«كيف نحل مشكلتنا-انتماؤنا لبني آدم»: الفرق بين المراجعتين

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث
 
سطر ١: سطر ١:
[[ملف:كيان البشرية.|تصغير|يسار|400بك|كيان البشرية]]
+
[[ملف:كيان البشرية.jpg|تصغير|يسار|400بك|كيان البشرية]]
  
 
انتماؤنا لبني آدم (لدول العالم وثقافاته):
 
انتماؤنا لبني آدم (لدول العالم وثقافاته):

المراجعة الحالية بتاريخ ١٨:٤٥، ١٢ أغسطس ٢٠٢٠

كيان البشرية

انتماؤنا لبني آدم (لدول العالم وثقافاته): سلسلة كيف نحل مشكلتنا؟ 17 من نحن؟ محاولة لإيجاد الانسجام بين الكيانات التي ننتمي إليها. (متابعة)

إن عاطفة الرجل الجياشة نحو المرأة (أو بالعكس) شيء وفهمه لانتمائه الواعي المسؤول للأسرة شيء آخر. صحيح أن العاطفة تساعد على تشكيل الأسرة ولكن تماسك الأسرة على المدى البعيد يعتمد على فهم ذلك الإنسان لكيان الأسرة وعلى وعيه لانتمائه لأسرته الذي يتحول إلى التزامه بتأدية دوره في الأسرة من خلال قيامه بمجموعة من الواجبات المنسجمة مع خصوصية الذكر والأنثى. إن هذا الوعي والالتزام هو الضامن الأول لاستمرار المشروع الأسري حتى لو ماتت العاطفة نفسها بل حتى لو أصبحت تلك العاطفة سلبية فقد تنطفئ عاطفة الإنسان لسبب ما نحو شريكه ولكن وعيه يدفعه للحفاظ على كيان الأسرة. ولكن القضية لا تنتهي هنا فحسب فنجاح البناء على مستوى معين يعني فيما تعنيه استكمال نجاح جزئي على مستوى أكبر فعندما يؤدي كل شخص في الأسرة دوره تتحول الأسرة إلى خلية واعية تؤدي دورها في مستوى أكبر في الحي والمدينة. وعندما يتحول الحي والمدينة إلى خلية حية واعية عندها تحتاج تلك الخلية لإدراك دورها واستكماله على مستوى الدولة أو الأمة. ولكن الرحلة بدورها لا تنتهي عند ذلك فعندها تحتاج الدولة أو الأمة لوعي أكبر لفهم دورها كي يساهم مجموع خلايا دول العالم وأممه وشعوبه في إكمال مسيرة التعارف لبناء الجسد الدولي الذي يؤدي دوراً متكاملاً في هذه المرحلة التاريخية في رعاية الأرض وبنائها. هذا الدور المرحلي يشكل حلقة تتكامل مع الحلقات السابقة في الماضي والحلقات اللاحقة في المستقبل إلى ما شاء الله لتشكيل سلسلة تترابط مع بعضها للقيام بالدور الحضاري الذي تم تكليف الإنسان به عبر الزمن منذ ظهوره على سطح الأرض وحتى انتهاء كامل الرحلة البشرية عليها. هذا الإنسان "الجنس البشري بكامله عبر الزمن" هو المقصود بالسورة الكريمة وأمثالها "والعصر. إن (الإنسان) لفي خسر. إلا الذين 1- آمنوا 2- وعملوا الصالحات 3- وتواصوا بالحق 4-وتواصوا بالصبر" فالمقصود بالإنسان هنا هو الجنس البشري وليس الإنسان كفرد ولذا كان القَسَم في بداية الآية متعلقاً بالزمن الممتد لينسجم مع حلقات السلسلة البشرية الضاربة في شعاب الزمن. وعلى ضوء هذا التكليف الهائل للإنسان يمكننا فهم (آمنوا) على أنه فعل يتعلق بالإيمان وإعطاء الأمان الشامل الممتد. ويمكننا فهم "الصالحات" بمنظور تاريخي شمولي أكبر بكثير من مجرد تقديم الصدقات للفقراء. يدخل في هذا المفهوم الشامل فيما يدخل وسائل التنسيق والتكامل بين ابناء الجنس البشري وما يشمل من ضرورة الارتقاء بتنظيم الحي والمدينة والدولة وبدول العالم بحيث تسهل أداء الجنس البشري لرسالته. وكذلك يمكن فهم "التواصي بالحق" على أنه أكبر بكثير من مجرد النصيحة ليشمل فيما يشمل كتابة الخوارزميات والبرامج على المستوى الإنساني التي تضمن المشاركة الجماعية في استخدام شبكات الاتصال والتواصل في تجميع المعلومات وتدقيقها وتصحيحها و استخراج الجوهر الذي ينفع الناس منها بحيث تساعد المجموع البشري على الفهم والتعاون على أداء رسالته. ويمكن فهم التواصي بالصبر على أنه أكبر بكثير من مجرد الصبر السلبي على المصائب. إنه الصبر على العمل الطويل. إنه الصبر على المشاريع الضخمة الدؤوبة لبناء الأرض على مستوى العالم كله. تلك المشاريع التي لا يمكن للفرد البشري أن يرى نهايتها خلال مرحلة حياته العابرة على سطح الأرض بل قد تحتاج سنين وعقود من العمل المخلص الذي يزداد عدد القائمين عليه باستمرار لفهم مواطن الخلل في البناء الإنساني الهائل ودراسة التجربة الإنسانية الهائلة في مختلف المجالات ووضع الخطط لبناء المجتمعات والدول ومكاملتها لتصحيح الفساد الهائل في بنى المدن والدول وفي الربط المركزي بين دول العالم كله.

الانتماء للكيان الكبير لا معنى له بدون وعي يتبعه التزام

إن ارتباط الإنسان بجسده الفيزيولوجي الذي تحدثنا عنه في بداية هذه السلسلة يبدو بديهياً. وكذلك ارتباط الإنسان بأسرته يبدو غريزياً ولكنه يحتاج لوعي ما لتنظيمه. وكلما انتقلنا إلى مستوى أكبر كالقبيلة والحي يبتعد الانتماء بالتدريج عن دائرة المشاعر والغرائز الطبيعية ليدخل أكثر فأكثر ضمن دائرة الوعي المدروس والمنظم الذي لا يمكن وجوده بشكل تلقائي. وانتماء الإنسان للكيانات الواسعة يصبح بعيداً عن المشاعر العاطفية ويحتاج شرحاً عميقاً لتلك الكيانات ككيان المدينة أو الأمة أو الدولة أو دول العالم أو المؤسسات الدولية كي يفهم الفرد كيف تطورت تلك الكيانات وكيف أنه يتأثر بهذه الكيانات وكيف أنه يؤثر بها وكيف يمكنه التعاون مع باقي البشر على مستويات مختلفة كي يعرف ما هي واجباته تجاهها وما هي حقوقه عليها وكيف أن بإمكانه أن يطور تلك الكيانات ويرتقي بها كي يستطيع هو وإخوته من بني آدم أداء الرسالة المطلوبة من تلك المؤسسات. يمكن أن يؤدي الفهم المشوه للمصلحة الشخصية للإنسان إلى تفتيت كيان أكبر هو كيان الأسرة. كذلك يمكن أن يؤدي المفهوم المشوه للمصلحة الضيقة للأسرة إلى تخريب الحي والمدينة والقبيلة والطائفة ويؤدي المفهوم المشوه لمصلحة الطائفة إلى تخريب الدولة ويؤدي المفهوم المشوه لصالح دولة من الدولة إلى تخريب العالم. ولذا فنحن بحاجة لفهم كيفية الانتماء السليم لكل كيان من كياناتنا بحيث لا يؤدي لتناقضات على المستوى الأكبر

الحاجة الماسة لوجود مؤسسة تعلم آلية الانتماء المنظم المسؤول في العالم كله

لم تصل الإنسانية طوال تاريخها إلى هذا العدد الهائل من الناس الذي يغطي كامل سطح الأرض ولم تتعقد حياة الإنسان اليومية في التاريخ البشري كما هي عليه اليوم بشكلها الحالي ولم يكن ممكناً مطلقاً للكتلة البشرية الموزعة على سطح الأرض أن تتواصل مع بعضها بهذه السرعة ولذا فلا يوجد في التاريخ الإنساني الماضي أو الحاضر أية بنية صالحة للتنسيق بين أبناء البشر على سطح الأرض. ولذا فكثير من سكان العالم لا يستوعب كيف يمكنه أن يعبر عن انتمائه للكيان الإنساني الكبير (إذا أحس أصلاً بهذا الانتماء) . إن فهم انتمائنا لهذه الكيانات (خصوصاً تلك التي تتجاوز حجم الأسرة البيولوجية) وتأثيرنا عليها وتأثرها بنا لا يمكن أن يأتي إلا من خلال مؤسسة تعليمية تشرح للإنسان الفرد آلية انتمائه لكيان الحي أو المدينة أو الدولة أو لدول العالم أو لكيان الأرض كلها أو الكون كله. حتى في دول العالم التي تسمى بالراقية فإن هذه المؤسسة التعليمية غير مكتملة وإن كانت متطورة نسبياً (بالنسبة للدول الأخرى) ففي تلك الدول قد ندرس التاريخ الإنساني وقد ندرس المنظومات الدولية وارتباط تلك الدول المتقدمة بها ولكن تبقى تلك المؤسسات في الدول المتقدمة قاصرة عن أداء رسالة إنسانية شاملة لأسباب متعددة منها : • ليس هناك أصلاً رسالة إنسانية شاملة يتفق عليها كل البشر بالرغم من الاتفاق الجزئي (من قبل الدول)على ميثاق حقوق الإنسان وغيره (وليس على واجباته)ولكن آلية ضمان تلك الحقوق من خلال المشاركة الإنسانية في كل دول العالم غير واضحة. وكما أن مفهوم الدولة في ما يسمى بسوريا غير مدعوم بوعي شعبي كذلك • معظم المؤسسات الدولية (مثل مؤسسات الأمم المتحدة) لا تمثل شعوب الأرض ولكن تمثل دوله (وهي تمثل فعلياً عدداً محدوداً من دوله) وبالتالي تتأثر بالقرارات السياسية لتلك الدول وتتأثر بمحاولات الدول الكبرى للتأثير في آليات صنع القرار فيها. بالتأكيد وجود المنظمات الدولية هو نتاج جهود إنسانية هائلة وقد أدت تلك المنظمات أدواراً مهمة ولكنها ما زالت بآلياتها الحالية لا تمثل الجنس البشري تمثيلاً صحيحاً. • انبثاق معظم المؤسسات التعليمية في الدول المتقدمة عن كيانات دول وطنية لها تاريخ يتعلق بصراعات مع كيانات أخرى وتحالفات وليس بناء عن مبادئ إنسانية. • في كثير من الدول المتقدمة يدرس الفرد كيف ينتمي لدولته من خلال المشاركة باتخاذ القرار الجماعي والالتزام بذلك القرار وما ينتج عنه من حقوق وواجبات كذلك يدرس بشكل ما المنظومات الدولية ولكن في معظم تلك الدول لا يتم تدريس أسباب عجز أهالي كثير من الدول التي تم استعمارها عن المشاركة في المؤسسات الدولية • تركيز المؤسسات التعليمية في المستويات الجامعية على تجهيز الإنسان لسوق العمل أكثر بكثير من تركيزها على الرسالة الإنسانية وعلى التكامل بين بني آدم بسبب السيطرة الشاملة لمفهوم "المال" كمرجع لتقيم كل الجهود الإنسانية إذا كانت تلك المؤسسة التعليمية التي تشرح للإنسان انتماءاته المتعددة غير موجودة في الدول التي تصنف بالمتقدمة فهي من باب أولى غير موجودة إلا بشكل جزئي في باقي دول العالم وعملها في أفضل الأحيان لا يتجاوز تعميق الانتماء الوطني للإنسان ضمن الكيان السياسي الذي يعيش فيه.

أسباب جهل الانسان السوري بانتماءاته المتعددة وخطر هذا الجهل على الكيانات التي ينتمي إليها

أما في المنطقة التي تسمى سوريا وما حولها فالموضوع أخطر من ذلك بكثير. الإنسان على العموم لا يعي آلية الانتماء المنظم الإيجابي للحي فكيف يعي آلية الانتماء المنظم الإيجابي للمدينة وكيف يعي آلية الانتماء المنظم الإيجابي للدولة.. وأنا واثق أن قلة قليلة جداً قد تفهم ما أكتبه عن عدم إدراك معظم الشعب السوري لآلية انتمائه المنظم لدول العالم (عند كتابتي لهذا الكلام فقط ولكن ذلك سيتغير في المستقبل). قد انتمي لأسرة غير متماسكة وأعترض على سلوك أحد إخوتي الشاذ في الأسرة ولكن مجرد الاعتراض هو إدانة لي إن لم يتوافق مع توفر منهجية فكرية لدي أتخيل من خلالها الموقع السليم لكل واحد من إخوتي في الأسرة كي تكون الأسرة متحابة منتجة. كذلك قد انتمي لحي فيه عدد كبير من الزعران ولكن مجرد شتم الزعران هو إدانة لي إن لم يتوافق مع بحثي عن الآلية التي يتم فيها التعاون بين أبناء الحي الطيبين ومحاولة إصلاح ما أمكن من الزعران بالترغيب والترهيب كي يكون حينا متحاباً يدرك قيمته حتى من كانوا بالأمس فيه زعراناً. كذلك قد أنتمي لمدينة أو دولة يسعى المجرمون لحرف بعض أبناء مدنها أو طوائفها لتخريبها وعندها شتم أبناء تلك الطائفة أو تلك المدينة هو إدانة لي لأنه تنفيذ لإرادة المجرمين حتى إدانة المجرمين لا تفيد ويجب أن تترافق إدانتي للمجرمين من أية جماعة مع فهم الآلية التي يتم فيها زلقهم والحصول على إجماع نسبي من أبناء مدينتي أو دولتي لإيقاف القتلة والمشاركة في البناء كذلك قد ننتمي لعالم تقوم فيه المافيات في بعض الدول بتوجيه أجهزة تلك الدولة بشكل ما لقتل واغتصاب دول أخرى؟. شتمي للدول أيضاً يدينني فهو يساعد المافيات على زيادة الفرقة والفتن بين الشعوب. يجب أن أفهم كيف تعمل أجهزة الدول وكيف تتحكم المافيات بالشعوب وأن أتخيل كيف يمكن بناء منظومة أممية سليمة تنشر العدل والسلام وتوقف المافيات وتفككها وتحاسب المجرمين الذين يفرقون بين بني آدم.هذه المسؤولية تصبح مضاعفة خصوصاُ في ظرف تتوفر فيه أدوات التواصل الإنساني الهائل الذي لم يسبق له مثيل من دون توفر اهتمام بشري بهذا التواصل إلا من قبل الخبراء في تسويق المنتجات الاستهلاكية. للأسف فإن الواحد منا بشكل خاص (نحن الذين يقال عنا سوريين) يصعب عليه فهم انتمائه العام لدول العالم لأسباب هائلة منها: • الحالة العدائية تجاه الدول الاستعمارية الممتدة عبر الزمن وخصوصاُ في المئتي سنة الماضية حيث قامت الدول الاستعمارية الكبرى باحتلال معظم دول العالم. • تطور الحالة العدائية بشكل خاص عند تفتيت الدول العثمانية بشكل ممنهج بعد خسارة ألمانيا للحرب العالمية الأولى مع حليفها الاستراتيجي المتمثل في الدولة العثمانية. • كان للدين في بلادنا الدور الأكبر في مواجهة الحالة الاستعمارية ولكن تم توظيف الدين بشكل مغلوط ليس لمواجهة الحالة الاستعمارية التي يرفضها الدين بل لمواجهة "الكفار" مما أدى لخلق ظرف نفسي عام في البلدان الإسلامية يخلط بين الحالة الاستعمارية وبين آليات بناء الدول التي تطورت بشكل هائل في دول العالم المتقدمة بما فيه الدول الاستعمارية. في الحقيقة إن الدفاع عن بلادنا على أنه مواجهة مع الكفار قد ساعد المستعمر. فتاريخياً الدولة الفرنسية مثلاً قامت على مواجهة الكنيسة الكاثوليكية والدولة الفرنسية نفسها علمانية لا تقبل بتدخل الدين فيها ولكنها تحاول الظهور في المنطقة وكأنها مدافعة عن المسيحيين ةعن تمثيلهم في الدولة اللبنانية مثلاً وهذا الطعم يبتلعه المسيحيون والمسلمون. من جهة أخرى الدفاع عن بلادنا على أساس مواجهة الكفار وليس مواجهة الاستعمار كان خطيراً لإن ذلك يخلط بين الشعوب وبين تركيبات الدول ويخلط حتى بين المؤسسات الإنسانية المواجهة للاستعمار ( في الدول الاستعمارية نفسها) وبين الحالة الاستعمارية • عدم وجود أي أهمية حقيقية في الوعي الجماعي للحدود المصطنعة التي تم تفتيت بلاد الشام على أساسها. لأن التفتيت تم لصالح بناء المشروع الصهيوني والمشاريع الأخرى ولكنه غير مرتبط بالبنى الاجتماعية والثقافية في المنطقة. • حدث تطور متسارع لبنى الدول الاستعمارية في القرنين الماضيين نتيجة الثورة الصناعية بشكل يؤدي لمشاركة تدريجية أكبر لشعوبها في إدارة دولها بينما تطور تلك المؤسسات كان أبطئ نسبياً في مؤسسات الدولة العثمانية مما أدى لضعف قدرة الفرد على التعبير عن انتمائه الجماعي في منطقتنا من خلال مؤسسات تعبر عن الجماعة مما سهل تفتيت الدولة. • الانقلابات العسكرية المتتالية في المنطقة وما حولها منذ فترة الخمسينيات أبعدت المواطن بالتدريج عن فهم آلية مشاركته في بناء الدولة هذا الفهم الذي كان ضعيفاً بالأساس ولكنه كان متوفراً بشكل ما عند النخب الثقافية. • انقلاب 1963 الذي أدى لانهيار مفهوم القانون نفسه حيث تم استخدام الجيش بمفهوم مقلوب فبدلاً من الدفاع عن الحدود الخارجية للبلد أصبح أداة للتحكم الداخلي بمؤسساته وفرض القانون الذي تضعه قياداته الانقلابية. • ثم الانقلاب الخطير عام 1966 الذي أدى بالتدريج لاستلام منظومات سرية موازية لا نعرف عنها الكثير لمفاتيح مؤسسات الدولة مما جعل المواطن بالتدريج في حالة عزل تام عن ممارسة إدارة الدولة بل حتى فهم أي شيء في آلية إدارة الدولة بل حتى في إدارة الحي أو المؤسسة. مما أدى بدوره لشل قدرات المؤسسات الرسمية عن فهم ما يحدث في البلد والعالم وبالتالي أصبح الشعب من دون مؤسسات وعي وتوعية أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام (لا تزال تلك المؤسسات السرية هي التي تتحكم فعلاً بالدولة السورية بشكل مباشر أو من وراء حجاب) • ترافقت الانقلابات العسكرية والمخابراتية مع حركة تهجير وقتل وتحييد للنخب الثقافية عن إدارة الدولة مما أدى لتجفيف حتى إمكانية ولادة مؤسسات مستقبلية تعي حال البلد وتربط بين أبنائه • ترافق ذلك مع تخريب الروح النقدية في المدرسة والجامعة والجيش وفي مختلف مناحي الحياة التي تحول الإنسان إلى متلق عاطفي يسهل التحكم بهم من قبل من يعرف مفاتيح برمجته

أسباب شخصنة الانسان السوري للكيانات الكبرى وخطر هذه الشخصنة على تفكيره وعليه

إن هذا التخريب العام جعل الإنسان الذي يعيش في المنطقة عموماً وخصوصاً ضمن المنطقة المسماة (سوريا) عاجزاً عن التمييز بين طبيعة الأفراد وطبيعة المؤسسات وطبيعة الدول. فهو في تفكيره يظن أن المؤسسة هي شخص وأن الوزارة هي شخص وأن الدولة هي شخص وأن الأمم المتحدة هي شخص. قد يكون هذا الخلط ذو خطر محدود عندما نخلط في تفكيرنا بين سلوك أحد أبناء الجيران مع تصورنا عن عائلة الجيران ولكنه يصبح واحداً من أعظم أسباب فشلنا الجماعي عندما نظن أن الدولة هي شخص وأن أمريكا هي شخص وأن الأمم المتحدة هي شخص. إن هذه (الشخصنة) للمؤسسات تعمق عقمنا الفكري و قد أصبحت طاغية على تفكير الناس في المنطقة بسبب الكثير من العوامل منها: 1. تركيز الخطاب التاريخي في المنطقة (خصوصاً الديني) على أن العالم يغيره أشخاص خارقون حتى أن الشخصيات التاريخية الحقيقة يتم تطويرها لتصبح خيالية. هذا يجعل الناس يفصلون بين سلوكهم اليومي وبين ما يحدث في العالم بل وبين ما يحدث لهم فهم بانتظار البطل المخلص الذي يغير وجه الأرض لأنهم لا يدركون واجبهم في صناعة الحركة الجماعية الواعية المتناسقة والهادفة للمجتمعات البشرية. 2. الخطاب التحريضي الذي اعتمدته الحركات الانقلابية العسكرية في المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية. تلك الحركات التي حاولت أن تتلبس بعباءات فكرية قومية. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج الدول الأوربية منهكة من الحرب كان من نتائج ذلك انحسار حركة الاستعمار العسكري المباشر للقوى الاستعمارية الأوربية لصالح الولايات المتحدة بشكل تدريجي. رافق ذلك حركات عسكرية انقلابية في فترات متقاربة (غالباً ضمن تنسيقات سرية) في دول المنطقة. جمدت هذه الحركات مؤسسات الدول الوليدة. هذه الحركات الانقلابية كانت تبحث عن شرعية جماهيرية من خلال استخدام خطاب تحريضي عبارة عن شتائم مباشرة أومغلفة بغلاف فكري للاستعمار. كان يتم الحديث عن الاستعمار وكأنه شخص وليس على أنه ظاهرة مرتبطة بوقائع تاريخية معينة. 3. تم دعم شخصنة الاستعمار من خلال الخطاب الديني أيضاً. فالحديث عن الاستعمار وكأنه شخص كافر يوفر على من يعتلي المنبر دراسة كيفية نشوء الدول وكيفية بناء نظمها وواجب مثقفي شعوبنا الديني والأخلاقي في البحث العلمي عن أسباب خراب مجتمعاتنا وأممنا. وهذا الخطاب الديني الذي يشخصن الاستعمار ينسجم أيضاً مع بحث من يعتلي المنبر على الأمان لأن الإدعاء بأن سبب تخلفنا هو الاستعمار الكافر يجنب من يعتلي المنبر الحديث عن المؤسسة الأولى التي تتحكم بمعيشة الناس وهي مؤسسة المخابرات. 4. أيضاً الإعلام الذي توجهه منظومات المخابرات لتكريس النظم الديكتاتورية في معظم دول المنطقة يتطلب أن يجعل الناس تعتقد بأن الحاكم يعرف كل شيء ويتحكم بكل شيء وقادر على إدارة كل شيء مما يجعل الناس يخلطون بين شخص الرئيس وبين الدولة وخصوصاً في ما يسمى سوريا. أدى ذلك إلى تشويه صورة الدولة في أذهان المواطنين واعتبارها (عند المؤيدين والمعارضين والصامتين منهم) عبارة عن شخص جيد أو سيء دون أن يدرك الناس أن مجموع ما يفعلونه يومياً يشكل الحركة العامة لهذه الدولة. 5. أيضاً أسلوب الإدارة المخابراتية لمؤسسات الدولة الذي يعطي صلاحيات واسعة للمدير حيث تتحول المؤسسة إلى إقطاعية كاملة له إن كان يرضي المخابرات. هذه الطريقة ساهمت أيضاً في ربط المؤسسة الرسمية في أذهان الناس بشخص مديرها. مما يجعل عموم الناس يظنون أن المؤسسة لا تعمل لأن مديرها لص وأن مجرد استبداله بغيره سيحل المشكلة المستعصية. 6. أيضاً خداع المخابرات للناس عند حدوث تبرم عام عبر تقديم أكباش الفداء من (المديرين الفاسدين) ساهم أيضاً في شخصنة المؤسسات في عقول الناس. فكلما زادت حدة الاعتراضات العامة تنشر المخابرات قصص الفساد عن بعض المدراء وتأتي شخصية الرئيس المخلص كي تعزل المدراء المجرمين وتضع مكانهم مدراء طيبين. هذه الآلية الخبيثة تخدع عموم الجماهير وأكثر من ذلك تجعلهم يظنون أن ارتقاء المؤسسة أو انهيارها يعتمد فقط على شخص المدير وليس على نشاط العاملين فيها وكيفية التنسيق بين جهود العاملين وكيفية الربط بين المؤسسة ومؤسسات الدولة الأخرى. إن هذه الشخصنة التي يستخدمها عموم الناس في كلامهم شديدة الخطورة على أسلوب تفكيرهم وعلى النتائج المتناقضة التي يتوصلون إليها التي تشل العقل الجماعي. وللحق فإن هذه الشخصنة موجودة بدرجات متفاوتة في كثير من دول العالم وخصوصاً دول العالم المتخلفة ولا يمكن قصرها فقط على سكان المنطقة وربما سنتحدث بشكل مستفيض عنها. ولا بأس هنا من ذكر بعض مظاهر هذه الشخصنة على المستويات الأدنى من مستوى الدول: • يتحدث بعض الناس عن السوريين في المنطقة السورية وكأنهم كيان واحد منظم له مشاعر واحدة كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وهذا كلام بعيد كثيراً عن الصحة فمن جهة مؤسسات الدولة المركزية التي يقع على عاتقها الارتقاء الثقافي الجماعي مشلولة بل وتقوم بعكس مهماتها في صنع التناقضات المجتمعية التي لا حل لها ومن جهة أخرى هناك جهات تعمل على تطوير كل أشكال السلخ المجتمعي. نتيجة عيش الناس في سوريا بدون مؤسسات حقيقية غالباً ما يجهل كثير من أبناء المدنية طبيعة عيش أبناء الريف وكذلك طبيعة عيش القبائل ويجهل كثير من أبناء غرب سوريا طبيعة شرقها ويجهل كثير من أبناء شمالها طبيعة جنوبها. • يظن الناس أن كل طائفة تشكل شخصاً فمثلاً يعتقد كثير من ابناء الطائفة العلوية (ومن غير الطائفة العلوية) أن الطائفة العلوية عبارة عن شخص وهذا كلام غير دقيق. فالطائفة تتكون حالياً في سوريا من مليوني شخص نجد فيها كل التنوعات ونجد الطيبين والسيئين ولها تاريخ متنوع ومن الواجب دراسته كي يمكن فهمها. ولكن سلخ الطائفة العلوية بالذات مفيد لبرامج تخريب المنطقة ولذا فهناك تثقيف موجه (داخل الطائفة وخارجها) لسلخ أبناء الطائفة العلوية عن باقي المجتمع يترافق مع عمليات إجرامية لإقناعهم ولإقناع باقي أفراد المجتمع باستحالة الانسجام . نفس الجهود تبذل لإقناع الناس بأن هناك شخصاً اسمه "الأكراد" له كيان منفصل وطبيعة منفصلة وديانة منفصلة عن شحص آخر اسمه "العرب". يتم استغلال جهل الناس ببعضهم لاقناعهم بان قبيلتهم أو طائفتهم أو عرقهم أو عائلتهم أو جماعتهم تشكل شخصاً متميزاً مختلفاً عن الأشخاص المحيطين به ويتم إقناع ذلك الشخص (الكيان) بأن عليه معاداة أولئك الأشخاص (الكيانات) للحصول على حقوقه!! وهكذا يحدث التدمير الذاتي لكيان المدينة ولكيان الدولة ولكيان المنطقة بكلفة بسيطة وبحماسة كبيرة من أنصاف المثقفين الذين يبرزون أكثر في المجتمع الأصغر والأكثر انغلاقاً • .. الخ..

أثر شخصنة الدولة على تعقيد المشاكل التي تحيط بالإنسان السوري

أما على المستوى الدولي فإن هذه الشخصنة تبدو خطيرة للغاية • . فاعتبار أن الدول أشخاص تجعلنا نظن بأن دول العالم كلها دول بنفس المعنى فنظن أن لبنان والنرويج وأمريكا وروسيا والسعودية والإمارات وقطر واليمن وإيران وباكستان وتركيا وغيرها كلها هي "دول" تشبه الأشخاص لا تختلف عن بعضها إلا بحجمها وبلون بشرتها وبطول شعرها وبكمية الدولارات في جيبها. وهذا تصور بعيد كثيراً عن الحقيقة فتركيبة العالم الحالية لعبت فيها نتائج الحرب العالمية الثانية كثيراً ومن بعدها تفتيت الاتحاد السوفيتي. صحيح أن لكل دولة حدود ورئيس (أو ملك) ولكن الاختلافات بين الدول قد تشبه الاختلافات بين أماكن السكن فهناك ناطحات سحاب وهناك سكان خيام جدرانها لا تقي من حر ولا تحمي من مطر و لا يستطيع سكانها الشعور بالأمان إلا عندما يستندون إلى جدران بيوت الجيران الحجرية أو الاسمنتية. فهناك دول فاعلة في المنظومة الدولية ودول منفعلة. ودول العالم الفاعلة نفسها لكل منها قصته الخاصة وبنيته الخاصة وتفاعلاته الداخلية الخاصة. أما الدول المنفعلة فلا تملك إلا دوراً نسبياً في التحكم بقرارها الداخلي والخارجي وغالباً ما تكون البنية الداخلية لتلك الدول لا علاقة لها بوعي شعوبها فهي مدروسة بحيث لا تستطيع تلك الدول مع الزمن تقوية روابطها الداخلية. لنأخذ لبنان على سبيل المثال فلقد تم تشكيله بناء على مجموعة من التوازنات الطائفية التي تضمن استمرار حالة من التوتر يمكن تفجيرها في أية لحظة ولا يمكن أن نقول بأن بنية الدولة اللبنانية قادرة على فعل شيء غير الحفاظ على التوازنات الداخلية . هذه البنية المدروسة تم تصميمها بنفس فترة خلق دولة الأردن وكان ذلك تمهيداً لعزل فلسطين والمضي خطوة إلى الأمام في المشروع الصهيوني المدروس. ترسيم حدود سوريا والسعودية والكويت وقطر وغيرها تم في فترة حديثة جداً ولم يتم بناء على المصالح الداخلية لأهل المنطقة ولكن بناء على الأهمية الجغرافية والنفطية. بالإضافة للطريقة العجيبة التي تمت بها صناعة حدود دولنا تعاني معظم دول المنطقة من عدم تطور أداة التعبير الجماعي للمواطنين وعدم تطور آلية مشاركتهم في الإدارة. كذلك هناك تلاعب شديد في المكونات الثقافية في كثير من هذه البلدان بحيث يسهل التأثير فيها وتخريبها عند الضرورة. • هذه الشخصنة تجعل الناس تظن بأنها تقوم بإنجاز عظيم عندما تشتم أو تمدح بعض الدول كإيران أو تركيا أو أمريكا أو اية دولة مماثلة وكأن المدح أو الشتم يغير في موازين الدول. هذا الشخص الذي يمدح أو يشتم قد يكون في نفس الوقت يستعمل سيارة أو يأكل منتجاً أو يستعمل برنامجاً مجانياً كالفيسبوك من منتجات تلك الدولة. إن شخصنة الدولة تجعلنا غير فاهمين للمشاريع المختلفة لهذه الدول في المنطقة ولمدى انسجامها مع الصالح الفردي والعام لكل منا وكيفية مشاركته في دعم تلك المشاريع أو تعديلها أو تصميم مشاريع افضل تنسجم أكثر مع تركيبة المنطقة ومع مصالح سكانها. تعمق منظومة المخابرات الداخلية هذا الشرخ حيث أن منع المجتمع السوري من تنظيم نفسه في مؤسسات الدولة تجعله لا يعقل بأن تعليقاته الفردية المنعزلة على الفيسبوك ضد أو مع أمريكا أو روسيا أو تركيا أو إيران وغيرها لا قيمة لها في الميزان الدولي ولا يتجاوز أثرها تنفيسه عن نفسه أو إبرازه لها في مجموعات أصدقائه أو أعدائه. • مع الصورة الكاريكاتيرية للدولة في أذهان الناس ومع ظن الناس أن الآمر الناهي وصاحب القرار المطلق في سوريا هو لشخص واحد (سواء أكان شيطاناً أو ملاكاً) هو رئيس الدولة يعمم الناس تلك الصورة المضحكة ويظن كثيرون منهم أن رؤساء الدول الأخرى يملكون تلك الدول وهم أصحاب القرار المطلق فيها وغالباً ما يتحول مدح وشتم الدول إلى مدح وشتم لرؤسائها (أو ملوكها) مما يمنعنا من فهم آليات عمل تلك الدول ومن فهم آليات مساهمة السوريين البناءة في مساعدة المشاريع التي تقوم بها الدول والتي تصب في صالحهم العام والخاص أو في تعديل تلك المشاريع. هذه الفوضى تجعل الناس غير قادرين على دعم ما هو في صالحهم فبالتأكيد هناك أثر نسبي لاختيار رئيس الوزراء البريطاني مثلاً على وضع المنطقة ولكن رئيس الوزراء البريطاني لن يغير بشكل جذري السياسة البريطانية المدروسة وما يمكن أن نطمح له هو أن يحسن رئيس الوزراء البريطاني هذه السياسة بحسب قدرته النسبية على التغيير. هذا الكلام ينطبق على الرئيس الفرنسي والأمريكي والروسي والتركي والإيراني وغيرهم. • هذه الشخصنة غالباً ما تدمر ثقافتنا الجامعة وبالتالي تدمرنا من دون أن ندري. فلقد شهدت المجتمعات من الهند إلى المغرب خلال الألف وأربعمئة سنة الماضية تقارباً اجتماعياً وثقافياً هائلاً. فعلى الرغم من الخصائص الثقافية المميزة لكل منطقة وعلى الرغم من وجود الكيانات السياسية المختلفة إلا أن هناك ثقافة عامة مشتركة جامعة فثقافة أهل المدن الكبرى في الباكستان أو إيران أو تركيا أو بلاد الشام أو مصر أو تونس أو غيرها متقاربة وكذلك ثقافات القرى والقبائل ويمكن لإنسان ولد في مغربنا في الرباط أن يتفاهم مع إنسان ولد في استانبول ويفهم عاداته وتقاليده وينسجم معها أكثر بكثير من فهمه لجاره البرتغالي. إن حالة عداء الدولة التركية أو الإيرانية أو الجزائرية أو المغربية التي تم شخصنتها في ذهن الإنسان تجعل ذلك الإنسان معادياً لشعوب تلك الدول من دون أن يدري ومعادياً لثقافاتها من دون ان يدري ومعادياً بالتالي للثقافة التي توحده مع سكان المنطقة كلها وهو بالتالي يقوم بعملية تخريب للعلاقات الثقافية الإنسانية المتراكمة ببطئ بين شعوب المنطقة وهو يدمر إنجازاً حضارياً استغرق بناؤه آلاف السنين عير آلاف الكيلومترات يوم كان التواصل صعباً والعجيب أننا نقوم بتخريب هذه الصلات بعد أن تطورت وسائل التواصل وباستخدام وسائل التواصل تلك! إن توظيف بعض الدول للمذهبية وللدين في توسعها الاستعماري الذي يريد الهيمنة على المنطقة ولا يريد التكامل بين شعوبها لا يعني أبدأ شتم الدين أو محاربة المذهب الذي يوقعنا في حالة صراع مع باقي البشر وهذا ما تريده تلك الأنظمة بل يتطلب من المثقفين كشف اللعبة ويتطلب استحضار التاريخ الحقيقي والروابط العميقة بين الشعوب • إن شخصنة "الاستعمار" و "الإمبريالية" و"الصهيونية" و "الغرب" و "الدول الغربية" في أذهان شعوب المنطقة وبشكل خاص في عقل الإنسان السوري قد أدى إلى عجزه عن فهم التركيبة المتماسكة متعددة الأبعاد في كل دولة أوربية. وإلى عجزه عن فهم الاختلافات العميقة بين تلك الدول. فالبناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي في كثير من الدول الغربية قد تمت مكاملته خلال أكثر من مئتي سنة. وهو في حالة تطور مستمر. يقوم بهذا التطوير أعداد هائلة من الناس في كل المؤسسات (وهذه المشاركة الجماعية في بناء الهياكل المؤسسية غير موجودة في سوريا أو الدول المشابهة لها). هذه الشخصنة "للدولة الغربية" وعدم الوعي للتركيبة المؤسسية المعقدة المتغيرة فيها يجعل الإنسان السوري (وغير السوري) يعتقد بأن باستطاعته أن يقول أن تلك الدول إما شريرة أو طيبة إما صادقة أو كاذبة إما مرتقية بالمرأة أو مستعبدة لها إما محترمة لحقوق الإنسان أو منتهكة لها وهكذا نجد نقاشات مفتوحة بلا نهاية وبلا فائدة بين المثقفين على طريقة "الاتجاه المعاكس" تستهلك وقتاً هائلاً من العقل الجماعي للأمة. • وصلت الشخصنة إلى حد التشفي بشعوب البلدان التي قيل لنا بأنها استعمارية وكافرة فعندما يحدث فيها زلزال أو بركان يشعر بعض الناس بالارتياح لأنهم يظنون من خلال معادلات إجرامية ساذجة بأن الاستعمار هو سبب القتل الجماعي في سوريا والزلزال هو قتل للاستعمار إذاً هو انتقام إلهي للضعفاء! • إن شخصنة الدولة الاستعمارية تجعل كثيراً من المثقفين (وغير المثقفين) عن غير قصد مشاركين في الجرائم التي ترتكب بحق إخوانهم في البلدان الغربية حيث أنهم يبررون تلك الجرائم. تماماً كما يتم تبريرها عندما تحدث في المناطق المختلفة من سوريا. فعندما يحدث تفجير عشوائي لبني آدم المسالمين في إحدى الدول الغربية تجد الكثيرين يتحدثون عن جرائم الاستعمار قبل مئة سنة في تبرير غير مباشر للجريمة وكأنهم يريدون أن يقولوا أن تفجير اليوم بجرائم الأمس دون أن يدركوا الاختلاف بين مواجهة المؤسسات الاستعمارية وبين شعوب الدول الاستعمارية ودون أن يدركوا بأن من يواجه المؤسسات الاستعمارية بشكل أساسي هي مؤسسات قائمة في تلك الدول نفسها وأن جرائم الاستعمار الماضية التي ينقلونها قد تمت دراستها وتوثيقها من قبل مؤسسات متطورة في تلك البلدان نفسها وأن الخلل الأكبر في العملية الاستعمارية يتعلق بعدم وجود بناء مؤسسي حقيقي يجمع الناس في البلدان التي تم استعمارها وعدم وجود عقلية عامة واعية في تلك المناطق وأن عجز المثقفين في البلدان التي تم استعمارها عن التكامل في أعمال مؤسسية منتجة واعية هو السبب الأساسي لاستمرار الهيمنة الخارجية على المنطقة إلى اليوم.. • يبلغ الخلط بين المؤسسات وبين الدولة وبين الشعب حداً هائلاً يشجع تدمير بلادنا نفسها ولعل في الحديث عن ما يسمى بإسرائيل خير مثال على ذلك. حيث لا يميز أكثر الناس بين الاعتراض على الشرعية التي قامت عليها الدولة وبين تركيبة مؤسسات الدولة نفسها وبين الأراضي التي احتلتها. تبلغ هذه السطحية في الفهم حد الفرح الذي أبداه كثير من الناس عند احتراق الغابات لعدة أيام أراضي في فلسطين التاريخية نتيجة خلطهم بين مؤسسة الاحتلال التي يظنون أنهم يواجهونها وبين الأرض التي تم احتلالها (مع ظنهم بالأساس أنهم يدافعون عن تلك الأرض)! • إن عدم وعي الناس لمفهوم الدولة وللمؤسسات المعقدة التي عليهم تطويرها خلال زمن طويل لتشكيل دولة حقيقية يجعلهم يظنون بأن تأييد من يحمل أي يافطة تحمل كلمة دولة هو مساهمة في بناء الدولة. فمن يمرر برامج المخابرات السورية يقول بأنه يدعم الدولة السورية ومن يخضع لإرادة مجموعة مسلحة تدعي العمل لصالح الأكراد يظن بأنه يدعم الدولة الكردية ومن ينفذ إرادة جماعة مسلحة تحمل يافطة "دولة إسلامية" يظن بأنه يدعم دولة الأمة صاحبة الفتوحات الماضية والمستقبلية التي ستحمل خير الدنيا وثواب الآخرة. • إن هذه الشخصنة للدول والمؤسسات الدولية مع عدم وجود مؤسسات حقيقية في سوريا جعلت قسماً كبيراً من الشعب السوري غير قادر حتى على تقدير الجهود التي يقوم بها كثير من الناس حول العالم لمساعدته ففي الوقت الذي أجد فيه كثيراً من الناس حول العالم تتبرع بأموالها لتخفيف آلام السوريين تجد بعض السوريين يظنون بأن هذه الأموال تأتي من السماء فيستهترون بها بينما يحتاجها إخوانهم ويقوم بعضهم الآخر بالمتاجرة بها ويقوم قسم ثالث بتوزيعها وإيهام الناس بأنها تأتي من منظومة الدولة السورية التي تديرها المخابرات (مع أن هذا هو جزء أساسي من عمل مؤسسات الدولة وليس جمعيات الإغاثة العالمية) وبعضهم الاخر يساهم في إنشاء جمعيات وهمية لإعطاء التبرعات لمن لا يحتاجها ضمن خطة شيطانية لتفريغ طاقات التبرع العالمية مع ممارسة ضغط أكبر على من يحتاج حقيقة لتلك المساعدات. • إن هذه الشخصنة للدول قد أثرت سلباً على سلوك عدد كبير من اللاجئين السوريين الواصلين إلى أوربا. فالناس تظن بأن بلدان أوربا الغربية هي بلدان النعيم وبعضهم يظن بأنها بلدان الجحيم وبعضهم يجد توفيقاً بين الاثنين ليقول هي بلاد النعيم في الدنيا الذي يؤدي للجحيم في الآخرة. هذا الخلط يأتي من عدم استيعاب الإنسان لمعنى المؤسسات وهذا يؤثر بشكل خاص على اللاجئين السوريين عند وصولهم لأوربا الغربية. فكثير منهم يظن بأن الأموال التي تعطى لهم تأتي من السماء ايضاً فكثير من اللاجئين لا يدرك بأنه يأخذ أمواله من الشعب الذي يعيش في دولته ولذا تراهم لا يبذلون جهدهم للتعلم والاعتماد على الذات للتخلص من هذه المساعدات في أسرع فترة ممكنة. بل ربما تجد أحدهم يعمل (بالأسود) ويتقاضى مبالغ كبيرة ويقبل في نفس الوقت المساعدات لأنه لا يدرك أنه بذلك يسرق الشعب الذي أضافه وأنه بنفس الوقت يسرق إمكانية مساعدة لاجئ آخر. هذه الشخصنة من ناحية أخرى تمنع الإنسان السوري من الاستفادة من وجوده في تلك الدول للتعرف على كيفية التعاون لتشكيل المؤسسات والجمعيات مما تجعله عاجزاً في المرحلة الحالية عن تجميع بعضه في المهجر. في مراحل متقدمة تؤدي هذه الشخصنة عند كثير من اللاجئين إلى انهيار شخصيته الثقافية لأنه لا يقارن بين الشخصية الثقافية السورية مع الشخصية الثقافية في البلد المضيف كذلك فهو لا يقارن بين منظومة الدولة المجمدة التي تسيطر عليها المخابرات في سوريا مع منظومة الدولة المتقدمة المضيفة ولكن يقارن بشكل مغلوط بين الشخصية الثقافية السورية وبين منظومة دولة متقدمة. يقال مثلاً بأن ثلاثين بالمئة من الأزواج اللاجئين إلى ألمانيا قد تركوا أزواجهم!

الخلاصة

الإنسان في سوريا هو من بني آدم المنتشرين في العالم. وفي هذا العالم ذو التراكب الشديد اليوم فإن المشاكل التي يعاني منها الإنسان في أية دولة من دول العالم ستؤثر أيضاً ولو بعد حين على الإنسان في سوريا والعكس صحيح. إن بنية الدولة ليست شيئاً طبيعياً و الحدود بين الدول لم تكن ثابتة بالشكل الحالي عبر التاريخ أبداً ووسائل التواصل تجعل هذه الحدود بالتدريج بلا معنى. ولا توجد حتى الآن تركيبة إدارية جامعة تستوعب دول العالم كلها. بناء العالم هو مسؤولية بني آدم جميعاً بما فيهم السوريون وهذا لا يتم إلا بالإحساس بالانتماء الذي يعمقه الوعي والالتزام بما يفيد البشرية. الحدود السورية هي حدود وهمية ولا يوجد انقطاع ثقافي مجتمعي عندها ولكن هذه الحدود تم رسمها بناء على مخططات الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية للأسف يخضع معظم المثقفين السوريين لإرادة الكتل المسلحة على الأرض (التي تخضع بدورها للمخابرات المحلية والعالمية) ويساهمون في التقسيم الثقافي في المنطقة بشكل عام وبتقسيم سوريا نفسها. إن شخصنة الدول تؤدي إلى حالة مشادات كلامية عند معظم المثقفين السوريين تضيع القدرة العقلية الجماعية على الفهم والتعاون. فلا بد من التعاون على الفهم الجماعي فلا يمكن لفهم الفرد الواحد أن يحل مشكلة جماعية بحجم المأساة السورية. إن عدم فهم الكثيرين منا لمعنى الدولة القائمة على المؤسسات والمشاريع يجعلنا غير فاهمين لما كان يحدث في سوريا ولما يحدث فيها الآن ويجعلنا عاجزين عن تنسيق جهودنا في الداخل أو في بلاد المهجر وفي كثير من الأحيان يجعل ذلك جهودنا تساهم في تفتيت المنطقة وفي تفتيت البلد.