كتابات متنوعة

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث

23 نيسان 2018، اللجوء الألماني: مثقفون وكتاب وباحثون في المجرّة الجديدة

حسام الدين درويش

أجرت الصديقة العزيزة "غالية شاهين" تحقيقًا صحفيًّا عن وضع اللاجئين- الكتَّاب في ألمانيا وقد طرحت علي سؤالين، في هذا الخصوص: وفيما يلي نص السؤالين وإجابتي عنهما: _هل من فرق بين كونك كاتباً في سوريا وبين كونك كاتباً لاجئاً هنا في ألمانيا، وهل يترتب على هذا الفرق، إن وجد، معاناة أو مكابدة من نوع خاص؟ "طبعًا" هناك اختلافات كبيرة بين الوضعين. فعلى العكس من الوضع في سوريا، لا رقابة أمنية استبدادية ولا تضييق أمنيٍّ قمعيٍّ، هنا في ألمانيا. وهذا يعني امتلاك الحرية وتحمل كامل المسؤولية عما نكتبه. الكتابة من سورية كانت موجهة إلى القارئ العربي عمومًا والسوري خصوصًا؛ أما القارئ الافتراضي أو المثالي المتخيَّل لما أكتبه هنا، فقد أصبح يتضمن، أيضًا وأحيانًا على الأقل، القارئ العربي المقيم في "الغرب" والقارئ الغربي أيضًا. والكتابة أو العمل في المجال الثقافي أو الإعلامي العربي أقرب إلى الهواية منه إلى العمل الاحترافي فالمردود المادي من هذا العمل ضعيف جدًّا مقارنةً بتكاليف الحياة في ألمانيا، يضاف إلى ذلك إن ظروف اللجوء في مراحله الاولى على الأقل ومحاولة الاندماج في هذا البلد وتطبيع العلاقة معه، كل ذلك يتطلب تفرغًا كاملًا أو شبه كاملٍ وجهودًا مكثفةً لا تفسح مجالًا كبيرًا للكتابة والعمل أو المشاركة في ميدان الثقافة. وفأنا مثلًا اضطررت إلى التوقف عن الكتابة توقفًا شبه كاملٍ لمدة عامين تقريبًا قبل أن أستأنف عملي البحثي والأكاديمي بفضل منحٍ مقدمةٍ من مؤسساتٍ ألمانيةٍ وأمريكيةٍ. _اللغة هي حقل الكتابة، الكاتب أكثر الناس انخراطاً في اللغة، هل شكل ذلك سبباً في رفض اللغة الجديدة/ لغة البلد الذي لجأت إليه، الألمانية هنا، خاصة أنها لغة مفروضة: أي يجب، حسب الأنظمة الألمانية، على اللاجئ تعلمها؟ أم أن علاقتك الراسخة بلغتك الأم شكلت حافزا لديك لتعلم اللغة الجديدة؟ تمثل مسألة اللغة الإشكالية الاكبر بالنسبة إلى اللاجئ عمومًا وبالنسبة إلى اللاجئ الكاتب خصوصًا. فبالإضافة إلى ضرورة أن يتعلم لغة البلد الجديد الذي يقيم فيه، عليه ان يقرر إذا كان يود الاستمرار بالكتابة باللغة العربية (فقط) أم أنه يود الكتابة بلغة البلد الذي يقيم فيه. وهذه مسألة غاية في الأهمية ولها نتائج كبيرة ومؤثرة في حياة الشخص عمومًا وفي حياته المهنية وطبيعة كتابته ومضمونها. أنا أحاول ان التوفيق بين أكثر من أمرٍ: الكتابة والعمل باللغة الإنكليزية، تعلم الألمانية تمهيدًا لجعلها لغة العمل، والاستمرار بالكتابة باللغة العربية. طبعًا تعدد الاهداف واختلافها يجعل التقدم في تحقيق كلٍّ منها بطيءٍ (جدًّا). أنا حريص على عدم التخلي عن أي من الاهداف لاعتقادي بضرورتها الملحة. فاللغة الوحيدة التي يمكنني العمل فيها حاليًّا في المجال الأكاديمي والبحثي في ألمانيا هي الإنكليزية؛ وتعلم الألمانية ضرورية لأسبابٍ تتعلق بالحياة اليومية والاجتماعية وبالإقامة وتمديدها وبالعمل الأكاديمي أيضًا؛ أما الكتابة باللغة العربية فهي "حبي الأول والأخير" فهي اللغة التي أشعر بنبضها وأحس بطعم مفرداتها وحروفها وأعبر عن فكري ونفسي من خلالها بطريقةٍ لا يمكن مقارنتها مع أي لغةٍ ثانيةٍ "اضطررت" إلى تعلمها واستخدامها (الفرنسية والإنكليزية والألمانية).

29 نيسان 2018، رحلتي الأخيرة إلى برلين

عن "سوريتنا" و"اندماجنا" و"علمانيتنا" : خواطر سريعة من رحلة برلين الأخيرة، في رحلتي الأخيرة إلى برلين شاركت في لقائين ثقافيين: الأول بدعوة من نادي سلام والصديق الدكتور ابراهيم السيد عن الانتماء والاندماج، والثاني بدعوة من مؤسسة ابن رشد عن العلمانوية والعلمانية والعلمنة. وخلال هذه اللقاءات وما تلاها أو وازاها من نشاطات أخرى تولد أو تعزز لدي حضور بعض الانطباعات والأفكار أود مشاركتكم بعناوين بعضها. ما زال "الاندماج" بين السوريين والتطبيع الإيجابي للعلاقات بينهم أصعب وأقل إيجابيةٍ في كثيرٍ من الأحيان من "اندماج" السوريين في ألمانيا مجتمعًا ودولة. لكن وجود عقبات أكبر في وجه الاندماج الأول لا ينفي وجود مقومات أكبر لهذا الاندماج. ويمكن "للاندماج" بين السوريين أن يساعد على "اندماجهم" في مجتمعهم الجديد، لكن يمكن أن يكون عائقًا أيضًا. يبدو لي أن كثيرًا من السوريين، وفقًا لإحدى الصور النمطية الشائعة، هم سوريون أكثر مما يظنون أو يرغبون، وأقل ألمانيةً أو لا سوريةً مما يودون أو يأملون. ينطلق هذا الانطباع من الاعتقاد بأنه على الرغم من أن الصورة النمطية التي لدينا عن أنفسنا أو عن الآخر مليئة بالتعميمات المغلوطة والتقييمات الفاسدة، إلا أنها ليست مجرد عقبة في وجه الفهم بل هي في كثيرٍ من الأحيان ضرورة لا مفر منها للفهم بوصفها أحكامًا مسبقة تمهِّد لفهم أوليٍّ ينبغي أن تتم مراجعته وتنقيحه وتعديله دائمًا. الحديث عن سوريتنا أو غير سوريتنا، بالمعنى الثقافي، لا ينبغي أن يتخذ ذريعةً لاخفاء أو إنكار الفروق الفردية الهائلة التي قد تجعل الاختلاف داخل الثقافة الواحدة أكبر واعمق من الاختلاف بين "الثقافات المتعددة". إدراك وجود هذه الفروق ضروري قبل أي عملية تقييم ومن المستحسن بدون هذه العملية، غالبًا على الأقل. "سوريتنا" ليست بالضرورة عقبة في وجه كونيتنا وعالميتنا وإنسانيتنا بل هي إحدى الأشكال الضرورية لتجسدها وتجسيدها، وتأسيسها والتأسس عليها. فالإنسانية المجردة البعيدة عن التعين الجزئي في السياقات الخاصة والمحددة هي إنسانية شكلية وشكلانية فارغة من كل مضمونٍ ذي معنى. وأخشى ان بعض السوريين ينطبق عليهم حديث روسو عن أن مبالغة بعض الأشخاص في التعلق بالإنسانية المجردة تترافق مع كرههم لجميع البشر. قبل إجراء مقابلة إذاعية مع القسم العربي في إذاعة RBB، تحدثت قليلًا مع مصورٍ فلسطيني يعمل في الإذاعة. وقد فوجئت عندما أعلن عن اعتقاده الجازم بأنني فلسطيني من مجرد سماعه بضع كلماتٍ مني. ثم انتقلت الدهشة إليه عندما علم انني سوري ومن مدينة بعيدة نسبيًّا عن فلسطين. لكننا اكتشفنا من ذلك الأمر وغيره أن ما يجمع بيننا أكثر وأكبر مما نظن أو نعرف على الأرجح. وحصل معي ما يشبه ذلك في حواري مع بعض الإخوة العرب في لقائي نادي سلام ومؤسسة ابن رشد. ولأسباب كثيرة كانت تنتابني مشاعر إيجابية في هذا الخصوص. الموضوع الإسرائيلي/اليهودي كان وما زال بؤرة ومصدرًا للاختلاف العميق وسوء الفهم الكبير بين "السوريين" و"الألمان". وأود الإشارة في هذا الخصوص إلى أننا، نحن "السوريين"، ما زلنا في كثيرٍ من الأحيان نتحدث عن اليهود من ضحايا الهولوكوست على أنهم ذوو صلة وثيقة بإسرائيل المعاصرة ونربط بين الإثنين بطريقة تجعلنا غير متعاطفين كثيرً (أو ولا قليلًا غالبًا) مع هؤلاء الضحايا. من جهتي أرى أن الفلسطينيين والعرب المتأثرين بالاحتلال الإسرائيلي والمتعاطفين مع ضحاياه هم أقرب إلى يهود الهولوكست بالمعنى الإنساني والأخلاقي والسياسي من أي إسرائيليٍّ مؤيدٍ لسياسة إسرائيل المجرمة. بهذا المعنى، نحن يهود هذا العصر، ولا ينبغي أن نسيئ لضحايا هذا العصر او العصور الأخرى او نهوِّن مما حصل بحقهم. ........... بدات اميل أكثر فأكثر، مع رأي الجابري وبعده بشارة، إلى أن معظم الأحاديث السائدة في "ثقافتنا" عن العلمانية هي عقبة في وجه الديمقراطية اكثر من كونها تساعد على تحقيق الفهم النظري للديمقراطية وتساعد على تحقيقها في الأذهان والأعيان. وازدادت قناعتي بان كل حديث عن العلمانية أو العلمانوية وضرورتها بدون ربطه بالديمقراطية وبمناهضة أو انتقاد الاستبداد هو حديثٌ سلبيٌّ ولا يفضي إلا إلى تشويه الوعي وتعزيز الواقع السيء والانقياد إلى معارك زائفة لا تصب لا في صالح الرؤية العلمانية ولا في صالح التوجه الديمقراطي. باختصار المعركة من أجل العلمانية هي بالدرجة الاولى معركة من أجل الديمقراطية وضد استبداد السلطات الحاكمة قبل، وأكثر من، أي شيءٍ آخر، وبالتالي هي ليست أساسًا أو جوهريًّا معركة ضد الدين ونصوصه أو المتدينين وممثليهم المزعومين أو الفعليين وتنظيماتهم الجهادية أو غير الجهادية. على الرغم من أن الصراع و/أو الحوار و/أو النقاش على مستوى الوعي والفكر والثقافة هو المجال الوحيد أو شبه الوحيد المتاح لكثيرين منا، إلا أن ممارسة هذا الصراع و/أو الحوار و/أو النقاش مع الاعتقاد بأن القوى المحركة للواقع لا تتأثر كثيرًا وربما ولا قليلًا بما يحصل على مستوى الوعي والفكر والثقافة، يضع الممارسين في مفارقة قد يتعذر حلها أو الخروج منها، وفي تناقضٍ ذاتيٍّ قد يصعب بناء جدلٍ بين طرفيه وللحديث بقايا