«الدين والدولة»: الفرق بين المراجعتين
Faris.atassi (نقاش | مساهمات) |
Faris.atassi (نقاش | مساهمات) |
||
سطر ١٨: | سطر ١٨: | ||
لا افهم الهوس بتاريخ علمنة الدين، هذا اذا اعتبرنا ان مثل هذا المفهوم موجود اصلا. الاسلامويون يصرون على الفصل بين زمن ذهبي كان الدين يتطابق فيه مع الحياة والدولة، حسب اعتقادهم، وزمن انحطاط ترافق مع فصل الدين عن الدولة. واعتقد ان النقطة الفاصلة بين الزمنين يضعونها في القرن التاسع عشر. الشريعة الاسلامية لم تكن في اي زمن ذلك القانون العام الذي يغطي كل شيء حتى في عهد المماليك. السلطنة العثمانية كان فيها ومنذ البداية محاكم شرعية ومحاكم عسكرية ومحاكم تجارية لرعايا الدول الاجنبية. وكانت تخضع لشيئين الشريعة وما كانوا يسمونه بالقانون الذي كانت تخضع له المعاملات التجارية، اما الدولة فلم تخضع ابدا للمحاكم الشرعية وشيخ الاسلام لم يكن ذلك القضاء المستقل ولا المحكمة الدستورية العليا. اختصاص المحاكم الشرعية بالاسرة جاء بشكل طبيعي. قنونة الشريعة اي تحويلها الى نصوص معيارية يمكن العمل بها لم يكن مشروعا كولونياليا بل مشروعا عثمانيا وكان هناك في مصر ما يقابله. وهذا ما طالب به المصلحون الدينيون في ذلك الزمن على حد علمي. هذا الفصل بين العام والخاص اختراع نظري غربي لا افهمه ولا اعتقد انه صحيح. ويمكنني ان احاجح بان الدين كان دائما معلمنا لان الكهنوت كان دائما الكهنوت والعامة كانت دائما العامة والملك كان دائما الملك ومنفصلا عن الكهنوت. الفصل في الغرب كان بين الكهنوت والدولة وليس بين الدين كفكر والدولة. هذا الفهم الفرنسي للعلمانية غير صحيح حتى في فرنسا نفسها. لا يمكن فصل الدين كفكر عن اي شيء، وكل ما يمكن فعله هو فصل الكهنوت عن السياسة وهذا لعمري قرار حصيف اتخذه كل ملك اعرفه فيهالتاريخ. ما قامت به الكولونيالية ليس علمنة الدين وانما ربط الدين بالسكان المحليين وبالتالي تجريدهم من العقلانية. الدين لم يحكم في اي عصر من العصور ولا حتى في الخلافة الاسلامية المتخيلة. هذا رايي | لا افهم الهوس بتاريخ علمنة الدين، هذا اذا اعتبرنا ان مثل هذا المفهوم موجود اصلا. الاسلامويون يصرون على الفصل بين زمن ذهبي كان الدين يتطابق فيه مع الحياة والدولة، حسب اعتقادهم، وزمن انحطاط ترافق مع فصل الدين عن الدولة. واعتقد ان النقطة الفاصلة بين الزمنين يضعونها في القرن التاسع عشر. الشريعة الاسلامية لم تكن في اي زمن ذلك القانون العام الذي يغطي كل شيء حتى في عهد المماليك. السلطنة العثمانية كان فيها ومنذ البداية محاكم شرعية ومحاكم عسكرية ومحاكم تجارية لرعايا الدول الاجنبية. وكانت تخضع لشيئين الشريعة وما كانوا يسمونه بالقانون الذي كانت تخضع له المعاملات التجارية، اما الدولة فلم تخضع ابدا للمحاكم الشرعية وشيخ الاسلام لم يكن ذلك القضاء المستقل ولا المحكمة الدستورية العليا. اختصاص المحاكم الشرعية بالاسرة جاء بشكل طبيعي. قنونة الشريعة اي تحويلها الى نصوص معيارية يمكن العمل بها لم يكن مشروعا كولونياليا بل مشروعا عثمانيا وكان هناك في مصر ما يقابله. وهذا ما طالب به المصلحون الدينيون في ذلك الزمن على حد علمي. هذا الفصل بين العام والخاص اختراع نظري غربي لا افهمه ولا اعتقد انه صحيح. ويمكنني ان احاجح بان الدين كان دائما معلمنا لان الكهنوت كان دائما الكهنوت والعامة كانت دائما العامة والملك كان دائما الملك ومنفصلا عن الكهنوت. الفصل في الغرب كان بين الكهنوت والدولة وليس بين الدين كفكر والدولة. هذا الفهم الفرنسي للعلمانية غير صحيح حتى في فرنسا نفسها. لا يمكن فصل الدين كفكر عن اي شيء، وكل ما يمكن فعله هو فصل الكهنوت عن السياسة وهذا لعمري قرار حصيف اتخذه كل ملك اعرفه فيهالتاريخ. ما قامت به الكولونيالية ليس علمنة الدين وانما ربط الدين بالسكان المحليين وبالتالي تجريدهم من العقلانية. الدين لم يحكم في اي عصر من العصور ولا حتى في الخلافة الاسلامية المتخيلة. هذا رايي | ||
+ | |||
+ | =3 نيسان 2019، رئيس الدولة في موقع الكهنوت= | ||
+ | ماذا يعني أن يكون رئيس الدولة في موقع الكهنوت. سيعترض كثيرون جداً ومن وجهات نظر مختلفة: | ||
+ | أولاً، الإسلام ليس فيه كهنوت. لكن هذا مردود عليه. لا يجب أن يكون الكهنوت مؤسسة تراتبية ومغلقة مثل الكنيسة. الكهنوت هو مجموعة المتخصصين الذين يفسرون كلام الإله ويقودون الناس في الشعائر. إمام الصلاة كهنوت لمدة الصلاة، المفتي كهنوت عندما يؤدي الفتوى، الشيح كهنوت عندما يعطي الدرس. الكهنوت في نقاشنا هو ليس احتكار الحديث باسم الله وإنما يمكن تبسيطه إلى منزلة تفسير كلام الله والدفاع عن تفاسير معينة. الكهنوت هو من يصنع الكتب المقدسة ويدافع عنها، وهو من يحمي الدين ضد الهرطقة، وهو من يامر بالمعروف وينهى عن المنكر باسم الدين ورسالة الدين. لا أعطى معنى سيئاً للكهنوت، فكل تلك الوظائف يعرفها المسلمون ويؤمنون بها. أنا فقط أضع تعريفاً لمصطلح دون إطلاق حكم قيمي. باستخدام هذا التعريف، كل الأديان عندها كهنوت بما فيها الإسلام. وفي الدول المسلمة أو الإسلامية التي فيها مفتي عام وقاضي شرعي عام ووزارة لتعليم الشريعة وتعيين الأئمة والمفتين والمدرسين، فإن الكهنوت يتطابق مع هذه المؤسسة التي هي مؤسسة للدولة. ومن هذا المنطلق فإن دولة مثل سورية ليست علمانية لأن فيها وزارة شؤون دينية وأوقاف ومفتي عام وقاضي شرعي والدولة هي التي تدير المساجد والأوقاف التي تمول هذه المساجد. هذا عدا عن الكهنوت المستقل الذي يمثله مشايخ الأحياء ومنظمات العلماء (اي المرجعيات العليا). | ||
+ | ثانياً، رئيس الدولة في حالة الفيديو مسلم وهو يؤدي فرائض دينه كأي شخص عادي. هنا مكمن النقاش. الصلاة متلفزة والتلفزيون ملك الدولة. الرئيس يحضر الصلاة مع حاشيته. الرئيس جاء إلى الجامع كرئيس بالإضافة إلى كونه مؤمناً عادياً. هنا يحصل الخلط. لكن هل يفرض الرئيس هنا دينه على اللآخرين؟ هل يضطهدهم؟ هل يقطع رؤوسهم لأنهم ليسوا على دينه؟ لا، إنه لا يفعل شيئاً من هذا ولا أعتقد أنه سيفعل. لكن حضور الرئاسة إلى الجامع يعني التلميح إلى الحماية الإلهية للرئاسة، إدعاء هذه الحماية أو طلبها. نعم رئيس الدولة كشخص يخضع للعدالة الإلهية ككل الناس، وصلاته العلنية لا تعني الإضطهاد باسم الدين. لكن الرئيس هنا، وفي إعلانه العام الخضوع للعدالة الإلهية، يرفع نفسه فوق بقية الناس باعتباره القائد الذي اختاره الإله ليحكم ويحقق العدالة. مجرد حضور الرئاسة إلى الصلاة بشكل علني يعني أن الرئاسة مدعومة إلهياً. وما الضير في أن يدعم الإله من يختاره ليحكم الناس إذا كان عادلاً؟ هذا بالتحديد هو السؤال القديم الذي أجابت عليه الدولة الحديثة بشكل مختلف عن الدولة القروسطية. | ||
+ | الدولة القروسيطة الملكية زعمت أن الملك موجود لأن الإله اختاره ليحكم وبالتالي فإن الملك غير مسؤول أمام الناس وإنما أمام الإله فقط. الملك هو خليفة الله على الأرض لأنه يطبق قانون الله. الملك يحمي الدين ويطبق الشريعة ويحاكم الكافرين كأعداء للدولة، أو هو يدعي أن أعداءه وأعداء الدولة كفار ليتخلص منهم. الدولة القديمة لا تعني حكم الكهنوت (وحتى في الإسلام الخليفة ليس مفتياً أو قاضياً او عالماً او حتى إمام كل صلاة)، وإنما تعني أن الإله يدعم الملك من خلال الكهنوت ويختاره ليحكم باسمه. فهو عندما يطبق القانون فإنه يطبق قانون الإله وعندما يخرج للحرب فإنه يجاهد في سبيل الإله، وعندما يقضي على أعدائه فإنه يقضي على أعداء الإله. إنها الشرعية التي تأتي من فوق وليس من الناس أو الشعب. | ||
+ | الدولة الحديثة نفت أن يكون الإله وراءها واعتبرت الشعب أعلى سلطة وخضعت لها من خلال خضوعها لممثلي الشعب المنتخبين. قد لا أؤمن بالتمثيل والإنتخاب وسلطة الشعب. لكن هذه هي النظرية. الشعب مصدر القانون (من خلال مجلس الشعب) ومصدر الشرعية (من خلال الإنتخاب). الشعب انتقى الرئيس ومجلس الشعب وليس الإله، وهما مساءلان أمام الشعب وليس أمام الإله. الدولة ليست مختزلة بالرئيس الملك، والدولة لا تخدم الإله وإنما الشعب. طبعاً هذا كفر بواح بالنسبة للسلفيين وكفر مبطن بالنسبة للإسلاميين عموماً. فالإسلاميون يفضلون سلطة الإله لكنهم يرضخون لسلطة الشعب بالإنتخاب والتمثيل. ويعتقدون أن التمثيل هو طريقهم لتميرير قانون الإله كقانون للدولة. الوسيلة اختلفت لكن الغاية نفسها. قانون الإله أعلى من قانون الناس الوضعي. العدالة الإلهية من خلال قانون الإله أفضل وأوجب من عدالة البشر (طبعاً هناك تناقض لأن البشر في الحالتين هم من يطبقون القانون والعدالة). الدولة الحديثة التي يسمونها الديمقراطية (لكني أعتقد أنها أعمق من مجرد انتخاب وتمثيل) أعلنت أنها في خدمة الناس وأنها مسؤولة أمامهم، وليست في خدمة الإله أو مسؤولة أمامه. | ||
+ | لكن أين الخطأ في هذا التفكير؟ أين الإثم العظيم الذي يتحدث عنه الديمقراطيون والليبراليون؟ أين الخطأ في أن يكون الإله في كل ما يفعله أعلى درجات وافضل مما يفعله البشر؟ ألسنا نطمح إلى حياة سعيدة يسودها التواؤم والعدل؟ أليس الإله أعلم العالمين بكيفية تحقيق ذلك؟ نعم، لكن. بعد آلاف من السنين من حكم الدولة القديمة طرحت الفلسفات السياسية الأوروبية المقولة التالية: الإله لا يحكم مباشرة وإنما عن طريق الكهنوت المتحدثين باسمه والقائمين على شعائره وبيوته وقانونه. في النهاية لا يحكم الإله وإنما البشر هو الحاكمون (حاكمية الإله تعني أنه القاضي في يوم الحساب، ولا تعني أنه رئيس الدولة، الحكم في القرآن هو ما يقوله القاضي وليس ما يقوله الرئيس، لكن الإسلاميين يخلطون بين القاضي الحاكم والسلطان الحاكم، ومن هنا وجب فصل السلطات). لا بل إن المماهاة بين حكم الإله وحكم ممثليه يجعل سلطتهم مطلقة ويحجبهم عن المساءلة. علمانية الدولة الحديثة لا تنفي وجود العدالة الإلهية ولكنها تنفي أن يستطيع البشر تمثيل هذه العدالة. وعندما يدعي البشر أنهم يمثلونها فإنهم يصبحون متسلطين أو مشاريع متسلطين. لا يوجد سلطان عادل وإنما يوجد سلطان يخضع للرقابة. لا يمكن الوثوق بشخص لا يخضع للرقابة وبشخص يجمع كل الشلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون هو المشرع والحاكم والجلاد.إنها السلطة المطلقة التي هي تسلط مطلق.لا يهم أن يكون الحاكم مؤمنا أو عادلاً، المهم أن يستخدم مؤسسات الدولة وأن يخضع للرقابة. إن الدولة الحديثة تشكك بعدالة البشر وليس بعدالة الإله. ليس هناك عمر بن الخطاب في الدولة الحديثة بل هناك عمر الذي يخضع للرقابة ولامتحان الإنتخاب. إنها دولة الخدمة وليست دولة تمثيل الإله على الأرض. ومن هنا جاء تشكيك العلمانية كفلسفة للدولة بكل صاحب سلطة يجمع في المجال العام (وليس في بيته فقط) بين منصبه وبين عبادته من أجل ان يُفهم الناس بأنه مدعوم إلهياً. الرئيس يصلي كأي مؤمن لكنه لا يصلي كرئيس ولا يصلي أمام عموم الناس ولا يصلي مع حاشيته وأمام الكاميرات (المنصب لا يصلي لأنه مجموعة وظائف وسلطات، الإنسان فقط يصلي). يمكن لأي صاحب سلطة أن يكون مؤمناً ويمكن أن يعمل مدفوعاً بإيمانه ويمكن أن يحاول تمرير القوانين التي تتوافق مع إيمانه، لكنه لا يستطيع أن يدعي أثناء ذلك أن يد الإله تعمل من خلال وإلا فإننا نعود تدريجياً إلى الدولة القديمة الملكية. | ||
+ | ثالثاً، في الدولة التي تحكم بلداً فيه عدة أديان، فإن الدولة الحديثة، دولة التمثيل والخدمة، تتعامل مع الجميع وتعاملهم بالمساواة وهذا يعني أنها لا تفرض اي دين ولا تفضل فئة على أخرى. الدولة مجرد مؤسسات تؤدي خدمات وليست أداة لفرض حكم الإله (باعتبار حكم الإله هو قانون الإله وحكم ممثلي الإله). فإذا كان الرئيس من أحد تلك الأديان واستخدم سلطته ومنصبه لإظهار دينه فإنه بذلك ينفي المساواة التي تقوم عليها الدولة الحديثة (طبعاً هذا كله كلام نظري، لكن هذه هي نظرية الدولة الحديثة). رئيس تركيا شرح بنفسه فهمه للعلمانية بأنها الدولة التي تحترم كل الأديان وتقدم المساعدة لكل الأديان ولا تفضل ديناً أو فئة مؤمنة على اخرى. هذا يعني عدم استغلال المنصب لإظهار الإسلام، أو على الاقل يجب أن يقابل اي فعل من هذا القبيل فعل آخر يقوم فيه مسؤول بنفس السلطات بإظهار كل دين آخر في البلد. قد يختار رئيس تركيا أن يحضر صلاة للمسيحيين في كنيسة يقودها كاهن مسيحي، أو أن يرسل احد نوابه المسيحيين (او العلويين أو البكتاشيين) ليصلوا في معابدهم وتحت عدسات الكاميرات. | ||
+ | العلمانية السياسية ليست ضد الدين، وليست ضد الإيمان الفردي، ولكنها ضد التفضيل وضد ادعاء تمثيل الإله أو التلميح إلى ذلك لأنه يولد التسلط والتعالي عن المراقبة والمساءلة. على الاقل فإن حضور الرئاسة إلى المسجد كمنصب في الدولة قد يؤدي إلى جذب الكثير من الناخبين المسلمين وبالتالي التاثير على الإنتخاب من باب الدين وليس من باب الكفاءة المهنية (مرة أخر، هذه هي النظرية). للأسف فكلما زادت ديكتاتورية أردوغان وتسلطه واستحواذه على السلطة زادت دعايته الدينية. المحزن بالأمر أن كثيراً من داعمي أردوغان السوريين لا يرون تسلطه وإنما فقط إسلامه وتدينه، أي انهم بالمقابل لا يرون في بشار الاسد استبداده وإنما علويته. | ||
+ | بغض النظر عن اعتراضنا على الصياغة التي طرح فيها موريس العايق نقده للثورات العربية في مصر وسوريا، فإن المشكلة التي لفت النظر إليها هي مشكلة حقيقية تتلخص في أن كثيراً من الثائرين والمعترضين على استبداد الاسد قد يقبلون بمستبد آخر شرط أن يكون من دينهم (وهذا ينطبق على المسلمين والمسيحيين والعلويين). وحتى المؤيدين للأسد يعون تماماً أنه مستبد لكن يقبلون به لأنه إما من دينهم أو لأنهم يعتقدون أنه سيحمي دينهم من تسلط حاكم مسلم سني. هذه هي صياغتي للمشكلة. يقول العايق أن الثقافة السياسية (ويرفض الحديث عن الأكثرية والاقلية) لشرائح واسعة من المجتمع تقبل المستبد شرط أن يكون على دينهم. لا أعرف إن كان هذا صحيحاً او ما نسبة صحته، لكن تعلق كثير من السوريين باردوغان والإخوان المسلمين من حوله يجعلني شبه متأكد بان هذه المشكلة موجودة وحقيقية. | ||
[[تصنيف:الإسلاموية]] | [[تصنيف:الإسلاموية]] |
المراجعة الحالية بتاريخ ٠٣:٥٢، ٣ ديسمبر ٢٠٢٤
26 نيسان 2018، تعليق على مقالة حد الردة
حد الردة في ضوء القرآن والسنة والمقاصد
الدولة للجميع، وتعريف الامة هو تعريف دستوري قائم على الحقوق والواجبات وليس تعريفا دينيا. ويجب ان يتوقف الفقهاء المسلمون عن التعدي على صلاحيات الدولة. فهي الوحيدة التي تقرر التجريم والبراءة والعقوبة.مهما كان صاحب المقالة منفتحا ومتسامحا في مناقشته للموضوع فان الاقرار بوجود ولو حالة خاصة وحيدة تسمح للفقهاء باطلاق حكم القتل على مواطن هو في النهاية تعد على صلاحيات الدولة ومساس بحقوق المواطن الدستورية. بعد كل هذه الارواح التي ازهقت باسم الدولة الاسلامية لايزال يخرج علينا فقيه ليعطي الفقهاء سلطة الاتهام ومحاورة واستجواب المتهم واطلاق الحكم وتنفيذه. متى سنفهم ان مثل هذا الفكر القروسطي هو الذي يقوض شرعية الدولة الحديثة ويغذي الناس بكراهية كل ما لا يدمغه الفقهاء بدمغة الاسلام. فاما ان تقيموا دولة اسلامية تعاقب الناس على افكارهم وتخلط بين الامة الوطنية والامة الاسلامية، واما ان تتوقفوا عن تقويض ركائز الدولة الحديثة التي تحترم مواطنيها وتعاملهم بالتساوي. ليس في الاسلام حد الردة، والاحاديث هذه كلها ملفقة وكفى اسقاط مفاهيم حديثة مثل الخيانة العظمى على مدينة في الصحراء يتوهمون انها دولة اسلامية كان يحكمها نبي. محمد كان قائدا بالتراضي والاجماع، ولم يكن رئيس دولة. ولا يمكن باي شكل من الاشكال قبول منطق ان حماية تلك الدولة الناشئة كان يبيح القتل لمجرد اننا نعتقد انها دولة نبي وان اي شيء مباح لدولة نبي.
26 تشرين الثاني 2018، الهوس بتاريخ علمنة الدين
Karim Mohamed
غالبًا ما يُنظر إلى تفاقم الاختلافات الدينيّة في ظلّ الحكم الكولونياليّ، وذلك في المعرفة المتعلّقة بالشّرق الأوسط، باعتبار ذلك دليلًا على سياسة فرق-تسدْ سيئة السمعة التي استغلّت الخصومات الطائفيّة والتصدّعات المِليّة المستحكَمة. وبينما لا يخلو هذا الرأيُ من الوجاهة، فإنّه يتغاضى عن الطّرق التي علمنت الدّولةُ الكولونياليّةُ بها الحياةَ الدينيّةَ الأصلانيّة (native) عن طريق تأسيس الانقسام القانونيّ بين العموميّ والخصوصيّ؛ إذ أُقصيَ الدينُ، مثله مثل العائلة والجنسانيّة، إلى الخصوصيّ، والسياسة إلى العموميّ. وكما سأوضّح في الفصل الثالث، يُعدّ قانون الأسرة المرتكز إلى الدين اختراعًا حديثًا لم يكن موجودًا في الحقبة قبل الحديثة؛ وهكذا، فإنّه تعبيرٌ فريدٌ من نوعه على الدمج العلمانيّ للدّين، والمنزليّة (domesticity)، والجنسانيّة. وبالتالي، لم يكن زعمُ الدّولة الكولونياليّة بأنّه يتحتّم على الدين أن يُفصَل عن السياسة تُرّهة أيديولوجيّة؛ لقد كان هذا الزّعم، على خلاف ذلك، خطوة لا مناصَ عنها في علْمنة الشّرق الأوسط. وفي بعض الأحيان، كما في حالة سوريّة، سارت هذه السيرورة حذو النّعل بالنّعل مع توسعة اعتراف الدّولة بالمجموعات الدينيّة؛ بينما في أحيانٍ أخرى، كما في حالة لبنان، فإنّها سارت جنبًا إلى جنب مع تخطيط الهويّة الدينيّة على الفوارق الاجتماعيّة (المناطقيّة، والاقتصاديّة، والقَبَليّة)، من حيث تغليفها بمعنى جديد. فالنّموج الاجتماعيّ المشترك للعلمانويّة الذي تبنّته الدّولة اللبنانيّة في نهاية المطاف خلقَ خليطًا من الجماعات الدينيّة المضادّة الموحّدةٌ بحكم موقعها ضمن أرضٍ محدودة، لكنّها ممزّقة بحكم استقلاليتّها على شرائج من السّلطة السوسيوسياسيّة. وقد كانت السياسة الفرنسيّة في دولة الاستعمار الاستيطانيّ في الجزائر مختلفة إلى حدّ بعيد في أنّ المحاكم الإسلاميّة لم تكن لها هذا الضّرب من ضروب الاستقلاليّة الذي كان للطوائف الدينيّة في لبنان وسوريّة؛ إذ على النّقيض من ذلك، أُخضعَت الشريعة الإسلاميّة إلى النّظام القضائيّ الفرنسيّ. ومن ثمّ، ليست هذه التدابير المتفاوتة للحكم الكولونياليّ والإلزاميّ مثالًا على سياسة فرّق-تسدْ للفرنسيين والبريطانيين فحسب، وإنّما أيضًا على الحركة الثنائيّة المتأصّلة في العلمانويّة السياسيّة: الإبعاد المُتزامن للدّين إلى المجال الخصوصيّ وتضخيم الاختلافات الدينيّة. وقد اتّبعت علمنة الحياة الدينيّة المصريّة مسارًا آخر، على النّقيض من بلاد الشّام، وهو المسار الذي أتتبّعه في الفصل الثاني. إذ في ظلّ الحكم البريطانيّ الكولونياليّ، لم تواجه مصر انتشار الأقليّات الدينيّة (كما في سوريّة) أو بلْقنة (Balkanization) الاختلافات الدينيّة (كما في لبنان). فمصر مختلفة في أنّها كان لديها دائمًا عدد سكّان مسلمين سنّة كبير وأقليّة عدديّة مسيحيّة قبطيّة معتبرة. وكانت مصر، في مطلع القرن العشرين، أكثر تنوّعًا من الناحيّة الدينيّة ممّا هي عليه اليوم واشتملت على مجموعة من الجماعات الصغيرة لكن المهمّة سياسيًّا لليهود ناهيك عن الجماعات الأرمينيّة، واليونانيّة، والمسيحيّة السوريّة. وقد استاءَ المسيحيّون الأرثوذكسيون الأقباط من السياسة البريطانيّة في محاباة المسيحيين الأرمنيين والسّوريين، الذين كانوا يُعتبرون كدُخلاء، وهو الأمر الذي يشير إلى أنّه بحلول العشرينيّات كان هناك إحساس قويّ كما لو كانت الأقليّة "من الأمّة" حقًّا. واعتُبِرَ اليهودُ كأقليّة محليّة، وكانوا جزءًا من النخبة الاقتصاديّة، ولاعبًا رئيسًا في صياغة الدستور المصريّ الأوّل عام ١٩٢٣. وكان أنْ تعرّض اليهود المصريين للهجوم وبدأوا في النّزوح مع قيام دولة إسرائيل في فلسطين. وكما سيوضّح الفصل الثاني، فقد تردّد المسيحيّون الأرثوذكسيون الأقباط تاريخيًّا بشأن اعتناق تسمية "الأقليّة القوميّة" جزئيًّا بسبب أنّه يضعهم، على الرّغم من أنّه يمنحهم مكانة خاصّة، بمعزلٍ عن هويّة الأمّة. ولا تزال الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة تتجنب المصطلح رسميًّا حتى يومنا هذا، حيث تُفضّل تسمية "أهل الكتاب" لأنّها تسمح لهم، باعتبارهم طائفة مُعترفًا بها من قبل الدّولة، بالسيطرة على الاستقلاليّة القضائيّة على قانون الأسرة القبطيّ والموارد الكنسيّة. وإنّه من الشائع تمثيل الصّراعات البين دينيّة في الشّرق الأوسط كنتاجٍ لفشل المشروع العلمانيّ في أن يترسّخ في المنطقة أو كنتاج للتعصُّب الإسلاميّ حيال المعتقدات الأخرى. ولكن كما هو بيّن من التاريخ الذي قدّمته في هذا الفصل، تنتمي الجذورُ الحديثة للصّراع الدينيّ إلى تاريخ العلمنة كما إلى إرث الحكم الإسلاميّ مناصفةً. وإنّ كثيرًا من التحوّلات التي أصِفها أعلاه تُقدّم باعتبارها "تاريخًا محليًّا" ونادرًا ما تُقدّم الأرضيّة للتفكّر النّظريّ فيما يخصّ طبيعة العلمانيّ. إذ يُخفي مصطلحا العالميّ والمحلّيّ تفاوت علاقات القوّة بين أوروبّا-أمريكا والشّرق الأوسط، من حيث إنّ مصطلح "العالميّ" (الكونيّ والمترابط نظريًّا) ينافح عن المحليّ، ومصطلح "المحليّ" (الخاصّ وغير المترابط نظريًّا) ينافح عن العالميّ. ويتمثّل التحدّي في أن نفكّر في الفجوة التي تتفتّح بين الكونيّة والخصوصيّة، وذلك لإجبار أنفسنا أن نعيد التفكير في عالَميّة (globality) السّلطة العلمانيّة الحديثة من خلال سيْرها اللا غربيّ. صبا محمود، الاختلاف الدينيّ في عصر علمانيّ، الفصل الأول، من ترجمتي.
Ahmad Nazir Atassi
لا افهم الهوس بتاريخ علمنة الدين، هذا اذا اعتبرنا ان مثل هذا المفهوم موجود اصلا. الاسلامويون يصرون على الفصل بين زمن ذهبي كان الدين يتطابق فيه مع الحياة والدولة، حسب اعتقادهم، وزمن انحطاط ترافق مع فصل الدين عن الدولة. واعتقد ان النقطة الفاصلة بين الزمنين يضعونها في القرن التاسع عشر. الشريعة الاسلامية لم تكن في اي زمن ذلك القانون العام الذي يغطي كل شيء حتى في عهد المماليك. السلطنة العثمانية كان فيها ومنذ البداية محاكم شرعية ومحاكم عسكرية ومحاكم تجارية لرعايا الدول الاجنبية. وكانت تخضع لشيئين الشريعة وما كانوا يسمونه بالقانون الذي كانت تخضع له المعاملات التجارية، اما الدولة فلم تخضع ابدا للمحاكم الشرعية وشيخ الاسلام لم يكن ذلك القضاء المستقل ولا المحكمة الدستورية العليا. اختصاص المحاكم الشرعية بالاسرة جاء بشكل طبيعي. قنونة الشريعة اي تحويلها الى نصوص معيارية يمكن العمل بها لم يكن مشروعا كولونياليا بل مشروعا عثمانيا وكان هناك في مصر ما يقابله. وهذا ما طالب به المصلحون الدينيون في ذلك الزمن على حد علمي. هذا الفصل بين العام والخاص اختراع نظري غربي لا افهمه ولا اعتقد انه صحيح. ويمكنني ان احاجح بان الدين كان دائما معلمنا لان الكهنوت كان دائما الكهنوت والعامة كانت دائما العامة والملك كان دائما الملك ومنفصلا عن الكهنوت. الفصل في الغرب كان بين الكهنوت والدولة وليس بين الدين كفكر والدولة. هذا الفهم الفرنسي للعلمانية غير صحيح حتى في فرنسا نفسها. لا يمكن فصل الدين كفكر عن اي شيء، وكل ما يمكن فعله هو فصل الكهنوت عن السياسة وهذا لعمري قرار حصيف اتخذه كل ملك اعرفه فيهالتاريخ. ما قامت به الكولونيالية ليس علمنة الدين وانما ربط الدين بالسكان المحليين وبالتالي تجريدهم من العقلانية. الدين لم يحكم في اي عصر من العصور ولا حتى في الخلافة الاسلامية المتخيلة. هذا رايي
3 نيسان 2019، رئيس الدولة في موقع الكهنوت
ماذا يعني أن يكون رئيس الدولة في موقع الكهنوت. سيعترض كثيرون جداً ومن وجهات نظر مختلفة:
أولاً، الإسلام ليس فيه كهنوت. لكن هذا مردود عليه. لا يجب أن يكون الكهنوت مؤسسة تراتبية ومغلقة مثل الكنيسة. الكهنوت هو مجموعة المتخصصين الذين يفسرون كلام الإله ويقودون الناس في الشعائر. إمام الصلاة كهنوت لمدة الصلاة، المفتي كهنوت عندما يؤدي الفتوى، الشيح كهنوت عندما يعطي الدرس. الكهنوت في نقاشنا هو ليس احتكار الحديث باسم الله وإنما يمكن تبسيطه إلى منزلة تفسير كلام الله والدفاع عن تفاسير معينة. الكهنوت هو من يصنع الكتب المقدسة ويدافع عنها، وهو من يحمي الدين ضد الهرطقة، وهو من يامر بالمعروف وينهى عن المنكر باسم الدين ورسالة الدين. لا أعطى معنى سيئاً للكهنوت، فكل تلك الوظائف يعرفها المسلمون ويؤمنون بها. أنا فقط أضع تعريفاً لمصطلح دون إطلاق حكم قيمي. باستخدام هذا التعريف، كل الأديان عندها كهنوت بما فيها الإسلام. وفي الدول المسلمة أو الإسلامية التي فيها مفتي عام وقاضي شرعي عام ووزارة لتعليم الشريعة وتعيين الأئمة والمفتين والمدرسين، فإن الكهنوت يتطابق مع هذه المؤسسة التي هي مؤسسة للدولة. ومن هذا المنطلق فإن دولة مثل سورية ليست علمانية لأن فيها وزارة شؤون دينية وأوقاف ومفتي عام وقاضي شرعي والدولة هي التي تدير المساجد والأوقاف التي تمول هذه المساجد. هذا عدا عن الكهنوت المستقل الذي يمثله مشايخ الأحياء ومنظمات العلماء (اي المرجعيات العليا). ثانياً، رئيس الدولة في حالة الفيديو مسلم وهو يؤدي فرائض دينه كأي شخص عادي. هنا مكمن النقاش. الصلاة متلفزة والتلفزيون ملك الدولة. الرئيس يحضر الصلاة مع حاشيته. الرئيس جاء إلى الجامع كرئيس بالإضافة إلى كونه مؤمناً عادياً. هنا يحصل الخلط. لكن هل يفرض الرئيس هنا دينه على اللآخرين؟ هل يضطهدهم؟ هل يقطع رؤوسهم لأنهم ليسوا على دينه؟ لا، إنه لا يفعل شيئاً من هذا ولا أعتقد أنه سيفعل. لكن حضور الرئاسة إلى الجامع يعني التلميح إلى الحماية الإلهية للرئاسة، إدعاء هذه الحماية أو طلبها. نعم رئيس الدولة كشخص يخضع للعدالة الإلهية ككل الناس، وصلاته العلنية لا تعني الإضطهاد باسم الدين. لكن الرئيس هنا، وفي إعلانه العام الخضوع للعدالة الإلهية، يرفع نفسه فوق بقية الناس باعتباره القائد الذي اختاره الإله ليحكم ويحقق العدالة. مجرد حضور الرئاسة إلى الصلاة بشكل علني يعني أن الرئاسة مدعومة إلهياً. وما الضير في أن يدعم الإله من يختاره ليحكم الناس إذا كان عادلاً؟ هذا بالتحديد هو السؤال القديم الذي أجابت عليه الدولة الحديثة بشكل مختلف عن الدولة القروسطية. الدولة القروسيطة الملكية زعمت أن الملك موجود لأن الإله اختاره ليحكم وبالتالي فإن الملك غير مسؤول أمام الناس وإنما أمام الإله فقط. الملك هو خليفة الله على الأرض لأنه يطبق قانون الله. الملك يحمي الدين ويطبق الشريعة ويحاكم الكافرين كأعداء للدولة، أو هو يدعي أن أعداءه وأعداء الدولة كفار ليتخلص منهم. الدولة القديمة لا تعني حكم الكهنوت (وحتى في الإسلام الخليفة ليس مفتياً أو قاضياً او عالماً او حتى إمام كل صلاة)، وإنما تعني أن الإله يدعم الملك من خلال الكهنوت ويختاره ليحكم باسمه. فهو عندما يطبق القانون فإنه يطبق قانون الإله وعندما يخرج للحرب فإنه يجاهد في سبيل الإله، وعندما يقضي على أعدائه فإنه يقضي على أعداء الإله. إنها الشرعية التي تأتي من فوق وليس من الناس أو الشعب. الدولة الحديثة نفت أن يكون الإله وراءها واعتبرت الشعب أعلى سلطة وخضعت لها من خلال خضوعها لممثلي الشعب المنتخبين. قد لا أؤمن بالتمثيل والإنتخاب وسلطة الشعب. لكن هذه هي النظرية. الشعب مصدر القانون (من خلال مجلس الشعب) ومصدر الشرعية (من خلال الإنتخاب). الشعب انتقى الرئيس ومجلس الشعب وليس الإله، وهما مساءلان أمام الشعب وليس أمام الإله. الدولة ليست مختزلة بالرئيس الملك، والدولة لا تخدم الإله وإنما الشعب. طبعاً هذا كفر بواح بالنسبة للسلفيين وكفر مبطن بالنسبة للإسلاميين عموماً. فالإسلاميون يفضلون سلطة الإله لكنهم يرضخون لسلطة الشعب بالإنتخاب والتمثيل. ويعتقدون أن التمثيل هو طريقهم لتميرير قانون الإله كقانون للدولة. الوسيلة اختلفت لكن الغاية نفسها. قانون الإله أعلى من قانون الناس الوضعي. العدالة الإلهية من خلال قانون الإله أفضل وأوجب من عدالة البشر (طبعاً هناك تناقض لأن البشر في الحالتين هم من يطبقون القانون والعدالة). الدولة الحديثة التي يسمونها الديمقراطية (لكني أعتقد أنها أعمق من مجرد انتخاب وتمثيل) أعلنت أنها في خدمة الناس وأنها مسؤولة أمامهم، وليست في خدمة الإله أو مسؤولة أمامه. لكن أين الخطأ في هذا التفكير؟ أين الإثم العظيم الذي يتحدث عنه الديمقراطيون والليبراليون؟ أين الخطأ في أن يكون الإله في كل ما يفعله أعلى درجات وافضل مما يفعله البشر؟ ألسنا نطمح إلى حياة سعيدة يسودها التواؤم والعدل؟ أليس الإله أعلم العالمين بكيفية تحقيق ذلك؟ نعم، لكن. بعد آلاف من السنين من حكم الدولة القديمة طرحت الفلسفات السياسية الأوروبية المقولة التالية: الإله لا يحكم مباشرة وإنما عن طريق الكهنوت المتحدثين باسمه والقائمين على شعائره وبيوته وقانونه. في النهاية لا يحكم الإله وإنما البشر هو الحاكمون (حاكمية الإله تعني أنه القاضي في يوم الحساب، ولا تعني أنه رئيس الدولة، الحكم في القرآن هو ما يقوله القاضي وليس ما يقوله الرئيس، لكن الإسلاميين يخلطون بين القاضي الحاكم والسلطان الحاكم، ومن هنا وجب فصل السلطات). لا بل إن المماهاة بين حكم الإله وحكم ممثليه يجعل سلطتهم مطلقة ويحجبهم عن المساءلة. علمانية الدولة الحديثة لا تنفي وجود العدالة الإلهية ولكنها تنفي أن يستطيع البشر تمثيل هذه العدالة. وعندما يدعي البشر أنهم يمثلونها فإنهم يصبحون متسلطين أو مشاريع متسلطين. لا يوجد سلطان عادل وإنما يوجد سلطان يخضع للرقابة. لا يمكن الوثوق بشخص لا يخضع للرقابة وبشخص يجمع كل الشلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون هو المشرع والحاكم والجلاد.إنها السلطة المطلقة التي هي تسلط مطلق.لا يهم أن يكون الحاكم مؤمنا أو عادلاً، المهم أن يستخدم مؤسسات الدولة وأن يخضع للرقابة. إن الدولة الحديثة تشكك بعدالة البشر وليس بعدالة الإله. ليس هناك عمر بن الخطاب في الدولة الحديثة بل هناك عمر الذي يخضع للرقابة ولامتحان الإنتخاب. إنها دولة الخدمة وليست دولة تمثيل الإله على الأرض. ومن هنا جاء تشكيك العلمانية كفلسفة للدولة بكل صاحب سلطة يجمع في المجال العام (وليس في بيته فقط) بين منصبه وبين عبادته من أجل ان يُفهم الناس بأنه مدعوم إلهياً. الرئيس يصلي كأي مؤمن لكنه لا يصلي كرئيس ولا يصلي أمام عموم الناس ولا يصلي مع حاشيته وأمام الكاميرات (المنصب لا يصلي لأنه مجموعة وظائف وسلطات، الإنسان فقط يصلي). يمكن لأي صاحب سلطة أن يكون مؤمناً ويمكن أن يعمل مدفوعاً بإيمانه ويمكن أن يحاول تمرير القوانين التي تتوافق مع إيمانه، لكنه لا يستطيع أن يدعي أثناء ذلك أن يد الإله تعمل من خلال وإلا فإننا نعود تدريجياً إلى الدولة القديمة الملكية. ثالثاً، في الدولة التي تحكم بلداً فيه عدة أديان، فإن الدولة الحديثة، دولة التمثيل والخدمة، تتعامل مع الجميع وتعاملهم بالمساواة وهذا يعني أنها لا تفرض اي دين ولا تفضل فئة على أخرى. الدولة مجرد مؤسسات تؤدي خدمات وليست أداة لفرض حكم الإله (باعتبار حكم الإله هو قانون الإله وحكم ممثلي الإله). فإذا كان الرئيس من أحد تلك الأديان واستخدم سلطته ومنصبه لإظهار دينه فإنه بذلك ينفي المساواة التي تقوم عليها الدولة الحديثة (طبعاً هذا كله كلام نظري، لكن هذه هي نظرية الدولة الحديثة). رئيس تركيا شرح بنفسه فهمه للعلمانية بأنها الدولة التي تحترم كل الأديان وتقدم المساعدة لكل الأديان ولا تفضل ديناً أو فئة مؤمنة على اخرى. هذا يعني عدم استغلال المنصب لإظهار الإسلام، أو على الاقل يجب أن يقابل اي فعل من هذا القبيل فعل آخر يقوم فيه مسؤول بنفس السلطات بإظهار كل دين آخر في البلد. قد يختار رئيس تركيا أن يحضر صلاة للمسيحيين في كنيسة يقودها كاهن مسيحي، أو أن يرسل احد نوابه المسيحيين (او العلويين أو البكتاشيين) ليصلوا في معابدهم وتحت عدسات الكاميرات. العلمانية السياسية ليست ضد الدين، وليست ضد الإيمان الفردي، ولكنها ضد التفضيل وضد ادعاء تمثيل الإله أو التلميح إلى ذلك لأنه يولد التسلط والتعالي عن المراقبة والمساءلة. على الاقل فإن حضور الرئاسة إلى المسجد كمنصب في الدولة قد يؤدي إلى جذب الكثير من الناخبين المسلمين وبالتالي التاثير على الإنتخاب من باب الدين وليس من باب الكفاءة المهنية (مرة أخر، هذه هي النظرية). للأسف فكلما زادت ديكتاتورية أردوغان وتسلطه واستحواذه على السلطة زادت دعايته الدينية. المحزن بالأمر أن كثيراً من داعمي أردوغان السوريين لا يرون تسلطه وإنما فقط إسلامه وتدينه، أي انهم بالمقابل لا يرون في بشار الاسد استبداده وإنما علويته. بغض النظر عن اعتراضنا على الصياغة التي طرح فيها موريس العايق نقده للثورات العربية في مصر وسوريا، فإن المشكلة التي لفت النظر إليها هي مشكلة حقيقية تتلخص في أن كثيراً من الثائرين والمعترضين على استبداد الاسد قد يقبلون بمستبد آخر شرط أن يكون من دينهم (وهذا ينطبق على المسلمين والمسيحيين والعلويين). وحتى المؤيدين للأسد يعون تماماً أنه مستبد لكن يقبلون به لأنه إما من دينهم أو لأنهم يعتقدون أنه سيحمي دينهم من تسلط حاكم مسلم سني. هذه هي صياغتي للمشكلة. يقول العايق أن الثقافة السياسية (ويرفض الحديث عن الأكثرية والاقلية) لشرائح واسعة من المجتمع تقبل المستبد شرط أن يكون على دينهم. لا أعرف إن كان هذا صحيحاً او ما نسبة صحته، لكن تعلق كثير من السوريين باردوغان والإخوان المسلمين من حوله يجعلني شبه متأكد بان هذه المشكلة موجودة وحقيقية.