المنظومة الموازية-معنى النظام

من Wiki Akhbar
نسخة ٢٠:٠٢، ١٨ أغسطس ٢٠٢٠ للمستخدم Aatassi (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
نظام السيطرة البديل
معنى النظام

23-الاتفاق على معنى "النظام السوري" مقدم على تأييده أو معارضته أو السكوت عنه:

عندما نتحدث عن المصيبة السورية نجد مئات آلاف المتكلمين والمعلقين وملايين المتعاطفين. وليس غريباً أن نرى الكثير من المتصارعين والمؤيدين والمعارضين ولكن الغريب أن يزداد المتصارعون في صراعهم شراسة وعدداً دون أن يدقق المتصارعون في موضوع الصراع نفسه. وبدلاً من أن يدقق الناس على تعريف مشترك للمصطلحات في بداية حواراتهم تجدهم يقررون توجههم المسبق المعادي للمحاور على طريقة "الاتجاه المعاكس" ثم يفجرون كل طاقاتهم الكلامية في مواجهة "الخصم" فإذا ما تحدث صاحوا وإذا ما أشار إلى سلبية أنكروها وإذا ما أشار إلى إيجابية كذبوها وإذا ما تحدث عن الآلام التي يعيشها الجميع انحصر همهم إما بالإدعاء بأن الأوضاع ممتازة أو بإنكار وجود الألم الشديد فالغاية من الحديث دوماً ليست البحث عن حلول بل تجنيب الطرف الذي قرر الشخص تأييده أية مسؤولية عن الحالة التي كانت عليها البلاد والتي صارت عليها اليوم والتي ستصير إليها غداً. وطبعاً ما دامت الغاية هي تجنيب الطرف الذي شعرنا بالانتماء إليه المسؤولية فستكون غاية المتحدث الإلقاء باللائمة على الآخرين دوماً مما يحول الحوارات إلى نوع من تبادل الشتائم ولذا يصعب استمرار أي حوار وغالباً ما تتقطع علاقة الشخص مع غير المؤيديين أو المعارضين أمثالهم وشيئاً فشيئاً يغيب الحوار وتضيع أية فرصة لفهم الأسباب ولوضع الحلول والتعاون على تنفيذها. من أخطر المصطلحات التي يستخدمها الناس بعشرات المعاني هو مصطلح "النظام السوري". ولقد شرحت مسبقاً معنى "النظام السوري" عندما تحدثت عن "بنية الدولة السورية" وهو مبين في الصورة المرافقة. ولكنني هنا أحاول أن أشرح لماذا لا يتعاون الناس لفهم هذا المصطلح الخطير قبل الاختلاف في الحوار؟

إن عدم تحديد الناس لمعنى "النظام السوري" له كثير من الأسباب. منها :

1. عدم اعتيادنا على حل مشاكلنا بشكل علمي. واعتبارنا (رغم ملايين الشهداء) أن البحث في هذه المواضيع هو نوع من الترف. 2. عدم تعلمنا من خلال المناهج التعليمية لمعنى "المدينة" ولمعنى "الدولة" ولمعنى "النقابة" .. الخ .. وعدم ممارستنا لحقوقنا وواجباتنا ضمن هذه الأطر مما يخلق لدى الكثيرين من المؤيدين والمعارضين خلطاً عجيباً بين مؤسسات الدولة وبين المؤسسات السرية الموازية التي تشل مؤسسات الدولة. 3. توريط معظم الناس في بنية النظام بشكل تدريجي غير مباشر. معظم السوريين من المؤيدين والمعارضين كانوا متورطين في بناء الشبكة الموازية لنظام الدولة. هذا التوريط هو ناتج عن عدم قدرة الإنسان على فهم معنى مؤسسات الدولة وعن عدم قدرته عن تمييز النظام عنها بالإضافة للخوف والطمع. قلما تجد شخصاً في سورية لم يتم توريطه في بنية النظام ففي كل يوم كنا نردد شعار ولائنا للقائد إلى الأبد والتنسيب للحزب شبه إجباري والنفاق للقائد شبه إجباري ومبايعة القائد بالدم أمام الجميع وبدون غرف انتخاب فردية شبه إجباري ودخول الإنسان في وظائف الدولة أو حتى في النقابات يحتاج لموافقة المخابرات والتدرج في مراتب الإدارة يتعلق بمقدار قبول الموظف لسلطة المخابرات الموازية حتى المعلم في المدرسة غالباً ما يتوجب عليه في حصص اللغة الأجنبية أن يطلب من التلاميذ ترجمة أقوال القائد فما بالنا بدروس التربية الوطنية والدينية وبدروس التاريخ. لا بد لمن يعيش في سوريا أن يعمل بشكل ما لصالح تثبيت أركان النظام كي يستطيع الاستمرار في حياته أو في وظيفته وهو يقوم بهذه الأعمال بشكل شبه آلي اعتاد عليه منذ نعومة أظفاره. هذا التورط يمنع الإنسان من رؤية الصورة الكاملة للنظام وأن يفصل في ذهنه بين مؤسسات الدولة الشكلية ومؤسسات السلطة السرية الموازية لأنه يصعب عليه أن يقر بأن سلوكه الفردي كان يشكل جزءاً من المنظومة الكلية التي تحتل مؤسسات الدولة ومن الأسهل عليه أن يلقي باللائمة على الآخرين. هذه النقطة الخطيرة سأشرحها بشكل مفصل على عدة حلقات لاحقاً. 4. خوفنا وتخويفنا الشديد من الحديث عن المكونات الحقيقية العميقة للنظام مثل فروع المخابرات والبنية الطائفية والسيطرة الموازية على المؤسسات المسلحة.. الخ.. هذا الخوف يشمل ما يسمى بالمؤيد وبالمعارض وله نتائج كارثية فغالباً لا يتطور الفكر عند المعارض بشكل تدريجي (وهذا له علاقة بطبيعة النظام نفسه الذي يقمع أية مواجهة فكرية). حيث غالباً ما يتعرض المعارض لصدمة أو لصدمات متتالية تؤدي إلى انفجار في وجه النظام في مكان لا يخضع نظرياً لسلطة النظام فهو ينتقل من حالة تأييد بدون تفكير عميق لحالة معارضة بدون تفكير عميق. 5. التلبيس على الناس من خلال الخلط بين التخلف والفساد الموجود في أية مؤسسة من مؤسسات الدولة وبين بنية النظام السوري نفسه. هذا التلبيس يقوم به المؤيد والمعارض على حد سواء. فالحديث عن موظف مرتش والحديث عن تخلف الباصات عندنا والحديث عن انقطاع الكهرباء وغيره كل هذا الكلام غالباً ما يقوم به المؤيد لكي يضع مسؤولية الفساد والتخلف على "الموظفين قليلي التربية" وهكذا يعفي رموز النظام من المسؤولية". ومن ناحية أخرى يقوم المعارض بربط هذا الفساد مباشرة بشخص الرئيس دون أن يحدد كيف يتم هذا الربط. وفي الحالتين لا يستطيع الناس التركيز على بنية الأجهزة السرية التي تدير البلاد بشكل فعلي والتي تحول مؤسسات الدولة إلى مؤسسات منفعلة شكلية لا إرادة لها. إن الفساد والإفساد لا علاقة له بالأشخاص بل ببنية النظام نفسه. فبنية الإدارة الحقيقية تجعل اختيار الموظفين يتم بحسب الولاء عن طريق المخابرات وليس عن طريق "الأداء" بحسب المؤسسات السيادية التي تأخذ شرعيتها من الاختيار الجماعي للناس. 6. القسوة الشديدة التي تمت من خلالها مواجهة المظاهرات وقتل المتظاهرين مما أدى (مع تطور وسائل التواصل) لاستقطاب عدد متزايد بشكل أسي من الشباب للتحول إلى معارضين للإجرام دون أن يكونوا فعلاً "معارضين للنظام" الذي لا يدركون استطالاته الأخطبوطية وهكذا تم بشكل مبكر صدم الأكراد بالعرب وصدم السنة بالشيعة وصدم أهالي المدن بالريف وصدم المناطق التي لا يسيطر عليها النظام "ظاهرياً" بالمناطق التي يسيطر عليها النظام. ودوماً يتم زرع مصطلحات جديدة تؤدي لتوليد صراعات متجددة ولعلنا نفهم اليوم سبب الصراع العسكري الإعلامي قبل عدة سنوات بين داعش وحزب العمال الكردستاني على مدينة "عين العرب" الذي رافقه صراع إعلامي مفتعل على التسمية "كوباني" أم "عين العرب" فهذا الصراع نفسه (مع الأحداث التي رافقته) كان لتذكية الشعور بالمظلومية ولتأمين كوادر لكل من حزب العمال الكردستاني وداعش في وقت واحد وزيادة الشروخ القومية والدينية في المنطقة

إن عدم تحديد الناس لمعنى "النظام السوري" وأمثاله يجعلهم عاجزين عن فهمه وهذا له نتائج كارثية مذهلة:

1. عدم إدراك الفرد بأن ما يحدث في سوريا هو نتيجة طبيعية لشل أجهزة الدولة لعشرات السنوات مما يجعل المؤسسات عاجزة عن التأقلم عن المستجدات. فما بالنا بقدرة تلك المؤسسات على الاستفادة من التطورات الهائلة في العالم وخاصة في مجال الاتصالات. 2. انتظار أن يقوم "آخرون" بحل المشكلة السورية. واستخدام الضمير "نحن" بشكل عاطفي غير مبني على أي ارتباط مؤسسي. فتجد الواحد منا يقول "نحن" للدلالة على الشعب السوري الذي لا تجمعه تنظيمياً في العمق إلا مؤسسات المخابرات! فتجد ابن الطائفة العلوية يقصد بالشعب السوري أبناء الطائفة الحاكمة وتجد السني أو المسيحي يقصد بها أمثاله في البلد. وبالتالي كل واحد يتحدث بصورة مضحكة عن "شعبه" السوري! 3. عدم إدراك الفرد أن سلوكه الفردي كان يشكل جزءاً من هذه النظام الحاكم وأن التغيير الواعي في هذا السلوك هو أول خطوة نحو الحل. فكل سوري مهما كان دينه ومهما كان مذهبه ومركزه ومكان إقامته يمكنه أن يشارك في تماسك المجتمع السوري وفي زيادة الوعي وفي بناء المؤسسات وفي كشف الجرائم بحق الأفراد وبحق المؤسسات والتمهيد لمحاكمة القتلة يوماً ما. 4. الخلط بين السلطة والدولة وإيهام الناس أن واجب الإنسان الذي عليه بذله في إدارة أمور دولته وفي الارتقاء بمعرفته الإدارية إنما هو شيء سلبي. إن محاولة أصحاب الكفاءات الوصول بطرق مشروعة إلى أرقى مراتب الهرم الإداري بما فيها رئاسة الجمهورية إنما هي واجب عليهم ولكن المنظومات التوجيهية التي تشرف عليها المخابرات توهم الناس أن عليهم الزهد بمراكز الإدارة المهمة للبلد فهي مراكز "سلطة" وأن عليهم أن يتلقوا أسماء مديريهم من خلال القضاء والقدر المخابراتي. 5. إن عدم وضوح معنى "النظام" أدى إلى وجود خلل مضاعف في معاني المفردات التي بنيت عليه ومنها معنى "الثورة". التي أصبحت تعني في مرحلة ما "التنسيقيات" وهي مجموعات فيسبوكية لتحريك المظاهرات. وفي مرحلة أخرى كانت تعني عند بعض الناس رفع شعارات "إسقاط النظام" دون تحديد معنى الاسقاط لأن النظام نفسه غير محدد. وفي مرحلة ثالثة كانت تعني عند آخرين "‘إقصاء بشار الأسد عن موقع رئاسة الجمهورية" ثم تطورت لتشمل عند بعض الثوريين مساندة الأعمال المسلحة التي تهدف للدفاع عن المتظاهرين من أعمال القتل الممنهج ثم أصبحت عند بعض الثوريين تعني الانخراط في جماعات تنادي بتطبيق الشريعة "دون وضوح معنى الشريعة" مع وجود مصادر تمويل لمثل هذه المجموعات وهكذا أصبحت معاني التأييد والمعارضة مطاطة جداً. ف "تطبيق الشريعة" كحل لمشكلة بناء مؤسسات الدولة لا يقل ضبابية عن مفهوم "النظام" نفسه في أذهان معظم الناس بل على العكس "النظام" مطبق مسبقاً "ولن تعرف خيره حتى تجرب غيره". 6. ولكن الحقيقة أن "النظام" نفسه تغير منذ عام 2011 فلقد استخدم أدوات شديدة التدمير ليس بشكل تكتيكي مما يؤدي إلى تغير تركيبته بشكل غير قابل للانضباط فلعبة حزب العمال الكردستاني التي كانت تلعبها المخابرات السورية منذ السبعينيات تؤدي لولادة قوى لا يتحكم بها النظام واستقدام الميليشيات الإيرانية يضعف النواة العلوية التي تؤمن الكادر البشري للنظام واستقدام الجيش الروسي وبناء قاعدتين له يحدث خللاً في تحكمه بالقوى المسلحة أداة سيطرة النظام الثانية على الشعب والمؤسسات من بعد المخابرات والاستخدام الواسع للشبيحة القتلة واللصوص لفترة طويلة وتوزيع الغنائم عليهم من أموال الناس وأعراضهم سيجعل من الصعب استعادة الحد الأدنى من مؤسسات الدولة اللازمة للحفاظ على الحد الأدنى من شرعية مؤسسات الدولة. 7. إن الانتماء السريع لأبناء الشعب السوري لمؤيد ومعارض قبل نضج المفاهيم قد أدى إلى صمت كتلة كبيرة من أبناء الشعب المسالم فالناس تخاف من أي مشروع جديد فما بالنا بمشاريع تتعلق ببناء الدولة. لقد تمت تربية الإنسان على أن لا يتدخل في الأمور العامة وإلا فربما يغيب في معتقلات من دون محاكمة فما بالنا عندما يكون هذا التدخل في فترات الأزمات. إن معظم المؤيدين والمعارضين لم تتوضح في أذهانهم أبعاد "النظام" ولذا فليس لديهم خطة واقعية عملية لإصلاحه أو للقضاء على البؤر السرطانية فيه. هذا أدى مع الزمن إلى تفتت عواطف الناس فالناس مثلاً في غربي حلب ترى البراميل المتفجرة تسقط على جيرانها في شرقي حلب ولكنها ومع عدم وجود منهج عملي يربط سلوكها اليومي بالدفاع عن جيرانها تعتاد الموضوع وتفكر بغلاء الطماطم (البندورة) في غرب حلب أكثر مما تفكر في الدماء في شرقها. وتفكر بضحية جرة الغاز (التي لا تعرف بالضبط مصدر إطلاقها) التي تسقط في غرب حلب أكثر بكثير مما تفكر بعشرات الضحايا التي تسقط نتيجة البرميل العشوائي في شرقها. 8. إن التفتت التدريجي لعلاقات الناس ولأخلاقهم جعلهم عاجزين عن التوحد في مواجهة أوضح جريمة في التاريخ البشري وهي جريمة رمي عشرات آلاف البراميل المتفجرة فوق الأسواق والمشافي والمساكن بهدف تهجير الناس وتدمير معيشتهم. هذه الجريمة هي جريمة مضاعفة بوجه الإنسانية وبوجه الحياة نفسها. لقد وصل الإجرام بعشرات آلاف المؤيدين أن يؤيد رمي البراميل فهو لا يدرك تماماً معناها ولقد وصل الإنحطاط بكثير من المعارضين أن ينزل هذه الجريمة عن أفقها الإنساني الشامل ليقول بأن البراميل هي ضد السوريين أو ضد المسلمين أو ضد العرب أو ضد السنة .. الخ .. هذه الجريمة هي جريمة كاملة ضد البشر (وضد الحياة) والوقوف في وجه من يرمي البراميل هي أول ما يجب أن يفعله أي سوري بل أي إنسان (غير مجرم) سواء أكان يصنف نفسه مؤيداً أو معارضاً. مواجهة البرميل مقدمة يجب أن تسبق الحديث في أية تفاصيل دينية أو دنيوية وتسبق أي انتماء عرقي أو ثقافي. لم يبذل الناس جهداً كافياً لتعريف باقي البشر بالبراميل فالإنسان الطبيعي من أية ملة كانت لو علم بحقيقية البرميل لوقف بوجهها مهما كان مذهبه أو دينه. إن عدم التركيز للاتفاق على إدانة البراميل وأمثالها قد جعل كلام الناس مبعثراً حول ما هو أدنى منها وأصبح حتى الحديث عن الجرائم الأصغر فيه تستر عن جريمة البراميل وهكذا كان الأفراد في المجتمع السوري يرسلون لما يسمى بالأمة العربية والإسلامية والأمة الإنسانية رسائل متناقضة عما يحدث في سوريا مما جعل ما يسمى الأمة العربية والإسلامية والإنسانية تتفرق وتتشتت بدلاً من المساعدة في الخروج من المأساة. حتى مع انتشار ملايين السوريين في العالم لا يشعر معظمهم بمسؤوليته عن توثيق شهاداته فيما يتعلق بالبراميل وبنشر تلك الشهادة ومكاملتها. وأنا شخصياً لا أعرف معنى التعليم الجامعي والحس الموسيقي والالتزام الديني وغيره ما لم يترافق مع استنكار البراميل. 9. إن عدم فهمنا لمعنى "النظام السوري" وعدم ممارستنا لإدارة أجهزة "المدينة" وإدارة أجهزة "الدولة" بالإضافة للأطروحات المسطحة للجماعات المسلحة "الثورية" التي ملأت الفراغ الذي تركته نظرياً (سواء أظن البعض أنها انسحبت أوانهزمت) ما يقال بأنها قوات النظام قد جعل الناس تقارن بين "الثورة" و "النظام" وكأنهما نظامين سياسيين لدولتين مختلفتين. فالشعب لا يدرك معنى البرلمان ولا يدرك معنى الحكومة ولا معنى السلطة القضائية ولا معنى استقلال السلطة القضائية ولا يدرك أن المشكلة العميقة تكمن في تحول مؤسسات الدولة لمؤسسات شكلية تسيطر عليها مؤسسات سرية. لقد كانت قوات المخابرات تستهدف بشكل مبرمج العناصر المدنية التي يتم انتخابها انتخاباً حراً في المجالس البلدية وكانت تتعمد قصف المشافي والمدارس فهي لا تريد لأية نواة لمؤسسات مدنية أن تتطور وبالمقابل كثير من الجماعات المسلحة تريد أن تفرض سيطرتها على المؤسسات المدنية الوليدة. وفي غياب أي تعريف للنظام وكيفية احتلاله لمؤسسات الدولة ولآلية التوعية الجماعية الضرورية لذلك التحرر أصبح الشخص (حتى المثقف) سواء أكان مؤيداً أو معارضاً يقارن بين "النظام" و "الثورة" بصورة كاريكاتيرية فهو يقارن بين أسعار الغذاء بين حلب الشرقية والغربية وبين الابتزاز والخطر الذي قد يتعرض له في حلب الشرقية أو الغربية ويقيم على ذلك أن "الثورة أفضل" أو "النظام أفضل". ولقد استطاعت قوات المخابرات التي تشكل نواة "النظام" استثمار هذه الجهل والتجهيل المستمر لعشرات السنوات من خلال إدخال البراميل في المعادلات. حيث البراميل تدمر أحياء "الثورة" ولكنها لا تدمر "أحياء النظام". هذه المقارنة المضحكة هي نتيجة جهل المؤيد والمعارض بأن مؤسسات الدولة التي يسيطر عليها ما يسمى "النظام" هي مؤسسات الجميع ولها تاريخها وموظفوها وقوانينها المتراكمة و تدميرها جريمة وغاية الجميع معالجتها من شللها الذي عملت عليه المؤسسات السرية خلال عشرات السنوات وأكبر دليل على شلها من قبل المؤسسات السرية هي قصر خدماتها على المجال الذي تتحكم فيه المخابرات واستخدام الجيش الوطني في جرائم الإبادة الجماعية لأبناء الوطن واستخدام القضاء والبرلمان لتمرير تعليمات المخابرات. 10. إن عجز المجتمع السوري عن فهم معنى "الدولة" ومعنى "النظام" قد جعله يجلس في عمومه في موقع المتفرج وهو لا يدري بأنه قادر في الأماكن التي يسيطر عليها النظام أو التي لا يسيطر عليها النظام. في دول اللجوء أو في دول الهجرة أن يقوم بجهود متكاملة لربط أبناء الوطن والأمة من خلال الجمعيات والمؤسسات وهو قادر بالتدريج على فهم كيف تعمل مؤسسات الدول والمدن التي يعيش فيها وهو قادر بالتعاون مع إخوانه على فهم مواطن التخريب الكبير الحاصل في بناء الدولة السورية وهو قادر على مكاملة جهوده لتحديد آليات إصلاح مواطن التخريب والبدء فيها بما فيه صالح كل الشعب السوري وبما فيه كشف القتلة المجرمين وتقديمهم إلى العدالة الأرضية أمام محكمة سورية قبل أن يقدموا للعدالة الإلهية يوم القيامة.

الحلقة 23 من سلسلة "كيف نحل مشكلتنا"؟