ثورات مقارنة-شذرات
محتويات
2 ديسمبر، 2018، مقارنة بين السترات الصفراء والثورة السورية
مظاهرات فرنسا تجمعها نقاط تشابه كثيرة مع بدايات الثورة السورية. انها تحمل ايضا كل مقومات الفشل، لكن هناك دائما اشياء لا نعرفها او لا نفهمها او لا نتوقعها. وسائل التواصل، غياب القيادة والتمثيل، غياب المطالب الموحدة، وجود المخربين الذين اصبحوا تقليدا فرنسيا منذ اواخر الثمانينات، خطاب الحكومة المتشدد، عدم مشاركة الطبقات المهنية الوسطى، سياسات ماكرون الاقتصادية، انتماء ماكرون الى نادي محبي ومقلدي بوتين مثل طرامب، انفصال النخبة الحاكمة عن الناس، عجز الثورة التكنولوجية الحديثة عن توليد ثروات تطال الجميع رغم توفيرها وسائل تبادل معلومات وتواصل سريعة، تقلص الضمانات الاجتماعية ودولة الاعالة. هذه الثورات الشعبية بدات في الربيع العربي وستستمر لفترة طولية لان اسبابها معولمة وادواتها معولمة. اننا نعيش مرحلة انتقالية لا نعرف في اي اتجاه ستستقر. اعتقد ان النخبة السياسية الاوروبية ستفعل كما فعلت في السابق اي القاء اللوم على المهاجرين ودعم تصاعد التيارات القومية اليمينية. صراع الهويات اسهل بكثير.
3 ديسمبر، 2018، تظاهرات السترات الصفراء
لا اعرف تفاصيل الاحتجاجات في فرنسا وقد بدات البارحة القراءة عنها لكن عندي ملاحظات اولية. ليس هناك حضور للاحزاب والنقابات. الحركات الاجتماعية التي لا تملك واجهة مؤسساتية لا تستطيع صياغة مطالب وايصالها الى اصحاب القرار. هذا الغياب يعني ان المحتجين لا يعتبرون ان المؤسسات السياسية والمطلبية تمثلهم، وهذا تكور لا يستهان به بالنسبة لبلد له تاريخ مع المؤسسة بكل اشكالها. الغياب له وجه اخر وهو تاخر المؤسسات السياسية في او عزوفها عن التواصل مع المحتجين ومحاولة امتصاصهم. هذا يعني ان هناك فئة من الشعب لم نعد مقتنعة بلعبة السياسة ولا تهمها المؤسسات السياسية الموالية والمعارضة على حد سواء.
الحضور الواضح للمخربين. لطالما تعاملت الدولة مع المخربين على انهم مسالة امنية بحتة. ولطالما لمحت الدولة الى انهم ياتون من الضواحي الفقيرة التي يسكنها اولاد المهاجرين القدماء والمهاجرون الجدد. لكن يبدو من الصعب فصل فئة المخربين عن فئة المحتجين، كما هو طبيعي وعادي في كل اعمال الاحتجاج. حان الوقت للتعامل مع ظاهرة المخربين بكل ابعادها السياسية والاجتماعية. هذه الظاهرة تعني ان هناك فئات واسعة من الشعب غير مؤطرة ضمن المؤسسات السياسية والمطلبية وبالتالي فانها ستلجا دائما للعنف والتخريب. سيكون من الصعب الان في فرنسا القيام بعمل احتجاجي دون عنف وتخريب. واعتقد ان الدولة ستزيد من عسكرة الشرطة وستتوجه اكثر فاكثر نحو التعامل الامني مع اي احتجاج.
خطاب الدولة يدل على انقسام ايديولوجي في البلد. الدولة تتذرع بالبيئة لزيادة الضرائب ويمشي معها قسم من السكان المستفيدين من الطفرة التكنولوجية الرقمية. بينما غير المستفيدين من الطبقة الوسطى والدنيا سيتبنون خطابا معاكسا، وحينها من سيمتصهم ويعبر عن مطالبهم غير اليمين المتطرف واليسار المتطرف. هذا وضع مشابه لثورات عام 1848 وهو وضع عايشناه في الثورة السورية عام 2011. سنرى قريبا ما اذا كانت الدولة ستعتمد العنف والتهميش ووصم المتظاهرين بالمندسين والمخربين ام انها ستحاول الاستماع اليهم ومساعدتهم في خلق ممثلين وصياغة مطالب. هذا هو الامتحان.
16 أيار 2018، فلسطنة الأزمة السورية
سوريا وفلسطين: الاستثناء والأبد والمذبحة
كالعادة لا تجود قريحة السوريين بالكلام والتحليل الا عندما ندغدغ القضية الفلسطينية، هذا النقل السيكولوجي لكل مشاكلنا الى قضية محايدة اقل كلفة نتفق جميعا ان العدو فيها خارجي وبعيد ونشترك في كرهه. القضية الفلسطينية هي رمز عصاب الشعب المقموع الذي لا يعرف كيف يجابه قامعه. لا بل اشد وادهى، القضية الفلسطينية تسمح لنا ان ندخل عالم الحداثة ونتحدث عن القومية والمنظومة الدولية والقانون الدولي واليسار العالمي والامبريالية والعولمة ونحن نعي تماما اننا لا تستطيع ان نواجه مشاكلنا الحقيقية باكثر من ثورة دون مطالب، وحرب طائفية، وفشل مؤسساتي.
المقالة حكي انشائي بامتياز تخرج من مدرسة اللغة اليسارية الخشبية التي تربت عليها اجيال من السوريين قبل البعث وبعده. هذه اللغة جعلت من الكولونيالية مظلومية حسينية، ومن الديكتاتورية منتج غربي، ومن الفشل التحليلي تفوق لغوي، ومن البؤس المؤسساتي تفنيدا للثقافوية التي تقول بان ما نعيشه هو جزء من ثقافتنا وليس اجراما استثنائيا لعناصر هامشية. المثقفون السوريون يرفضون الثقافوية من منطلق ايديولوجي وليس من فهم سوسيولوجي، فهم اذا قبلوا بها تاكدت مقولة ان كهنة الحداثة هؤلاء المسمون بالمثقفين ليسوا الا منتجا اخر لهذه الثقافة التسلطية النخبوية الانشائية.
واليوم يخرجون علينا بنظرية جديدة من الجعبة اللطمية الحسينية، الازمة السورية ليست الا فلسطنة للسوريين من قبل المنظومة الدولية نفسها التي انشات اسرائيل. وبهذا ينجون مرة اخرى بانفسهم من المسؤولية وهم يزاودون ويصرخون النصر لقضية شعبنا، النصر للمقهورين، ليس لنا ذنب فالذنب كله للامبريالية والمنظومة الدولية التي قضت على ثورتنا، وبالطبع هي دائما ثورتهم، ولا تزال تحاصرنا كما تحاصر اسرائيل غزة.
طبعا، اهل غزة خرجوا بشكل عفوي بالالاف في عيد النكبة ويوم افتتاح السفارة الامريكية في القدس. القدس محتلة منذ اربعين سنة لكن اليوم اكتشفنا ذلك، افتتاح السفارة هو ما فتح اعيننا، وكأن السفارة ستغير شي. وكأن الناس في غزة تعيش تحت ديمقراطية وتخرج في مسيرات عفوية لا تراقبها المخابرات. هذه المسيرات تشبه تماما مسيرة المخابرات السورية في الجولان وتخطيهم للسياج الاسرائيلي. حماس لا تحاصر اهل غزة، فقط اسرائيل تحاصرهم. ولايجب النقد ومناكفة الممانعة والا وقعنا فيما وقعت فيه الفصائل الاسلامية في سوريا. طبعا كلنا نعرف ان الاسلمة هي التي قضت على الثورة، وان هذا الثورة كانت ستكون عظيمة لو بقيت بايدي اليسار.
لم اقرا مثل هذه الخزعبلات منذ اخر مرة قرات فيها جريدة الثورة الناطقة باسم البعث. ولا اقول لهم بثقافويتي اللعينة انهم انتاج ثقافة البعث، ابدا، بل هم نتاج ثقافة اقدم واعمق انتجت البعث واليسار والاسلامويين على حد سواء. الحمد لله حدا كبس زر فلسطين لنتعرف على خفايا التنظير اليساري المنسي. تغيير شكل يمكن ملينا حهاد.
24 تشرين الثاني 2018، في الدفع نحو فلسطنة الثورة السورية
اعتقد ان ياسين الحاج صالح محلل جيد، لكن من يوم وجد التشابه بين الفلسطينيين والسوريين ومن يوم وجد دراسات الجينوسايد، اي الابادة الجماعية، وهو يدفع في اتجاه اعتماد الفكرة كنظرية تشرح الوضع السوري. لا اعتقد انه بذلك يضيف اضافة نظرية قيمة. الفصل بين الاسياد والعبيد، والفصل العنصري، ليس مختلفا عن الفصل الطبقي والسياسي. وتهميش الهويات لا يختلف عن التهميش السياسي. والابادة الجماعية سواءا كانت عرقية او دينية لا تختلف عن الابادة السياسية التي ذكرها. لا يوجد شيء استثنائي في التمييز العنصري وفي الابادة الهوياتية، انها اداة. ان اي تفاضل في امتلاك السلطة والقوة سياخذ شكلا من التمييز، واي جهد نحو التهميش السياسي سيكون له شكل ابادة جسدية وجماعية. الاختلاف في الدرجة وليس في الطبيعة. فلسطنة السوريين ليست نظرية سوسيولوجية شارحة، والتمييز بين البيض الجدد والسود الجدد ليس اكتشافا خارقا. لا بل اعتقد ان اعتماد مثل هذه المفاهيم يدفع بالتحليل الى ابعاد ميتافيزيقية مثل الخير والشر ولا يقدم اي جديد في شرح منظومات الاستغلال والعنف والتهميش. وكذلك هو مفهوم الاستعمار، فهو لا يقدم جديدا ويمنعنا من التعمق عندما يقول لنا بان منبع الاستغلال والعنف هو الاستعمار، واحالاته الهوياتية، بحد ذاته وليس تفاضل السلطة والقوة. بهذا يكون هناك منبع للشر يمكن ان نحدده ونكافحه. لكني افضل التركيز على العلاقات وليس على الماهيات. المستعمر ليس منبع الشر، انها علاقة الاستعمار التي تقوم على تفاضل السلطة والقوة. تشبيه نظام الاسد بالاستعمار صحيح لكنه مجرد تلاعب بالالفاظ والصور، كما هو الحال في التمييز بين قتل الف معارض وابادة مليون فرد ينتمون الى عرق او اثنية. اعتقد ان الحاج صالح قد وقع ضحية النظريات الامريكية التي تركز على التمايز الهوياتي بدل التركيز على التمايز السلطوي. الاسد سيء لانه يشبه اسرائيل او الرجل الابيض، السوريون مضطهدون لانهم يشبهون الفلسطينيين او الامريكيين السود. اين الاضافة النظرية في ذلك. نحن نسعى الى تفكيك نظام الاسد نظريا باستخدام مفاهيم يمكن ان تنطبق على اي مجتمع واي نظام مستبد. الخصوصية هي عدوة النظرية لانه تقوم على تمايز جوهري بين الحالات الخاضعة للتحليل. يمكن استخدام خطاب الحاج صالح في تجييش الراي العام العالمي لكنه لا يضيف اي جديد الى فهمنا لما يحصل في سوريا. انه خطاب وصفي ادبي لكنه ليس تحليلي. اعطني تحليلا لمكونات النظام وعلاقاتها تشرح وحشيتها وتساعد في تفكيكها، لكن لا تقل لي انه يشبه الرجل الابيض فهي معلومة غير مفيدة الا في بناء مظلومية، وهذا بالضبط ما خلص اليه في النهاية حيث اعطانا نصائح في كيفية ان لا تتحول مظلوميتنا كسوريين الى مظلومية الاسرائيليين. الخصوصية تعني المظلومية، والمظلومية ليست نظرية شارحة.
حسام الدين درويش
قمت بمشاركة المنشور ووضعت هذه المقدمة له. نقد مهم من أحمد نظير الأتاسي لفكر ياسين الحاج صالح هكذا منشورات هي ما يمكن ان يعزز أو يخلق القناعة بالفائدة المعرفية الممكنة للمنشورات والمناقشات الفيسبوكية، سواء اتفقنا مع مضمون النقد أم اختلفنا معه. وربما كانت سلبيتها انها دسمة زيادة عن اللزوم نسبيًّا وتحتاج مناقشتها إلى وقت طويل وجهد كبير نسبيًّا. قرأت البارحة عددًا من المنشورات التي بدا لي انها محتقنة ضد الشخص نفسه الذي يتم نقده هنا، وبسبب ذلك الاحتقان بدا أن الناقد او المنتقد يحاول النيل ممن ينتقده بأي وسيلة كانت. في المقابل رأيت وخبرت كيف يتشبث كثيرون منا بأفكارهم ومواقفهم ويرفضون الاعتراف بأي خطأ حتى بعد ان يبدو واضحًا مدى فداحة الاخطاء المعرفية وغير المعرفية المرتكبة في نصوصهم و/ أو أقوالهم و/أو أفعالنا.
Ahmad Nazir Atassi
حسام الدين درويش شكرا حسام انت من اهم محرضي النقاش على الفيسبوك. الكتابة عن الحاج صالح قد تصبح مثل الكتابة عن عزمي بشارة، اي خليط من النقد والحسد، التحليل والتهجم، البناء والهدم. وشخصية المنقود قد لا تساعد الجالة بل قد تزيد الطين بلة. نحن بحاجة الى بناء اسس معرفية يمكن المراكمة عليها. فكيف نخرج من نقد الشخص الى نقد الجهد المعرفي. هناك عامل هام جدا معيق لهذا الخروح التحريري للفكر هو غياب فضاء فكري للنقاش لا يخضع لشروط الممولين. التمويل اساسي للباحث والعالم لكي يقضي وقته في البحث وتوليد المعرفة، نقص هذا المال او تقييده بشروط الممول يعني فقدان هذا الفضاء. الاكاديميا في الغرب تخلق مثل هذا الجو هلا تربطه بشروط. اما في مجتمعات فالتمويل شحيح والحرية اكثر شحا. في هذه الظروف، شخصيات مثل ياسين الحاج صالح وعزمي بشارة رغم جدارتها ومحاولاتها الجيدة لانتاج معرفة الا انها تعطي انطباعا خاطئا عن المنافسة الحرة في المجال الثقافي وبالتالي عن تكافؤ الفرص. الانتاج والنشر ليس مرتبطا بالمنافسة وانما بغياب المنافسين، لا بل تصبح هذه الشخصيات بوابات لمرور التمويل والفرص وبالتالي تصبح هدفا للانتقاد والتشهير وصراع الديكة المجروحة. اما الشخصيات المستهدفة فتصبح حبيسة شهرتها ووحدتها في الساحة فلا تتطور.
اما اقتصار فكر الحاج صالح عللا بهلوانيات لغوية فهو راي مجحف وان لم يخلو من بعض الصواب. اسمي هذه الطريقة الطريقة الفلسفية الفرنسية وهي تقوم على تقليب الفكرة بقوالب لغوية مختلفة عبر توارد الخواطر وربط الافكار الى حين الوقوع على قالب لغوي معبر. الحقيقة هي ان هذا البحث يوضح الفكرة لكنه لا يزيد عليها. وقد تصبح البهلوانيات اللغوية هدفا بذاتها يعتقد الكاتب انه اغناء مفهومي وتحليلي للفكرة، الا ان مجرد تمرين ذهني.
Yassin Al Haj Saleh
شكرا أستاذ أحمد على القراءة أرى أن الإبادة السياسية تختلف كثيراعن الإبادة الجماعية او الجينوسايد من وجوه أشرت إليها في متن المقال، أهمها أن المفهوم ألأخير مثلما وضعه لمكين ومثلما تبنته الأمم المتحدة يفترض هويات معطاة سلفا، ويستبعد إبإدات المنظمات السياسية، ومنها أن الإبادة السياسة لا تقتضي دوما قتلا واسع النطاق، وتكتفي بالقتل السياسي إن جاز التعبير، أي الاستعباد والتجريد من الحقوق والحرية. وتحليلي لا ينطلق من الهويات. العكس هو الصحيح في الحقيقة. أساس نقدي لمفهوم الجينوسايد هو أنه يفترض الهوياات سابقة للسياسة. ما أقوله هو إن الهويات متشكلة سياسياً، وأن السياسة تسبق الهوية. لكن ربما جاء سوء الفهم من الاعتقاد بأن العنصرية إيديولوجية هوية. ليست كذلك في رأيي. إنها إيديولوجية طبقة، وفي مواد أخرى كنت أحلت إلى بندكت أندرسون في هذه النقطة. في تحليلي ألسوريون البيض والسوريون السود يحيل إلى ما هو طبقي وليس إلى ما هو طائفي. أما بنية النظام السوري فكنت تناولتها في مواد أخرى، وإن كنت أعتقد أن الإبادة في صلتها بالأبد والاستثناء والمظلومية تسلط أضواء مفيدة جدا على هذه البنية.