المنظومة الموازية-تخريب التعليم

من Wiki Akhbar
نسخة ٢٠:٤٦، ١٨ أغسطس ٢٠٢٠ للمستخدم Aatassi (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
البرمجة بالتعليم
قائدنا إلى الأبد

تطور المنظومة الموازية ودوره في تخريب التعليم المركزي و اللامركزي في سوريا

الإجرام ونتائجه هو ثمرة خبيثة لتخريب المفاهيم خلال العملية التعليمية

الحالة الإجرامية التي انزلق إليها كثير من أبناء ما يسمى بالشعب السوري سواء بالتورط المباشر بجرائم قتل المسالمين أو بترويعهم أو بتركيعهم أو بتشجيع هذا الإجرام أو بالتعامي عنه (أياً كانت الجهة المسؤولة عنه) تعود بشكل أساسي لتعطيل مهارات الإنسان في البحث عن الحقائق وتخريب قدراته على الفهم ولتخريب ولقلب تركيبة المنظومة الأخلاقية والدينية بحيث تؤدي عكس غاياتها. كذلك فإن حالة الشلل الجماعي التي يبديها عموم أبناء ما يسمى بالشعب السوري تجاه جرائم الإبادة التي يتعرض لها ناتجة عن التشويه العميق الذي تطور في أذهان الناس لمفهوم مصلحته الشخصية ولمفهوم المصلحة الجماعية (لمجموع المواطنين في الدولة ولمجموع المنتمين للأمة ولمجموع المنحدرين من قومية معينة أو من طائفة خاصة). كل ذلك ناتج عن عملية التخريب الطويل المباشر للتعليم المركزي ولتفتيت مؤسسات التعليم اللامركزي ولقلب أهداف التعليم والتعلم العميقة.

لمحة تاريخية عن سيطرة المنظومة الموازية على العملية التعليمية

يبدو أن مفهوم التعليم وغاياته في المنطقة لم يتوقف عن التغير والتطور وقد تأثر بشكل كبير بالتغيرات العالمية وبالثورة الصناعية وبالحالة الاستعمارية والعسكرية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وفي القرن العشرين. حيث توسع التعليم من نطاق الدين واللغة العربية والحساب ليشمل الجغرافيا والفلك والفيزياء والبيولوجيا وغيرها. لقد تغيرت أهداف التعليم ووسائله ومدته ومعاييره. هذا التغير كان عالمياً وكان التغير يتم بشكل ممنهج منذ أيام الدولة العثمانية. لقد شهدت تلك الفترات تطور تيارات فكرية عالمية لم تكن المنطقة في معزل عنها. كان معظم المفكرين على رغم اختلاف توجهاتهم مشبعين بالثقافة التقليدية التاريخية للمنطقة وبالثقافة الغربية وغالباً ما كان الصراع الفكري يغني الحياة الفكرية والثقافية في المنطقة (شرحت ذلك بشكل مفصل في سلسلة عيد الجلاء).

1. بنية الدولة أصلاً غير مدعومة بوعي شعبي جماعي:

في ظل ظروف عالمية شديدة الصعوبة رافقت تشكل الدولة السورية تشكلت مناهج تعليمية تأخذ من حسنات النظم التقليدية والمعاصرة حيث كان هناك نخب فكرية في مختلف المجالات (الشعراء والكتاب والصحفيين والحقوقيين وعلماء الدين والفنانين وغيرهم) هذه النخب كانت على مستوى أوسع بكثير من سوريا الحالية. أعتقد بأن تلك المناهج كانت قادرة على بناء كوادر مثقفة تحقق توازنات جيدة وانسجاماً بين الماضي والحاضر والمستقبل. بين النظري والعملي بين التأهيل الأخلاقي والديني والفلسفي وبين التأهيل المهني والتطبيقي.

2. بنية الدولة الفتية كانت في خطر:

بشكل سريع تعرضت بنية الدولة السورية بعد تشكيلها لانقضاضات متتالية على شكل انقلابات عسكرية حاولت السيطرة بالقوة على هرم السلطة أولها انقلاب "حسني الزعيم". لم تكن بنية الدولة نفسها مدعومة بوعي شعبي. فشلت الانقلابات في الفترة الأولى. من القرارات المهمة التي تم اتخاذها في تلك الفترة قرار تحييد العملية التعليمية من الانتماء للأحزاب السياسية المتصارعة.

3. وظائف المدارس تستخدم كأعطيات والمدارس تستخدم في تشكيل القطعان :

في زمن الوحدة عام 1958 تغيرت بنية الدولة وبدأت التدخلات المباشرة في العملية التعليمية. في عهد جمال عبد الناصر بدأت الأوامر تصدر لطلاب المدارس ليخرجوا في "مسيرات مؤيدة". بدأت السلطة العسكرية تتدخل في تعيينات المدرسين. بعد انقلاب الانفصال في 1961 تم بشكل مشابه تعديل التعيينات الوظيفية للمدرسين بحيث يضعف أثر الانتماء الحزبي للمدرس في مؤسسته بحيث يتم إبعاد بعض المدرسين المؤثرين عن مناطق تأثيرهم

4. وظائف التدريس تستخدم للانتقام والمقررات تستباح لبرمجة الطلاب على الفكر القومي:

بعد انقلاب الناصريين في 1963 سيطر الضباط البعثيون على الجيش وتم تسليم كوادر حزب البعث المدنية مؤسسات الدولة. اعتبر البعثيون أن أجهزة الدولة هي أجهزة تابعة للحزب يحق لهم من خلالها فرض قوانينهم ونظرياتهم فاتخذت قرارات لتغيير شكل الدولة والمجتمع. تم استخدام التعيينات الوظيفية بشكل واسع كأداة للعقاب أو للثواب وبشكل خاص في مجال التعليم حيث يتم مثلاً فرز الأساتذة الشيوعيون إلى مناطق شرقية محافظة ويتم فرز الإسلاميين إلى جبل الدروز .. الخ.. من مجالات التخريب المهمة التلاعب بمقررات التاريخ. حيث بدأت إعادة صياغة المناهج كي توافق تصورات حزب البعث وفكره عن الصراع الطبقي والصراع بين القومية والدين. ومن ذلك الوقت بدأنا مثلاً بدأنا نحشر في أذهان الطلاب "ثورة الثامن من آذار" دون أن يعرف الطالب طبعاً ما المقصود بها. "تقديم الحقائق التي تساعد الإنسان على فهم البيئة المحيطة" لم يعد هو الهدف من المؤسسات التعليمية بل الهدف أصبح "برمجة الطفل على الفكر القومي" أدى ذلك لوجود صراع بين الجهات التربوية فتوجيه البيت يختلف عن توجيه المدرسة.

5. المؤسسة التعليمية وباقي مؤسسات الدولة تنتقل لأناس غير مؤهلين أصلاً:

بعد انقلاب 1966 سيطرت فئة العسكريين الانقلابيين بشكل كامل حتى على مؤسسات الدولة المدنية (بشكل أساسي  وهربت الكوادر البعثية المدنية إلى العراق و حتى كوادر حزب البعث المدنية المتبقية تمت إعادة تركيبتها بالتدريج لتوضع في  في خدمة ضباط جيش صغار قاموا بترفيع أنفسهم من خلال عمليات تزوير واسعة في مديرية الأركان ليصبحوا ضباطاً كباراً كان "صلاح جديد" هو رأس هذا الانقلاب الذي اعتمد على أحد الضباط الذي أعدهم بعناية وهو "حافظ أسد". وهكذا أصبح هرم السلطة بيد أناس لم يتلقوا أي تأهيل إداري أو ثقافي يمكنهم من إدارة الدولة وفي نفس الوقت هم صاحب القرار الأول بحسب المراكز التي سيطروا عليها بالقوة ومن ناحية ثانية يمكنهم تمرير أية تعليمات غير قانونية من خلال السيطرة بالقوة على أي شيء وبالتالي تشكلت دائرة التحكم الواسعة الغبية المضحكة "الشعب يقدم أبناءه للخدمة الإلزامية ليشكلوا قوة الجيش- قوة الجيش تستخدم للسيطرة على مؤسسات الدولة- مؤسسات الدولة تستخدم للسيطرة على الشعب". هذه الدائرة لا تعقل نفسها ولا يمكن منذ ذلك الوقت لدائرة التخريب هذه إلا أن تتسع لتبتلع كل شيء منظم وكل ثقافة تاريخية وكل بناء حضاري في المنطقة. تلا انقلاب 1966 تسريحات واسعة لضباط الجيش الأكفاء تلاها تسليم الجولان تلاها مؤامرات داخلية بين الضباط الذين سيطروا على السلطة. في هذه المرحلة بدأت الأجهزة القمعية السرية تتطور بشكل كبير وهي ما يسمى اليوم "بأجهزة المخابرات" وهي العماد الأساسي للمنظومة الموازية. حدثت صراعات مسلحة للسيطرة على هذه الأجهزة كان أبرزها مهاجمة "رفعت الأسد" بقوة عسكرية لمخابرات أمن الدولة ولقتل "عبد الكريم الجندي" وهو واحد من قياديي الانقلابات السابقة.

6. المؤسسة التعليمية ومؤسسات الدولة تدار بمنطق الانقلابات:

لم يعد ضباط الجيش بحاجة لأي غطاء حزبي أو فكري يغطي انقلاباتهم ولذا اعتمد الانقلابيون على الرابط الطائفي بين أبناء الأقليات كي يؤمنوا كادراً بشرياً لانقلاباتهم. اعتمد "صلاح جديد" على الرابط الطائفي "العلوي النصيري" كي يضمن نجاح انقلابه في 1966 ووضع "حافظ الأسد" وزيراً للدفاع مع أن رتبته الأساسية كانت "رائداً"  فهو لم يتلق التأهيل اللازم حتى لإدارة الجيش فما بالنا بإدارة الدولة. تم خلال تلك السنوات  تسريح أعداد هائلة من ضباط الجيش وخصوصاً ذوي الرتب العليا المؤهلين (بالآلاف). وتم تسليم الجولان. وانقلب "حافظ أسد" على "صلاح جديد" وباقي رفاقه وتم الانقلاب رسمياً في 1970 حيث اعتقلت شلة البعثيين الجدد رفاقهم البعثيين الأصلين أولئك الذين كانوا قد انقلبوا أصلاً على نظام الدولة. انتهى تماماً الولاء ولو شكلياً للفكرة (بغض النظر عن كون الفكرة صحيحة أو خاطئة) وأصبح الولاء للشخص. بشكل تدريجي أصبحت البنية الحقيقية للمؤسسات تعتمد على الإرادة الهرمية للفرد القادرة على تعطيل أي قرار تخصصي فردي أو أية إرادة جماعية. وتم بالتدريج تعديل البنى الرسمية للمؤسسات بحيث تكرس السلطة السرية للمنظومة الموازية. وتم تطوير نظام إقطاعي جديد يعتمد على الإقطاع الزمني حيث أن كل مؤسسة من مؤسسات الدولة أصبحت إقطاعية يتم إعطاؤها لإقطاعي (وجماعته) مقابل أن يقوم الإقطاعي الجديد بتكريس تسلط المنظومة الموازية على المؤسسة. بعض المجالات كانت شديدة الحساسية بالنسبة لهذه المنظومة ومنها قطاع التعليم لأن الثقافة الحقيقية والعلم الحقيقي والوعي يشكل الخطر الأكبر على المنظومة الموازية لذا تم تخريبها داخلياً.   ففي الحقل التعليمي تم تعطيل المنظمات الشبابية وتم إنشاء منظمات موازية لتكريس الصورة الممسوخة للدولة التي تختزل في الفرد فلقد تأسست منظمة "شبيبة الثورة" بشكل مبكر جداً بمرسوم "جمهوري" بعد أشهر قليلة من انقلاب حافظ الأسد على صلاح جديد ومن بعدها تم تمديد فترة التحكم بالطفل لتشمل المرحلة الابتدائية حيث تم تأسيس ما سمي "بمنظمة طلائع البعث". وتم التعديل التدريجي في الجهاز الإداري  وكوادر الإدارة وأساليبها في المدارس والجامعات وفي المؤسسات الثقافية والتعليمية  بحيث تكون تلك المؤسسات مطواعة. تم تعديل المناهج بدون أي هدف تربوي استراتيجي وبدون أي نظرة مستقبلية لواقع البلد ولماضيه الحضاري ولمستقبله. فهدف التعديل الأول أصبح تكريس تأليه الفرد وتدريب الناس على الانقياد. وصلت الوقاحة لدرجة أن الطلاب وبحضور الأساتذة يرددون كل صباح "ثلاث مرات" : "قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد".

7. اختلاق الصراعات الطائفية :

لقد تم السماح للأقليات بالحفاظ النسبي على بعض مؤسساتها التعليمية ومؤسساتها التربوية والشبابية الخاصة بينما كانت الغالبية محرومة من ذلك أدى ذلك لتطور غير متوازن لكل طائفة وللعلاقات بين الطوائف. من ناحية ثانية فإن اعتماد المنظومة الموازية على الطائفة العلوية النصيرية قد أدى لحدوث عمليات تزوير واسعة في الامتحانات الرسمية كما أدى لخلل في الإيفادات الرسمية لتأهيل الكوادر المستقبلية لإدارة الدولة حيث تتم محاولة تأهيل كوادر بالاعتماد على الطائفة وليس على التأهيل مما أدى مع الزمن لتراجع كفاءة الكوادر السورية أيضاً.

8. تم باستمرار محاولة الهيمنة على كل مؤسسات التعليم الخاص والعام وعلى كل أشكاله وبشكل أساسي مؤسسات التعليم الديني.

9. مع الزمن تكاملت حلقات التحكم بالفرد السوري التي نتحدث عنها والتي يصعب الفكاك منها ما لم يدرك الترابط فيما بينها فالإنسان في سوريا كان يتم التحكم به ولمدة ثلاثة أجيال عبر : "الترويع الجماعي من خلال اعتقال الأفراد أو تعذيبهم أو قتلهم أو اغتيالهم أو توريطهم – الخدمة الإلزامية – التعليم – لقمة العيش – التجهيل .. الخ.."

10. كل ذلك لا ينفي محاولة الكثير من الأساتذة والطلاب الذاتية لإصلاح شيء من هذا التخريب الممنهج.

11. عجز الكوادر التعليمية المنفردة في سوريا عن إجراء عملية إصلاح تعليمي شامل:

بعد الانتقال لعهد بشار الأسد ومع محاولة الاستعادة النسبية التكتيكية لموقع مؤسسات  الدولة بالنسبة لمؤسسات المخابرات في عهد حكومة العطري تراجعت المخابرات تكتيكياً قليلاً مما أدى لاستعادة نسبية لكفاءة بعض الكوادر لأسباب ذكرناها سابقاً إلا أن المنظومة الموازية هي التي بقيت متحكمة في العمق. من ناحية ثانية حدث انقطاع عميق بين الكفاءات التي أسست المؤسسات وبين الكفاءات المنفردة التي تصلح لترقيع بعض المواقع الإدارية دون أن تكون قادرة على التكامل العميق فيما بينها لتشكيل جهاز إداري خارج سيطرة المنظومة الموازية. لذا فالكوادر التعليمية بالذات وإن توفرت فيها بعض الكفاءات إلا أنها عاجزة عن التكامل وعن إجراء الإصلاح التعليمي المطلوب.

تأثير تخريب التعليم لعشرات السنوات على الوضع السوري الحالي :

1. عدم قيام معظم السوريين بواجب التطوير الذاتي لفهم ما يجري 2. عدم قيام كثير من الأسر بواجب التعليم الذاتي للأبناء أو للأقرباء أو للجيران. 3. فشل السوريين في تأسيس مؤسسات تعليمية وثقافية قوية في أرض الوطن وفي دول اللجوء والمهجر تضمن استمرار ثقافتهم الخاصة. 4. جهل معظم الناس بالمعرفة المفصلة لتاريخ المنطقة حوّل الارتباط بالماضي إلى ارتباط قبلي فيمكن للإنسان أن يتحدث عن الرقي العلمي الذي كانت تتمتع به بلداننا وهو أجهل ما يكون بالحاضر والماضي ويمكن أن يتحدث عن "إنسانية" أجدادنا وهو يشجع المجرمين القتلة. 5. تبعية الحركة الفكرية لتوزع القوى العسكرية على الأرض. فكثير ممن يصنفون أنفسهم مثقفين ما زالوا يعتمدون على تأييد أو معارضة حملة السلاح على الأرض ولا يوجد أي تطوير لأي مشروع حقيقي يجمع أبناء الشعب السوري 6. كسر العلاقة بين السبب والنتيجة أدى لجهل الناس بمسؤوليتهم عما يحدث لهم. فمعظم أبناء الشعب السوري يعزو ما يحدث له لأسباب خارجية فقط أو للظلم الداخلي الواقع عليه دون أن يدرك أن طريقة حياته. وهو مستعد مع الزمن أن يقبل الروايات مهما كانت متناقضة لأنه ليس بحاجة لبناء مفاهيم منطقية في ذهنه يبني عليها برنامج عمل. 7. عجز الطلاب والخريجين الجامعيين عن توظيف المهارات التخصصية في فهم الواقع وفي حل مشاكله 8. عجز المتخصصين عن استخدام مهارات التواصل والتكامل لتشكيل مؤسسات قادرة على حل المشكلات لأن هذه المهارات لم يتم تطويرها .. الخ..

للموضوع بقية : دورنا في إصلاح العملية التعليمية

31- هذه هي الحلقة 31 من سلسلة كيف نحل مشكلتنا؟