الثورة الفرنسية أكبر كذبة في التاريخ الحديث
9 كانون الأول، 2015
"الثورة الفرنسية أكبر كذبة في التاريخ الحديث". وجب الشرح. أولاً هذه المقولة تعني أن الصورة التي لدينا عن الثورة الفرنسية هي ملفقة وكاذبة ولا تعبر عن حقيقة واقعية وإنما عن أيديولوجيا تبريرية كما هي كل الأيديولوجيات. ولكن أحببت أن أسميها كذبة لأن هذه الصورة أصبحت نظرية ثورات وموديل يحاول الناس تطبيقه أو القياس عليه وكأنه قانون إجتماعي صالح لكل زمان ومكان، وهذا فعلاً خطير. ثانياً، هذا الرأي ينطبق على كل الثورات، لكن الفرنسية هي الأولى حسب مناهج التعليم في كثير من دول العالم. الثورات تخلق فوضى عارمة. لكن بعد مرور عدة عقود وظهور نظام أكثر استقراراً يتبنى الثورة كأصل تاريخي له فإنه يقوم "بتنظيفها وتلميعها" لتبدو وكأنها حركة طبيعية للتاريخ باتجاه هدف حتمي مفروغ من نجاحه. وينسون أن كل يوم في الفوضى الثورية كانت الرؤية غائمة جداً والأحداث عشوائية والوجهة غير معروفة أبداً. إذن الثورات تنجح فقط في منظور من يعيد كتابة التاريخ. ثالثاً، الثورة الفرنسية كانت عدة ثورات كما تعلمنا من الأحداث في سوريا وكثير منها لم ينجح. كانت هناك ثورة البرلمانيين المثقفين الليبراليين وهي ثورة غير عنفية، وثورة الشارع الباريسي التي بدأت مع اقتحام الباستيل وإنشاء الميليشيات الوطنية، وثورة الفلاحين الأولى التي قضت على الإمتيازات الإقطاعية، وثورة الفلاحين الثانية التي قامت ضد الباريسيين وتهجمهم على الكنيسة الكاثوليكية. وبالطبع كانت هناك تحركات مضادة قادها الأرسطقراطيون المهاجرون. وكل ثورة تطورت بمنحى تأثر بالأخريات لكنه لا ينطبق عليه. وبعد بداية الحرب مع النمسا ودول الجوار التي بدأها الجيرونديون لتوطيد حكمهم غيم شبح الهزيمة وظهر المتشددون الذي كان يمثلهم روبسبيير في البرلمان وإن لم يكن يسيطر عليهم تماماً في الشارع. حكم روبسبيير بالمقصلة ومات بها وقام إنقلاب الثرميدوريين بعد أربع سنوات من الفوضى لوقف هذه الفوضى. هؤلاء جاؤوا بنابليون وهو ضابط من أصل كورسيكي يتكلم الفرنسية بلهجة إيطالية (كورسيكا أصبحت جزء من فرنسا قبل الثورة بقليل) لإيقاف الفوضى في باريس وفي المحافظات الأخرى. نابليون ثبت أقدام الليبراليين في البرلمان وأعطاهم ما كانوا يريدونه وهو الوصول إلى الوظائف الحكومية ومن ثم أخذهم في حروب توسعية كبيرة ومدمرة لها نفس الهدف التوسعي للملوك من قبله وطبل له الناس وزمروا لأنه رفع قيمة الأمة وكأي قوميين خرقاء لا يهمهم من يمون من أجل أن يحققوا إستعلاء قوميتهم. عادت الملكية عام 1815 بعد هزيمة نابليون وإستمرت إلى 1830 على ما أذكر أو 1848 وجاء بعدها حكم نابليون الثالث إلى كمونة باريس عام 1871. وبعدها نشأت الجمهورية. فما هي أهداف هذه الثورة-الثورات تبع عام 1789 وماذا حصل خلال ما يقرب من قرن بعدها؟ ما هو معيار النجاح؟ شرعة حقوق الإنسان التي أقرها البرلمان عام 1791 على ما أذكر لم تكن إلا محاولة من البرلمانيين الليبراليين للسيطرة على الشارع المضطرب ولم يطبقها أحد. الليبراليون انتصروا دون نزولهم إلى الشارع وبجيش نابليون وبعدها تحولوا إلى محافظين. ثورة الشارع كان يطغى عليها أصحاب المهن والمحلات في باريس وكانت مطالبها تثبيت الاسعار والخبز الرخيص وقتل الملك وقطع رؤوس "أعداء الثورة" بطريقة تشبه داعش وهي مطالب غير ثورية ولا حتى مفيدة. وحتى كمونة باريس عام 1871 التي تغنى بها ماركس كانت نموذجاً للثورات الفوضوية الأناركية التي يقوم بها أصحاب المحلات الصغيرة من برجوازية المدينة المتوسطة، أي طالبت بتثبيت الاسعار وإلغاء الحكومة وإغلاق البنوك. سلحت الناس في الشوارع وحصنت الحارات وقتلت "أعداء الثورة" وانشقت على نفسها مرات. هذه الصورة الرومانسية للثورجيين يجتمعون ويدعون أحدهم الآخر بأخي أو رفيقي ويتناقشون في أمور مثالية والتي بقيت الصورة النمطية للثورجيين حتى الآن ما هي إلا صورة عن أناس عشوائيين مثاليين يحلمون بالعودة إلى مجتمع حارات صغير ومحلات تجارية صغيرة وينقسمون على بعضهم إلى ما لا نهاية ويتشاجرون حول من يقود ومن يظهر وينتهون بأن يموتوا ميتة رومانسية على أحد الحواجز دفاعاً عن الحارة وكأن هناك شيئاً حقيقياً يدافعون عنه. ومن قتلهم؟ الدولة نفسها التي فشلت في صد الجيش الألماني ورضخت لشروطه. فعن أية ثورة نتكلم؟ وعن أية إنجازات؟ وعن أية أفكار ثورية؟ وعن أية أحلام؟ وعن أية صور مثالية للثورجية؟ أقرب شيء في سوريا لهذه الصورة الثورجية الوهيمة هم السلفيون. الفرق هو الأفكار الدينية للسلفيين والافكار غير الدينيية للثورجيين الفرنسيين. متى تحولت فرنسا إلى دولة صناعية؟ متى فرضت الدولة المركزية في باريس سلطتها على كل المناطق؟ متى بدا الفرنسيون يتكلمون اللغة الفرنسية أصلاً؟ متى منحت الدولة الناس حق التصويت ولم منحته؟ متى منحت حق التصويت للجميع؟ متى أصبحت باريس المدينة العصرية الجميلة التي نعرفها؟ متى طبق الفرنسيون فصل الكنيسة عن الدولة؟ هل هذه من نتائج الثورة الفرنسية؟ أبداً كل ما ذكرته حصل بعد عام 1871. تحولت فرنسا إلى بلد صناعي مديني يسكن أغلب ناسه المدينة ولا يزاولون الزراعة بعد الحرب العالمية الثانية. والثورة الروسية كما تصورها لنا كتب التاريخ على نفس النمط ونفس الفارق بين الحقيقة والخيال. ثم يأتي أناس لينظروا للثورات ويقولوا في سوريا ثورة، لأ في سوريا إنتفاضة، لأ في سوريا تمرد، لأ في سوريا حرب أهلية، وكلهم يفكرون بالنموذج الفرنسي والنموذج الروسي. أصدقائي إذا كان هدف اية حركة إجتماعية هو التغيير فيجب أن تصل إلى أجهزة الدولة لإحداث التغيير وغالباً يكون هذا إذا انحاز الجيش للتغيير. إذا لم يحصل هذا فكل الثورات تتحول إلى حروب أهلية مدمرة. هذا ما حصل في سوريا وعلينا الآن إيقافه بأي ثمن. حالنا سيكون أسوأ من أفغانستان والصومال هذا إذا لم يكن هذا واقعاً الآن.