قراءات في المجتمع السوري
28 آذار 2018، تعليق على مقولة منسوبة لروبرت فيسك
لن احاجج في صحة هذه المقولة لان المنطلقات عنصرية والاستنتاجات خاطئة. لكن الملاحظة تعبر عن واقع موجود. ذكر الاخ محمد الربيعو في مقالته الاخيرة عن المهندس الفرنسي غودار ان حاويات القمامة كانت تسرق باستمرار ايام الانتداب، وكلنا يعرف ان الحالة لا تزال موجودة. الاخ موريس عايق يطرح في مقالته الاخيرة معضلة الدولة السورية، تقمع الناس لكن لا تجعلهم يحترمون القانون. وحلل عايق ذلك بفشل الدولة بايجاد الامة الوطنية، اي فشلها في التحول الى دولة امة. في غياب دراسات ميدانية متعددة خلال فترة زمنية طويلة، لا نستطيع فعلا الا التخمين. لكني لا اؤمن بنظرية التخلف او الشعب الفاشل او الثقافة غير المتحضرة، مما يجعلني ارفض مقولة روبرت فيسك، وهو لايستحق الاحترام اصلا. لكن لا يمكن شرح ملاحظة غودار ومعضلة العايق بمفهوم الدولة الوطنية، او غيابها، وثقافة المواطنة القائمة على حقوق وواجبات لان الدولة الحديثة صاحبة سلات القمامة ليست محلية بل غريبة ولا يمكن ان احلل ظاهرة من خلال وجود او غياب مفاهيم ليس لها تعبير اجتماعي حقيقي. واطرح مقولة ان الدولة في الثقافة العامة لا تزال سلطة النخبة العسكرية العشائرية، التي لم تكن الدولة العثمانية اخر ممثل لها وانما دولة الاسد. يعني لا يمكن ان اشرح ظاهرة من خلال غياب ظاهرة اخرى. اي ان غياب الدولة الوطنية لا يشرح حالة واقعية مثل سرقة حاويات القمامة وعدم احترام القوانين. فهل هناك عوامل موضوعية يمكن ان تشرح ظاهرة موضوعية. نعم، من خلال اهتمامي بالمجالس المحلية لاحظت ان التزام الناس بالقواعد يكون من خلال دخول هذه القواعد في العرف بحيث يصبح المجتمع نفسه هو الشرطي باستخدام ادوات النميمة والعيب والتشهير. دخول القواعد في العرف يكون بالتقاء النخب الاجتماعية التقليدية والجديدة ان وجدت في اتفاق جامع وعقد يلتزم به الجميع بقوة العرف والعيب. الشرف مثلا يحكم العلاقات الجنسية ولا توجد دولة يمكن ان تطبقها باحسن من قوة العيب وكلام الناس، هذه السلطة الجبارة التي نجدها في كل الاغاني والتي يخافها الكبير والصغير ويكرسها الاب والام والشارع والمسجد. لذلك باعتقادي لن يتوقف الناس عن سرقة حاويات القمامة حتى تصبح محل اجماع في المجتمع المحلي وتصبح جزءا من منظومة العرف والعيب. لذلك ادعم اللامركزية في سوريا في حالة الحرب قبل حالة السلم. اما نشوء المجتمع الوطني او الامة فنتركه لزمن لاحق، او قد لا نحتاجه مطلقا. ان مفهوم الامة القومية اثبت فشله في منطقتنا حيث القبيلة والعشيرة والطائفة والعائلة والحارة والقرية اقوى بكثير من اي سلطة اخلاقية متخيلة للدولة لم تكن يوما موجودة. ولا اعتقد ام هذه الهويات المحلية سيئة بالمطلق لانها تمنع ظهور البدعة المسماة بالامة القومية. انما هي سيئة نسبيا من منطلق انها عائق اما تكافؤ الفرص والعدالة بتوزيع الثروة الوطنية، واعني الضرائب وليس الثروات الباطنية.