|
|
(٣ مراجعات متوسطة بواسطة مستخدمين اثنين آخرين غير معروضة) |
سطر ١: |
سطر ١: |
− | * [[التعارف هو مدخل التفاهم والتعاون وحل المشكلات]] | + | كتب د. عبد الباسط سيدا عن أهمية التعارف في حياة المجتمع وقدَّم نبذة عن تجربة المجتمع والدولة في السويد. وأضاف أ. الشيخ أحمد معاذ الخطيب بعض النماذج عن التعارف قديماً وحديثاً. وكتبت الأستاذة الجامعية فريدة حايد عن النعارف وأحكام الزواج |
| + | * [[التعارف هو مدخل التفاهم والتعاون وحل المشكلات]] |
| + | * [[ملاحظات حول كتاب الدولة التعارفية]] |
| + | * [[التعارف والأسرة]] |
| [[تصنيف:التعارف والمجتمع]] | | [[تصنيف:التعارف والمجتمع]] |
− | =التعارف هو مدخل التفاهم والتعاون وحل المشكلات=
| |
| | | |
− | '''الدكتور عبد الباسط سيدا'''
| |
− |
| |
− | "الإنسان عدو ما يجهل"؛ أو ربما بتعير أدق "الإنسان يتوجس مما يجهل". هذه هي الفكرة المركزية التي يتمحور حولها مشروع الدولة التعارفية الذي يدعو إليه الدكتور علي محمد أسعد، وصدر في كتاب عنوانه: "الدولة التعارفية". وهو مشروع يهدف إلى تجاوز حالات الاستقطاب التي تعاني منها الآراء والمواقف من خلال حماسها أو دعوتها لهذا الشكل أو ذاك من أشكال الدولة والحُكم، لا سيما تلك المواقف المتعارضة إلى حد التناقض في الكثير من الأحيان من موضوع الدولة العلمانية أو المدنية، والدولة الدينية.
| |
− | فالتعارف هو المدخل الطبيعي للتواصل المثمر البنّاء بين الناس، وذلك على مستوى الجماعات المحلية، والمجتمعات الوطنية والإقليمية، والإنسانية بصورة عامة.
| |
− | ===النزعات السلبية في المجتمع===
| |
− | رُكنُ التعارف الأساس يتمثل في اللغة التي هي في الأصل أداة التواصل والتعارف والتفاهم بين الناس، ولكنها يمكن أن تكون في الوقت ذاته من أسباب سوء التفاهم والتباعد والتنافر والخصام إذا أُسيء استخدامها، لذلك فإن عملية اختيار المصطلحات والمفاهيم والعبارات هي التي تبين طبيعة المواقف، وتساهم في تشكلها، وتحدد مدى امكانية التنسيق والتوفيق بينها أو استحالة ذلك.
| |
− |
| |
− | ولكن التعارف لا يرتكز على اللغة وحدها، بل يعتمد على الأعراف والعادات والثقافات والإنجازات الحضارية بكل أشكالها. وكلما ترسخ التعارف عبر التواصل والتفاهم، كلما أدى ذلك إلى الحد من تأثير النزعات السلبية التي تستمد نسغها من الجهل والحواجز، خاصة النفسية منها. وهذه النزعات تساهم في ترسيخ عقلية: نحن وهم، أو نحن والآخر. أما طبيعة العلاقة بين طرفي هذه المعادلة المصطنعة فتكون في معظم الأحيان توجسية عدائية، تقطع الطريق أمام معتنقيها، وتمنعهم من التفكير في امكانية ايجاد نقاط مشتركة، إن لم نقل مساحات مشتركة، يمكن انطلاقا منها تبديد الكثير من الأوهام التي تحولت بفعل التوظيف الأيديولوجي لها إلى مسلمات، إن لم نقل بدهيات، يتعرض المشكك فيها إلى أقسى حملات الاتهام والتخوين والتكفير.
| |
− | ===الاستبداد في مواجهة التعارف===
| |
− | في المجتمعات التي تتميز بتنوعها الديني والمذهبي والقومي والثقافي بصورة عامة، هناك حرص لافت من جانب السلطات الحاكمة الاستبدادية على إقامة الحواجز بين مختلف المكونات، عبر فرض الأيديولوجية المعتمدة، وعدم إعطاء أي اعتبار لضرورة التعريف بتاريخ وثقافات ومعتقدات الجماعات التي تتكوّن منها الجماعة الوطنية الأعم، وهذا ما يؤدي إلى تنامي المظلوميات، وهيمنة التخوفات والكوابيس، وطغيان الخطاب المذهبي او الطائفي، والعنصري أو القومي المتشدد؛ وكل ذلك يبدد الطاقات، ويشتت التوجهات؛ ويمهد الأرضية لحدوث صدامات عنيفة، وانتشارالفوضى، وطغيان حالات من التدمير الذاتي التي لا تترك الفرصة لحصول تراكمات في الخبرات والمعارف والموارد، تراكمات كان من شأنها توفير المقدمات الواقعية المطلوبة لنهوض وطني عام، يكون في مصلحة الجميع من دون أي استثناء.
| |
− |
| |
− | أما في المجتمعات التي تتميز باستقرار ونضوج أنظمتها الديمقراطية، فيلاحظ وجود توجه عام يشجع مد جسور التواصل والتعارف بين الجميع من سكان البلاد الأصليين، والمهاجرين، وحتى اللاجئين الوافدين. ويتجلى ذلك من خلال المناهج الدراسية التي تحرص على تزويد الطلاب بمعلومات وافية حول التنوع الموجود في مجتمعهم الوطني، وحول الأديان والثقافات العالمية؛ هذا بالإضافة إلى تشجيع تشكيل الجمعيات والمنظمات الثقافية والاجتماية الخاصة بالمهاجرين، أو تلك التي تهتم بالحوارات الثقافية الحضارية، وتشجعها وتنظمها؛ ومن دون أن يبتادر إلى ذهن أحدهم أن هناك مؤامرة تستهدف تهديد الهوية القومية أو الدينية؛ هذا في حين أن مثل هذه الذرائع المختلقة قد غدت في الكثير من المجتمعات الاستبدادية وسيلة لتصفية الحسابات مع الخصوم المحتملين والواقعيين، لا سيما أولئك الذين ينتقدون الاستبداد ويطالبون بوضع حد لشروره.
| |
− | ===التعارف والحرية والقانون===
| |
− | أمر آخر له أهمية قصوى، خاصة بالنسبة إلى مجتمعاتنا، يؤكده الكاتب في مشروعه التعارفي يتمثل في الربط بين الحرية والتعارف والعدل، فالتعارف يحقق امكانية التفاهم الذي يفتح الآفاق أمام ممارسة الحرية، وبفضل الحرية يستقيم العدل. والمجتمعات التي تتمكّن من تعميم هذه القيم هي التي تحقق الاستقرار المستدام المطلوب الذي يبدا من القاعدة ليمتد إلى قمة الهرم.
| |
− |
| |
− | ولعله من المناسب أن نشير في هذا السياق إلى ما يذهب إليه الكاتب بخصوص أهمية انسجام القوانين والقواعد مع الأعراف التي تلتزم بها مؤسسات المجتمع سواء الرسمية أم الأهلية أو المدنية؛ ففي حال وجود مثل هذا الانسجام، لا تبدو الدساتير والقوانين على أنها مستوردة مقحمة، تتحدث بلغة غير مفهومة ولا تطمئن؛ وإنما يكون هناك شعور عام لدى الناس فحواه أن تلك الدساتير والقوانين تتحدث بلغتهم، وتجسد خبرتهم، وتعكس تطلعاتهم.
| |
− | ===التعارف وحل النزاعات===
| |
− | ولكن هذا ليس معناه الانعزال، وسدّ الأبواب أمام تفاهمات أوسع على المستويين الإقليمي والدولي، طالما هناك امكانية لتحقيق التعارف في مجال أوسع بين مختلف المجتمعات، وعلى أساس احترام الخصوصيات، والإقرار بمشروعية الهواجس الموضوعية، والعمل المشترك من أجل الوصول إلى قواعد تعزز الثقة، وتضع آليات واضحة محددة لحل الخلافات. وكل ذلك يستوجب توسيع دائرة المفاهيم والمصطلحات والمبادئ المشتركة التي لا استغناء عنها في حوار وتمازج حضاريين لصالح الجميع.
| |
− | ==المسلمون في السويد بين التعارف والإندماج==
| |
− | تعد السويد من أكثر الدول الأوروبية احتراماً للإسلام والمسلمين، وانفتاحاً عليهم، وقبولاً بهم وبمشاركتهم في مختلف قطاعات الدولة ومؤسساتها. يتجلى ذلك من خلال وجود المساجد والجمعيات الإسلامية التي تحصل على المساعدة من الحكومة السويدية. كما أن السويد تتميز بمراعاة الطلاب المسلمين في الطعام المدرسي، واحترام الحجاب في المدارس والجامعات وأماكن العمل. وترفض السويد باستمرار منح التراخيص للفعاليات المناهضة للمسلمين، هذا فضلاً عن وجود المسلمين في الوزارة والبرلمان وفي الجامعات وفي جميع الإدارات والمؤسسات والشركات العامة والخاصة. كما كانت السويد سباقة في استقبال اللاجئين السوريين الذي اضطروا لمغادرة بلادهم نتيجة الحرب، خاصة في عام 2015، وحصل عشرات الآلاف من السوريين على حق الإقامة والجنسية. حاليا يعيش في السويد حوالي ربع مليون سوري، بينما يبلغ عدد المسلمين نحو 800 ألف (كان عددهم الإجمالي في السويد حوالي ألف شخص عام 1966).
| |
− |
| |
− | وهناك أبحاث رصينة حول الإسلام والمجتمعات المسلمة أنجزت من قبل العديد من الباحثين الجادين السويديين، وتعتبر كتبهم من المصادر المعتمدة في الجامعات العريقة على المستوى العالمي. ويدرس الطلاب السويديون في المدارس، سواء في المرحلة الابتدائية أم الثانوية الإسلام والأديان الكبرى في العالم ضمن مادة الدين بكل موضوعية، وبعيداً عن أي إساءة.
| |
− |
| |
− | ===مصاعب الاندماج===
| |
− | من جهة أخرى يعاني المهاجرون في السويد، خاصة اليافعون منهم، من واقع بالغ الصعوبة نتيجة صعوبة اختيار القيم والمعايير والقواعد غير المكتوبة التي عليهم الالتزام بها. إذ عليهم التوفيق بين ثلات منظومات منها. ففي المدرسة - مثلاً - عليهم عدم الإخلال بالقيم الديمقراطية السارية، واحترام حرية التعبير والاعتقاد والممارسات. ولكن في الوقت ذاته عليهم أن يحافظوا على القيم والأعراف السائدة في البلد الأصلي بناء على توجيهات الأهل. كما يطالبون في الوقت عينه بمراعاة الأعراف والعادات والمعايير التي تشكلت ضمن كل مجموعة من مجموعات المهاجرين، وهي قيم هجينة لا تنتمي إلى البلد الأم، ولا إلى البلد الجديد؛ وكل ذلك يشكل ضغطاً هائلاً يثقل كاهل اليافعين، ويلزمهم ببذل أقصى درجات الجهد والتركيز والحيطة للحفاظ على التوازن بين المنظومات الثلات. ولكن في بعض الأحيان يقع التصادم مع الأهل، الأمر الذي يستوجب تدخل هيئة متخصصة بتقديم الخدمة الاجتماعية ومعالجة المشاكل داخل الأسرة سواء كانت أسرة من السكان الأصليين أو المهاجرين واللاجئين.
| |
− | ===السويد بين التعارف وقوى التطرف===
| |
− | كانت السويد وما زالت، تعد المثال الأفضل على المستوى الأوروبي على صعيد الخدمات الاجتماعية، وعدم التمييز، والحرص المستمر من جانب البرلمان والحكومة لمساعدة المهاجرين، وتمكينهم من الاندماج؛ مع احترام خصوصياتهم وحقوقهم، ومعالجة الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الجريمة المنظمة بين الشباب، ويتم ذلك بصورة أساسية عبر دعم أبناء وبنات المهاجرين في مختلف مراحل التعليم، ليتمكنوا من الحصول على الدرجات المقبولة التي تساعدهم لمتابعة دراساتهم سواء في المرحلة الثانوية أم الجامعية، أو في المعاهد الفنية. كما توجد الكثير من التدابير والمساعدات التي تمكّن المهاجرين من الدخول إلى سوق العمل، الأمر الذي يسهّل عمليات شراء البيوت، والتفاعل مع المجتمع.
| |
− |
| |
− | وهناك قوانين وإجراءات صارمة تمنع التمييز بين المواطنين والمقيمين في السويد، بسبب الدين أو المذهب أو الجنس أو القومية أو العرق. كما أن حرية التعبير والنشر مضمونة للجميع، ولكن شرط عدم الإساءة للآخرين. إلا أن كل ذلك لا ينفي وجود الثغرات، ووجود قوى عنصرية تنتقد باستمرار سياسات الحكومات السويدية سواء اليمينية منها أم الاشتراكية واليسارية في ميدان استقبال اللاجئين. وهي قوى تستغل السلبيات التي تحصل، سواء من جهة المهاجرين، أم من جهة الحكومة. ولكن هذه القوى محدودة العدد والتأثير طالما أن سياسة الاندماج تسير بشكل متوازن مع احترام الخصوصيات والحقوق، أما في حالات الخلل وحدوث الأزمات، فإن هذه القوى تكتسب المزيد من الأنصار، وتمارس تأثيراً أكبر من حجمها في السياسة السويدية العامة.
| |
− | ===القانون في خدمة المهاجرين===
| |
− | المهاجرون في السويد قادرون على متابعة قضاياهم وقضايا عائلاتهم، ويمكنهم عبر القنوات القانونية الموجودة المطالبة بمعالجة الأخطاء والإسهام في وضع الحلول. هناك مشكلات ناجمة عن الاختلاف الثقافي، ولكن الحل المطلوب يكون عبر التخلي عن عقلية نحن وهم، وهي العقلية التي عانت، وتعاني منها مجتمعاتنا الأصلية كثيراً.
| |
− |
| |
− | '''*كاتب وأكاديمي سوري'''
| |
| [[تصنيف:التعارف والمجتمع]] | | [[تصنيف:التعارف والمجتمع]] |