«ثورات مقارنة-شذرات»: الفرق بين المراجعتين

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سطر ١٧٤: سطر ١٧٤:
 
جوابها على التعقيب:
 
جوابها على التعقيب:
 
"التنظيم صعب جدا في تقديري في حالة الاحتجاجات التي تنطلق لا راس  او خارج فءات معينة..مشكلة الانتفاضات العربية هو في لحظتها..ولدت في نفس لحظة موات السياسة وخواء المجتمع من هياكل سابقة على الحركة وانت تعرف ان الحركة الاجتماعية مفروض تستفيد من بنى موجودة سلفا ..هذا ما يفسر اعتمادها على وساءل التواصل الاجتماعي في الحشد والتعبئة وحتى في نقل الخبرات التنظيمية.. ومسالة السطو على المطالب وركوب الانتفاضة من الاكثر تنظيما هي خاصية في التسلطيات نفسها لان النظم القائمة على تغول الاجهزة الامنية تخترق كل ما ينبض تنظيميا على الارض.. بس بتضل الرؤى المقارنة مفيدة لرؤية افضل ممكن تكون مفيدة لقادم الايام"
 
"التنظيم صعب جدا في تقديري في حالة الاحتجاجات التي تنطلق لا راس  او خارج فءات معينة..مشكلة الانتفاضات العربية هو في لحظتها..ولدت في نفس لحظة موات السياسة وخواء المجتمع من هياكل سابقة على الحركة وانت تعرف ان الحركة الاجتماعية مفروض تستفيد من بنى موجودة سلفا ..هذا ما يفسر اعتمادها على وساءل التواصل الاجتماعي في الحشد والتعبئة وحتى في نقل الخبرات التنظيمية.. ومسالة السطو على المطالب وركوب الانتفاضة من الاكثر تنظيما هي خاصية في التسلطيات نفسها لان النظم القائمة على تغول الاجهزة الامنية تخترق كل ما ينبض تنظيميا على الارض.. بس بتضل الرؤى المقارنة مفيدة لرؤية افضل ممكن تكون مفيدة لقادم الايام"
 +
 +
=14 نيسان 2019، الحراك العربي و معايير الثورة=
 +
كنت اقرا بيان تجمع التغيير في السودان واشاهد المظاهرات في الجزائر حيث يرشق الشباب الشرطة بالحجارة وتستخدم الشرطة الغازات المسيلة للدموع. تجمع التغيير تحدث عن الشعب العظيم والثورة المجيدة والوقفة الباسلة امام الطغيان. خلال السنوات الماضية نشأت عندي حساسية من هذه التعابير. واصبح معياري للحكم على اي شخص اتعامل معه في الشأن السوري هو تلك المصطلحات، فإذا استخدمها فهو دجال غالبا. وحين عملت على المجالس المحلية كان جيل الشباب يعارض جيل الاعيان الاكبر ويستمد شرعيته من الثورة. وكانت المزاودات تصل الى السماء. الشرعية الثورية كانت وصفة محققة للديكتاتورية والاقصاء ومن ثم الفشل. كل من اراد ان ينتهز الفرصة ليحسن اوضاعه كان يستخدم الشرعية الثورية ضد منافسيه. طبعا رأينا كيف استخدمت الفصائل المسلحة الشرعية الثورية في ادارة مناطقها وتبرير تصرفاتها. وهنا تبلورت عندي رؤية للثورات عملت عليها  لفترة. بالطبع المقارنات المتعددة مع الثورات الفرنسية والاوروبية والروسية كانت مفاتيح نقاشات كثيرة. وتبين لي ما يلي:
 +
اولا، الثورات غالبا ادوات تدمير وليست ادوات بناء. وخاصة في حالة المنظومات السياسية المأزومة  وعندما يستخدم الطرفان العنف ضد بعضهما البعض. هذا التدمير يكون الحل الوحيد للخروج من حالة مستعصية وصلت الى طريق مسدود كما كانت الحالة في سوريا.
 +
ثانيا،  تنجح الثورات في تغيير الحكم او توسيع دائرة المشاركة اذا كان هناك عدة قوى متصارعة على السلطة ومتكافئة في القوة بحيث يكون خيار تداول السلطة بالانتخابات هو افضل حل موجود من اجل تحقيق توازن بين هذه القوى. ويجب ايضا ان تكون هذه القوى مؤطرة بمؤسسات تجمع نخب سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية فاعلة وقادرة على صياغة مطالب وعلى القيام بأعباء دورها في الدولة، واعتقد ان هذا ماحصل في تونس لكني غير متأكد . المجتمعات التي لا توجد فيها قوى مقابلة للدولة من اقتصاد ومجتمع مدني واحزاب  لا يمكن لاي ثورة شعبية فيها ان تنتصر. الثورات الشعبية، مثل الثورة السورية والثورة المصرية، التي لا قيادات لها من النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفاعلة مصيرها الفشل. ويكون الفشل اما بالعنف او بدخول الجيش على الخط وتهدئة الوضع او بمحاصصة جديدة تضحك بها النخبة الحاكمة على الناس. هناك سيناريو اخر لنجاح الثورات وهو انشقاق داخل النخبة الحاكمة كما حصل في اوروبا الشرقية، لكن هذه الثورات لم تكن ثورات شعبية وانما انقلابات ناعمة يلعب فيها الشعب دور المشرعن بخروجه الى الشارع
 +
ثالثا، بناءا على ما سبق فان تغيير الحكم يحصل في الاعلى وليس في الاسفل. سميناه مع شركائي بصفقة النخب. كل منظومة سياسية تقوم على صفقة نخب غير معلنة. وحسب هذه الصفقة يكون شكل المنظومة السياسية. فاذا كانت النخب الاقتصادية والسياسية والعسكرية موزعة على  عدة مجموعات لا تتشابه مصالحها وايديولوجياتها فاننا نحصل على تنافس. مآل التنافس يختلف من حالة الى حالة. فإذا كانت تحالفات النخب متكافئة في القوة وقادرة على تعطيل المنافسين الآخرين وفي نفس الوقت لديها كفاءات تقنية تمكنها من الاضطلاع بالحكم والادارة ، فاننا نكون امام بداية ديمقراطية.  مثلا تركيا في بداية الالفية دخلت مرحلة ديمقراطية بسبب صفقة بين النخب. والناس تعتقد ان اردوغان هو مهندس الطفرة. اردوغان كان احد اطراف صفقة جمعت السياسيين والعسكريين والاقتصاديين من معسكرين. الثورة الامريكية ايضا كانت نتيجة صفقة نخب. بدات بشرخ في النخب بين معسكرين وانتهت بصفقة بين نخب اقتصادية ذات توجهات سياسية مختلفة. ولولا جيش جورج واشنطن الممول من بعض كبار التجار لتحولت الحرب الامريكية الى فوضى ميليشيات محلية تشبه الجيش الحر والفصائل.
 +
الثورة الفرنسية كانت فوضى عارمة وصعود وهبوط قوى متعددة الى ان طلبت النخب البرجوازية من نابليون انهاء ثورة الشارع ففعل بقوة المدافع التي حشاها بقطع معدنية. الثورة الفرنسية الشعبية فشلت مثلما فشلت الثورة السورية. وسنعود الى تاريخ الثورة الفرنسية. اما الثورة الروسية فقد فشلت  المحاولة الاولى بسبب ضعف التنظيم المؤسساتي في الشارع . لكن حصلت فئات اخرى غير البلشفييين على محاصصة. الثورة الثانية لم تكن ثورة شعبية بل انقلاب ضمن النخب الجديدة.  يعني الشعب لم يقرر تغيير الحكم. النخب الحاكمة نفسها انقسمت على بعضها واعلن البلاشفة الانقلاب. وكان لديهم حينها وجود في المؤسسة العسكرية وفي البرلمان. ومع ذلك انتهت بحرب اهلية ضارية قضت على الملايين من الناس. ومع ذلك يعتبرها الشيوعيون ثورة ناجحة فماذا يهمهم من الشعب بعد ان اخذو مقاليد الحكم.
 +
رابعا، بناءا عليه يجب ان نطرح السؤال الجوهري التالي. لماذا شعوب المنطقة مهووسة بالثورات الشعبية ولماذا فشلت معظمها . وذلك بسبب طغيان التعليم الاوروبي فاننا نتعلم الثورات الاوروبية على انها تحقيق لارادة الشعب وانها قامت لتحقق الديمقراطية التي هي حكم الشعب بالشعب وللشعب. هذا اكبر هراء انتجه القرن التاسع عشر. لا يوجد شيء اسمه شعب ولا توجد ارادة شعبية ولا توجد ثورات تعبر عن ارادة الشعب وتحققها. وساشرح كيف ولماذا.
 +
كل المنظومات السياسية، والاجتماعية وغيرها، تولد ايديولوجيا تشرح فيها لاتباعها العالم وكيف يعمل وتخلق شرعية وجودها وتدرب الافراد على اعتبار المنظومة الحالة الواقعية الوحيدة وانها احسن الحالات الموجودة. وكثيرا ما يقع المحللون وعلماء السياسة والتاريخ في خطأ فادح وهو اعتماد تلك الايديولوجيا كمعرفة تشرح واقعا قائما. وهكذا تصبح الديمقراطية حكم الشعب ويصبح الانتخاب وسيلة مقدسة في تداول السلطة ويصبح البرلمان المنتخب معبرا عن الشعب وارادته وتصبح الثورات هي اللحظات المؤسسة التي عبر فيها الشعب عن ارادته فكان مطاعا كإله قال للدولة كن فيكون.  هذه بالضبط الايديولوجيا التي ندرسها وكأنها واقع. الشعب مفهوم غير معرف وليس له ارادة والممثلين لا يعبرون عن ارادة الشعب وليست الانتخابات الا وسيلة في تداول الحكم بين النخب .
 +
الناس التي تخرج الى الشوارع في البلدان العربية هي افراد ضاقت بهم الدنيا فانفجروا وهذا افضل تعريف للثورة الشعبية. وهي ثورات لاقيادة لها وغير قادرة على صياغة مطالب وليس لديها قوة ونخب تفاوض بهما اصحاب السلطة في الدولة القائمة. تحاول عدة تجمعات مهنية وحزبية وسياسية الركوب على هذه الثورات،  ويمكنها ان تنجح اذا كان لديها تنظيم مقابل للدولة وقوة سياسية واقتصادية وعسكرية تستطيع معها فرض نفسها كشريك في السلطة. لكنني لا ارى ذلك في اية حالة عربية، ولم ادرس بعد حالة تونس.  في حالتي الجزائر  والسودان لا يوجد على الساحة كمؤسسة منظمة وشريكة في الدولة غير الجيش. وسيجد الجيش طريقة فيفرض نفسه.  ويبدو لي ان حالة السودان هي انقلاب ضد نظام مدعوم قطريا بمساعدة خارجية. اكيد الثورة عفوية لكن ليس لديها سلطة مقابلة
 +
هذه الثورات حققت هدفها وهو التدمير وضعضعة النخب الحاكمة. الان يجب الالتفات الى بناء السلطة المقابلة التي تجمع نخب اقتصادية واجتماعية وسياسية متعددة ذات مصلحة وتجمع جزءا من القوة العسكرية. لن يتغير الحكم حتى نبني السلطة المقابلة والمكافئة
  
 
[[تصنيف:مواضيع الثورة السورية]]
 
[[تصنيف:مواضيع الثورة السورية]]

مراجعة ٠٤:٢٠، ٣ ديسمبر ٢٠٢٤


16 أيار 2018، فلسطنة الأزمة السورية

سوريا وفلسطين: الاستثناء والأبد والمذبحة


كالعادة لا تجود قريحة السوريين بالكلام والتحليل الا عندما ندغدغ القضية الفلسطينية، هذا النقل السيكولوجي لكل مشاكلنا الى قضية محايدة اقل كلفة نتفق جميعا ان العدو فيها خارجي وبعيد ونشترك في كرهه. القضية الفلسطينية هي رمز عصاب الشعب المقموع الذي لا يعرف كيف يجابه قامعه. لا بل اشد وادهى، القضية الفلسطينية تسمح لنا ان ندخل عالم الحداثة ونتحدث عن القومية والمنظومة الدولية والقانون الدولي واليسار العالمي والامبريالية والعولمة ونحن نعي تماما اننا لا تستطيع ان نواجه مشاكلنا الحقيقية باكثر من ثورة دون مطالب، وحرب طائفية، وفشل مؤسساتي. المقالة حكي انشائي بامتياز تخرج من مدرسة اللغة اليسارية الخشبية التي تربت عليها اجيال من السوريين قبل البعث وبعده. هذه اللغة جعلت من الكولونيالية مظلومية حسينية، ومن الديكتاتورية منتج غربي، ومن الفشل التحليلي تفوق لغوي، ومن البؤس المؤسساتي تفنيدا للثقافوية التي تقول بان ما نعيشه هو جزء من ثقافتنا وليس اجراما استثنائيا لعناصر هامشية. المثقفون السوريون يرفضون الثقافوية من منطلق ايديولوجي وليس من فهم سوسيولوجي، فهم اذا قبلوا بها تاكدت مقولة ان كهنة الحداثة هؤلاء المسمون بالمثقفين ليسوا الا منتجا اخر لهذه الثقافة التسلطية النخبوية الانشائية. واليوم يخرجون علينا بنظرية جديدة من الجعبة اللطمية الحسينية، الازمة السورية ليست الا فلسطنة للسوريين من قبل المنظومة الدولية نفسها التي انشات اسرائيل. وبهذا ينجون مرة اخرى بانفسهم من المسؤولية وهم يزاودون ويصرخون النصر لقضية شعبنا، النصر للمقهورين، ليس لنا ذنب فالذنب كله للامبريالية والمنظومة الدولية التي قضت على ثورتنا، وبالطبع هي دائما ثورتهم، ولا تزال تحاصرنا كما تحاصر اسرائيل غزة. طبعا، اهل غزة خرجوا بشكل عفوي بالالاف في عيد النكبة ويوم افتتاح السفارة الامريكية في القدس. القدس محتلة منذ اربعين سنة لكن اليوم اكتشفنا ذلك، افتتاح السفارة هو ما فتح اعيننا، وكأن السفارة ستغير شي. وكأن الناس في غزة تعيش تحت ديمقراطية وتخرج في مسيرات عفوية لا تراقبها المخابرات. هذه المسيرات تشبه تماما مسيرة المخابرات السورية في الجولان وتخطيهم للسياج الاسرائيلي. حماس لا تحاصر اهل غزة، فقط اسرائيل تحاصرهم. ولايجب النقد ومناكفة الممانعة والا وقعنا فيما وقعت فيه الفصائل الاسلامية في سوريا. طبعا كلنا نعرف ان الاسلمة هي التي قضت على الثورة، وان هذا الثورة كانت ستكون عظيمة لو بقيت بايدي اليسار. لم اقرا مثل هذه الخزعبلات منذ اخر مرة قرات فيها جريدة الثورة الناطقة باسم البعث. ولا اقول لهم بثقافويتي اللعينة انهم انتاج ثقافة البعث، ابدا، بل هم نتاج ثقافة اقدم واعمق انتجت البعث واليسار والاسلامويين على حد سواء. الحمد لله حدا كبس زر فلسطين لنتعرف على خفايا التنظير اليساري المنسي. تغيير شكل يمكن ملينا حهاد.

24 تشرين الثاني 2018، في الدفع نحو فلسطنة الثورة السورية

الباراديغم الإسرائيلي: سورية وفلسطين ونظام الإبادة السياسية مقالتي في العدد الأخير، 116، من مجلة الدراسات الفلسطينية


اعتقد ان ياسين الحاج صالح محلل جيد، لكن من يوم وجد التشابه بين الفلسطينيين والسوريين ومن يوم وجد دراسات الجينوسايد، اي الابادة الجماعية، وهو يدفع في اتجاه اعتماد الفكرة كنظرية تشرح الوضع السوري. لا اعتقد انه بذلك يضيف اضافة نظرية قيمة. الفصل بين الاسياد والعبيد، والفصل العنصري، ليس مختلفا عن الفصل الطبقي والسياسي. وتهميش الهويات لا يختلف عن التهميش السياسي. والابادة الجماعية سواءا كانت عرقية او دينية لا تختلف عن الابادة السياسية التي ذكرها. لا يوجد شيء استثنائي في التمييز العنصري وفي الابادة الهوياتية، انها اداة. ان اي تفاضل في امتلاك السلطة والقوة سياخذ شكلا من التمييز، واي جهد نحو التهميش السياسي سيكون له شكل ابادة جسدية وجماعية. الاختلاف في الدرجة وليس في الطبيعة. فلسطنة السوريين ليست نظرية سوسيولوجية شارحة، والتمييز بين البيض الجدد والسود الجدد ليس اكتشافا خارقا. لا بل اعتقد ان اعتماد مثل هذه المفاهيم يدفع بالتحليل الى ابعاد ميتافيزيقية مثل الخير والشر ولا يقدم اي جديد في شرح منظومات الاستغلال والعنف والتهميش. وكذلك هو مفهوم الاستعمار، فهو لا يقدم جديدا ويمنعنا من التعمق عندما يقول لنا بان منبع الاستغلال والعنف هو الاستعمار، واحالاته الهوياتية، بحد ذاته وليس تفاضل السلطة والقوة. بهذا يكون هناك منبع للشر يمكن ان نحدده ونكافحه. لكني افضل التركيز على العلاقات وليس على الماهيات. المستعمر ليس منبع الشر، انها علاقة الاستعمار التي تقوم على تفاضل السلطة والقوة. تشبيه نظام الاسد بالاستعمار صحيح لكنه مجرد تلاعب بالالفاظ والصور، كما هو الحال في التمييز بين قتل الف معارض وابادة مليون فرد ينتمون الى عرق او اثنية. اعتقد ان الحاج صالح قد وقع ضحية النظريات الامريكية التي تركز على التمايز الهوياتي بدل التركيز على التمايز السلطوي. الاسد سيء لانه يشبه اسرائيل او الرجل الابيض، السوريون مضطهدون لانهم يشبهون الفلسطينيين او الامريكيين السود. اين الاضافة النظرية في ذلك. نحن نسعى الى تفكيك نظام الاسد نظريا باستخدام مفاهيم يمكن ان تنطبق على اي مجتمع واي نظام مستبد. الخصوصية هي عدوة النظرية لانه تقوم على تمايز جوهري بين الحالات الخاضعة للتحليل. يمكن استخدام خطاب الحاج صالح في تجييش الراي العام العالمي لكنه لا يضيف اي جديد الى فهمنا لما يحصل في سوريا. انه خطاب وصفي ادبي لكنه ليس تحليلي. اعطني تحليلا لمكونات النظام وعلاقاتها تشرح وحشيتها وتساعد في تفكيكها، لكن لا تقل لي انه يشبه الرجل الابيض فهي معلومة غير مفيدة الا في بناء مظلومية، وهذا بالضبط ما خلص اليه في النهاية حيث اعطانا نصائح في كيفية ان لا تتحول مظلوميتنا كسوريين الى مظلومية الاسرائيليين. الخصوصية تعني المظلومية، والمظلومية ليست نظرية شارحة.


حسام الدين درويش

قمت بمشاركة المنشور ووضعت هذه المقدمة له. نقد مهم من أحمد نظير الأتاسي لفكر ياسين الحاج صالح هكذا منشورات هي ما يمكن ان يعزز أو يخلق القناعة بالفائدة المعرفية الممكنة للمنشورات والمناقشات الفيسبوكية، سواء اتفقنا مع مضمون النقد أم اختلفنا معه. وربما كانت سلبيتها انها دسمة زيادة عن اللزوم نسبيًّا وتحتاج مناقشتها إلى وقت طويل وجهد كبير نسبيًّا. قرأت البارحة عددًا من المنشورات التي بدا لي انها محتقنة ضد الشخص نفسه الذي يتم نقده هنا، وبسبب ذلك الاحتقان بدا أن الناقد او المنتقد يحاول النيل ممن ينتقده بأي وسيلة كانت. في المقابل رأيت وخبرت كيف يتشبث كثيرون منا بأفكارهم ومواقفهم ويرفضون الاعتراف بأي خطأ حتى بعد ان يبدو واضحًا مدى فداحة الاخطاء المعرفية وغير المعرفية المرتكبة في نصوصهم و/ أو أقوالهم و/أو أفعالنا.


Ahmad Nazir Atassi حسام الدين درويش شكرا حسام انت من اهم محرضي النقاش على الفيسبوك. الكتابة عن الحاج صالح قد تصبح مثل الكتابة عن عزمي بشارة، اي خليط من النقد والحسد، التحليل والتهجم، البناء والهدم. وشخصية المنقود قد لا تساعد الجالة بل قد تزيد الطين بلة. نحن بحاجة الى بناء اسس معرفية يمكن المراكمة عليها. فكيف نخرج من نقد الشخص الى نقد الجهد المعرفي. هناك عامل هام جدا معيق لهذا الخروح التحريري للفكر هو غياب فضاء فكري للنقاش لا يخضع لشروط الممولين. التمويل اساسي للباحث والعالم لكي يقضي وقته في البحث وتوليد المعرفة، نقص هذا المال او تقييده بشروط الممول يعني فقدان هذا الفضاء. الاكاديميا في الغرب تخلق مثل هذا الجو هلا تربطه بشروط. اما في مجتمعات فالتمويل شحيح والحرية اكثر شحا. في هذه الظروف، شخصيات مثل ياسين الحاج صالح وعزمي بشارة رغم جدارتها ومحاولاتها الجيدة لانتاج معرفة الا انها تعطي انطباعا خاطئا عن المنافسة الحرة في المجال الثقافي وبالتالي عن تكافؤ الفرص. الانتاج والنشر ليس مرتبطا بالمنافسة وانما بغياب المنافسين، لا بل تصبح هذه الشخصيات بوابات لمرور التمويل والفرص وبالتالي تصبح هدفا للانتقاد والتشهير وصراع الديكة المجروحة. اما الشخصيات المستهدفة فتصبح حبيسة شهرتها ووحدتها في الساحة فلا تتطور. اما اقتصار فكر الحاج صالح عللا بهلوانيات لغوية فهو راي مجحف وان لم يخلو من بعض الصواب. اسمي هذه الطريقة الطريقة الفلسفية الفرنسية وهي تقوم على تقليب الفكرة بقوالب لغوية مختلفة عبر توارد الخواطر وربط الافكار الى حين الوقوع على قالب لغوي معبر. الحقيقة هي ان هذا البحث يوضح الفكرة لكنه لا يزيد عليها. وقد تصبح البهلوانيات اللغوية هدفا بذاتها يعتقد الكاتب انه اغناء مفهومي وتحليلي للفكرة، الا ان مجرد تمرين ذهني.


Yassin Al Haj Saleh أستاذ نذير، هل تعرف النكتة التي تقول أنا وابن عمي روتشيلد نملك مليار دولار؟


Ahmad Nazir Atassi Yassin Al Haj Saleh شكرا على مرورك استاذ ياسين. انا متاكد ان ابن عمك يملك المليار كله، لكن المسالة مسالة فقر او غنى نسبي. اذا كان عندك مؤسسة تتلقى التمويل فستكون هدفا للنقد والحسد بغض النظر عن حجم التمويل وحصتك من التمويل. انها مسالة توزيع الفرص وما يعتقد الاخرون انه عدل او استحقاق. لا اريد ان انقد شخصك وانما ان افهم الحالة. اذا نظرت سريعا الى بوستاتي فسترى اني مهتم بسلبية الاوساط الثقافية العربية من ناحية الكتاب والقراء والمعلقين. واعتبر ان انتشار الافكار والكتابات والنقاشات مرتبط بهذه السلبية. اعتقد ان احد عواملها هو غياب التمويل وغياب تكافؤ الفرص او ما يعتقد الناس انه تكافؤ فرص. وجود شخصية مشهورة مثل حضرتك يعني ان كتاباتك ستحظى بانتشار اكبر واهتمام اكثر وان جهودك وافكارك ستحظى بدعم اكبر، او ما يبدو انه كذلك. هذا يعني ان فرصك تزيد عن فرص الاخرين مع كل عمل تنتجه. يسمى هذا في الراسمالية الرابح ياخذ كل شيء، اي winner takes all، وليس هذا عمدا وقصدا من جانبك وانما تابع للبنية الاقتصادية التي تحكم نشر الافكار والعمل الفكري. لذلك يقوم الاغنياء بالتبرع للفقراء حتى يعطوا انطباعا باستواء الفرص والمردود. لا اقول انك من الاغنياء لكنك تستقطب بعض الفرص وهذا يجلب الحسد والغيرة والعداوة. بالطبع عملك يستحق الاهتمام ولذلك تاتيك الفرص، لكن هناك كثيرون يعتبرون ان عملهم يستحق الاهتمام ايضا. هذا لا يعني انك تاخذ الفرص منهم، لكن شح الفرص يعطي انطباعا بالاحتكار. لا اعرف ان كنت واضحا فيما اقصد، ولا اريد ان يفهم كلامي على انه نقد للشخص وانما للمنظومة. انا مهتم بتطوير الفضاء المعرفي السوري وهذه الظواهر التي وصفتها هي مؤشرات على حالة غير صحية لا تساعد على التطور. لا اعرف ما يمكنك فعله فانت تقوم بالكثير، ومؤسسة جمهورية دليل واضح على تحويلك للفرص الشخصية الى فرص عامة تشمل الكثيرين. نحن بحاجة الى مؤسسات اكبر لتمرير التمويل غير المشروط وتوزيعه، وهذا ما تفعله الجامعات في امريكا مثلا. شكرا مرة اخرى على مرورك


Yassin Al Haj Saleh

شكرا أستاذ أحمد على القراءة أرى أن الإبادة السياسية تختلف كثيراعن الإبادة الجماعية او الجينوسايد من وجوه أشرت إليها في متن المقال، أهمها أن المفهوم ألأخير مثلما وضعه لمكين ومثلما تبنته الأمم المتحدة يفترض هويات معطاة سلفا، ويستبعد إبإدات المنظمات السياسية، ومنها أن الإبادة السياسة لا تقتضي دوما قتلا واسع النطاق، وتكتفي بالقتل السياسي إن جاز التعبير، أي الاستعباد والتجريد من الحقوق والحرية. وتحليلي لا ينطلق من الهويات. العكس هو الصحيح في الحقيقة. أساس نقدي لمفهوم الجينوسايد هو أنه يفترض الهوياات سابقة للسياسة. ما أقوله هو إن الهويات متشكلة سياسياً، وأن السياسة تسبق الهوية. لكن ربما جاء سوء الفهم من الاعتقاد بأن العنصرية إيديولوجية هوية. ليست كذلك في رأيي. إنها إيديولوجية طبقة، وفي مواد أخرى كنت أحلت إلى بندكت أندرسون في هذه النقطة. في تحليلي ألسوريون البيض والسوريون السود يحيل إلى ما هو طبقي وليس إلى ما هو طائفي. أما بنية النظام السوري فكنت تناولتها في مواد أخرى، وإن كنت أعتقد أن الإبادة في صلتها بالأبد والاستثناء والمظلومية تسلط أضواء مفيدة جدا على هذه البنية.

25 تشرين الأول 2018، نقاش حول مقالة الحاج صالح الأخيرة عن الإبادة وفكرة فلسطنة الثورة

كتبت تعليقا على مقالة الأستاذ ياسين الحاج صالح "الباراديغم الإسرائيلي"، وقام الأستاذ حسام الدين درويش بوضع التعليق على صفحته مشكوراً مما جلب تعقيباً من الكاتب نفسه. أشكر الكاتب على فتح قنوات الحوار والأستاذ حسام على تحفيزها. وهنا ألخص تعقيب الكاتب حسبما فهمته حتى أتمكن من تنظيم ردي عليه: 1. الإبادة السياسية تختلف كثيراعن الإبادة الجماعية او الجينوسايد من وجوه أهمها أن المفهوم الأخير يفترض هويات معطاة سلفا، وأن الإبادة السياسة لا تقتضي دوما قتلا واسع النطاق، وتكتفي بالاستعباد والتجريد من الحقوق والحرية. 2. الجينوسايد يفترض الهويات سابقة للسياسة. إن الهويات متشكلة سياسياً، وأن السياسة تسبق الهوية. 3. ربما جاء سوء الفهم من الاعتقاد بأن العنصرية إيديولوجية هوية. في حين إنها إيديولوجية طبقة. تعبير السوريون البيض والسوريون السود يحيل إلى ما هو طبقي وليس إلى ما هو طائفي. 4. الإبادة في صلتها بالأبد والاستثناء والمظلومية تسلط أضواء مفيدة جدا على بنية النظام. قد يصدم كلامي الكثيرين لكني أعتقد أن الإستعباد درجة من درجات الإستبداد والإستغلال، وأن الإبادة الجسدية أيضاً درجة متقدمة من الإبادة السياسية. الإستعباد والإبادة يبدأان بالإستغلال والتسلط والتهميش السياسي. صراع الهويات بالنسبة لي صورة من صور الصراع السياسي وليس صنفاً قائماً بذاته من أصناف علاقات التمايز المجتمعي. حسب فهمي، فإن تأكيد الكاتب بأن السياسة تسبق الهوية وأن الهويات "تتشكل سياسياً"، حسب تعبيره، لا يعني بالضرورة أن الإبادة مشتقة من السياسة، وبهذا تبقى الإبادة السياسية بعيدة كماً ونوعاً عن الإبادة الجماعية. ثم يقول الكاتب بان العنصرية هي أيديولوجية طبقة وليست أيديولوجية هوية، فكيف يمكن الفصل بين الإبادة الجماعية الناتجة عن العنصرية وبين الإبادة السياسية التي قد ترتبط بسياسة طبقة معينة تسيطر على السياسة. أعترف أني لم أفهم تماماً ما يعنيه الكاتب من النقطة الثالثة. أما بالنسبة للنقطة الرابعة فمن المؤكد ان هناك علاقة بين الأبد والإبادة إذ لا يمكن تحقيق الحكم الأبدي دون التخلص من العناصر المعادية إلى الأبد. ويؤكد الكاتب أن استثنائية نظام الأسد توضح بنيته، وأن هناك علاقة حقيقية بين هذه الإستثنائية وبين وجود مظلومية حقيقية للشعب السوري نتيجة استعباده من قبل نظام مستبد لا يشبه أي شيء آخر. وهنا ساقف قليلا لاعطي منظورا اخر لفهم الابادة يجعل من السهل الربط يين قتل القليل وقتل العديد، وبين التهميش الممنهج والتهميش النهائي الجسدي. لا يزال الغرب يحاول إقناعنا بأن النازية استثناء تاريخي لا يشبه أي شيء قبله أو بعده، وبالتالي فإن معاداة النازية هي معاداة للشر نفسه، حيث أن الشر مفهوم مطلق معرف خارج أية منظومة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. إذا كان هذا التفسير يساعد الغرب على النوم ليلاً مبسوطين بأنهم مختلفون نوعياً عن النازية وأنهم قضوا نهائياً على الشر فإنه تفسير لا يساعدني لا نظرياً ولا نفسياً. ومن نفس المنطلق فإني لا أستطيع أن اقنع نفسي بأن نظام الأسد استثنائي مثل النازية في وحشيته وتجريده للناس من إنسانيتهم مما يسمح له بقتلهم بالآلاف. الدراسات التي أعرفها تقول بأن النازية هي مأسسة لعنف الدولة ومأسسة للقتل على أساس تصنيف يفصل بين الحيوانات والآدميين أو بين الآدميين الأعلى والآدميين الأسفل. إن عنف نظام الأسد ووحشيته أيضاً نتيجة لمأسسة العنف والقتل والكراهية القائمة على التصنيف الطائفي. وبالتالي فإن الإبادة الجماعية في دولة تعتمد على مأسسة العنف والكراهية تصبح ممكنة وسهلة فكل ما تحتاجه هو توظيف مزيد من العاملين في ماكينة القتل وهو ما رأيناه في توسيع التوظيف في الجيش والمليشيات والمخابرات والمستشفيات والمعتقلات. إن من يعتبر الإبادة في العصر الحديث استثناءاً لا يستوعب قدرة الدولة الحديثة اللامتناهية على العنف النظيف أي على القتل بالمئات دون دماء. إن الطيار الذي يرمي بقنبلة برميلية أو قنبلة نووية دون أن يسمع حتى صوت الإنفجار هو عنوان هذه القوة اللامتناهية. أما المجازر الجماعية التي يرتكبها الجنود والمرتزقة باليد والرصاص فإن دراسات مجازر حروب يوغسلافيا أكدت أن العامل الأساسي ليس الكره الطائفي وإنما القتل الذي تمارسه الجماعة كشخص واحد حيث يمكن للمرء حينها أن يتخلى عن مشاعره الشخصية وأن يخضع تماماً لشعور جماعي لامبالي يتبدد نهائياً عند انفراط الجماعة وانتهاء الحرب. القتل ضمن الجماعة قادر على تحويل اي إنسان، وأؤكد أي إنسان، إلى عجلة في ماكينة القتل. بناءاً على هذا فإن التحليل الذي أطرحه هو تحليل منظوماتي يأخذ المؤسسة بعين الإعتبار وليس الأشخاص، ويأخذ أخلاقيات المؤسسة وليس أخلاقيات الأشخاص. إذا اعتمدنا على أخلاق الفرد فإنه من المستحيل تفسير المجازر إلا باستثناء خارق، ميتافيزيقي يتطابق مع مفهوم الشر المطلق، بينما إذا اعتمدنا أخلاق المؤسسة فإن احتمالات المجازر والإبادة تصبح ممكنة ومتعددة. يمكن للمجازر أن تحدث في أي مجتمع وأية دولة. لا بل إنها تحدث كل يوم وفي كل مرة تضرب قنبلة أمريكية أو إسرائيلية أو قنبلة دولة جماعة بشرية. إنها مجازر صغيرة يمكن تكرارها بشكل ممنهج لتتحول إلى مجازر كبيرة، الفرق في العدد وليس في النوع. لكنى متى يتحول التهميش السياسي الى ابادة جماعية. اعتقد ان الجواب في عبارة الابادة السياسية. اي عندما يتحول التهميش الى اقصاء كامل. في اية حالة يتم فيها سحب انسانية الطرف الاخر من خلال سحب حقوقه فانه يصبح عالة يجب التخلص منها. عند امتلاك ادواة العنف التي تمتلكها الدولة الحديثة فان الابادة السياسية مطابقة تماما للابادة الجماعية، المؤسسة التي تنفذ هذا يمكنها ان تنفذ ذاك وهو تماما ما حدث في سوريا. المخابرات التي نفذت التهميش السياسي نفذت ايضا الابادة الجماعية. يمكن لاية دولة حديثة ان ترتكب النوعين من الابادة اذا احتكرت السلطة المطلقة جماعة معينة دون الاخرين. اما بتية النظام فهي مزيج من ادواة الدولة الحديثة وعقلية الدولة السلطانية العصبية. قد تكون اصبحت نادرة لكنها ليست استثنائية. التخلص من هذه المنظومة لا يكون باختراع مظلومية استثنائية وانما في فضح امكانية ان تتحول اية دولة في العالم الى نظام اسدي مجرم.

25 تشرين الثاني 2018، تابع لما قبله عن مقالة الحاج صالح

كتب الاخ سمير سليمان تعليقا على بوستي الذي علقت به على مقالة ياسين الحاج صالح عن البارادايغم الاسرائيلي. وزعمت في التعليق ان الابادة السياسية والابادة الجماعية لا تختلفان جوهريا، ونفيت ان يكون نظام الاسد استثنائيا في استخدامه العنف المبني على ايديولوجيا تمييز هوياتي. يمكنني ان اقول، وارجو ان لا يمانع الاخ سمير، ان تعليقه ماركسي بامتياز. ويمكن ان نزعم الشيء نفسه فيما يخص مقالة الحاج صالح. لا اتنصل من البنيوية الماركسية فانا بنيوي في افكاري، لكني احاول ان ابني مفاهيم اعم من البنيوية الماركسية. ماركس يركز على الانتاج وعلاقاته كاساس لبنيات مثل الدولة والمجتمع والمعمل. ولذلك فان التحليل الماركسي يؤكد على اولية الطبقة والتمايز الطبقي، فاذا لم نجد علاقة بين اية بنية جديدة والكبقة كما في حالة التمييز العنصري القائم على الهوية فهذا معناه ان هذه البنية مختلفة نوعيا عن التمايز الطبقي. ومن هنا نفهم مشكلة الماركسية في قبول وفهم الهويات والتمايز الهوياتي والصراعات الهوياتية. الجماعة الهوياتية تخترق الطبقات الاجتماعية الاقتصادية ولذلك فهي تبدو مختلفة عن الطبقة. الماركسية لا تدرس الدولة والايديولوجيا الا على انهما منتجات ثنائية للتمايز الطبقي القائم على التفاضل في امتلاك ادوات الانتاج. هذه الافكار كانت ثورية في القرن التاسع عشر، لكنها لم تعد كذلك اليوم. نستطيع اليوم ان نعتبر الماركسية حالة خاصة من نظرية بنيوية اعم لا تدعي اولية اي منظومة تجاه الاخريات بل تدرس التفاعل بين المنظومات. يعني ان الاقتصاد منظومة تتفاعل مع المنظومة الاجتماعية والقانونية والسلطوية والبيروقراطية والسياسية، اي الدولة، ومع منظومات اخرى مثل القبيلة والطائفة والطبقة والجماعة الهوياتية، ومنظومات اصغر مثل الشركة والمنظمة والحزب. الانقسام المجتمعي الى فئات امر لا مفر منه، وكلها فئات مسيسة او لها امتدادات سياسية حتى ولو كانت على اساس الهوية. لذلك لا ارى فرقا جوهريا بين الطبقة والطائفة. لا اولية عندي للاقتصاد وعلاقات الانتاج رغم اهميتهما الكبيرة في المجتمعات الحديثة. نعود الى الابادة السياسية والابادة الجماعية. المقولة التي نناقشها هي مقولة الحاج صالح، حسب فهمي واستنتاجي، وتنص على ان الابادة الجماعية مرتبطة بصراع هويات بينما التهميش السياسي والابادة السياسية مرتبطتان بصراع الطبقات الذي هو حسب الماركسية صراع اقتصادي ذو تمظهرات سياسية. وبالتالي فلا يمكن للابادة السياسية ان تتحول الى ابادة جماعية. هناك حد من كره الاخر يجب تجاوزه من اجل القتل الممنهج والواسع النطاق كما في الابادة الجماعية. ومن هنا تاتي استثنائية نظام الاسد لان الكره استثنائي، حسب فهمي لمقالة الحاج صالح. في الفضاء الاوسع للمنظومات الذي اعمل ضمنه ليس هناك حاجة لكره استثنائي من اجل القتل، القتل عبارة عن مؤسسة. ولا اعتقد ان هناك كره علوي سني استثنائي ادى الى الحرب في سوريا. ورغم وجود عنصر هوياتي قوي في العصبية الداعمة للنظام وفي العصبيات الداعمة للفصائل الجهادية، الا اني اعتقد ان القتل الممنهج الذي قام به النظام ليس اساسه الهوية وانما اساسه التهميش السياسي الشديد في منظومة الحكم، وبالتالي في امتلاك السلطة والقوة، ووجود مؤسسات مختصة بالقتل. ان مفاهيم مثل الابادة الجماعية، الجينوسايد، ليست الا اختراعا غربيا تختص به الشعوب المتخلفة وحالة غربية وحيدة يعتبرونها استثنائية هي قتل النازية لليهود. واستثنائية النازية اساسية في تعريف الغرب لذاته كشعب متفوق حضاريا. الابادة بكل اشكالها ليست جديدة على البشرية وليست من الماضي او من اختصاص المتخلفين. لا بل اقول بان الدولة الحديثة جعلت الابادة سهلة وفي متناول الجميع، ويمارسها الغرب اكثر من الشعوب المتخلفة، حسب التصنيف الغربي. القنبلة الامريكية التي تحول حيا كاملا الى نار وغبار هي جينوسايد، وليس من الضروري ان يشكل اهل هذا الحي جماعة ذات هوية متمايزة عن الاخرين. والنظام الاسدي لا يختلف جذريا عن نظام الخمير الحمر في كمبوديا الذي قتل ثلاثة ملايين انسان من ناحية ان التفاضل المطلق في امتلاك السلطة والقوة يؤدي الى قتل مطلق، اي ابادة. يرى الحاج صالح في استثنائية النظام الاسدي نقطة استراتيجية في صالح الشعب السوري في حربه ضد وحشية نظام الاسد. فاستثنائية الوحشية يجب ان تستدعي استثناءا في دعم قضية الشعب السوري المضطهد. لكني ارى ان استثنائية الاسد، ان كانت صحيحة، لم تحقق لنا اية مكاسب، بل على العكس ساعدت المنظومة الدولية في اهمالنا، فنحن حالة خاصة من الصراع الطائفي السني العلوي، او حالة خاصة من تغول الدولة ولن تتكرر. المصيبة هي ان حالتنا لا تزال تتكرر تحت مسميات خاصة اخترعتها الامم المتحدة مثل التطهير والجينوسايد وصراع الهويات والكره التاريخي والقبلية والطائفية. في حين اننا ضحايا ادوات العنف المتاحة للدولة الحديثة. نعم هناك عشائرية وطائفية، لكن هناك ايضا منظومة حكم تملك مؤسسات خاصة بالمراقبة والتعقب والاعتقال والقتل. هناك منظومة حكم تملك قوة وسلكة مطلقة مقابل شعب لم يكن لديه الوقت الكافي لتطوير مؤسساته السياسية والاقتصادية في مواجهة الاسلحة الحديثة والمؤسسات التكنوقراطية. نظام الاسد له خاصية، لكنها ليست استثنائية في محيطنا، انها دولة سلطانية قروسطية بادوات حديثة. هذه الخلطة كانت قاتلة في سوريا كما كانت قاتلة في العراق وليبيا والسعودية وكما قد تصبح قاتلة في تركيا وايران. ولا استثني اوروبا وامريكا.

2 ديسمبر، 2018، مقارنة بين السترات الصفراء والثورة السورية

مظاهرات فرنسا تجمعها نقاط تشابه كثيرة مع بدايات الثورة السورية. انها تحمل ايضا كل مقومات الفشل، لكن هناك دائما اشياء لا نعرفها او لا نفهمها او لا نتوقعها. وسائل التواصل، غياب القيادة والتمثيل، غياب المطالب الموحدة، وجود المخربين الذين اصبحوا تقليدا فرنسيا منذ اواخر الثمانينات، خطاب الحكومة المتشدد، عدم مشاركة الطبقات المهنية الوسطى، سياسات ماكرون الاقتصادية، انتماء ماكرون الى نادي محبي ومقلدي بوتين مثل طرامب، انفصال النخبة الحاكمة عن الناس، عجز الثورة التكنولوجية الحديثة عن توليد ثروات تطال الجميع رغم توفيرها وسائل تبادل معلومات وتواصل سريعة، تقلص الضمانات الاجتماعية ودولة الاعالة. هذه الثورات الشعبية بدات في الربيع العربي وستستمر لفترة طولية لان اسبابها معولمة وادواتها معولمة. اننا نعيش مرحلة انتقالية لا نعرف في اي اتجاه ستستقر. اعتقد ان النخبة السياسية الاوروبية ستفعل كما فعلت في السابق اي القاء اللوم على المهاجرين ودعم تصاعد التيارات القومية اليمينية. صراع الهويات اسهل بكثير.

3 ديسمبر، 2018، تظاهرات السترات الصفراء

لا اعرف تفاصيل الاحتجاجات في فرنسا وقد بدات البارحة القراءة عنها لكن عندي ملاحظات اولية. ليس هناك حضور للاحزاب والنقابات. الحركات الاجتماعية التي لا تملك واجهة مؤسساتية لا تستطيع صياغة مطالب وايصالها الى اصحاب القرار. هذا الغياب يعني ان المحتجين لا يعتبرون ان المؤسسات السياسية والمطلبية تمثلهم، وهذا تكور لا يستهان به بالنسبة لبلد له تاريخ مع المؤسسة بكل اشكالها. الغياب له وجه اخر وهو تاخر المؤسسات السياسية في او عزوفها عن التواصل مع المحتجين ومحاولة امتصاصهم. هذا يعني ان هناك فئة من الشعب لم نعد مقتنعة بلعبة السياسة ولا تهمها المؤسسات السياسية الموالية والمعارضة على حد سواء.

الحضور الواضح للمخربين. لطالما تعاملت الدولة مع المخربين على انهم مسالة امنية بحتة. ولطالما لمحت الدولة الى انهم ياتون من الضواحي الفقيرة التي يسكنها اولاد المهاجرين القدماء والمهاجرون الجدد. لكن يبدو من الصعب فصل فئة المخربين عن فئة المحتجين، كما هو طبيعي وعادي في كل اعمال الاحتجاج. حان الوقت للتعامل مع ظاهرة المخربين بكل ابعادها السياسية والاجتماعية. هذه الظاهرة تعني ان هناك فئات واسعة من الشعب غير مؤطرة ضمن المؤسسات السياسية والمطلبية وبالتالي فانها ستلجا دائما للعنف والتخريب. سيكون من الصعب الان في فرنسا القيام بعمل احتجاجي دون عنف وتخريب. واعتقد ان الدولة ستزيد من عسكرة الشرطة وستتوجه اكثر فاكثر نحو التعامل الامني مع اي احتجاج.

خطاب الدولة يدل على انقسام ايديولوجي في البلد. الدولة تتذرع بالبيئة لزيادة الضرائب ويمشي معها قسم من السكان المستفيدين من الطفرة التكنولوجية الرقمية. بينما غير المستفيدين من الطبقة الوسطى والدنيا سيتبنون خطابا معاكسا، وحينها من سيمتصهم ويعبر عن مطالبهم غير اليمين المتطرف واليسار المتطرف. هذا وضع مشابه لثورات عام 1848 وهو وضع عايشناه في الثورة السورية عام 2011. سنرى قريبا ما اذا كانت الدولة ستعتمد العنف والتهميش ووصم المتظاهرين بالمندسين والمخربين ام انها ستحاول الاستماع اليهم ومساعدتهم في خلق ممثلين وصياغة مطالب. هذا هو الامتحان.

6 كانون الأول 2018، السترات الصفراء والشرائح الاجتماعية

سؤال لجماعة فرنسا قرات عدة مقالات في اللوموند وغيرها عن جماعة السترات الصفراء. اعطت المقالات انطباعا بانهم ينتمون الى شريحة اجتماعية واحدة هي الفرنسيين الذين يحصلون الحد الادنى من الاجور ويسكنون في مدن صغيرة والذين آذتهم ضريبة الديزل لانهم يقفون على حد عدم كفاية الراتب. فهمت انهم جماعة غير متعلمين واحوالهم على قدها ومهمشون سياسيا ويسكنون في فرنسا المنسية. لكن سؤالي هو، أليس هؤلاء من ينتخبون الاحزاب اليمينية المتطرفة. مقال اخر يتحدث عن عدم مشاركة سكان الضواحي من ابناء المهاجرين العرب والافارقة لانهم يعتقدون ان مشاركتهم قد تنقلب ضدهم ويصبحون كبش الفدا اكثر تهميشا مما هم عليه الان. وقال احدهم ان السترات الصفراء يريدون رفع قوتهم الشرائية لكنهم يعملون اما سكان الضواحي فيبحثون عن عمل. وهذا يدل على ان هناك فرنسا اخرى مخفية ومنسية اكثر وفقيرة اكثر. في الحقيقة وبعد سنوات من الحرب لم يعد بامكاني توزيع تعاطف، ولم اعد افهم الدنيا من منظار ظالم ومظلوم او قوي وضعيف او مستبد ومقهور، لكن من منظار توازنات اجتماعية واقتصادية وسياسية. نحن نعيش في منظومات جبارة مثل الدولة والاقتصاد الوطني والاقتصاد العالمي والمدن الكبرى والمجتمع الكبير. وفي هذه المنظومات عدم المساواة في السلطة والثروة والمكانة والتعليم والفرص بين الناس ليس مجرد احتكار او ظلم او استبداد فالمنظومة الكبيرة لا تقوم الا بتوزيع الاختصاص ومع هذا التوزيع تاتي عدم المساواة. لا اقول ان تنحصر الثروة والفرص باشخاص معينين او طبقة او قبيلة لكن لا يمكن الا ان يكون هناك غني وفقير. الافضل ان يتم تداول السلطة والمال والفرص، لكن لا يمكن محو التفاوت، على الاقل الى يومنا هذا. وفي القرن الاخير ومع انتشار الصناعة امكن لكثيرين ان يتمتعوا بنعم الاستهلاك والوفرة اكثر من اي زمن في التاريخ، لكن هذا لم يلغ عدم المساواة. هذا المنظور المنظوماتي يريح من تناقض ان مظلوم اليوم هو ظالم الغد، او المظلوم في مجال ما هو ظالم في مجال اخر. لم يعد من الممكن بالنسبة لي التعامل مع الدنيا من منطلق اخلاق الضيعة الصغيرة او الحارة. السترات الصفراء يريدون حلا لمشكلتهم ويرونها في الضريبة، لكنهم لا يسعون الى تغيير بنيوي يفتح فرصا لهم ولغيرهم، واذكر هنا ابناء الضواحي والاحياء الفقيرة. قد يحمل المستقبل احتجاجات من نوع اخر، اكثر اتساعا واعمق مغزى. لكني لا استطيع ان احتفي بالسترات الصفراء كما يحتفي بهم مثقفو اليسار الذين وجدوا فيهم اخيرا ضالتهم الماركسية التي تخرجهم من احراج ثورات الربيع العربي، او لنقل تخرجهم من عدم قدرتهم على فهم وتحليل تلك الثورات باستخدام الادوات الماركسية من علاقات انتاج وطبقات وصراع طبقي. ما يجري في فرنسا ليس صراعا طبقيا بين راسماليين وطبقة عاملة، انه الصراع المعتاد في فرنسا بين صغار الكسبة بافكارهم الفوضوية والمعادية للدولة وبين منظومة الدولة التي تاخذ منهم الضرائب والتي لا يفهمونها. واني القي باللائمة على ماركس وفهمه القاصر للثورة الفرنسية وما بعدها وصولا الى كمونة باريس. فرنسا لم تنتج الا ثورات صغار كسبة فوضوية وعنيفة وفاشلة. هذا لا يلغي بالطبع النقطة الاهم وهي ان هناك فئات اخرى كانت تستفيد دائما من التهديم والفوضى والبلبلة التي تحدثها الثورات الفوضوية. في البداية استفادت البرجوازية الصاعدة ثم استفادت البرجوازية الراسمالية الحاكمة. واليوم انا متاكد من ان هناك احزابا سياسية جاهزة للاستفادة من حركة السترات الصفراء. الثورة الفرنسية كذبة كبيرة انتجت بمساعدة ماركس نموذجا للتغيير يقوم على الفوضى والعنف والانقلاب المفاجئ، هذا النموذج تحول الى نموذج نظري معياري ملمع ورومانسي نقيس عليه كل حركات التغيير. اود ان اقول، اوقفوا تعليم الاولاد هذا الهراء، ليس هناك ثورات خمس نجوم وثورات نص نجمة، كلها عمليات تغيير تهديمية لا احد يستطيع ضبطها او التكهن بمآلاتها. واود ان اقول ايضا ان انتقاء السترات الصفراء لقوس النصر لا تشرحه اية ثورات فرنسية قديمة او حديثة ولا تشرحه الا صور ميدان التحرير. فلنتوقف عن تسويق هذه الرومانسية المراهقة لاسطورة الشعب الذي يريد ويقرر ويفعل ويخرج الى الشارع ويكسر ويجبر الحكومة. اقصى فعل ثوري بمعنى الفعل الجمعي المقاوم كان شجاعة السوريين في كسر حاجز الخوف، لا يجاريهم لا الثورة الفرنسية ولا غيرها. لكن اقصى ما كان يمكن ان ينتج عن الثورة السورية وغيرها هو الحرب. ليس هناك ثورة ناجحة، هناك فقط فئة مستفيدة من التهديم.


حسام الدين درويش ضروري ربط منطق الأخلاق بالضيعة الصغيرة أو الحارة؟ يسلمو عالمنشور الغني ومنطق العالم الكبير ...! 🙂


Ahmad Nazir Atassi حسام الدين درويش عنيت اخلاق الجماعات الصغيرة وليس تصغير الاخلاق. وفي ملامي اشارة الى ما قالته المقالة من ان السترات الصفراء حاؤوا من مدن صغيرة. انا لا اتحدث عن العالم الكبير بمقارنته مع عالم اخر صغير، ولا احاول ان اتعالى على الناس او ان اتهمهم بالسذاجة. انا اتكلم عن مفهوم الثورة ومدى نجاعته في تحقيق التغيير، اتكلم عن مفهوم الظلم وقوته التفسيرية والتطبيقية. وكذلك انا اتكلم عن عالم تحكمه منظومات كبيرة ومعقدة وجبارة وطاحنة. كيف يمكن في هذه الحالة التعامل مع اناس مثل السترات الصفراء الذين لا يفهمون المنظومة ويعملون ضمن نطاق اخلاقيات القرية المختلفة عن اخلاقيات المنظومة الاكبر. هل اقبل بمقولة ان هذه الضريبة ظلم دون النظر الى طبيعة المتاذين منها فقط لمجرد ان الدولة متهمة دائمة بفرض الضرائب التعسفية. واذا قبلنا بمنطق الظلم فهل هذا يحلل العنف والتخريب. كيف يمكن مثلا ان اتكلم عن العنف وتحطيم الممتلكات في سبيل الحصول على بعض المطالب. هذا التناقض لا يمكن حله ضمن اخلاقيات القرية المتكافلة. وعاجلا ام اجلا ستقوم الدولة بتوقيف الناس المسؤولين وستتم محاكمتهم كافراد فماذا سيكون موقفنا وقتها. معضلتي التي اريد حلها هي كيف يتحقق التغيير وكيف ندفع باتجاه، وليست معضلتي ان اتخذ موقف لان هذا او ذاك صرخ ظلم، ظلم، اريد حلول شمولية وليس مبدا انا مع المظلوم حتى ينتصر وعلى الظالم حتى يرعوي. مثل هذه المواقف لا تغير شيء.


Hanane Atassi فيه كثير من الحقائق ولكن اليوم ليست سوى مطالب محقة طالت المجتمع الفرنسي ليس فقط الكسبة الصغار وانما هيتمرد من الطبقة الوسطى العاملة التي تسحقها الضرائب وغلاء الاسعار كما ان فرنسا الزراعية التي حددت اسعارها وشروطها من قبل الصناعات الزراعية السترات الصفر هي فرنسا الحقيقية وقد قاموا ضد انظمة لم تقدم لهم او للبلد الا القليل كما اليوم لم يعد هناك سوى الطبقة الحاكمة وحاشيتها والستر الصفراء الاولى وللاسف مجموعة شبان اصدقاء الجميع درس بلينا وتخرجوا ولكن لا احد منهم احتك فعلا بالامور السياسية الا قلة منهم فلذلك اتصفوا بالغرطسة وبعدهم عن ما يجري حقيقة في جميع انحاء فرنسا هذه من ناحية من ناحية اخرى القول ان عرب افريقيا لم يشاركوا هذا غير صحيح فالعربي الافريقي ينتمي لفرنسا مائم بالمائة وهو اليوم يوجد بالطرقات مع السترات الصفر كما انه يخرج بالاقنية ويناقش كاي فرنسي ان الجرائد فيها كثير من الهراء ومعظم هذه الجرائد والاقنية مع الطبقة الحاكمة وهي بحالة قلق وكذلك كان الامور فاقت معرفتها اليوم هناك المصفق وهناك الشاتم والبارحة عندما استمعت لرئيس الوزراء وللاسف لاول مرة خيل لي انني استمع لمسؤل بسورية في مجلس الشعب فالموالين كلما سمعوا باسم السيد ماكرون صفقوا وكانو يصفقون كل فترة وفترة والحمد لله هناك معترضين والا لكانت الدكتاتورية على كل الموضوع لن ينتهي وماهي الايام القادمة لاشك ان فرنسا ستدفع الثمن باهظا اقتصاديا واجتماعيا


Ahmad Nazir Atassi سيدة حنان انا متاكد ان الطبقة الفرنسية الحاكمة تستغل هؤلاء الناس وتفرض عليهم الكثير من الضرائب، لكني اتحدث عن اتخاذ موقف. هل نتخذ موقف من منطلق انهم ضعفاء ام نتخذ موقف من منطلق انهم فوضويون. لم اعد اؤمن بالثورات، وخاصة العنيفة، لكن يهمني التغيير ولا اعرف كيف اوافق بين هاتين الفكرتين.

Ammar Aljer عزيزي نظير : أعتقد أنك تتحدث عن موضوعين متباعدين "الثورة الفرنسية" و "السترات الصفراء" دراسة الرابط بينهما يضعف تركيزنا دراسة ظاهرة "السترات الصفراء" نفسها. لذا سأركز على القسم الاول من بوستك : هناك تناقض أساسي بين بنى المنظومات نفسها التي تؤثر في حياة الناس: 1- هناك تناقض بين بنية الدولة الفرنسية التي ينتخب الفرنسيون ممثلوها وبين بنية الشركات الكبرى العابرة للحدود والتي تؤثر بشكل كبير في الاقتصاد 2- هناك تناقض بين بنية الدولة الفرنسية والمافيات المحلية والعالمية التي تحاول تسخير مؤسسات الدولة لمصالح خاصة غير ظاهرة لعموم المواطنين 3- بنية وسائل التواصل الحديثة تؤدي لتناقض في الصلات التقليدية للدولة بباقي دول العالم حيث يمكن أن تبنى علاقات اقتصادية واجتماعية وثقافية غير مقيدة بالإطار التقليدي للدول 4- بنية وسائل التواصل الحديثة تؤدي لتناقض في الصلات الداخلية للدولة حيث يمكن أن تبنى تجمعات ضعيفة أفقية ليس لها بنية هرمية ولا أهداف اقتصادية واجتماعية دقيقة.

1 و 2 كانتا موجودتين قبل السنوات الآخيرة. 4 بشكل خاص كانت سبباً في التجمع الواسع لأصحاب السترات الصفراء وهي نفسها السبب الأهم لقدرة الناس على تشكيل مظاهرات واسعة رغم عدم وجود رابط ايديولوجي أو سياسي بين المتظاهرين في سوريا


Ahmad Nazir Atassi التفاحة والبرتقالة مختلفتان جذريا لكن بالنسبة لقانون الجاذبية كلتاهما كتلة. اذن المقارنة بين الثورة الفرنسية والسترات الصفراء لا تكون مضللة الا اذا لم نعرف اساس المقارنة. الحركات الثورية تتشابه بناقط كثيرة على مر التاريخ. اما ما ذكرته عن وسائل التواصل وانها تسمح لجماعات مفككة ان تتحد لوقت محدود وتؤثر فهذا لا انكره ابدا، لكنه لا ينفي التحليل القائل بوجود نقاط تقاطع متعددة بين افراد هذه الحركة ومنها الانتماء الاجتماعي والاقتصادي.


Ammar Aljer لا أنكر إالعلاقة بين البرتقالة والتفاحة إذا كان الحديث عن "الكتلة". ولكن الحديث عن "الكتلة" وعن "موسم القطاف" يجعل العلاج متشعباً. أنت بدأت بالحديث عن " منظومات جبارة مثل الدولة والاقتصاد الوطني والاقتصاد العالمي والمدن الكبرى والمجتمع الكبير" وبعدها طرقت باباً يفتح سجالاً غير مركز "الثورة الفرنسية كذبة كبيرة" يشبه الباب الذي طرقه أبو عصام عندما قال "صلاح الدين كذبة كبيرة"

Hala Atassi لست مختصة أو محللة لكن ما أراه عن احتجاجات جماعة السترات الصفر انها ردة فعل تجاه السياسات الاقتصادية و الضرائبية النيوليبرالية التي تعطي الافضلية للشركات والشريحة زو اعلى الدخل حيث تعتبر انهم المستثمرون القادرون على إنعاش الاقتصاد و خلق فرص العمل. الحكومة السابقة الذي كان ماكرون وزير اقتصادها اتبعت نفس الأيدلوجيا لكن بشكل مستتر أو خجول. مكرون و حكومته يتبعونها اليوم علنا فهي جزء من البرنامج الذي انتخبو عليه. و من جهة آخرى هناك أوروبا و خصوصا ألمانيا التي تفرض على فرنسا صرامة ميزانية. و اذا من يدفع الثمن هذه السياسات هم الكسبة الصغار و هم ليسو الأفقر فهم فوق الحد الأدنى للاجور بقليل و يدفعون ضرائب و لا يستفيدو من الكثير من المساعداتالاجتماعية. هذه السياسات اضافة للازمات الاقتصادية ساهمت في خلق شرخ في المجتمع و وسعت التفاوت الطبقي و الجغرافي و الثقافي بين باريس و المدن الكبيرة من جهة و المزارعين و المدن الصغيرة من جهة اخرى. فهؤلاء الاخيرين يشعرون انهم مهمشين و محتقرين من الفئة الاولى. فأحد الامأجذ على مكرون هو تكبره و الاتجاه الاقتصادي النيوليبرالي كرد على العولمة و نهوض الصين و الهند ليس حكر على فرنسا بالعكس فهو اليوم المثال المتبع في اكثر دول الغرب و من نتائجه صعود اليمين المتطرف و لكن كي نفهم حركة السترات الصفر يجب العودة للقرن الماضي و الانتعاش الاقتصادي الذي رافقه تحسن في القوة الشرائية و الامتيازات الاجتماعية و انخفاض التفاوت الطبقي و كل هذا اصبح الفرنسيون يعتبرنه حقوق مكتسبة ثم يجب الأخذ بعين الاعتبار تاريخ فرنسا و ثقافتها الذي مرسخ فيها المساواة فهي من شعائرها الثلاث و أيضا منهج الاحتجاج و التظاهرات مشكلة هذه الحملة انها ليست منظمة و عشوئية و تحمل مطالب بعدد المحتجين و المشكل الأكبر ان الأحزاب السياسية و النقابات و الجميع يريدون استغلالها لمصالحهم و ما يخفوني هو الانجراف للعنف

22 كانون الأول 2018، سترات صفراء عربية؟

الراعي والزبون: هل سنشهد «سترات صفراء» عربية؟

اعتقد ان تحليل الاخ الكيال على الطريق الصحيح. لكن الادوات التي يستخدمها او يسعى لاستبدالها لا تتحمل ما يطرحه عليها وما يحملها اياه. انماط الانتاج ومفهوم الطبقة لا يستطيع ان يشرح الزبائنية، وكذلك الزبائنية لا تستطيع ان تشرح تعقيدات المجتمعات الحديثة. اقترح مفهوم المنظومة، فهو يتحمل التنوع والتراكب الذي يتكلم عنه. لا مجال للشرح هنا لكن ساكتب اكثر عن الموضوع. واعتقد ان الافكار التي عرضها سابقا عن ألتوسير، وهناك الالماني لوهمان وجماعة نظرية النظم، تقدم علبة ادوات كاملة تصبح الماركسية حالة خاصة فيها لان الماركسية تتعامل مع نوع واحد من المنظومات.

6 نيسان 2019، الحراك الجزائري

هذا البوست حوار فيسبوكي مع صديقة جزائرية فيسبوكية فيه نقاط اود تسجيلها: قالت "في الجزاير لم يصل بعد الى مرحلة الحركة الاجتماعية التي يمكن ان تحتكم الى قيم خاصة بها منفصلة عن سمات سابقة في التفاعلات السياسية والمجتمعية الجزايرية.. صحيح ايضا ان مرحلة التنظيم يبدو انها صارت عصية على الحراك الجزايري منذ انطلاقته رغم كل الزخم الذي وصل اليه في سابع جمعة .. الحقيقة ان هذه الملاحظات في تقديري تؤسس لنوع جديد من الاحتجاج ميزاته اللافءوية ورفض الخضوع للتمثيل والافلات من التوظيف السياسي والطابع الاحتفالي ابتداء والسمة الجامعة لكل فءات المجتمع على راسها الحضور العاءلي والشبابي المكثف.." تعليقي: "مررنا بهذه المرحلة في سوريا. والحقيقة لها محاسن ومساوئ حسب الوضع العام. رفض التمثيل ناتج عن عدم ثقة بالسياسيين وعن اختلاف في الاجيال بين السياسيين والمتظاهرين. ايضا لامركزية الحراك تجعل من الصعب اخضاع الحركة لانها لا راس لها ولذلك تكون قابلة للاستمرار حتى مع وجود حملات اعتقال . لكن المساوئ قد تكون قاتلة ، اذ تعجز الحركة عن الوصول الى مطالب موحدة وتعجز عن انتاج ممثلين للتفاوض مع النخبة الحاكمة، والاهم انها تعجز عن افراز اطار مؤسساتي يحمل شعلة المطالب. كذلك وهذا حصل معنا ان الجماعات السياسية الاكثر تنظيما ستنجح في النهاية لان المطالب والتفاوض سيصبحان حاجة ماسة الى درجة ان الناس ستتصارع على القيادة وسيلجؤون الى الفئة المنظمة وهذه ستكون غالبا من الاسلاميين. اخيرا وبسبب فارق السن والاكثرية الشابة سيبرز عدد هائل من المغامرين والمتسلقين وطالبي السلطة وكلهم سيزعمون التمثيل. الطموح الجامح دون قنوات مؤسساتية سيؤدي الى صراع فظيع على القيادة والتمثيل. الحكومة ستنتبه بسهولة لهذه الانشقاقات وستختار المعارضة التي تزيدها لا بل ستفصلها على مقاسها" جوابها: "هذه موجودة منذ الان استاذ والناس الان تتصارع على التمثيل واستمالة الحراك لكن الامر لم ينجح مع احد لحد الان..خلينا نفترض انه فعلا رغم تشابه البدايات وبعض مكونات السياق الا ان ثمة اختلافات .. ما راح اقلك عامل الطبيعة التكوينية للجيش الوطني الشعبي ولا عدد الفواعل الدولية المتورطة في المشهد بين مستفيد ومتضرر..لكن رح اكلمك عن طبيعة المشكلات اللي خلت الناس تطلع ابتداء وانه المطالب تختمر مع كل جمعة ولا تمتاز بالحدية..خليني اذكرك استاذي بمكون مهم اخر هو ما اسمح لنفسي بتسميتع التعلم الاحتجاجي، ، الجزايريين حتما وليس الشعب وحده بل كل مكونات الدولة استفادت من تجارب الربيع المجهضة واكتشفنا انو الناس كانت متابعة ويبدو كما لو كانوا يزنون تحركاتهم بالمللي كما يقال..ثالث حاجة ممكن هي ما نستطيع تسميته الضمير الجمعي للاحتجاج عند الجزايريين حاليا وهو متكون من متغيرات متنوعة من اشكال المعاناة بعضها مرتبط بما قبل بوتفليقة وسنوات المحنة وبعضها معاناة الشباب الذي اندفع للرغبة في الهجرة لسنوات وفجاة وجد هدف للبقاء وهاذان يضاف لهما تراث الامة الذي رغم كل محاولات التشويه التي طالت الشخصية الجزايرية مازال الشباب يحتضن العلم كرمز للتاريخ الثوري المرتبط بالانعتاق من الاستعمار..هذه كلها مكونات تتعلق بمستويات الفعل الانساني بقطع النظر عن العوامل البنيوية المتعلقة بطبيعة السياق.. الان اللي فاضل هو ان نتمنى انو كفة الميزان تظل بجانب متغير الفعل" تعقيبي: "بالطبع السياق يختلف. ملاحظاتي هي فرضيات يمكن ان تتحقق ويمكن ان لا تتحقق. النقاط التي ذكرتها من الصعب علي تقييم دورها الحقيقي ومدى تأثيرها. الزمن سيوضح لنا. استمالة الحراك لم تنجح ايضا في سوريا لكن عنف النظام ومحاصرة الاحياء ادى الى موات التظاهر وبالتالي التعاون والتنسيق وعندها إلتفت الناس الى السياسيين القدماء. وعلى فكرة هذا الإلتفات كان موتا فوق موت بسبب ضعف العمل السياسي في الداخل واقتصاره على الخارج. عندما ينتقل القرار الى جاليات الخارج يصبح الامر لعبة مصالح أخرى. ما قصدته بالتنظيم هو التنظيم الذاتي في حال عدم وجود قوة سياسية قديمة قادرة على توفير التمثيل وصياغة المطالب. بالطبع الفواعل الدولية هامة جدا وطبيعة الجيش ايضا وخطوط الشرخ المجتمعية. التعليم الاحتجاجي مهم، في سوريا ومن خلال مقابلاتي وجدت ان النموذج الليبي وليس التونسي او المصري كان الاكثر تأثيرا في سوريا. اما الضمير الجمعي فهو شيء يتولد اثناء الاحتجاجات ومن السهل تغييره. بالطبع الضمير الجمعي اساسي لتماسك الحركة واستمرارها. لكنه ليس حقيقة اجتماعية سابقة للحركة الاحتجاجية. لكل زمان دولة ورجال كما يقولون، وكل مرحلة تبرز اشخاصا يمثلونها. وتأكدي انه عندما ترتفع الرهانات فان المغامرين والمقامرين والبلطجية سيظهرون. ما ترينه عاما هو تعبير عن مرحلة. المرحلة المنتجة تظهر اناسا منتجين والمرحلة التهديمية تظهر المهدمين. اتمنى ان تبقى الروح الجماعية العالية والمتضامنة مستمرة في حالتكم. المأسسة هي الضمان ولا اقول منظمات وانما شبكات تواصل بين الاشخاص الذين فرضوا وجودهم على ارض الواقع. هؤلاء معروفون محليا ولا يظهرون على اي اعلام وهم شباب نشطون ومدبرون واذكياء يخططون للاحتجاج ويتواصلون مع المناطق الاخرى. عندما يتكثف التواصل ستمر الحركة بمرحلة حرجة. الشباب المنظمين سيصبحون مشغولين بالتواصل ورفع مستوى التنظيم والمطالب وعندها سيتركون الارض لجيل ثاني اقل خبرة. الانتقال حرج جدا ويجب ان يحدث ضمن اطار له قواعد او ضمن مؤسسة او شبكة منظمة. الاحتجاجات فيها فوضى وهذا يعني التحلل من قيود مجتمعية وقانونية. وهذا يعني ان كثيرين سيلحظون الفرص وسيتقدمون لاقتناصها. اذا لم تكن هناك آليات فلترة وتصفية للصعود التنظيمي من القاعدة الى القيادة فان اسهل وسيلة للمنتهزين هي الانشقاقات. خاصة وان وسائل التواصل الاجتماعية تسرع نقل المعلومات وستحصل الانشقاقات والتحالفات بسرعة الضوء." جوابها على التعقيب: "التنظيم صعب جدا في تقديري في حالة الاحتجاجات التي تنطلق لا راس او خارج فءات معينة..مشكلة الانتفاضات العربية هو في لحظتها..ولدت في نفس لحظة موات السياسة وخواء المجتمع من هياكل سابقة على الحركة وانت تعرف ان الحركة الاجتماعية مفروض تستفيد من بنى موجودة سلفا ..هذا ما يفسر اعتمادها على وساءل التواصل الاجتماعي في الحشد والتعبئة وحتى في نقل الخبرات التنظيمية.. ومسالة السطو على المطالب وركوب الانتفاضة من الاكثر تنظيما هي خاصية في التسلطيات نفسها لان النظم القائمة على تغول الاجهزة الامنية تخترق كل ما ينبض تنظيميا على الارض.. بس بتضل الرؤى المقارنة مفيدة لرؤية افضل ممكن تكون مفيدة لقادم الايام"

14 نيسان 2019، الحراك العربي و معايير الثورة

كنت اقرا بيان تجمع التغيير في السودان واشاهد المظاهرات في الجزائر حيث يرشق الشباب الشرطة بالحجارة وتستخدم الشرطة الغازات المسيلة للدموع. تجمع التغيير تحدث عن الشعب العظيم والثورة المجيدة والوقفة الباسلة امام الطغيان. خلال السنوات الماضية نشأت عندي حساسية من هذه التعابير. واصبح معياري للحكم على اي شخص اتعامل معه في الشأن السوري هو تلك المصطلحات، فإذا استخدمها فهو دجال غالبا. وحين عملت على المجالس المحلية كان جيل الشباب يعارض جيل الاعيان الاكبر ويستمد شرعيته من الثورة. وكانت المزاودات تصل الى السماء. الشرعية الثورية كانت وصفة محققة للديكتاتورية والاقصاء ومن ثم الفشل. كل من اراد ان ينتهز الفرصة ليحسن اوضاعه كان يستخدم الشرعية الثورية ضد منافسيه. طبعا رأينا كيف استخدمت الفصائل المسلحة الشرعية الثورية في ادارة مناطقها وتبرير تصرفاتها. وهنا تبلورت عندي رؤية للثورات عملت عليها لفترة. بالطبع المقارنات المتعددة مع الثورات الفرنسية والاوروبية والروسية كانت مفاتيح نقاشات كثيرة. وتبين لي ما يلي: اولا، الثورات غالبا ادوات تدمير وليست ادوات بناء. وخاصة في حالة المنظومات السياسية المأزومة وعندما يستخدم الطرفان العنف ضد بعضهما البعض. هذا التدمير يكون الحل الوحيد للخروج من حالة مستعصية وصلت الى طريق مسدود كما كانت الحالة في سوريا. ثانيا، تنجح الثورات في تغيير الحكم او توسيع دائرة المشاركة اذا كان هناك عدة قوى متصارعة على السلطة ومتكافئة في القوة بحيث يكون خيار تداول السلطة بالانتخابات هو افضل حل موجود من اجل تحقيق توازن بين هذه القوى. ويجب ايضا ان تكون هذه القوى مؤطرة بمؤسسات تجمع نخب سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية فاعلة وقادرة على صياغة مطالب وعلى القيام بأعباء دورها في الدولة، واعتقد ان هذا ماحصل في تونس لكني غير متأكد . المجتمعات التي لا توجد فيها قوى مقابلة للدولة من اقتصاد ومجتمع مدني واحزاب لا يمكن لاي ثورة شعبية فيها ان تنتصر. الثورات الشعبية، مثل الثورة السورية والثورة المصرية، التي لا قيادات لها من النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفاعلة مصيرها الفشل. ويكون الفشل اما بالعنف او بدخول الجيش على الخط وتهدئة الوضع او بمحاصصة جديدة تضحك بها النخبة الحاكمة على الناس. هناك سيناريو اخر لنجاح الثورات وهو انشقاق داخل النخبة الحاكمة كما حصل في اوروبا الشرقية، لكن هذه الثورات لم تكن ثورات شعبية وانما انقلابات ناعمة يلعب فيها الشعب دور المشرعن بخروجه الى الشارع ثالثا، بناءا على ما سبق فان تغيير الحكم يحصل في الاعلى وليس في الاسفل. سميناه مع شركائي بصفقة النخب. كل منظومة سياسية تقوم على صفقة نخب غير معلنة. وحسب هذه الصفقة يكون شكل المنظومة السياسية. فاذا كانت النخب الاقتصادية والسياسية والعسكرية موزعة على عدة مجموعات لا تتشابه مصالحها وايديولوجياتها فاننا نحصل على تنافس. مآل التنافس يختلف من حالة الى حالة. فإذا كانت تحالفات النخب متكافئة في القوة وقادرة على تعطيل المنافسين الآخرين وفي نفس الوقت لديها كفاءات تقنية تمكنها من الاضطلاع بالحكم والادارة ، فاننا نكون امام بداية ديمقراطية. مثلا تركيا في بداية الالفية دخلت مرحلة ديمقراطية بسبب صفقة بين النخب. والناس تعتقد ان اردوغان هو مهندس الطفرة. اردوغان كان احد اطراف صفقة جمعت السياسيين والعسكريين والاقتصاديين من معسكرين. الثورة الامريكية ايضا كانت نتيجة صفقة نخب. بدات بشرخ في النخب بين معسكرين وانتهت بصفقة بين نخب اقتصادية ذات توجهات سياسية مختلفة. ولولا جيش جورج واشنطن الممول من بعض كبار التجار لتحولت الحرب الامريكية الى فوضى ميليشيات محلية تشبه الجيش الحر والفصائل. الثورة الفرنسية كانت فوضى عارمة وصعود وهبوط قوى متعددة الى ان طلبت النخب البرجوازية من نابليون انهاء ثورة الشارع ففعل بقوة المدافع التي حشاها بقطع معدنية. الثورة الفرنسية الشعبية فشلت مثلما فشلت الثورة السورية. وسنعود الى تاريخ الثورة الفرنسية. اما الثورة الروسية فقد فشلت المحاولة الاولى بسبب ضعف التنظيم المؤسساتي في الشارع . لكن حصلت فئات اخرى غير البلشفييين على محاصصة. الثورة الثانية لم تكن ثورة شعبية بل انقلاب ضمن النخب الجديدة. يعني الشعب لم يقرر تغيير الحكم. النخب الحاكمة نفسها انقسمت على بعضها واعلن البلاشفة الانقلاب. وكان لديهم حينها وجود في المؤسسة العسكرية وفي البرلمان. ومع ذلك انتهت بحرب اهلية ضارية قضت على الملايين من الناس. ومع ذلك يعتبرها الشيوعيون ثورة ناجحة فماذا يهمهم من الشعب بعد ان اخذو مقاليد الحكم. رابعا، بناءا عليه يجب ان نطرح السؤال الجوهري التالي. لماذا شعوب المنطقة مهووسة بالثورات الشعبية ولماذا فشلت معظمها . وذلك بسبب طغيان التعليم الاوروبي فاننا نتعلم الثورات الاوروبية على انها تحقيق لارادة الشعب وانها قامت لتحقق الديمقراطية التي هي حكم الشعب بالشعب وللشعب. هذا اكبر هراء انتجه القرن التاسع عشر. لا يوجد شيء اسمه شعب ولا توجد ارادة شعبية ولا توجد ثورات تعبر عن ارادة الشعب وتحققها. وساشرح كيف ولماذا. كل المنظومات السياسية، والاجتماعية وغيرها، تولد ايديولوجيا تشرح فيها لاتباعها العالم وكيف يعمل وتخلق شرعية وجودها وتدرب الافراد على اعتبار المنظومة الحالة الواقعية الوحيدة وانها احسن الحالات الموجودة. وكثيرا ما يقع المحللون وعلماء السياسة والتاريخ في خطأ فادح وهو اعتماد تلك الايديولوجيا كمعرفة تشرح واقعا قائما. وهكذا تصبح الديمقراطية حكم الشعب ويصبح الانتخاب وسيلة مقدسة في تداول السلطة ويصبح البرلمان المنتخب معبرا عن الشعب وارادته وتصبح الثورات هي اللحظات المؤسسة التي عبر فيها الشعب عن ارادته فكان مطاعا كإله قال للدولة كن فيكون. هذه بالضبط الايديولوجيا التي ندرسها وكأنها واقع. الشعب مفهوم غير معرف وليس له ارادة والممثلين لا يعبرون عن ارادة الشعب وليست الانتخابات الا وسيلة في تداول الحكم بين النخب . الناس التي تخرج الى الشوارع في البلدان العربية هي افراد ضاقت بهم الدنيا فانفجروا وهذا افضل تعريف للثورة الشعبية. وهي ثورات لاقيادة لها وغير قادرة على صياغة مطالب وليس لديها قوة ونخب تفاوض بهما اصحاب السلطة في الدولة القائمة. تحاول عدة تجمعات مهنية وحزبية وسياسية الركوب على هذه الثورات، ويمكنها ان تنجح اذا كان لديها تنظيم مقابل للدولة وقوة سياسية واقتصادية وعسكرية تستطيع معها فرض نفسها كشريك في السلطة. لكنني لا ارى ذلك في اية حالة عربية، ولم ادرس بعد حالة تونس. في حالتي الجزائر والسودان لا يوجد على الساحة كمؤسسة منظمة وشريكة في الدولة غير الجيش. وسيجد الجيش طريقة فيفرض نفسه. ويبدو لي ان حالة السودان هي انقلاب ضد نظام مدعوم قطريا بمساعدة خارجية. اكيد الثورة عفوية لكن ليس لديها سلطة مقابلة هذه الثورات حققت هدفها وهو التدمير وضعضعة النخب الحاكمة. الان يجب الالتفات الى بناء السلطة المقابلة التي تجمع نخب اقتصادية واجتماعية وسياسية متعددة ذات مصلحة وتجمع جزءا من القوة العسكرية. لن يتغير الحكم حتى نبني السلطة المقابلة والمكافئة