرب وانقسام المجتمع الواحد، تنشأ منظومتان قيمية-إجتماعية غير متكاملتين ولا متعاونتين ولا خاضعتين لأخرى ثالثة متعالية عليهما. ولذلك فإن أي اعتداء عابر لحدود المنظومتين لن نتج عنه إلا حكمان قيميان مختلفان، ولن ينتج عنه أي فعل تصحيحي. ما تعتبره إحداهما جريمة تعتبره الأخرى فعلاً محايداً أو حتى فضيلة، وما تعتبره إحداهما مجرماً تراه الأخرى ضحية أو فضيلاً. لا بل يمكن أن يزيد التعقيد. فإذا جيشت كل من المنظومتين أفرادهما لتحولا الفعل الفردي إلى ملكية جماعية (أي الإعتداء يصبح فعلاً جماعياً لا يمتلكه طرفا الإعتداء بل جميع الأعضاء في كلتا الجماعتين. هذا التجييش غرضه فرض ثنائية الحكمالقيمي-الفعل التصحيحي لإحدى الجماعتين على الأخرى. ولذلك قلنا في بوستنا السابق أن ”المنتصر دائما يفرض وجهة نظره وتعريفه للمجرم والضحية والذي اثبتنا نسبيته، لا بل يحاكم المهزومين ويعاقبهم جماعات وافرادا، في المحاكم وفي كتب التاريخ“. فإذا استخدمنا هذه الأدوات التحليلية في معالجة حالة الحرب الدائرة في سوريا بين النظام والفصائل، فهل يمكن أن نساوي بينهما في جريمة قتل المدني؟

سؤالي السابق فيه مغالطة. لا يمكنني استخدام كلمة جريمة، ولا أستطيع استخدام أكثر من كلمة اعتداء، لأن كلمة جريمة حكم قيمي يفترض وجود منظومة قيمية-إجتماعية واحدة تنخرط ضنها الجماعتان المتقاتلتان (هذا على اعتبار أن المدني يشكل جماعة واحدة مع المقاتلين، وهذا تعقيد يمكن مناقشته أيضاً لكننا سنتفاداه هنا بغرض التبسيط). يمكن بالطبع لكل جماعة أن تطلق حكماً قيمياً خاصاً بها، لكن لن يتبعه فعل تصحيحي متفق عليه؛ وأقصى ما يمكن أن يحصل (فيما يخص طرفي الإعتداء) هو حالة التجييش التي وصفناها سابقاً والتي تُستخدم لتجييش أفراد كل مجموعة ضد المجموعة الأخرى. هذا المنطلق المنظوماتي في التحليل هو ما أشرت إليه في البوست السابق بقولي: ”اما المنطلقات المنظوماتية في حجتي فهي واضحة في تفريقي بين حالتي الحرب والسلم، وفي محاججتي ان التعريفات والادانات نسبية، حسب المنظور والموقع في المنظومة، منظومة الدولة والمجتمع في السلم، ومنظومة الجيش والفصائل في الحرب“. لكني في الحقيقة لم أستخدم هناك هذه الأدوات التي اعرضها الآن، وكان لي في ذلك غرض.

طبعاً البشرية من خلال تجربتها الطويلة ارتأت أن مثل هذا الوضع لا يجلب إلا الدمار. وحتى الحضارات الموغلة في القدم كانت تستدعي منظومة قيمية عالمية متعالية على جميع الأطراف تمسك الآلهة بها وتحكم على أساسها. كان الرومان يف القديم إذا أرادوا حرباً مع جيرانهم جاؤوا إلى الحدود بينهما فيقوم الرومان بطرح بطرح قضيتهم أمام الآلهة (طبعاً على أساس أنهم ضحايا) ويطلبون فعلاً تصحيحياً تعجيزياً (تسليم المعتدي المفترض مع كل أهله وأمواله)، وعندما يُقابلون بالرفض كان يُشهدون الآلهة أنهم حاولوا إحقاق العدل لكن الطرف الآخر رفض مما يشرعن استخدام العنف تجاهه (ولهاذا كانوا يرمون أول رمح كناية عن بدء المعركة). فيكون الرومان في ذلك هم يد الآلهة الضاربة التي تعاقب المعتدين بأن تنصر الرومان. بالطبع في حال انتصارهم كانوا يعممون الجرم على كل الجماعة الأخرى ويسلبونها أموالها عقاباً لها، وهم في ذلك مرتاحوا الضمير لا يفعلون إلا تنفيذ العقاب الإلهي. هذه المنظومة الخارجية المتعالية موجودة الآن بعدة أشكال، منها الدين (أو الأديان)، ومنها شرعة حقوق الإنسان، ومنها الإتفاقيات الدولية والمحكمة الدولية والأمم المتحدة.

فإذا استحال إقرار حكم قيمي واحد في حال مجموعتين متقاتلين دون منظومة قيمية ثالثة، فإن المنظومات القيمية الخارجية قد تعطينا الجواب الذي نسعى إليه، أي من هو المجرم ومن هو الضحية وهل من فعل تصحيحي في الأفق؟ ما مكنني من الوصول إلى النتيجة في البوست السابقة هو بهلوانية منطقية تكن في العبارة التالية، وأنقلها هنا لأعيد مناقشتها:

” تكن في العبارة التالية، وأنقلها هنا لأعيد مناقشتها:

”من آذى المدني، ومن هو المجرم؟ أهو صاحب الرصاصة التي قتلته ام رامي القنبلة التي فجرت بيته، ام اي انسان شارك في بدء المعركة التي ادت الى مقتله. اذا قارنا حالته بحالة الضحية زمن السلم فان قاتله هو صاحب الرصاصة، وهذه جريمة قتل عمد اذا تقصّده مُطلق الرصاصة، وجريمة قتل غير متعمد اذا كان اطلاق الرصاص عشوائياً، وجريمة قتل من الدرجة الثانية لكل من شارك في اثارة الحدث“. في الحقيقة لا يمكن أن نقارن حالة المعتدى عليه في الحرب بحالة الضحية في زمن السلم، وذلك لأن الحرب تقوم بين منظومتين قيمية-إجتماعية، أما حالة السلم فتفترض منظومة قيمية-إجتماعية واحدة. في الحقيقة، لقد افترضت في بوستي السابق وجود منظومة قيمية واحدة (غير معرفة ولم أحددها)، وحاججت بأنه وفقاً لهذه المنظومة فإن هناك جريمة ضد المدني وأن النظام والفصائل شريكان فيها. هذه المنظومة القيمية (وليست الإجتماعية) التي اعتمدت عليها واعتمد عليها كل أطراف النقاش ليس لها معالم واضحة وإنما هي خليط من بقايا المنظومة السورية القيمية-الإجتماعية الوطنية الجامعة التي فتّتها الحرب، ومن الأعراف القبلية (لأنها مصممة لمثل هذه الحالات)، ومن الأعراف الدولية الغائمة التي تمثلها الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، ومن الأعراف الدينية الإسلامية. قل لي ما هي منظومتك لأعطيك الحكم القيمي، أما الفعل التصحيح فلا تتعب نفسك بانتظاره. وإذا خالفتني الرأي فخذ أية منظومة أخرى وستتمكن من استنتاج عكس ما قد استنتجه. مظلومية جماعتي (منظومتها القيمية) مقابل مظلومية جماعتك، ولن نصل إلى نتيجة. أما المنظومة القيمية الدولة، على افتراض وجودها، فقد اعتبرت أن الطرفين في القتال مجرمين. لا بل يحاجج البعض بناءاً على هذه المنظومة، التي لا أسنان لها (أي لا تطبق أي فعل تصحيحي، اللهم إلا إذا أرادت أمريكا)، بأن أقل الشرّين هو النظام، وتُحجم عن إطلاق أي حكم قيمي إلى حين انتهاء روسيا من مسح الغوطة وغيرها من الجيوب التي تحتلها الفصائل (محاطة بمناطق يسيطر عليها النظام). ومن أجل تعقيد الأمور تسقط، من حيث لا ندري (؟ّ!!!) قذائف على الأحياء الدمشقية لتعزز مظلومية طرف النظام مقابل مظلومية الضحايا المحروقة والأطفال الممزقين في الغوطة.

ولهذا فقد طرحت فكرة إشكالية جداً وهي أنه في حالة الحرب وتفتت المنظومة القيمية-الإجتماعية الجامعة وعجز أية منظومة خارجية فإنه من غير المجدي إطلاق أية ”أحكام أخلاقية“ على أية أفعال، وإنما التعامل معها من منطلق المنفعة والمضرة النسبية. الهدف من ذلك هو تخطي مرحلة الإتهامات المتبادلة وتجيشش الأتباع التي لا طائل من ورائها والوصول إلى مرحلة ”تفاوض“ يمكن معها الإتفاق على منظومة قيمية (أو قيمية-إجتماعية) واحدة تطلق الحكم القيمي ونتمنى أن تنفذ الفعل التصحيحي. لا يمكن استعادة الحقوق (أو حتى تعريف الحقوق) دون منظومة جامعة. لا يمكن أن نستمر في حالة الحرب والعماء القيمي والتمترس وراء منظومة ”جماعتنا“ والمطالب ”بتشقيف“ الجماعة الأخرى بأطفالها وشيبها وشبابها. الإشكالية طبعاً تنبع من كلمة ”التفاوض“ (ويفهمونها التفاوض مع القاتل، وكل طرف يعتبر الطرف الآخر هو القاتل) ومن محاولة فرض تعريف الجريمة والعقاب قبل الإتفاق على المنظومة الجامعة. هذا التعنت، على الأقل، كل الأطراف شركاء فيه.

هذا الطرح الإشكالي، الذي أرى فيه مخرجاً من القتل المعمم، حتى وإن جمّدنا الحكم القيمي إلى حين الإتفاق على المنظومة الجامعة، هو الذي ناقشته مع الأخ حسام الدين درويش في أول لقاء لنا. ومن وقتها لا يستطيع أن يراني إلا من منظور واحد. ولذلك حاولت أن استخدم المنطق الأرسطي البسيط الذي أعتقد أن محاكماته تقوم عليه لأحاجج بأن الطرفين شريكان في جريمة واحدة، وبالتالي لأثبت تهافق المنطق القيمي الذي يعتقد أنه ينطلق من قيم كونية، يعتقد أنها جامعة، في حين يتعامى عن ضرورة المنظومة الإجتماعية الموحدة من أجل وقف القتل، والذي يضع قيماً لا جذر منظوماتي لها فوق قيمة الحياة بحيث يصبح ”الموت ولا المذلة“ هدفاً مقبولاً.

فهل أؤمن فعلاً بأن هناك مجرم واضح وضحية واضحة. هذا سؤال لن أجيب عليه لأنه غير ذي قيمة (ولا يُصرف في أي بنك كما يقولون) ولا يهم أبداً ما أعتقده، اللهم إلا لتقوية أواصر العصبية مع أفراد الجماعة التي أريد أن أعتبرها جماعتي. وأنا فعلاً لا أريد الإنتماء إلى أية جماعة إلا جماعة سوريا. سمها ما شئت، أنا أطرح حلولاً ولا أتبادل التهم. ومن أجل هذه الحلول، الهدف الوحيد هو وقف القتل والوصول إلى المنظومة الجامعة (وهناك أشكل كثيرة لها ومراحل) حتى تعود ”الأخلاق“ لتعم على الجميع وليس على ”جماعة-نا“. هل سأبرر لنفسي أفعالاً ”إشكالية“ في سبيل هذا الهدف؟ نعم وسأترك هذا النقاش عمداً إلى جولة أخرى.

10 أيار 2018، كفريات سياسية -الممارسة السياسية في سورية

كفريات سياسية لطالما سمعنا عن معارضة سياسية، وعن معارضين سياسيين، وعن شغل بالسياسة، وعن سوسة السياسة ، وعن سجناء سياسيين، وعن أحزاب سياسية، وعن المال السياسي، وعن حل سياسي لكن اتضح لي بعد سنوات من الأزمة السورية أننا لا نعرف ما هي السياسة، وأن صفة سياسي بعد أي شيء في اللغة العربية لا معنى لها غير "عكس العسكري أو العنفي". لا أحد يمارس السياسة في سورية ولا أعتقد أن أحداً مارساها إلا لسنوات قليلة متفرقة هناك أو هناك. منذ الستينات لا أحد مارس السياسة في سوريا إلا النظام. لكنها سياسة من نوع سياسة الخيل، أي الإجبار والفرض. وحتى بعد المظاهرات والثورة والحرب، وعندما حاول السوريون ممارسة السياسة من خلال دولة موازية فشلوا فشلاً ذريعاً. إننا لا نمارس السياسة بل نمارس الصراع على السلطة. النظام فهم ذلك من اللحظة الأولى لأنه لم يتوقف يوماً عن ممارسة الصراع على السلطة. لكننا نحن الذين ضحكنا على أنفسنا وحاولنا أن نقنع أنفسنا بأننا كنا نمارس السياسة. وعندما أصبحت المظاهرات سهرة في الحارة فقط بسبب الحصار والقناصة مع نهاية 2011 وبدأ الناس يلتفتون إلى ما يسمى بالمعارضة القديمة أملاً منهم بأنها قادرة على جلب التدخل الخارجي اكتشفنا أن هؤلاء الكبار في السن لا يعرفون إلا الصراع على السلطة ولم يمارسوا السياسة في حياتهم. لا بل كانوا فاشلين في التآمر والتكتكة والتذلل على أبواب السفارات، وهي الطريقة التي لم يتوقف السوريون يوماً عن ممارستها وتسميتها بالسياسة. ولا أعني سفارات أوروبا فقط بل سفارات عربية ومجاورة. إذا كان النظام ما يزال حبيس العقلية السلطانية في الحكم (أي احتكار القوة والعنف في شخص السلطان من أجل حماية السلطان وحماية هذا الإحتكار) فإننا كمجتمع وكثقافة وكمعارضين لم نخرج من هذه العقلية أيضاً. النظام الأسدي هو الذي استطاع امتلاك أدوات الدولة الحديثة وتجييرها لخدمة العقلية السلطانية، والبقية فشلوا، لم أقل حاولوا تشكيل معارضة سياسية وفشلوا، بل فشلوا في السيطرة على السلطة، ولم يكونوا أبداً يعرفون كيف تكون المعارضة السياسية (حسب تعبيرهم) إلا صراعاً على الحكم. ولا نزال إلى اليوم، وحين تصادفنا أية مشكلة، نتخيل أن حلها يكون فقط في السيطرة على الحكم ومن ثم فرض إصلاحات من فوق. إلى كل الشباب الذين لم يجدوا فرصهم في الحياة في سوريا واعتقدوا أن ممارسة المعارضة كانت وسيلتهم للتغيير أقول، لقد أخطأنا وأخطأتم. السيطرة على الحكم كانت ستجعلنا فقط نظاماً يشبه النظام الحالي ولم نكن لنقدر على تحقيق أية إصلاحات. إننا وإياكم نضيع حياتنا سعيا وراء أفكار غير صحيحة أبداً. السلطة لن تعطينا الفرص التي كنا نطمح إليها، وممارسة المعارضة لم تكن أكثر من صراع على السلطة. اعتقدنا أن الأيديولوجيا التي ترسم شكل الدولة هو كل ما نحتاجه لممارسة السياسة أو ممارسة المعارضة، واعتقدنا أن الأحزاب التي تجيش الناس اعتماداً على هذه الأيديولوجيات كانت تمارس السياسة أو المعارضة. أبداً إنها تسعى إلى احتكار السلطة. هذا ليس فقط انتقاداً لآخرين وإنما أيضاً انتقاد لنفسي. دعوني احاول إيجاد تعريف جديد للسياسة حتى نعرف كيف نصوغ مطالبنا. إذن لا أعتقد أن مطلب عزل هذا عن السلطة وتسليم ذاك سيحل أية مشكلة. الإهمام بالشأن العام أصبح حاجة في المجتمعات الحديثة القائمة على الإنتاج والتصدير والإستيراد والإستهلاك وحركة الرساميل والحاجة إلى الإقتراض الدائم. الدولة أصبحت، بالإضافة إلى جباية ضريبة سنوية على الأرض والأفراد، تجبي ضرائب متعددة تعود لتنفقها في برامج خدمية مثل التعليم والضمان الإجتماعي والصحي والصرف الصحي وتنظيم المدن وتنظيم الإقتصاد ومراقبة المالية وبناء الطرقات. إذا أردت أن تزيد مبيعاتك في مدينة سين فإنك ستطلب من الدولة بناء طريق إلى سين، ولذلك فأنت تحتاج إلى الوصول إلى السلطة التشريعية (أي سلطة اتخاذ القرار) أياً كانت طبيعتها، مجلس شعب أو حاكم مطلق، أو ضرب بالمندل. في هذا النوع من المجتمعات، السياسة هي عملية الوصول إلى السلطة التشريعية ومن ثم مشاركة هذه السلطة في اتخاذ القرارات وتطبيقها. وفي كثير من الحالات السلطة التشريعية تعطي حقوقاً عريضة للوزارات لوضع المعايير والتعليمات والإجراءات. إذن السياسة هي التفاوض على قرار بصدد مسألة تهم العموم يقوم باتخاذه جهاز معين يملك السلطة، أي القوة على الفرض والتطبيق. هذا يعني أن السياسة أيضاً هي الوصول إلى هذه السلطات والمشاركة في عملية اتخاذ قرارها. وبناءاً على هذا التعريق للسياسة، فإن الأسد يمارس السياسة في سوريا عن طريق مجلس الشعب، والتاجر الكبير الذي يستطيع الوصول إلى الأسد أيضاً يمارس السياسة، والتاجر الأصغر الذي يستطيع الوصول إلى الوزير يمارس السياسة. أما المنتسب إلى حزب فلا يمارس أي شيء غير سحب الشرعية عن النظام القائم ومحاولة سحب السلطة منه واستلامها بدلاً عنه. كيف يمكن إذن لهؤلاء أن يمارسوا السياسة الحقيقية حسب تعريفي؟ للإجابة على ذلك اسوق ملاحظة أخرى، وهي أن المشاركة في صنع القرار تحتاج إلى مؤسسات وبيروقراطية وتقنيين. السياسي الذي يتفاوض مع آخرين في موقع سلطة من أجل قرار يحتاج إلى مئات التكنوقراطيين ليعرف بالضبط على ماذا يفاوض. إذن نحن بحاجة إلى 1) طريقة للوصول إلى مركز القرار وصاحب السلطة، 2) وإلى معرفة بالمطالب من خلال تقنيين، 3) وإلى سياسيين ليتفاوضوا، 4) وإلى مؤسسة ليتم التفاوض ضمنها واتخاذ القرار ومن ثم تطبيقه. وبناءاً عليه أعتقد أن المطالب السياسية في حالة حكم سلطاني (ديكتاتوري محتكر) يجب أن تتركز على المطالبة بمؤسسات قبل المطالبة بالحكم والسلطة. أولاً نريد أن يكون مركز القرار في متناول اليد. هذا يتحقق إما بأن يحتكر أحدهم مركز القرار وأن نصل إليه بالواسطة والضغط، أو أن يتم تداول القيامة على مركز القرار بطريقة ما مثل الإنتخاب. ثانياً، يجب أن يكون مركز القرار مجهزاً بتقنيين يستطيعون طرح الحلول؛ يمكن أن يكونوا ملحقين بمركز القرار ويمكن أن يكونوا ملحقين ببقية السياسيين المتفاوضين، ويمكن أن يكونوا ملحقين بأصحاب المصلحة المعنيين باتخاذ القرار. على هؤلاء التقنيين صياغة المطالب، أو موضوع التفاوض. إن من أحد أهم نقاط ضعف الثورة السورية، وممارسة أي نوع من السياسة في سوريا، هو عدم وجود مطالب واضحة. نعم إنهاء القمع مطلب، لكنه ليس مطلب يبني مؤسسة أو يحقق مصالح اقتصادية، أي أنه مطلب حقوقي وليس سياسي. لا يجب التخلي عن هذه المطالب لكن يجب صياغة مطالب تمس عمل مؤسسة الدولة. إقالة المحافظ مطلب تنظيمي لكنه يقترب من السياسي، المطلب الحقيقي باعتقادي هو طرح إعادة تنظيم لمؤسسة المحافظة، وتحديد لسلطات المحافظ، وزيادة عدد المشاركين في القرار، وتحسين معايير عمل المؤسسة، وتحسين فرص الرقابة على عمل المؤسسة، وإمكانية طرح خيارات متعددة أمام المؤسسة من قبل أصحاب المصلحة. ثالثاً، ما هي مؤسسات اتخاذ القرار؟ وهل يمكن تحسين عملها؟ هل من الأفضل أن تخضع للسلطة المركزية أم للسلطة المحلية؟ هل يمكن ملء مناصبها بالإنتخاب بدل التعيين؟ هل هناك وسائل لمراقبة عملها، هل تستطيع منظمات المجتمع المدني المشاركة في المراقبة؟ هل تمويل المؤسسة مركزي أم محلي أم مشترك؟ كيف يمكن لغرفة التجارة أو للنقابة المهنية أو للشركة الخاصة أن تصل إلى هذا المركز؟ مطلب إسقاط النظام يعني أخذ السلطة من محتكرها وإعطائها لآخر، وبالتالي فهو مطلب صراع على السلطة وليس مطلب بناء مؤسسات لاتخاذ القرار يمكن التفاوض داخلها. يبدو لي الآن (مع سهولة التفكير النقدي في الماضي) أن مطالب الثورة كان من الأفضل لوكانت تخص اللامركزية الإدارية، تقوية جمع الضرائب محلياً ومركزيا، انتخابات نزيهة لمجلس الشعب وللمجالس المحلية، إمكانية اختيار السلطات المحلية مثل المحافظ ومدير المنطقة والناحية بالإنتخاب وليس بالتعيين، إلغاء الموافقات الأمنية على الأعمال، تسهيل معاملات إنشاء شركات، إيقاف الإحتكار الإقتصادي، تحسين أداء مؤسسات الدولة، إمكانية مراقبة الأداء التقني لهذه المؤسسات. المشكلة أن مثل هذه المطالب تفترض وجود ممثلين يقدمونها ويفاوضون عليها، أحزاب سياسية مثلاً، على أن تكون هذه الأحزاب قادرة على طرح برامج إقتصادية ومؤسساتية مفصلة، أي أن يكون لها أذرع تقنية وأن تكون قادرة على توفير التقنيين اللازمين للقيام بهذه الوظائف في حال وجود انتخابات. السياسة ليست حملات انتخابية (هذا الجزء المعروف، وهو جزء بسيط جداً)، السياسة هي القدرة على بناء المؤسسات وصياغة المطالب التقنية المفصلة، والقدرة على توفير الخبرات التقنية، والقدرة على توفير المفاوضين، والقدرة على جمع الأموال لدعم بناء المؤسسات، والقدرة على الضغط من خلال علاقات اقتصادية واجتماعية. الإنتخابات هي في الحقيقة الجزء الذي يمكن التخلص منه بقرعة بسيطة، ودوره فقط ضخ الدماء الجديدة في مؤسسات الدولة وتوفير الفرص لمشاركة أصحاب المصلحة (داعمي المرشح) في اتخاذ القرار المتعلق بالشأن العام. إن التحدي هو بناء دولة المؤسسات والخدمات والضريبة وليس فقط التنافس على رئاسة أو وزارات. سيقول قائل، ولكن كيف نحقق هذا والنظام عبارة عن شبكة طفيلية تتحكم بمؤسسات الدولة عن طريق الأمن والجيش؟ هذا تحد حقيقي لنظرية إمكان بناء مؤسسات الدولة الحديثة مع وجود الديكتاتورية ويجب التفكير فيه بجدية.

Houssam Attal هي بدها قراءه متأنية وصفنه وتفكير، نظير.


Ahmad Nazir Atassi انا ايضا لا ازال افكر في الموضوع. وهذه مخاولة لصياغة الفكرة وفيها ثقوب كثيرة. يجب ان نعرف اين كانت المشكلة وكيف يمكن البدء بحلها. انا افترض ان هناك شيء ناقص في النظرية ولا افترض ان الناس اغبياء او عملاء او اخلاقيين او مجرمين. الناس تتصرف لاسباب مهما كان هذا التصرف. لماذا تصرفنا بهذه الكريقة ولماذا تصرف النظام بتلك الطريقة، ولماذا نرى نفس الافلام تنعاد مرة بعد اخرى.


Houssam Attal ياترى كيف خرجت دول اخرى (دول أمريكا اللاتينية كتشيلي والارجنتين او شرق اسيا كإندونيسيا والفيليبين) من هذه الدائره المعيبه: دكتاتورية/احتكار السلطه ومقومات السياسه وأدوات الدوله/تحول المعادله لصراع على السلطه، الخ...؟


Ahmad Nazir Atassi لم تخرج بشكل كامل، وهناك تجارب مختلفة. اعتقد ان تنشيط القطاع الخاص يلعب دورا كبيرا. ثم هناك وجود بيروقراطية جيدة وهذه قد يقوم ببنائها ديكتاتور مثل سنغافورة والصين. لكن لا بد من ابعاد المنظومة العسكرية عن المنظومة الاقتصادية وعن بيروقراطية الدولة. اخيرا هناك مسيرة طويلة لبناء احزاب سياسية قادرة على ممارسة السياسة كما وصفتها. في تشيلي مثلا تم اتفاق بين العسكر والمدنيين على الانسحاب من الحكم لقاء عدم المحاكمة. وهناك ايضا ثقافة طويلة من احترام القانون واحترام مؤسسات الدولة. احيانا الطبقات المدنية التي كانت تحكم قبل العسكر قد تعود اذا كان لديها الخبرة والعلاقات الاجتماعية. المشكلة في سوريا ان ثقافة احترام القانون معدومة وليس لدينا تاريخ غيها. كما ان عقلية الناس انفسهم سلطانية تعتقد ان الحكم هو نفسه السلطان. كل الاسلاميين من هذه الفصيلة، واليساريين ليسوا الا جماعة السلطان الديكتاتور او الدولة المتسلطة. وكذلك هناك امكانية تقوية العصبيات ايا كان نوعها.

2 حزيران 2018، الثورة منظوماتيًا

اخر بوست اليوم. لاحظت كلام كثير عن ثورتنا وثورة مضادة وسرقة الثورة. في جزء خطير من ثقافة الاحزاب وما يسمى العمل السياسي في سوريا يجب ان نتكلم عنه، وانصح حتى بالتخلص منه نهائيا. اي واحد يعتبر نفسه مثقف سوري يعتقد ان هناك علم قائم بذاته اسمه علم الثورات، ويعتقد لذلك ان هناك تعريف واضح وصريح ودقيق لدلالة كلمة ثورة، وان هناك مكونات معروفة للثورات وان هناك مراحل وثورة حقيقية وثورة زائفة وثورة مضادة وان الثورات تقوم لاسباب معروفة وانها تغير المجتمع والدولة بطريقة معروفة، اي نحو الاحسن. الحقيقة، باعتقادي، هذا كله خطا ومعرفة مصطنعة اساسها تلقفنا للمعارف الاوروبية عن ظاهرتين اساسيتين ومؤسستين، الثورة الفرنسية والثورة البلشفية. القوميين واليساريين والليبراليين وحتى الاسلاميين والسلفيين اخذوا معارفهم عما يعتقدون انه علم الثورات من هاتين الظاهرتين المؤسستين للتاريخ الاوروبي، بالاضافة الى عدد كبير من الظواهر ذات الصلة في اوروبا والعالم. فمثلا، وبالاستناد الى هاتين الظاهرتين والاخريات المتعلقة بهما ناقش كثيرون اذا كان من الممكن او الضروري او الجائز او الصحيح او الخطا وسم ماجرى في سوريا عام20111 بالثورة. ليس هناك علم ثورات، ولا توجد ثورات نموذجية، ولا توجد ثورات مخترقة او مضادة او مسروقة، ولا توجد مراحل ولا نخبة قائدة ولا توحيد صفوف ولا نقلة نوعية معروفة وواعية لنفسها. كما لا يوجد شيء اسمه ثورتنا او اهداف ثورتنا، او مبادئ ثورتنا. هذه كلها ايديولوجيات يتم اسقاطها على الواقع بتاثير رجعي وبعد الحدث. يمكن ان اقول انه لا يوجد شيء اسمه ثورة وانما اضطرابات من كل الانواع. بشكل ادق هناك دفع للمنظومة القائمة باتجاه زيادة الخيارات وكسر القوالب وتغيير القواعد اي باتجاه الفوضى الخلاقة. وفي كثير من الاحيان تكون هذه الفوضى مهدمة وغير خلاقة. خلق الفوض اساسي في عملية اي تغيير اذ يجب كسر قيود قديمة وفتح قنوات جديدة وإحداث خيارات جديده وصعود فئات جديدة ونزول فئات قديمة. مثلا يعتقد البعض ان ما حدث في سوريا هو ثورة، بالمعنى القديم التصحيحي او الانقلابي، على العادات والافكار المسماة بالية، مثلا ثورة على المجتمع الابوي الذكوري وثقافة التسلط على المراة. ويعتقد اخرون انها ثورة من اجل الحرية والديمقراطية، واخرون انها ثورة اسلامية، او ثورة ابناء ريف، او ثورة لاسقاط نظام الاسد العلوي، او ثورة ضد الفساد، او محاولة انقلاب او اعمال تخريب يقوم بها مندسين. وبناءا على تصورهم يعتقدون ان هناك ثورة مضادة او ثورة مسروقة او تشويه لوجه الثورة او اساءة لمبادئ الثورة. في الحقيقة، بالنسبة لي، اي انسان يتحدث عن هذه المصطلحات فهو انسان مؤدلج الى العظم، لا بل اقصائي ونخبوي ويحاول ان ينسب التاريخ لنفسه ليعطي نفسه الشرعية الثورية وبالتالي المكاسب التي قد تاتي من كونه الطرف المنتصر او الطرف صاحب المظلومية. اي اضطراب كما سميته يحتوي مئات العناصر والجماعات والاجندات والمطالب والايديولوجيات المتنافسة التي وجدت في الاضطرابات فرصتها للوصول الى الحكم او دور في الحكم وبالتالي فرض اجندتها. الثورة المضادة هم المنافسون او الناس الذين ملوا من تنافس الخطابات والفوضى. سارقو الثورة هم الجماعة الاكثر نفوذا في فترة ما بالنسبة للبقية المهمشين، اعداء الثورة هم المنافسون الالداء، مبادئ الثورة هي مبادئ الجماعة المعنية ولا تشترك بها مع اية جماعة اخرى، الثورة مستمرة يعني ان هذه الجماعة لاتزال في حلبة التنافس، تشويه وجه الثورة يعني صعود المنافسين، مراحل الثورة تعنية فترات زمنية تشرح متى خرجنا من اللعبة او متى دخلنا او متى انتصرنا وهكذا. اما كلام ماركس عن الجدلية والطبقة الوسطى الثورية وانتصار الشيوعية وديكتاتورية البروليتارية والثورة المضادةط ومقولات لينين عن الحزب النخبوي ووهو فملها ادهات لبناء الدين الجديد

18 حزيران 2018، الإلغاء

غريمك السياسي ليس عدوك. متى سمحت لنفسك بإلغائه او سمح هو لنفسه بإلغائك فان اللعبة السياسية تنتهي وتتحول إلى ديكتاتورية. قد تكره افكاره، قد تكره اخلاقه، قد تكره كل ما يمثله لكن يجب ان تقبل بحقه في الوجود وممارسة افكاره وبمشاركته في العملية السياسية. الاسد وجماعته لم يفهموا هذا، وكثير غيرهم ممن يسمون انفسهم معارضة لم يفهموه ايضا. القصر او القبر هو مبدأهم. وستبقى سوريا ساحة حرب حتى يقبل الجميع بحق الاخرين بالوجود. مهما كانت المظلومية التي تطرحها حقيقية، فان محاولتك إلغاء وجود الاخرين المختلفين عنك ستجعلك مثل الديكتاتورية التي تعاديها. كل الايديولوجيات يمكن ان تتحول الى ديكتاتوريات اذا رفضت حق المختلفين عنها بالوجود، اليسارية العلمانية، القومية العلمانية، القومية الاسلامية، الاسلاموية، الاشتراكية، الليبرالية، وغيرها. يتذمر البعض من الاسلاميين، ويتذمر الاسلاميون من العلمانيين. وفي كلتا الحالتين هناك ناس من الطرفين يؤمنون بان الاخر على باطل ولذلك فهو لا يستحق الوجود. هذا النوع من التفكير هو اساس مصيبتنا وسيبقى كذلك. وكل واحد الان يقول سرقتم ثورتي الطاهرة. الناس التي تظاهرت لا تنتمي الى هؤلاء او اولئك حصرا، بل فيها نن الجميع، ولا توجد ثورة واحدة ولا ثورة احسن من بقية الثورات. الثورات فوضى ولا يملكها احد الا اذا انتصر. حتى المؤيدين للنظام والرماديين سيتوجب علينا القبول بهم يوما ما. كل من يتكلم بالثورة الطاهرة، وهذه ثورتنا، والشرعية الثورية، وماذا فعلتم للثورة، ونحن ضحينا، ويحاول تشويه سمعة الاخرين وحرمانهم من الشرعية، وكل من يستخدم القوة والسلطة ليهمش الاخرين هو مشروع ديكتاتور سواءا كان اسلامي او علماني او اي شيء اخر. للاسف الشديد النظام، وكثير جدا من الثورجيين يشبهون بعضهم في هذه النقطة ولن يكونوا احسن من الاسد في حال استلموا الحكم. بالنسبة لي من يحاول الغاء حقي بالوجود هو عدو وساضطر ان اتعامل معه بمنطق البقاء مهما كان ولن اثق به معارضا كان ام مؤيدا. وكل من يحاول ان يقول ان الاساس هو اسقاط الاسد ثم نتحدث ونحل مشاكلنا هو اما حالم او صاحب اجندة في اقتناص السلطة وارسال البقية الى السجن.

6 تشرين الأول، 2017 - ثورة-ليش وصلنا لهون

محمد السيد October 6, 2017 · بلا فلسفة!!! من ذكرياتي الخاصة في بداية الثورة كانت اكثر كلمة تقال في الاجتماعات واللقاءات انه حاج تنظير وبلافلسفة اللافلسفة هاي بحد ذاتها فلسفة انا بسميها انه ثوار فلسفتهم بالثورة(اللافلسفة) او فلسفة(طجت لعبت) عاي حال مبروك

لهؤلاء العظماء الجنسيات الجديدة اللي حصلوا عليها فرنسية وامريكية وسويدية وتركية وغيرها 

وممكن يحذفوا حساباتن الفيسبوك عسى انه مايسبب البلاوي اللي وصلتلها البلد بسبب منطقهم اي كدر يكدر صفو بلادهم الجديدة خاتمة: الفلسفة صنو الفكر واي مجتمع يعادي الفلسفة(كمجتمعنا) هو مجتمع يعادي الفكر توماس بن يقول:التقدم اذا اراد الدخول لاي مجتمع او بلد طرق الباب وسئل هل من فكر حر؟ فان كان هناك فلاسفة وتفكير حر اقبل واستقر وان لم يجد ذهب وارتحل

12 تشرين الأول، 2017 -ثورة-ليش وصلنا لهون

هذه معركة من معارك السوريين لم ينتبه اليها الكثيرون. محمد السيد October 11, 2017 · فرط المعنى vs فقدان المعنى الوجودي يرى فرانكل ان فقدان المعنى للحياة يقود الى الاكتئاب الوجودي لكن الكثير من الاشخاص بالمقابل ارى ان اثقال المعنى لحياتهم يقود الى الاكتئاب لديهم هذا الكلام خاصة عند اولئك الذين لديهم معان سامية يسعون لها وليس لديهم مهارة التخطيط ومعرفة ربط الغايات بالوسائل الخطابات الحماسية وكثير من ابعاد التربية الدينية زادت المشكلة بحفر نموذج الكمال الخلقي والديني كنموذج مثالي جدا وصعب المنال ايضا الفايسبوك ووسائل التواصل التي قربت الانسان من الاحداث العالمية بمآسيها مع فرط التفاعل وصدق الرغبة بالعمل والتاثير وقصر اليد عن ذلك من العوامل المولدة للاكتئاب لدى الشباب ولعل النقاش يقدح افكارا اخرى ...

12 تشرين الأول، 2017 - ثورة-الرماديين-كنا عايشين

Ahmad Nazir Atassi October 12, 2017 · Shared with Public سعد دويداري October 11, 2017 · 🌟 *كنا عايشين ... لماذا هذه الثورة؟!*🌟 في احدى ليالي سجن تدمر، وبكل تأكيد أداء الصلاة ممنوعة. قام أحد المعتقلين بالصلاة سرا بالليل. ومن فتحة السقف شاهده أحد السجانين. نادى رئيس المهجع .. علملي هالكلب اللي ميصلي ❗ (( التعليم مقصود به هو خبط رأس السجين من قبل صديقه رئيس المهجع بالحائط ليكون شق في الرأس ... هذا الشق يعتبر علامة )) ⚡في صباح اليوم التالي ... سحل السجين لباحة التعذيب وتناوب على تعذيبه السجانون حتى غروب الشمس اعادوه كما يلي: مقلوع العينين والاظافر ... مكسر الاضلاع ... و ينزف من كل جسده ... ورأسه من الضرب بحجم اليقطينة الكبيرة منفوخ ... ولون جسده أسود من جلد السياط عليه .. السياط التي مزقت لحمه حتى بانت عظامه .. رموه في الزنزانة يئن على حافة الموت الا قليلا ... وكان رفاقه يحاولون التخفيف عن ألمه ومداواة جراحه ما امكن ... فجأة ... لفظ السجين انفاسه ومات ... ⚡قام رئيس المهجع بالخبط على باب الزنزانة ... السجان: شو في ولك حيوان❓ عريف المهجع:

سيدي عنا حالة وفاة؛ السجين رقم كذا ... 

كون يمنع مناداة الاسم بسجن تدمر ولكل معتقل رقم هو بديل اسمه ... السجان:

يالله حضروه لهل الخنزير تنجي ناخدو ...

⚡لحظات وترتجف الجثة ويبصق السجين دما وتعود انفاسه ويعود للحياة...

يبدو انها سكتة قلبية مؤقتة ...

يأتي السجان ... ويقول: هاتولي هالخنزير المؤمن ... عريف المهجع:

سيدي بس رجع عاش ...

السجان:

قرررد كيف عاش ... 

عريف المهجع: والله يا سيدي يبدو كانت سكتة قلبية مؤقتة ... السجان: هممممممم ولكنني سجلته في سجل الوفيات وآاااافيني شق الورقة ... طالعلي هالكلب ... ⚡ويخرجون السجين ويضعونه على وزرة الباب (( بلاطة بعرض ١٠سم مرتفعة عن الارض .. )) يضعون السجين منكبا على صدره فوقها ... ويأمر السجان اثنين من عناصره أن يقفزوا فوق السجين ... وتنكسر ضلوعه تحت وطأة بساطيرهم لتخترق رئته... فيلفظ آخر أنفاسه ويموت. ⚡فيأخذوه بعدها الى الوادي القريب وهو مدفن الجثث الجماعي لمعتقلي سجن تدمر ... ⚡وبهذا لا تنشق ورقة السجل ... ولكن يقتل السجين ... ⚡هذا ما قصه لي شهود على قيد الحياة شاهدو الجريمة بام أعينهم ولم ينسوها ... ونحن أيضا لن ننسى ظلم وطغيان عصابة الأسد أبدا ...

14 تشرين الأول، 2017 - ثورة-ليش وصلنا لهون

داء اخر عند المجموعات السورية

معاوية الصباغ‎ is with Dr-Jameel Daghestani and 6 others . October 13, 2012 · مفاهيم تحتاج لإعادة نظر (1) المفهوم: بما أن الإسلام دين شامل وهو منهج حياة متكامل ويمس كل المجالات والتخصصات، فهذا يعني أن تنظيما إسلاميا هو تنظيم شامل وفيه كل التخصصات التي تستطيع إدارة كل مجالات المجتمع. أين الخطأ في هذا المفهوم؟ الخطأ هو أن نورث خصائص الإسلام وصفاته للتنظيم. وهكذا يصبح التنظيم هو الشمولي وهو منهج الحياة المتكامل وهو الذي يجب أن يدير شؤون كل المجالات والتخصصات. إن فعلنا ذلك فإننا نكون قد أخطأنا في عدة أمور أذكر منها اثنين مهمين وخطيرين أولا: بما أن الإسلام مقدس فإن التنظيم أصبح مقدس وأعضاء التنظيم من أصغر عضو إلى أعلى منصب قيادي فيه أصبح مقدسا وبالتالي كل تصرفات وممارسات وقرارات التنظيم كأفراد وكمجموع أصبح مقدسا ثانيا: بما أن التنظيم قد ورث صفة الشمولية فهذا يعني أنه يجب أن يحتوي على جميع الوحدات التنظيمية التي يجب أن تحقق الشمولية. أي يجب أن يكون به وحدة تنظيمية تعنى بالفكر وتطويره ووحدة تنظيمية تعنى بالتربية من أجل تربية الأفراد على أفكار التنظيم ووحدة تنظيمية للتشريع ووحدة تنظيمية للقضاء ووحدة تنظيمية لممارسة السياسة ووحدة تنظيمية لممارسة الاقتصاد ووحدة للدراسات والأبحاث ووحدة تنظيمية للشؤون العسكرية ووحدة تنظيمية للشؤون الأمنية ووحدة للشؤون الإعلامية ووحدة للشؤون الإغاثية ووحدة ووحدة ووحدة.... إلخ. نسيت أن أوضح أن هذه الوحدات يجب أن تكون على مستوى الدولة لكي تسير شؤون الدولة بطريقة شمولية. لقد حاولت الشيوعية كنظام شمولي أن تفعل ذلك ولكن الكل يعرف أين أصبحت الشيوعية. يعلم الجميع أن التنظيمات عبارة عن وسائل تتأسس لإنجاز أعمال قابلة للتحقيق، أي لابد من التخصص في النهاية وإلا لن يستطيع التنظيم إنجاز شيء كمن يحاول حمل بطيختين بيد واحد لذلك أدعو لتصحيح المفاهيم وفصل خصائص الإسلام المقدسة عن خصائص التنظيم البشرية ومن ثم التخصص وإدارة أمور التنظيم بطرق الإدارة المهنية حتى يستطيع هذا التنظيم إنجاز شيء عملي بدلا من الكلام النظري الذي لايسمن ولايغني من جوع

11 تشرين الثاني، 2017 - ثورة-ليش وصلنا لهون

محمد السيد November 10, 2017 · صدقوني مشكلتنا مشكلة اخلاق اكتر من كونها مشكلة علم ... مشكلة حكمة اكتر من كونها مشكلة معارف .. مشكلة ولاء وانتماء اكتر من كونها مشكلة مهارات .. لمن لايعلم... في صفوف معارضتنا عالم نانو تكنولوجي يعتبر عمود استقلال التكنولوجيا النووية الفرنسية عن الصناعات النووية الامريكية حائز على ثلاثة شهادات دكتوراة في تخصصه مع نيله وسام الاستحقاق لفرنسي من الدرجة الممتازة لاسهاماته العلمية وهو نائب عمدة مدينة فرنسية ونائب رئيس اكبر الشركات العلمية والتقنية في اوروبا الدولة الفرنسية متعهدة بحياته المالية كاملة مع راتب تقاعدي كبير تقديرا لجهوده.. هاد الشخص نفسه لما صارت القصة متعلقة بالثورة و الوطن كان وراء طباعة اكثر من مليون جواز سفر مزور وهدر اكثر من عشرة مليون دولار وبسبب هذا كثير من السوريين والناشطين اعتقلوا او منعوا من تجديد اقاماتهم ناهيك هن الاصطفاف السياسي الذي يلعبه ودوره في المجلس الوطني والائتلاف وغيرها مشان ماحدا يستغرب

6 كانون الأول 2018، بعيدًا عن فكرةالمظلومية في الثورة

رح اطلع من قصة السترات الصفر وركز على مشاكلنا. السؤال الصعب هو كيف ممكن نشرح ما حصل في سوريا بحيث نستطيع ايضا ان نضع حلولا ممكنة. منطق الظالم والمظلوم لا ينتج الا حكايات حماسية. الظالم والمظلوم اشخاص ولا يمكن ان اقتصر على اتخاذ موقف مناصر للمظلوم مهما فعل. حتى ولو تخليت عن الشخص وركزت على الفعل الواحد لما استطعت ان افعل اكثر من تقييم كل فعل على مقياس الظالم والمظلوم واتخاذ موقف تجاه الادوار بغض النظر عن من يلعبها. لا يمكن مثلا ان اقول ان الثائر السوري مظلوم مهما فعل. قد يجعلني هذا اتخفف من تانيب الضمير لكن اقراري بذلك التقييم لن يغير شيئا. كل ما هنالك انني ساناصره الى ان يصبح هو ايضا ظالما لاشخاص اخرين. ولنا في جيش الاسلام وقائده زهران علوش اوضح مثال. جماعة تعرضوا للظلم ثم ثاروا ثم تفرعنوا ثم ظلموا. هذا يعني ان موقفي تجاههم هو ان اناصرهم حتى يقترفوا الذنب فاتوقف عندها واتهمهم بالخيانة. تقسيم الناس او الافعال الى ظالم ومظلوم لا يشرح لنا ظاهرة جيش الاسلام ولا يشرح فشل الثورة السورية بكل حالاتها او مراحلها. اريد ادوات ومفاهيم تحليلية استطيع باستخدامها شرح الظواهر المتعددة واقتراح الحلول. الثورة على الظلم كفعل مقاومة مثيرة للتعاطف والتشجيع لكنها بحد ذاتها لا تحمل اية قيمة تفسيرية او عملية، الثورة بذاتها لا تعني التغيير. وبالنسبة لي وبعد سنوات الحرب فانها اصبحت محل خوف وقلق وريبة اكثر من حماسة وتعاطف وتشجيع.

1 نيسان 2019، نقد لنقد نقد الاستبداد

على طريق نقد «نقد الاستبداد» بالطبع كل الحكام لهم فئات اجتماعية يعتمدون عليها. الكاتب يسخر من نشطاء الربيع العربي لانهم لا ينتبهون الى الدعم من تحت الذي يتلاقاه الحكام مهما كان استبدادهم، ويتهمهم بانهم بثورتهم يهملون حقوق فئات من حقها ان تدعم من تريد، ويعيب عليهم انهم لا ينتبهون الى تخلفهم انفسهم وتخلف المجتمعات التي ينتمون إليها. ثم يعطينا درسا من الثورة البلشفية المجيدة، وهي كذلك بالنسبة للكاتب، حيث اعترف البلشفيًون بتخلف الفلاحين حتى عندما تحالفوا معهم. وبعد الانتصار حاولوا اخراج هؤلاء الفلاحين من تخلفهم، بالقوة طبعا. هذا يعني ان البلشفيين كان يحق لهم ان يثوروا على حكامهم المدعومين بفئات تحتية متخلفة ورجعية، بينما لا يحق لنشطاء الثورات العربية ان يثوروا على حكامهم لانه ياتون من مجتمعات متخلفة ولانهم لا يراعون حرية الفئات التي تدعم الحكام. باختصار اذا كنت تقدميا فيحق لك ان تقوم بثورة وتفرض افكارك على الاغلبية لانها متخلفة. لكن لا يحق لاية اغلبية او اقلية ان تقوم بثورة لانها متخلفة ورجعية. هذا نفسه هو الكاتب الذي يدافع عن فكرة التقدم وينفي ان تكون مجرد لاهوت بالنسبة له لانه يؤمن بالتقدم المناسب وليس بالتقدم الخنفشاري. بالطبع هذه المقالة جاءت للرد على مثالة حسام الدين درويش في نقد مقالة اخرى لموريس عايق Morris Keya عن لاثورية ثورات الربيع العربي. وقد دافعت عن حرية الحوار وطرح الافكار بشكل بناء واعتبرت الاتهامات بالدفاع عن النظام وبالثقافوية من اشكال تكميم الافواه. لكن يبدو ان هناك معسكرا آخر لا يقل قدرة على كيل الاتهامات والاستهزاء بالآخرين. اعتقد اننا دخلنا في مستنقع التشبيح الفكري. وانا انأى بنفسي عن هكذا جو.

كتبت تعليقا على مقالة الكاتب وسيم سعادة زعمت فيه أن الكاتب يتبع منهج الخيار والفقوس في تقييم الثورات. أي بالنسبة له توجد ثورات جيدة وثورات سيئة. أو لنستخدم مصطلح موريس عايق هناك ثورات ثورية وثورات غير ثورية. وزعمت في بوستي السابق بأن الكاتب يعتمد الثورة البلشفية كمثال عن الثورات الثورية، والربيع العربي كمثال عن الثورات غير الثورية. أنا لا أعرف الكاتب، لكني لاحظت أن الكاتب يدخل في النقاش الدائر، أو الذي انتهى، بين مقالة العايق عن لاثورية الربيع العربي ومقالة الدرويش في الرد على العايق عن استحالة لا ثورية هذه الثورات. أفكار العايق تجد صدى لها في عدة مقالات وضعها هو على صفحته كتبها وسيم سعادة وسامي الكيال. في هذه المقالات عدة نقاط يبدو أن الكتاب الثلاثة (أو على الأقل عايق وسعادة) يتفقون عليها بنسب مختلفة: أولاً، (التقدم) هناك مفهوم أساسي يسمونه التقدم لا يمكن بغيابه إجراء أي انتقاد للمجتمعات، وبالتالي دفعها نحو تغيير يحمل قيمة بالنسبة للكتاب. المحور الاساسي هو تقييم التغيير، وخاصة التغيير الحاصل عن طريق ثورات أو انتفاضات أو ما شئت من حركات اجتماعية جماهيرية. هذا التقدم غائم بعض الشيء، على الأقل بالنسبة لي، فتارة يستدعي طيف أفكار التنوير الأوروبي وتارة يستدعي طيف الصراع الطبقي وأفكار اليسار الماركسي وتارة يستدعي أفكار الحداثة في نسختها الجديدة المتمثلة بحقوق الإنسان ومجتمعات الرفاهية والتحرر على النمط الليبرالي الأوروبي. والحق يقال الكتاب لا يبشرون بإنجيل الديمقراطية والحداثة ويعترفون أن الليبرالية الأوروبية وبعض الداعين لها قد حولوا التقدم إلى لاهوت لا يأتيه الباطل لا من أمامه ولا من خلفه. لكن تبقى المجتمعات بالنسبة للكتاب في طريق الضلال أو الضياع إذا لم تتخذ لنفسها معياراً للتقدم يمكنها من تقييم مسيرتها نحو المستقبل. ثانياً، (الثورية) هناك مفهوم التغيير عن طريق الثورة، لكن الثورة كما ينوه هؤلاء الكتاب لا تدفع بالضرورة نحو تغيير جيد (حسب معيار التقدم). إذن هناك ثورات رجعية أو محافظة أو لا ثورية في مطالبها ونتائجها. وهم يتفقون على أن ثورات الربيع العربي تبدو لهم من النوع الغريب الذي تنتفض فيه بعض الفئات ضد الإستبداد في حين أنها هي نفسها تقوم بممارسات استبدادية تجاه المرأة مثلاً أو المثليين أو فئات اجتماعية أخرى. الغرابه هي في ثورة أناس من أجل التحرر من الإستبداد في حين أنهم غير تحرريين في مجالات أخرى. وبالتالي ثورات الربيع العربي هي ثورات غير ثورية، أي لا تسعى نحو تغيير تقدمي حسب التعريف أعلاه. ومن هذا المنطلق ينتقد الكتاب مظلومية الثائرين، والظالمين في نفس الوقت وفي مجال آخر. ثالثاً، (لاثورية الربيع العربي في مصر وسوريا على الأقل) هناك انتقاد جذب الإنتباه إلى أن ثورات الربيع العربي قامت بها أغلبيات سنية (خاصة في مصر وسوريا) في حين ساندت الاقليات الدينية الحكام القائمين والمنعوتين بالإستبداد من قبل الثوار. بالنسبة للكتاب، يتعمد الثائرون تجاهل هذه الحقيقة ويتهمون تلك الفئات التي بقيت مساندة للأنظمة القائمة بأنها مشاركة في الإستبداد الذي يقوم به الحكام. أو على الأقل فإن من لم يساند الأنظمة وجد أن هذه الأنظمة بغض النظر عن طبيعتها الإستبدادية تحمي حقوقهم وبالتالي فإنه لا يجوز تأثيمهم واتهامهم بالإستبداد إذا اختاروا أن لا يقفوا في صفوف الثائرين. رابعاً، (معضلة الطامح إلى التقدم تجاه الربيع العربي) في مقالته قبل الأخيرة ركز العايق على الثورة المصرية ولمح للثورة السورية ليوضح فكرته أنه إذا لم تكون ثورات الربيع العربي ثورية فلا يجب انتقاد الأقليات الدينية على امتناعها عن تأييد الثورات واندفاعها إلى الوقوف إلى جانب الحكام لأنهم أمام خيارين أحلاهما مر. هذان الخيارا صاغهما العايق بمزحة قصير عن الإنسان الطامح إلى التغيير الحقيقي (التحرري والتقدمي) الذي يجد معاشرة الشبيح أرحم من معاشرة الثائر المحافظ. لكن الدرويش حاجج بأن الحالة السورية هي المقصودة في مقالة العايق وبأن النظام السوري مستبد وعنفي إلى درجة لا يمكن لأي إنسان أخلاقي أن يسانده ولا يمكن لأي إنسان يعاديه إلا أن يكون على حد أدنى من الأخلاق والثورية (أي استحالة الثورة دون أخلاق، واستحالة الوقوف مع المستبدين دون فقدان الأخلاق). خامساً، (الإستبداد يشرح كل شيء) ثم كتب سعاددة مقالته الأخيرة حيث ميز جماعتين، النشطاء والمثقفين، الأولى تثور على استبداد (مزعوم أم لا) والثانية تدافع عن ثورة الأولى؛ الأولى محافظة وغير ثورية، والثانية جعلت من فعل الثورة بذاته آلهة يعبدونها وينافحون عنها وبالتالي اتهمت كل من يعارض الأولى بأنه مستبد أيضاً. وتحدث الكاتب عن أيديولوجية المظلومية والإستبداد التي تجعل إستبداد الحاكم أساس كل الأخطاء والعيوب الإجتماعية، وتعتقد أن هذه الأخطاء ستزول بزوال الإستبداد، وهي تنسى في الوقت نفسه أنها أيضاً مستبدة لكن في مجال آخر غير سياسي. وليصف هذا التناقض ذكر الكاتب مقولة للفيلسوف سبينوزا عن أن الثائرين على عبوديتهم غالباً ما يستبدلونها بعبودية أخرى، وتساءل عما إذا كان بعض التحرر عبودية بطريقة أخرى وبعض العبودية تحرر بطريقة أخرى. ويبدو لي أن تساؤل الكاتب هو عن طبيعة الإنسان عامة، وبالأخص طبيعة "الإنسان الشرقي". وجذب سعادة انتباهنا إلى مقولة ماركس عن "الإستبداد الشرقي" ملمحاً إلى أن الأخير هو المقصود بالهارب من العبودية إلى عبودية أخرى تحت مسمى التحرر. إذا كانت هذه النقاط الخمسة غير موجودة في المقالات المشار إليها فاني بالطبع قد أسات الفهم. لكن إذا كانت موجودة فماذا يمكن لنا أن نستنتج من هذه النقاط. معيار التقدم، وككل معيار في الدنيا، يفرضه الإنسان، وهو بالتالي لاهوت. لا يوجد معيار هو الخير المطلق. ولا يوجد معيار يصلح لكل الناس والمجتمعات. فكرة التقدم كمعيار للتغيير تستند إلى وجود قيم كونية، لا بل بيولوجية يمكن قياسها. وهذه القيم خطية بمعنى أن المزيد منها يعني المزيد من الرفاه والسعادة للبشر. هذه القيم اشارت إليها فلسفات التنوير الأوروبية (أو اكتشفتها) لكنها تعدت أولئك المكتشفين لتتربع على عرش الكون. إذا فشلت أوروبا نفسها بالإلتزام بهذا المعيار فلا يعني أنه سيء وإنما يعني أن اوروبا تسير في الطريق الخطأ. ألا يذكرنا هذا بمنطق الملتزمين بالأديان وبكل الأيديولوجيات بأن الخطأ في التطبيق وليس في الافكار، اي الخطأ في الناس وليس في المعيار. وبالتالي فالحل هو إعادة التجربة حتى تنجح المساعي. بالنسبة لي، لا يختلف المعيار الاخلاقي لدرويش كثيراً عن معيار التقدم في نفيه للنسبية حسب السياق ، فالأخير مادي فرداني يركز على السعادة والرفاهية والحقوق، في حين أن الاول ميتافيزيقي يركز على الموقف والإلتزام بالمتعالي عن البشر. لكن في الحالتين الحق بين والباطل بين ولا مكان للنسبية والسياق. وبما أن الثورات في سوريا وفي مصر قد خرجت عن هاجسها الأولي، اي التقد والتحرر، واتجهت نحو الاسلمة، فإنها خرجت من نطاق الثورية بما هي سعي نحو التقدم. وينتقد سعادة "جماعة المثقفين" لأنهم لا يرون أو لا يريدون أو يروا لاثورية النشطاء الثورجيين؛ وأنهم قد اخترعوا لاهوت الإستبداد، فكل أخطاء النشطاء ورجعيتهم ولاثوريتهم تدخل في خطاب المثقفين تحت بند نتائج الإستبداد وكأن الناس كانوا ملائكة إلى أن جاء شيطان الإستبداد وأغواهم. وكل انتقاد للثوار يتحول في خطاب المثقفين إلى اتهام بالثقافوية، حسب سعادة، التي تكمم الافواه بدعوى أن الناقد إنما ينتقد الضحايا على آلامهم التي ليست لهم يد في وجودها. وبالنتيجة فإما أن يكون المثقفون خوارج عن الثورة الحقيقية أو أنهم مرجئة ينتظرون زوال الإستبداد ليتبينوا إن كان النشطاء ثوريين فعلاً أم رجعيين. وهنا يأتي مثال الثورة البلشفية. قد لا يوافق سعادة على كل تاريخ الإتحاد السوفيتي، لكنه معجب بالتأكيد بقدرة البلشفيين على أن يقولوا للأعور أعور بعينه، أي أن يعترفوا بلاثورية ورجعية حلفائهم في الثورة أي الفلاحين. بينما فشل المثقفون في فعل ذلك بسبب عمى الإستبداد. الجواب بالنسبة لدرويش سهل جداً، الأخلاق مواقف فردية، وحسب الحالة يكون الموقف. إذا ارتكب أحد النشطاء فعلاً لا أخلاقياً فسيعترف هو بلا أخلاقية الفعل. لكن تبقى الثورة على الإستبداد المطلق للنظام السوري محمودة بحد ذاتها. أي أن الناشط أو الثورجي قد ينخرط في فعلين، الاول هو الثورة وهي فعل أخلاقي، والثاني قد يكون التعصب الديني المستبد وهو فعل لا أخلاقي. ويبقى منتقد الثورة على الإستبداد بناءاً على افعال القائمين بها غير محق في نقده لأنه يخلط بين الفعلين. وفي تنويه سعادة إلى أن وجود أي حاكم مطلق لا يكون ممكناً إلا بدعم من بعض الفئات الإجتماعية. فإذا كانت كل الفئات معارضة فإن شرعية الحاكم ستقوم على العنف المطلق الذي سيؤدي بالضرورة إلى انتهاء الحاكم وحكمه بتمرد شعبي لا محالة. ويعيب بالتالي على النشطاء والمثقفين الداعمين لهم بأنهم يهملون هذا الجانب وبانهم يتهمون المستفيدين من الحاكم بأنهم على نفس السوية من الإستبداد. وهنا يعود الإستبداد، حسب سعادة، ليتصدر ساحة النقاش فسعادة يعتقد أن المثقفين لا يميزون إلا نوعين من الناس، المؤيد للمستبد وهذا ما يجعله مستبداً بالضرورة، والمعارض للمستبد وهذا ما يجعل ثورياً بالضرورة. وهو يعتقد، كما يعتقد العايق، بأن المؤيد ليس بالضرورة مؤيداً وإنما هو الراغب بالتغيير والواقع تحت مقصلة المعضلة السابقة الذكر، أي المرين أحلى الشبيح الذي يعطيني حقوقي أم الثورجي الذي يأخذها مني. التطور الذي لا أوافق عليه في النقاش هو اتهام ناقدي الثورة بأنهم بنقدهم يؤيدون استبداد النظام (القمع)، واتهام ناقدي الناقدين بأنهم بنقدهم المضاد يؤيدون استبداد الثوار (الرجعية). إنها فعلاً اتهامات بالتشبيح والتشبيح المضاد، والخاسر في النهاية هو النقاش. بتوقف النقاش يتوقف تطوير المفاهيم ويتحول النقاش إلى تراشق بالإتهامات على الطريقة الأيديولوجية (اليسارية أو الإسلاموية): أنت ماوي وأنت تيتوي، أو أنت كافر وأنت مرجئ. أستنتج من كلام العايق وسعادة بأن أغلبية السوريين صامتة لا مؤيدة ولا معارضة لأنها لا ترى القمع عند الاسد فقط لكنها ترى القمع (قمع سياسي) ايضاً عند الثورجيين (قمع اجتماعي) وعليها أن تختار أحدهما، القبول بعدم التعرض للسياسة مقابل ممارسة الثقافة المسموح بها (قبول بالأقليات)، أو المشاركة في السياسة مقابل خسارة الثقافة (رفض الاقليات). في هذه الحالة، أليست الاقليات هنا مجرد رجعيات دينية لكن ما يشفع لها فقط هو أنها غير سنية (حيث السنية تعني الرجعية بالضرورة). وفي هذا يقول العايق بان مشكلة الثورجيين هي في رفضهم التخلي عن سنيتهم (اي التخلي عن وصايتهم على الاقليات الدينية من باب حكم الاغلبية). أليس هذا اختزالاً لشرائح واسعة من المجتمع السوري في المتعصبين منهم. الصادم في الموضوع هو أن معيار التقدم يشمل الإعتراف بحقوق الاقليات الدينية والإثنية (رغم قيامه على مفهوم المواطنة) وبالتالي فإن الثورية الحقة تعترف بحقوق الاقليات الدينية والإثنية بينما تفرض على الاغلبية المواطنة العمومية وتعطي الأقليات المواطنة الخصوصية. لكن ماذا لو كانت هذه الاقليات رجعية بثقافتها، فهل يمكن الضغط عليها وإجبارها على التغيير الثوري أم يجب التغاضي عن رجعيتها فقط لأنها اقليات والاقليات بالضرورة مضطهدة. أليس هذا تعامياً عن رجعية الاقليات الدينية اجتماعياً فقط لأنهم أقليات. أليست هذه مظلومية أبدية تقوم على لاهوت الإستبداد السني الذي يفسر كل شيء. ألا يمكن أن نعارض مقولة العايق بمقولة أخرى مفادها أن مشكلة الاقليات هي في رفضهم التخلي عن أقلويتهم (اي التخلي عن لاهوت الإستبداد السني الأزلي) ثم أليست كل الثورات من فعل فئة صغيرة تفرض افكارها وبرنامجها على بقية المجتمع. وهل كان البلشفيون أغلبية في مجتمعهم الروسي. وهل يشفع لهم اعترافهم برجعية الفلاحين ليقوموا بعدها بالاستيلاء على أراضيهم وسوقهم إلى معسكرات العمل الشاق. إذن أليست كل الثورات التي تحقق التقدم هي بالتالي أفعال غير تقدمية لأنها غير ديمقراطية. أم أن هناك ثورات مشفوع لها وثورات غير مشفوع له، خيار وفقوس. ما هو الحل إذن. البعض يقول بوجود عدة مراحل للأعوام الثمانية الماضية، مرحلة ثورية حقيقية، ومرحلة أسلمة لا ثورية. آخرون يقولون بأن الثورة الحقيقية توقفت وأن ما جاء بعدها من فصائل إسلامية لا يمت للثورة بصلة. البعض يضع زوال الإستبداد كأولوية يمكن بعدها مناقشة كل المشاكل العالقة مثل رجعية بعض الثائرين. آخرون يلعنون الحرب كشر مطلق ويحملون كل مآسيهم على عاتق شيطان الحرب الذي يقبع في كل عقل وكل مكان. وهناك توجه اليوم إلى اتهام المجتمع الدولي بالتخلي عن السوريين وحتى بالتآمر على ثورتهم. لكن أليس من الممكن أن يكون كل هذا صحيحاً بنسب متفاوتة وحسب المكان والزمان والحدث. ألا يجب أن يكون لدينا معايير تقبل بغير الابيض والاسود وتقبل بغير التعميم. ألا يجب أن نعمل من أجل هدف مشترك نصل إليه بالتوافق. أليس ممكناً أن منطلقاتنا وأهدافنا حدية وعامة وشاملة وأزلية بينما يجب أن تكون أهدافنا جزئية ومرحلية ومحددة ومؤقتة. ألا يجب أن نتخلى عن الأخلاق المطلقة (الكونية) والتقدم المطلق (المنفلت من أية نسبية وسياق) حتى نستطيع أن نتوصل إلى تعريف للحرية والإزدهار والسعادة والأخلاق بالتوافق وعلى مقاسنا.

20 تشرين الأول 2019، فقه الحراك الشعبي

شوية تنظير عن فقه الحراك الشعبي. لكنه يحتاج الى نقاش. الحراك الشعبي الذي ميز انتفاضات المنطقة العربية منذ ٢٠١١، اثار كثيرا من التعاطف لكنه اسفر عن نتائج مختلفة واكثرها مثبط للامال. لا اريد ان ادخل في الاسباب فهي تختلف من بلد الى بلد، لكن هناك ملاحظات يمكن ذكرها عن الحراك كفعل وممارسة. فهل للحراك فقه يمكن الاخذ بنصائحه. نعم هناك كثيرين كتبوا عن آليات الحراك استلهموها من وقائع مختلفة في بلدان وازمن مختلفة. واريد هنا ان اذكر ثلاث نقاط اعتقد انها شديدة الاهمية للحراكات الجارية في منطقتنا اولا، الاطار. الحراك الشعبي بالتعريف ينفجر دون اعلان ودون تنظيم. وان في عشوائيته مصدر قوة اذ من الصعب السيطرة عليه واخماده. لكن عشوائيته يمكن ان تكون ايضا وبالا عليه لان هذه العشوائية مثل الاحتكاك في الحركة الميكانيكية، فهي تبدد الطاقة بشكل حرارة وهو اقل اشكال الطاقة تنظيما . كثيرون تقفذ اذهانهم الى فكرة القيادة الموحدة وفكرة مركزية التنظيم. تحدث السوريون بهاتين الفكرتين الى ان تعبوا وشاءت الاحداث ان يبقى السؤال دون جواب. هل هناك حاجة الى تنظيم وقيادة مركزيتين؟ جوابي هو خليط من ايجاب ونفي. اي فعل يحتاج الى توجيه وتنظيم حتى يؤتي اكله، لكن هناك انواع كثيرة من التنظيم وادوات كثير ايضا. توحيد القيادة ليس ضروريا الا اذا عاندت السلطة القائمة في التجاوب مع الحراك والدخول في مفاوضات معه. وفي الحالة السورية مثلا بحثنا عن ابسط انواع التنظيم والتوجيه باعتبار ان الدولة قضت على كل الاحزاب والجمعيات وحتى المجموعات الاهلية. وقد وجدنا ان الحراك المحلي في القرية او الحارة ليس عشوائيا لكنه كذلك لا يخضع لقيادة مركزية هرمية. هناك في كل مجتمع محلي شبكة من الناشطين الذين يقومون بادوار ووظائف تساعد على التنظيم وتوجيه الجهود الفردية باتجاه جهد جماعي هو التظاهر. لم يملك هؤلاء الناشطون ايك سلطة على المتظاهرين الا بقد ما قدموا لهم من خدمات مثل التنسيق وتحضير الهتافات ورسم طريق المظاهرة وتنظيم جلسات الحوار بين المتظاهرين. هذا الحد الادني سميناه بالإطار فهو ليس قيادة وليس مؤسسة ولكنه توجيه للجهود لتصب في قناة واحدة. يمكن لهذا الاطار ان يتطور باتجاه نوع من القيادة. اذ عندما توضحت مهام كل دور واصبح من الممكن نقلها الى اشخاص يختصون بها، انتقل ناشطو الاطار الى التواصل مع نظرتئهم في المناطق والاحياء المجاورة للتنسيق معهم بهدف اخراج مظاهرات اكبر وفي ساحات اكبر. نجاح مثل هذه النقلة النوعية في بنية الاطار الناظم يعتمد على استمرار المختصين بالتطاهر في عملهم وعلى تنسيق عملهم مع المنسقين بين المناطق، اي على نشوء نوع من قبول الاقرب الى الارض بنصائح واتفاقات المنسقين على مستوى اعلى هو مستوى عدد من البلدات. هذا مثال عن تطور ابسط انواع التنظيم. لكن اذا كان المجتمع غير مفرغ نهائيا من الاطر الاكثر مؤسساتية مثل المنظمات والاحزاب والنقابات فانه من الضروري الاتكاء عليها للاضطلاع بمهمةالتنسيق على المستويات الابعد عن الارض. واذا كانت هذه المنظمات تمتلك صفة تمثيلية لمجموعة من المواطنين كنقابة او حتى مؤسسة خيرية لها سمعة طيبة، فان عملها سيكون اسهل بسبب وجود نوع من السلطة في هذه المؤسسات يسمح لها باعطاء النصائح والحصول على الموافقة من المواطنين. ثانيا، المطالب. اي حراك يفشل في انتاج مطالب تتمتع باجماع المشاركين فانها ستبدد جهودها وستفشل. الهتافات ليست مطالب، والصراخ لا يجدي في عملية التغيير. لولا اعني هنا مطالب مثل نريد خبز ونريد اسقاط النظام ونريد محاسب الفاسدين. هذه المطالب تفيد في تجييش المتظاهرين وجذب مزيد من المشاركين لكنها لا تفيد في التفاوض مع السلطة القائمة. قنوات التغيير قليلة ومعروفة فاما انقلاب عام وتغيير النظام الحاكم، وهذه مغامرة، او اجبار السلطة على التفاوض ومن ثم اصدار تشريعات تفيد التغيير وتؤسس له وترسم قنواته وادواته. اذا قابلت السلطة الحراك بالعنف الجديد فان امل المتظاهرين الوحيد هو في الصمود الى حين يغير الجيش وغيره من ادوات العنف خندقه وينتقل الى خندق التغيير. اما في حالات الحراك السلمي غير المجابه بالعنف المفرط فان على الحراك انتاج اطار تنظيمي بالمعنى المذكور اعلاه يستطيع ادامة الحراك من جهة وصياغة المطالب من جهك اخرى. هذه المطالب من الضروري ان تكون مفهومة من قبل السلطة القائمة، اي انها مطالب مؤسساتية وتشريعية. يمكن اقتراح مسودة قانون لمحاربة الفساد، او اقتراح قانون يخفف من سلطات جهاز متغول، او اقتراح قانون احزاب وجمعيات يسمح بحرية اكثر في المشاركة السياسية، او اقتراح انشاء مؤسسات جديدة مخولة تشريعيا باحداث تغييرات بنيوية. المطالب التي لا تتكلم لغة المؤسسة هي مطالب غير قابلة للتحقيق. وكذلك فان التركيز على اشخاص لا ينفع لان السلطة الحاكمة ستجد كبش فداء وستقوم بالتضحية به لتخفيف غليان الشارع. تغيير الاشخاص لا يغير البنية بالتالي لا يغير جذور الازمة التي ادت الى الحراك. من الضروري ايضا اقتراح جدول زمني لتحقيق التغييرات وانشاء مؤسسة غير دولتية تتابع عمل الحراك لكن بشكل مؤسساتي وضمن بيئة الدولة. ويجب الحذر من اية مطالب قد تسمح للسلطة القائمة بتوسيع دائرتها دون تغيير بنيتها. يعني اذا ادى الحراك الى زيادة عدد نواب البرلمان مثلا فان الداخلين الجدد سيكونوا جزءا من السلطة الحاكمة وسيتوقفون عن تمثيل مصالح الحراك. الوصول الى صيغة مناسبة للمطالب وعدد مناسب لها واطار تنظيمي قادر على التفاوض عليه هو عمل معقد وجبار ويحتاج الى خبرات نظرية وعملية. ثالثا، المؤسسة الحاملة. قد ينجح بعض الناشطين الاذكياء والخبراء ان يصوغوا قائمة مطالب جيدة. لكن هذه المطالب ستبقى مجرد شعارات اذا لم يوجد فريق مفتوض يحملها الى السلطات ويفاوض عليها. اذا تخطى الحراك محنة المطالب، وهي محنة قاتلة فعلا، فانه سيجابه محنة اصعب وهي محنة الاجماع على مفوضين بالتفاوض. التمثيل ليس شرطا لانه يحتاج الى انتخاب وتنظيم. التفويض اسهل ويمكن ان يتم منحه لمختصين مثل النقابيين او الحزبيين ذوي الخبرة في مناصب الدولة او المحامين والاقتصاديين. بالطبع كل من له طموح سياسية سيقفز على هذه الفرصة لاعتقاده بان التفاوض سيكون على المحاصصة والمناصب. سيؤدي التنافس على التفويض الى سعار حقيقي قد يفتت الحراك ويقتله. وان من مصلحة السلطة الحاكمة البحث عن مثل هذا التنافس واستغلاله، وهي بالتأكيد ستستغله. قد يحتاج المجتمع الى عدة محاولات في الانتفاض ليصل الى مرحلة انتقاء المفوضين وحصول التفاوض. فاذا حصل التفاوض فانه من الضروري اجبار السلطة الحاكمة على التفاوض على اعلى مستوى يمكن الوصول اليه. رئيس الشرطة ليس مفاوضا مثلا. يجب ان يفهم الحراك ينية السلطة حتى يحددوا تماما مراكز اتخاذ القرار. في احيان كثيرة لا يكون مركز القرار واضحا. مثلا في الحراك السوري التفاوض مع وزير لا يفيد ابدا. وحتى التفاوض مع الرئيس لم يكن مجديا. لقد كانت السلطة موزعة في شبكة من الاشخاص ورؤساء الاجهزة ورجال الاعمال. طبعا الحالة السورية معقدة بسبب الغياب الكامل للمؤسسة فالدولة مجرد غطاء لشبكة مافيوية متعددة الرؤوس والتشعبات. في هذه الحالة، وفي اية حالة اخرى فانه من المفيد الدخول في تفاوض مع عدة اطراف متنفذة في الدولة وخارجهة. السلطة دائما موزعة في نخبة حاكمة. طالما قدمت هذه النخبة واجهة موحدة فانه من الصعب اجبارها على قبول التغيير. لكن دائما هناك شروخ في اية نخبة وخاصة في اوقات الازمات. يجب ان يفهم المفاوضون هذه الشروخ وان يستفيدوا منها. ان انتقال اي من افراد النخب الحاكمة الى صف الحراك هو عامل قوة. هنا ننتقل فعلا الى السياسة بما هي التفاوض بين النخب. الحراك الناجح هو الذي يؤدي الى تغيير في بنية النخب الحاكمة واصطفافاتها وتوازناتها. لكن هذا يأخذ وقتا طويلا ولا يمكن التخطيط له. فمثلا دخول البرجوازية الى النخبة الحاكمة في فرنسا بعد الثورة الفرنسية امر يدرسه الطلاب في المدارس، لكنه لم يكن امرا معروفا او مخططا له اثناء الثورة. كانت هناك قرائن تشير اليه لكن سنوات الثورة الحامية شهدت صعود ثوريين شعبويين مثل روبسبيير سيطروا على الساحة وكانت البرجوازية ممثلة بعناصر اقل ثورية واقل ظهورا. واذا استطاع الحوار جذب شرائح واسعة من المجتمع يمكنها ان تشكل جبهة عريضة لها وزنها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فان النخبة الحاكمة ستفكر ألف مرة قبل ان تقمع الحراك. اية سلطة مجتمعية مهما كانت طبيعتها فانها تستطيع ان تقابل سلطة النخب الحاكمة وتتوازن معها من اجل انتاج تغيير بنيوي.

28 تشرين الأول 2019، فخ الآيدولوجية الديموقراطية

كل هذه الشعوب التي تطالب بتغيير الحكومة وقعت في فخ ايديولوجية الديمقراطية التي تصور الدولة على انها مؤسسة تنبع من الشعب وتخدم الشعب وتقوم على وطنية اعضائها واستقامتهم. هذا ليس فقط خطأ تاريخي بل هو ايضا خطأ استراتيجي. الحكومات لا تمثل الا مصالح اعضائها ومن يمولهم ولا تخدم الا مصالح هؤلاء. لكن هذا لا يعني التخلص منها. بل يعني تغيير طريقة التفكير بها. لا يوجد سياسي اخلاقي، لا بل السياسي الاخلاقي هو سياسي فاشل. لا يجب ان يتوقع الانسان من اصحاب السلطة ان يمارسوا سلتطهم بروادع اخلاقية وحس بالمسؤولية وتفاني في نكران الذات والعمل لمصلحة الجماعة. هذه مجرد ايديولوجيا استخدمتها الحكومات منذ ظهرت هذه البنيات الى الوجود. اذا اردت من الحكومة ان تخدمك فغير في قواعد اللعبة السياسية بحيث تضطر الحكومة لخدمة هذه المصالح كوسيلة في ممارسة صراعاتها وتوازناتها. لا تنظر الى الحكومة كواجب بل كشر لا بد منه، ووظيفتك هي ان تجعل هذا الشر يخدمك من خلال لعبة السلطة. ودائما فكر بوسائل اضافية لخدمة هذه المصالح خارج الحكومة وكأنها غير موجودة. فكر بالحكومة كمجموعة حرامية وفاسدين، لكنك تحتاجهم. ودائما اخلق مؤسسات موازية اضافية تقوم بنفس الوظائف وكأن الحكومة غير موجودة. المطالبة بمحاسبة الفاسدين احلام سيتسلق عليها فاسدون جدد ليصلوا الى الحكم. ما عليك ان تفعله هو خلق تنافس بين الفاسدين بحيث لا يتحدوا ضدك. كل اصحاب الشركات يعرفون بان اية صداقة بين المحاسب وامين الصندوق تعني نهاية شركتك. انت لا تريد طرد الحرامية فهذا يعني طرد كل الحكومة، لكن يجب ان لا تسمح لحرامي واحد ان يتحكم بمقاليد السلطة، يجب ان تكون هناك مجموعات حرامية متنافسة. ويجب ان تجد طريقة ليستثمر الحرامية اموالهم في البلد. انت لا تريد حرامي كسول يتنعم بفوائد امواله في البنوك، انت تريد حرامي نشيط يستثمر امواله في السوق الداخلية. الدولة توازن قوى وليست مؤسسة انت والشعب رؤساءها. الناس لا تثور على حكام حرامية، الناس تثور على حكام حرامية لايداولون المال بين الناس.

أحمد الزيادة اسمحلي ببعض الاسئلة: ١- لماذا وكيف تصبح الدولة ممثلة فقط لأعضائها؟ لماذا لا تكون ممثلة للشعب حتى في الدول الديموقراطية؟ أين الخلل المنهجي؟ ٢- لماذا ليس هناك سياسي اخلاقي؟ لماذا تعززون هذه الفكرة؟ لماذا تكون السياسة ضد الاخلاق؟ كيف أصبحت كذلك؟


Ahmad Nazir Atassi أحمد الصادق العفو، الذي الذي ازعجكم بآرائي. انا اجد صعوبة في قبول هذا الاستنتاجات لكني اجدها تخاصرني. لماذا تكون الدولة ممثلة للشعب، ما الذي يجبر صاحب السلطة ان يخضع لاشخاص لا يملكون السلطة وان يخدمهم ويرعى مصالحهم. الفكرة صعبة على القبول. الجميع يتكلم بحس المسؤولية تجاه الجماعة، لكني لم اجد يوما ان السياسي سخدم الجماعة وهو المفترض به ان يفعل. اذا حسبناها من باب المصالح والقوى وليس الاخلاق فلا يوجد ما يجبر صاحب السلطة على خدمة احد الا اذا كان المجتمع يملك قوة موازية توازن قوة صاحب السلطة. الاخلاق تحكم التعامل بين الافراد وليس بين المؤسسات او الشخصيات الاعتبارية او المناصب. السياسة ليست ضد الاخلاق لكنها غير محكومة بالاخلاق. كيف ترضي الجميع؟ كيف تصل الى اجماع؟ كيف تقنع فئة بان ترضخ لرأي فئة اخرى حتى ولو كانت اقلية مقابل اغلبية. لم تصبح كذلك، هي كانت دائما كذلك

28 تشرين الأول 2019، المطالب وتوازن القوى

عندما اتحدث عن اقامة دولة بتوازن قوى فانا اتحدث عن وجود قواعد للعبة السياسية. عندما تتطابق القواعد الحقيقية للعبة مع القانون والدستور فالجميع في نعيم. لكن من الخطأ الاعتقاد بان القانون والدستور والمؤسسة يسبقون توازن القوى. يمكن ان نضع احسن دستور في الدنيا وان نعلمه للاجيال ليل نهار، لكن هذا لن يعطينا دولة تخدم مصالح شرائح واسعة من الناس. الدولة تخدم مصالح القوى الداخلة في التوازن فقط. المؤسسات موجود فقط لادارة التوازن. حتى نظام بشار الاسد فيه توازن قوى، والدولة تخدم مصالح هذه القوى. المشكلة هي ان الشعب ليس واحدا من القوى الداخلة في التوازن. مؤسسات الدولة في سوريا لها فائدة وهي خدمة مصالح القوى الداخلة في التوازن ولذلك فإننا نراها خالية من المعنى لانها ببساطة لا تخدم مصالحنا نحن. يمكن ان نطالب بالديمقراطية الى ابد الآبدين ولن يحصل شيء ولن يتغير شيء. التغيير يحصل عندما تدخل شرائح واسعة من الناس في معادلة السلطة. ومن اجل ذلك فان هذه الشرائح بحاجة الى قوى تمثلها وتدخل في لعبة الدولة. ولذلك فان الاحزاب الايديولوجية لا تستلم السلطة الا عن طريق انقلابات، وعندها لا تسمح لاحد بالمشاركة. رأس المال قوة، الاتباع قوة، السلاح قوة، التجمع في احزاب مصلحية قوة، التدخل الخارجي قوة، المعابر على الحدود قوة، العشائر المطيعة قوة، المظاهرات التي لها مطالب وتمثيل قوة، الخبرة والعلوم قوة، المؤسسات المنضبطة وذات الهدف قوة، الشركات والمصانع قوة، العلاقات الخارجية قوة. عندما نعرف القوى الجالسة على الطاولة فسنعرف نوع الدولة. من الخطأ الاعتقاد بان الديكتاتورية هي مجرد حكم الفرد بقوة السلاح. حافظ الاسد لم يحكم بالمخابرات فقط، وبشار الاسد لم يحكم بالعلويين والفرقة الرابعة فقط. هناك قوى اقتصادية ومجتمعية وخارجية تدخل في معادلة الدولة. ومن الخطأ الاعتقاد بان امريكا او فرنسا محكومة بالدستور والقانون والاخلاق الحميدة. انها محكومة بتوازنات قوى وضعت القانون والدستور كقواعد للعبة توازناتها وسمتها ديمقراطية. الديمقراطية ليست مؤسسات بيروقراطية، المؤسس مجرد ادوات ادارة لها تاريخ غير مرتبط بتاريخ الديمقراطية.

28 تشرين الأول 2019، قوة المتظاهرين مقابل قوة الدولة

سؤال بسيط، اذا كانت الدولة تملك القوة العسكرية فلماذا ستسمع لمطالب المتظاهرين؟ لا يوجد اي سبب يجبر الدولة على اخذ المتظاهرين بعين الاعتبار. تستجيب الدولة للمطالب اذا استطاع المتظاهرون تحويل تظاهرهم الى نوع من الراسمال، الى نوع من القوة التي تعادل قوة الدولة. القوة ليست بالضرورة سلاح، لكن لن يجلس على طاولة التفاوض ورسم قواعد لعبة السياسة الا من يمتلك انواعا من القوة تعادل قوة الدولة. ببساطة كل التظاهر لا ينفع دون ادوات لتحويله الى رساميل تفهمها الدولة. من هذه الادوات المال والاستثمارات، العلاقات الخارجية، السلاح، كتل هائلة من الناخبين، القدرة على تعطيل الاقتصاد دون التأذي به، القدرة على ايقاف اعمال النخب، الجيش والشرطة. اذا كان الجيش والنخبة الاقتصادية والقوى الاقليمية والدولية وكتل الناخبين المسماة طوائف متحالفة مع النخبة الحاكمة فلا يمكن لاية مظاهرات اي تغير شيئا. المثقفين الذين يجعلون الديمقراطية هدف سامي نصل إليه بالاخلاق والمواقف والمطالب الفردية والتظاهر دون التنظيم، لا يقدمون اية خدمة للناس، بل بالعكس يسيئون إليهم. الثورات المغسولة والمعدة للاستهلاك التي نعلمها للطلاب مثل الثورة الفرنسية مضرة لانها تحجب ديناميكية التغيير الحقيقية وتجعلها تبدو وكأنها رحلة ممتعة من التظاهر والاشعار والشعارات الرنانة وحلقات الدبكة والخطابات والاعتصامات. كل هذه الافعال بحد ذاتها لا تجلب التغيير الا اذا كانت من باب عرض القوى. التظاهر لمجرد الغضب والتنفيس لا يجلب اي تغيير. ويمكن اعتباره دورة تعليمية في احسن الاحوال.

1 تشرين الثاني 2019، تعليق على مقالة "الاجتماعي المتواري خلف الانتفاضة العربية"

لاجتماعي المتواري خلف الانتفاضة العربية

يقدم موريس العايق اربع ملاحظات ثاقبة للحراكات في المنطقة. اريد انتقاء جملة واحدة فيها عقدة من عقد المظاهرات كحامل للمطالب. يطرح الكاتب سيناريو متخيل يؤدي الى السؤال المعضلة: "لنضع المسألة عبر الافتراض التالي، وهو أن الحكومة سقطت ومعها البرلمان، وتم إقرار انتخابات مبكرة. عندها يُطرح السؤال حول النظام الانتخابي الذي ستُنظَّم الانتخابات على أساسه. وبهذا الشكل يصبح الوضع مختلفاً تماماً. وقتها سيفكر المسيحي أو الدرزي، بأن نظاماً انتخابياً خارج القيد الطائفي وعلى أساس لبنان دائرة واحدة مترافقة مع غلبة تصويت طائفي (يصوت الشيعي للشيعي والماروني للماروني وهكذا، وهي فرضية عقلانية تماماً في الشرط اللبناني) ستتركهما عراة أمام الواقع العددي الذي لا يصب في مصلحتهما." هذه المعضلة تواجهني مثلا عندما اقرر الاشتراك في الانتخابات المحلية او الفيدرالية في المدينة الصغيرة التي اسكنها في الولايات المتحدة. اذا كان معظم اهالي المدينة من الجمهوريين المتشددين، اي انهم سيصوتون للحزب الجمهوري مهما كان المرشح، فما معنى الديمقراطية بالنسبة لشخص مثلي لا يحب الجمهوريين ولا ايديولوجيتهم. المشكلة اذن ليست فقط في الانقسام حسب الطوائف وتحويل الطوائف الى كتل تصويت سياسية. العصبية مشكلة مهما كان شكلها. لكن النظام الطائفي في لبنان قد يطرح مخرجا لشخص في حالتي، اي حالة الاقلية. اذا كانت هناك حصة للديمقراطيين فصوتي سيكون دائما مسموعا. هذا حساب بسيط ومنطقي، ونتيجته بالطبع القضاء على الديمقراطية. فأين يكمن الخلل اذن؟ بشار الاسد لم يفعل اكثر من التلويح بمثل هذا السيناريو حتى ركضت الاقليات تطلب منه الحماية والقضاء على ثورة الاغلبية. اين الخلل اذن؟ كثيرون ممن شاركوا بالثورة السورية (بالطبع ليس الجميع) كان خطابهم نسخة سنية عن خطاب الاسد، اي انهم قدموا ثورتهم على انها ثورة استرجاع لحق الاغلبية السنية. هؤلاء فهموا الديمقراطية على اساس انها حكم الاغلبية، الاغلبية الطائفية. لكن اين الخطأ في المنطق، الاقتراع دائما يفضل الاغلبية. لكن اية اغلبية؟ ان 51% لا تتبعها اية صفة. انها لا تعبر عن السنة او عن الجمهوريين او عن اية هوية ثابتة لا تتغير. خطأ الاسلامويين، والذي هو الشكل السني لمنطق الاسد، يكمن في اعتبارهم ان ال 51% لها صفة واحدة لا تتغير مهما تغير موضوع الاقتراع، اي صفة السنية. ولذلك فإن اسلمة الثورة، والتي دفع نحوها الاسد والاخوان والجهاديين على حد سواء، كانت ببساطة نهاية هذه الثورة، لان الرسالة التي اعلنتها كانت واضحة وضوح الشمس، يا اقليات ستحكمكم الاغلبية السنية الى الابد. عندما تصوت اية مجموعة صغيرة او كبيرة على قرار فانها لا تصوت على هويتها وانما على القرار نفسه. مشكلة سياسة الهويات هي ان اي تصويت مهما اختلف موضوعه هو تصويت على الهوية. اذا كان موضوع التصويت هو صكوك دين عام لتمويل مراحيض عامة، او كان انتقاء رئيس، او كان منع التمخط في الشارع فان الحملة الانتخابية العصبوية واحدة، هل تريد ان تحكمك اقلية دينية ام اكثرية دينية، هل تريد ان ترى النساء عاريات ام كاسيات، هل تريد ان يحفظ اولادك القرآن ام ان يحفظوا اغاني الراب. ولذلك فان اكبر خطر على الديمقراطية هي حكام مثل الاسد وايديولوجيات مثل الاسلاموية. وهنا الاجابة على السؤال التافه، هل الاسلام متناغم مع الديمقراطية. الجواب بسيط، عن اي اسلام تتحدث. الاسلام التراثي لا علاقة له بالتصويت الا اذا كان مشروع القرار يخالف تعاليم الاسلام وهذا ينطبق على كل الايديولوجيات. اما الاسلام السياسي فهو بالتأكيد معادي للديمقراطية. وظيفة الاسلامويين بسيطة اذن، وهي المماهاة بين نسختهم من الاسلام وبين الاسلام التراثي حتى لا يتركوا اي خيار آخر للناخبين. نعود الى المعضلة الاولى، معضلة العصبية وتأثيرها على الانتخابات. فاذا صوت كل ناخب حسب عصبيته فان النتيجة محسومة مسبقا لصالح العصبية الغالبة عدديا. لكن في الحقيقة، ومهما استفحل الخطاب الهوياتي فان الناس لا تصوت دائما حسب هويتها وانما حسب مصالحها. لكن اذا مأسسنا العصبية في نظام المحاصصة فاننا نخرج اعتبار المصالح من المعادلة نهائيا ونربطها بوسيط هو امير الطائفة او العصبية. أي أن العصبية لا تطرح أية برامج إنتخابية، لا ضريبة ولا إصلاحات ولا إنعاش إقتصادي، تعبر عن مصالح الناس؛ مشروعها الوحيد هو الهوية والحفاظ عليها أو الحصة في كل شيء. لذلك اقول بان سيناريو الكاتب هو سيناريو منقوص، لانه يفترض ان الانتخابات تقتصر على انتخاب الرئيس او نائب البرلمان، وان الدوائر الانتخابية مطابقة لمناطق التوزع الطائفي وان هذه المناطق ستبقى متمايزة طائفيا الى الابد. اعتقد ان ذكاء السيناريو هو في تعمد اغفال الكاتب للبيئة التي يجري فيها الانتخاب وترك مهمة تخيل البيئة للقارئ. هذا القارئ الطائفي بالاصل والمعتاد على الدولة التي فيها وظيفتان منتخبتان فقط الرئيس والنائب. مثل هذا القارئ سيتوصل بسرعة الى النتيجة الواضحة وهي ان الديمقراطية لا تنفع في بلاد العصبيات الطائفية. في الحقيقة كل الشعوب منقسمة الى عصبيات، وكثيرا ما تكون الانتخابات محسومة سلفا، لكن الحل في تعدد الوظائف التي تحكمها الانتخابات، وفي اعادة رسم المناطق الانتخابية بعد كل احصاء للسكان، ورسم هذه المناطق على اساس غير طائفي. وفي البرلمان مثلا يجب ان يكون الباب مفتوحا امام التحالفات المصلحية والا فان المحاصصة الطائفية ستعطل اي قرار. تقسيم الحكم الى مستويين محلي ومركزي خطوة اساسية في اتجاه تذرير السلطة ( اي تقسيمها على وظائف كثيرة بحيث يصعب تجميعها). مارس عصبيتك محليا ومارس مصلحتك مركزيا. وحتى الانتخابات المحلية ذررها الى مجلس محلي ووظائف تنفيذية مثل قائمقام ورئيس شرطة ورئيس بلدية، واجعل القضاء المحلي انتخابيا ايضا. افصل بين السلطات ولا تجعل البرلمان ينتخب الرئيس. يمكن ايضا ان تفصل بين الرئاسة ورئاسة الوزراء، يمكن ان تقسم البرلمان الى قسمين كل قسم له طريقة مختلفة في تحديد الدوائر الانتخابية. هذه الافكار ليست حديثة. عندنا امثلة من التاريخ. في مسيرة تطور الحكم في اثينا الاغريقية وقبل مرحلة الديمقراطية تمت اعادة رسم الدوائر الانتخابية على اساس السكن وليس على اساس القبيلة. كل الشعوب تعرف هذه التكتيكات. وحتى القبائل كانت تنقسم في الصراعات على اساسين اساس الانتماء العشائري واساس الانتماء المصلحي. الناس تعتقد ان حروب اليمنية والقيسية كانت حروب قبلية، في الحقيقة لا، التحالفات قيسية يمنية كانت مصلحية وتقسم القبيلة الواحدة حتى.

8 تشرين الثاني 2019، مفهوم النضال من أجل القضية

يقولون مناضل او مناضلة، يقولون امضى عمره يكافح من اجل حقوق شعبه، يقولون هب لنصرة الشعب الفقير والمضطهد، يقولون ذالب بالعدالة والمساواة لجميع الناس، يقولون وقف في وجه قوى الاستغلال والقمع. اتساءل احيانا، ما معنى ان يكون للانسان قضية يناضل من اجلها، وما معنى ان تكون هذه القضية هي نفسها قضية آلاف من المضطهدين والمستغلين والمظلومين. ما معنى ان يضحي الانسان من اجل الآخرين ، ما معنى ان يكون لفرد او لجماعة حقوق وحقوق مهضومة، حرية وحرية مسلوبة، مطالب ومطالب مشروعة. الحركات اليسارية تقول بأنها تناضل من اجل طبقات الكادحين، والحركات الاسلامية تقول بأنها تحقق العدالة للجميع حتى ان اوائل شعارات الاخوان المسلمين في سوريا كانت الاشتراكية الاسلامية؛ ونجحوا في نشر سردية عن بدايات الاسلام جعلت من محمد مناضل من اجل حقوق العبيد والكادحين وضد البرجوازية القرشية؛ واليوم يقول الشاب المثقف وبكل ثقة بان الاسلام كامت حركة تحرر اجتماعية. وقرر العبقري ماركس بان العمال طبقة ثورية بطبيعتها وانها وحدها القادرة على قلب الموازين وانها وحدها التي تستحق استلام السلطة وملكية وسائل الانتاج وتوزيع الثروة. كانت هذه الفكرة متجذرة الى درجة ان غلبعثي العلوي صلاح جديد لم يجد اي تناقض في المساواة بين الاقليات الدينية والجماهير الكادحة الثورية. واليوم نشاهددالمظاهرات تلو المظاهرات تطالب النخب الحاكمة بأن تفعل هذا وذاك لأن الشعب يقول والشعب يستحق والشعب مصدر السلطات والدولة مجرد خادمة لرغباته وملبية لحاجاته. اعرف ان للانسان حاجات ورغبات فردية، وانه دائما يحاول تلبيتها . لكن ما لا افهمه هو كيفية الانتقال من الحاجات الفردية الى الحاجات الجماعية، كيف يمكن تعريفها، من يحددها، وكيف تكتسب اولوية وتصبح حقوقا وحقوقا مشروعة، كيف يصبح الانسان مضطهدا ومستعبدا، ولماذا تدور كل السرديات السياسية حول حقوق الكادحين، او حقوق الشعب. من يقرر هذه الحقوق ومن يقرر بانها مسلوبة ومن يقرر ضرورة استرجاعها وكيفيته. من يقرر بان الراسمالية سيئة والاشتراكية جيدة، الامبريالية سيئة والاستقلال جيدا، النيوليبرالية سيئة والمزيد من تدخل الدولة جيدا. ما هي الاخلاق ولماذا نحتاجها وما هي الاخلاق الجيدة والاخلاق السيئة. كيف نقرر من هو الضحية ومن هو الجلاد، من هو الظالم ومن هو المظلوم. لماذا الثورات دائمة محقة ومشروعة وجيدة. ما هي المعايير ومن يضعها ولماذا نحتاجها. لماذا يهجم الذئب على الذئب ليأخذ فريسته، ونسمي ذلك غريزة، بينما نسمي الفعل ذاته عند الانسان جريمة. لماذا الموت الطبيعي مقبول وطبيعي بينما الموت بالقتل غير طبيغي وغير مقبول. لماذا نطيع الاله الذي قدر علينا الحياة والموت ونشكره بينما نشنق من يقتل شخصا آخر. أليست كل هذه الامور مجرد تبريرات تتساوى في نفاقها وتهافتها،

9 تشرين الثاني 2019، عن النضال ضد الرأسمالية والعدالة

هل النضال ضد الرأسمالية هو الحل؟ هل الوقوف الى جانب الفقراء هو الحل؟ هل إدخال الدولة في معادلة تداول الثروة هو الحل؟ في الحقيقة شعارات النضال من اجل المساواة في توزيع الثروة وتمليك المصانع للعمال والارض للفلاحين لم تعد تروق لي. فكرة النضال ضد شيء او من اجل شيء ضد اشخاص او من اجل اشخاص ضد جماعات او من اجل جماعات لم تعد تكفيني كفعل تغييري. النظر الى المنظومة الاقتصادية على انها نتاج للجشع، على انها غير عادلة ويجب تغييرها بهذه الطريقة او تلك، لم تعد تقنعني. الفئة القليلة التي تستغل الاكثرية، النضال من اجل الاكثرية، الاخذ من هذا واعطاء ذاك لم تعد أفكارا تعني التغيير بالنسبة لي. لقد اصبحت تعني الفهم التبسيطي للمنظومة المعقدة والذي سيؤدي بالضرورة الى كوارث. لا يوجد شيء اسمه عدالة في التوزيع او عدالة اجتماعية، ولا يوجد شيء اسمه نضال ضد الظالمين ومن اجل المظلومين. النظر إلى المنظومة السياسية من خلال هذه الثنائيات اصبحت اراه ساذجا وكارثيا في احيان كثيرة. اصبحت أمقت خطاب المثقفين وخاصة اليساريين ومزاعمهم بانهم يناضلون من اجل قضية المظلومين او من اجل العدالة او من اجل البيئة. اصبحت اعتبر مثل هذا الخطاب نفاقا لا أكثر ولا أقل. الصراع الطبقي وثورة الطبقات الكادحة مفاهيم حديثة لا تقل سذاجة عن انتظار المهدي او ثورة آل البيت لاسترجاع الخلافة. بدأت اسأل اسئلة من نمط ما هو محل مثل هذا الخطاب في المنظومة الاكبر، لماذا توجد هذه الايديولوجيات، وما هي وظيفتها في المنظومة. وبالمقابل ما هو محل خطاب الليبرالية والرأسمالية في المنظومة. وجدت ان كل منظومة اجتماعية كبرى (اي مجتمع مع اقتصاد ودولة) تقوم على توازن قوى وتجاذبات. ويتم التعبير عن هذه التجاذبات بثنائيات متناقضة، او صراع اضداد كما قال ماركس، لكن هذا التعبير ليس هو المنظومة. لا يمكن انتقاء عدد محدود من الثنائيات واعتبارها نموذجا ديناميكيا للمنظومة. لكن يمكن اعتبارها كتقريب خطي للمنظومة في مرحلة زمنية قصيرة. ويمكن دائما انتقاء مجموعة اخرى من الثنائيات تنقلنا الى احداثيات اخرى، اي تغيير متحولات كما يسمونه في الرياضيات. اي ان صراع الخير والشر كنموذج وصفي وخطي للديناميكية لا يختلف كثيرا عن نموذج صراع الرأسمالية والطبقة العاملة الثورية. الاول اخلاق ميتافيزيقية والثاني اخلاق اقتصادية، لكن النموذج اخلاقي في الحالتين.

5 كانون الأول 2019، الحركات الاحتجاجية والنموذج الماركسي

في «الجهل» الثوري: انتفاضة ضد المربين


ان عصرنا يطرح تساؤلات صعبة لم يطرح مثلها منذ قرن من الزمن ربما. واعتقد ان صعوبة او جذرية الاسئلة تناسب جذرية التغيرات التي تحصل. احب في مقالات الاخ الكيال انه بتصدى للأسئلة الاعمق. قد لا يجيب عليها، لكنه لم يزعم ابدا ان لديه الاجابات الشافية، فتركيزه الآن كما اعتقد هو على تحديد الاسئلة الهامة وفرزها عن الاسئلة المبددة للجهود. احد هذه الاسئلة هو: لماذا لم تطرح موجات الحركات الاحتجاجية الاخيرة وصفا لمشاكلها، او تفسيرا عميقا لاسبابها، ولم تطرح كذلك مطالب او حلولا مناسبة لتلك المشاكل. العلوم الاجتماعية لا تملك مختبرات تسمح بتطبيق المنهج العلمي في البحث فتستعيض عنها بالمقارنة وامتحان النظريات المسبقة الصنع. هذا يعني مقارن عبر الزمن ومقارنة عبر الجغرافيا والثقافة. كما يعني هذا اعادة التنقيب في كتابات المفكرين والمنظرين السابقين علنا نجد قراءة جديدة لها او جزءا منها لم ننتبه سابقا لاهميته خاصة فيما يتعلق بظروفنا الحالية. انا مع المقارن، لكنني لا احب اعادة استكشاف محتوى الاوراق الصفراء. هذا خيار. وليس ذلك لاني اعتقد ان للنظريات حياة او ولادة ونضج وموت، وانما لان اعادة القراءة هي ضرب من التأويل. افضل ان نأخذ النظرية ونحولها الى نموذج وصفي باستخدام لغة وصفية موحدة، ثم نبني عليها. فما هو النموذج الوصفي الذي قدمه ماركس لدراسة حركة المجتمعات. لقد قدم ماركس لنا سلة من الادوات الفريدة: ١) مفهوم الوحدة الاجتماعية (مثل الطبقة) التي تتصرف ككتلة واحدة حين تعي نفسها. ٢) مفهوم نمط الانتاج كعامل اساسي غي تحديد البنيات الاجتماعية المختلفة. ٣) العلاقة الجدلية بين طرفين اجتماعيين مما يسبب التغير في المنظومة الاجتماعية (صراع الاضداد او الطبقات). اي انه اعطانا محركا للتاريخ. ٤) مفهوم الايديولوجيا كمعرفة تنتجها منظومة العلاقات عن نفسها؛ انها ذلك الوعي الزائف لطبيعة المجموعة البشرية ولطبيعة الديناميكيات التي تحكمها. ٥) مفهوم التغيير الجذري الثوري من خلال التدخل الواعي لفئات ثورية تعي المفاهيم سابقة الذكر. ٦) فكرة الدولة كأداة لخدمة مصالح ملاك ادوات الانتاج. لكن لابد لي من القول هنا بأن ماركس جعل الثورة الديناميكية الافضل للتغيير الاجتماعي(السياسي والاقتصادي والثقافي) مما خلق رومانسية هائلة حول هذه الممارسة الاجتماعية السياسية الحديثة. اننا ننتظر الثورات، ونحلم بها، ونخطط لها، ونتذمر حين لا تأتي، ونلوم المجتمع على تقصيره حين لا تأتي. والتأثير السلبي الآخر لأفكار ماركس .... يتبع