«فلسفة»: الفرق بين المراجعتين

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث
(18 أيلول 2018، في فلسفة الثقافة عند الذكر)
سطر ٣٢: سطر ٣٢:
 
'''مراد بنيس'''
 
'''مراد بنيس'''
 
أعتقد الثقافة السائدة في المنطقة التي نشأت فيها لا تساعد على إعطاء الإنسان الصدارة، لذلك فإن مختلف مراحل التعليم لا تفعل سوى ترسيخ ما هو موجود أصلا. أما الانعتاق من تلك النظرة التي تجعل الإنسان وسيلة وليس غاية فقد جاء -يا للغرابة- إثر عودتي لبلدي بعد سنين من الغربة (ربما لأنني أخذت أفتقد قيما بديهية في الغرب وغائبة عندنا)
 
أعتقد الثقافة السائدة في المنطقة التي نشأت فيها لا تساعد على إعطاء الإنسان الصدارة، لذلك فإن مختلف مراحل التعليم لا تفعل سوى ترسيخ ما هو موجود أصلا. أما الانعتاق من تلك النظرة التي تجعل الإنسان وسيلة وليس غاية فقد جاء -يا للغرابة- إثر عودتي لبلدي بعد سنين من الغربة (ربما لأنني أخذت أفتقد قيما بديهية في الغرب وغائبة عندنا)
 
=18 أيلول 2018، في فلسفة الثقافة عند الذكر=
 
 
يقول جاك بريل، وهو بلجيكي، في احدى اغانيه ان الفلاميش، او البلجيكيين المتكلمين بلغة الهولنديين، يولدون ليكبروا ويصبح عمرهم عشرين سنة، وانهم يصلون العشرين ليتزوجوا ويجيبوا اولاد، يعني حياة الاباء والاجداد التقليدية. اعتقد ان هذه الاغنية توجهنا الى طريقة لادخال ما يسمى بالثقافة وما اسميه بالعقلية، في التحليل السوسيولوجي. مثلا الذكر السوري من مدينة صغيرة يحلم بان يكبر ليصبح ماذا؟ هل الخيارات واسعة ام ضيقة، مهنية ام اجتماعية، فكرية ام عملية؟ هل يستبق الايام ليصبح زوجا ام سوسيولوجيا، دكتورا ام غواصا، فيلسوفا ام تاجرا، اكاديميا ام شيخ دين؟ اعتقد ان الجواب فيه تفسيرات محتملة لنشوء فئة ما نسميه المثقفين. في الغرب في القرن التاسع عشر كان هناك مثقفون، اليوم هم متعلمون فقط، في فرنسا لا يزال بعض الفلاسفة يظهرون في الميديا بينما في امريكا هم مقبورون في مكاتبهم في الجامعات. اما في سوريا مثلا فهناك كثيرون من الذكور خاصة يحبون ان يطلق عليهم لقب مثقف. وكثيرا ما يتجه اليهم الناس لطلب مساعدتهم في حل المعضلات الجمعية السياسية غالبا. انا مثلا في امريكا مؤرخ اينما ذهبت لكني في سوريا واحد من مليون مثقف، خاصة في المقهى، الى ان ادخل الى الحرم الجامعي والافضل ان يكون عندي محاضرة لالقيها هناك. وحتى بعد المحاضرة قد اتعرض لشتائم او ادخل في نقاشات عقيمة مع احد المثقفين من الحضور. ثم يقول احدهم اذا فاضت الحال به، وين المثقفين ليشرحوا لنا شو عم يصير بسوريا ويطلعونا من هالازمة. وقد يطالب من يسميهم بالسياسيين المخضرمين مثل ميشيل كيلو ليخرجوهم من المازق. يعني هناك خلط بين الهواية والاختصاص. ولطالما اعتبرت هذه المسالة جديرة بتفسير سوسيولوجي.
 
وبما ان الفيسبوك هو مقهى عالمي واسع، لكن دون نافورة الروضة، فاني سادلي بدلوي وانتظر الردود التي ساتعامل معها دون تعالي المختص في برجه العاجي ولكن برحابة صدر المثفف الذي يغار منك ويشوف حاله عليك ويحب ان يفحمك ويمسح فيك الطاولة بالحجة الدامغة والخطابة وبعض الكلمات التي تنتهي ب ية او نية او وية او لوجيا مثل ديمقراطية او طهرانية او اسلاموية او ابستيمولوجيا.
 
نظريتي في شرح ظهور فئة المثقفين، وهم ليسوا طبقة، مستوحاة من اغنية جاك بريل بعد اسقاطها على الذكور السوريين من بعض الاوساط المدينية والريفية. فاذا كان الذكر البلجيكي في الستينات، ايام بريل، كان يولد ليكبر ويكبر ليتزوج ويتزوج لينجب اولادا فان الذكر السوري المشار اليه اعلاه لا زال يولد ليكبر ويكبر ليتزوج ويتزوج لينجب وينجب ليصير صاحب عيلة وجاهة ومكانة اجتماعية لا يتمتع بها في هذا المجتمع الا الذكور. هذا الكلام بحاجة الى تفسير
 
الذكر يولد ليكبر وليس ليتمتع بطفولته، هناك اقصاء فظيع للاطفال والاولاد يجعلهم مجرد ملحقات هائجة دون عقل تحتاج الى ترويض وتاديب. التقدم في السن حلم ما ان يبدا بالتحقق حتى يتقمصه الذكر وكانه كنز قارون او طاقية الاخفا او سراج علي بابا.
 
ثم الذكر يكبر ليصبح رجلا، اي حمش وكلمته ما بتصير تنتين ولا يتنازل ابدا عن رايه ويطلب الاحترام حتى عندما لا يستحقه وياخذ الدنيا غلابا ويحافظ على كرامته وشرفه كالممسوس الاعمى رغم انه لا يوجد تعريف واضح للمصطلحين الا في حالة الصفعة على الوجه للاولى والمس بالنساء للثانية.
 
ومن اجل ان يصبح رجلا فانه يبحث لنفسه عن انثى ويكمل نصف دينه وينجب منها ذكورا اولا واحيانا بعض الاناث. ونلاحظ انعدام ذكر الحب وان الذكر هو الذي ينجب بالاستعانة بحرف جر، يعني المراة مجرد حامل مجرور للطفل.
 
وعندما يصبح الذكر رجلا وصاحب شرف يبحث لنفسه عن وجاهة. وتاتي الوحاهة اما من المال او النسب او المعرفة. انها وصفة موجودة عند كل الشعوب القديمة وخاصة الشرقية. المال والنسب متلازمان، الا عندما تتاح فرص للصعود الاجتماعي السريع فان المال اسهل من النسب ويجبه. لكن الفرصة المتاحة دائما وللجميع دون الحاجة الى مال ونسب هي المعرفة. وهي وسيلة منافسة شريفة اي انها تعطيك بقدر ما تعطيها من جهد. حتى القرن العشرين كانت المعرفة الوحيدة المتاحة هي المعرفة الدينية. يعني اذا كنت ذكي وشغيل بهداك الزمان كنت تدخل مشيخة مثلما تدخل الطب اليوم. وللاسف في كثير من المجتمعات السورية والعربية لا تزال المعرفة الدينية هي المتاحة والمفضلة.
 
مرت مرحلة قصيرة في الاربعينات الى السبعينات كان فيها التعليم الجامعي الحديث مفضلا على التعليم المشيخي، لكن يبدو وبعون الله ومشايخ الصحوة ان التعليم الديني عاد الى سابق موقعه حتى ان الدكتور والمهندس لا يحس ان الجاهة المعرفية تكتمل دون المعرفة الدينية. ولذلك اقول لمن لا يزال يظن ان اسلمة الثورة السورية كانت مؤامرة قطرية تركية، لقد كانت هذه المؤامرة سهلة للغاية بسبب المجهود الضخم لمشايخ عصر الاسد من امثال الرفاعيين والنابلسي وغيرهم. ولذلك اقول بان الفرق بين الثورات العربية وثورات القرن التاسع عشر الاوروبية قد يكون، على غير ما قاله ماركس عن اختلاف نمط الانتاج، هو ان الطبقة الوسطى العربية كان لها عصران ذهبيان الاول في الاربعينات والخمسينات وكانت فيه صغيرة ومتعلمة ومكتفية بمعاش الوظيفة الحكومية الجديدة، والثاني في التسعينات ومطلع الالفية وكانت فيه ضخمة العدد ومتعلمة تقنيا لكنها تبحث عن عمل او تغترب في الخليج. في العصر الاول جذبتها الايديولوجيا القومية وفي العصر الثاني جذبتها الايديولوجيا الاسلاموية. ولذلك فان اسلمة اية ثورة الان امر شبه مفروغ منه بالنسبة لي، وذلك بقوة العدد. المشكلة في الاسلمة انها لم تكن في يوم من الايام مصممة لتكون ايديولوجيا اقتصادية او سياسية ليبرالية او سياسية اشتراكية او حتى اجتماعية.
 
بعد الاستطراد المحمود يجب العودة الى الموضوع. اذن الذكر الذي يبحث عن الجاهة اذا لم يتوفر النسب او المال او بالاضافة اليهما سيجدها في المعرفة او ادعاء المعرفة. فاذا كانت معرفته من الكتب الحديثة والجامعة اصبح مثقفا واذا كانت معرفته دينية اصبح شيخا. وعند المحظوظين من بعض الاطباء والمهندسين ستجد الاثنتين، وهؤلاء كان لهم دور ظاهر، ولا اقول مميز، على منابر الثورة السورية الى درجة تثير المشاعر غير الحميدة من طرف مدعي الاختصاص من امثالي لكني والحمد لله اكتفي بالمقبرة الاكاديمية الامريكية لارضاء غروري.
 
بكلمات اخرى ان بروز المثقفين هو دلالة على ضعف او انعدام الاختصاص وكذلك هو دلالة على ازمة ذكورية في ثقافة تمر بمرحلة انتقالية فقد فيها الذكر كثيرا من علامات رجولته او ذكورته المعتادة والتقليدية دون ان يستطيع ايجاد بدائل لها، ونلوم هنا الديكتاتورية حتى لا نقع في مطب لوم الثقافة مع اني قلت عقلية وليس ثقافة او عقل. المثقفون هم مشايخ العلمانية، والمثقف الشيخ اعلى مرتبة لانه يستطيع ادعاء المعارف العلمانية والدينية بينما لا يستطيع المثقف العلماني الا ادعاء المعارف العلمانية وشتم المعارف الدينية وحفظ كل ما هو محرج وكاريكاتوري من المعارف التراثية التي استحوذ عليها الدين لمجرد ان مستشرق فرنسي او الماني غبي سماها التراث الاسلامي والتاريخ الاسلامي في القرن التاسع عشر فذهبت مثلا.
 
الخلاصة، المثقف وسم اجتماعي يقوم على المعرفة او ادعاء المعرفة بغرض الحصول على الجاهة الملازمة للذكورة الناجحة. ولا يعني هذا انعدام المعرفة عند صاحب الادعاء، وانما وجود استخدام اجتماعي للمعرفة بعيد عن الموضوعية او العقلانية التي يحب المثقفون والاكاديميون ان يتسموا بها فهي مصدر شرعية ما يقولون. انا مثلا مثل اي شيخ له لحية شائبة نورانية وعباء وعمامة عندي طقم قديم اكاديمي وكتعة اكاديمية وتواضع اكاديمي هي جزء من صورة الاكاديمي عند الناس ولا احد سيسمع كلامي دونها. والله اعلم
 
 
 
'''مراد بنيس'''
 
وربما ساهمت برامج "صراع الديكة" مثل "الاتجاه المعاكس" التي ظهرت مع تعميم الفضائيات منذ التسعينات في تقوية نموذج "المثقف المقاتل" الذي يجمع بين وجاهة الثقافة وفحولة الذكر المقاتل الذي يجوب شوارعنا ويشتبك مع غيره لممارسة هويته كذكر، "المثقف المقاتل" قد يمارس غَلَبتَه رمزيا بإخراس وإفحام خصمه على الهواء أمام ملأ المشاهدين، وقد يمر إلى مستوى القتال الجسدي بأن يضرب محاوره بالكرسي أو يقذفه بكأس الماء بعد شتمه وسب بلده أو طائفته.
 
هذا الجمع بين "الفحولة" الفكرية واللسانية والجسدية عند مثقف عصر "الاتجاه المعاكس" جعل من ذلك النموذج حلما لملايين ذكور الطبقات الوسطى الذين نشؤوا في التسعينات والألفين وفرّخوا جيلا "ناضجا" يملأ الفضائيات الثورية والصفحات الفيسبوكية
 
 
 
'''Ahmad Nazir Atassi'''
 
مراد بنيس يا عزيزي مراد انت الوحيد اللي فاهمني. ما خطر لي هذا المثال العجيب فانا عشت تلك الفترة في الغرب ولا اعرف الاطوار الجديدة التي دخلت فيها ظاهرة المثقف.
 
هل عندك نظرية ثاقبة لتغلغل وانتشار ودوام هذه الظاهرة الغريبة في بلادنا. وابوح لك بما لم يعد سرا، اهلنا في المغرب لا تقوموا بثورة لسببين الاول هو ان الاسلمة مفروغ منها والثاني هو ان فئة المثقفين كما وصفناها ستعض عليها وتقضمها وتلوكها وتمضغها الى ان تحولها هباءا منثورا. لكني انصحكم يا اخوتي، كما يقول رسول جبران، اهتموا بالتعليم وماسسة الدولة وتطوير التكنوقراطية والمطالبة بالضرائب والخدمات واتركوا مطالب المشاركة في الحكم لبعض الزمن حتى تصبح عندكم كفاءات لبناء دولة حديثة والا انتهيتم بتجار صغار يبنون امارة سلفية على منهاج النبوة مؤسساتها الوحيده هي المحكمة الشرعية وجيش الجهاد وسوط الحسبة وخلافة من استظرفه الله ليسلطه عليكم يا ايها المذنبون
 
  
 
=22 تشرين الثاني 2018، سؤال "لماذا؟"=
 
=22 تشرين الثاني 2018، سؤال "لماذا؟"=

مراجعة ٠٧:٣٧، ٢ ديسمبر ٢٠٢٤

21 آذار 2018، في فلسفة الوجود

في فلسفتي، هناك نوعان من الوجود، الوجود الكائن والوجود الواعي. الاول لا اعرف من اين اتى ولا يجب ان يهمني ولا اعرف الغرض من وجوده ولا هو كذلك يعرف، والثاني هو الوجود الانساني المدرك لانسانيته والذي يعرف تماما من اين اتى ولماذا هو موجود. انه اتى من العقل المتعلم والروح الشاعرة، وهو يعرف انه موجود ليتعلم ويدرك ما حوله ويدرك ذاته، ثم هو موجود ليشعر ويتسع شعوره. الاول يشمل الكون والطبيعة والنبات والحيوان والجسد البشري. انه وجود مستمر وممتد اي مادي، ولا يمكن ان لا يوجد، او كما كانوا يقولون موجود لذاته وبذاته. اما الثاني فيشمل الوعي البشري والاحساس ولا اسميه الروح لان الروح بالاعتقاد الديني هي من نمط الوجود الاول، وهو وجود مؤقت ومتقطع، ويمكن ان لا يوجد. في الحقيقة، انه وجود مشروط بالانسان وبالعقل ولا يوجد خارجهما، يحيا ويوجد بحياة الانسان، الفرد والجماعة والنوع، ويموت بموته. انه عالم لا متناه، متنوع، دائم الخلق، دائم التوسع. الوجود الاول مكون من عدد محدود من العناصر، اما الثاني فلا نهاية لعدد عناصره، هذا ان كان فيه عناصر. لا اعتقد ان الوجود الاول معجزة فهو محكوم بقوانين صارمة لا تتغير، اما الوجود الثاني فلا مثيل له فهو دائما متجدد ولا تحكمه قوانين. الوجود الاول ليس له غاية، ويعتقد البعض بوجود اله خارجه خلقه ويتحكم فيه ويعطيه غاية. لكني اعتقد انهم مخطئون، انهم يسقطون الوجود الثاني على الاول ويجعلون الثاني تابعا للاول. لكني اعتقد ان الغاية موجودة فقط في الثاني، انه الوجود الذي يحس بوجوده ويسعد بوجوده ويدرك وجوده ويطور وجوده ويوسع وجوده ويعطيه غاية ان اراد. الارادة ايضا موجودة في الثاني وحده وليس خارجه. اعترف بالوجود الاول واحس به واشعر بوطأته، واستخلص منه السحر والالم، لكني مشغول تماما بالوجود الثاني ولا احس بالسعادة الا فيه، انه الابهة كلها، الاعجاز كله، السحر كله، الوجود الحق، الوجود الذي ليس كمثله شيء، انه اعلى القيم، وغاية الوجود، وموطن العلم، ومنبع الاحساس. ولا اعني الاله، بل اعني العقل البشري. وليس كل عقل بشري، فانا اكثر نخبوية من هذا، واكثر تمييزا وعنصرية، انه ما يسميه نيتشه الانسان الاعظم، وما سماه القدماء الانسان الكامل. لكنه اكثر انسانية من انسان نيتشة واكثر واقعية من الانسان الكامل. انه العقل العطوف الذي يحس بعقول الاخرين، الشغوف الذي يذوب في لحظة الابداع، الرؤوف الذي يساعد الاخرين، المتعلم الذي ينتج معارف لا تنتهي، المبدع الذي لا يتوقف عن الخلق، المفتون الذي يسحره الفن، العاشق الذي يعيش على الحب، الدؤوب الذي لا يكل من العمل، الحي الذي لا يجد مفرا من التفاؤل، الانساني الذي لا يرى قيمة اعلى من الانسان والحياة، والقنوع الذي يعرف ان الموت حق لكن يعرف كيف يموت على انسانيته. ليس كل انتاج العقل البشري يدخل في حيز الوجود الحق، بل فقط ما وصفته اعلاه. وما هو خلافه من نتاج العقل البشري فهو بالنسبة لي في الوجود الاول. لا اعرف تماما اذا كانت فلسفتي من عوالم الثنوية حيث الوجود الاول مادي ويقابله الشرير والمظلم في العقل البشري، وحيث الوجود الثاني روحاني نوراني. يبدو لي منطقيا ان اقول بالصراع الابدي بين النور والظلام، بين الاخلاق الرفيعة والوحشية، بين الانسانية واللاانسانية، لكني لا اريد انتاج انبياء او معلمين مثل زرادشت او بوذا. لكن لا انكر تعاطفي مع مبدا الزردشتية، خاطرة جميلة، كلمة طيبة، عمل صالح. ولا انكر اني احارب الاشرار والفكر الشرير المنافي للوجود الحق لكني لست في حرب كونية ابدية معه. قد يستنتج القارئ اني مثالي اخلاقي روحاني حالم. ثم يقرا ما اكتب حيث اذم المثال واؤمن بالمنظومة، واعطل الاخلاق في سبيل استقرار المنظومة الاجتماعية، وابتعد عن روحانيات الاديان الغائمة، واشدد على الواقعية الى درجة انعدام الاحساس. فهل هناك تناقض. لا، بالنسبة لي لا. الوجود الثاني خيار، فمن صفاته الارادة، والوجود الثاني مؤقت ومتقطع، وهو يتوسع بقدر ما تعمل عليه وتخلق فيه اركانا جديدة، انه وجود تدعو الناس اليه ولا تجبرهم عليه، وهو وجود مشروط بالانسان وبالمجتمع ولا بد له من ان يتعلم ويعي الوجود الاخر القائم على المنظومات والقوانين. الوجود الثاني عمل، هدية، دعوة يوجهها اليك اخرون وتوجهها الى اخرين. لست في حرب مع الشر، لكني احيانا اتمنى الموت لبعض الناس المجرمين ولا اعتقد اننا موجودون في نفس العوالم، لكن حتى احافظ على الوجود الثاني لا بد لي من الخروج من جنته والتعامل مع الوجودات الاخرى، ولذلك اتعامل معها دون احساس واعتقد دائما اني قادر على فهمها وتطويعها الى ان اغيرها او تقتلني. لكني اعرف دائما اين جنتي وكيف اصل اليها ولا احتاج غيرها غاية وادعو اليها كل العقول الموجودة حقا. محاولة فلسفية.


حسام الدين درويش شكرًا على مشاركتنا هذه الرؤية المثيرة للاهتمام والتفكير ... على المستوى الاولى أرى ضرورة تفكيك هذه الثنائية والتفكير في مدى تداخل الوجودين واعتماد كل منهما على الآخر في وجوده وتأثير كل منهما في الآخر. أما على مستوى التفاصيل فالحديث يطول لكن أكتفي بالقول بمدى اختلافي معك في نخبويتك في خصوص العقول، وفي إقصائك الأخلاقي للأخلاق وفي مبالغتك في التركيز على الكليات والشكليات بعيدًا عن الجزئيات المتينة والمضامين الحية. أخيرًا أتمنى لك كل السعادة في وجودك المزدوج الوجود.


Ahmad Nazir Atassi اتمنى لو تفصل، لم اكتب مثل هذه النصوص من قبل. لكن البارحة سمعت غناء وتاثرت به كثيرا، ثم فكرت باحوالنا وكيف يمكنني ان اعيش في هذا العالم الغريب الذي يحتوي هذا الجمال وذاك الاجرام. كيف يمكن لاختراع علمي مثل القنبلة ان يستخدم لقتل كل هذا العدد من البشر. العالم فنان ايضا وعندما ترى قوانين الطبيعة امامك وتلعب بها لتخلق شيئا محكما فان شعور العالم المخترع لا يختلف عن شعور الفنان. لكنه في النهاية يعرف ان كرة النار التي لعب بها ستقتل الاف البشر. هذا الاختلاف بين الفنان المغني والفنان صانع الطائرة او القنبلة جعلني اترك الهندسة، على الاقل احد الاسباب. لكن ما كتبته ليس تحليلا للوجود، انما هو تحليل لوجودي انا، انها فلسفة مفصلة على مقاسي. اما اذا اصبحت فلسفة لكل الوجود فانا لا بد اني هتلر الفلسفة.لا اجرؤ ان اطرح المقولات لتحليل كل العقول، افضل ان اكون اقصائيا ونخبويا في عالمي الخاص فقط.


حسام الدين درويش النص يفيض "شاعرية" أو بالمشاعر على الرغم من تضمنه للكثير من الأفكار المثيرة للجدل والاهتمام وهو تعبير عن الذات أكثر من رؤية لموضوع خارج عنه أو هو تعبير عن موضوع بوصفه موضوعًا ذاتيًّا أو موضوعًا للذات. هذا ما ارتأيت أنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار في مناقشته، وهذا يعني أن المناقشة "العقلانية" الجافة له غير مصيبة بمعنى ما ومصيبة أو حتى كارثة بمعنى آخر. هذه الأفكار والمشاعر مناسبة جدًّا لسهرة يفضفض فيها الندماء في جلسات أشبه بالبوح والنجوى. الملاحظ هو التصنيف الثنائي القطبي، الذي يريد إقصاء طرف من دائرة اهتمامه وتسليط كل الضوء والاهتمام على الطرف الآخر. منطق الأبيض والأسود هذا هو منطق الرغبة (الرغبة في مقابل الرغبة عن) وهو خيار شخصي لا أفضل كثيرًا مناقشة "حقيقته الموضوعية". لكن وجهة نظري لهذين الطرفين أكثر تعقيدًا وجدليةً فأنا لا أرى التناقض بين الطرفين هو مجرد إقصاء متبادل، بل أرى أن وجود كل طرف ومعناه مرهون بالطرف الآخر: فلا مجال لوجود عقل ولا معنى لهذا الوجود بدون جسد، كما انه لا مجال لوجود ذات ولا معنى لوجودها دون موضوع. والتداخل بين الطرفين كبير ووثيق لدرجة أن لاوجود لأبيض خالص ولا لأسود خالص، فنحن في منطقة رمادية غالبًا وغن تفاوتت نسبة السواد والبياض فيها. وثمة ثنائية أخرى بارزة ومثيرة للتفكير والاهتمام وتكمن في ثنائية المثالية والواقعية وهي ترتبط بثنائيات الفلسفة والعلم أو الأخلاق والمعرفة أو المبدئية والبراجماتية إلخ. وعلى العكس من الثنائية الاولى تبدو هذه الثنائية الجديدة (وهي ربما صورة من صورة الثنائية الاولى او امتدادًا لها) أكثر تعقيدًا وجدليةً. لكن يظل هذا الجدل أو التكامل بين طرفي الجدلية نسبي إذ يبدو غالبًا وجود توتر فيها وعند صاحبها في خصوصها. ويرتبط بالثنائية او الجدلية الأخيرة ثنائية الشكل والمضمون أو ثنائية المجرد والمتعين أو العام والخاص وعلى الرغم من نزعتك العلمية وربما العلموية وبسببها أيضًا فإنك تميل إلى الشكلي والعام والمجرد بحيث تهتم بالعلاقات بين العناصر بغض النظر عن ماهية هذه العناصر وذاتيتها الخاصة بوصفها كائنات فريدة ومختلفة عن بعضها البعض وأخلاقية ومريدة وهادفة ... إلخ. النص يغري بالقيام بالكثير من التأويلات والتأملات. لكنني سأكتفي الآن بملاحظة أخيرة. على الرغم من قولك إن هذا النص هو محاولة جديدة وغير مسبوقة لديك في هذا الخصوص إلا أنني أرى أن ملامحه وأفكاره ومشاعره متغلغلة في الكثير من بوستاتك ونصوصك الفيسبوكية السابقة. قد يكون هذا النص هو إنضاجًا لما يتم طبخه فيك ومن خلالك.

Ahmad Nazir Atassi شو بيقول الواحد بعد هيك تعليق، شكرا او يعطيك العافية او بكرة بفرجيك هههه. حكيك صحيح، ثنائيات الجسد والعقل، وحتى العقل اليومي والعقل المتسامي، الوجود المفروض والوجود المراد، الرغبة عن والرغبة في.ثم هناك ثنائيات العلم والفلسفة حيث الجسد موضوع العلم والعقل موضوع الفلسفة، المعرفة والاخلاق، البراجماتية والمبدئية، الواقعية والمثالية، ثم ثنائية الشكل والمضمون، المجرد والمتعين، والعام والخاص. جميل، سافكر فيها، لكن لن اكتب النتيجة الا بقدر ما تؤثر على كتاباتي الاخرى غير الذاتية. طبعا كما وجدت فان النفس او العقل كل لا يتجزء وكل انتاجاته ذاتية بشكل او باخر سواءا تحدثت عن ذاتي او تحدثت عن الرياضيات او تحدثت عن الدولة السورية، كل الطروح لها دمغة مميزة من ذاتي في التعامل والموضوع. لكن وحتى اكمل تحليلك فانا اصارحك اني اعاني من داء القلق والهلع، اي قطبية المزاج والمشاعر ولا واقعيتها وتطرف التصرفات. ثم انتقلت من حمص الى باريس، ثم انتقلت من الرياضيات الى التاريخ. حياتي كلها قطبية وتطرف. لكن ليس هذا لب الموضوع فاي مفكر او فنان او عالم او حرفي يضع ذاته في انتاجه، ولا نحكم على انتاجه من منطلق كونه سوي او متوسط او غير متطرف. الحياة كلها او على الاقل حياتي ليست في انتاجي وانما في تفاعل الانتاج مع الانتاجات الاخرى. نعود الى ثنائية العلاقة والمضمون. وقد ننتهي بثنائية الحياة والموت، التصالح مع الحياة او التصالح مع الموت، كما قلت انت في لقائنا في المانيا. الامر الاخير هو اني طرحت تحديا فلسفيا بان تحدثت عن ذاتي في خضم ماساة عامة، اي خارج ذاتي. التحدي هو مقولة لا يوجد شيء في عالم الانسان سوى الانسان، ولا شيء في عالم الانسان يستحق الحياة الا ما هو انساني بحت وذاتي بحت، اي المشاعر. نحن لا نعيش للطبيعة الا بما هو حيواني فينا، اما ما هو عقلاني فنعيشه من اجل بعضنا البعض. فماذا نفعل بالواقع الموضوعي الخارج عن نطاق المشاعر، ماذا نفعل بالمجرمين والقتلة والمعذبين والمذلين وبافعالهم وكلماتهم، اين هي في فضاء الانسانية الحقة. ثم كيف نحل مشكلة الموت ولا المذلة، كيف نسعى الى الوجود الحق اذا اخترنا الموت بسبب المذلة، اي بسبب ما هو شعوري.


مراد بنيس نص جميل جدا نجد فيه كود الDNA المميز لكتاباتك التي تبدو أحيانا لا إنسانية بواقعيتها الصمّاء وأحيانا فائضة بالرقة والاحتفاء بالجمال. ومن زاوية هذه الفلسفة يمكن أن ننظر إلى الأديان الإبراهيمية على أنها تنطلق بالضبط من نفي هذه الثنائية عبر إله "عابر للعوالم" حيث تؤدي أحداث في العالم الثاني (تخلي مجموعة من الناس عن أخلاقيات أو أفكار معينة) إلى خلخلة العالم الأول (هبوب ريح أقوى من المعتاد، حدوث فيضان أو زلزال...)


Ahmad Nazir Atassi شكرا مراد، شهادة اعتز بها. اكيد انك فهمت كم احاول ان اعزل الانسان عن اله ابراهيم وان اعطي الانسان مكان الصدارة لكي يفهم من هو وماهي قدراته وليستوعب انه وحيد في الكون وان وحدته وليس وحدانيته ليست بحاجة الى الهة لتعطيها معنى من خارجها. كم اخذت معك من الوقت حتى استعدت انسانيتك بعد صفوف الرياضيات التحضيرية الفرنسية


مراد بنيس أعتقد الثقافة السائدة في المنطقة التي نشأت فيها لا تساعد على إعطاء الإنسان الصدارة، لذلك فإن مختلف مراحل التعليم لا تفعل سوى ترسيخ ما هو موجود أصلا. أما الانعتاق من تلك النظرة التي تجعل الإنسان وسيلة وليس غاية فقد جاء -يا للغرابة- إثر عودتي لبلدي بعد سنين من الغربة (ربما لأنني أخذت أفتقد قيما بديهية في الغرب وغائبة عندنا)

22 تشرين الثاني 2018، سؤال "لماذا؟"

عبقري الفيزياء الرائع(Richard Feynman)يشرح مدى عمق السؤال لماذا؟؟

لا يوجد جواب على سؤال لماذا الا في اذهان الفلاسفة والاديان. الكون علاقات وليس ماهيات.