«الدولة التعارفية..إطاراً ومحتوى»: الفرق بين المراجعتين
Alimohdasaad (نقاش | مساهمات) (←الدولة التعارفية..إطاراً ومحتوى) |
Alimohdasaad (نقاش | مساهمات) (←الدولة التعارفية..إطاراً ومحتوى) |
||
سطر ٧: | سطر ٧: | ||
من وجهة نظر الباحث أن المفاهيم التي يركِّز عليها بحثه ذات صلة بهوية الإنسان ، وهي مفاهيم تنتمي إلى علم الاجتماع السياسي، وتمسُّ العلاقات الإنسانية وتتأثر بها، فكان أنْ تأثرتْ مجتمعاتنا بالفلسفات والنظريات التي سادتْ في القرن العشرين ، تلك التي أسهمتْ في تغيير مراكز القوى في العالم الغربي، كما تركتْ بصماتها لاحقاً في تكوين وخلق هوية الإنسان فيه. | من وجهة نظر الباحث أن المفاهيم التي يركِّز عليها بحثه ذات صلة بهوية الإنسان ، وهي مفاهيم تنتمي إلى علم الاجتماع السياسي، وتمسُّ العلاقات الإنسانية وتتأثر بها، فكان أنْ تأثرتْ مجتمعاتنا بالفلسفات والنظريات التي سادتْ في القرن العشرين ، تلك التي أسهمتْ في تغيير مراكز القوى في العالم الغربي، كما تركتْ بصماتها لاحقاً في تكوين وخلق هوية الإنسان فيه. | ||
إبتداءً يجدر التنويه بالقيمة المعرفية لعنوان الدولة التعارفية ، كونه يُستَمد من القرآن الكريم، ولا أعلمُ أن أحداً سبقه إليه بالوضوح والصراحة التي أشار إليها الكاتب. وهو عنوان يحمل دلالات مهمة إنْ على المستوى الديني أو على المستوى الثقافي. | إبتداءً يجدر التنويه بالقيمة المعرفية لعنوان الدولة التعارفية ، كونه يُستَمد من القرآن الكريم، ولا أعلمُ أن أحداً سبقه إليه بالوضوح والصراحة التي أشار إليها الكاتب. وهو عنوان يحمل دلالات مهمة إنْ على المستوى الديني أو على المستوى الثقافي. | ||
− | وفي هذا البحث يقفز الباحث من مستوى التعارف البسيط كما أسماه بما هو علاقة بين الأفراد تخلق شعوراً بالاطمئنان ورغبة لدى المتعارفين بالتواصل والمشاركة ، إلى مستوى التعارف المركب ، وهو "لبًّ" البحث، كونه الآلية التي تسهم في إنتاج الأعراف العامة الاجتماعية. | + | وفي هذا البحث يقفز الباحث من مستوى التعارف البسيط كما أسماه بما هو علاقة بين الأفراد تخلق شعوراً بالاطمئنان ورغبة لدى المتعارفين بالتواصل والمشاركة ، إلى مستوى '''التعارف المركب ، وهو "لبًّ" البحث، كونه الآلية التي تسهم في إنتاج الأعراف العامة الاجتماعية والتخصصية.''' |
يمكن أن أتوقف عند قوله: {مفهوم التعارف البسيط والمركب ، كمفهوم ثقافي إنساني يكشف الطريق لبناء مجتمع المسؤولية والتقوى، والدولة التي تعبّر عنه أصدق تعبير، فتكون المهمة الرئيسة لهذه الدولة تحقيق العدالة الاجتماعية. إن الخطوة الأولى على هذا الطريق هي صياغة عقد اجتماعي أساسه التعارف} ص8 | يمكن أن أتوقف عند قوله: {مفهوم التعارف البسيط والمركب ، كمفهوم ثقافي إنساني يكشف الطريق لبناء مجتمع المسؤولية والتقوى، والدولة التي تعبّر عنه أصدق تعبير، فتكون المهمة الرئيسة لهذه الدولة تحقيق العدالة الاجتماعية. إن الخطوة الأولى على هذا الطريق هي صياغة عقد اجتماعي أساسه التعارف} ص8 |
مراجعة ١٨:٢٠، ٤ أبريل ٢٠٢٢
الدولة التعارفية..إطاراً ومحتوى
محمد طاهر الحسيني
"لتعارفوا - الدولة التعارفية" بحثٌ افترضَ كاتبه الدكتور علي أسعد أنه بمثابة "منتج ثقافي" مشترك، يشي بخلقٍ علمي، يتطلع معه إلى شراكةٍ مع الباحثين المعنيّين بالموضوع، لنقده وتفحُّصه، عسى أن يكون مثمراً في بناء مجتمعٍ يتجاوز فيه ومعه مشاكله ومعاناته المؤبدة.
من وجهة نظر الباحث أن المفاهيم التي يركِّز عليها بحثه ذات صلة بهوية الإنسان ، وهي مفاهيم تنتمي إلى علم الاجتماع السياسي، وتمسُّ العلاقات الإنسانية وتتأثر بها، فكان أنْ تأثرتْ مجتمعاتنا بالفلسفات والنظريات التي سادتْ في القرن العشرين ، تلك التي أسهمتْ في تغيير مراكز القوى في العالم الغربي، كما تركتْ بصماتها لاحقاً في تكوين وخلق هوية الإنسان فيه. إبتداءً يجدر التنويه بالقيمة المعرفية لعنوان الدولة التعارفية ، كونه يُستَمد من القرآن الكريم، ولا أعلمُ أن أحداً سبقه إليه بالوضوح والصراحة التي أشار إليها الكاتب. وهو عنوان يحمل دلالات مهمة إنْ على المستوى الديني أو على المستوى الثقافي. وفي هذا البحث يقفز الباحث من مستوى التعارف البسيط كما أسماه بما هو علاقة بين الأفراد تخلق شعوراً بالاطمئنان ورغبة لدى المتعارفين بالتواصل والمشاركة ، إلى مستوى التعارف المركب ، وهو "لبًّ" البحث، كونه الآلية التي تسهم في إنتاج الأعراف العامة الاجتماعية والتخصصية.
يمكن أن أتوقف عند قوله: {مفهوم التعارف البسيط والمركب ، كمفهوم ثقافي إنساني يكشف الطريق لبناء مجتمع المسؤولية والتقوى، والدولة التي تعبّر عنه أصدق تعبير، فتكون المهمة الرئيسة لهذه الدولة تحقيق العدالة الاجتماعية. إن الخطوة الأولى على هذا الطريق هي صياغة عقد اجتماعي أساسه التعارف} ص8
لا ينسى الباحث التأكيد على القاعدة المعرفية الفلسفية التي يرتكز عليها هذا التعارف مستنبطة من الكتب السماوية ، وهي التي غرستْ هذا المفهوم وجذَّرته وسعَتْ إلى تعميقه في حياة الإنسان على المستوى الفردي.
في سياق الحديث عن "التعارف والدولة"، يرى الكاتب: "إن الدولة هي الإطار التشريعي والتنفيذي الذي يجسِّد إرادة الأمة أو الشعب" ص18. فيما "يقوم المجتمع التعارفي بذاته ببناء الدولة التي تمثله، وبذلك تكون دولة التعارف قد بُنيتْ من تحت .."ص18 مع ملاحظة "إن حصيلة تطبيق ثقافة التعارف هي بناء مجتمع أهلي-مدني فعّال ومتضامن" ص17.
وفي مقام المقارنات بين الدولة التعارفية والصيغ السائدة للدولة، يعقد الكاتب الفصل الرابع للمقارنات بين الدولة التعارفية و: الدولة العلمانية – الدولة المدنية – الدولة الدينية – الدولة العربية ص40 وما بعدها.
ثمة تفاصيل ماتعة ومهمة ، إنْ على مستوى المقارنات أو على مستوى تلمُّس ما يسهم في تقعيد الدولة التعارفية ووضع الأدوات الإجرائية ، لتكون صيغة قابلة للعيش تتجاوز مرحلة التنظير الفكري. ولكنني سأكتفي بتسجيل عدد من الملاحظات ، وهي بمثابة تعقيب أو تساؤل.
تعقيبات وملاحظات
أولاً: من المهم الإشارة إلى الأصل الديني، وبالتحديد الأصل القرآني، للعنوان موضوع البحث، في وقتٍ قد يظن فيه البعض تجاوز الحضور الديني على مستوى الاجتماع الإنساني، وأنه لم يعد صالحاً لاستنباط ما هو جديد وصالح ومفيد في حياتنا المعاصرة.
ثانياً: ومن المفيد جداً التركيز على مفهوم التعارف بما يسهم في سياقه العام إلى إنتاج قواعد سلوك عامة وأعراف تخدم الاجتماع الإنساني بعيداً عن الخصوصيات الثقافية، وهو ما يعني تجاوز السياق الشخصي للتعارف في صيغته البسيطة التي تعجز عن تفعيل التمايز الاجتماعي بما هو إيجابي ومفيد.
ثالثاً: إذا كانت الدولة إطاراً تشريعياً وتنفيذياً يجسّد إرادة الأمة ويترجم تطلعاتها ، ويحقق آمالها، وتستجيب لحاجاتها المتعددة والمتنوعة، فما هو شكل الدولة في ظل مفهوم التعارف؟! وما هو مضمونها؟ وهو ما ينعكس على مستوى المنظومة التشريعية ، إذْ لا يمكن تصدر منظومة تشريعية منزوعة ومجرَّدة عن القيم التي يؤمن بها المجتمع، أي مجتمع كان، وهو ما تتمايز به المجتمعات ، دينياً وثقافياً وتاريخياً.
ولذلك لا أعرف مدى دقة ما يذكره الباحث : "إنَّ التعارف يُغني عن الأيدلوجيا الثابتة الجامدة ، فهو حالة جدل مستمرة أولاً، ومصدر لأعراف متجددة باستمرار ثانياً،" ص34 فكيف يمكن تجاوز الأيدلوجيات الثابتة – على حدِّ وصفه – عملياً، وكيف يمكن شطب تراث الأمم الذي تشكَّل بتقادم القرون، وهوتراثٌ صنعته الأديان والمصالح والأهواء؟! ولأن الأيدلوجيات قارَّةً ومتأصِّلةً في المجتمعات، فقد يعترف الباحث برفض عددٍ مما عُدَّ من القيم الكونية ، وبالتحديد بما يتصل بالحريات والقيم التي روَّجَ لها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فيرى الباحث: "المجتمع التعارفي – بطبيعته – لا يقبل أن يُفرض عليه من الخارج ولو كان بياناً عالمياً عن حقوق الإنسان. وأي حديث عن حقوق الإنسان لا يأتي كحصيلة للتعارف الإنساني داخل كل مجتمع وفيما بين المجتمعات المختلفة، سيكون كله أو بعض بنوده موضع شكٍ وارتياب" ص31.
رابعاً: تبدو لي العلامات الفارقة التي وضعها الباحث لتمايز الدولة التعارفية عن الصيغ السائدة في العالم المعاصر لا تتناسب مع ما هو بشري واجتماعي عام، فما يفترضه الباحث بديلاً عن (الديموقراطية) كصيغة للحكم، وذلك لما ينتابها من عوارض فساد والإفساد ص24، أراه يصلح للمجتمعات المثالية، ولا يمكن التدليل عليه بنماذج فريدة، من قبيل ما ورد في قصة النبي يوسف (ع)، وإنْ كان يمكن الاستهداء بها والاسترشاد بعبرها ودلالاتها. وقد أخفقتْ مجتمعاتنا الإسلامية في الاهتداء بها في زمنٍ مبكر، مما يؤكد أن إدارة المجتمعات واسعة الأطراف لا يمكن تحقيق الأمان فيها خارج إطار القانون، ولا يسع القيم النبيلة النهوض بها دون الاحتكام إلى قواعد ثابت نسبياً، ولا يُكتفى بالنوايا الحسنة وحالات التقييم الشخصي..
خامساً: لا أزعم أن الباحث لم يتنبّه للمفارقات بين ماهو نظري وماهو عملي، فهو يدرك تماماً ما يعيق الأفكار – عموماً – من أن تأخذ طريقها في حياة الناس، ولذلك عقد الفصل الرابع من بحثه بعنوان "التطبيق والإجراءات العملية" ص53 وما بعدها، ولكنني أزعمُ أنَّ ما عدّه من الإجراءات الممكنة ليس كافياً، وهو لن يتحقق إلا في المجتمعات الضيّقة والمثالية، ولا تتناسب مع المجتمعات المتعددة والواسعة، بحكم اختلاف الثقافات والطبائع والمصالح والأهواء...
سادساً: في (الخلاصة) التي انتهى إليها الباحث يؤكد على "الدولة التعارفية هي الدولة التي تستحق أن ينتمي لها الإنسان المتدين والعلماني والملحد ، والريفي والمتمدن ، والمدني والعسكري ، ويمنحها الولاء ويتشرف بمواطنتها ويدافع عنها. هذه الدولة تعتمد التعارف وقواعده الإجرائية طريقاً لبنائها أو إعادة تشكيلها وآليةً لسنِّ قوانينها واختيار نظامها السياسي ، وتعتمد التعارف عقداً اجتماعياً بين مواطنيها في الداخل ورسالة إنسانية عالمية في علاقاتها مع الخارج" ص70. وبعبارة مختصرة جداً من الباحث نفسه: "الدولة التعارفية لادينية ولاعلمانية" ص77 ، "الدولة التعارفية ليست حيادية بل تنشد العدل" ص77 ، "هي ليست دولة تدير شؤون الناس فقط وإنما دولة برسالةٍ إنسانية" ص77. وإذا كان قد افترض الباحث أن الدولة التعارفية تنأى بنفسها بعيداً عن الأيدولوجيات ، فهي تبدو هنا بهوية أيدولوجية واضحة!! وأزعم في هذا السياق ، أن ليس هناك دولة لا تحمل أيدولوجية معينة، إنما تكون علنية صريحة ، وقد تكون مقنّعة أو سريّة.
سابعاً: وأجد من الضروري الإشارة إلى ما ورد في الخلاصة أيضاً ، "التعارف وسيلة وهدف في آنٍ معاً ، بالإضافة إلى أنه مشعرٌ ومعيارٌ لقياس إنسانية الدولة والمجتمع" ص75.. وأحسبُ أن هذه العبارة تلخّصُ البحث وتضعه في سياقه الصحيح. فإن التعارف (مبدأ) كما هو العدل ، وهو وسيلة وهدف في آنٍ معاً ، وبذلك نتجاوز ما يرد في خصوص الإشكالات التي سجّلناها على صيغة الدولة التعارفية. إذْ تبدو الدولة التعارفية ، هي الدولة التي تستهدي مبدأ "التعارف" مهما كانت أيدولوجيتها – معلنة أو مضمرة – كما تبدو صيغة الدولة التعارفية من وجهة نظري – ليست صيغة للحكم كما هي الدولة الدينية أو الديموقراطية – بل هي (مقياس) وهي (هدف).. وأحسبُ – عندئذٍ – أن مبدأ التعارف ألصقُ بالمجتمعات منه بالدول وهي التي تدفع باتجاه تحقيقه وبأدواتٍ مختلفة وبصيغٍ متعددة.. ولذلك أقترح على الباحث تعديل العنوان بما يتصل بالمجتمع التعارفي بعيداً عن الدولة والأنظمة.. وفي الختام آمل أن تكون هذه الملاحظات أو الهوامش مفيدة ، في سبيل إثراء (مصطلح) جديدٍ قديم.