«التعارف في الإستدلال الفقهي»: الفرق بين المراجعتين
Alimohdasaad (نقاش | مساهمات) (←الاقتصاد) |
Alimohdasaad (نقاش | مساهمات) (←مقدمة) |
||
(١٠ مراجعات متوسطة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة) | |||
سطر ٦: | سطر ٦: | ||
=مقدمة= | =مقدمة= | ||
− | الغاية من هذه الورقة الاطلاع على كيفية توظيف الفقهاء، القدماء منهم والمعاصرين، من المدارس الإسلامية المختلفة للآية الشريفة مدار البحث، وهي قوله تعالى: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}} [الحجرات:13] في استنباط الأحكام الشرعية المختلفة، ومدى حضورها -المحتمل- كمصدر للخروج بقاعدةٍ فقهيةٍ ما، يمكن توظيفها في عملية الاستنباط، ولربما يؤدي البحث في هذا الإطار إلى تكوين تصوّر أوّلي حول تطوّر نظرة الفقهاء إلى هذه الآية الشريفة، والعامل المؤثّر في ذلك، وارتباط الآية الشريفة بمقاصد الشريعة وتأثيرها في تغيّر فتاوى الفقهاء واجتهاداتهم في المسائل ذات البُعد الإنساني العام والمرتبطة بالمسائل الولائية والسياسية والاجتماعية، وفي ما له علاقة بالتمايز بين أحكام الجنسين، الذكر والأنثى، في إطار المواريث والعقوبات والديات وغيرها. | + | <big>الغاية من هذه الورقة الاطلاع على كيفية توظيف الفقهاء، القدماء منهم والمعاصرين، من المدارس الإسلامية المختلفة للآية الشريفة مدار البحث، وهي قوله تعالى: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}} [الحجرات:13] في استنباط الأحكام الشرعية المختلفة، ومدى حضورها -المحتمل- كمصدر للخروج بقاعدةٍ فقهيةٍ ما، يمكن توظيفها في عملية الاستنباط، ولربما يؤدي البحث في هذا الإطار إلى تكوين تصوّر أوّلي حول تطوّر نظرة الفقهاء إلى هذه الآية الشريفة، والعامل المؤثّر في ذلك، وارتباط الآية الشريفة بمقاصد الشريعة وتأثيرها في تغيّر فتاوى الفقهاء واجتهاداتهم في المسائل ذات البُعد الإنساني العام والمرتبطة بالمسائل الولائية والسياسية والاجتماعية، وفي ما له علاقة بالتمايز بين أحكام الجنسين، الذكر والأنثى، في إطار المواريث والعقوبات والديات وغيرها. |
وعند تتبعي لموارد استدلال فقهاء المسلمين في بحوثهم ودراساتهم بهذه الآية الشريفة في الأبواب الفقهية المختلفة ضمن عشرات المصادر المتوفرة من خلال برامج البحث الآلي والمستوعبة لكثير من أمهات المصادر، تبيّن لي الضعف الواضح لحضور هذه الآية في مقام الاستدلال في المسائل الفقهية الفردية والعامة وغيابها عن غالبية المصادر القديمة إلى زمن قريب جداً لا يتجاوز القرن، ثم سرعان ما تتحول خلال القرن الأخير إلى واحدة من أهم النصوص التي يمكن الاعتماد عليها في تقديم اجتهادات فقهية تتعلّق بمسائل هامة تنتظر من الإسلاميين، فقهاء ومفكرين، أن يبيّنوا فيها ما يمكن أن يمثّل الرؤية الإسلامية حولها، وذلك من قبيل العلاقات السياسية الدولية والعولمة والوحدة الإسلامية وغير ذلك. | وعند تتبعي لموارد استدلال فقهاء المسلمين في بحوثهم ودراساتهم بهذه الآية الشريفة في الأبواب الفقهية المختلفة ضمن عشرات المصادر المتوفرة من خلال برامج البحث الآلي والمستوعبة لكثير من أمهات المصادر، تبيّن لي الضعف الواضح لحضور هذه الآية في مقام الاستدلال في المسائل الفقهية الفردية والعامة وغيابها عن غالبية المصادر القديمة إلى زمن قريب جداً لا يتجاوز القرن، ثم سرعان ما تتحول خلال القرن الأخير إلى واحدة من أهم النصوص التي يمكن الاعتماد عليها في تقديم اجتهادات فقهية تتعلّق بمسائل هامة تنتظر من الإسلاميين، فقهاء ومفكرين، أن يبيّنوا فيها ما يمكن أن يمثّل الرؤية الإسلامية حولها، وذلك من قبيل العلاقات السياسية الدولية والعولمة والوحدة الإسلامية وغير ذلك. | ||
سطر ٤٣: | سطر ٤٣: | ||
بعد هذه المقدمة، نستعرض مجموعة من الموارد التي تم فيها توظيف آية (التعارف) من قبل الفقهاء المسلمين قديماً وحديثاً، ويمكن أن نكتشف من خلالها كيف تطوّر حضور هذه الآية الشريفة في عملية الاستنباط خلال القرن الماضي بشكل واضح وكبير، بعد أن كان دورها محصوراً في عناوين ضيقة ومحددة. وسأقوم بعرض الموارد وتصنيفها وفق الأبواب المختلفة مع شيء من التعليق. | بعد هذه المقدمة، نستعرض مجموعة من الموارد التي تم فيها توظيف آية (التعارف) من قبل الفقهاء المسلمين قديماً وحديثاً، ويمكن أن نكتشف من خلالها كيف تطوّر حضور هذه الآية الشريفة في عملية الاستنباط خلال القرن الماضي بشكل واضح وكبير، بعد أن كان دورها محصوراً في عناوين ضيقة ومحددة. وسأقوم بعرض الموارد وتصنيفها وفق الأبواب المختلفة مع شيء من التعليق. | ||
+ | </big> | ||
=أحكام الجهاد= | =أحكام الجهاد= | ||
− | في كتاب (المبسوط) للشيخ محمد بن الحسن الطوسي، وهو من فقهاء الإمامية (ت 460هـ/1067م)، ضمن (كتاب الجهاد وسيرة الإمام - فصل: في أقسام الغزاة) قال: {{اقتباس|'''(الغزاة على ضربين: المتطوعة وهم الذين إذا نشطوا غزوا، وإذا لم ينشطوا اشتغلوا بمعايشهم.... والضرب الثاني: هم الذين أرصدوا أنفسهم للجهاد.... ويستحب للإمام أن يجعل العسكر قبايل وطوايف وحزباً حزباً، ويجعل على كل قوم عريفاً عريفاً لقوله تعالى [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا]، والنبي صلى الله عليه وآله عرّف عام خيبر على كل عشرة عريفاً)'''.|<ref>محمد بن الحسن الطوسي(ت 460هـ/1067م)، (كتاب المبسوط) ، ج ٢، ص ٧٤-75 .</ref>}} | + | <big>في كتاب (المبسوط) للشيخ محمد بن الحسن الطوسي، وهو من فقهاء الإمامية (ت 460هـ/1067م)، ضمن (كتاب الجهاد وسيرة الإمام - فصل: في أقسام الغزاة) قال: {{اقتباس|'''(الغزاة على ضربين: المتطوعة وهم الذين إذا نشطوا غزوا، وإذا لم ينشطوا اشتغلوا بمعايشهم.... والضرب الثاني: هم الذين أرصدوا أنفسهم للجهاد.... ويستحب للإمام أن يجعل العسكر قبايل وطوايف وحزباً حزباً، ويجعل على كل قوم عريفاً عريفاً لقوله تعالى [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا]، والنبي صلى الله عليه وآله عرّف عام خيبر على كل عشرة عريفاً)'''.|<ref>محمد بن الحسن الطوسي(ت 460هـ/1067م)، (كتاب المبسوط) ، ج ٢، ص ٧٤-75 .</ref>}} |
ونجد الفقيه والقاضي الشافعي المعاصر للشيخ الطوسي، علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت 450هـ/1058) في كتابه الأحكام السلطانية يستشهد بالآية في بيان مسئوليات (الإمام) أي حاكم الدولة، لا ضمن أحكام الجهاد، فقال: {{اقتباس|'''(ويلزم الإمام من أمور الأمة عشرة أشياء: الرابع: أن يعرّف على الفريقين العرفاء، وينقب عليهم النُّقَبَاءَ، لِيَعْرِفَ مِنْ عُرَفَائِهِمْ وَنُقَبَائِهِمْ أَحْوَالَهُمْ، وَيَقْرَبُونَ عليه إذا دعاهم. وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه. وقال تعالى: [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا])'''.|<ref>علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت 450هـ/1058)، (الأحكام السلطانية)، ج1، ص 40.</ref>}} | ونجد الفقيه والقاضي الشافعي المعاصر للشيخ الطوسي، علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت 450هـ/1058) في كتابه الأحكام السلطانية يستشهد بالآية في بيان مسئوليات (الإمام) أي حاكم الدولة، لا ضمن أحكام الجهاد، فقال: {{اقتباس|'''(ويلزم الإمام من أمور الأمة عشرة أشياء: الرابع: أن يعرّف على الفريقين العرفاء، وينقب عليهم النُّقَبَاءَ، لِيَعْرِفَ مِنْ عُرَفَائِهِمْ وَنُقَبَائِهِمْ أَحْوَالَهُمْ، وَيَقْرَبُونَ عليه إذا دعاهم. وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه. وقال تعالى: [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا])'''.|<ref>علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت 450هـ/1058)، (الأحكام السلطانية)، ج1، ص 40.</ref>}} | ||
سطر ٦٠: | سطر ٦١: | ||
فيتضح مما سبق أن الآية كانت دليلاً مركزياً في مسألة تعيين (العرفاء: رؤساء المجاميع العسكرية)، وكأنهم استفادوا من قوله تعالى (لِتَعارَفُوا) عنوان (العُرفاء) ليكونوا بمثابة رؤساء ومسئولين عن مجموعة من الأفراد لتنتظم أمورُهم، وينقادون لهم، ويلتزمون بتنفيذ أوامرهم، وهو ما قد يكون بعيداً جداً عن مفهوم الآية المباشر، وعن المسائل المحتمل أن يتم توظيفها فيها، على الرغم من أن الشيخ الطوسي نفسه قال في تفسير الآية في كتابه التفسيري (التبيان الجامع لعلوم القرآن): {{اقتباس|'''([لِتَعارَفُوا] معناه جعلكم كذلك لتعارفوا، فيعرف بعضكم بعضاً)''' وهو المعنى الظاهر للآية الشريفة.|<ref> الطوسي، (التبيان الجامع لعلوم القرآن)، ج9، ص352.</ref>}} | فيتضح مما سبق أن الآية كانت دليلاً مركزياً في مسألة تعيين (العرفاء: رؤساء المجاميع العسكرية)، وكأنهم استفادوا من قوله تعالى (لِتَعارَفُوا) عنوان (العُرفاء) ليكونوا بمثابة رؤساء ومسئولين عن مجموعة من الأفراد لتنتظم أمورُهم، وينقادون لهم، ويلتزمون بتنفيذ أوامرهم، وهو ما قد يكون بعيداً جداً عن مفهوم الآية المباشر، وعن المسائل المحتمل أن يتم توظيفها فيها، على الرغم من أن الشيخ الطوسي نفسه قال في تفسير الآية في كتابه التفسيري (التبيان الجامع لعلوم القرآن): {{اقتباس|'''([لِتَعارَفُوا] معناه جعلكم كذلك لتعارفوا، فيعرف بعضكم بعضاً)''' وهو المعنى الظاهر للآية الشريفة.|<ref> الطوسي، (التبيان الجامع لعلوم القرآن)، ج9، ص352.</ref>}} | ||
+ | </big> | ||
=العام والخاص من بحوث أصول الفقه= | =العام والخاص من بحوث أصول الفقه= | ||
− | ووظف إمام الشافعية محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (ت204هـ /820م) الآية الشريفة في بحث أصولي حول العام والخاص، وأنه إذا وردت آية في أوّلها لفظ عامّ فيجوز أن يكون في آخرها لفظ خاصّ، وذلك في (باب بيان ما أُنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص) من كتابه (الرسالة): {{اقتباس|'''(قال الله تبارك وتعالى {{قرآن نبذة|إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}} فأما العموم منها ففي قول الله {{قرآن نبذة|إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}} فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول الله وقبله وبعده مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل. والخاص منها في قول الله [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] لأن التقوى تكون على مَن عَقَلها وكان من أهلها من البالغين من بني آدم دون المخلوقين من الدواب سواهم، ودون المغلوبين على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا وعقل التقوى منهم فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها، إلا مَن عَقَلها وكان من أهلها أو خالفها فكان من غير أهلها)'''.|<ref>محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (ت204هـ /820م)، (الرسالة) ص١٧١-173.</ref>}} | + | <big>ووظف إمام الشافعية محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (ت204هـ /820م) الآية الشريفة في بحث أصولي حول العام والخاص، وأنه إذا وردت آية في أوّلها لفظ عامّ فيجوز أن يكون في آخرها لفظ خاصّ، وذلك في (باب بيان ما أُنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص) من كتابه (الرسالة): {{اقتباس|'''(قال الله تبارك وتعالى {{قرآن نبذة|إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}} فأما العموم منها ففي قول الله {{قرآن نبذة|إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}} فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول الله وقبله وبعده مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل. والخاص منها في قول الله [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] لأن التقوى تكون على مَن عَقَلها وكان من أهلها من البالغين من بني آدم دون المخلوقين من الدواب سواهم، ودون المغلوبين على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا وعقل التقوى منهم فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها، إلا مَن عَقَلها وكان من أهلها أو خالفها فكان من غير أهلها)'''.|<ref>محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (ت204هـ /820م)، (الرسالة) ص١٧١-173.</ref>}} |
− | وعاد لتوظيفها في نفس البحث الأصولي في (كتاب جماع العلم - باب حكاية قول الطائفة التي ردّت الأخبار كلها) من كتاب الأم: {{اقتباس|'''(أرأيت العام في القرآن كيف جعلته عامّاً مرة وخاصاً أخرى؟ قلت له: لسان العرب واسع، وقد تنطق بالشئ عامّاً تريد به الخاص فيبين في لفظها، ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم، وكذلك أنزل في القرآن فبيّن في القرآن مرّة وفي السنة أخرى. قال: فاذكر منها شيئاً. قلت: قال الله عز وجل [اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ] فكان مخرجاً بالقول عامّاً يراد به العام، وقال: [إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى فهذا عام، يراد به العام، وفيه الخصوص وقال: {{قرآن نبذة|إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}} فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم)'''.|<ref>محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (ت204هـ /820م)، (كتاب الأم)، ج ٧، ص 289.</ref>}} | + | وعاد لتوظيفها في نفس البحث الأصولي في (كتاب جماع العلم - باب حكاية قول الطائفة التي ردّت الأخبار كلها) من كتاب الأم: {{اقتباس|'''(أرأيت العام في القرآن كيف جعلته عامّاً مرة وخاصاً أخرى؟ قلت له: لسان العرب واسع، وقد تنطق بالشئ عامّاً تريد به الخاص فيبين في لفظها، ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم، وكذلك أنزل في القرآن فبيّن في القرآن مرّة وفي السنة أخرى. قال: فاذكر منها شيئاً. قلت: قال الله عز وجل [اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ] فكان مخرجاً بالقول عامّاً يراد به العام، وقال: [إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى فهذا عام، يراد به العام، وفيه الخصوص وقال: {{قرآن نبذة|إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}} فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم)'''.|<ref>محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (ت204هـ /820م)، (كتاب الأم)، ج ٧، ص 289.</ref>}}</big> |
=أحكام النكاح= | =أحكام النكاح= | ||
− | استدل بعض الفقهاء بهذه الآية الشريفة في مسألة اجتماعية ضمن بحثهم حول اشتراط كون الزوج كفؤاً للزوجة. | + | <big>استدل بعض الفقهاء بهذه الآية الشريفة في مسألة اجتماعية ضمن بحثهم حول اشتراط كون الزوج كفؤاً للزوجة. |
ففي (المدونة الكبرى) لإمام المالكية مالك بن أنس الحميري المدني (ت179هـ/795م)، ضمن (كتاب النكاح - في إنكاح الأولياء): {{اقتباس|'''([ قلت ] أرأيت إن كان كفؤاً في الدين ولم يكن كفؤاً لها في المال، فرضيت به، وأبى الولي أن يرضى، أيزوّجها منه السلطان أم لا؟ [ قال ]: ما سمعت من مالك في هذا شيئاً إلا أني سألت مالكاً عن نكاح الموالي في العرب فقال: لا بأس بذلك، ألا ترى إلى ما قال الله في كتابه {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}}؟ [ قلت ] أرأيت إن رضيت بعبد وهي امرأة من العرب وأبى الأب أو الولي أن يزوّجها وهي ثيّب، أ يزوّجها منه السلطان أم لا؟ [ قال ] لم أسمع من مالك فيه شيئاً إلا ما أخبرتك. [ قال ] ولقد قيل لمالك: إنّ بعض هؤلاء القوم فرّقوا بين عربية ومولاة. فأعظم ذلك إعظاماً شديداً وقال: أهل الاسلام كلهم بعضهم لبعض أكفاء لقول الله في التنزيل {{قرآن نبذة|إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}})'''.|<ref>مالك بن أنس الحميري المدني (ت179هـ/795م)، (المدونة الكبرى)، ج ٢، ص١٦3-164.</ref>}} | ففي (المدونة الكبرى) لإمام المالكية مالك بن أنس الحميري المدني (ت179هـ/795م)، ضمن (كتاب النكاح - في إنكاح الأولياء): {{اقتباس|'''([ قلت ] أرأيت إن كان كفؤاً في الدين ولم يكن كفؤاً لها في المال، فرضيت به، وأبى الولي أن يرضى، أيزوّجها منه السلطان أم لا؟ [ قال ]: ما سمعت من مالك في هذا شيئاً إلا أني سألت مالكاً عن نكاح الموالي في العرب فقال: لا بأس بذلك، ألا ترى إلى ما قال الله في كتابه {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}}؟ [ قلت ] أرأيت إن رضيت بعبد وهي امرأة من العرب وأبى الأب أو الولي أن يزوّجها وهي ثيّب، أ يزوّجها منه السلطان أم لا؟ [ قال ] لم أسمع من مالك فيه شيئاً إلا ما أخبرتك. [ قال ] ولقد قيل لمالك: إنّ بعض هؤلاء القوم فرّقوا بين عربية ومولاة. فأعظم ذلك إعظاماً شديداً وقال: أهل الاسلام كلهم بعضهم لبعض أكفاء لقول الله في التنزيل {{قرآن نبذة|إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}})'''.|<ref>مالك بن أنس الحميري المدني (ت179هـ/795م)، (المدونة الكبرى)، ج ٢، ص١٦3-164.</ref>}} | ||
سطر ٧٦: | سطر ٧٨: | ||
وكذلك الفقيه الأزهري المعاصر سيد سابق (ت1420هـ/2000م) في باب (الزواج - الكفاءة في الزواج) من كتابه (فقه السنة): {{اقتباس|'''(اعتبار الكفاءة بالاستقامة والخلُق: وذهب جماعة إلى أن الكفاءة معتبرة، ولكن اعتبارها بالاستقامة والخلق خاصة، فلا اعتبار لنسب، ولا لصناعة، ولا لغنى، ولا لشئ آخر، فيجوز للرجل الصالح الذي لا نسب له أن يتزوج المرأة النسيبة، ولصاحب الحرفة الدنيئة أن يتزوج المرأة الرفيعة القدر، ولمن لا جاه له أن يتزوج صاحبة الجاه والشهرة، وللفقير أن يتزوج المثرية الغنية - ما دام مسلماً عفيفاً - وأنه ليس لأحد من الأولياء الاعتراض، ولا طلب التفريق. وإن كان غير مستوفي الدرجة مع الولي الذي تولى العقد ما دام الزواج كان عن رضى منها، فإذا لم يتوفر شرط الاستقامة عند الرجل فلا يكون كفئاً للمرأة الصالحة، ولها الحق في طلب فسخ العقد إذا كانت بكراً وأجبرها أبوها على الزواج من الفاسق. وفي بداية المجتهد: ولم يختلف المذهب - المالكية - أن البكر إذا زوجها الأب من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق، أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم في ذلك، فيفرّق بينهما، وكذلك إذا زوّجها ممن مالُه حرام، أو ممن هو كثير الحلف بالطلاق، واستدل أصحاب هذا المذهب بما يأتي: 1 - إن الله تعالى قال: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}}، ففي هذه الآية تقرير أن الناس متساوون في الخَلق، وفي القيمة الإنسانية، وأنه لا أحد أكرم من أحد إلا من حيث تقوى الله عز وجل، بأداء حق الله وحق الناس)'''.|<ref>سيد سابق (ت1420هـ/2000م)، (فقه السنة)، ج ٢، ص ١٤٤.</ref>}} | وكذلك الفقيه الأزهري المعاصر سيد سابق (ت1420هـ/2000م) في باب (الزواج - الكفاءة في الزواج) من كتابه (فقه السنة): {{اقتباس|'''(اعتبار الكفاءة بالاستقامة والخلُق: وذهب جماعة إلى أن الكفاءة معتبرة، ولكن اعتبارها بالاستقامة والخلق خاصة، فلا اعتبار لنسب، ولا لصناعة، ولا لغنى، ولا لشئ آخر، فيجوز للرجل الصالح الذي لا نسب له أن يتزوج المرأة النسيبة، ولصاحب الحرفة الدنيئة أن يتزوج المرأة الرفيعة القدر، ولمن لا جاه له أن يتزوج صاحبة الجاه والشهرة، وللفقير أن يتزوج المثرية الغنية - ما دام مسلماً عفيفاً - وأنه ليس لأحد من الأولياء الاعتراض، ولا طلب التفريق. وإن كان غير مستوفي الدرجة مع الولي الذي تولى العقد ما دام الزواج كان عن رضى منها، فإذا لم يتوفر شرط الاستقامة عند الرجل فلا يكون كفئاً للمرأة الصالحة، ولها الحق في طلب فسخ العقد إذا كانت بكراً وأجبرها أبوها على الزواج من الفاسق. وفي بداية المجتهد: ولم يختلف المذهب - المالكية - أن البكر إذا زوجها الأب من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق، أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم في ذلك، فيفرّق بينهما، وكذلك إذا زوّجها ممن مالُه حرام، أو ممن هو كثير الحلف بالطلاق، واستدل أصحاب هذا المذهب بما يأتي: 1 - إن الله تعالى قال: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}}، ففي هذه الآية تقرير أن الناس متساوون في الخَلق، وفي القيمة الإنسانية، وأنه لا أحد أكرم من أحد إلا من حيث تقوى الله عز وجل، بأداء حق الله وحق الناس)'''.|<ref>سيد سابق (ت1420هـ/2000م)، (فقه السنة)، ج ٢، ص ١٤٤.</ref>}} | ||
+ | </big> | ||
=الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر= | =الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر= | ||
− | قام بتوظيف الآية الفقيه والمتصوف الحنبلي عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود، الدمشقيّ الصالحي (ت٨٥٦ هـ/١٤٥٢م) في الفصل 36 من كتابه (الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وتحت عنوان (استحباب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه بلا افتخار أو تعاظم): {{اقتباس|'''(قال تعالى: {{قرآن نبذة|تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}}. ذكر المفسرون - عند تفسير هذه الآية- عن أبي معاوية، أنه قال: [لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ] هو من لم يجزع من ذلها ولم ينافس في عزها، وإن ارفعهم عند الله أشدهم تواضعًا، وأعزهم غدًا ألزمهم لذل اليوم. وقال تعالى: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}}'''.|<ref>عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود، الدمشقيّ الصالحي (ت٨٥٦ هـ/١٤٥٢م)، (الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ص461.</ref>}} | + | <big>قام بتوظيف الآية الفقيه والمتصوف الحنبلي عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود، الدمشقيّ الصالحي (ت٨٥٦ هـ/١٤٥٢م) في الفصل 36 من كتابه (الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وتحت عنوان (استحباب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه بلا افتخار أو تعاظم): {{اقتباس|'''(قال تعالى: {{قرآن نبذة|تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}}. ذكر المفسرون - عند تفسير هذه الآية- عن أبي معاوية، أنه قال: [لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ] هو من لم يجزع من ذلها ولم ينافس في عزها، وإن ارفعهم عند الله أشدهم تواضعًا، وأعزهم غدًا ألزمهم لذل اليوم. وقال تعالى: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}}'''.|<ref>عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود، الدمشقيّ الصالحي (ت٨٥٦ هـ/١٤٥٢م)، (الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ص461.</ref>}} |
+ | </big> | ||
=أحكام الرقِّـــيَّة والعتق= | =أحكام الرقِّـــيَّة والعتق= | ||
− | توظيف الآية في استنباط أحكام تتعلّق بهذا الباب جاء في عصر متأخر جداً، ففي مقدمة تعليقه على (كتاب العتق) من موسوعة (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية)، للشهيد الثاني، ج ٦، ص ٢٢١-225، كتب الفقيه المعاصر السيد محمد سلطان مصطفى الموسوي الكلانتر (ت1420هـ / 1999م): {{اقتباس|'''(هناك اعتراض على الإسلام من ناحية اعترافه بقانون الرقية -استعباد إنسان لمثله- الأمر الذي يتنافى والمعهود من روح العدالة الإسلامية التي تتحكم في جميع قوانينه وأحكامه وانتظاماته: [لا ضرر ولا ضرار في الإسلام]، [البشر كلهم سواسية]، [لا فضل لعربي على عجمي]، [ولا لعجمي على عربي]، [ولا لأبيض على أسود]، [ولا لأسود على أبيض]، حديثاً مشهوراً عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فالناس كلهم من ولد آدم أخوة سواء. وقال الله عز وجل: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}}. {{قرآن نبذة|وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}}.... ومما أخذه الإسلام تدبيراً لمبارزة قانون الاستعباد البشري أن حارب فلسفته الدارجة، فقال : [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى] أي كلكم من أب واحد ومن أم واحدة، وكلكم أخوة وبنو أب واحد. [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ] مختلفة في العادات، وفق اختلاف الأصقاع والبيئات [لِتَعَارَفُوا] ليتعرف بعضكم إلى بعض، ويسعى كل أمة في ترفيع مستواها على أختها، وبذلك يتدرج الإنسان على مدارج المدنية الراقية، إلى غيرها من آيات. وأعلن الرسول الأعظم: لا فضل لأبيضكم على أسودكم، كما لا فضل لعربي على عجمي. والبشر سواسية من ولد أب واحد وأم واحدة، إلى غيرها من مضامين متحدة الهدف مأثورة عن النبي والأئمة عليهم السلام. هكذا حارب الإسلام فكرة الاستعباد فلسفياً. وهي مبارزة جذرية، تقطع أصول الاستعباد، وتذهب بفروعها هباء. وبذلك ألغى قانون الرقّية الذي كان يعترف به العالم المتمدن إلى حدّ ذاك. نعم استثنى واحدة من موارد الاستعباد التي كانت دارجة حينذاك، وهذا مما لا بد منه في قانون الاجتماع العام، وبصالح العبيد أنفسهم، وهذا ما نروم تفصيله في هذا المجال)'''.|<ref>مقدمة تعليقه على (كتاب العتق) من موسوعة (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية)، للشهيد الثاني، ج ٦، ص ٢٢١-225، كتب الفقيه المعاصر السيد محمد سلطان مصطفى الموسوي الكلانتر (ت1420هـ / 1999م)</ref>}} | + | <big>توظيف الآية في استنباط أحكام تتعلّق بهذا الباب جاء في عصر متأخر جداً، ففي مقدمة تعليقه على (كتاب العتق) من موسوعة (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية)، للشهيد الثاني، ج ٦، ص ٢٢١-225، كتب الفقيه المعاصر السيد محمد سلطان مصطفى الموسوي الكلانتر (ت1420هـ / 1999م): {{اقتباس|'''(هناك اعتراض على الإسلام من ناحية اعترافه بقانون الرقية -استعباد إنسان لمثله- الأمر الذي يتنافى والمعهود من روح العدالة الإسلامية التي تتحكم في جميع قوانينه وأحكامه وانتظاماته: [لا ضرر ولا ضرار في الإسلام]، [البشر كلهم سواسية]، [لا فضل لعربي على عجمي]، [ولا لعجمي على عربي]، [ولا لأبيض على أسود]، [ولا لأسود على أبيض]، حديثاً مشهوراً عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فالناس كلهم من ولد آدم أخوة سواء. وقال الله عز وجل: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}}. {{قرآن نبذة|وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}}.... ومما أخذه الإسلام تدبيراً لمبارزة قانون الاستعباد البشري أن حارب فلسفته الدارجة، فقال : [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى] أي كلكم من أب واحد ومن أم واحدة، وكلكم أخوة وبنو أب واحد. [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ] مختلفة في العادات، وفق اختلاف الأصقاع والبيئات [لِتَعَارَفُوا] ليتعرف بعضكم إلى بعض، ويسعى كل أمة في ترفيع مستواها على أختها، وبذلك يتدرج الإنسان على مدارج المدنية الراقية، إلى غيرها من آيات. وأعلن الرسول الأعظم: لا فضل لأبيضكم على أسودكم، كما لا فضل لعربي على عجمي. والبشر سواسية من ولد أب واحد وأم واحدة، إلى غيرها من مضامين متحدة الهدف مأثورة عن النبي والأئمة عليهم السلام. هكذا حارب الإسلام فكرة الاستعباد فلسفياً. وهي مبارزة جذرية، تقطع أصول الاستعباد، وتذهب بفروعها هباء. وبذلك ألغى قانون الرقّية الذي كان يعترف به العالم المتمدن إلى حدّ ذاك. نعم استثنى واحدة من موارد الاستعباد التي كانت دارجة حينذاك، وهذا مما لا بد منه في قانون الاجتماع العام، وبصالح العبيد أنفسهم، وهذا ما نروم تفصيله في هذا المجال)'''.|<ref>مقدمة تعليقه على (كتاب العتق) من موسوعة (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية)، للشهيد الثاني، ج ٦، ص ٢٢١-225، كتب الفقيه المعاصر السيد محمد سلطان مصطفى الموسوي الكلانتر (ت1420هـ / 1999م)</ref>}} |
وجاء في (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي) تحت عنوان (إنسان - حقّ الحرّية): {{اقتباس|'''(حقّ الحرّية أكثر الحقوق التصاقاً بالحياة، ولذا يعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان، وهو حقّ من الحقوق الفردية والاجتماعية، فإنّ الإنسان بالحرّية يمتاز عن غيره من الكائنات الحيّة، وهذا الحقّ يمنح الإنسان السلطة في التصرّف والفعل عن إرادة دون أيّ إجبار أو إكراه، وحقّ الحرّية عام وشامل، كما أنّ الحقوق المترتّبة عليه متعدّدة لها عناوين مختلفة، وهي كالتالي: أ - التحرّر من الرقّية والعبودية: يولد الإنسان حرّاً ويجب أن يعيش حرّاً، فلا يجوز في الإسلام استرقاق الأحرار أو استعبادهم لمنافاة ذلك لروح العدالة الإسلامية وتكريم الإنسان المذكور في قوله تعالى : [وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ]، فلا يجوز لقوم أو شعب استعباد قوم أو شعب آخر؛ إذ لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، وكذا لا فضل لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلّا بالتقوى، قال تعالى: {{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}}. وقد حارب الإسلام القومية والشعوبية والعنصرية التي كانت بعض الأمم المتحضّرة تؤمن بها وتعتقد أنّ العنصر الأبيض أفضل من العنصر الأسود جنساً ووصفاً وخلقة، وأنّ الأسود مخلوق لخدمة الأبيض، وأنكر الإسلام ذلك أشدّ الإنكار، فهو يرى أنّ الناس كلّهم متساوون في الإنسانية والتكريم، سواء كانوا عرباً أو عجماً، بيضاً أو سوداً، وجعل الملاك في أفضلية بعضهم على الآخر إسلامهم وإيمانهم وتقواهم، وألغى نظام الرقّية الذي يعترف به العالم المتحضّر وحاربه لكنه تدرّج في ذلك ولم يلغه دفعة واحدة، وعليه كانت القاعدة الأولية في الإسلام هي الحرّية كما نصّ على ذلك في رواية عبد اللَّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: [كان علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: الناس كلّهم أحرار]. نعم، استثنى الإسلام من الرقّ مورداً واحداً جوّز فيه الاستعباد، وهو فيما لو قامت الحرب بين المسلمين والكفّار فوقع الكفّار في الأسر، فإنّه لا يصحّ تخلية سبيلهم ليرجعوا إلى ما كانوا عليه من منابذة الإسلام من جديد، فإنّ فكّ أسرهم نقض للغرض، ولا يلتزم به أحد من العقلاء، ولا يصحّ قتلهم جميعاً، فينحصر الأمر في إبقائهم وتربيتهم وتعليمهم الإسلام، فإنّ ذلك خير لهم من القتل والحبس الذي هو الآخر له مضارّه وتكاليفه الخاصة على الدولة الإسلامية، فيفرّقهم الإسلام بين المسلمين ليتكفّل كلّ واحد منهم مهمة تعليم كلّ واحد من هؤلاء الأسرى لعلّهم يهتدون إلى الصراط المستقيم ومعالم الشريعة فيكونوا صالحين، ويستفيد منهم المجتمع بعدما كان يخشى الناس غائلتهم وفسادهم وإفسادهم. على أنّ الإسلام يعامل هؤلاء العبيد معاملة العمّال لا كما يتعامل معهم غير المسلمين، حيث كانوا يستغلّون منافعهم ويفرضون عليهم ما لا يطيقون ممّا يعرّض حياتهم للمخاطر، بل يعبثون أحياناً بحياتهم لغرض التسلية، وهذا ما أدّى إلى التصوّر الخاطئ في حقّ الإسلام ، وأنّه يعامل العبيد مثل هذه المعاملة، والإسلام بما يحمل روح العدل والإنصاف لا يرتضي لهؤلاء البقاء تحت نير العبودية، بل شجّع على العتق من جانب وضيّق من هذه الظاهرة من جانب آخر، حتى أنّ الفقهاء بحثوا ذلك في كتاب من الفقه تحت عنوان كتاب العتق، وأمّا الرقّ فلم يرد له عنوان فضلًا عن كتاب إلّا في كتاب الجهاد حيث بحثوه في أسطر)'''.|<ref>موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي، ج ١٨، ص ١٧٤-176.</ref>}} | وجاء في (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي) تحت عنوان (إنسان - حقّ الحرّية): {{اقتباس|'''(حقّ الحرّية أكثر الحقوق التصاقاً بالحياة، ولذا يعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان، وهو حقّ من الحقوق الفردية والاجتماعية، فإنّ الإنسان بالحرّية يمتاز عن غيره من الكائنات الحيّة، وهذا الحقّ يمنح الإنسان السلطة في التصرّف والفعل عن إرادة دون أيّ إجبار أو إكراه، وحقّ الحرّية عام وشامل، كما أنّ الحقوق المترتّبة عليه متعدّدة لها عناوين مختلفة، وهي كالتالي: أ - التحرّر من الرقّية والعبودية: يولد الإنسان حرّاً ويجب أن يعيش حرّاً، فلا يجوز في الإسلام استرقاق الأحرار أو استعبادهم لمنافاة ذلك لروح العدالة الإسلامية وتكريم الإنسان المذكور في قوله تعالى : [وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ]، فلا يجوز لقوم أو شعب استعباد قوم أو شعب آخر؛ إذ لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، وكذا لا فضل لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلّا بالتقوى، قال تعالى: {{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}}. وقد حارب الإسلام القومية والشعوبية والعنصرية التي كانت بعض الأمم المتحضّرة تؤمن بها وتعتقد أنّ العنصر الأبيض أفضل من العنصر الأسود جنساً ووصفاً وخلقة، وأنّ الأسود مخلوق لخدمة الأبيض، وأنكر الإسلام ذلك أشدّ الإنكار، فهو يرى أنّ الناس كلّهم متساوون في الإنسانية والتكريم، سواء كانوا عرباً أو عجماً، بيضاً أو سوداً، وجعل الملاك في أفضلية بعضهم على الآخر إسلامهم وإيمانهم وتقواهم، وألغى نظام الرقّية الذي يعترف به العالم المتحضّر وحاربه لكنه تدرّج في ذلك ولم يلغه دفعة واحدة، وعليه كانت القاعدة الأولية في الإسلام هي الحرّية كما نصّ على ذلك في رواية عبد اللَّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: [كان علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: الناس كلّهم أحرار]. نعم، استثنى الإسلام من الرقّ مورداً واحداً جوّز فيه الاستعباد، وهو فيما لو قامت الحرب بين المسلمين والكفّار فوقع الكفّار في الأسر، فإنّه لا يصحّ تخلية سبيلهم ليرجعوا إلى ما كانوا عليه من منابذة الإسلام من جديد، فإنّ فكّ أسرهم نقض للغرض، ولا يلتزم به أحد من العقلاء، ولا يصحّ قتلهم جميعاً، فينحصر الأمر في إبقائهم وتربيتهم وتعليمهم الإسلام، فإنّ ذلك خير لهم من القتل والحبس الذي هو الآخر له مضارّه وتكاليفه الخاصة على الدولة الإسلامية، فيفرّقهم الإسلام بين المسلمين ليتكفّل كلّ واحد منهم مهمة تعليم كلّ واحد من هؤلاء الأسرى لعلّهم يهتدون إلى الصراط المستقيم ومعالم الشريعة فيكونوا صالحين، ويستفيد منهم المجتمع بعدما كان يخشى الناس غائلتهم وفسادهم وإفسادهم. على أنّ الإسلام يعامل هؤلاء العبيد معاملة العمّال لا كما يتعامل معهم غير المسلمين، حيث كانوا يستغلّون منافعهم ويفرضون عليهم ما لا يطيقون ممّا يعرّض حياتهم للمخاطر، بل يعبثون أحياناً بحياتهم لغرض التسلية، وهذا ما أدّى إلى التصوّر الخاطئ في حقّ الإسلام ، وأنّه يعامل العبيد مثل هذه المعاملة، والإسلام بما يحمل روح العدل والإنصاف لا يرتضي لهؤلاء البقاء تحت نير العبودية، بل شجّع على العتق من جانب وضيّق من هذه الظاهرة من جانب آخر، حتى أنّ الفقهاء بحثوا ذلك في كتاب من الفقه تحت عنوان كتاب العتق، وأمّا الرقّ فلم يرد له عنوان فضلًا عن كتاب إلّا في كتاب الجهاد حيث بحثوه في أسطر)'''.|<ref>موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي، ج ١٨، ص ١٧٤-176.</ref>}} | ||
وما سبق بمثابة قفزة نوعية ملحوظة في الاستفادة من مدلول الآية الشريفة على مسألة متعلقة بحقوق الإنسان إذ لم ترد في استدلالات الفقهاء ضمن بحوثهم المتعلقة بأحكام الرق والعتق. | وما سبق بمثابة قفزة نوعية ملحوظة في الاستفادة من مدلول الآية الشريفة على مسألة متعلقة بحقوق الإنسان إذ لم ترد في استدلالات الفقهاء ضمن بحوثهم المتعلقة بأحكام الرق والعتق. | ||
+ | </big> | ||
=مشروعية علم النسب= | =مشروعية علم النسب= | ||
− | في كتاب (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية) للفقيه الحنبلي سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصي (ت716هـ/1316م): {{اقتباس|'''({{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}}[ الحجرات : 13 ] هذا في مشروعية علم النسب وتفاصيله في الكتب)'''.|<ref>سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصي (ت716هـ/1316م)، (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية)، ص ٥٩٤.</ref>}} | + | <big>في كتاب (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية) للفقيه الحنبلي سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصي (ت716هـ/1316م): {{اقتباس|'''({{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}}[ الحجرات : 13 ] هذا في مشروعية علم النسب وتفاصيله في الكتب)'''.|<ref>سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصي (ت716هـ/1316م)، (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية)، ص ٥٩٤.</ref>}} |
− | وحول حكم معرفة الأنساب ذكر قدماء فقهاء المسلمين أن منه ما يكون تعلمه فرض كفاية أو مستحباً إذا كان وسيلة إلى فرض كفاية أو أصل مشروعية معرفة الأنساب من الأمور الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، ثم منها ما يكون تعلّمه واجباً؛ لكونه وسيلة إلى واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو مستحب. واستدلوا على كلامهم هذا من الآية الشريفة، وفي ذلك قال الفقيه المالكي يوسف بن عبد البر (463هـ/978م) في (الإنباه على قبائل الرواة) وهو يشير إلى الآية: '''(وفيه دليل واضح على تعلّم الأنساب)'''.<ref>يوسف بن عبد البر (463هـ/978م)، (الإنباه على قبائل الرواة).</ref> | + | وحول حكم معرفة الأنساب ذكر قدماء فقهاء المسلمين أن منه ما يكون تعلمه فرض كفاية أو مستحباً إذا كان وسيلة إلى فرض كفاية أو أصل مشروعية معرفة الأنساب من الأمور الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، ثم منها ما يكون تعلّمه واجباً؛ لكونه وسيلة إلى واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو مستحب. واستدلوا على كلامهم هذا من الآية الشريفة، وفي ذلك قال الفقيه المالكي يوسف بن عبد البر (463هـ/978م) في (الإنباه على قبائل الرواة) وهو يشير إلى الآية: '''(وفيه دليل واضح على تعلّم الأنساب)'''.<ref>يوسف بن عبد البر (463هـ/978م)، (الإنباه على قبائل الرواة).</ref></big> |
=الأحكام المتعلقة بإدارة الدولة الإسلامية= | =الأحكام المتعلقة بإدارة الدولة الإسلامية= | ||
− | يبدو أن حضور آية التعارف كدليل من الأدلة المعتمد عليها في استنباط المسائل ذات البُعد السياسي عند القدماء من الفقهاء المسلمين كان حضوراً خجولاً، ولربما اقتصر على مسألة الشروط التي يجب توافرها في الخليفة (الحاكم)، وإلى هذه المسألة أشار د. حسين محمد المحيميد تحت عنوان (بحث الاجتهاد المقاصدي وأثره في مسائل السياسة الشرعية) حيث قال: {{اقتباس|'''(الفريق الثاني: وقد ذهبوا إلى عدم اشتراط القرشية كشرط من شروط الانعقاد في الخليفة، وقد قال بهذا القول جمهور المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة، كما قال به ضرار. قال ابن حزم: [ذهبت الخوارج كلها وجمهور المعتزلة وبعض المرجئة إلى أنها جائزة، في كل مَن قام بالكتاب والسنة، قرشياً كان أو عربياً أو بان عبد، وقال ضرار بن عمرو الغطفاني: إذا اجتمع حبشي وقرشي كلاهما قائم بالكتاب والسنة، قالوا وجب أن يُقدَّم الحبشي، لأنه أسهل لخلعه إذا حاد عن الطريقة].<ref>د. حسين محمد المحيميد، (بحث الاجتهاد المقاصدي وأثره في مسائل السياسة الشرعية).</ref> ومن أهل السنة ربما يكون الإمام الجويني أحد القائلين بهذا حيث قال: [ومن شرائطها عند أصحابنا أن يكون الإمام من قريش... وهذا مما يخالف فيه بعض الناس، وللاحتمال فيه عندي مجال]. بل إن إمام الحرمين قد قرر أن غير القرشي إذا وجدت فيه الكفاية فإنه يقدم على القرشي الذي يفتقر إلى ذلك حيث قال: [ما قولكم في قرشي ليس بذي دراية، ولا بذي كفاية إذا عاصره عالم كاف تقي، فمن أولى بالأمر منهما؟ قلنا: لا نقدم إلا الكافي التقي العالم، ومن لا كفاية فيه فلا احتفال به، ولا اعتداد بمكانه أصلاً]. ويقول الإمام الآمدي: [ولعمري، إن هذا الشرط واقع في محل الاجتهاد]. وإلى هذا الرأي مال جُلّ المعاصرين، منهم الإمام أبوزُهرة، والأستاذ المبارك، والأستاذ الريس، ومحمد أسد، والدكتور القرضاوي، والشيخ عبدالوهاب خلاف، والشيخ المودودي، والأستاذ حسين بن محسن جابر، وغيرهم كثير. وقد استدل من ذهب إلى هذا القول بعدة أدلة منها: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}} [الحجرات:آية13]، فقد جعل الله تعالى الأفضلية والإكرام بالتقوى والعمل الصالح، لا بالنسب ونحوه، بل وردت أحاديث كثيرة تحذّر من التفاخر بالأحساب والأنساب، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: [أربع من أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركوهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة])'''.|<ref>د. حسين محمد المحيميد، (بحث الاجتهاد المقاصدي وأثره في مسائل السياسة الشرعية).</ref>}} | + | <big>يبدو أن حضور آية التعارف كدليل من الأدلة المعتمد عليها في استنباط المسائل ذات البُعد السياسي عند القدماء من الفقهاء المسلمين كان حضوراً خجولاً، ولربما اقتصر على مسألة الشروط التي يجب توافرها في الخليفة (الحاكم)، وإلى هذه المسألة أشار د. حسين محمد المحيميد تحت عنوان (بحث الاجتهاد المقاصدي وأثره في مسائل السياسة الشرعية) حيث قال: {{اقتباس|'''(الفريق الثاني: وقد ذهبوا إلى عدم اشتراط القرشية كشرط من شروط الانعقاد في الخليفة، وقد قال بهذا القول جمهور المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة، كما قال به ضرار. قال ابن حزم: [ذهبت الخوارج كلها وجمهور المعتزلة وبعض المرجئة إلى أنها جائزة، في كل مَن قام بالكتاب والسنة، قرشياً كان أو عربياً أو بان عبد، وقال ضرار بن عمرو الغطفاني: إذا اجتمع حبشي وقرشي كلاهما قائم بالكتاب والسنة، قالوا وجب أن يُقدَّم الحبشي، لأنه أسهل لخلعه إذا حاد عن الطريقة].<ref>د. حسين محمد المحيميد، (بحث الاجتهاد المقاصدي وأثره في مسائل السياسة الشرعية).</ref> ومن أهل السنة ربما يكون الإمام الجويني أحد القائلين بهذا حيث قال: [ومن شرائطها عند أصحابنا أن يكون الإمام من قريش... وهذا مما يخالف فيه بعض الناس، وللاحتمال فيه عندي مجال]. بل إن إمام الحرمين قد قرر أن غير القرشي إذا وجدت فيه الكفاية فإنه يقدم على القرشي الذي يفتقر إلى ذلك حيث قال: [ما قولكم في قرشي ليس بذي دراية، ولا بذي كفاية إذا عاصره عالم كاف تقي، فمن أولى بالأمر منهما؟ قلنا: لا نقدم إلا الكافي التقي العالم، ومن لا كفاية فيه فلا احتفال به، ولا اعتداد بمكانه أصلاً]. ويقول الإمام الآمدي: [ولعمري، إن هذا الشرط واقع في محل الاجتهاد]. وإلى هذا الرأي مال جُلّ المعاصرين، منهم الإمام أبوزُهرة، والأستاذ المبارك، والأستاذ الريس، ومحمد أسد، والدكتور القرضاوي، والشيخ عبدالوهاب خلاف، والشيخ المودودي، والأستاذ حسين بن محسن جابر، وغيرهم كثير. وقد استدل من ذهب إلى هذا القول بعدة أدلة منها: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}} [الحجرات:آية13]، فقد جعل الله تعالى الأفضلية والإكرام بالتقوى والعمل الصالح، لا بالنسب ونحوه، بل وردت أحاديث كثيرة تحذّر من التفاخر بالأحساب والأنساب، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: [أربع من أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركوهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة])'''.|<ref>د. حسين محمد المحيميد، (بحث الاجتهاد المقاصدي وأثره في مسائل السياسة الشرعية).</ref>}} |
ثم عاد الباحث عند الترجيح بين الآراء ليقدّم استشهاداً مكرراً بآية (التعارف) في كونها فيصلاً في حسم المسألة فقال: {{اقتباس|'''(إذا لاحظنا أن الإسلام جعل المساواة مقصداً أساسياً من مقاصده، وحث عليه وطبقه عملياً في عصوره الذهبية، فلا مجال للقول بأن النسب هو شرط من شروط الانعقاد، يقول الأستاذ الريس: [لكن يبدو من العجيب حقاً أن يكون الإسلام قد أصر على وجوب تحقيق شرط النسب وخص قبيلة معينة وهي قريش بهذا الامتياز وحصر فيهم هذا الأمر، وذلك في الوقت الذي تتوارد فيه الآيات والأحاديث داعية إلى مبدأ المساواة، مؤكدة هذا المعنى، فالله سبحانه وتعالى يقول: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}} [الحجرات:آية13]، وغيرها كثير من الحقائق الثابتة تاريخياً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمّر أسامة بن زيد مولاه على كبار المهاجرين والأنصار])'''.|<ref>المرجع نفسه.</ref>}} | ثم عاد الباحث عند الترجيح بين الآراء ليقدّم استشهاداً مكرراً بآية (التعارف) في كونها فيصلاً في حسم المسألة فقال: {{اقتباس|'''(إذا لاحظنا أن الإسلام جعل المساواة مقصداً أساسياً من مقاصده، وحث عليه وطبقه عملياً في عصوره الذهبية، فلا مجال للقول بأن النسب هو شرط من شروط الانعقاد، يقول الأستاذ الريس: [لكن يبدو من العجيب حقاً أن يكون الإسلام قد أصر على وجوب تحقيق شرط النسب وخص قبيلة معينة وهي قريش بهذا الامتياز وحصر فيهم هذا الأمر، وذلك في الوقت الذي تتوارد فيه الآيات والأحاديث داعية إلى مبدأ المساواة، مؤكدة هذا المعنى، فالله سبحانه وتعالى يقول: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}} [الحجرات:آية13]، وغيرها كثير من الحقائق الثابتة تاريخياً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمّر أسامة بن زيد مولاه على كبار المهاجرين والأنصار])'''.|<ref>المرجع نفسه.</ref>}} | ||
سطر ١٢٤: | سطر ١٢٩: | ||
وفي ذلك كتب الفقيه الإمامي المعاصر السيد كاظم الحائري في بحثه (الأساس الفقهي لولاية الفقيه - ولاية الأمر في عصر الغيبة)، وتحت عنوان: (المؤشّرات العامّة لاتجاه العناصر المتحرّكة): {{اقتباس|'''(الثاني من المؤشرات العامّة: القيم الاجتماعية التي أكّد الإسلام على الاهتمام بها، وكذلك مفاهيم معيّنة وتفسيرات محدّدة لظواهر اجتماعية أو اقتصادية وردت في النصوص. أما القيم فكالمساواة والأخوّة والعدالة والقسط ونحو ذلك. قال قدّس سرّه) أي أستاذه السيد الشهيد محمد باقر الصدر ([وهذه القيم تشكّل أساساً لاستيحاء صيغ تشريعية متطوّرة ومتحركة وفقا للمستجدات والمتغيرات تكفل تحقيق تلك القيم وفقاً لصلاحيات الحاكم الشرعي في ملء منطقة الفراغ قال اللّه سبحانه وتعالى: {{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ}}ْ، {{قرآن نبذة|وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}}، {{قرآن نبذة|إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى}}، {{قرآن نبذة|وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}}، {{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}})'''.|<ref>كاظم الحائري، (الأساس الفقهي لولاية الفقيه - ولاية الأمر في عصر الغيبة)، ص ١٤.</ref>}} | وفي ذلك كتب الفقيه الإمامي المعاصر السيد كاظم الحائري في بحثه (الأساس الفقهي لولاية الفقيه - ولاية الأمر في عصر الغيبة)، وتحت عنوان: (المؤشّرات العامّة لاتجاه العناصر المتحرّكة): {{اقتباس|'''(الثاني من المؤشرات العامّة: القيم الاجتماعية التي أكّد الإسلام على الاهتمام بها، وكذلك مفاهيم معيّنة وتفسيرات محدّدة لظواهر اجتماعية أو اقتصادية وردت في النصوص. أما القيم فكالمساواة والأخوّة والعدالة والقسط ونحو ذلك. قال قدّس سرّه) أي أستاذه السيد الشهيد محمد باقر الصدر ([وهذه القيم تشكّل أساساً لاستيحاء صيغ تشريعية متطوّرة ومتحركة وفقا للمستجدات والمتغيرات تكفل تحقيق تلك القيم وفقاً لصلاحيات الحاكم الشرعي في ملء منطقة الفراغ قال اللّه سبحانه وتعالى: {{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ}}ْ، {{قرآن نبذة|وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}}، {{قرآن نبذة|إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى}}، {{قرآن نبذة|وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}}، {{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}})'''.|<ref>كاظم الحائري، (الأساس الفقهي لولاية الفقيه - ولاية الأمر في عصر الغيبة)، ص ١٤.</ref>}} | ||
+ | </big> | ||
=المسائل الطبية – الاستنساخ= | =المسائل الطبية – الاستنساخ= | ||
− | وأما على مستوى الاستنباط في المسائل ذات البعد الطبي والعلمي فنجد تحت عنوان (مسائل حديثة في الطب – الاستنساخ) للفقيه الإمامي ميرزا جواد التبريزي (ت1427هـ/2006م) من كتاب صراط النجاة، أن الآية ساعدت في تقديم رؤيته حول مدى مشروعية الاستنساخ.<ref>ميرزا جواد التبريزي (ت1427هـ/2006م)، (صراط النجاة)، ج ٣، ص ٣٩٢-394.</ref> | + | <big>وأما على مستوى الاستنباط في المسائل ذات البعد الطبي والعلمي فنجد تحت عنوان (مسائل حديثة في الطب – الاستنساخ) للفقيه الإمامي ميرزا جواد التبريزي (ت1427هـ/2006م) من كتاب صراط النجاة، أن الآية ساعدت في تقديم رؤيته حول مدى مشروعية الاستنساخ.<ref>ميرزا جواد التبريزي (ت1427هـ/2006م)، (صراط النجاة)، ج ٣، ص ٣٩٢-394.</ref> |
وبغض النظر عن المناقشة التي سنذكرها لاحقاً حول صحة توظيف الآية في هذا المقام أو عدم ذلك، إلا أنه يبقى أن نفس الالتفات إليها لتكون واحدة من أدلة المقام يرشد إلى ارتفاع حظها من الأهمية لدى الفقهاء المعاصرين في اجتهاداتهم، لاسيما في مسألة قد تبدو -للوهلة الأولى- بعيدة من حيث طبيعتها ودائرتها عن جوّ الآية. | وبغض النظر عن المناقشة التي سنذكرها لاحقاً حول صحة توظيف الآية في هذا المقام أو عدم ذلك، إلا أنه يبقى أن نفس الالتفات إليها لتكون واحدة من أدلة المقام يرشد إلى ارتفاع حظها من الأهمية لدى الفقهاء المعاصرين في اجتهاداتهم، لاسيما في مسألة قد تبدو -للوهلة الأولى- بعيدة من حيث طبيعتها ودائرتها عن جوّ الآية. | ||
سطر ١٤٤: | سطر ١٥٠: | ||
وتحت رقم 16 طرح الباحث إشكالاً آخر أورده بعض الفقهاء على الاستنساخ، وعنوانه (الاستنساخ وتفكّك العلاقات القانونية) قال فيه: {{اقتباس|'''(لا يقوم الاستنساخ على علاقاتٍ أسريةٍ ونسب محدّد، حيث لابد من سلسلةٍ تكون المجتمع، وهي عبارة عن أنّ الفرد يشكّل اللبنة الرئيسة لتكوين الأسرة، وهي بدورها تشكّل العامل الأساس لتكوين العشيرة والقبيلة، والعشيرة تعتبر وحدة بناء المجتمع، قال تعالى: {{قرآن نبذة|إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}} [الحجرات: 13]؛ فإذا تحطّمت عوامل بناء المجتمع ابتداءً من الفرد ومروراً بالأسرة والعشيرة سوف يؤدي إلى تقوّض وتلاشي المجتمع برمّته. وبناءً على هذا ستنجم عن الاستنساخ مشاكل قانونية واجتماعية وفقهية كثيرة، تنشأ من علاقة الفرد المستنسخ بصاحب الخلية وصاحبة البويضة بصورة خاصّة، وبالمجتمع بصورةٍ عامة، ويمكن القول - بعبارةٍ أخرى - سيؤدي الاستنساخ إلى اختلاط الأنساب وضياعها وانهدام علاقات الأبوّة والأمومة والأخوة والعمومة والخؤولة وهلمّ جراً، وما يستتبع ذلك من مشاكل في النكاح والإرث والنفقة وغيرها. والجواب: لقد درسنا هذا الموضوع بالتفصيل في مقالةٍ أخرى، وأثبتنا أنّ العلاقات بين النسيخ ومن حوله قائمة وموجودة، فهو كالفرد المخلوق بواسطة التلقيح الصناعي، وعليه لا يرد هذا الإشكال أيضاً)'''.|<ref>المرجع نفسه.</ref>}} | وتحت رقم 16 طرح الباحث إشكالاً آخر أورده بعض الفقهاء على الاستنساخ، وعنوانه (الاستنساخ وتفكّك العلاقات القانونية) قال فيه: {{اقتباس|'''(لا يقوم الاستنساخ على علاقاتٍ أسريةٍ ونسب محدّد، حيث لابد من سلسلةٍ تكون المجتمع، وهي عبارة عن أنّ الفرد يشكّل اللبنة الرئيسة لتكوين الأسرة، وهي بدورها تشكّل العامل الأساس لتكوين العشيرة والقبيلة، والعشيرة تعتبر وحدة بناء المجتمع، قال تعالى: {{قرآن نبذة|إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}} [الحجرات: 13]؛ فإذا تحطّمت عوامل بناء المجتمع ابتداءً من الفرد ومروراً بالأسرة والعشيرة سوف يؤدي إلى تقوّض وتلاشي المجتمع برمّته. وبناءً على هذا ستنجم عن الاستنساخ مشاكل قانونية واجتماعية وفقهية كثيرة، تنشأ من علاقة الفرد المستنسخ بصاحب الخلية وصاحبة البويضة بصورة خاصّة، وبالمجتمع بصورةٍ عامة، ويمكن القول - بعبارةٍ أخرى - سيؤدي الاستنساخ إلى اختلاط الأنساب وضياعها وانهدام علاقات الأبوّة والأمومة والأخوة والعمومة والخؤولة وهلمّ جراً، وما يستتبع ذلك من مشاكل في النكاح والإرث والنفقة وغيرها. والجواب: لقد درسنا هذا الموضوع بالتفصيل في مقالةٍ أخرى، وأثبتنا أنّ العلاقات بين النسيخ ومن حوله قائمة وموجودة، فهو كالفرد المخلوق بواسطة التلقيح الصناعي، وعليه لا يرد هذا الإشكال أيضاً)'''.|<ref>المرجع نفسه.</ref>}} | ||
+ | </big> | ||
=فقه المرأة= | =فقه المرأة= | ||
− | عنوان (فقه المرأة) من العناوين الحديثة نسبياً، وإن ظهرت من قبلُ بعض المؤلفات المحدودة حول (أحكام النساء)، حيث أوليت المسائل الخاصة بالمرأة اهتماماً أكبر منذ عدة عقود، لا سيما بلحاظ التغيرات الحاصلة في نظرة المجتمعات الإسلامية إليها، تبعاً للتبدلات الحاصلة على المستوى العالمي عموماً، وطرْح ما يُعرف بعنوان (حقوق المرأة) وما يتفرّع عن ذلك من مسائل عديدة ذات أبعاد سياسية واجتماعية وتعليمية. | + | <big>عنوان (فقه المرأة) من العناوين الحديثة نسبياً، وإن ظهرت من قبلُ بعض المؤلفات المحدودة حول (أحكام النساء)، حيث أوليت المسائل الخاصة بالمرأة اهتماماً أكبر منذ عدة عقود، لا سيما بلحاظ التغيرات الحاصلة في نظرة المجتمعات الإسلامية إليها، تبعاً للتبدلات الحاصلة على المستوى العالمي عموماً، وطرْح ما يُعرف بعنوان (حقوق المرأة) وما يتفرّع عن ذلك من مسائل عديدة ذات أبعاد سياسية واجتماعية وتعليمية. |
وجاءت آية (التعارف) لتكون واحدة من الركائز الاستدلالية في تقديم الأسس والمبادئ التي يمكن الاعتماد عليها في استنباط الأحكام الشرعية الخاصة بفقه المرأة، وإلى هذا الأمر أشارت (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي) تحت عنوان (امرأة - مكانة المرأة في الإسلام)، حيث استشهدت بالآية الشريفة كأوّل مرجع في الباب، قالت: {{اقتباس|'''(فمن جهة الهوية، بيّن الشارع أنّ المرأة كالرجل إنسان، وأنّ كلّ إنسان - ذكراً أو أنثى - يشترك في مادّته وعنصره إنسانان ذكر وأنثى، فالرجل والمرأة جميعاً من نوع واحد من غير فرق في الأصل والسنخ ، ولا فضل لأحد على أحد إلّابالتقوى والعمل الصالح. ثمّ بيّن الشارع أنّ عمل كلّ واحد من هذين الصنفين غير مضيّع عند اللَّه لا يبطل في نفسه، ولا يعدوه إلى غيره، قال تعالى: {{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}}، وقال تعالى: {{قرآن نبذة|أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}}، وإذا كان لكلّ منهما ما عمل ولا كرامة إلّابالتقوى - ومن التقوى الأخلاق الفاضلة كالإيمان بدرجاته والعلم النافع والعقل الرزين والخلق الحسن - فالمرأة المؤمنة بدرجات عالية، أو المليئة علماً، أو الرزينة عقلًا، أو الحسنة خلقاً أكرم ذاتاً وأسمى درجة ممّن لا يعادلها في ذلك من الرجال في الإسلام. قال تعالى: {{قرآن نبذة|مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ}})'''.|<ref>(موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع))، (مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي) ج ١٧، ص ١١١.</ref>}} | وجاءت آية (التعارف) لتكون واحدة من الركائز الاستدلالية في تقديم الأسس والمبادئ التي يمكن الاعتماد عليها في استنباط الأحكام الشرعية الخاصة بفقه المرأة، وإلى هذا الأمر أشارت (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي) تحت عنوان (امرأة - مكانة المرأة في الإسلام)، حيث استشهدت بالآية الشريفة كأوّل مرجع في الباب، قالت: {{اقتباس|'''(فمن جهة الهوية، بيّن الشارع أنّ المرأة كالرجل إنسان، وأنّ كلّ إنسان - ذكراً أو أنثى - يشترك في مادّته وعنصره إنسانان ذكر وأنثى، فالرجل والمرأة جميعاً من نوع واحد من غير فرق في الأصل والسنخ ، ولا فضل لأحد على أحد إلّابالتقوى والعمل الصالح. ثمّ بيّن الشارع أنّ عمل كلّ واحد من هذين الصنفين غير مضيّع عند اللَّه لا يبطل في نفسه، ولا يعدوه إلى غيره، قال تعالى: {{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}}، وقال تعالى: {{قرآن نبذة|أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}}، وإذا كان لكلّ منهما ما عمل ولا كرامة إلّابالتقوى - ومن التقوى الأخلاق الفاضلة كالإيمان بدرجاته والعلم النافع والعقل الرزين والخلق الحسن - فالمرأة المؤمنة بدرجات عالية، أو المليئة علماً، أو الرزينة عقلًا، أو الحسنة خلقاً أكرم ذاتاً وأسمى درجة ممّن لا يعادلها في ذلك من الرجال في الإسلام. قال تعالى: {{قرآن نبذة|مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ}})'''.|<ref>(موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع))، (مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي) ج ١٧، ص ١١١.</ref>}} | ||
+ | </big> | ||
=حقوق الإنسان= | =حقوق الإنسان= | ||
− | إذا كانت مسألة حقوق الإنسان قديمة ضاربة بجذورها في التاريخ، وعلى ذلك شواهد تاريخية عديدة، إلا أنها أخذت خلال القرون الثلاثة الأخيرة بُعداً مختلفاً، وتميّزت بشكل واضح من حيث العنوان والمضمون، وصارت واحدة من أهم القضايا على المستوى العالمي وأكثرها حساسية، ودفعت بجهات عالمية من قبيل الأمم المتحدة إلى أن تخصص ميثاقاً لذلك، وأن تظهر على المستوى العالمي منظمات أهلية خاصة تُعنى بها، ومن خلالها يُقيَّم أداء الحكومات... إلخ. | + | <big>إذا كانت مسألة حقوق الإنسان قديمة ضاربة بجذورها في التاريخ، وعلى ذلك شواهد تاريخية عديدة، إلا أنها أخذت خلال القرون الثلاثة الأخيرة بُعداً مختلفاً، وتميّزت بشكل واضح من حيث العنوان والمضمون، وصارت واحدة من أهم القضايا على المستوى العالمي وأكثرها حساسية، ودفعت بجهات عالمية من قبيل الأمم المتحدة إلى أن تخصص ميثاقاً لذلك، وأن تظهر على المستوى العالمي منظمات أهلية خاصة تُعنى بها، ومن خلالها يُقيَّم أداء الحكومات... إلخ. |
وعلى الرغم من أن قدراً واضحاً من المسائل الفقهية تستهدف في الأساس حماية الحقوق بين الناس وإقامة العدل، ورفض الظلم والجور، إلا أن هناك تفاوتاً كبيراً بين مستوى الاهتمام القرآني بحقوق الإنسان من جهة، وبين مستوى اهتمام الفقهاء بذلك على مدى قرون مضت من جهة أخرى، ولا شك أن للبيئة الحاكمة آنذاك والواقع السائد فيه والمفاهيم الدارجة حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق الإنسان المختلفة دوراً محورياً في تحقق هذا التباعد الغريب، والفقيه -على كل حال- هو ابن بيئته ومجتمعه. | وعلى الرغم من أن قدراً واضحاً من المسائل الفقهية تستهدف في الأساس حماية الحقوق بين الناس وإقامة العدل، ورفض الظلم والجور، إلا أن هناك تفاوتاً كبيراً بين مستوى الاهتمام القرآني بحقوق الإنسان من جهة، وبين مستوى اهتمام الفقهاء بذلك على مدى قرون مضت من جهة أخرى، ولا شك أن للبيئة الحاكمة آنذاك والواقع السائد فيه والمفاهيم الدارجة حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق الإنسان المختلفة دوراً محورياً في تحقق هذا التباعد الغريب، والفقيه -على كل حال- هو ابن بيئته ومجتمعه. | ||
سطر ١٦٤: | سطر ١٧٢: | ||
ثم عرض السبب الثاني معتمداً على آية التعارف كدليل في هذا المجال فقال: {{اقتباس|'''(إظهار الارتباط الواضح بين ما جاء به الإسلام في هذا الخصوص والمواثيق الدولية، للتأكيد على أنّ ما جاء به الإسلام في هذا الخصوص والمواثيق الدولية، للتأكيد على أنّ ما جاء به الإسلام من حقوق ومبادئ وقيم إنسانية وحضارية، قد تعارفت عليه الشعوب باختلاف ألوانها وأجناسها ولغاتها ودينها وقبائلها، بالتوقيع والتصديق على المواثيق والاتفاقيات الولية التي احتوت على بعض هذه الحقوق، قال الله تعالى: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}} [الحجرات: 13]، وللتأكيد على أن هذه الأحكام صالحة للتطبيق في هذا الزمان)'''.|<ref>المرجع نفسه.</ref>}} | ثم عرض السبب الثاني معتمداً على آية التعارف كدليل في هذا المجال فقال: {{اقتباس|'''(إظهار الارتباط الواضح بين ما جاء به الإسلام في هذا الخصوص والمواثيق الدولية، للتأكيد على أنّ ما جاء به الإسلام في هذا الخصوص والمواثيق الدولية، للتأكيد على أنّ ما جاء به الإسلام من حقوق ومبادئ وقيم إنسانية وحضارية، قد تعارفت عليه الشعوب باختلاف ألوانها وأجناسها ولغاتها ودينها وقبائلها، بالتوقيع والتصديق على المواثيق والاتفاقيات الولية التي احتوت على بعض هذه الحقوق، قال الله تعالى: {{قرآن نبذة|يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}} [الحجرات: 13]، وللتأكيد على أن هذه الأحكام صالحة للتطبيق في هذا الزمان)'''.|<ref>المرجع نفسه.</ref>}} | ||
+ | </big> | ||
=الاقتصاد= | =الاقتصاد= |
المراجعة الحالية بتاريخ ١٤:٢٧، ٢٨ أغسطس ٢٠٢٢
بسم الله الرحمن الرحيم
تطوّر توظيف آية التعارف في البحث الفقهي
علي حسن غلوم
محتويات
- ١ مقدمة
- ٢ أحكام الجهاد
- ٣ العام والخاص من بحوث أصول الفقه
- ٤ أحكام النكاح
- ٥ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- ٦ أحكام الرقِّـــيَّة والعتق
- ٧ مشروعية علم النسب
- ٨ الأحكام المتعلقة بإدارة الدولة الإسلامية
- ٩ المسائل الطبية – الاستنساخ
- ١٠ فقه المرأة
- ١١ حقوق الإنسان
- ١٢ الاقتصاد
- ١٣ التعارف كقاعدة فقهية
- ١٤ هوامش ومراجع
مقدمة
الغاية من هذه الورقة الاطلاع على كيفية توظيف الفقهاء، القدماء منهم والمعاصرين، من المدارس الإسلامية المختلفة للآية الشريفة مدار البحث، وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات:13] في استنباط الأحكام الشرعية المختلفة، ومدى حضورها -المحتمل- كمصدر للخروج بقاعدةٍ فقهيةٍ ما، يمكن توظيفها في عملية الاستنباط، ولربما يؤدي البحث في هذا الإطار إلى تكوين تصوّر أوّلي حول تطوّر نظرة الفقهاء إلى هذه الآية الشريفة، والعامل المؤثّر في ذلك، وارتباط الآية الشريفة بمقاصد الشريعة وتأثيرها في تغيّر فتاوى الفقهاء واجتهاداتهم في المسائل ذات البُعد الإنساني العام والمرتبطة بالمسائل الولائية والسياسية والاجتماعية، وفي ما له علاقة بالتمايز بين أحكام الجنسين، الذكر والأنثى، في إطار المواريث والعقوبات والديات وغيرها.
وعند تتبعي لموارد استدلال فقهاء المسلمين في بحوثهم ودراساتهم بهذه الآية الشريفة في الأبواب الفقهية المختلفة ضمن عشرات المصادر المتوفرة من خلال برامج البحث الآلي والمستوعبة لكثير من أمهات المصادر، تبيّن لي الضعف الواضح لحضور هذه الآية في مقام الاستدلال في المسائل الفقهية الفردية والعامة وغيابها عن غالبية المصادر القديمة إلى زمن قريب جداً لا يتجاوز القرن، ثم سرعان ما تتحول خلال القرن الأخير إلى واحدة من أهم النصوص التي يمكن الاعتماد عليها في تقديم اجتهادات فقهية تتعلّق بمسائل هامة تنتظر من الإسلاميين، فقهاء ومفكرين، أن يبيّنوا فيها ما يمكن أن يمثّل الرؤية الإسلامية حولها، وذلك من قبيل العلاقات السياسية الدولية والعولمة والوحدة الإسلامية وغير ذلك.
ولربما برّر بعض الفقهاء ضعف حضور آية (التعارف) فيما سبق إلى كونها من الآيات القرآنية التي لا يكون لسانها لسان البيان الفقهي، ولذا لم يلتفت إليها الفقهاء كثيراً عند الاستنباط، على الرغم من أنها قد تكون بمثابة إحدى القواعد الكبيرة والمهمة التي من خلالها يمكن رسم الإطار العام لبعض المسائل، وتحديد مسار عملية الاستنباط وإعادة قراءة النصوص الفقهية المباشرة والخاصة ببعض المسائل ذات البعد الاجتماعي أو السياسي أو الإنساني من خلالها.
فعلى سبيل المثال، لو قارنا بين قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:6]، وقوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء:87]، وقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]، من جهة، وبين قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات:13]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:92]، من جهة أخرى، لتَبيّن لنا الفارق بين المجموعتين، ففي الأولى نجد أن المضمون واضح الدلالة على كونه مضموناً ذا بُعد شرعي وبصورة مباشرة، بينما المجموعة الثانية تحتاج إلى تأمّل، لأن خطابها ليس خطاب تبيين مسألة شرعية معينة، بل تتضمّن أطراً ذات بُعد فلسفي فكري أو أخلاقي، الأمر الذي قد يغيب عن ذهن الفقيه، أو لا يلتفت إليه ضمن الآلية المقرَّرة في عملية الاستنباط.
وهذا – بدوره - أثّر في عملية حصر آيات الأحكام، أي الآيات الخاصة ببيان الأحكام الشرعية والتي تُمثّل مرجعاً في هذا الإطار، فقد يضيف أحد الفقهاء مجموعة من الآيات، بينما لا يُدرجها فقيه آخر ضمن القائمة. وإلى هذا المعنى تشير (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع) تحت عنوان (آيات الأحكام - نماذج من آيات الأحكام) إذ قالت:وإذ كان من المؤكد أن هذه الآية الشريفة ليست الوحيدة في هذا الإطار، إلا أن هذه الموسوعة قدّمتها كشاهد ومثال أوّل ووحيد عليها، بما قد يدلّ على مدى غيابها عن عملية الاستنباط الفقهي، بعد اكتشاف أهميتها ومحوريتها في كونها من الأسس والمبادئ العامة المؤثّرة في تحديد الاتّجاه العامّ للشريعة تجاه جملة من المسائل بحسب تعبير الموسوعة، وسيتبيّن معنا خلال هذه الورقة بعض الأمثلة على توظيف هذه الآية الشريفة خلال القرن الأخير في استنباط بعض المسائل السياسية والاجتماعية وحتى الطبية، بما يمثّل قفزة نوعية في العناية بها من قبل بعض الفقهاء المعاصرين.
ومع طرح موضوع (العولمة) خلال تسعينيات القرن العشرين بشكل كبير وواسع ومؤثّر، ولما لها من ارتدادات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وغيرها، كان لابد للفقهاء المسلمين من أن يقدّموا رؤيتَهم في هذه القضية الجديدة في عنوانها وأدواتها، وإن أمكن ادّعاء أنها كانت مطروحة مسبقاً ضمن الحديث عن عالمية الدين الإسلامي، وقيام أمة إسلامية واحدة على الأرض، والمسألة المهدوية وعالمية دولة العدل وأمثال ذلك.
وتعتبر آية (التعارف) واحدة من أهم النصوص الإسلامية التي أسعفت الفقهاء والمفكرين الإسلاميين في تقديم رؤيتهم وقراءتهم لهذا الموضوع العالمي.
ولذا نجد الفقيه المعاصر الشيخ د. حيدر حب الله يكتب في مقال له تحت عنوان (العـولـمة وعالـميّة الـدين):وكان لبروز ما يُعرف بعنوان (الفقه المقاصدي) دوره في تكثيف توظيف آية (التعارف) في مديات واسعة بما يعكس كونها واحدة من الآيات التي ترسم معالم الحالة المقاصدية في التشريع الإسلامية، وأهميتها في استنباط الأحكام الشرعية على مستوى القواعد العامة، بينما كانت هذه الآية غائبة عن أذهان كثير من الفقهاء على مدى قرون ضمن آلية استنباطهم للمسائل المختلفة ذات الأبعاد الاجتماعية أو السياسية أو القانونية أو غيرها.
وقد كتبت د. فريدة حايد من الجزائر في بحثها تحت عنوان (مقصد التعارف وأثره في القانون الدولي الإسلامي):بعد هذه المقدمة، نستعرض مجموعة من الموارد التي تم فيها توظيف آية (التعارف) من قبل الفقهاء المسلمين قديماً وحديثاً، ويمكن أن نكتشف من خلالها كيف تطوّر حضور هذه الآية الشريفة في عملية الاستنباط خلال القرن الماضي بشكل واضح وكبير، بعد أن كان دورها محصوراً في عناوين ضيقة ومحددة. وسأقوم بعرض الموارد وتصنيفها وفق الأبواب المختلفة مع شيء من التعليق.
أحكام الجهاد
في كتاب (المبسوط) للشيخ محمد بن الحسن الطوسي، وهو من فقهاء الإمامية (ت 460هـ/1067م)، ضمن (كتاب الجهاد وسيرة الإمام - فصل: في أقسام الغزاة) قال:وبمثل هذا الكلام والمورد، استشهد بالآية القاضي الحنبلي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (ت458هـ/1066م) في كتابه (الأحكام السلطانية).
وقال بمثله الفقيه الإمامي المعاصر علي أصغر مرواريد في موسوعته (الينابيع الفقهية)، في (كتاب الجهاد – كتاب قتال أهل البغي):وجاء نفس هذا المضمون تقريباً ولكن ضمن بحث آخر من البحوث الفقهية من كتاب الجهاد، وهو الخاص باتخاذ الديوان، أي السجلّ الذي تُدوَّن فيها أسماء القبائل ورؤساؤها ممن يمكن توظيفهم في الحروب لاحقاً، وما يخص عطاياهم وما إلى ذلك.
قال الفقيه الإمامي الحسن بن يوسف بن مُطهّر المعروف بالعلامة الحلي (ت 726هـ) في كتابه تذكرة الفقهاء، ضمن (كتاب الجهاد – أقسام الغزاة):
العام والخاص من بحوث أصول الفقه
ووظف إمام الشافعية محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (ت204هـ /820م) الآية الشريفة في بحث أصولي حول العام والخاص، وأنه إذا وردت آية في أوّلها لفظ عامّ فيجوز أن يكون في آخرها لفظ خاصّ، وذلك في (باب بيان ما أُنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص) من كتابه (الرسالة):أحكام النكاح
استدل بعض الفقهاء بهذه الآية الشريفة في مسألة اجتماعية ضمن بحثهم حول اشتراط كون الزوج كفؤاً للزوجة.
ففي (المدونة الكبرى) لإمام المالكية مالك بن أنس الحميري المدني (ت179هـ/795م)، ضمن (كتاب النكاح - في إنكاح الأولياء):
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قام بتوظيف الآية الفقيه والمتصوف الحنبلي عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود، الدمشقيّ الصالحي (ت٨٥٦ هـ/١٤٥٢م) في الفصل 36 من كتابه (الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وتحت عنوان (استحباب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه بلا افتخار أو تعاظم):
أحكام الرقِّـــيَّة والعتق
توظيف الآية في استنباط أحكام تتعلّق بهذا الباب جاء في عصر متأخر جداً، ففي مقدمة تعليقه على (كتاب العتق) من موسوعة (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية)، للشهيد الثاني، ج ٦، ص ٢٢١-225، كتب الفقيه المعاصر السيد محمد سلطان مصطفى الموسوي الكلانتر (ت1420هـ / 1999م):وما سبق بمثابة قفزة نوعية ملحوظة في الاستفادة من مدلول الآية الشريفة على مسألة متعلقة بحقوق الإنسان إذ لم ترد في استدلالات الفقهاء ضمن بحوثهم المتعلقة بأحكام الرق والعتق.
مشروعية علم النسب
في كتاب (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية) للفقيه الحنبلي سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصي (ت716هـ/1316م):وحول حكم معرفة الأنساب ذكر قدماء فقهاء المسلمين أن منه ما يكون تعلمه فرض كفاية أو مستحباً إذا كان وسيلة إلى فرض كفاية أو أصل مشروعية معرفة الأنساب من الأمور الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، ثم منها ما يكون تعلّمه واجباً؛ لكونه وسيلة إلى واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو مستحب. واستدلوا على كلامهم هذا من الآية الشريفة، وفي ذلك قال الفقيه المالكي يوسف بن عبد البر (463هـ/978م) في (الإنباه على قبائل الرواة) وهو يشير إلى الآية: (وفيه دليل واضح على تعلّم الأنساب).[٢٨]
الأحكام المتعلقة بإدارة الدولة الإسلامية
يبدو أن حضور آية التعارف كدليل من الأدلة المعتمد عليها في استنباط المسائل ذات البُعد السياسي عند القدماء من الفقهاء المسلمين كان حضوراً خجولاً، ولربما اقتصر على مسألة الشروط التي يجب توافرها في الخليفة (الحاكم)، وإلى هذه المسألة أشار د. حسين محمد المحيميد تحت عنوان (بحث الاجتهاد المقاصدي وأثره في مسائل السياسة الشرعية) حيث قال:ومع قيام تجربة الحكومة الإسلامية -وفق المذهب الإمامي- المعاصرة، والانفتاح على قضايا كثيرة تتعلق بنظام الحكم، ومسئوليات الحاكم والمحكوم، وحقوق الإنسان، والمسائل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية والإعلامية لا بلحاظها الفردي بل العام، وضمن ما يُعرف بعنوان (فقه الدولة)، وإعادة (إنتاج) الفقه ضمن مخاضات هذه التجربة وتمظهراتها الجديدة، تبرز هذه آية (التعارف) كواحدة من أهم المصادر لاستنباط قاعدة فقهية أو للاستدلال بها بشكل مباشر في تلك المسائل.
من هنا نجد الفقيه الإمامي المعاصر الشيخ حسين علي منتظري (ت1431هـ/2009م) في كتابه (دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية)وتحت عنوان (المساواة أمام القانون) يكتب:ولا شك أن مثل هذه الشواهد في هذا الباب مما يعرف بعنوان (فقه الدولة) أو (السياسة الشرعية) أو ما شابه، يعدّ تطوّراً ملحوظاً في العناية بدلالة الآية والتوسع في توظيفها في عملية الاجتهاد والاستنباط في الأبواب المختلفة مما لم نلحظه لدى القدماء والمتأخرين من الفقهاء، بينما نجد لها حظاً وافراً لدى المعاصرين منهم.
وتحت عنوان (الجنسية المجتمعية في النظام الإسلامي) ذكرت (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي):ومع بروز مسألة (ولاية الفقيه) كواحدة من المسائل السياسية الارتكازية في إدارة الدولة الإسلامية الأكثر نقاشاً وبحثاً في الوسط الفقهي الشيعي الإمامي، وذلك بلحاظ قيام نظام الجمهورية الإسلامية في إيران وارتكازه على نظرية ولاية الفقيه، فقد صار لآية (التعارف) نصيب كدليل من الأدلة المعتمد عليها في هذه المسألة.
وفي ذلك كتب الفقيه الإمامي المعاصر السيد كاظم الحائري في بحثه (الأساس الفقهي لولاية الفقيه - ولاية الأمر في عصر الغيبة)، وتحت عنوان: (المؤشّرات العامّة لاتجاه العناصر المتحرّكة):
المسائل الطبية – الاستنساخ
وأما على مستوى الاستنباط في المسائل ذات البعد الطبي والعلمي فنجد تحت عنوان (مسائل حديثة في الطب – الاستنساخ) للفقيه الإمامي ميرزا جواد التبريزي (ت1427هـ/2006م) من كتاب صراط النجاة، أن الآية ساعدت في تقديم رؤيته حول مدى مشروعية الاستنساخ.[٤٣]
وبغض النظر عن المناقشة التي سنذكرها لاحقاً حول صحة توظيف الآية في هذا المقام أو عدم ذلك، إلا أنه يبقى أن نفس الالتفات إليها لتكون واحدة من أدلة المقام يرشد إلى ارتفاع حظها من الأهمية لدى الفقهاء المعاصرين في اجتهاداتهم، لاسيما في مسألة قد تبدو -للوهلة الأولى- بعيدة من حيث طبيعتها ودائرتها عن جوّ الآية.
وما سيأتي في الاستفتاء وإن كان مجرد إشارة إلى الاستدلال بالآية، من دون الدخول في التفاصيل وإيراد الإشكالات والرد عليها كما هو ديدن الفقهاء في بحوثهم، إلا أنه يكفينا لبيان ما أردنا بيانه:2. وعلى كل تقدير، فهل هذا الكائن الحي ولد شرعي؟
3. من هو أبوه، ومن هي أمه؟
4. هل في هذا العمل خطر على البشرية من الناحية الشرعية؟
5. هل ترشدون العلماء إلى التوقف عن هذه العمليات، أم ترشدونهم للاستمرار، لتعرف عظمة الاسلام والقرآن، الذي أخبر عن خلق الحي من نفس الحي [وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا] بدون بويضة كما هو الظاهر؟
فقه المرأة
عنوان (فقه المرأة) من العناوين الحديثة نسبياً، وإن ظهرت من قبلُ بعض المؤلفات المحدودة حول (أحكام النساء)، حيث أوليت المسائل الخاصة بالمرأة اهتماماً أكبر منذ عدة عقود، لا سيما بلحاظ التغيرات الحاصلة في نظرة المجتمعات الإسلامية إليها، تبعاً للتبدلات الحاصلة على المستوى العالمي عموماً، وطرْح ما يُعرف بعنوان (حقوق المرأة) وما يتفرّع عن ذلك من مسائل عديدة ذات أبعاد سياسية واجتماعية وتعليمية.
وجاءت آية (التعارف) لتكون واحدة من الركائز الاستدلالية في تقديم الأسس والمبادئ التي يمكن الاعتماد عليها في استنباط الأحكام الشرعية الخاصة بفقه المرأة، وإلى هذا الأمر أشارت (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي) تحت عنوان (امرأة - مكانة المرأة في الإسلام)، حيث استشهدت بالآية الشريفة كأوّل مرجع في الباب، قالت:
حقوق الإنسان
إذا كانت مسألة حقوق الإنسان قديمة ضاربة بجذورها في التاريخ، وعلى ذلك شواهد تاريخية عديدة، إلا أنها أخذت خلال القرون الثلاثة الأخيرة بُعداً مختلفاً، وتميّزت بشكل واضح من حيث العنوان والمضمون، وصارت واحدة من أهم القضايا على المستوى العالمي وأكثرها حساسية، ودفعت بجهات عالمية من قبيل الأمم المتحدة إلى أن تخصص ميثاقاً لذلك، وأن تظهر على المستوى العالمي منظمات أهلية خاصة تُعنى بها، ومن خلالها يُقيَّم أداء الحكومات... إلخ.
وعلى الرغم من أن قدراً واضحاً من المسائل الفقهية تستهدف في الأساس حماية الحقوق بين الناس وإقامة العدل، ورفض الظلم والجور، إلا أن هناك تفاوتاً كبيراً بين مستوى الاهتمام القرآني بحقوق الإنسان من جهة، وبين مستوى اهتمام الفقهاء بذلك على مدى قرون مضت من جهة أخرى، ولا شك أن للبيئة الحاكمة آنذاك والواقع السائد فيه والمفاهيم الدارجة حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق الإنسان المختلفة دوراً محورياً في تحقق هذا التباعد الغريب، والفقيه -على كل حال- هو ابن بيئته ومجتمعه.
ومع التطور الكبير للتشريعات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان على المستوى العالمي، إلا أن النتاج الفقهي المعاصر ما زال قاصراً عن مواكبة ذلك، ولو على مستوى تخصيص باب من أبواب الرسالة العملية يُعنى بهذه المسائل، أو دراسات مكثّفة على مستوى الفضلاء من طلاب الجامعات والحوزات الدينية.
ولكن على أي حال، عندما بدأ التنظير لهذه المسألة في الدائرة الإسلامية، وعلى المستوى الفقهي على وجه الخصوص، فإن آية (التعارف) جاءت على رأس قائمة الأدلة المعتمد عليها في تقديم الأسس والقواعد والمبادئ التي ترسم معالم الرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان.
جاء في ج ٢٧، من (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي)، تحت عنوان (العدل - تساوي الناس في الحقوق والواجبات الاجتماعية):
الاقتصاد
د. عطية السيد فياض أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر في محاضرته بعنوان (الاقتصاد الإسلامي وإنسانية الإنسان) ذكر أن:إن كل ما سبق ليؤكّد بكل وضوح أهمية ومحورية آية (التعارف) في تقديم رؤى فقهية اجتهادية حول المسائل الابتلائية ذات البعد السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي وحتى الطبي، لاسيما المعاصرة منها، وهو ما بدأ يأخذ مداه في العقود القليلة الماضية، ولكنه ما زال بحاجة إلى مزيد من التأصيل والتقعيد والامتداد الفقهي في تلك المسائل، لاسيما بعد أن تبيّن بوضوح أن هذه الآية الشريفة هي واحدة من أهم النصوص الإسلامية التي تقدّم المبادئ والأسس والركائز والأطر العامة للاستنباط فيها.
التعارف كقاعدة فقهية
عرّف البعض القواعد الفقهية بأنها: (أحكام كلية شرعية تقع في طريق تشخيص وظيفة المكلف في مقام العمل بنحو التطبيق)، أو (أصل فقهي كلي يتضمن أحكاماً تشريعية عامة من أبواب متعددة في القضايا التي تدخل تحت موضوعه).
وللقواعد الفقهية أهمية غير خافية، كونها تيسّر على الفقيه الوصول إلى بعض الأحكام الشرعية الخاصة بالأبواب المتنوعة، وتعينه في سد الثغرات التي لا تغطيها النصوص المباشرة التي يحتاج إليها لعلاج تلك الحالة الفردية أحياناً، وتقدِّم له قراءة أفضل للمتفرقات الفقهية في الباب الواحد، وبالتالي توسّع نظراته الفقهية وتعطيها نوعاً من الشمولية، وقد تقرّبه من فهم غاياتها، وقد قال أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي (ت 684هـ/1285م) في كتابه (أنوار البروق في أنواء الفروق):وهي تقدِّم خدمة لغير الفقهاء أيضاً، وذلك من خلال تمكينهم من إعمال القاعدة في محل الابتلاء والتوصّل إلى حل المسألة الشرعية من خلالها دون الرجوع إلى صاحب الاختصاص. وهذا ما نلاحظه بوضوح في ما رواه محمد بن إدريس الحلي (598هـ/1202م) في آخر كتابه السرائر نقلاً من كتاب هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنما علينا أن نُلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا)، ونقل من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام قال: (علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع).[٥٦]
فقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) قاعدة فقهية مشهورة عند المسلمين، ويستفاد منها أن كل حكم يتسبب من ثبوته ضرر على المكلف فهو مرفوع وغير ثابت في الشريعة. فالتكليف ينتقل من الوضوء إلى التيمم عندما يترتب الضرر على استعمال الماء لسبب صحي مثلاً، ويجوز الإفطار في نهار شهر رمضان بسبب ترتب الضرر في حال الصيام. ومن جهة أخرى لا يجوز إيقاع الضرر بالآخرين ولا مقابلة الضرر بالضرر مثله والمقصود من ذلك رفع الضرر والمضرة.
وقد نص الفقهاء على أن القرآن الكريم قدّم مجموعة من القواعد الفقهية، كما ساهمت الأحاديث الشريفة في تقديمها أيضاً، ومثال ذلك في قاعدة (لا ضرر ولا ضرار):
- قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة:233]، حيث نهى الله سبحانه عن إضرار الأم بولدها بترك إرضاعه غيظاً على أبيه لبعض الجهات، كما أنه نهى عن إضرار الأب بولده بمنع رزقهن وكسوتهن بالمعروف مدة الرضاع، مما يؤدي إلى امتناعهن عن الإرضاع، فيتضرر بذلك الولد.
- قوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ [الطلاق:6]، حيث نهى سبحانه عن الإضرار والتضييق على المطلقات في السكنى والنفقة في أيام عدتهن.
- قوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:231]، حيث نهى الله سبحانه عن الرجوع إلى المطلقات الرجعية لا لرغبة فيهن، بل لمجرد الإضرار بهن، من قبيل إطالة مدة بقائها على حال الزوجية حتى تلجأ إلى فكاك نفسها ببذل شيء من المال أو التنازل عن مؤخر صداقها من خلال الخلع.
- قوله تعالى: ﴿وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ﴾ [البقرة:282]، حيث نهى الله سبحانه عن إضرار كاتب الدَّين والشاهد عليه أو الشاهد على البيع، وذلك من خلال كتابة ما لم يمل عليه، أو بأن يشهد بما لم يستشهده عليه. وقد فهم بعض المفسرين من الآية أنها في وارد النهي عن الإضرار بالكُتّاب والشهداء إذا أدّوا حق الكتابة والشهادة.
روي عن (عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: في الكافي [٥٧]:
ومن مجموع النصوص السابقة قدّم الفقهاء قاعدة مهمة جداً وعملية في أبوبا مختلفة هي قاعدة (لا ضرر ولا ضرار).
ومثل قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، هناك قاعدة (لا حرج / نفي الحرج)، بناء على الآية الشريفة: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج:78]، وقاعدة اللزوم التي نص عليها بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة:1]، وقاعدة (السلطنة) بمعنى الملك والتحكم والتمكن من التصرف، وذلك من خلال قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء:29]، وآيات أخرى وأحاديث.
والفارق بين القواعد الفقهيّة والقواعد الخاصة بأصول الفقه (أو القواعد الأصوليّة) وذلك من قبيل حجّية خبر الثقة، وأصل البراءة وأصل الاحتياط والاستصحاب وما إلى ذلك -مع أنّ كلّاً منهما يقعان في طريق الوصول إلى الحكم الشرعي- أنّ استفادة الحكم الشرعي من القاعدة الأصوليّة تكون من باب الاستنباط، أمّا استفادة الحكم الشرعي من القاعدة الفقهيّة فتكون من باب التطبيق، ولذلك لا يستخدم القاعدة الأصوليّة -عادةً- إلّا الفقيه المتمكّن من الاستنباط، أمّا القاعدة الفقهيّة فيمكن أن تُعطى للمقلِّد مباشرة ليطبّقها مباشرة على مواضع الابتلاء والحاجة، كما في قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة نفي الحرج، وقاعدة السلطنة، وأمثال ذلك.
ويأتي في المقام سؤال: هل القواعد الفقهية توقيفية كأن تكون محددة ومجموعة في حديث صحيح مثلاً ولا يُسمح بتجاوزها والإضافة عليها؟
الجواب: كلا، القواعد الفقهية ليست توقيفية، ويمكن أن يُضاف عليها متى ما قام الدليل عند أهل الاختصاص وبعد دراسة وتمحيص على كونها تمثّل قاعدةً في المقام. قال الشيخ عباس آل كاشف الغطاء (معاصر) في كتابه: (المنتخب من القواعد الفقهية):لذا فإن عدم عدّ (التعارف / لتعارفوا) المشار إليه في الآية مورد البحث قاعدة مِن قَبلُ لا يعني عدم إمكانية أن تصبح كذلك إذا قام الدليل عند بعض الفقهاء على صلاحيتها لذلك، خاصة بعد التطور الذي تتبعناه في توظيف الآية الشريفة عبر الزمن، حيث يمكن لها أن تمثّل قاعدة فقهية تساهم في تحديد الموقف من:
- مدى مشروعية شن الحرب ابتداء، بالإضافة إلى ما نستفيده من قوله تعالى بهذا الشأن: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة:190].
- علاقات الدولة الإسلامية بغيرها على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني والإعلامي والثقافي والعلمي وغير ذلك.
- حقوق الإنسان بغض النظر عن انتماء الفرد الديني أو الوطني أو القومي أو العرقي أو القبلي أو غير ذلك من العناوين، سواء في العلاقات البينية، أو في علاقة الحاكم بالمحكوم، أو الدولة بالمواطنين.
- بعض المسائل الاجتماعية المتعلقة بأحكام النكاح، من قبيل مسألة الكفاءة وغيرها.
- قضايا العولمة.
- الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب.
وهذا يعني أن لدى هذه الآية الشريفة -بحسب الصانعي- من القابلية أن تكون مصدر هذا المبنى الفقهي المؤثّر على مستوى تقديم الإجابة حول مسائل عديدة من قبيل:
- حرمة دم الإنسان، بغض النظر عن دينه ومذهبه.
- حرمة أعراض الناس وسمعتهم، وشخصيتهم العامة.
- القصاص والديّات.
- الطهارة المادية لكل إنسان.
- النكاح.
- الوقف.
- الوصية.
- التيمم كبديل عن الوضوء، في حال تزاحم حاجة غير المسلم للماء القليل المتوفر لإنقاذ روحه مع استعماله في الوضوء. ولربما تكون هذه المسألة من فروع أو نتاجات المسألة الأولى.
وخلاصة القول أن الآية الشريفة بدلالتها العميقة والشمولية قابلة أن تأتي بمثابة القاعدة لاستنباط الأحكام الشرعية لعديد من المسائل الحساسة والمهمة على الصعيد الإنساني والسياسي والاجتماعي، الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من التنظير والتقعيد والبحث والتحليل، ولربما يأتي اليوم الذي نجد فيه عنوان (قاعدة التعارف) قد انضمت إلى سلسلة القواعد الفقهية التي طالما اعتمد عليها الفقهاء في دراساتهم الشرعية وقدّموها إلى عامة الناس لتكون لهم مرجعاً في التوصل إلى معرفة الحكم الشرعي في مواقف عديدة دون حاجة للرجوع إلى فقيه في المقام.
هوامش ومراجع
- ↑ (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، ج ٢، مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي)، ص ٤٧.
- ↑ الشيخ د. حيدر حب الله، (العـولـمة وعالـميّة الـدين).
- ↑ الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني، (الوحدة الإسلامية).
- ↑ د. فريدة حايد، (مقصد التعارف وأثره في القانون الدولي الإسلامي).
- ↑ المرجع نفسه
- ↑ المرجع نفسه
- ↑ المرجع نفسه
- ↑ حوار أجري مع الفقيه السيد محمد حسين فضل الله (ت1431هـ/2010م).
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ محمد بن الحسن الطوسي(ت 460هـ/1067م)، (كتاب المبسوط) ، ج ٢، ص ٧٤-75 .
- ↑ علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت 450هـ/1058)، (الأحكام السلطانية)، ج1، ص 40.
- ↑ علي أصغر مرواريد، (الينابيع الفقهية)، ج ٣١، ، ص ١٥٥.
- ↑ الحسن بن يوسف بن مُطهّر المعروف بالعلامة الحلي (ت 726هـ)، تذكرة الفقهاء، ج ٩، ص ٢٧٠.
- ↑ الحسن بن يوسف بن مُطهّر المعروف بالعلامة الحلي (ت 726هـ)، (منتهى المطلب)، ج ١٤، ص ٤٠٤.
- ↑ محمد حسن النجفي الملقب بصاحب الجواهر، (ت1266هـ / 1850م)، (جواهر الكلام)، ج ٢١، ، ص ٢١٥.
- ↑ الطوسي، (التبيان الجامع لعلوم القرآن)، ج9، ص352.
- ↑ محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (ت204هـ /820م)، (الرسالة) ص١٧١-173.
- ↑ محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (ت204هـ /820م)، (كتاب الأم)، ج ٧، ص 289.
- ↑ مالك بن أنس الحميري المدني (ت179هـ/795م)، (المدونة الكبرى)، ج ٢، ص١٦3-164.
- ↑ علي أصغر مرواريد، (الينابيع الفقهية)، ج ١٨، ، ص ٢٥٧.
- ↑ أحمد بن عبدالحليم الحراني المعروف بشيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ /1328م)، (المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام)، ج ٤، ص ١٥٨.
- ↑ سيد سابق (ت1420هـ/2000م)، (فقه السنة)، ج ٢، ص ١٤٤.
- ↑ عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود، الدمشقيّ الصالحي (ت٨٥٦ هـ/١٤٥٢م)، (الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ص461.
- ↑ مقدمة تعليقه على (كتاب العتق) من موسوعة (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية)، للشهيد الثاني، ج ٦، ص ٢٢١-225، كتب الفقيه المعاصر السيد محمد سلطان مصطفى الموسوي الكلانتر (ت1420هـ / 1999م)
- ↑ موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي، ج ١٨، ص ١٧٤-176.
- ↑ سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصي (ت716هـ/1316م)، (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية)، ص ٥٩٤.
- ↑ يوسف بن عبد البر (463هـ/978م)، (الإنباه على قبائل الرواة).
- ↑ د. حسين محمد المحيميد، (بحث الاجتهاد المقاصدي وأثره في مسائل السياسة الشرعية).
- ↑ د. حسين محمد المحيميد، (بحث الاجتهاد المقاصدي وأثره في مسائل السياسة الشرعية).
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ الشيخ حسين علي منتظري (ت1431هـ/2009م)، (دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية) ج ٢، ص ١٩٥- 196.
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ محمد إسحاق الفياض، (المسائل الطبية)، ص ١١٣-118.
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ مؤلف مؤسساتي، (السياسة الشرعية)، (مناهج جامعة المدينة العالمية)، ص56-57.
- ↑ حسن علي الشاذلي (ت١٤٣٩هـ/٢٠١٨م)، (الجنايات في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون) ، ص 203
- ↑ (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع))، (مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي)، ج ٣٥، ص ٤٠٤-406.
- ↑ محمد مهدي الآصفي، (ولاية الأمر، دراسة فقهية مقارنة)، ص ١٣٥-161.
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ كاظم الحائري، (الأساس الفقهي لولاية الفقيه - ولاية الأمر في عصر الغيبة)، ص ١٤.
- ↑ ميرزا جواد التبريزي (ت1427هـ/2006م)، (صراط النجاة)، ج ٣، ص ٣٩٢-394.
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ رعد الحجّاج، (الاستنساخ البشري – دراسة فقهية حقوقية)، تحت عنوان (نظرية تحريم الاستنساخ).
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع))، (مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي) ج ١٧، ص ١١١.
- ↑ (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع))، (مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي)، ج ٢٧، ص ٨٨-89
- ↑ د. جابر عبد الهادي سالم الشافعي، (تأصيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من منظور مقاصد الشريعة الإسلامية).
- ↑ المرجع نفسه.
- ↑ د. عطية السيد فياض، محاضرة بعنوان (الاقتصاد الإسلامي وإنسانية الإنسان).
- ↑ أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي (ت 684هـ/1285م)، (أنوار البروق في أنواء الفروق).
- ↑ محمد بن إدريس الحلي (598هـ/1202م) ، (السرائر).
- ↑ محمد بن يعقوب الكليني (329هـ/941 م)، (الكافي).
- ↑ عباس آل كاشف الغطاء، (المنتخب من القواعد الفقهية).
- ↑ السيد ضياء مرتضوي، (المباني الفقهية للشيخ يوسف الصانعي).
- ↑ المرجع نفسه.