ثورات مقارنة-شذرات
محتويات
- ١ 2 ديسمبر، 2018، مقارنة بين السترات الصفراء والثورة السورية
- ٢ 3 ديسمبر، 2018، تظاهرات السترات الصفراء
- ٣ 16 أيار 2018، فلسطنة الأزمة السورية
- ٤ 24 تشرين الثاني 2018، في الدفع نحو فلسطنة الثورة السورية
- ٥ 25 تشرين الأول 2018، نقاش حول مقالة الحاج صالح الأخيرة عن الإبادة وفكرة فلسطنة الثورة
- ٦ 25 تشرين الثاني 2018، تابع لما قبله عن مقالة الحاج صالح
2 ديسمبر، 2018، مقارنة بين السترات الصفراء والثورة السورية
مظاهرات فرنسا تجمعها نقاط تشابه كثيرة مع بدايات الثورة السورية. انها تحمل ايضا كل مقومات الفشل، لكن هناك دائما اشياء لا نعرفها او لا نفهمها او لا نتوقعها. وسائل التواصل، غياب القيادة والتمثيل، غياب المطالب الموحدة، وجود المخربين الذين اصبحوا تقليدا فرنسيا منذ اواخر الثمانينات، خطاب الحكومة المتشدد، عدم مشاركة الطبقات المهنية الوسطى، سياسات ماكرون الاقتصادية، انتماء ماكرون الى نادي محبي ومقلدي بوتين مثل طرامب، انفصال النخبة الحاكمة عن الناس، عجز الثورة التكنولوجية الحديثة عن توليد ثروات تطال الجميع رغم توفيرها وسائل تبادل معلومات وتواصل سريعة، تقلص الضمانات الاجتماعية ودولة الاعالة. هذه الثورات الشعبية بدات في الربيع العربي وستستمر لفترة طولية لان اسبابها معولمة وادواتها معولمة. اننا نعيش مرحلة انتقالية لا نعرف في اي اتجاه ستستقر. اعتقد ان النخبة السياسية الاوروبية ستفعل كما فعلت في السابق اي القاء اللوم على المهاجرين ودعم تصاعد التيارات القومية اليمينية. صراع الهويات اسهل بكثير.
3 ديسمبر، 2018، تظاهرات السترات الصفراء
لا اعرف تفاصيل الاحتجاجات في فرنسا وقد بدات البارحة القراءة عنها لكن عندي ملاحظات اولية. ليس هناك حضور للاحزاب والنقابات. الحركات الاجتماعية التي لا تملك واجهة مؤسساتية لا تستطيع صياغة مطالب وايصالها الى اصحاب القرار. هذا الغياب يعني ان المحتجين لا يعتبرون ان المؤسسات السياسية والمطلبية تمثلهم، وهذا تكور لا يستهان به بالنسبة لبلد له تاريخ مع المؤسسة بكل اشكالها. الغياب له وجه اخر وهو تاخر المؤسسات السياسية في او عزوفها عن التواصل مع المحتجين ومحاولة امتصاصهم. هذا يعني ان هناك فئة من الشعب لم نعد مقتنعة بلعبة السياسة ولا تهمها المؤسسات السياسية الموالية والمعارضة على حد سواء.
الحضور الواضح للمخربين. لطالما تعاملت الدولة مع المخربين على انهم مسالة امنية بحتة. ولطالما لمحت الدولة الى انهم ياتون من الضواحي الفقيرة التي يسكنها اولاد المهاجرين القدماء والمهاجرون الجدد. لكن يبدو من الصعب فصل فئة المخربين عن فئة المحتجين، كما هو طبيعي وعادي في كل اعمال الاحتجاج. حان الوقت للتعامل مع ظاهرة المخربين بكل ابعادها السياسية والاجتماعية. هذه الظاهرة تعني ان هناك فئات واسعة من الشعب غير مؤطرة ضمن المؤسسات السياسية والمطلبية وبالتالي فانها ستلجا دائما للعنف والتخريب. سيكون من الصعب الان في فرنسا القيام بعمل احتجاجي دون عنف وتخريب. واعتقد ان الدولة ستزيد من عسكرة الشرطة وستتوجه اكثر فاكثر نحو التعامل الامني مع اي احتجاج.
خطاب الدولة يدل على انقسام ايديولوجي في البلد. الدولة تتذرع بالبيئة لزيادة الضرائب ويمشي معها قسم من السكان المستفيدين من الطفرة التكنولوجية الرقمية. بينما غير المستفيدين من الطبقة الوسطى والدنيا سيتبنون خطابا معاكسا، وحينها من سيمتصهم ويعبر عن مطالبهم غير اليمين المتطرف واليسار المتطرف. هذا وضع مشابه لثورات عام 1848 وهو وضع عايشناه في الثورة السورية عام 2011. سنرى قريبا ما اذا كانت الدولة ستعتمد العنف والتهميش ووصم المتظاهرين بالمندسين والمخربين ام انها ستحاول الاستماع اليهم ومساعدتهم في خلق ممثلين وصياغة مطالب. هذا هو الامتحان.
16 أيار 2018، فلسطنة الأزمة السورية
سوريا وفلسطين: الاستثناء والأبد والمذبحة
كالعادة لا تجود قريحة السوريين بالكلام والتحليل الا عندما ندغدغ القضية الفلسطينية، هذا النقل السيكولوجي لكل مشاكلنا الى قضية محايدة اقل كلفة نتفق جميعا ان العدو فيها خارجي وبعيد ونشترك في كرهه. القضية الفلسطينية هي رمز عصاب الشعب المقموع الذي لا يعرف كيف يجابه قامعه. لا بل اشد وادهى، القضية الفلسطينية تسمح لنا ان ندخل عالم الحداثة ونتحدث عن القومية والمنظومة الدولية والقانون الدولي واليسار العالمي والامبريالية والعولمة ونحن نعي تماما اننا لا تستطيع ان نواجه مشاكلنا الحقيقية باكثر من ثورة دون مطالب، وحرب طائفية، وفشل مؤسساتي.
المقالة حكي انشائي بامتياز تخرج من مدرسة اللغة اليسارية الخشبية التي تربت عليها اجيال من السوريين قبل البعث وبعده. هذه اللغة جعلت من الكولونيالية مظلومية حسينية، ومن الديكتاتورية منتج غربي، ومن الفشل التحليلي تفوق لغوي، ومن البؤس المؤسساتي تفنيدا للثقافوية التي تقول بان ما نعيشه هو جزء من ثقافتنا وليس اجراما استثنائيا لعناصر هامشية. المثقفون السوريون يرفضون الثقافوية من منطلق ايديولوجي وليس من فهم سوسيولوجي، فهم اذا قبلوا بها تاكدت مقولة ان كهنة الحداثة هؤلاء المسمون بالمثقفين ليسوا الا منتجا اخر لهذه الثقافة التسلطية النخبوية الانشائية.
واليوم يخرجون علينا بنظرية جديدة من الجعبة اللطمية الحسينية، الازمة السورية ليست الا فلسطنة للسوريين من قبل المنظومة الدولية نفسها التي انشات اسرائيل. وبهذا ينجون مرة اخرى بانفسهم من المسؤولية وهم يزاودون ويصرخون النصر لقضية شعبنا، النصر للمقهورين، ليس لنا ذنب فالذنب كله للامبريالية والمنظومة الدولية التي قضت على ثورتنا، وبالطبع هي دائما ثورتهم، ولا تزال تحاصرنا كما تحاصر اسرائيل غزة.
طبعا، اهل غزة خرجوا بشكل عفوي بالالاف في عيد النكبة ويوم افتتاح السفارة الامريكية في القدس. القدس محتلة منذ اربعين سنة لكن اليوم اكتشفنا ذلك، افتتاح السفارة هو ما فتح اعيننا، وكأن السفارة ستغير شي. وكأن الناس في غزة تعيش تحت ديمقراطية وتخرج في مسيرات عفوية لا تراقبها المخابرات. هذه المسيرات تشبه تماما مسيرة المخابرات السورية في الجولان وتخطيهم للسياج الاسرائيلي. حماس لا تحاصر اهل غزة، فقط اسرائيل تحاصرهم. ولايجب النقد ومناكفة الممانعة والا وقعنا فيما وقعت فيه الفصائل الاسلامية في سوريا. طبعا كلنا نعرف ان الاسلمة هي التي قضت على الثورة، وان هذا الثورة كانت ستكون عظيمة لو بقيت بايدي اليسار.
لم اقرا مثل هذه الخزعبلات منذ اخر مرة قرات فيها جريدة الثورة الناطقة باسم البعث. ولا اقول لهم بثقافويتي اللعينة انهم انتاج ثقافة البعث، ابدا، بل هم نتاج ثقافة اقدم واعمق انتجت البعث واليسار والاسلامويين على حد سواء. الحمد لله حدا كبس زر فلسطين لنتعرف على خفايا التنظير اليساري المنسي. تغيير شكل يمكن ملينا حهاد.
24 تشرين الثاني 2018، في الدفع نحو فلسطنة الثورة السورية
اعتقد ان ياسين الحاج صالح محلل جيد، لكن من يوم وجد التشابه بين الفلسطينيين والسوريين ومن يوم وجد دراسات الجينوسايد، اي الابادة الجماعية، وهو يدفع في اتجاه اعتماد الفكرة كنظرية تشرح الوضع السوري. لا اعتقد انه بذلك يضيف اضافة نظرية قيمة. الفصل بين الاسياد والعبيد، والفصل العنصري، ليس مختلفا عن الفصل الطبقي والسياسي. وتهميش الهويات لا يختلف عن التهميش السياسي. والابادة الجماعية سواءا كانت عرقية او دينية لا تختلف عن الابادة السياسية التي ذكرها. لا يوجد شيء استثنائي في التمييز العنصري وفي الابادة الهوياتية، انها اداة. ان اي تفاضل في امتلاك السلطة والقوة سياخذ شكلا من التمييز، واي جهد نحو التهميش السياسي سيكون له شكل ابادة جسدية وجماعية. الاختلاف في الدرجة وليس في الطبيعة. فلسطنة السوريين ليست نظرية سوسيولوجية شارحة، والتمييز بين البيض الجدد والسود الجدد ليس اكتشافا خارقا. لا بل اعتقد ان اعتماد مثل هذه المفاهيم يدفع بالتحليل الى ابعاد ميتافيزيقية مثل الخير والشر ولا يقدم اي جديد في شرح منظومات الاستغلال والعنف والتهميش. وكذلك هو مفهوم الاستعمار، فهو لا يقدم جديدا ويمنعنا من التعمق عندما يقول لنا بان منبع الاستغلال والعنف هو الاستعمار، واحالاته الهوياتية، بحد ذاته وليس تفاضل السلطة والقوة. بهذا يكون هناك منبع للشر يمكن ان نحدده ونكافحه. لكني افضل التركيز على العلاقات وليس على الماهيات. المستعمر ليس منبع الشر، انها علاقة الاستعمار التي تقوم على تفاضل السلطة والقوة. تشبيه نظام الاسد بالاستعمار صحيح لكنه مجرد تلاعب بالالفاظ والصور، كما هو الحال في التمييز بين قتل الف معارض وابادة مليون فرد ينتمون الى عرق او اثنية. اعتقد ان الحاج صالح قد وقع ضحية النظريات الامريكية التي تركز على التمايز الهوياتي بدل التركيز على التمايز السلطوي. الاسد سيء لانه يشبه اسرائيل او الرجل الابيض، السوريون مضطهدون لانهم يشبهون الفلسطينيين او الامريكيين السود. اين الاضافة النظرية في ذلك. نحن نسعى الى تفكيك نظام الاسد نظريا باستخدام مفاهيم يمكن ان تنطبق على اي مجتمع واي نظام مستبد. الخصوصية هي عدوة النظرية لانه تقوم على تمايز جوهري بين الحالات الخاضعة للتحليل. يمكن استخدام خطاب الحاج صالح في تجييش الراي العام العالمي لكنه لا يضيف اي جديد الى فهمنا لما يحصل في سوريا. انه خطاب وصفي ادبي لكنه ليس تحليلي. اعطني تحليلا لمكونات النظام وعلاقاتها تشرح وحشيتها وتساعد في تفكيكها، لكن لا تقل لي انه يشبه الرجل الابيض فهي معلومة غير مفيدة الا في بناء مظلومية، وهذا بالضبط ما خلص اليه في النهاية حيث اعطانا نصائح في كيفية ان لا تتحول مظلوميتنا كسوريين الى مظلومية الاسرائيليين. الخصوصية تعني المظلومية، والمظلومية ليست نظرية شارحة.
حسام الدين درويش
قمت بمشاركة المنشور ووضعت هذه المقدمة له. نقد مهم من أحمد نظير الأتاسي لفكر ياسين الحاج صالح هكذا منشورات هي ما يمكن ان يعزز أو يخلق القناعة بالفائدة المعرفية الممكنة للمنشورات والمناقشات الفيسبوكية، سواء اتفقنا مع مضمون النقد أم اختلفنا معه. وربما كانت سلبيتها انها دسمة زيادة عن اللزوم نسبيًّا وتحتاج مناقشتها إلى وقت طويل وجهد كبير نسبيًّا. قرأت البارحة عددًا من المنشورات التي بدا لي انها محتقنة ضد الشخص نفسه الذي يتم نقده هنا، وبسبب ذلك الاحتقان بدا أن الناقد او المنتقد يحاول النيل ممن ينتقده بأي وسيلة كانت. في المقابل رأيت وخبرت كيف يتشبث كثيرون منا بأفكارهم ومواقفهم ويرفضون الاعتراف بأي خطأ حتى بعد ان يبدو واضحًا مدى فداحة الاخطاء المعرفية وغير المعرفية المرتكبة في نصوصهم و/ أو أقوالهم و/أو أفعالنا.
Ahmad Nazir Atassi
حسام الدين درويش شكرا حسام انت من اهم محرضي النقاش على الفيسبوك. الكتابة عن الحاج صالح قد تصبح مثل الكتابة عن عزمي بشارة، اي خليط من النقد والحسد، التحليل والتهجم، البناء والهدم. وشخصية المنقود قد لا تساعد الجالة بل قد تزيد الطين بلة. نحن بحاجة الى بناء اسس معرفية يمكن المراكمة عليها. فكيف نخرج من نقد الشخص الى نقد الجهد المعرفي. هناك عامل هام جدا معيق لهذا الخروح التحريري للفكر هو غياب فضاء فكري للنقاش لا يخضع لشروط الممولين. التمويل اساسي للباحث والعالم لكي يقضي وقته في البحث وتوليد المعرفة، نقص هذا المال او تقييده بشروط الممول يعني فقدان هذا الفضاء. الاكاديميا في الغرب تخلق مثل هذا الجو هلا تربطه بشروط. اما في مجتمعات فالتمويل شحيح والحرية اكثر شحا. في هذه الظروف، شخصيات مثل ياسين الحاج صالح وعزمي بشارة رغم جدارتها ومحاولاتها الجيدة لانتاج معرفة الا انها تعطي انطباعا خاطئا عن المنافسة الحرة في المجال الثقافي وبالتالي عن تكافؤ الفرص. الانتاج والنشر ليس مرتبطا بالمنافسة وانما بغياب المنافسين، لا بل تصبح هذه الشخصيات بوابات لمرور التمويل والفرص وبالتالي تصبح هدفا للانتقاد والتشهير وصراع الديكة المجروحة. اما الشخصيات المستهدفة فتصبح حبيسة شهرتها ووحدتها في الساحة فلا تتطور.
اما اقتصار فكر الحاج صالح عللا بهلوانيات لغوية فهو راي مجحف وان لم يخلو من بعض الصواب. اسمي هذه الطريقة الطريقة الفلسفية الفرنسية وهي تقوم على تقليب الفكرة بقوالب لغوية مختلفة عبر توارد الخواطر وربط الافكار الى حين الوقوع على قالب لغوي معبر. الحقيقة هي ان هذا البحث يوضح الفكرة لكنه لا يزيد عليها. وقد تصبح البهلوانيات اللغوية هدفا بذاتها يعتقد الكاتب انه اغناء مفهومي وتحليلي للفكرة، الا ان مجرد تمرين ذهني.
Yassin Al Haj Saleh
أستاذ نذير، هل تعرف النكتة التي تقول أنا وابن عمي روتشيلد نملك مليار دولار؟
Ahmad Nazir Atassi
Yassin Al Haj Saleh شكرا على مرورك استاذ ياسين. انا متاكد ان ابن عمك يملك المليار كله، لكن المسالة مسالة فقر او غنى نسبي. اذا كان عندك مؤسسة تتلقى التمويل فستكون هدفا للنقد والحسد بغض النظر عن حجم التمويل وحصتك من التمويل. انها مسالة توزيع الفرص وما يعتقد الاخرون انه عدل او استحقاق. لا اريد ان انقد شخصك وانما ان افهم الحالة. اذا نظرت سريعا الى بوستاتي فسترى اني مهتم بسلبية الاوساط الثقافية العربية من ناحية الكتاب والقراء والمعلقين. واعتبر ان انتشار الافكار والكتابات والنقاشات مرتبط بهذه السلبية. اعتقد ان احد عواملها هو غياب التمويل وغياب تكافؤ الفرص او ما يعتقد الناس انه تكافؤ فرص. وجود شخصية مشهورة مثل حضرتك يعني ان كتاباتك ستحظى بانتشار اكبر واهتمام اكثر وان جهودك وافكارك ستحظى بدعم اكبر، او ما يبدو انه كذلك. هذا يعني ان فرصك تزيد عن فرص الاخرين مع كل عمل تنتجه. يسمى هذا في الراسمالية الرابح ياخذ كل شيء، اي
winner takes all،
وليس هذا عمدا وقصدا من جانبك وانما تابع للبنية الاقتصادية التي تحكم نشر الافكار والعمل الفكري. لذلك يقوم الاغنياء بالتبرع للفقراء حتى يعطوا انطباعا باستواء الفرص والمردود. لا اقول انك من الاغنياء لكنك تستقطب بعض الفرص وهذا يجلب الحسد والغيرة والعداوة. بالطبع عملك يستحق الاهتمام ولذلك تاتيك الفرص، لكن هناك كثيرون يعتبرون ان عملهم يستحق الاهتمام ايضا. هذا لا يعني انك تاخذ الفرص منهم، لكن شح الفرص يعطي انطباعا بالاحتكار. لا اعرف ان كنت واضحا فيما اقصد، ولا اريد ان يفهم كلامي على انه نقد للشخص وانما للمنظومة. انا مهتم بتطوير الفضاء المعرفي السوري وهذه الظواهر التي وصفتها هي مؤشرات على حالة غير صحية لا تساعد على التطور. لا اعرف ما يمكنك فعله فانت تقوم بالكثير، ومؤسسة جمهورية دليل واضح على تحويلك للفرص الشخصية الى فرص عامة تشمل الكثيرين. نحن بحاجة الى مؤسسات اكبر لتمرير التمويل غير المشروط وتوزيعه، وهذا ما تفعله الجامعات في امريكا مثلا. شكرا مرة اخرى على مرورك
Yassin Al Haj Saleh
شكرا أستاذ أحمد على القراءة أرى أن الإبادة السياسية تختلف كثيراعن الإبادة الجماعية او الجينوسايد من وجوه أشرت إليها في متن المقال، أهمها أن المفهوم ألأخير مثلما وضعه لمكين ومثلما تبنته الأمم المتحدة يفترض هويات معطاة سلفا، ويستبعد إبإدات المنظمات السياسية، ومنها أن الإبادة السياسة لا تقتضي دوما قتلا واسع النطاق، وتكتفي بالقتل السياسي إن جاز التعبير، أي الاستعباد والتجريد من الحقوق والحرية. وتحليلي لا ينطلق من الهويات. العكس هو الصحيح في الحقيقة. أساس نقدي لمفهوم الجينوسايد هو أنه يفترض الهوياات سابقة للسياسة. ما أقوله هو إن الهويات متشكلة سياسياً، وأن السياسة تسبق الهوية. لكن ربما جاء سوء الفهم من الاعتقاد بأن العنصرية إيديولوجية هوية. ليست كذلك في رأيي. إنها إيديولوجية طبقة، وفي مواد أخرى كنت أحلت إلى بندكت أندرسون في هذه النقطة. في تحليلي ألسوريون البيض والسوريون السود يحيل إلى ما هو طبقي وليس إلى ما هو طائفي. أما بنية النظام السوري فكنت تناولتها في مواد أخرى، وإن كنت أعتقد أن الإبادة في صلتها بالأبد والاستثناء والمظلومية تسلط أضواء مفيدة جدا على هذه البنية.
25 تشرين الأول 2018، نقاش حول مقالة الحاج صالح الأخيرة عن الإبادة وفكرة فلسطنة الثورة
كتبت تعليقا على مقالة الأستاذ ياسين الحاج صالح "الباراديغم الإسرائيلي"، وقام الأستاذ حسام الدين درويش بوضع التعليق على صفحته مشكوراً مما جلب تعقيباً من الكاتب نفسه. أشكر الكاتب على فتح قنوات الحوار والأستاذ حسام على تحفيزها. وهنا ألخص تعقيب الكاتب حسبما فهمته حتى أتمكن من تنظيم ردي عليه: 1. الإبادة السياسية تختلف كثيراعن الإبادة الجماعية او الجينوسايد من وجوه أهمها أن المفهوم الأخير يفترض هويات معطاة سلفا، وأن الإبادة السياسة لا تقتضي دوما قتلا واسع النطاق، وتكتفي بالاستعباد والتجريد من الحقوق والحرية. 2. الجينوسايد يفترض الهويات سابقة للسياسة. إن الهويات متشكلة سياسياً، وأن السياسة تسبق الهوية. 3. ربما جاء سوء الفهم من الاعتقاد بأن العنصرية إيديولوجية هوية. في حين إنها إيديولوجية طبقة. تعبير السوريون البيض والسوريون السود يحيل إلى ما هو طبقي وليس إلى ما هو طائفي. 4. الإبادة في صلتها بالأبد والاستثناء والمظلومية تسلط أضواء مفيدة جدا على بنية النظام. قد يصدم كلامي الكثيرين لكني أعتقد أن الإستعباد درجة من درجات الإستبداد والإستغلال، وأن الإبادة الجسدية أيضاً درجة متقدمة من الإبادة السياسية. الإستعباد والإبادة يبدأان بالإستغلال والتسلط والتهميش السياسي. صراع الهويات بالنسبة لي صورة من صور الصراع السياسي وليس صنفاً قائماً بذاته من أصناف علاقات التمايز المجتمعي. حسب فهمي، فإن تأكيد الكاتب بأن السياسة تسبق الهوية وأن الهويات "تتشكل سياسياً"، حسب تعبيره، لا يعني بالضرورة أن الإبادة مشتقة من السياسة، وبهذا تبقى الإبادة السياسية بعيدة كماً ونوعاً عن الإبادة الجماعية. ثم يقول الكاتب بان العنصرية هي أيديولوجية طبقة وليست أيديولوجية هوية، فكيف يمكن الفصل بين الإبادة الجماعية الناتجة عن العنصرية وبين الإبادة السياسية التي قد ترتبط بسياسة طبقة معينة تسيطر على السياسة. أعترف أني لم أفهم تماماً ما يعنيه الكاتب من النقطة الثالثة. أما بالنسبة للنقطة الرابعة فمن المؤكد ان هناك علاقة بين الأبد والإبادة إذ لا يمكن تحقيق الحكم الأبدي دون التخلص من العناصر المعادية إلى الأبد. ويؤكد الكاتب أن استثنائية نظام الأسد توضح بنيته، وأن هناك علاقة حقيقية بين هذه الإستثنائية وبين وجود مظلومية حقيقية للشعب السوري نتيجة استعباده من قبل نظام مستبد لا يشبه أي شيء آخر. وهنا ساقف قليلا لاعطي منظورا اخر لفهم الابادة يجعل من السهل الربط يين قتل القليل وقتل العديد، وبين التهميش الممنهج والتهميش النهائي الجسدي. لا يزال الغرب يحاول إقناعنا بأن النازية استثناء تاريخي لا يشبه أي شيء قبله أو بعده، وبالتالي فإن معاداة النازية هي معاداة للشر نفسه، حيث أن الشر مفهوم مطلق معرف خارج أية منظومة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. إذا كان هذا التفسير يساعد الغرب على النوم ليلاً مبسوطين بأنهم مختلفون نوعياً عن النازية وأنهم قضوا نهائياً على الشر فإنه تفسير لا يساعدني لا نظرياً ولا نفسياً. ومن نفس المنطلق فإني لا أستطيع أن اقنع نفسي بأن نظام الأسد استثنائي مثل النازية في وحشيته وتجريده للناس من إنسانيتهم مما يسمح له بقتلهم بالآلاف. الدراسات التي أعرفها تقول بأن النازية هي مأسسة لعنف الدولة ومأسسة للقتل على أساس تصنيف يفصل بين الحيوانات والآدميين أو بين الآدميين الأعلى والآدميين الأسفل. إن عنف نظام الأسد ووحشيته أيضاً نتيجة لمأسسة العنف والقتل والكراهية القائمة على التصنيف الطائفي. وبالتالي فإن الإبادة الجماعية في دولة تعتمد على مأسسة العنف والكراهية تصبح ممكنة وسهلة فكل ما تحتاجه هو توظيف مزيد من العاملين في ماكينة القتل وهو ما رأيناه في توسيع التوظيف في الجيش والمليشيات والمخابرات والمستشفيات والمعتقلات. إن من يعتبر الإبادة في العصر الحديث استثناءاً لا يستوعب قدرة الدولة الحديثة اللامتناهية على العنف النظيف أي على القتل بالمئات دون دماء. إن الطيار الذي يرمي بقنبلة برميلية أو قنبلة نووية دون أن يسمع حتى صوت الإنفجار هو عنوان هذه القوة اللامتناهية. أما المجازر الجماعية التي يرتكبها الجنود والمرتزقة باليد والرصاص فإن دراسات مجازر حروب يوغسلافيا أكدت أن العامل الأساسي ليس الكره الطائفي وإنما القتل الذي تمارسه الجماعة كشخص واحد حيث يمكن للمرء حينها أن يتخلى عن مشاعره الشخصية وأن يخضع تماماً لشعور جماعي لامبالي يتبدد نهائياً عند انفراط الجماعة وانتهاء الحرب. القتل ضمن الجماعة قادر على تحويل اي إنسان، وأؤكد أي إنسان، إلى عجلة في ماكينة القتل. بناءاً على هذا فإن التحليل الذي أطرحه هو تحليل منظوماتي يأخذ المؤسسة بعين الإعتبار وليس الأشخاص، ويأخذ أخلاقيات المؤسسة وليس أخلاقيات الأشخاص. إذا اعتمدنا على أخلاق الفرد فإنه من المستحيل تفسير المجازر إلا باستثناء خارق، ميتافيزيقي يتطابق مع مفهوم الشر المطلق، بينما إذا اعتمدنا أخلاق المؤسسة فإن احتمالات المجازر والإبادة تصبح ممكنة ومتعددة. يمكن للمجازر أن تحدث في أي مجتمع وأية دولة. لا بل إنها تحدث كل يوم وفي كل مرة تضرب قنبلة أمريكية أو إسرائيلية أو قنبلة دولة جماعة بشرية. إنها مجازر صغيرة يمكن تكرارها بشكل ممنهج لتتحول إلى مجازر كبيرة، الفرق في العدد وليس في النوع. لكنى متى يتحول التهميش السياسي الى ابادة جماعية. اعتقد ان الجواب في عبارة الابادة السياسية. اي عندما يتحول التهميش الى اقصاء كامل. في اية حالة يتم فيها سحب انسانية الطرف الاخر من خلال سحب حقوقه فانه يصبح عالة يجب التخلص منها. عند امتلاك ادواة العنف التي تمتلكها الدولة الحديثة فان الابادة السياسية مطابقة تماما للابادة الجماعية، المؤسسة التي تنفذ هذا يمكنها ان تنفذ ذاك وهو تماما ما حدث في سوريا. المخابرات التي نفذت التهميش السياسي نفذت ايضا الابادة الجماعية. يمكن لاية دولة حديثة ان ترتكب النوعين من الابادة اذا احتكرت السلطة المطلقة جماعة معينة دون الاخرين. اما بتية النظام فهي مزيج من ادواة الدولة الحديثة وعقلية الدولة السلطانية العصبية. قد تكون اصبحت نادرة لكنها ليست استثنائية. التخلص من هذه المنظومة لا يكون باختراع مظلومية استثنائية وانما في فضح امكانية ان تتحول اية دولة في العالم الى نظام اسدي مجرم.
25 تشرين الثاني 2018، تابع لما قبله عن مقالة الحاج صالح
كتب الاخ سمير سليمان تعليقا على بوستي الذي علقت به على مقالة ياسين الحاج صالح عن البارادايغم الاسرائيلي. وزعمت في التعليق ان الابادة السياسية والابادة الجماعية لا تختلفان جوهريا، ونفيت ان يكون نظام الاسد استثنائيا في استخدامه العنف المبني على ايديولوجيا تمييز هوياتي. يمكنني ان اقول، وارجو ان لا يمانع الاخ سمير، ان تعليقه ماركسي بامتياز. ويمكن ان نزعم الشيء نفسه فيما يخص مقالة الحاج صالح. لا اتنصل من البنيوية الماركسية فانا بنيوي في افكاري، لكني احاول ان ابني مفاهيم اعم من البنيوية الماركسية. ماركس يركز على الانتاج وعلاقاته كاساس لبنيات مثل الدولة والمجتمع والمعمل. ولذلك فان التحليل الماركسي يؤكد على اولية الطبقة والتمايز الطبقي، فاذا لم نجد علاقة بين اية بنية جديدة والكبقة كما في حالة التمييز العنصري القائم على الهوية فهذا معناه ان هذه البنية مختلفة نوعيا عن التمايز الطبقي. ومن هنا نفهم مشكلة الماركسية في قبول وفهم الهويات والتمايز الهوياتي والصراعات الهوياتية. الجماعة الهوياتية تخترق الطبقات الاجتماعية الاقتصادية ولذلك فهي تبدو مختلفة عن الطبقة. الماركسية لا تدرس الدولة والايديولوجيا الا على انهما منتجات ثنائية للتمايز الطبقي القائم على التفاضل في امتلاك ادوات الانتاج. هذه الافكار كانت ثورية في القرن التاسع عشر، لكنها لم تعد كذلك اليوم. نستطيع اليوم ان نعتبر الماركسية حالة خاصة من نظرية بنيوية اعم لا تدعي اولية اي منظومة تجاه الاخريات بل تدرس التفاعل بين المنظومات. يعني ان الاقتصاد منظومة تتفاعل مع المنظومة الاجتماعية والقانونية والسلطوية والبيروقراطية والسياسية، اي الدولة، ومع منظومات اخرى مثل القبيلة والطائفة والطبقة والجماعة الهوياتية، ومنظومات اصغر مثل الشركة والمنظمة والحزب. الانقسام المجتمعي الى فئات امر لا مفر منه، وكلها فئات مسيسة او لها امتدادات سياسية حتى ولو كانت على اساس الهوية. لذلك لا ارى فرقا جوهريا بين الطبقة والطائفة. لا اولية عندي للاقتصاد وعلاقات الانتاج رغم اهميتهما الكبيرة في المجتمعات الحديثة. نعود الى الابادة السياسية والابادة الجماعية. المقولة التي نناقشها هي مقولة الحاج صالح، حسب فهمي واستنتاجي، وتنص على ان الابادة الجماعية مرتبطة بصراع هويات بينما التهميش السياسي والابادة السياسية مرتبطتان بصراع الطبقات الذي هو حسب الماركسية صراع اقتصادي ذو تمظهرات سياسية. وبالتالي فلا يمكن للابادة السياسية ان تتحول الى ابادة جماعية. هناك حد من كره الاخر يجب تجاوزه من اجل القتل الممنهج والواسع النطاق كما في الابادة الجماعية. ومن هنا تاتي استثنائية نظام الاسد لان الكره استثنائي، حسب فهمي لمقالة الحاج صالح. في الفضاء الاوسع للمنظومات الذي اعمل ضمنه ليس هناك حاجة لكره استثنائي من اجل القتل، القتل عبارة عن مؤسسة. ولا اعتقد ان هناك كره علوي سني استثنائي ادى الى الحرب في سوريا. ورغم وجود عنصر هوياتي قوي في العصبية الداعمة للنظام وفي العصبيات الداعمة للفصائل الجهادية، الا اني اعتقد ان القتل الممنهج الذي قام به النظام ليس اساسه الهوية وانما اساسه التهميش السياسي الشديد في منظومة الحكم، وبالتالي في امتلاك السلطة والقوة، ووجود مؤسسات مختصة بالقتل. ان مفاهيم مثل الابادة الجماعية، الجينوسايد، ليست الا اختراعا غربيا تختص به الشعوب المتخلفة وحالة غربية وحيدة يعتبرونها استثنائية هي قتل النازية لليهود. واستثنائية النازية اساسية في تعريف الغرب لذاته كشعب متفوق حضاريا. الابادة بكل اشكالها ليست جديدة على البشرية وليست من الماضي او من اختصاص المتخلفين. لا بل اقول بان الدولة الحديثة جعلت الابادة سهلة وفي متناول الجميع، ويمارسها الغرب اكثر من الشعوب المتخلفة، حسب التصنيف الغربي. القنبلة الامريكية التي تحول حيا كاملا الى نار وغبار هي جينوسايد، وليس من الضروري ان يشكل اهل هذا الحي جماعة ذات هوية متمايزة عن الاخرين. والنظام الاسدي لا يختلف جذريا عن نظام الخمير الحمر في كمبوديا الذي قتل ثلاثة ملايين انسان من ناحية ان التفاضل المطلق في امتلاك السلطة والقوة يؤدي الى قتل مطلق، اي ابادة. يرى الحاج صالح في استثنائية النظام الاسدي نقطة استراتيجية في صالح الشعب السوري في حربه ضد وحشية نظام الاسد. فاستثنائية الوحشية يجب ان تستدعي استثناءا في دعم قضية الشعب السوري المضطهد. لكني ارى ان استثنائية الاسد، ان كانت صحيحة، لم تحقق لنا اية مكاسب، بل على العكس ساعدت المنظومة الدولية في اهمالنا، فنحن حالة خاصة من الصراع الطائفي السني العلوي، او حالة خاصة من تغول الدولة ولن تتكرر. المصيبة هي ان حالتنا لا تزال تتكرر تحت مسميات خاصة اخترعتها الامم المتحدة مثل التطهير والجينوسايد وصراع الهويات والكره التاريخي والقبلية والطائفية. في حين اننا ضحايا ادوات العنف المتاحة للدولة الحديثة. نعم هناك عشائرية وطائفية، لكن هناك ايضا منظومة حكم تملك مؤسسات خاصة بالمراقبة والتعقب والاعتقال والقتل. هناك منظومة حكم تملك قوة وسلكة مطلقة مقابل شعب لم يكن لديه الوقت الكافي لتطوير مؤسساته السياسية والاقتصادية في مواجهة الاسلحة الحديثة والمؤسسات التكنوقراطية. نظام الاسد له خاصية، لكنها ليست استثنائية في محيطنا، انها دولة سلطانية قروسطية بادوات حديثة. هذه الخلطة كانت قاتلة في سوريا كما كانت قاتلة في العراق وليبيا والسعودية وكما قد تصبح قاتلة في تركيا وايران. ولا استثني اوروبا وامريكا.