«سلسلة سياسة»: الفرق بين المراجعتين

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث
(أنشأ الصفحة ب'=1 شباط 2020، سؤال السياسة والسياسي= #سياسة ج١- سؤال السياسة والسياسي كتب الاستاذ محمد البقاعي ع...')
 
(لا فرق)

المراجعة الحالية بتاريخ ٢٠:٥٨، ١٣ فبراير ٢٠٢٥

1 شباط 2020، سؤال السياسة والسياسي

  1. سياسة ج١- سؤال السياسة والسياسي

كتب الاستاذ محمد البقاعي على صفحته:"سورية الثورة والمعارضة حبلى بالمحللين السياسين وليس برجال السياسة". هذه ملاحظة نستطيع تصديقها لكن لو حاولنا شرحها لوقعنا في كثير من المطبات المفهومية. في مجموعة البوحيات الجديدة "قلبي قلبك" دار نقاش كبير حول قبول ما سموهم بالموالين على صفحة مهتمة بالازمات النفسية للسوريين. احد محاور النقاش كان "ما هو تعريف المؤيد" و"ما هو تعريف المعارض". ثم اتخذت ادارة المجموعة قرارا بفتح المجموع وعدم "الحكي بالسياسة". لسبب ما وجدت ان التعبير عن جدال موالي-معارض بمصطلح "حكي بالسياسي" غريبا. واعتقد ان الغرابة هنا لها علاقة بردة فعلي على منشور الاستاذ البقاعي، اي التساؤل عن تعريف "رجل السياسة" واختلافه عن "المحلل السياسي". يمكن ان نتساءل ايضا في نفس الوقت هل احداث السنوات التسعة الاخيرة "شغل بالسياسة"؟ منذ عدة اشهر طرح الاخ موريس العايق علي موضوع العلاقة بين الشرعية والسيادة كمحور اساسي في فهم الدولة وانماطها المختلفة. فهمت السؤال بطريقة ربما لم يقصدها لكني وجدت نفسي اكتب مقالة طويلة من اكثر من عشرين صفحة اتحدث عن الموضوع الاكثر محورية في الازمة السورية وهو موضوع الدولة. فهل كتبت "عن السياسة"؟ فاذا كانت الاجابة بنعم فما علاقة هذه السياسة بنفس المصطلح الذي استخدمه الاخ البقاعي وكذلك بالمصطلح المستخدم في نقاش مجموعة قلبي قلبك. ما هي السياسة؟ من هو السياسي؟ متى نشتغل بالسياسة؟ ومتى نحكي سياسة؟ وما علاقة السياسة بالدولة وما علاقتها بالمجتمع؟ وهل هناك عمل سياسي في صفوف معارضي نظام الاسد؟ وهل الائتلاف مثلا مؤسسة سياسية؟ هل الحرب سياسة؟ وما معنى ان نقول "حل سياسي للازمة السورية"؟ وهل اذا كنت مؤيدا او معارضا فانت تأخذ موقفا سياسيا؟ قد يجد احدنا ان الاجابة على كل هذه الاسئلة واضحة وغير اشكالية. لكن كيف يمكن تفسير احجام السوريين في الداخل والخارج عن "الشغل بالسياسة" وعن " الحكي بالسياسة" رغم ان "الشغلة بسيطة وواضحة"؟

1 شباط 2020،التشريع، الدولة، السلطة

  1. سياسة ج٢-التشريع، الدولة، السلطة

افضل دائما، وبغرض توضيح المفاهيم، ان اربط السياسة بالدولة؛ لا بل بالتحديد بالجهاز التشريعي وبرئاسة الجهاز التنفيذي. واعتقد انه من الممكن حصر اي شيء سياسي بوظيفة التشريع في الدولة وكل ما يحوم حولها. لم اجرب بعد اثبات هذه المقولة. لكني متأكد ان نتائج مثل هذا الاثبات ستكون مهولة وعميقة. اي ان الشغل بالسياسة والحكي بالسياسة هو ان تعمل في الجهاز التشريعي او في ما يحوم حوله او ان تحاول الوصول الى مقعد في الجهاز التشريعي او ان تحاول التأثير بقرارات الجهاز التشريعي. واذا اردت ان اطرح بديلا عن هذه المقولة فسيكون "كل ما له علاقة بامتلاك سلطة الدولة او استخدامها هو عمل سياسي". هل التعريفان متطابقان ام متقاطعان فقط. وايهما افضل؟ لكن ما هو معيار التفضيل؟ بالطبع سنقول المعيار هو الدولة. اذا كنت جزءا من الدولة او تحاول ان تكون جزءا منها او تحاول ان تؤثر في قرارتها فانت "تعمل بالسياسة". التشريع، السلطة، الدولة، فهل هناك عناصر اخرى يجب اخذها بالاعتبار من اجل تعريف السياسة والسياسي والشغل بالسياسة والحكي بالسياسة؟ وزير، نائب وزير للشؤون التقنية، نائب في مجلس الشعب، رئيس الجمهورية، مدير مكتب الرئيس، مدير الجمارك، مدير المرفأ، ضابط في الجيش، عنصر في المخابرات، رئيس شعبة البعث في مدينة، مدير التربية، المحافظ، عضو مجلس مدينة، رئيس البلدية، عضو في حزب، كاتب صحفي ينتقد الفساد الاداري، امام جامع تعينه وزارة الاوقاف، زبال، مواطن ينتقد البلدية لانها لا تلم الزبالة، رئيس نقابة، رئيس فرع اتحاد الطلبة، مختار الحارة، مختار الضيعة، رئيس الشرطة، مراقب في مديرية الصحة، استاذ علوم سياسية، مذيع اخبار في قناة الدولة، مذيع اخبار في راديو خاص، معتقل، متظاهر، مسلح، مليشياوي، شبيح، موظف بالائتلاف، شرعي احد الفصائل، مفتي، خطيب جامع ينتقد النظام، شخص يتحدث عن الطائفية، مطران كنيسة، رئيس غرفة التجارة. اي من هؤلاء سياسي او يعمل بالسياسة؟ اذا قدرنا ان نعرّف السياسة والسياسي فيمكننا ان نحدد متى "نحكي سياسة".

2 شباط 2020، الشأن العام والدولة

  1. سياسة ج٣-الشأن العام والدولة

لنأخذ الدول. بغض النظر عن توزيع السلطة، سنركز على الوظائف. ولا حقا سنعود الى السلطة. هل كل وظائف الدولة سياسية؟ مدير الجمارك او مدير المؤسسة الاستهلاكية او مدير مكتب الوزير او الشرطي او الموظف في ادارة التخطيط او الجندي او الضابط في الحيش او الضابط بالمخابرات او القاضي او رئيس الجامعة او استاذ الجامعة او معلم المدرسة، كلها باعتقادي وظائف غير سياسية. بالطبع يمكن المحاججة بان كل شيء له علاقة بالشأن العام فهو سياسي. واعني بالشأن العام اي شأن يمس المجتمع بكامله، مجتمع الحارة او القرية او البلدة او البلد. اذا تذمرت من تراكم الزبالة في الشوارع فانت تتكلم في الشأن العام. واذا انتقدت اداء مدير الجمارك فأنت تتكلم في الشأن العام. لكن المماهاة بين الشأن العام والسياسة سيجعل كل شيء سياسي تقريبا وبالتالي يصبح السياسي وصفا لا معنى له لانه يشمل كل شيء. لكن لا يجب اهمال هذا الاحتمال او الخيار. اي خيار ان الشأن العام هو السياسة، ومهما كان المستوى، مدني او دولتي، قرية او مدينة او بلد. ومن هنا نبدا بحثنا، اي الشأن العام. في التراث الاغريقي القديم، نرى ان الشأن العام هو تماما السياسة. علم السياسة عند الاغريق كان علم هناء المجتمع. اي كيف تمكن معالجة الشأن العام بحيث يعيش الجميع في حالة من الرضا والحبور. وهذا الحبور مختلف عن السعادة الفردية، انه احساس جمعي او ينتج عن الحياة المجتمعية، الحياة مع بعض. لم يقتصر هذا على الارث الاغريقي، فهم لم يخترعوا الدولة-المدينة وانما اخذوها عن الفينيقيين، والتي يمكن اعتبارها النموذج الدولتي المتوسطي بامتياز. يمكن القول بأن الشأن العام هو كل ما يمس وجود المجتمع كجماعة متعايشة ومتكاملة ومتحدة، اي كمنظومة. هل ما يهدد وجود المنظومة هو شأن عام. اذا تشاجرت مع جاري فهذا ليس شأنا عاما. لكن اذا تكرر هذا الشجار في حالات كثيرة فان موضوعه سيصبح شأنا عاما لان تكرار الموضوع يعني ان التحدي معمم وهذا التحدي يؤثر على وحدة المجتمع وبالتالي على بقائه كمجتمع، اي كمنظومة. ما نسميه بالضبط الاجتماعي، اي القواعد التي يتبعها كل افراد والمجتمع والتي تحافظ على بقائه كمنظومة، هو موضوع الشأن العام. الدين بما هو اداة للضبط الاجتماعي يصبح مسيسا. وعندما ينحول الدين الى شأن فردي بين الانسان وربه فانه يتخلى عن وظيفة الضبط الاجتماعي وبالتالي يصبح غير قابل للتسييس. ومن هذا المنطلق نفهم هوس الاسلامويين في تسييس الدين. لانه من جهة يشرعن سلطة تلدولة، ومن جهة اخرى فانه يستعيد دوره كضابط اجتماعي. في الممالك الاكبر والاعقد لم يعد الشأن العام مجالا مفتوحا للنقاش العام. هناك الاعراف، ومنها الدين، وهناك قوانين الملك التي تضبط حياة الناس ضمن المجتمعات من خلال مؤسسات القضاء والشرطة والمظالم. هذه القوانين لا ينتجها الكل من خلال الحوار المباشر والاقتراع كما في المدينة المتوسطية، وانما تنتجها جهات مختصة ومتعالية، اما فقهاء المعبد، او نخبة الحكم المحيطة بالملك او بنوابه مثل الولاة. نلاحظ هنا ان الشأن العام اصبح مختزلا بالاعراف والقوانين. ولذلك اردت التركيز على وظيفة التشريع. اي جدال عام لم يتحول الى تشريعات، بطريق الاجماع او العرف او الدين او الدولة، فانه جدال مجتمعي او ثقافي فقط. كلما تضخمت الدولة وتعقدت، كلما احتكرت الشأن العام. اذا اردت تنظيم جمع الزبالة لانها تؤثر في حياة الجميع فاذهب الى الدولة. وعندما يتطور اي جدال ليصبح عاما يشمل الجميع فان الدولة ستلتفت اليه وتحاول احتكاره. في دمشق العصور الوسطى تذمر رجال الدين من موضة نسائية في اللباس. الموضة هي الاكمام العريضة التي قد تسمح برؤية ما تحت الثوب احيانا. اكمام عريضة تلامس الارض. تذمر رجال الدين نتج عن وظيفتهم في حماية الاخلاق العامة والتي غالبا ما ترتبط بجسد المرأة. زعموا ان رجلا كاملا يمكن ان يختبئ في الاكمام ويمارس الجنس مع المرأة تحت اعين الرقباء. بالطبع رجال الدين طالبوا الحاكم بمنع هذه الموضة، اي ان يجعلها شأنا سياسيا. واذا لم يفعل فان رجال الدين سيفاقمون الامر الى تمرد شعبي، وهو الشأن السياسي الذي سيفهمه الحاكم بالتأكيد؛ لانه يهدد الدولة. اي ان المجتمعات التي تسيطر عليها دولة فان هذه الدولة تحتكر الشأن العام وبالتالي تقرر متى يصبح سياسيا ومتى يبقى مجرد جدال اجتماعي بين افراد.

في دولة المدينة الصغيرة السياسة هي الشأن العام. وفي دولة المملكة ذات المؤسسات المختصة واحتكار العنف، الشأن العام ربما  يبقى شأنا مجتمعيا مادام لا يهدد سلطة الدولة، لكن الدولة ستنظرراليه بعين الريبة وستحاول احتكاره. وهنا ينتقل تعريف السياسة من كل ما له علاقة بالشأن العام، اي المجتمع، الى كل ما له علاقة بالدولة. ولذلك ارى ان الشأن العام في القرية مثلا لا يزال هو السياسة بسبب غياب او تضاؤل دوررالدولك هناك. اما في المدينة الكبيرة حيث حضور الدولة قوي فان الشأن العام يصبح جزءا من السياسة طالما تدخلت فيه الدولة، وتصبح السياسة كل ما يتعلق بالدولة. السياسة تنتقل من المجتمع الى الدولة.

هنا يصبح القصر ومؤسسات الدولة اهم مسارح السياسة، ولا تعود هذه السياسة الى المجتمع الا اذا تمورد هذا المجتمع على الدولة. وحتى في الدولة ذات المؤسسات ليست كل الوظائف والصلاحيات والسلطات سياسية. جامع الضرائب ومدير المخازن ليس سياسيا وانما تقني. ان دوره اساسي في وجود وبقاء الدولة لكنه لا يحكم ولا يمارس السلطة. سلطته تقتصر على صلاحيات تمكنه من اداء وظيفته ولا تمتد الى بقية المجتمع. كما ان وظيفته ميكانيكية ويمكن لاي شخص ان يتعلمها ويقوم بها. البدائل متوفرة وكثيرة. ولذلك فالموظف لا سلطة له على المجتمع، وهو غير محوري في بقاء الدولة (اساسي وليس محوري). كلما تجمعت السلطة في يد الموظف كما اصبح استبداله صعبا وعلاقته مع الدولة شخصية ووظيفته سياسية. وهنا ننتقل الى السلطة.

2 شباط 2020، الدولة والسلطة

  1. سياسة ج٤-الدولة والسلطة

تلخيص ما سبق: الشأن العام هو كل ما يضمن بقاء المجتمع كمجتمع. مع بروز الدولة ينتقل الشأن العام الى الدولة،. السياسة كشأن عام تصبح حكرا على الدولة. اذن الدولة كمنظومة تصبح محور السياسة. لا وجود للسياسة خارج فضاء الدولة. الاستيلاء على الدولة، تشغيل الدولة، الحفاظ على الدولة، والتأثير في الدولة هي المواضيع التي نبحث ضمنها عن السياسة. لا بد من الرجوع بعض الشيء الى الشأن العام كبداية تاريخية للسياسة. التأثير في الشأن العام يكون بالتشريع عبر العرف او الدين او قانون الدولة، وكذلك يكون بأدوات فرض هذا التشريع على الجميع كالشرطة والمحاكم والسجون. فالتشريع دون تطبيق لا اثر له ولا أهمية. وعندما تحتكر الدولة الشأن العام فانها تحتكر التشريع وتحتكر التطبيق. التشريع الذي نطبقه بالعرف والاذعان المجتمعي لا يشكل شأنا عاما الا اذا تم رفضه والتمرد عليه. رفض الاذعان للعرف يهدد لحمة المجتمع وبالتالي فهو شأن عام وبالتالي فانه سياسي وبالتالي فان الدولة ستتدخل لتحتكره. مثلا المثلية الجنسية. انها ترفض العرف وترفض الاذعان للعرف بدعوى ان هناك سلطة اعلى من المجتمع وهي حقوق الانسان. ولذلك فانه قلما يستطيع المجتمع الوصول الى حل لمطالب المثليين دون تدخل الدولة. قد يدعو الناس الدولة للتدخل، وقد يطلبون منها التشريع والحماية لهذا الطرف او ذاك. ولن تتأخر الدولة في التدخل لان اي شيء يصبح شأنا عاما فانه يهمها ويهددها. تحتكر الدولة الحديثة التشريع من خلال وظيفتين: وظيفة سن القوانين التي يضطلع بها مجلس الشعب (ونسميه الجهاز التشريعي)، ووظيفة وضع المعايير التي تضطلع بها الوزارات (الجهاز التنفيذي) بتفويض من البرلمان. البرلمان يقر بان للمستهلك حقوقا يجب ضمانها، وتقوم الوزارات المختصة بوضع معايير المنتجات بحيث تحمي حقوق المستهلك. في دولة مثل سوريا، التشريع يمر عن طريق مجلس الشعب لكن القرار النهائي يكون بيد السلطان. والتعميمات الرئاسية لها مفعول القانون. لغرض التنظير سنفرض ان مجلس الشعب يحتفظ بوظيفته. اذن الوصول الى مجلس الشعب، والعمل ضمنه، والتأثير بتشريعاته هو عمل سياسي. وكذلك فان الوصول الى وظائف وضع المعايير في الوزارات، وممارستها، والتأثير بها هو عمل سياسي. هذه هي السياسة بما هي شأن عام عبر الدولة. ماذا عن تطبيق التشريعات والمعايير؟ تطبق الدولة التشريعات والمعايير من خلال مؤسسات مراقبة ومحاكمة وعقاب. الشرطة والمراقبون في الوزارات والمدعي العام يصطادون المخالفين. المحاكم تقرر اذا ما كان المدعى عليهم قد كسروا القوانين والمعايير وتعطي عقوبة اما لجبر الضرر او لردع المخالفات المستقبلية. الشرطة والسجون تضمن تطبيق قرارات المحاكم. وتعتمد الوزارات على منح تراخيص وسحبها او على فرض غرامات مالية كعقاب. في الدولة الحديثة، وضع التشريعات وتطبيقها لا يعدو ان يكون وظيفة تقنية. فهل كل هذا العدد الهائل من الموظفين التقنيين سياسيون. كل وظيفة في الدولة تؤثر في الشأن العام، وبالتالي يمكن اعتبارها سياسية. لكننا لا نعتبرها كذلك. الوزير سياسي اما الجمركي فليس سياسيا. مدير فرع حزب البعث في منطقة ما سياسي، لكن مدير فرع المؤسسة الاستهلاكية في نفس المنطقة ليس سياسيا. واذا كان هذا المدير مدعوما واقوى من مدير فرع الحزب فان مدير المؤسسة يصبح سياسيا. ما احاول إلتقاطه في هذه الامثلة السورية الشديدة الخصوصية هو هذا الحدس الذي نملكه جميعا. هذا الحدس يقول، كل من يملك السلطة وتتجمع فيه السلطات هو سياسي. الدولة مؤسسة ضخمة جدا وبالتالي فلا يمكن تذويب السياسة في برميلها الكبير. السياسة تتركز في الدولة، وهرمية الدولة تجعل السياسة تتركز في رؤوس الهرم. لكنهم ليسوا سياسيين لمجرد انهم رؤوس. انهم سياسيون لانهم يملكون السلطة. وكما في حالة الوزير او المدير المدعوم فان السياسي هو صاحب السلطة. فما هي السلطة؟ بكل بساطة السلطة هي الحصول على الاذعان دون ممارسة العنف (العنف الجسدي او المادي او المعنوي). صاحب السلطة الذي يحتاج الى العنف كلما احتاج الى الحصول على الاذعان سيفقد سلطته اما لان هيبته ستزول او لانه يبدد موارده على وظيفة العنف. الدولة في سوريا فقدت جزءا كبيرا من سلطتها عبر الحرب لانها بددت مواردها في ممارسة العنف اليومي. لذلك يخطئ كل من يقول بان الدولة او النظام انتصرا. التهديد بالعنف ليس كالعنف، انه اقتصاد بالعنف وبالتالي لا يحتاج الى موارد كبيرة. وكما يقول الشاعر اضرب الجبان ضربة تخر لها الجبابر صاغرينا. ضرب الجبان غير مكلف لكن اثره كبير لانه يفرض السلطة. اذعان الرئيس لمرؤوسه ينجم عن خوف المرؤوس من حجب الراتب. خوف المواطن من الشرطة ينجم عن قدرة الشرطة على ممارسة العنف الجسدي والمعنوي. المواطن يخضع لمراقب الصحة لان المراقب يمكن ان يسحب الترخيص او ان يفرض الغرامة، وكلاهما عنف مادي ومعنوي. موظف الدولة القادر على تحريك اكبر قدر من العنف هو من يملك اكبر قدر من السلطة. كلما زادت السلطة زاد رصيد الوظيفة من السياسة. ضابط المخابرات العسكرية الذي يحمي الجيش من التجسس ليس سياسيا، لكن ضابط المخابرات العسكرية الذي يستطيع ان يعتقل اي مواطن او ان يحجب الموافقة الامنية عنه او ان يبتز امواله هو سياسي. نسمي التشريع والتطبيق الحكم، لكن في بلد مثل سوريا فان اصغر ضابط مخابرات يستطيع ان يفرض تشريعات محدودة او يعرقل تشريعات كبرى او يمارس العنف ولذلك فانه يحكم. في بلد مثل سوريا الحكم هو ممارسة السلطة، لان الدولة ليست هرمية في وظائفها التقنية وانما هرمية في امتلاكها للسلطة. ولذلك فان افضل تعبير عن الحكم هو النظام وليس الدولة. الدولة لا تعبر عن هرمية السلطة، النظام يعبر تماما عن هذه الهرمية. في سوريا كل من يملك سلطة الدولة او يسعى اليها او يؤثر فيها هو سياسي. وكلما زادت السلطة زادت السياسة.

2 شباط 2020، بقاء الدولة

  1. سياسة ج٥-بقاء الدولة

ملخص ما سبق: الشأن العام كضبط اجتماعي يضمن بقاء الجماعة هو اصل السياسة التاريخي. منذ نشوء الدولة ذات الشوكة وذات البيروقراطية قامت باحتكار الشأن العام. اي ان الدولة هي مكان اي شيء سياسي. لكن هناك ايضا سياسة اخرى التي هي كل ما يضمن بقاء الدولة. ان تشغيل الدولة ، مما يعني بقاءها، كتشريع وتطبيق للتشريعات هو سياسة. لكن السياسة هنا تتجمع في مكامن تركز السلطة ضمن الدولة. السلطة هي امتلاك العنف الجسدي والمادي والمعنوي بما يحقق الاذعان. كل عنف او تهديد بالعنف سلطة، لكننا نتحدث هنا عن سلطة الدولة بالتحديد. ومن خصوصيات هذا العنف انه شرعي وان الدولة تسعى لاحتكاره. العنف الشرعي او المشروع هو العنف المقبول، ويكون مقبولا عندما يضمن بقاء الجماعة. مثلا القتل جريمة، لكن ان تقتل الدولة القاتل فهذا دفاع عن المجتمع والحق العام. الثأر عنف مشروع في المجتمع القبلي، لمن عندما توجد الدولة فانها تعلنه غير شرعي لانه لا يمر عن طريقها. وقد تخفف العقوبة المفروضة على ممارسة الثأر اذا وجدت الدولة ذلك مساعدا على بقائها. هناك عقد غير مصرح به بين الدولة ونخب المجتمع، انها تتغاضى عن الثأر ما دامت النخب تسيطر على المجتمع وتقوي الاذعان للدولة. عندما تضعف سلطة النخب كشيوخ القبائل مثلا فلا يستطيعون تجييش مجتمعاتهم فان الدولة لن تتسامح في قضايا الثأر. والحال نفسه فيما يخص قضايا الشرف وسلطة مشايخ الدين. ولذلك فان قضايا الثأر والشرف قد تصبح قضايا سياسية. ويمكن التعميم، فان كل ما يمس ببقاء منظومة الدولة هو سياسي، باعتبار ان الدولة هي مكمن السياسة. اي تهديد لاحتكار العنف المشروع هو تهديد للدولة وبالتالي فهو سياسي. واي تهديد للسلطة التي تملكها الدولة هو سياسة. واي تهديد لعمل الدولة ولمواردها فهو تهديد لبقائها وبالتالي فهو سياسة. ضابط الجمارك العادي ليس سياسيا وعمله كذلك ليس سياسيا باعتبار انه منخفض في سلم امتلاك السلطة ضمن الدولة. لكن عرقلة عمل هذا الضابط او محاولة ايذائه قد يصبح عملا سياسيا اذا اعتقدت الدولة انه يهدد سلطتها وبقاءها. وفي دولة سلطوية مثل سوريا يطغى فيها النظام على الدولة وينقل سلطتها الى وظائف لا تخضع للهرمية البيروقراطية، فان اي تهديد لسلطة اصغر مرتبة في هرمية السلطة، عنصر مخابرات مثلا، هو تهديد للسلطة ككل وبالتالي فهو عمل سياسي. ومن هذا المنطلق نستطيع فهم ما هو سياسي في سوريا. اذا تحدثت عن حافظ الاسد فانت تحكي بالسياسة لانك تمس بايديولوجية السلطة وببقائها. اذا شتمت سهيل الحسن تبع الجوية فانت تحكي بالسياسة. اذا تذمرت من انقطاع الكهرباء فانت تنتقد اداء الدولة وهذا قد يكون في زمن ما ومكان ما تدخلا في عمل الدولة وتهديدا لشبكة المصالح التي تحميها المخابرات، وهي الاعلى في هرمية السلطة، وبالتالي انت تحكي بالسياسة. اذا احتفلت بعيد النوروز في البرية فانت تشجع التجمع، وبالتالي فانت تضبط حركة المجتمع خارج نطاق الدولة، وهذا قد يؤثر في نجاعة سلطة النظام ولذلك فانت تقوم بعمل سياسي. في الدولة السلطوية، كل عمل في الشأن العام وكل عمل يؤثر في هرمية السلطة ضمن الدولة فانه عمل سياسي يهدد بقاءها. لكن هذا التعريف للعمل السياسي هو تعريف يؤبد سلطوية الدولة لانه يقيس العمل من ناحية تهديده لبقاء السلطة. انه تعريف يفرض على كل من هو خارج الدولة ان يمارس السياسة كجريمة وكتهديد لوجود الدولة. فهل علينا ان نلتزم بهذا التعريف ام علينا ان نعتمد تعريفا اخر يقوي فرص نشوء دولة غير سلطوية؟ ان نقاشنا هنا كله ليس لان نقول بان المعارضة باشكالها المختلفة تمارس السياسة، وانما لنضع تعريفا لممارسة السياسة المعارضة بما يساعدنا على انهاء السلطوية وعلى بناء دولة لا تقتل مواطنيها ولا تسرق اموالهم وتبتزهم، بناء دولة تعيد الشأن العام الى السياسة.

3 شباط 2020، السياسة خارج الدولة

  1. سياسة ج ٦ - السياسة خارج الدولة

ملخص ما سبق: الضبط الاجتماعي كضامن لبقاء المجتمع ككل وسلاسة عمله هو الشأن العام وهو اصل السياسة. عندما احتكرت الدولة الشأن العام اصبح السياسي هو كل ما له علاقة ببقاء الدولة وسلاسة عملها. ضمن الدولة، هناك هرمية لامتلاك السلطة، تتركز السياسة في اماكن تركز السلطة. في الدولة المؤسساتية حيث هرمية السلطة تتطابق مع هرمية الدولة، فان السياسة تتركز في رؤوس هرم الدولة، اي في اصحاب القرار. اي تتركز السياسة في اماكن تركز القرار. في الدولة المؤسساتية تتركز السياسة في الجهاز التشريعي وفي رأس الجهاز التنفيذي. ونتحدث هنا عن الدولة المركزية ، ويمكن تعميم المفاهيم على الحكم المحلي، اي السياسة المحلية اللامركزية. في الدولة الشبكية، شبكات المحسوبية، لا تتماهى هرمية المؤسسة مع هرمية السلطة. هرمية المؤسسة نسميها الدولة، وهرمية السلطة نسميها النظام. النظام شبكة من اصحاب السلطة القادرين على اتخاذ القرار موزعين في اماكن متعددة في المؤسسات. هذه التركيبة الغريبة تؤدي الى تعطيل عمل المؤسسات، اي الدولة، وتجير هذه المؤسسات لخدمة شبكة النظام. والسياسة هنا تتوزع في الهرم السلطوي وليس في الهرم المؤسساتي. يمكن ان نقسم السياسة هنا الى قسمين. السياسة ضمن الدولة والسياسة خارج الدولة. الاولى هي استلام وظيفة من وظائف الدولة حيث يتركز اتخاذ القرار. السياسي هنا هو النائب في البرلمان، الرئيس، الوزراء، المستشارون لهؤلاء، العاملون في مكاتبهم. الثانية، اي خارج الدولة، هي محاولة الوصول الى مناصب الدولة السياسية، ومحاولة التأثير في قرار السياسيين داخل الدولة. المرشح للانتخابات، الحزبي، العامل في لوبي، الغني الذي يدعم احد المرشحين، منظمة المجتمع المدني التي تحاول التأثير في سياسيي الدولة، القيادي الاجتماعي الذي يمكن ان يؤثر في اصوات الناخبين. كل هؤلاء يمارسون السياسة. افضّل ان اقصر تسمية سياسي (السياسي الناجز) على من يمارس السياسة ضمن الدولة، وان اسمي من يمارس السياسة خارج الدولة بالمسيس او السياسي قيد الانجاز. بالاضافة الى ثنائية السياسي والمسيس يلزمنا تعريف ثنائية المسيطر والمعارض. المسيطر في الديمقراطية هو السياسي المنتمي الى الاغلبية الانتخابية، والمسيس الذي يدعم هذه الاغلبية. المعارض في الدولة الديمقراطية ينقسم ايضا الى نوعين: السياسي الناجز المنتمي الى الاقلية الانتخابية، وهو عامل في الدولة لكن سلطته اقل وقدرته على فرض آرائه اقل. والمسيس المناصر للاقلية الانتخابية. اما في الدولة السلطوية فالمسيطر هو السياسي داخل الدولة، والمعارض هو المسيس خارج الدولة تماما. هنا المعارض مسيس فقط وفرصه في الوصول الى وظيفة الدولة، او في ان يصبح سياسي ناجز، شبه معدومة. في الديمقراطية، السياسي والمسيس، المسيطر والمعارضة، يهدفان الى استمرار الدولة وضمان سلاسة عملها. اما في السلطوية فان السياسي هو مسيطر يسعى الى بقائه في الدولة، والمعارض دائما مسيس فقط ويحارب الدولة. السياسي لا يريد ان يداول السلطة، والمعارض محبوس في دور المسيس الذي يسعى لكسر احتكار السياسيين الناجزين للدولة والسلطة؛ وهو في سعيه يحارب الدولة ويحاول تفكيكها ليفصلها عن السياسي المحتكر. في الديمقراطية، المعارض يمكن ان يكون سياسي ناجز او مسيس، اي داخل وخارج الدولة. في السلطوية، المعارض دائما مسيس فقط، اي دائما خارج الدولة. هذا الوضع غير المتوازن يفرض ديناميكية مهدمة على السياسة. سنركز هنا على السلطوية. في مثل هذه المنظومة، السياسي داخل الدولة يمسك المنصب ويتعلم ادارة الدولة، بالاضافة الى ادارة النظام او السلطة. لكنه يفقد مرونة التفاوض من اجل اتخاذ القرار، فالقرار هنا هرمي فقط ومحصور في رؤوس الهرم السلطوي، اما بقية الدولة فهي مسرحية سخيفة لا معنى لها. ومع الزمن وانعدام التداول وطغيان هرم السلطة يلتفت السياسي الى لعبة السلطة ولا يتطور كتكنوقراطي يستطيع ادارة هرمية الدولة. قد تعتمد الدولة السلطوية على بعض التكنوقراطيين لكنهم يفتقدون السلطة وعملهم في النهاية يصب في ابقاء المتسلطين في الحكم. هرم السلطة يأكل هرم الدولة وتتحول الدولة الى اداة لتأبيد هرم السلطة او النظام. اما المعارضة فلا تكتسب اية مهارات تقنية في فن ادارة الدولة فهي لا تستطيع الوصول الى الدولة. والمعارضة تتعامل مع هرم السلطة وليس مع هرم الدولة. وتصبح المعارضة مجموعة محاربين ضد السلطة وضد الدولة التي تسيطر عليها السلطة. المعارضة هنا تفقد معرفة بناء وادارة الدولة وتتعلم الالاعيب السلطوية من خلال مقارعتها لهرم السلطة. السياسي والمعارض على حد سواء يفقدان معرفة ادارة الدولة وصبحان لاعبين متصارعين على السلطة. كلاهما يهدمان الدولة، السياسي لانه اهملها لمصلحة هرم السلطة، والمعارض لانه لا يعرفها ولا يتعامل معها الا كأداة قمع بيد صاحب السلطة. وهكذا نرى انه في بلد مثل سوريا العمل في السياسة هو عمل في السلطة او ضدها وفي الحالتين عمل مهدم للدولة. والحكي في السياسة هو حكي عن السلطة او ضدها. ورأينا هذا منذ بداية الثورة السورية، النظام يتكلم سلطة (هيبة الدولة وبقاء النظام) والمتظاهرين يتكلمون سلطة (كسر هيبة الدولة واسقاط النظام) ولا احد يتكلم دولة. السياسة كان محورها السلطة، امتلاكها واستخدامها، او فقدها وتدميرها. واليوم يحاول النظام ان يعيد الى الوجود الكلام عن الدولة فقط وكأن الدولة كانت موجودة ووجب المحافظة عليها. اذا اردنا وقف التهديم وبدء البناء فيجب ان نعيد الدولة كمحور للسياسة وان نجفف منابع النظام وموارده. ولسنا اما ممهمة كلامية فلسفية، اي ان نحكي دولة، بل امام مهمة بناء من تحت، يجب ان نبني الدولة وان نضع السلطة في هرم الدولة وان نخرج السياسي من قوقعة المسيطر وان نخرج المعارض من قوقعة المسيس.

3 شباط 2020، في السياسة والمعارضة السورية

  1. سياسة ج ٧- في السياسة والمعارضة السورية

تلخيص ما سبق: الدولة تحتكر السأن العام، السياسة تتمحور حول الدولة. في السلطوية هرم السلطة (النظام) مختلف عن هرم الدولة، الدولة ثانوية واداة قمع. السياسة تصبح متمحورة حول السلطة/النظام. المعارض هنا هو سياسي قيد الانجاز او مسيس وهو يعمل خارج الدولة والنظام ويسعى لهدمهما معا. في السلطوية تصبح السياسة مقرفة ومنفرة ولا يتصدى لها الا المتكالبون على السلطة. اما الاحزاب بمعناها التقليدي فتصبح عاجزة عن اقامة دولة مؤسسات وتتحول تدريجيا من حالمة باقامة دولة الى مهووسة باسقاط النظام/السلطة. عندما اجتمعت المعارضة السورية التقليدية في المجلس الوطني ومن ثم في الائتلاف كانت جاهلة تماما بالعمل المؤسساتي وبالتالي بانشاء الدولة. وكانت تتصارع فيما بينها صراع سلطة ولا تعاون لانشاء مؤسسة او دولة. السياسة عند هذه المعارضةهي وجه آخر للسياسة عند النظام، اي صراع على السلطة. اذا اعتبرنا مثلا ان الديمقراطية معيار، وان السياسة تتمحور حول الدولة، فان المعارضة السورية الحزبية وغيرها لم تكن تمارس السياسة. وحتى لا يزعل احد، النظام نفسه لم يكن يمارس السياسة بهذا التعريف. لا اريد التمييز بين سياسة سيئة وسياسة جيدة، ولا اريد ان افرض نمطا في الدولة كمعيار. شئنا ام ابينا فان الدولة ستحاول احتكار الشأن العام، ولذلك يجب التركيز على بناء الدولة وتسييرها وعدم الانغلاق في الصراع على السلطة. السياسة البناءة هي التي تنتج الدولة التي يتماهى فيها هرم السلطة مع هرم الدولة، والسياسة الهدامة هي التي تتصارع على السلطة وتعطل او تهدم الدولة. وهنا يمكن اقتراح شيء اصبح منسيا. لماذا نقبل باحتكار الدولة للشأن العام. بالاضافة الى بناء الدولة المؤسساتية يمكننا ان نعيد السياسة كاهتمام بالشأن العام. قابلت طريقتين لاحياء السياسة بما هي شأن عام: اولا اللامركزية والحكم المحلي. وثانيا، تقوية ما اسميه بالسلطة المقابلة واقصد القطاع الخاص والمجتمع المدني. وقد يقول قائل، ألا ترى بأن الديمقراطية هي الحل، فلماذا تتفاداها؟ الديمقراطية نمط حكم جاهز مسبقا عند البعض، لكني اعتقد انه سيرورة تاريخية ولا يمكن تجريده نظريا وتحويله الى خوارزمية سياسية مستقلة نطبقها من خلال خطوات عملية متسلسلة وقابلة للقياس. البعض يقول، الديمقراطية ثقافة متكاملة وليست مجرد مؤسسات واجراءات. لا يوجد نظام حكم جيد بالمطلق او سيء بالمطلق، وانما هناك نظام سلس يلبي حاجات مواطنيه، ونظام مأزوم يتصارع مع مواطنيه ولا يلبي حاجاتهم. اليوم الناس تحتاج الاستهلاك وبالرحة كانت تكتفي بالاكتفاء الذاتي. اليوم الناس تحتاج الكهرباء وتحتاج الجامعات. هذه الحاجات لها تعابير سياسية في الشأن العام او في الدولة. . سأبحث عن الحاجات ولن اسميها كلها ديمقراطية كخطوة اولى اقترح اللامركزية والسلطة المقابلة، اي اعادة الشأن العام الى السياسة وتقوية المجتمع في مواجهة الدولة. ويمكن قتراح خطوات اخرى. اذا كنت معارضا سوريا فيجب ان يكون هدفك اولا الحكي في بناء الدولة وفك ارتباط شبكة السلطة او النظام بالدولة؛ ثانيا، ترك الحكي في السلطة، "لعن روح حافظ الاسد" هو كلام في السلطة ويصب في لعبة النظام السلطوية، هم يحبون الاسد وانت تلعن الاسد؛ ثالثا، بناء الدولة المؤسساتية سواءا مركزيا او لا مركزيا؛ رابعا، تقوية القطاع الخاص والمجتمع واعادة الشان العام من خلالهما. خامسا، ترك اي تفاوض سلطوي مع النظام واستبداله بتفاوض على الدولة. وهنا يجب دائما ان نسأل انفسنا دائما هل ما اتفاوض عليه يبني الدولة ام يبني السلطة. هل مؤدى عملي هو بناء الدولة المؤسساتية ام بناء شبكة سلطة. حتى اللجنة الدستورية يمكن ان تكون كلاما في السلطة وليس كلاما في الدولة المؤسساتية. لا تفاوض النظام على التخلي عن جزء من السلطة او على تفكيك شبكته السلطوية فهو غير قادر على ذلك وانما فاوض على الاشياء التي تسمح ببناء المؤسسة والدولة والمجتمع المدني وتلبية حاجات الشأن العام. معيار نجاحك هو ان لا ترتبط بشبكة السلطة وان لا تنشىء شبكة سلطة خاصة بك. لا تنس بان النظام يسيطر هلى الدولة ويفرغها من محتواها ويمنع ارتباط السياسة بالشأن العام ويحولها الى صراع على السلطة. هدفك هو ان تفصل الدولة عن النظام وان تفكك الشبكة السلطوية وان تناقش قضايا الشأن العام وان تعيدها الى حيز السياسة محليا ومركزيا. للاسف الى الان معظم المعارضين يتكلمون بالسلطة ويمارسون الصراع على السلطة ويستخدمون ادواتها وينظمون انفسهم ضمن شبكات سلطوية ويتفاوضون مع النظام على السلطة. واما الذين يعملون في الشأن العام فإنهم يربطونه بدول خارجية وليس بمؤسسات حكم سوريا يمكن ان تتحول الى دولة سورية. المرتهن لتركيا مثلا يمارس السياسة في تركيا ويمارس السلطة في سوريا. صحيح ان نقطة البداية في اية دولة هي احتكار العنف ثم جعله مشروعا، اي امتلاك السلطة. لكن هذا لا يعني انه بعد نقطة البداية نستمر في بناء السلطة ونهمل تماما الدولة والشأن العام.

Lahcen Ouzine جميل كل ما طرحته لكن نقطة البداية أعتقد هي امتلاك السياسة في صراع ضد سلطة تغيب السياسة لمنع بناء الدولة، ، انها سلطة تستمر رغم سقوط نظامها، وهي سلطوية كما قلت لاتنبع فقط من قلب النظام بل هي شكل سياسي هجين منتشر في جميع الممارسات المجتمعة بمافي ذلك القوى المجتمعية المدنية والحزبية المعارضة وهذا ما يجعل من الصعب التفكير راهنا في اللامركزية لان الارث الثقيل لنظام السلطة يشجع بروز المناطقية والاثنية والانفصال تحت دعوى الحكم الذاتي ...وهذا ما يطرح التفكير في نوع من جدلية الترابط بين المحلي والوطني على أرضية المصير المشترك في بناء وطنية نقيضة لما هو سائد

Ahmad Nazir Atassi Lahcen Ouzine اللامركزية تختلف عن الحكم الذاتي. اللامركزية هي ان يكون هناك مجلس قرية تنتخبه القرية ولا يستطيع احد ان يفضه وخاصة تلدولك المركزية. لا داعي لحكام مدن واقاليم. اصغر كؤسية ادارية تستطيع القيام بالمهام. انت تتكلم عن شبكات المحسوبية، وهذه موجودة في كل حوض البحر المتوسط وهي من انماط التنظيم الاجتماعي القديمة التي لا تتلاءم مع دولة المؤسسات. لكن هناك مضادات لهذه الشبكات يمكن وضعها ضمن البنية المؤسساتية للحكم المحلي. اما في الدولة المركزية فالطريق نحو ازالة شبكات المحسوبية في الدولة تكون بتكثيف القطاع الخاص والمجتمع المدني. الطريق طويلة ونحن لا نبدأ حتى بالمشي عليها لاننا نفضل الدولة المركزية التسلطية. هذا ليس ارث محلي بل هو ايضا ارث دولة الاعالة التي ستدت بعد الحرب العالمية. انا اقترح تنمية ثقافة تقليص الدولة وتحميل مسؤوليات المجتمع للقطاع الخاص التنافسي.

4 شباط 2020، السياسة برا البلد

  1. سياسة ج٨- السياسة برا البلد

استخدم الاسد وايران وسيلة رهيبة لانهاء الحراك المجتمعي ضده، واعني القتل والاعتقال والتهجير. في هذه الحالات الثلاث الشخص الذي يحاول ان "يحكي سياسة او يشتغل سياسة" لن يكون موجودا في الفضاء الجغرافي والكلامي والمؤسساتي والاجتماعي الذي يمكن ان يؤثر في النظام والدولة. هذه مأساة حقيقية، ليس فقط لانها شهدت قتل وتهجير، بل كذلك لانها قضت على كل ما يمكن تسميته بالسياسة في سوريا. حتى شتيمة روح حافظ لم يعد لها معنى او دور لانها تأتي من خارج سوريا. كما قلت في بوستات سابقة السياسة محصورة بالدولة (الصراع من اجل امتلاكها، تشغيلها، والتأثير فيها). الدولة احتكرت الشأن العام وفصلته عن السياسة. والدولة السلطوية جعلت السياسة صراعا على امتلاك السلطة، والتي حاججت انها في النهاية تنبع من العنف. معادلة "السياسي هو صاحب السلطة الذي يشتغل في النظام، والمعارض هو مجرد مسيس بيحكي بالسياسة وهمه الوصول الى السلطة"، هذه المعادلة والتي فرضها النظام ووقعت المعارضة في فخها جعلت العمل السياسي المفيد الوحيد هو استخدام العنف للوصول الى السلطة. هذه المعركة يفهمها النظام تماما ودفع اليها بعد آذار ٢٠١١ دفعا شديدا. لم يكن النظام ليقبل بمظاهرات تخلق فضاءا سياسيا يريد اعادة بناء الدولة والمؤسسات بوسائل سلمية لا تنزلق نحو التسلط والعنف. هذا جو لا يرتاح فيه النظام. وهو ايضا جو لا يرتاح فيه الجهاديون، فكانت الحرب. الحرب كانت السياسة الوحيدة التي مارسها السوريون. ولا استثني منها المجلس الوطني والائتلاف. الحرب كصراع على السلطة وكسياسة اداة هدامة فقط. قد يقول قائل بان الطرق الاخرى كانت مسدودة وان التهديم كانت الطريق الوحيد نحو اي مشروع بناء مستقبلي. رغم صعوبة قبول مثل هذا الرأي، إلا ان الحرب اثبتت ان التهديم كان الطريق الوحيد المفتوح. لكن هذا التهديم طال كل شيء، طال المجتمع والدولة والنظام والسياسة والاملاك والبنية التحتية والاعراف والاخلاق. بغض النظر عن المسؤولية فان التهديم كان المنتج الوحيد للحرب.الجميع ساهم فيها بوعي او دون وعي. لكن اليوم الحرب تقارب على الانتهاء فما العمل؟ دعوني لا اذكر الضحايا الذين يسقطون يوميا بالمئات، ونحن نعرف ان معركة ادلب كانت قادمة وانها كانت نتيجة الاتفاق الذي اعطانا عملية نبع السلام التركية، ونعرف حتى مؤداها واهدافها ونتائجها. بعد الحرب والتهديم، ما العمل؟ وهنا يجب العودة الى السياسة، الحكي والشغل بها. لكن السياسة كانت ضحية نظام الاسد قبل ان تصبح ايضا ضحية الحرب. يجب اعادة تعريف السياسة. ويجب تعريفها في ظروف استثنائية، اي السياسة بعيدا عن الدولة وبعيدا عن البلد وبعيدا عن المجتمع. لا توجد سياسة دون دولة. اذن لا احد في المعارضة برا البلد يمارس السياسة. الفصائل كانت الوحيدة التي مارست السياسة، لكن من النوع السلطوي اي بالعنف. هل يمكن ممارسة السياسة كمشروع مستقبلي؟ اي اذا كنت تعمل لانتاج دولة فأنت تعمل في السياسة. هذا هو حالنا. اننا نمارس السياسة في فضاء الفرضيات لاننا بعيدين عن الدولة وعن البلد. وهنا مكمن الخطر. الفضاء الجغرافي هو البلد المضيف والفضاء الفكري افتراضي والفضاء العملي ينتمي الى البلد المضيف ايضا. اذا كنت تعمل في السياسة السورية وانت في تركيا فأنت تعمل في الفضاء العملي التركي. واذا اخذت مال وموارد ومساعدة من تركيا فانت تعمل في الحقيقة في السياسة التركية وليس في السياسة السورية. الجميع اصبح يعرف معنى الارتهان. كل من طلب المساعدة من دولة خارجية من اجل ممارسة اي نوع من السياسة السورية فانه يقف على الحد الفاصل وسيصبح بوعي او دون وعي جزءا من سياسة البلد المضيف وليس السياسة السورية. مثلا اذا بذلت جهودا لاستصدار قانون سيزر في امريكا فانت تمارس السياسة الامريكية وليس السورية. اي تأثير لقانون سيزر لن تجني ثماره انت بل الولايات المتحدة. لا اتهم احدا وانما اقول، كن حذرا في اي فضاء تعمل وما هي الادوات وما هي الآثار. قانون سيزر اداة في السياسة الخارجية الامريكية ولن تؤدي ابدا الى سقوط النظام او الى بناء دولة سورية جديدة. وهذا ينطبق على اعمال الاخوان وغيرهم من المنبطحين لتركيا، واعمال من ارتهن لفرنسا او لالمانيا او لاي بلد آخر. هل اتهمهم الخيانة وسوء التصرف؟ لا ابدا. اقول لهم فقط انتم جزء من سياسة البلد الذي ترتهنون له ولا تتصوروا ان هذا سيقود يوما الى بناء دولة سورية. لكن هذا لا يهم من يفهم السياسة كصراع على السلطة. انه يريد السلطة وسيحصل عليها باية طريقة؛ وهذه الطريقة غالبا هي دبابات بلد متنفذ. الدولة السورية التي ستنشأ بدعم اجنبي وبقرار دولي ستكون دولة هشة ومعدومة السياسة. لا اتكلم عن السيادة بل عن السياسة. هل هذا يعني الاعتراف بالنظام والتطبيع معه؟ بالطبع لا، لكن يعني اننا سنتعامل معه شئنا ام ابينا لانه لا يزال يملك الدولة في سوريا، الدولة كمؤسسات. سنضطر الى التعامل مع مؤسسات الدولة. بالطبع النظام لن يسمح بذلك وسيقدم نفسه على انه الدولة حفاظا على بقائه. لكن ليس لزاما علينا ان نقبل بهذه المماهاة بين الدولة والنظام. هذا النظام ضعيف جدا ولن يستطيع فرض شروطه. اي كلام عن التطبيع واعادة التأهيل لا طائل من ورائه فالنظام لم يعد قادرا على فرض شروطه. كيف اذن تتعامل مع الدولة السورية وانت خارج سوريا وتمارس السياسة السورية الافتراضية في بلد اجنبي وتتلقى الدعم من ذلك البلد؟ هذه معضلة عويصة، لكن بداية الحل هو الاعتراف بها. اي مقترح اقدمه لحل هذه المعضلة سيجلب علي اتهامات بقصر النظر والمثالية واللاواقعية. لذلك اعتبر هذه المعضلة تحد اطرحه على الجميع. ساقدم افكار اولية ولكني اعرف انها غير كافية وتحتاج الى ادوات لتطبيقها ليست واضحة او حتى ليست موجودة. تعلمت من العمل الفكري في الشأن السوري ان ما نفعله اليوم هو بداية لمسيرة طويلة. لا توجد اهداف واضحة ولا توجد حلول عملية سريعة. في هذه الحالة وجدت ان الدخول في التجربة اساسي، وان الدخول فيها يجب ان تحكمه بعض الخطوط العامة، اسميها مبادئ، التي ترسم حدود الازمات والفشل. اي واحد من هذه المبادئ اذا تخطيناه فاننا سندخل في تناقضات وازمات مزمنة وبعيدة الاثر. مثلا الوصول الى السلطة على ظهر دبابة اجنبية مسلمة او غير مسلمة هو احد الحدود، وتخطيها سيؤدي الى دولة هشة ولا سيادة لها وتقوم على فرض نفسها بالعنف، اي ستكون سلطوية مثل نظام الاسد. قد يكون هدف من يدخل على هذه الدبابة هو الوصول الى دولة سلطوية. لذلك يجب رسم خطوط عامة للهدف البعيد المدى، واستراتيجية للمدى القصير. عندما لا اريد اقامة دولة سلطوية فيجب ان ارفض الدخول على دبابة اجنبية. واذا تم فرض هذه الحالة علي فلن اتخلى عن العمل وانما سأعيد رسم الهدف والاستراتيجية. وهذه هي حزمة الهدف والمبادئ التي استنبطها من خبرتي المحدودة: ١. الهدف البعيد هو الاستقرار والامان، اعادة تشغيل حركة البضائع والاشخاص والاموال، توطين اللاجئين، خلق نسيج اجتماعي لا يقوم على التكافل العشائري وانما على مؤسسات المجتمع المدني. الدولة فيها مركز واطراف ونوعان من الادارة، مركزية ولامركزية. الدولة فيها تداول للسلطة وهرمية مؤسساتية غير مجيرة لخدمة شبكات زبائنية مثل النظام. لم اذكر الديمقراطية وانما ذكرت حاجات اساسية. ٢. فصل السياسة عن السلطة، اي عن العمل العنفي. وبالتالي فصل النظام عن الدولة، وفصل الفصائل عن الدولة. هرمية السلطة يجب ان تتطابق مع هرمية الدولة. ٣. كل عمل لا يخدم بناء الدولة السورية كما وصفتها هو عمل لا ينتمي الى الفضاء السياسي السوري وانما الى فضاء سياسي آخر غير مناسب. ٤. اعادة الاعتبار للشأن العام كسياسة. يعني جمع الزبالة سياسة وهذا قد يكون بتطبيق اللامركزية الادارية (وليس الحكم الذاتي. اللامركزية هي صلاحيات يمسكها افراد محليون منتخبون لا تستطيع الدولة المركزية عزلهم) ٥. فطم المجتمع عن الدولة المركزية. اسمي هذا بناء السلطة المقابلة، اي تقوية المجتمع تجاه الدولة المركزية. ويكون هذا بتقوية القطاع الخاص والمجتمع المدني. اي شيء يمكن للمجتمع تحقيقه بنفسه لا يجب ان يعطيه للدولة لتقوم به. ٦. اعادة المعارضة الى الدولة. اي ان المعارضة هي ممثلة الاقلية الانتخابية، وليست اداة لانتزاع السلطة. ٧. توطين اللاجئين داخل سوريا والعائدين إليها حتى يخلقوا مجتمعا سوريا قادرا على ممارسة السياسة داخل سوريا. ٨. استصدار تشريعات تسمح بالشركات والمنظمات وعملها دون اعاقة من الدولة او النظام. ٩. المطالبة بحقوق المهجرين. هذا اهم عمل سياسي يمكن ان يقوم به السوريون خارج سوريا. ١٠. رفض التعامل مع النظام، ولكن فقط مع الدولة. اي اجبار النظام على اعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة. ١١. لا يمكن تغيير النظام. الحل الوحيد هو تعطيشه وتقليصه واجباره على التأقلم الى ان يزول. ١٢. وفي هذه الاثناء يجب التأكيد على ثقافة المؤسسة واحترام القواعد وربط السوريين بمؤسسات مجتمع مدني قدر الامكان. ١٣. انشاء صندوق سوري للاعمار، ورفض الاعتماد على قروض البنك الدولي. ١٤. العمل الوطني هو عمل تعاوني. التنافس السياسي لا يكون على حساب اعادة انتاج الدولة والمجتمع. ١٥. وضع تاريخ لانتهاء العقوبات. رفع اية عقوبات عن القطاع الخاص غير المتعاون مع النظام.