«فقه الدولة-شذرات»: الفرق بين المراجعتين
Faris.atassi (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'=19 آذار 2020، الإمارة= بين الحربين العالميتين، وبسبب الدمار الهائل في اوروبا وازمة الرأسمالية...') |
Faris.atassi (نقاش | مساهمات) |
||
سطر ٣٧: | سطر ٣٧: | ||
Reem Alhaj اقناع الناس غاية مستحيلة. ولماذا تعتقدين ان الاقناع هو بداية التغيير. الناس تعيش ضمن المنظومة الاجتماعية وتتماهى معها ولا تستطيع الفصل بين الفرد والمنظومة. هذا طبيعي وموجد في حالة المنظومة المثالية والمنظومة السيئة. نحن لا نبحث عن مجتمع مثالي، نحن نبحث عن مجتمع متلائم مع التوقعات التي تتيحها التقنية والبيئة المحيطة. اعتقادك بوجود مجتمع افضل يأتي من رؤيتك وتجربتك لذلك المجتمع الافضل، وليس من توق فطري لمجتمع افضل. هذا المجتمع الافضل لا يأتي بالاقناع، وانما بتغيير الظروف التي تسمح للمجتمع القديم بالوجود؛ اعتقد مثلا بضرورة تغيير نمط الانتاج، بضرورة الابتعاد عن الدولة المركزية، وبضرورة اعادة المبادرة للمجتمع. كل هذه الاشياء تأتي مع بعضها وتدريجيا وعندها سترين الناس مقتنعين وختى عبيد للمنظومة الجديدة. | Reem Alhaj اقناع الناس غاية مستحيلة. ولماذا تعتقدين ان الاقناع هو بداية التغيير. الناس تعيش ضمن المنظومة الاجتماعية وتتماهى معها ولا تستطيع الفصل بين الفرد والمنظومة. هذا طبيعي وموجد في حالة المنظومة المثالية والمنظومة السيئة. نحن لا نبحث عن مجتمع مثالي، نحن نبحث عن مجتمع متلائم مع التوقعات التي تتيحها التقنية والبيئة المحيطة. اعتقادك بوجود مجتمع افضل يأتي من رؤيتك وتجربتك لذلك المجتمع الافضل، وليس من توق فطري لمجتمع افضل. هذا المجتمع الافضل لا يأتي بالاقناع، وانما بتغيير الظروف التي تسمح للمجتمع القديم بالوجود؛ اعتقد مثلا بضرورة تغيير نمط الانتاج، بضرورة الابتعاد عن الدولة المركزية، وبضرورة اعادة المبادرة للمجتمع. كل هذه الاشياء تأتي مع بعضها وتدريجيا وعندها سترين الناس مقتنعين وختى عبيد للمنظومة الجديدة. | ||
اما الانفصال عن المجتمع بسبب الفردية الناضجة والمعرفة الزائدة والقدرة على ممارسة الحرية دون الحاجة للجماعة، فهذه نعمة ونقمة في الوقت نفسه. لست وحيدة لكنك تنتمين الى اقلية صغيرة. انا انتمي الى نفس الاقلية ولا ازال. اتمنى ان تجدي الوسط الصغير الذي يجعلك تحسين بالانتماء. لا استطيع ان اقول اني وجدته، لكن ليست كل الايام سيئة، ولست البريء المظلوم ايضا، اعرف من انا. | اما الانفصال عن المجتمع بسبب الفردية الناضجة والمعرفة الزائدة والقدرة على ممارسة الحرية دون الحاجة للجماعة، فهذه نعمة ونقمة في الوقت نفسه. لست وحيدة لكنك تنتمين الى اقلية صغيرة. انا انتمي الى نفس الاقلية ولا ازال. اتمنى ان تجدي الوسط الصغير الذي يجعلك تحسين بالانتماء. لا استطيع ان اقول اني وجدته، لكن ليست كل الايام سيئة، ولست البريء المظلوم ايضا، اعرف من انا. | ||
+ | |||
+ | =19 آذار 2020، الحاجة إلى الدولة= | ||
+ | نعتقد بأن الدولة حاجة. هذا التفكير الوظيفي هو نفسه الذي يقول "سبحان الله خلق الهواء حتى نتنفس". لا يوحد تسلسل زمني حيث المجتمع اولا ثم الدولة ثانيا بسبب الحاجة إليها. المجتمعات ليست مجرد تجمع للبشر مع بعض، المجتمع بالضرورة يحتوي وظائف قيادية. والمجتمعات الاكبر والاكثر تطورا تقنيا والاكثر عددا تنشأ وتنشأ الدولة معها بنفس الوقت. هذا ما يسمى بالانبثاق. اي ان المنظومة الجديدة المجتمع+الدولة تظهر معا وليس بشكل مستقل لكل جزء. لا يوجد مجتمع كبير ومتطور دون دولة ولا توجد دولة دون مجتمع كبير ومتطور. المجتمع الكبير والمتطور هو مجتمع مختص ومتنوع ومتكامل وبالتالي منضبط ويخضع لقواعد. لا توجد حاجة سابقة لوجود المجتمع+الدولة، هذه الحاجة التي نراها هي ذلك التكامل بين الاثنين. المجتمع بحاجة لدولة والدولة بحاجة لمجتمع. لكن هذا التكامل لا يفرض بالضرورة نوعا محددا من الدول وانما يفرض قيادة من اجل ادارة التخصص والتكامل. ويمكن القول بان التوجه العام لكل المجتمعات الكبيرة كان ولا يزال نحو تركيز السلطة والمال بيد نخبة واحدة. لكن هذا التركيز قد يقتل المنظومة اذا وصل الى حد يمنع التداول. نحن بحاجة الى ايجاد صيغة جديدة للقيادة. ومن اجل ذلك يجب ان نفكك الخطاب الذي يبرر وجود الدولة المركزية والمحتكرة، ويجب ان نفكك الوظائف والمهام التي راكمتها الدولة خلال السنوات الخمسة آلاف من وجودها. التفكيك اساسي من اجل ايجاد التوليفة الجديدة. | ||
+ | كل ما اقوله هو ان شرط المركزية ليس ضروريا، وشرط الشمولية كذلك. التطور التقني يفرض نمط الانتاج والدولة. التطور التقني الاخير يعطينا خيارات لم نكن نحلم بها. ما يففصل بيننا وبين تلك الخيارات هو خطاب الدولة الحالي، اي خطاب "نحن بحاجة للدولة المركزية" . | ||
+ | نتحدث كثيرا عن دولة التمثيل والخدمات. لكن ما يجب ان نتحدث عنه هو تحويل الدولة بالكامل الى خدمة وليس الى امارة تبرر وجودها بادعاء التمثيل وبعض الخدمات. نحتاج الى حماية المواطن من الدولة وليس الى حماية امن الدولة. | ||
[[تصنيف:فقه الدولة]] | [[تصنيف:فقه الدولة]] |
المراجعة الحالية بتاريخ ٢٢:٠٥، ١٤ فبراير ٢٠٢٥
19 آذار 2020، الإمارة
بين الحربين العالميتين، وبسبب الدمار الهائل في اوروبا وازمة الرأسمالية العالمية، توجهت كثير من الحكومات الغربية ومن خلالها الحكومات في الدول الاخرى نحو تضخم الجهاز البيروقراطي وتدخل الدولة في تأمين الحاجات الاساسية للمواطن. اصبحت الدولة تقدم المساعدات وتقوم على مؤسسات الضمان الاجتماعي وتقدم التعليم المجاني وتوزع المخصصات الاستهلاكية وتضبط اسعار الوقود وتبني المساكن المدعومة، بالاضافة الى العناية بالمرافق العامة وبناء البنية التحتية العامة ووسائل النقل العامة والطرقات. تصدت الدولة لعملية اعادة توزيع الثروة ، بالاضافة الى دورها التقليدي في سن القوانين وتأمين القضاة والمحاكم وضبط الامن والدفاع عن الحدود. خلال اقل من قرن تحولت الدولة من مجرد ملك واسرة حاكمة عسكرية تملك وتغزو الى مركز حياة المجتمع. ان شعار البعث "قيادة المجتمع والدولة" (المادة الثامنة في الدستور ) لم يكن من اختراع البعث ولا من اختراع اليسار الثوري الاشتراكي. ان دولة الحداثة بطبيعتها وتاريخها هي دولة شمولية ومتسلطة ومتغلغلة، وان كان بدرجات مختلفة. النموذج الاوروبي كان آيلا للسقوط بسبب التنافس الهائل في السوق العالمية، وهو تنافس قديم بدأته الامبراطوريات التجارية الاوروبية ثم زادت حدته الثورة الصناعية. دولة الاعالة لا يمكن ان تصمد في النظام الرأسمالي التنافسي والمعولم وفي نظام التقاعد المبكر واطالة فترة الشيخوخة (معظم المصاريف الصحية تقع بعد التقاعد). ما كان يسميه الفرنسيون بالمكاسب الاجتماعية اصبح الحمل الثقيل الذي يشد منظومة الاعالة بالكامل الى الاسفل. لكن اليوم ومع وباء الكورونا المعولم والشديد الفاعلية والسريع الانتشار يبدو ان الدول الاكثر سلطوية هي الاقدر على مواجهة الوباء المعمم بسببن جاحها في توجيه الموارد وضبط السكان. لم نر في الصين شجارا على ورق التواليت كما نرى في اوروبا، ولم نر في كوريا الجنوبية نقصا في فحوص اكتشاف المرض الذي نراه في الولايات المتحدة. ايطاليا ترفض معالجة المصابين لان منظومتها الصحية لا تقدر على استيعاب كل الحالات، وفرنسا انزلت الجيش الى الشوارع لمنع الناس من التجمع ومنحت الشركات اعطيات مالية تمكنهم من دفع اقساط الضمان الصحي لموظفيهم وقد تعود الى تأميم بعض الشركات الاساسية مثل شركات النقل والكهرباء والاتصالات لحمايتها من السقوط. فهل سنرى مطالب باعادة الدولة المركزية القادرة على توجيه الموارد المادية والبشرية والقادرة على التخطيط والتدخل في حياة الناس لحمايتهم من الاوبئة وضبط الاقتصاد لمنع انهياره. وحتى التسعينات بدا ان الدولة المتغلغلة مثل الدولة الفرنسية او الالمانية هي النموذج العالمي الذي سيحذو الجميع حذوه. الا ان سقوط المعسكر الشرقي وصعود الولايات المتحدة كقطب وحيد لا ينازعه منازع حطم بالتدريج النموذج الاوروبي لصالح النموذج الامريكي النيوليبرالي. ولا يبدو ان امريكا وحدها قلبت الموازين. فالنموذج الاوروبي لدولة الاعالة والرخاء كان طفرة النمو في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. الافكار الاشتراكية اقترحت تسليم كل شيء للدولة، الملكية العامة والخدمات والبنية التحتية والضمان واعادة توزيع الثروة وحتى التصنيع وانتاج الثروة. وقد تلاقت هذه الافكار مع الليبرالية الاوروبية التي قادت المجتمع والدولة بين الحربين وبعد الحرب الثانية والتي انتجت دولة الاعالة التي نعرفها. الى درجة ان اختيار الدولة الفرنسية للتأميم في حالات الازمات مثل اليوم او الازمة المالية عام ٢٠٠٨ لم يثر اية شكوك او احتجاجات. فالعقلية التي تعودنا عليها دربتنا على الركض نحو حضن الدولة المركزية كلما وقعنا في ازمة. لكني اريد ان انظر الى الامور بطريقة اخرى. ان تمدد الدولة المركزية وسيطرتها على كل شيء سواءا في الدول الاشتراكية او في الدول الاوروبية الغربية لم يكن تمددا طبيعيا لا مفر منه؛ وانما كان اعادة صياغة وتسويق للدولة الملكية الاستعمارية. تلك الدولة التي قادت الحركات القومية والثورة الصناعية في ألمانيا وفرنسا وروسيا، وقادت التوسع الاستعماري العالمي واوصلت العالم الى حربين عالميتين، لم تكن تطورا "طبيعيا" او "جذريا ثوريا" كما نتخيل. الدولة الملكية تحولت الى دولة رئاسية مركزية. النخب الحاكمة لم تتخل عن سيطرتها على مقاليد السلطة، وانما اعادت صياغة نفسها كدولة خدمات وديمقراطية. قلت يوما ان الثورة الفرنسية اكبر كذبة في التاريخ، ليس لانها لم تحدث، وانما لانها لم تغير اي شيء عند حصولها. النخب الحاكمة التي جاءت بعد ستين سنة اعادت استخدام سردية الثورة لتبرر انتقالها من الملكية نحو دولة الحداثة القومية الديمقراطية، انها النسخة الرأسمالية للدولة. لكن النخب كمسيطر لم تتغير في الحقيقة وانما حصل فيها بعض التعديل بحيث تحولت من اقطاعية تملك الاراضي الى صناعية تجارية استعمارية. الدولة كأداة قمع وتسلط بالدرجة الاولى لم تتغير، بل اضافت الى وجهها قناع الخدمات وتمثيل الشعب والديمقراطية. النخب كأشخاص وعوائل تغيرت بالطبع، لكن طبيعتها كطبقة مسيطرة على الدولة والاقتصاد بقيت كما هي. لم تصبح الدولة حكم الشعب بالشعب وللشعب وانما تغيرت ايديولوجيتها التبريرية من "الله يحمي الملك" الى "الرئيس يمثل الشعب". الدولة كأداة سيطرة بيد النخب السياسية والاقتصادية بقيت كما هي، اي اداة سيطرة بيد النخب الحاكمة. ان التحدي الجوهري لذلك النموذج لم يكن الثورة الصناعية والديمقراطية، فالدولة بقيت مؤسسة ضبط وسيطرة. لكن التحدي الجوهري لطبيعة الدولة يحصل اليوم بسبب الثورات التكنولوجية المتعاقبة وخاصة الثورة المعلوماتية بشقيها تبادل المعلومات (الاتصالات) وحفظ المعلومات ومعالجتها (الكمبيوتر)، وبسبب الثورة في التسليح (لا داعي للعنف لانه عنف لا نهائي لا يمكن مقاومته؛ تتفيه العنف، اي جعله غير ضروري بسبب الخوف من لانهائية قوته). ان ازمة سوريا وازمة الوباء ابرزت مساوئ الدولة المركزية. فمن خلال سلطتها المطلقة، يمكن للدولة ان تقضي على البشرية بسبب تقاعسها وفساد نخبتها القيادية، او ان تحمي البشرية مقابل ان تتخلى الاخيرة نهائيا عن حريتها. يعني اما ان نعبد الدولة كإله يفعل بنا ما يشاء او ان نتخلص منه. لا توجد خيارات اخرى اليوم. اما الدولة المركزية بعجزها وبجرها يوما تحمينا (الصين مثالا والمزاعم الاوروبية والامريكية) وبقية السنة تضعنا في سجونها وتضبط حركتنا وتقتلنا بالجملة (الصين ايضا، كما سيحدث في الغرب بعد الوباء)، واما ان نطرح افكارا جديد لادارة المجتمعات. ولذلك اصبح من الواجب طرح مفاهيم جديدة للتعامل مع الدولة وطرح اسئلة جديدة لم نجرؤ عليها يوما منذ ان نشات الدولة في بلاد ما بين النهرين في الالفية الثالثة قبل الميلاد. ما هي الدولة؟ ولماذا هي موجودة؟ وهل نحن فعلا بحاجة إليها؟ الاسلامويون مقتنعون بان الدولة شأن إلهي. وليس الغرب بعيدا تماما عن هذا الزعم وكل ما هناك هو ان سلطة الدولة تتخفى وراء مزاعم التمثيل والعقد الاجتماعي. اقترح ان نميز بين المفاهيم التالية: التحكم/الامارة والحكم والادارة (ruling, governing, administering). هذه سلطات مختلفة للدولة لا نميز الواحدة عن الاخرى. كما يجب ان نميز بين التشريع والتنفيذ والقضاء، هذه ايضا سلطات نجمعها في الدولة، لا بل نعتبرها اقساما للدولة. الامارة/التحكم هي سلطة الاجبار من خلال العنف او التهديد بالعنف. واصر على العنف. حتى في الحالات التي يبدو ان الناس تذعن للدولة بسبب شرعيتها (الخدمات والكفاءة)، الا ان اساس هذا الاذعان هو استبطان التهديد بالعنف. لا احد يذعن لآخر لان ذلك الآخر يقدم خدمة. قد تشتري الخدمة فتكون ندا للدولة، لكن الاذعان ابعد من الشراء، انه عقد اجباري. هذا الاجبار يبدو جليا في النظام الملكي، وفي النظام الديني، والسلطاني (بيروقراطية + ملكية)، والدكتاتوري السلطوي. الامارة هي ايضا الضريبة. الناس تعطي الدولة ضرائب منذ ظهور الدولة ودون ان تتوقع او تنتظر اية خدمات. الضريبة هي حق الملك في اموال الناس. الضريبة هي المال الذي يصرفه الملك من اجل بقائه في الحكم لكنه يزعم انه يصرفه على الرعية. الزكاة ليست الضريبة الا اذا جمعتها الدولة، الزكاة جزء من سلطة المعبد القديمة في الاعالة. وجهها الاخر هو العمل الخيري. الحكم هو الحد الادنى من الخدمة الذي تقدمه الدولة الملكية. الحكم مثلا هو التشريع والقضاء، التحكيم بين المتخاصمين، حماية الملكيات والابدان، حماية الحدود، اعادة صرف جزء من الضريبة على البنية التحتية. الحكم لم يكن بقصد الخدمة وانما بقصد انتاج الاذعان دون الحاجة الى عنف مباشر، اي بقصد استبطان الاذعان واعتباره ثمنا للكفاءة في الابقاء على المجتمع. الحكم هو ما يجعل كل حكومات الدنيا تزعم بأنه "دون دولة ستكون هناك فوضى"، "دون دولة سيهجم الاعداء واللصوص". القضاء لم يكن بالضرورة من وظائف الدولة لكن الدولة احتكرته. وفي المجتمعات الصغيرة والاقل تعقيدا، القضاء لا يتبع لزعماء القبيلة بل يكون منفصلا ومستقلا. لم يكن القضاء ايضا حكرا على الكهنوت. لكن في اليهودية والاسلام اصبح جزءا من وظيفة الكهنوت. التشريع شأن عام لا يفقه فيه قائد الجيش، الذي اصبح لاحقا الملك. لكن التشريع اساسي للشرعية. ولذلك نرى الاله مردوخ يعطي التشريعات للملك حمورابي، ونجد الاله يهوه يعطي التشريعات للقائد موسى. الدولة احتكرت التشريع كما احتكرت القضاء. وفي حالات السلم الاهلي كان التشريع يعود الى العرف الاجتماعي والقضاء يعود الى اطراف محلية مستقلة او غير مستقلة عن السلطة المحلية. الادارة مفهوم حديث جدا ظهر مع تطور الدولة في الغرب من الملكية صاحبة الشوكة والضريبة الى الديمقراطية صاحبة السيادة والخدمة (السيادة شكل جديد للشوكة، والخدمة شكل جديد للضريبة). الادارة هي الخدمات الجديدة التي بدأت الدولة تقدمها للمجتمع مثل الضمان الاجتماعي والبنية التحتية والحد الادنى من الخدمات العامة وآليات تكافؤ الفرص مثل التعليم العام والضمان الصحي العام، هذه الاليات التي ضمنت بقاء الطبقة الوسطى (الذراع اليمنى للدولة الحديثة، وعبيد المنظومة الاقتصادية الجديدة). الدولة الملكية القديمة كانت تسيطر على الامارة والحكم (سياسة الرعية بالمعنى القروسطي). ولكن ومع تطور الحضارة لم تتراجع الدولة فتترك احتكارها للقوة والتسلط والتشريع والقضاء، لا بل اعطت هذه الاحتكارات شرعية جديدة، اي ان هذه الاحتكارات اصبحت حق الدولة في تعاقد اجتماعي سخيف يجعل الخدمة ثمنا لهذه الاحتكارات. الدولة الحديثة فاقت الملكية اذ اعطت تبريرا جديدا للامارة والحكم واضافت إليهما الادارة. ولذلك قلت بأن الدولة الحديثة شمولية اكثر من اية دولة سابقة. الامارة اليوم اصبحت مطلقة بسبب فعالية الاسلحة الحديثة وعنفها اللامتناهي. الامارة هي ما يجعلنا في النهاية نخضع للدولة مهما كان التبرير (شرعية ام تهديد بالعنف). الامارة هي التي تجعلنا نخاف من الشرطي ونخاف من المحافظ ونخاف من مدير الاوقاف ونذعن لهم. حتى البيروقراطيين القائمين على الادارة اصبحوا حكاما يأمرون وينهون. الامارة هي الاحساس بالذل الذي نشعر به امام اي موظف في الدولة وهو يعاملنا كالعبيد رغم انه مجرد مقدم خدمة فقط. اما الحكم فقد اصبح ملعب السياسيين المتكالبين على السلطة (اي على الامارة). حتى الوباء اصبح مسيسا. الحكومات اليوم لا تحمينا من الوباء وانما تعطينا معلومات كاذبة لتحمي نفسها، لتحمي مناصب سياسييها. اما الادارة فهي الأساس الجديد الذي ليس مسموح لنا ان نفكر فيه معزولا عن السلطة والدولة المالكة للسلطة. وكما قلت حتى اصغر موظف في الدولة الذي من المفروض ان يكون مجرد بيروقراطي تكنوقراطي مختص يمكن ان يتأمر علينا وأن يجير قدرة الدولة لمنفعته الشخصية. الادارة هي ما يجعل الدولة الملكية سلطانية. انها الخبرة التقتية التي كان من المفروض ان تقدم خدمات للمجتمع، لكن الانظمة السلطوية حولتها الى اقطاعيات وادوات للنهب الممنهج. المركز الاداري في الدولة السورية مثلا، وفي اية دولة، اصبح اساس الفساد واساس الاغتناء عن طريق الدولة. ولذلك اقترح ان نفصل الامارة والحكم والادارة كليا عن بعضها البعض وان نبعد اكثرها عن الدولة المركزية. لا اقول بازالة الدولة المركزية، وانما بسحب الاحتكارات منها وقصرها على وظائف يحتاجها المجتمع لبقائه. يعني التركيز يحب ان يكون على بقاء المجتمع كوحدة وليس على بقاء الدولة المركزية بذريعة انها تمثل المجتمع. اولا الامارة فلسنا بحاجة لممارستها بشكل مركزي وممنهج. يجب تذرير الامارة قدر الامكان عن طريق الفصل بين المحلي والمركزي، وعن طريق تخفيف المركزي وتعداد المحلي. ثانيا، الحكم ليس بحاجة الى سلطتين متنافستين تشريعية ومركزية، وسلطة قضائية تزعم انها مستقلة. يمكن تقسيم الحكم الى سلطات مستقلة وليست فقط منفصلة عن بعضها البعض كما في الديمقراطية. وهنا ايضا يمكننا الفصل بين المركزي والمحلي، وتعداد المحلي. اما الادارة فيمكن ايضا فصلها نهائيا عن الدولة، وكذلك تقسيمها الى جزئين محلي ومركزي. لا اقول هنا اننا لسنا بحاجة الى مؤسسات مركزية. بالطبع لا فالوباء دليل على الحاجة الى تخطيط مركزي وتنسيق مركزي واعادة توظيف مركزية للموارد المادية والبشرية. نحن بحاجة الى مؤسسات مركزية. لكننا لسنا بحاجة الى جعلها تحت سلطة الدولة بحيث يتلاعب بها السياسيون. الوباء اظهر بأن السياسيين سيحاربون من اجل بقائهم الى النهاية حتى ولو كان ثمن ذلك القضاء على نسبة من السكان. هذا ينطبق على اوروبا وامريكا كما ينطبق على سوريا.
Ezzat Baghdadi طبيعة المجتمعات البشرية تنتج الحكم، فوجود أي مجتمع بشري مؤشر وجود حاكم. يأتي الحاكم من قدرة ثلة على التسلط. أما الإدارة تأتي من تنظيم التداول والحوكمة تأتي من تنظيم شؤون الإدارة لجعلها قابلة للانتشار على نطاق واسع. حدود الصدع بين الحكم والإدارة واضحة كما أن استقرار أي مجتمع مؤشر وجود عقد بين الحاكم والمحكوم. ما يحتاجه أصحاب الحكم والمحكومين في العالم اليوم فضلاً عن زيادة القدرة التنافسية للمجتمعات إدراج تغيير جوهري، وهو التحول من التركيز على أمن الدولة إلى التركيز على الأمن البشري. أي جعل أمن الناس مؤشر الأمن وليس أمن الدولة.
Ahmad Nazir Atassi Ezzat Baghdadi ما هو معنى الحكم في جملتك الاولى. كل المجتمعات تنتج قيادة. هذه القيادة احيانا تمارس الامارة او السلطة واحيانات تمارس الادارة. المجتمعات المدنية الكبيرة تنتج الامارة والحكم بأشكال مختلفة. الدولة المركزية مرحلة متطورة جدا في مسيرة تطور الدول. العقد الذي تتكلم عنه هو عقد اذعان مقابل بعض المكاسب، لكن العقد الذي تكلم عنه الليبراليون هو عقد اختصاص اي يتخلى الناس عن السلطة حتى تختص الدولة بحمايتهم ويختص الافراد بالتبادل الاقتصادي. انه عقد مثالي يقوم على الحرية الفردية المطلقة وخرية الخيار. لا شيء في الدولة يشي بحرية الخيار. الدولة عقد اذعان مفروض وليس طوعي بحيث يقبل الناس بها مقابل ان لا تمارس العنف ضدهم وان توزع بعض المكاسب عليهم.
Reem Alhaj
احمد، انا بتفق بكتير من الحقائق التي ذكرتها. بالنسبة لحياتي الشخصية، عدم تصديق الحكاية اللي عطوني اياها وتخيل واقع أفضل من خلال تقبلى للمجهول وبناء حياة على مبادئى الخاصة كانت أول الخطوات نحو بناء واقع لنفسي مختلف عن محيطي. طبعا دفعت ثمن غالي لاخد حريتي، سنين طويلة من العزلة اللي كانت وماذلت بتسببلي مشاكل عاطفية ونفسية. ان كان بسوريا او البلاد المحيطة اللي عشت فيها، او بكندا، تعرضت لكثير من الرفض واحيان الاهانات واحيان حتى التشكيك بمستوى فكرى من بعض الاصدقاء، كلو كان رد على تشكيكي بصحة الحكيات اللي هالناس كانو ومازالو مؤمنين فيها.
طبعا عم شارك حالتي الشخصية بهدف الشرح أنه بالنسبة لالي، بناء على شو تعلمت والتجارب اللي عشتها بدول دكتاتورية وديموقراطية، المشكلة الأعمق من هيمنة الدولة هي الإيمان الكامل والاعمى من كتير ناس بواقع وشرعية وضرورة الدولة. وهي نوع من انواع التآليه للدولة وبالتالي عدم القدرة على مواجهتها او حتى التفكير بمجرى الامور. وفينا حتى ناخد خطوة اعمق، ومنشوف انو اغلبية الافراد هنن نفسهم غير قادرين على مساءلة النفس والبحث بمعتقداتهم، فما بالك مساءلة مجتمعهم والاهم مساءلة منظومة الدولة؟ فعلا، هاد الخوف، ان كان خارجى او داخلي، من التفكير بسبب الايمان بالعقاب (حتى لو فكرت بينك وبين نفسك) موجود من ٥٠٠٠ سنة و لحد هلق، السرد اللي زكرته بكفى ليشرح هالحقائق. بالزمان اللي مانو بعيد، الملوك والسلاطيين تخبو ورا فكرة الله ليحكمو، بينما ليوم الرئاسة (او اصحاب القرار متل ما بحب سميهم) بيستخدمو فكرة انو الشعب هو الحاكم. مع العلم انو الشعب والحاكم بيعرفو انو هالفكرة هي مجرد عقيدة. واقعهم بينفى صحة هالعقيدة. ولكن لسى لسبب ما مقتنعين انو هالكلمات بتمثل واقع. انا حاولت ولسى عم حاول، على مجالي الشخصي والاجتماعي اني حفز الناس على التفكر العميق، باللي بيعرفوه وبحقيقة تجاربهم، على امل يشوفو انو التنين مانن كليا حتميين. ولكن للصدق، باغلب الاحيان فشلت اني اقدر اقنع ايا حدا. بالعكس، كتير من الناس صارحونى انن ما بيتزكرو اخر مرة فكرو فيها بعمق، وبعدها، بالعموم، بيتجنبوني او بيحذفوني من حياتهم. مهما حكيت، وحتى لو بيني وبين أفراد في تفاهم او حتى صداقة بينا، بغض النظر على اختلاف معتقداتهم ودياناتهم وجنسياتهم، بمجرد الفرد يرجع للمجموعة قدرتهم الفكرية الفردية شبه بتختفي وبيتصرفو بعبودية مخيفة بالنسبة الي. ما قدرت لحد هلق افهم هالعبودية او لي هالافراد تخلو عن حقيقتهم بهدف البقاء بالمجموعة بايا ثمن. ولكن توصلت لفكرة انى مستحيل اقدر اقنع ايا شخص بالتغيير الا اذا هنن في جزء منن عم يبحث عن التغيير. الاغلبية مستعدين يعيشو بعبودية طوعا علي ان ياخدو طريق غير مضمون. وعلى ما يبدو ضمان العبودية الفكرية، واحيان حتى مصير الحياة الفردية، اسهل بالنسبة الهم من تقبل المجهول بهدف بناء مستقبل افضل، او حتى اذا ما قدرنا نبني شي افضل، علي القليلة المحاولة.
ولهيك، بالنسبة للي تعلمته واللي عشته، انا بشوف المشكلة اللي ذكرتها هيي ما بس انو الدولة عم تستعبدنا بكل ابتكاراتها، وبالتالى الحل هوي فصل مركزها وتسليم المراكز للمجتمعات. وإنما الدولة والشغاليين فيها على دراية عميقة بحقيقة خوف الفرد من التفكير وبالتالي استسلام الفرد لفكر المجموعة ان كان طوعا او قصرا. وهالمعرفة خلت اصحاب القرار قادرين يسيطرو على اغلبيتنا من خلال استغلال الحالة النفسية عند غالبية الناس وتأسيسها كما طاب لهم باسم “الدولة.
Ahmad Nazir Atassi
Reem Alhaj اقناع الناس غاية مستحيلة. ولماذا تعتقدين ان الاقناع هو بداية التغيير. الناس تعيش ضمن المنظومة الاجتماعية وتتماهى معها ولا تستطيع الفصل بين الفرد والمنظومة. هذا طبيعي وموجد في حالة المنظومة المثالية والمنظومة السيئة. نحن لا نبحث عن مجتمع مثالي، نحن نبحث عن مجتمع متلائم مع التوقعات التي تتيحها التقنية والبيئة المحيطة. اعتقادك بوجود مجتمع افضل يأتي من رؤيتك وتجربتك لذلك المجتمع الافضل، وليس من توق فطري لمجتمع افضل. هذا المجتمع الافضل لا يأتي بالاقناع، وانما بتغيير الظروف التي تسمح للمجتمع القديم بالوجود؛ اعتقد مثلا بضرورة تغيير نمط الانتاج، بضرورة الابتعاد عن الدولة المركزية، وبضرورة اعادة المبادرة للمجتمع. كل هذه الاشياء تأتي مع بعضها وتدريجيا وعندها سترين الناس مقتنعين وختى عبيد للمنظومة الجديدة.
اما الانفصال عن المجتمع بسبب الفردية الناضجة والمعرفة الزائدة والقدرة على ممارسة الحرية دون الحاجة للجماعة، فهذه نعمة ونقمة في الوقت نفسه. لست وحيدة لكنك تنتمين الى اقلية صغيرة. انا انتمي الى نفس الاقلية ولا ازال. اتمنى ان تجدي الوسط الصغير الذي يجعلك تحسين بالانتماء. لا استطيع ان اقول اني وجدته، لكن ليست كل الايام سيئة، ولست البريء المظلوم ايضا، اعرف من انا.
19 آذار 2020، الحاجة إلى الدولة
نعتقد بأن الدولة حاجة. هذا التفكير الوظيفي هو نفسه الذي يقول "سبحان الله خلق الهواء حتى نتنفس". لا يوحد تسلسل زمني حيث المجتمع اولا ثم الدولة ثانيا بسبب الحاجة إليها. المجتمعات ليست مجرد تجمع للبشر مع بعض، المجتمع بالضرورة يحتوي وظائف قيادية. والمجتمعات الاكبر والاكثر تطورا تقنيا والاكثر عددا تنشأ وتنشأ الدولة معها بنفس الوقت. هذا ما يسمى بالانبثاق. اي ان المنظومة الجديدة المجتمع+الدولة تظهر معا وليس بشكل مستقل لكل جزء. لا يوجد مجتمع كبير ومتطور دون دولة ولا توجد دولة دون مجتمع كبير ومتطور. المجتمع الكبير والمتطور هو مجتمع مختص ومتنوع ومتكامل وبالتالي منضبط ويخضع لقواعد. لا توجد حاجة سابقة لوجود المجتمع+الدولة، هذه الحاجة التي نراها هي ذلك التكامل بين الاثنين. المجتمع بحاجة لدولة والدولة بحاجة لمجتمع. لكن هذا التكامل لا يفرض بالضرورة نوعا محددا من الدول وانما يفرض قيادة من اجل ادارة التخصص والتكامل. ويمكن القول بان التوجه العام لكل المجتمعات الكبيرة كان ولا يزال نحو تركيز السلطة والمال بيد نخبة واحدة. لكن هذا التركيز قد يقتل المنظومة اذا وصل الى حد يمنع التداول. نحن بحاجة الى ايجاد صيغة جديدة للقيادة. ومن اجل ذلك يجب ان نفكك الخطاب الذي يبرر وجود الدولة المركزية والمحتكرة، ويجب ان نفكك الوظائف والمهام التي راكمتها الدولة خلال السنوات الخمسة آلاف من وجودها. التفكيك اساسي من اجل ايجاد التوليفة الجديدة. كل ما اقوله هو ان شرط المركزية ليس ضروريا، وشرط الشمولية كذلك. التطور التقني يفرض نمط الانتاج والدولة. التطور التقني الاخير يعطينا خيارات لم نكن نحلم بها. ما يففصل بيننا وبين تلك الخيارات هو خطاب الدولة الحالي، اي خطاب "نحن بحاجة للدولة المركزية" . نتحدث كثيرا عن دولة التمثيل والخدمات. لكن ما يجب ان نتحدث عنه هو تحويل الدولة بالكامل الى خدمة وليس الى امارة تبرر وجودها بادعاء التمثيل وبعض الخدمات. نحتاج الى حماية المواطن من الدولة وليس الى حماية امن الدولة.