التعارف في كتب التراث العربي
التَّعَارُفُ فِي كُتُبِ التُّرَاثِ العَرَبِي بقلم:
باسل سامي يوسف - باحث في شؤون التراث واللغة العربية
محتويات
مقدمة
عندما اطّلعتُ على دراسةِ الدكتور علي أسعد عن التعارُف، ونظريته حولَ أُسسِ الدولةِ التعارفيّة بأبعادها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وكيف طوَّرَ هذا المفهومَ لِيجعلَه أسلوبَ حُكْمٍ، وثقافةَ حياةٍ، ومبدأَ تفكيرٍ وسلوكٍ؛ هنا ألحَّتْ عليَّ التساؤلاتُ التاليةُ: ـ كيف تناولَ علماؤنا مفهومَ التعارفِ في كتبِهم الدينيةِ، والسياسيةِ، والأدبيةِ؟ ـ إنَّ مصطلحَ التعارفِ مصطلحٌ قرآنيٌّ في الأساسِ، فهل بقيَ استخدامُه ضمنَ الإطارِ التفسيريّ للآيات الكريمة الواردِ فيها؟ ـ هل غابَ هذا المفهومُ الواسعُ للتعارُفِ عن أذهانِ العلماءِ والمفكّرينَ في تاريخنا العربيّ الإسلاميّ؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات اعتمدتُ على المكتبةِ الشاملةِ، والكمية الهائلة التي تضمُّها من كتبِ التراثِ، وكان البحثُ في المجالاتِ التاليةِ:
1ـ كُتب التفسير القرآني.
2ـ كُتب الحديث والفقه.
3ـ كُتب الأدب والأنساب والتاريخ وغيرها.
4ـ دواوين الشِّعر العربيّ.
معاني التعارف في كتب التراث
من خلالِ البحثِ عن مفهومِ (التعارف) في هذه المجالاتِ على اتساعِها، وجدتُ أنه لا يَعدو معنيينِ اثنينِ أساسيّينِ، ومعنىً فرعيًّا:
1ـ تعارفُ النَسَب: فكلُّ إنسانٍ ينتسب إلى عائلة، أو قبيلة، أو شَعب، أو بلد، يُعرَفُ به، ويُتَعَرَّف إليه من خلاله، كالقُرشيّ، والتميميّ، والطائيّ، والعربيّ، والرُّوميّ، والعَجميّ، والمَدنيّ والأصفهانيّ... إلخ، ويترتبُ على هذا الانتسابِ أمورٌ كثيرةٌ، ولهذا المفهوم أهميتُه الكبرى في ذلك الزمان؛ في مجالات الحُكْم، والزعامةِ، والنزاعاتِ، والزواجِ، والإرثِ وغيرها، فكان التركيزُ على هذا المعنى في كتبِ التفسيرِ خاصَّةً.
2ـ تعارف اللغة (العُرْف اللغوي): أي توافقُ وتصالحُ مجموعةٍ من الناسِ على استخدامِ لفظٍ ما لمعنىً مُعيَّنٍ، وإنْ خالفَ أصلَ ما وُضِعَ له، وهذا هو التعارفُ العامُّ، وقد يكونُ التعارفُ خاصًّا باصطلاحِ مجموعةٍ من العلماءِ في مجالٍ من مجالاتِ العلومِ على معنىً لغويٍّ مُعيّنٍ لمفردةٍ من المفرداتِ. جاء في كتاب (الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز) للإمام يحيى بن حمزة اليمني: (1/ 30) بتصرّف بسيط: «النوع الثاني في بيان الحقائق العُرْفيَّة: ونريد باللفظة العُرفيَّة، أنها التي نُقلتْ من مُسمَّاها اللغويّ إلى غيره بعُرْفِ الاستعمال، ثم ذلك العُرْف، قد يكون عامًّا، وقد يكون خاصًّا.
ـ ما يكون عامًّا: نحو لفظ الدابَّة، فإنها جارية في وضعها اللغوي، على كلّ ما يدبُّ من الحيوانات من الدودة، إلى الفيل. ثم إنها اختصَّتْ ببعضِ البهائم، وهي ذوات الأربع من بين سائر ما يدبُّ، بالعُرْفِ اللغوي.
ـ العُرْف الخاصّ: وهو ما كان جاريًا على ألسنةِ العلماءِ من الاصطلاحات التي تخصُّ كلَّ عِلم، فإنها في استعمالها حقائق وإن خالفتِ الأوضاعَ اللغوية، وهذا نحو ما يجريه المتكلمون في مباحثاتهم في علوم النظر كالجوهر، والعَرَض، والكون، وما يستعمله النحاةُ في مواضعاتهم، من الرفع، والنَصْب، والجَزْم، وقد صارتْ مستعملة في غير مجاريها الوضعية، يفهمونها فيما بينهم، وتجرى على وفق مصطلحاتهم، مجرى الحقائق اللغوية».
3ـ أخيرًا لاحظتُ تركيزَ أكثرِ كُتبِ الحديث الشريف على تفسير (التعارف الروحيّ) الوارد في حديث النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: "الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ". وهذا التعارفُ قائمٌ ـ كما سنرى ـ على أساسِ الإيمانِ والكُفرِ، والخيرِ والشرِّ في الدنيا. ـ وسنوردُ الآنَ شواهدَ لكلِّ مجالٍ من المجالاتِ آنفةِ الذِّكرِ وفقَ معنى التعارفِ الخاصِّ بها.
مفهوم التعارف في كتب التفسير
1ـ تعارف النَسَب
أ ـ ورد في كتاب (معاني القرآن) للفَـرَّاء (3/72): ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً﴾، والشعوبُ أكبرُ من القبائل، والقبائلُ أكبرُ من الأفخاذِ، (لتعارفوا): ليعرفَ بعضُكم بعضًا فِي النَسَب... قَالَ ثابت بن قيس الْأَنْصَارِيّ: واللهِ لا أفاخرُ رَجُلًا فِي حَسَبِهِ أبدًا».
ب ـ تفسير الماتريدي المعروف بــ (تأويلات أهلِ السُّـنَّة) (9/ 336): «وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى..﴾ تأويل الآية على وجهين: أحدهما: إنما خلقناكم جميعًا من أصل واحد، وهو آدم وحواء - عليهما السلام - فيكونون جميعًا إخوة وأخوات، وليس لبعض الإخوة والأخوات الافتخار والفضيلة على بعض بالآباء والقبائل التي جعلنا لهم، إنما القبائل وما ذكر للتعارف والفضيلة والكرامة فيما ذكر ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ مع ما لو كان في ذلك فضيلة وافتخار، فالكلُّ في النسبة إليهم على السواء؛ فلا معنى لانفراد البعض بالافتخار. والثاني: يحتمل: إنّا خلقنا كلَّ واحدٍ منكم من الملوك والأتباع، والحرّ والعبد، والذكر والأنثى من ماء الذكر والأنثى، فليس لأحد على أحد من تلك الجهة التي يفتخرون بها الافتخار والفضيلة؛ إذ كانوا جميعًا من نطفة مذرة منتنة تستقذرها الطباع. ذكر هذا؛ ليتركوا التفاخرَ والتطاولَ بالأنساب والقبائل، واللَّه أعلم. ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿لتَعَارَفُوا﴾ أي: جعل فيكم هذه القبائل؛ ليعرفَ بعضُكم بعضًا بالنسبة إلى القبائل والأفخاذ؛ فيقال: فلانٌ التميميّ والهاشميّ».
ج ـ وفي تفسير الرازي (مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير) 28/112ـ 113: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ الحجرات (13) ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ وفيه وجهان: أحدهما: جَعَلْناكُمْ شُعُوباً مُتَفَرِّقَةً لَا يُدْرَى مَنْ يَجْمَعُكُمْ كَالْعَجَمِ، وَقَبَائِلَ يَجْمَعُكُمْ وَاحِدٌ مَعْلُومٌ كَالْعَرَبِ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ وثانيهما: جَعَلْناكُمْ شُعُوباً دَاخِلِينَ فِي قَبَائِلَ، فَإِنَّ الْقَبِيلَةَ تَحْتَهَا الشُّعُوبُ، وَتَحْتَ الشُّعُوبِ الْبُطُونُ وَتَحْتَ الْبُطُونِ الْأَفْخَاذُ، وَتَحْتَ الْأَفْخَاذِ الْفَصَائِلُ، وَتَحْتَ الْفَصَائِلِ الْأَقَارِبُ، وَذَكَرَ الأعم لأنه أذهب للافتخار، لأن الأمر الْأَعَمَّ مِنْهَا يَدْخُلُهُ فُقَرَاءُ وَأَغْنِيَاءُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ، وَضُعَفَاءُ وَأَقْوِيَاءُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَعْدُودَةٍ، ثُمَّ بَيَّنَ فَائِدَةَ ذَلِكَ وَهِيَ التَّعَارُفُ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ التَّنَاصُرُ لَا التَّفَاخُرُ، وَثَانِيهُمَا: أَنَّ فَائِدَتَهُ التَّعَارُفُ لَا التَّنَاكُرُ، وَاللَّمْزُ وَالسُّخْرِيَةُ وَالْغِيبَةُ تُفْضِي إِلَى التَّنَاكُرِ لَا إِلَى التَّعَارُفِ وَفِيهِ مَعَانٍ لَطِيفَةٌ الْأُولَى: قَالَ تَعَالَى: إِنَّا خَلَقْناكُمْ وَقَالَ: وَجَعَلْناكُمْ لِأَنَّ الْخَلْقَ أَصْلٌ تَفَرَّعَ عَلَيْهِ الْجَعْلُ شُعُوباً فَإِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْخَلْقُ وَالْإِيجَادُ، ثُمَّ الِاتِّصَافُ بِمَا اتَّصَفُوا بِهِ، لَكِنَّ الْجَعْلَ شُعُوبًا لِلتَّعَارُفِ وَالْخَلْقَ لِلْعِبَادَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 56] وَاعْتِبَارُ الْأَصْلِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرْعِ، فَاعْلَمْ أَنَّ النَّسَبَ يُعْتَبَرُ بَعْدَ اعْتِبَارِ العبادة كما أن الجعل شعوبا يتحقق بعد ما يَتَحَقَّقُ الْخَلْقُ، فَإِنْ كَانَ فِيكُمْ عِبَادَةٌ تُعْتَبَرُ فِيكُمْ أَنْسَابُكُمْ وَإِلَّا فَلَا... »
د ـ وفي تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) الجزء16/ص340: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ الحجرات (13) فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الثَّالِثَةُ - خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَنْسَابًا وَأَصْهَارًا وَقَبَائِلَ وَشُعُوبًا، وَخَلَقَ لَهُمْ مِنْهَا التَّعَارُفَ، وَجَعَلَ لَهُمْ بِهَا التَّوَاصُلَ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا، فَصَارَ كُلُّ أَحَدٍ يَحُوزُ نَسَبَهُ، فَإِذَا نَفَاهُ رَجُلٌ عَنْهُ اسْتَوْجَبَ الْحَدَّ بِقَذْفِهِ، مِثْلُ أن ينفيه عن رهطه وحسبه بِقَوْلِهِ لِلْعَرَبِيِّ: يَا عَجَمِيُّ، وَلِلْعَجَمِيِّ: يَا عَرَبِيُّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ بِهِ النَّفْيُ حَقِيقَةً... الْخَامِسَةُ - قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا" الشُّعُوبُ رُءُوسُ الْقَبَائِلِ، مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ وَالْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَاحِدُهَا" شَعْبٌ" بفتح الشين، سموا به لِتَشَعُّبِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ كَشَعْبِ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ... قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشِّعْبُ: مَا تَشَعَّبَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَالْجَمْعُ الشُّعُوبُ... قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشُّعُوبُ الْجُمْهُورُ «3»، مِثْلُ مُضَرَ. وَالْقَبَائِلُ الْأَفْخَاذُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الشُّعُوبُ الْبَعِيدُ مِنَ النَّسَبِ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الشُّعُوبَ النَّسَبُ الْأَقْرَبُ. وَقَالَهُ قَتَادَةُ. ذَكَرَ الْأَوَّلَ عَنْهُ الْمَهْدَوِيُّ، وَالثَّانِي الْمَاوَرْدِيُّ.
2ـ تعارف اللغة
أ ـ ورد في كتاب (معاني القرآن) للنحاس (6/ 33): «ثم قال جلَّ وعزَّ: ﴿طلعُها كأنَّه رؤوسُ الشياطين﴾، (طلعُها) أي ثمرُها كأنَّه أولُ ما يطلُعُ منها، ثم قال: كأنَّه رؤوسُ الشياطين، قال أبو العباس: يقالُ لم ترَ الشياطين فكيفَ وقعَ التشبيهُ بها؟ وهل يجوزُ أن يقالَ كأن زيدًا فلانٌ، وفلانٌ لا يُعرَفُ» فالجواب أنَّ المقصودَ هو ما وقعَ عليه التعارفُ من المعاني فإذا قيلَ فلانٌ شيطانٌ فقد عُلِمَ أنَّ المعنى فلانٌ قبيحٌ خبيثٌ».
ب ـ وفي كتاب (الناسخ والمنسوخ) للنحاس أيضًا، ص511: «فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ إِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهَا إِلَى التَّعَارُفِ، وَالتَّعَارُفُ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا قِيلَ ادْفَعْ هَذَا إِلَى الْمَسَاكِينِ أَنَّهُمُ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ، وَإِذَا قِيلَ ادْفَعْ هَذَا إِلَى الْفُقَرَاءِ فَهُمُ الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا كِتَابُ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ مُحْتَجًّا لِأَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالْأَسْمَاءِ وَبِمَوْضُوعَاتِهَا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ قَالَ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّكُونِ وَالسُّكُونِ ذَهَابُ الْحَرَكَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ شَيْئًا أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ فَقَرْتُهُ أَيْ كَسَرْتُ فِقَارَهُ فَهَذَا قَدْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ».
ج ـ وفي تفسير الراغب الأصفهاني الجزء1/ص 177: «أصلُ الصبر: الإمساك في ضيق، ومنه: دابَّة مصبورة، والصبرة من الطعام للجمعة منه، وفي التعارف: إمساكُ النفس على ما يقتضيه العقل وعمَّا يقتضيه، وذلك ضربان: صبر عن المشتهى، وهو العفة، وصبر على المكروه وهو الشجاعة، وقيل الصبر: الصوم، لقوله عليه السلام: (صيام شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهب كثيراً من وحر الصدر)، وتسميته بالصبر، لكونه بعضه، إذ هو إمساك الشهوة». وفي الصفحة 327من الجزء عينه: «والقِبْلَةُ وإن كانت في الأصل اسماً للحال التي عليها الإنسان من الاستقبال كالجِلسة والقِعدة، فقد صار في التعارفِ للمكان المتوجَّه نحوه للصلاة».
د ـ النُّكَتُ في إعجاز القرآن للرمَّاني: (ص88): «وقال تعالى: ﴿سنفرغُ لكم أيُّها الثقلان﴾ والله عز وجل لا يشغله شأن عن شأن، ولكن هذا أبلغ في الوعيد، وحقيقته سنعمد، إلا أنه لما كان الذي يعمد إلى شيء قد يقصر فيه لشغله بغيره معه، وكان الفارغ له هو البالغ في الغالب ممَّا يجري به التعارفُ، دلنا بذلك على المبالغة من الجهة التي هي أعرف عندنا لما كانت بهذه المنزلة، ليقع الزجر بالمبالغة التي هي أعرف عند العامة والخاصة موقع الحكمة».
هـ ـ أحكام القرآن للجصَّاص: (3/ 239): «قَوْله تَعَالَى: ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ يَحْتَجُّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ لُؤْلُؤًا أَنَّهُ يَحْنَثُ، لِتَسْمِيَةِ اللَّهِ إيَّاهُ حُلِيًّا، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّعَارُفِ، وَلَيْسَ فِي الْعُرْفِ تَسْمِيَةُ اللُّؤْلُؤِ وَحْدَهُ حُلِيًّا، أَلَا تَرَى أَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى بَائِعُ حُلِيٍّ؟ وَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّ فِيهَا أَيْضًا ﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً﴾، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ سَمَكًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَعَ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ لَحْمًا طَرِيًّا».
مفهوم التعارف في كتب الحديث والفقه
1ـ تعارف النَسَب
أ ـ أعلام المُوقّعين عن ربِّ العالمين لابن قيِّم الجوزية: (2/ 36): «قَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ لِلْأَبِ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ حِكْمَةُ اللَّهِ شَرْعًا وَقَدَرًا؛ فَإِنَّ الْأَبَ هُوَ الْمَوْلُودُ لَهُ، وَالْأُمُّ وِعَاءٌ وَإِنْ تَكَوَّنَ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْوَلَدَ خَلِيفَةَ أَبِيهِ وَشَجْنَتِهِ وَالْقَائِمَ مَقَامَهُ، وَوَضَعَ الْأَنْسَابَ بَيْنَ عِبَادِهِ؛ فَيُقَالُ: فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ، وَلَا تَتِمُّ مَصَالِحُهُمْ وَتَعَارُفُهُمْ وَمُعَامَلَاتُهُمْ إلَّا بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات: 13] فَلَوْلَا ثُبُوتُ الْأَنْسَابِ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ لَمَا حَصَلَ التَّعَارُفُ، وَلَفَسَدَ نِظَامُ الْعِبَادِ؛ فَإِنَّ النِّسَاءَ مُحْتَجِبَاتٍ مَسْتُورَاتٍ عَنْ الْعُيُونِ؛ فَلَا يُمْكِنُ فِي الْغَالِبِ أَنْ تُعْرَفَ عَيْنُ الْأُمِّ فَيَشْهَدُ عَلَى نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهَا، فَلَوْ جُعِلَتْ الْأَنْسَابُ لِلْأُمَّهَاتِ لَضَاعَتْ وَفَسَدَتْ، وَكَانَ ذَلِكَ مُنَاقِضًا لِلْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَلِهَذَا إنَّمَا يُدْعَى النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِآبَائِهِمْ لَا بِأُمَّهَاتِهِمْ».
ب ـ شرح مشكل الآثار للطحاوي (7/ 283): «لِأَنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّعَارُفِ إِذْ كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَهُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ؛ لِيَتَعَارَفُوا كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، فَكَانُوا بِشُعُوبِهِمْ وَبِقَبَائِلِهِمْ يَتَعَارَفُونَ لَا بِمَا سِوَاهَا، فَكَانَ مَنْ أَسْلَمَ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ شَعْبٍ مِنْ تِلْكَ الشُّعُوبِ أَوْ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِلِ حَتَّى يُنْسَبَ إِلَى مَنْ يَكُونُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، فَيُعْرَفَ بِهِ».
ج ـ صحيح البخاري 3/ 1287 ت البغا: - «باب: قول الله تعالى: يا أيُّها الناسُ إنَّا خلقناكم مِن ذَكَر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لِتعارَفوا إنَّ أكرمَكم عندَ اللهِ أتقاكم الحجرات (13) وقوله: واتقوا اللهَ الذي تساءلونَ بهِ والأرحامَ إنَّ اللهَ كانَ عليكم رقيبًا النساء (1) وما ينهى عن دعوى الجاهلية. الشعوبُ النَسَبُ البعيد، والقبائلُ دون ذلك».
2ـ تعارف اللغة
أ ـ صحيح ابن حبَّان (التقاسيم والأنواع) الجزء1 ص346: «444- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"» قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اللهُ أَجَلُّ وَأَعْلَى مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِين، إِذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ خَرَجَتْ مِنْ أَلْفَاظِ التَّعَارُفِ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ فيمَا بَيْنَهُمْ، ...».
ب ـ المعونة على مذهب عالِم المدينة للثعلبي البغدادي المالكي (ص1254): «فصل 16- إذا قال: له عليَّ دينارٌ ولم يُبيِّن: إذا قال: له عليَّ دينارٌ ولم يقُـلْ جيّدًا ولا رَدِيًّا ولا وازنًا ولا ناقصًا، وماتَ، حُكِمَ عليه بدينارٍ جيدٍ وازنٍ بنَقْدِ ذلك البلد، لأنّ إطلاقَ الكلامِ محمولٌ على التعارف كالبيع والشراء والإجارة».
ج ـ ميزان الأصول في نتائج العقول للسمرقندي (1/ 412): «وجه قولِ أصحابنا ـ رحمهم الله ـ أن حَمْلَ المُطْلَقِ على المُقَيَّدِ خلافُ عُرْفِ أهلِ اللغة؛ بل في عُرْفِهم إجراءُ المُطْلَق على إطلاقه والمقيَّد على تقييده. فإن من قال لآخر: "أعتقُ عبدي"، ثم قال بعد ذلك: "أعتقُ عبدي الأبيضَ"؛ فله أنْ يعتقَ أيَّ عبدٍ شاءَ ولا يتقيَّدُ بالأبيض. وكذا من قال لامرأته: "إنْ دخلتِ الدارَ فأنتِ طالِقٌ" ثم قال بعد ذلك: "إنْ دخلتِ الدارَ راكبةً فأنتِ طالِقٌ"، فدخلتْ راكبةً أو ماشيةً: يقعُ الطلاقُ، ولا يتقيَّد المطلق بصفةِ الركوبِ. وإذا كان عُرْفُ أهلِ اللسانِ هذا، يجبُ حَمْلُ كتابِ اللهِ تعالى وكلامِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - على التعارف، لأنَّ كلامَ اللهِ تعالى نزلَ بلغة العرب على حسبِ عاداتهم - قال الله تعالى: وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسانِ قومِه ليبيّنَ لهم».
د ـ شرح الإلمام بأحاديث الأحكام لابنِ دَقيقِ العيد: (1/ 512): «والأَعْرابُ في التعارفِ صار اسماً للمنسوبين إلى سكان البادية. (3/ 25): والرَّبُّ لا يُقالُ في التعارف إلا في اللهِ تعالى، وجمعه: أرِبَّة ورُبُوبٌ».
3ـ تعارف الأرواح
وهو التعارف الوارد في حديث النبي الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ: " الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ". وقد خلصتْ كتبُ الحديث الشريف إلى أنه تعارفٌ قائمٌ على الإيمان والكفر، أو الخير والشر، أو الحقّ والباطل كما في الأمثلة التالية:
أ ـ إكمال المُعْلِم بفوائد مُسْلِم (شرح صحيح مسلم) للقاضي عياض: (8/ 118): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ". 160 - (…) هذا التعارف لأمر جعله الله فيها وجبلها عليه، وأشبه ما فيه أن يكون تعارفها موافقة صفاتها التي خلقت عليها، وتشابهها في شيمها التي خلقت بها، وقيل: تعارفها أنها خلقت مجتمعة، ثم فصلت في أجسادها كل قسم في جسدين، فمن وافق قِسمه ألفه، ومن باعده نافره، وقيل: هو ما يعرف الله به إليها من صفاته ودلَّها به عليه من لطفه وأفعاله، فكل زوج عُرفَ من الإجزاء به تعرف إلى الله بمثل ما تعرَّف هو به إلفه. وقال الخطابي: تآلفها: هو ما خلقها عليه من السعادة أو الشقاوة في المبدأ الأول. وفيه تقدمها على خلق الأجساد، كما جاء في الحديث، وأخبرَ أنه قسمها قسمين: مختلفة ومؤتلفة».
ب ـ الإفصاح عن معاني الصحاح للنيسابوري: (8/ 106): «وأما قوله: (الأرواح جنود مجنَّدة) فالمعنى أنها جنودُ الله عزّ وجلّ مجنّدة في أرضه فتعين الروح منها بالروح، (فما تعارف منها) يعني بتلك المعرفة أن تكون المعرفة متقابلة من روحين لأن تعارف في معنى تفاعل، والغالب في هذا أن يكون بين اثنين، ويعني - صلى الله عليه وسلم - بتعارف الروحين أنه يقع التعارف بشيء من الأشياء أو قسم من أقسام المعرفة، فذلك التعارف داعية للتآلف؛ لأنه يكون ذلك الشيء المعروف جامعا لما بين الروحين فيأتلفان فيه، كما أنه لو عرف هذا الروح شيئًا فأنكره هذه الروح فإنهما يفترقان في ذلك، فمن كان عارفًا بالله وقع له الائتلاف مع كل عارف بالله، ومن كان منكرًا للحق وقعَ بينه الافتراقُ وبين كلِّ عالِمٍ بالحق، ووقع بينه الاتفاق وبين كل مُنكِر للحق، فعلى هذا يكون تآلف غير المؤمنين بالسبب الجامع بينهم في الكفر، وتناكر هؤلاء وهؤلاء مع هؤلاء لما ذكرناه».
ج ـ المفاتيح في شرح المصابيح للمُظْهِري: (5/ 228): 3889 - قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأَرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فما تعارَفَ منها ائتلفَ، وما تناكرَ منها اخَتَلفَ". قوله: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"، (المجندة)؛ أي: المجموعة، (التعارف): جريان المعرفة بين اثنين فصاعدًا، (ائتلف)؛ أي: اجتمع، (التناكر): ضد التعارف. يعني: الأرواح قبل خلق الأجساد مخلوقةٌ مجموعةٌ في الأزل، ويجري بين جماعة من الأرواح تعارفٌ، وبين جماعة تناكرٌ؛ أي: عدم المعرفة، فمن جرى بينهم تعارف قبل خلق الأجساد يحصل بينهم تعارف أيضًا بعد دخول الأجساد، ومن لم يجْرِ بينهم تعارف قبل خلق الأجساد لم يحصل بينهم تعارف بعد دخول الأرواح في الأجساد.
قال محيي السنة: في هذا الحديث بيانُ أن الأرواح خلقت قبل الأجساد، وأنها مخلوقة على الائتلاف والاختلاف كالجنود المجندة إذا تقابلت وتواجهت، وذلك على ما جعلها الله عليه من السعادة والشقاوة».
د ـ التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن المُلَقِّن: (19/ 293): «وقال بعضهم: (جنود مجندة) أي: أجناس مجنسة، وقيل: جموع مجمعة، وهذا التعارف لأمر جعله الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيها وجبلها عليه، وأشبه ما فيه أن يكون تعارفها موافقة صفاتها التي هي خلقت عليها وتشابهها في شيمها التي خلقت بها. وقيل: لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها فمن وافق قسيمه ألفه، وما باعده نافره.
هـ ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي: (13/ 124): «[4834] (الْأَرْوَاحُ) أَيْ أَرْوَاحُ الْإِنْسَانِ (جُنُودٌ) جَمْعُ جُنْدٍ أَيْ جُمُوعٌ (مُجَنَّدَةٌ) بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُجْتَمِعَةٌ مُتَقَابِلَةٌ أَوْ مُخْتَلِطَةٌ مِنْهَا حِزْبُ اللَّهِ وَمِنْهَا حِزْبُ الشَّيْطَانِ (فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا) التَّعَارُفُ جَرَيَانُ الْمَعْرِفَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالتَّنَاكُرُ ضِدُّهُ أَيْ فَمَا تَعَرَّفَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضِ قَبْلَ حُلُولِهَا فِي الْأَبْدَانِ (ائْتَلَفَ) أَيْ حَصَلَ بَيْنَهُمَا الْأُلْفَةُ وَالرَّأْفَةُ حَالَ اجْتِمَاعِهِمَا بِالْأَجْسَادِ فِي الدُّنْيَا (وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا) أَيْ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ (اخْتَلَفَ) أَيْ فِي عَالِمِ الْأَشْبَاحِ
قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ جُمُوعٌ مُجْتَمِعَةٌ أَوْ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَمَّا تَعَارُفُهَا فَهُوَ لِأَمْرٍ جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ وَقِيلَ إِنَّهَا مُوَافِقَةٌ صِفَاتَهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا وَتُنَاسِبُهَا فِي شِيَمِهَا، وَقِيلَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مُجْتَمَعَةً ثُمَّ فُرِّقَتْ فِي أَجْسَادِهَا فَمَنْ وَافَقَ بِشِيَمِهِ أَلِفَهُ وَمَنْ بَاعَدَهُ نَافَرَهُ وَخَالَفَهُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: تَآلُفُهَا هُوَ مَا خَلَقَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ فِي الْمُبْتَدَأِ وَكَانَتِ الْأَرْوَاحُ قِسْمَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ فَإِذَا تَلَاقَتِ الْأَجْسَادُ فِي الدُّنْيَا ائْتَلَفَتْ وَاخْتَلَفَتْ بِحَسَبِ مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ فَيَمِيلُ الْأَخْيَارُ إِلَى الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارُ إِلَى الْأَشْرَارِ».
مفهوم التعارف في كتب الأدب والأنساب والتاريخ وغيرها
1ـ تعارف النَسَب
أ ـ المحاسن والمساوئ للبيهقي (ص78 بترقيم الشاملة آليًّا): «وقال رجلٌ لزياد: إنَّ حاجبَك إنَّما يبدأ بالإذن لمعارفه، فقال: قد أحسنَ، المعرفة تنفع عند الكلب العقور والأسد الهصور وبين لِحْيَي البعير الصؤول، كُنْ من معارفه، فقد قيل: التعارفُ نَسَبٌ، وقبّحَ اللهُ معرفةً لا تنفع».
ب ـ العقد الفريد لابن عبد ربِّه: (3/ 265): «ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في النَسَب الذي هو سببُ التعارف، وسلَّمٌ إلى التواصل؛ به تتعاطفُ الأرحامُ الواشجة، وعليه تحافظ الأواصر القريبة. قال الله تبارك وتعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا﴾ فمن لم يعرفِ النَسَبَ لم يعرفِ الناسَ، ومن لم يعرف الناس لم يعدَّ من الناس، وفي الحديث: «تعلَّموا من النَسَب ما تعرفون به أحسابكم، وتصلون به أرحامكم».
ج ـ جمهرة أنساب العرب لابن حزم الأندلسي: (1/ 1): «وإن كان الله تعالى قد حكم بأن الأكرم هو الأتقى، ولو أنه ابن زنجية لغية، وأن العاصي والكافر محطوطُ الدرجة، ولو أنه ابنُ نبيين، فقد جعلَ تعارفَ الناس بأنسابهم غرضاً له تعالى في خلقه إيانا شعوباً وقبائل؛ فوجب بذلك أنَّ عِلم النَسَب عِلمٌ جليلٌ رفيعٌ، إذ به يكون التعارف. وقد جعل الله تعالى جزءاً منه تعلّمه لا يَسَعُ أحدًا جهلُه، وجعل تعالى جزءاً يسيراً منه فضلاً تعلمُه، يكون من جَهِلَهُ ناقصَ الدرجة في الفضل. وكلُّ عِلمٍ هذه صفته فهو عِلمٌ فاضلٌ، لا ينكر حقَّه إلا جاهلٌ أو معاندٌ».
د ـ قلائد الجُمان في التعريف بقبائل عرب الزمان للقلقشندي: (ص7): «في فضل عِـلم الأنساب: وفائدته ومسيس الحاجة إليه لا خفاء أن معرفة الأنساب من الأمور المطلوبة، والمعارف المندوبة؛ لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية، والمعارف الدينية. فقد وردت الشريعة باعتبارها في مواضع: منها: العلم بنسب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه النبي القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر منها إلى المدينة وتوفي ودفن بها، فإنه لا بد لصحة الإيمان من معرفة ذلك، ولا يعذر مسلم في الجهل به وناهيك بذلك. ومنها: التعارف بين الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير أبيه، ولا يُنسَب إلى سوى أجداده. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (يأيُها الناس إنا خلقناكُم من ذَكر وأُنثى وجعلناكم شُعوباً وقبائل لتعارفوا). ولولا معرفة الأنساب لفاتَ إدراكُ ذلك وتعذَّر الوصولُ إليه».
2ـ تعارف اللغة
أ ـ رسائل الجاحظ (العثمانية):
(ص17): «وكل كلام خرج من التعارف فهو رجيع بهرج، ولغو ساقط».
(ص134): «قيل لهم: إن الأخبار لا بد فيها من التصادق كما لا بد في درك العقول من التعارف، فإن في عدم التعارف في حجج العقول والتصادق في حجج السمع عدم الإنصاف وبطلان الكلام».
ب ـ أمالي المرزوقي: (ص29 بترقيم الشاملة آليا):
«إنْ قالَ القائلُ: من أينَ جازَ أنْ يُقالَ: عامَاً أولَ، ولم يجزْ شهراً أولَ، ولا يومًا أولَ، ولا سنة أولى؟ قلت: إنَّ قولَهم: عاماً أولَ ممَّا عمدوا فيه إلى تخصيصهم بشيء لا يكون في غيره اعتماداً على التعارف، لأن المعنى عاماً أول من عامي، فلما كانت الكلمة متداوَلة، وكانت الحاجة إلى كثرة استعمالها ماسَّة حذفوا واختصروا وأوجزوا واقتصروا، معتمدين على عِلم المخاطَب، والنيّة الإتمام».
ج ـ أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد (1/ 203): «قلنا: أمّا المحبة عندنا فهي الإرادة، إلّا أنهم يستعملونها كثيرًا مع حذف متعلَّقِها مجازًا وتوسُّعًا، فيقولون: فلانٌ يحبُّ زيدًا، إذا أراد منافعه، ولا يقولون: زيد/ يريد عَمْرًا؛ بمعنى أنه يريد منافعَه، لأن التعارفَ جرى في استعمال الحذف والاختصار في المحبة دون الإرادة، وإن كان المعنى واحدًا».
د ـ القانون في الطب لابن سينا: (1/ 131): «الْفَصْل الْخَامِس عشر مُوجبَات مَا يُؤْكَل وَيشْرب مَا يُؤْكَل وَيُشْرب يفعل فِي بدن الْإِنْسَان من وُجُوه ثَلَاثَة: فَإِنَّهُ يفعل فعلا بكيفيته فَقَط وفعلاً بعنصره وفعلاً بجملة جوهره وَرُبمَا تقاربت مفهومات هَذِه الْأَلْفَاظ بِحَسب التعارف اللّغَوِيّ. إِلَّا أَنَّا نصطلحُ فِي استعَمالها على معَانٍ نُشِير إِلَيْهَا. فَأَمَّا الْفَاعِل بكيفيته فَهُوَ أَن يكون من شَأْنه أَن يتسخنَ إِذا حصل فِي بدن الْإِنْسَان أَو يتبردَ فيسخن بسخونته ويبرد بِبرْدِهِ من غير أَن يتشبَّه بِهِ»
هـ ـ نزهة الأعين النواظر في عِلم الوجوه والنظائر لابن الجوزي: (ص131): «الْأَخ: اسْم يُرَاد بِهِ الْمسَاوِي والمعادل، وَالظَّاهِر فِي التعارف: أَنه يُقَال فِي النّسَب، ثمَّ يستعار فِي مَوَاضِع تدل عَلَيْهَا الْقَرِينَة. وَيُقَال: تأخيت الشَّيْء، أَي: تحرَّيته، وَحكى ابْن فَارس عَن بعض الْعلمَاء، أَنه قَالَ: سمي الأخوان لتأخي كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يتأخاه الآخر. والإخاء: مَا يكون بَين الْأَخَوَيْنِ، قَالَ: وَذكر أَن الْإِخْوَة: للولادة، والإخوان: للأصدقاء».
(ص163): «(52 - بَاب الْأَهْل: الْأَهْل فِي عُمُوم التعارف: الْأَقَارِب من الْعصبَة وَذَوي الْأَرْحَام، لِأَنَّهُ يجمعهُمْ النّسَب والتناصر. ثمَّ يستعار فِي مَوَاضِع تدل عَلَيْهَا الْقَرِينَة. وَيُقَال: منزل آهل إِذا كَانَ بِهِ أَهله. وَأهل فلَان، يأهل وَيَأْهِلُ أهولا: إِذا تزوج. والإهالة: للودك الْمُذَاب. وأستأهل الرجل: أكلهَا».
و ـ نهاية الأَرَب في فنون الأدب للنّويري: (2/ 280): «فلا يجوز أن يقال: إن قريشا من قيس، وقيس إنما هو ابن عم الأب السادس من قريش: وهو مدركة؛ ولو كان عمّا له، لكان ربما يجوز على وجه التعارف عند العرب بأنَّ العمَّ أبٌ كما أخبر الله تعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام فقال تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ﴾ ...».
ز ـ الكُلِّـيَّـات للكَـفَـوي: (ص315): «التَّطَوُّع: فِي الأَصْل: تكلّف الطَّاعَة وَفِي التعارف: تبرع بِمَا لَا يلْزم كالنقل وَفِي الشَّرِيعَة: الْمُسْتَحبّ»
(ص353): «والجبرية: بِالتَّحْرِيكِ: خلافُ الْقَدَرِيَّة، والتسكين لحن أَو صَوَاب والتحريك للازدواج وَهُوَ اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين، وَفِي تعارف الْمُتَكَلِّمين يُسمون الْمُجبرَة، وَفِي التعارف الشَّرْعِيّ المُرجئة»
مفهوم التعارف في الشعر العربي
1ـ تعارف النَسَب
لم أجِدْ فيما بحثتُ أبياتَ شِعرٍ عبَّرتْ عن مفهومِ التعارفِ اللغويِّ، في حين وجدتُ أنَّ مفهوم التعارف القائم على النَسَب لم يرِدْ بشكلٍ واضحٍ وجَلِي، واقتصرَ ورودُه على إشاراتٍ بسيطةٍ في بضعةِ أبياتٍ كما في أبياتِ أبي العلاء المعري إذ يقول: ـ غَنينا عُصوراً في عَوالِمَ جَمَّةٍ فَلَمْ نَلْـــقَ إِلّا عَـالَـمًا مُتَـلاعِــنًا ـ إِذا فاتَهُم طَعنُ الرِماحِ فَمَحفِلٌ تَرى فيهِ مَطعوناً عَلَيهِ وَطاعِنًا ـ هَنيئاً لِطِفلٍ أَزمَعَ السَيرَ عَنهُمُ فَوَدَّعَ مِن قَبلِ التَعارُفِ ظاعِـنًا كما وردَ في كتاب (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) للهروي القاري ج8 ص 3131 البيتُ التالي: ـ كَانَتْ مَـوَدَّةُ سَلْمَانَ لَـهُ نَسَــبًا وَلَمْ يَكُـنْ بَيْنَ نُوحٍ وَابْنِـهِ رَحِمٌ
2ـ تعارف الأرواح
أوردتْ أشعارٌ كثيرةٌ مفهومَ التعارفِ الروحيّ، وهي في مجمَلِها نَظْمٌ لمعاني الحديث الشريف: "الأَرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فما تعارَفَ منها ائتلفَ، وما تناكرَ منها اخَتَلفَ". يقول الشاعرُ العباسيّ أبو نواس: ـ إِنَّ القُلــوبَ لَأَجنــادٌ مُجَنَّــدَةٌ لِلَّهِ في الأَرضِ بِالأَهواءِ تَختَلِفُ ـ فَما تَعارَفَ مِنها فَهُوَ مُؤتَلِفٌ وَمَــا تَناكَــرَ مِنها فَهُــوَ مُختَلِفُ ويقول ذو الوزارتين الشاعرُ الأندلسيُّ لسانُ الدين بن الخطيب: ـ وإذا أعْوَزَ الجُسُـومَ التّلاقِي نَـابَ عنْـهُ تَعـارُفُ الأرْواحِ وكذلك يقول الشاعرُ العراقيُّ جعفر الحِّـلِّي من شعراءِ القرنِ التاسعَ عشرَ: ـ إِنَّ القُلـوبَ لَأَجنادٌ مُجنَّــدةٌ بِأَمـرِ خالقِها تَجري وَتَأتلِفُ ـ فَمَا تَعارفَ مِنْها فَهُوَ مُتفقٌ وَمَا تناكرَ مِنها فَهُوَ مُختلِفُ
وقد أوردَ القرطبيُّ في تفسيرِهِ (الجامع لأحكام القرآن) ج16ـ ص342 أبياتًا لعليّ بنِ أبي طالبٍ عليهِ السلامُ فِي هَذَا الْمَعْنَى إذْ يَقولُ: ـ النَّاسُ مِنْ جِهَــةِ التَّمْثِيـلِ أَكفَـاءُ أبُــــوهُــمُ آدَمُ وَالْأُمُّ حَـــــوَّاءُ ـ نَفْسٌ كَنَفْسٍ وَأَرْوَاحٌ مُشَـاكَـلـَــةٌ وَأَعْظُـمٌ خُلِقَتْ فِيهِمْ وَأَعْضَاءُ ـ فَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ مِنْ أَصْلِهِمْ حَسَبٌ يُفَاخِــرُونَ بِـهِ فَالطِّـينُ وَالْمَاءُ ـ مَا الْفَضْلُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُـمُ عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أدِلَّاءُ ـ وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ وَلِلرِّجَالِ عَلَى الْأَفْعَالِ سِيمَـاءُ ـ وَضِدُّ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يَجْهَلُهُ وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْــدَاءُ
خلاصة البحث
ختامًا أقولُ إنَّ هذا بحثٌ قائمٌ على استقراءٍ جزئيّ لبعضِ كتبِ التراثِ العربيِّ، وقد أوصلني هذا الاستقراء إلى أن مفهومِ (التعارف) فيها لا يَعدو معنيينِ اثنينِ أساسيّينِ، ومعنىً فرعيًّا فقط:
1ـ تعارفُ النَسَب: فكلُّ إنسانٍ ينتسب إلى عائلة، أو قبيلة، أو شَعب، أو بلد، يُعرَفُ به، ويُتَعَرَّف إليه من خلاله.
2ـ تعارف اللغة (العُرْف اللغوي): أي توافقُ وتصالحُ مجموعةٍ من الناسِ على استخدامِ لفظٍ ما لمعنىً مُعيَّنٍ، وإنْ خالفَ أصلَ ما وُضِعَ له.
3-التعارف الروحي: وقد لاحظتُ تركيزَ أكثرِ كُتبِ الحديث الشريف على هذا المفهوم.
وأوصلني هذا الاستقراء أيضاً إلى الغيابِ التامٍّ لمفهومِ التعارفِ باعتبارِه مفهوماً ثقافياً إنسانياً عالمياً يشكِّلُ منطلقاً لنظريةٍ سياسيةٍ، اجتماعيةٍ، واقتصادية، كما أوردَه الدكتورُ علي أسعد في كتابهِ (لتعارفوا - الدولة التعارفية) حيث جعل من "التعارف" و "الأعراف" عنصرين لعقدٍ اجتماعي تُصاغُ الدساتير استناداً إليه. ولعلَّ هذا أدعى إلى الاهتمامِ بهذِه النظريةِ، والأخذِ بها، والبحثِ عن تطبيقاتِها العمليةِ الفعَّالةِ على أرضِ الواقعِ.