«كتابات متنوعة»: الفرق بين المراجعتين
Faris.atassi (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'تصنيف:كتابات حسام الدين درويش') |
Faris.atassi (نقاش | مساهمات) |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
+ | =23 نيسان 2018، اللجوء الألماني: مثقفون وكتاب وباحثون في المجرّة الجديدة= | ||
+ | |||
+ | '''حسام الدين درويش''' | ||
+ | |||
+ | أجرت الصديقة العزيزة "غالية شاهين" تحقيقًا صحفيًّا عن وضع اللاجئين- الكتَّاب في ألمانيا وقد طرحت علي سؤالين، في هذا الخصوص: وفيما يلي نص السؤالين وإجابتي عنهما: | ||
+ | _هل من فرق بين كونك كاتباً في سوريا وبين كونك كاتباً لاجئاً هنا في ألمانيا، وهل يترتب على هذا الفرق، إن وجد، معاناة أو مكابدة من نوع خاص؟ | ||
+ | "طبعًا" هناك اختلافات كبيرة بين الوضعين. فعلى العكس من الوضع في سوريا، لا رقابة أمنية استبدادية ولا تضييق أمنيٍّ قمعيٍّ، هنا في ألمانيا. وهذا يعني امتلاك الحرية وتحمل كامل المسؤولية عما نكتبه. الكتابة من سورية كانت موجهة إلى القارئ العربي عمومًا والسوري خصوصًا؛ أما القارئ الافتراضي أو المثالي المتخيَّل لما أكتبه هنا، فقد أصبح يتضمن، أيضًا وأحيانًا على الأقل، القارئ العربي المقيم في "الغرب" والقارئ الغربي أيضًا. والكتابة أو العمل في المجال الثقافي أو الإعلامي العربي أقرب إلى الهواية منه إلى العمل الاحترافي فالمردود المادي من هذا العمل ضعيف جدًّا مقارنةً بتكاليف الحياة في ألمانيا، يضاف إلى ذلك إن ظروف اللجوء في مراحله الاولى على الأقل ومحاولة الاندماج في هذا البلد وتطبيع العلاقة معه، كل ذلك يتطلب تفرغًا كاملًا أو شبه كاملٍ وجهودًا مكثفةً لا تفسح مجالًا كبيرًا للكتابة والعمل أو المشاركة في ميدان الثقافة. وفأنا مثلًا اضطررت إلى التوقف عن الكتابة توقفًا شبه كاملٍ لمدة عامين تقريبًا قبل أن أستأنف عملي البحثي والأكاديمي بفضل منحٍ مقدمةٍ من مؤسساتٍ ألمانيةٍ وأمريكيةٍ. | ||
+ | _اللغة هي حقل الكتابة، الكاتب أكثر الناس انخراطاً في اللغة، هل شكل ذلك سبباً في رفض اللغة الجديدة/ لغة البلد الذي لجأت إليه، الألمانية هنا، خاصة أنها لغة مفروضة: أي يجب، حسب الأنظمة الألمانية، على اللاجئ تعلمها؟ أم أن علاقتك الراسخة بلغتك الأم شكلت حافزا لديك لتعلم اللغة الجديدة؟ | ||
+ | تمثل مسألة اللغة الإشكالية الاكبر بالنسبة إلى اللاجئ عمومًا وبالنسبة إلى اللاجئ الكاتب خصوصًا. فبالإضافة إلى ضرورة أن يتعلم لغة البلد الجديد الذي يقيم فيه، عليه ان يقرر إذا كان يود الاستمرار بالكتابة باللغة العربية (فقط) أم أنه يود الكتابة بلغة البلد الذي يقيم فيه. وهذه مسألة غاية في الأهمية ولها نتائج كبيرة ومؤثرة في حياة الشخص عمومًا وفي حياته المهنية وطبيعة كتابته ومضمونها. أنا أحاول ان التوفيق بين أكثر من أمرٍ: الكتابة والعمل باللغة الإنكليزية، تعلم الألمانية تمهيدًا لجعلها لغة العمل، والاستمرار بالكتابة باللغة العربية. طبعًا تعدد الاهداف واختلافها يجعل التقدم في تحقيق كلٍّ منها بطيءٍ (جدًّا). أنا حريص على عدم التخلي عن أي من الاهداف لاعتقادي بضرورتها الملحة. فاللغة الوحيدة التي يمكنني العمل فيها حاليًّا في المجال الأكاديمي والبحثي في ألمانيا هي الإنكليزية؛ وتعلم الألمانية ضرورية لأسبابٍ تتعلق بالحياة اليومية والاجتماعية وبالإقامة وتمديدها وبالعمل الأكاديمي أيضًا؛ أما الكتابة باللغة العربية فهي "حبي الأول والأخير" فهي اللغة التي أشعر بنبضها وأحس بطعم مفرداتها وحروفها وأعبر عن فكري ونفسي من خلالها بطريقةٍ لا يمكن مقارنتها مع أي لغةٍ ثانيةٍ "اضطررت" إلى تعلمها واستخدامها (الفرنسية والإنكليزية والألمانية). | ||
+ | |||
+ | |||
[[تصنيف:كتابات حسام الدين درويش]] | [[تصنيف:كتابات حسام الدين درويش]] |
مراجعة ٠١:٠٨، ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٤
23 نيسان 2018، اللجوء الألماني: مثقفون وكتاب وباحثون في المجرّة الجديدة
حسام الدين درويش
أجرت الصديقة العزيزة "غالية شاهين" تحقيقًا صحفيًّا عن وضع اللاجئين- الكتَّاب في ألمانيا وقد طرحت علي سؤالين، في هذا الخصوص: وفيما يلي نص السؤالين وإجابتي عنهما: _هل من فرق بين كونك كاتباً في سوريا وبين كونك كاتباً لاجئاً هنا في ألمانيا، وهل يترتب على هذا الفرق، إن وجد، معاناة أو مكابدة من نوع خاص؟ "طبعًا" هناك اختلافات كبيرة بين الوضعين. فعلى العكس من الوضع في سوريا، لا رقابة أمنية استبدادية ولا تضييق أمنيٍّ قمعيٍّ، هنا في ألمانيا. وهذا يعني امتلاك الحرية وتحمل كامل المسؤولية عما نكتبه. الكتابة من سورية كانت موجهة إلى القارئ العربي عمومًا والسوري خصوصًا؛ أما القارئ الافتراضي أو المثالي المتخيَّل لما أكتبه هنا، فقد أصبح يتضمن، أيضًا وأحيانًا على الأقل، القارئ العربي المقيم في "الغرب" والقارئ الغربي أيضًا. والكتابة أو العمل في المجال الثقافي أو الإعلامي العربي أقرب إلى الهواية منه إلى العمل الاحترافي فالمردود المادي من هذا العمل ضعيف جدًّا مقارنةً بتكاليف الحياة في ألمانيا، يضاف إلى ذلك إن ظروف اللجوء في مراحله الاولى على الأقل ومحاولة الاندماج في هذا البلد وتطبيع العلاقة معه، كل ذلك يتطلب تفرغًا كاملًا أو شبه كاملٍ وجهودًا مكثفةً لا تفسح مجالًا كبيرًا للكتابة والعمل أو المشاركة في ميدان الثقافة. وفأنا مثلًا اضطررت إلى التوقف عن الكتابة توقفًا شبه كاملٍ لمدة عامين تقريبًا قبل أن أستأنف عملي البحثي والأكاديمي بفضل منحٍ مقدمةٍ من مؤسساتٍ ألمانيةٍ وأمريكيةٍ. _اللغة هي حقل الكتابة، الكاتب أكثر الناس انخراطاً في اللغة، هل شكل ذلك سبباً في رفض اللغة الجديدة/ لغة البلد الذي لجأت إليه، الألمانية هنا، خاصة أنها لغة مفروضة: أي يجب، حسب الأنظمة الألمانية، على اللاجئ تعلمها؟ أم أن علاقتك الراسخة بلغتك الأم شكلت حافزا لديك لتعلم اللغة الجديدة؟ تمثل مسألة اللغة الإشكالية الاكبر بالنسبة إلى اللاجئ عمومًا وبالنسبة إلى اللاجئ الكاتب خصوصًا. فبالإضافة إلى ضرورة أن يتعلم لغة البلد الجديد الذي يقيم فيه، عليه ان يقرر إذا كان يود الاستمرار بالكتابة باللغة العربية (فقط) أم أنه يود الكتابة بلغة البلد الذي يقيم فيه. وهذه مسألة غاية في الأهمية ولها نتائج كبيرة ومؤثرة في حياة الشخص عمومًا وفي حياته المهنية وطبيعة كتابته ومضمونها. أنا أحاول ان التوفيق بين أكثر من أمرٍ: الكتابة والعمل باللغة الإنكليزية، تعلم الألمانية تمهيدًا لجعلها لغة العمل، والاستمرار بالكتابة باللغة العربية. طبعًا تعدد الاهداف واختلافها يجعل التقدم في تحقيق كلٍّ منها بطيءٍ (جدًّا). أنا حريص على عدم التخلي عن أي من الاهداف لاعتقادي بضرورتها الملحة. فاللغة الوحيدة التي يمكنني العمل فيها حاليًّا في المجال الأكاديمي والبحثي في ألمانيا هي الإنكليزية؛ وتعلم الألمانية ضرورية لأسبابٍ تتعلق بالحياة اليومية والاجتماعية وبالإقامة وتمديدها وبالعمل الأكاديمي أيضًا؛ أما الكتابة باللغة العربية فهي "حبي الأول والأخير" فهي اللغة التي أشعر بنبضها وأحس بطعم مفرداتها وحروفها وأعبر عن فكري ونفسي من خلالها بطريقةٍ لا يمكن مقارنتها مع أي لغةٍ ثانيةٍ "اضطررت" إلى تعلمها واستخدامها (الفرنسية والإنكليزية والألمانية).