«ملاحظات حول كتاب الدولة التعارفية»: الفرق بين المراجعتين

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث
(قراءة في كتاب الدولة التعارفية)
(أزمة التطبيق)
 
(٣ مراجعات متوسطة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة)
سطر ٢: سطر ٢:
 
'''الأستاذ الشيخ أحمد معاذ الخطيب الحسني
 
'''الأستاذ الشيخ أحمد معاذ الخطيب الحسني
 
'''
 
'''
 +
 
الفكرة الأساسية للمشروع مهمة والبحث جميل جدا لكن هناك نقاط تحتاج إلى بلورة.
 
الفكرة الأساسية للمشروع مهمة والبحث جميل جدا لكن هناك نقاط تحتاج إلى بلورة.
 
==نماذج تعارفية==
 
==نماذج تعارفية==
سطر ٨: سطر ٩:
  
 
==أزمة التطبيق==
 
==أزمة التطبيق==
الأمر الثاني بخصوص تحقق مشروع التعارفي في الواقع: من الذي سيلزم المجتمع بتطبيق الفكرة ؟ من الذي سيعزز هذه الفكرة؟ هل يكفي الوعي بأهمية التعارف؟ ذكر الكاتب مجموعة من الإجراءات العملية لتحقيق هذا المشروع وهي كلها عملية فعلاً لكن تبقى هناك أسئلة بحاجة لإجابات مفصلة. فإذا لم تصل إحدى القوى السياسية إلى قمة السلطة، ماذا نفعل؟ هل نواصل الطريق التوعوي والتربوي؟ هذه النقطة تحتاج لبحث واستقصاء.
+
الأمر الثاني بخصوص تحقق مشروع الدولة التعارفية في الواقع: من الذي سيلزم المجتمع بتطبيق الفكرة ؟ من الذي سيعزز هذه الفكرة؟ هل يكفي الوعي بأهمية التعارف؟ ذكر الكاتب مجموعة من الإجراءات العملية لتحقيق هذا المشروع وهي كلها عملية فعلاً لكن تبقى هناك أسئلة بحاجة لإجابات مفصلة. فإذا لم تصل إحدى القوى السياسية إلى قمة السلطة، ماذا نفعل؟ هل نواصل الطريق التوعوي والتربوي؟ هذه النقطة تحتاج لبحث واستقصاء.
 +
 
 
==التعارف السياسي==
 
==التعارف السياسي==
 
فقرة اختيار القيادة والتعارف السياسي، يرد الكاتب على ما كتبه د. القرضاوي حول الآية الكريمة (اجعلني على خزائن الأرض) قائلاً (أي الكاتب) أنه لا ينبغي ترشيح النفس فالأشخاص الأكفاء لابد أن يكونوا معروفين في المجتمع والناس يشهدون لهم بالكفاءة، فهؤلاء الناس يكلفون الأكفاء من غير ترشح وتنافس. لكن قد يكون هناك أشخاص مغمورون وأكفاء فلماذا لا نقبل بلجنة حكماء ترشح أمثال هؤلاء المغمورين؟ لماذا لا نقبل أن يترشح شخص يرى في نفسه القدرة على تحمل المسؤولية في الشأن العام وينفع الأمة؟ ما يدعم ذلك قصة سليمان عليه السلام، فقد قدَّم أحد الجن نفسه للقيام بالأمر وهناك أمثلة أخرى في زمن الصحابة. ولعلّنا نجد لدى الأباضية ما هو أبعد من ذلك. إذْ لا يرون وجوب إقامة الإمامة أو ضرورة لوجود إمام مادام هناك صيغ تقيم العدل للناس بخلاف رأي السنة والشيعة.
 
فقرة اختيار القيادة والتعارف السياسي، يرد الكاتب على ما كتبه د. القرضاوي حول الآية الكريمة (اجعلني على خزائن الأرض) قائلاً (أي الكاتب) أنه لا ينبغي ترشيح النفس فالأشخاص الأكفاء لابد أن يكونوا معروفين في المجتمع والناس يشهدون لهم بالكفاءة، فهؤلاء الناس يكلفون الأكفاء من غير ترشح وتنافس. لكن قد يكون هناك أشخاص مغمورون وأكفاء فلماذا لا نقبل بلجنة حكماء ترشح أمثال هؤلاء المغمورين؟ لماذا لا نقبل أن يترشح شخص يرى في نفسه القدرة على تحمل المسؤولية في الشأن العام وينفع الأمة؟ ما يدعم ذلك قصة سليمان عليه السلام، فقد قدَّم أحد الجن نفسه للقيام بالأمر وهناك أمثلة أخرى في زمن الصحابة. ولعلّنا نجد لدى الأباضية ما هو أبعد من ذلك. إذْ لا يرون وجوب إقامة الإمامة أو ضرورة لوجود إمام مادام هناك صيغ تقيم العدل للناس بخلاف رأي السنة والشيعة.
سطر ٢١: سطر ٢٣:
  
 
ذكر الكاتب في الصفحة 49 أن الله جعل الناس شعوباً وأعراق وقبائل ليتزاوجوا ويحسِّنوا النسل ويحاربوا العنصريات ويطوروا الثقافات. لكني أجد هذا القول غير دقيق. لا يصحُّ حصر التعارف بالتزاوج فالتعارف أوسع من التزاوج بكثير.
 
ذكر الكاتب في الصفحة 49 أن الله جعل الناس شعوباً وأعراق وقبائل ليتزاوجوا ويحسِّنوا النسل ويحاربوا العنصريات ويطوروا الثقافات. لكني أجد هذا القول غير دقيق. لا يصحُّ حصر التعارف بالتزاوج فالتعارف أوسع من التزاوج بكثير.
'''أخيراً: الناس بالحقيقة بحالة ظمأ شديد للخير والعدل وهذا البحث يضيء جزءا مهماً من الطريق إلى ذلك.
+
 
 +
'''أخيراً: الناس بالحقيقة بحالة ظمأ شديد للخير والعدل وهذا البحث يضيء جزءاً مهماً من الطريق إلى ذلك.
 
'''
 
'''

المراجعة الحالية بتاريخ ١٤:٢٣، ١٩ يوليو ٢٠٢٢

قراءة في كتاب الدولة التعارفية

الأستاذ الشيخ أحمد معاذ الخطيب الحسني

الفكرة الأساسية للمشروع مهمة والبحث جميل جدا لكن هناك نقاط تحتاج إلى بلورة.

نماذج تعارفية

من المفيد جداً استحضار بعض النماذج سواء المعاصرة والتاريخية التي تدعم فكرة التعارف، فهي نماذج بلاشك موجودة ومنها نموذج صيغة التعارف ثم التعايش التي توصلتْ إليها القبائل في رواندا بعد الحرب الأهلية والمجازر التي وقعت فيما بينها، وانتهتْ الحرب بفضل صيغة التعارف والتوافق بعد أن دفعوا أثماناً باهظة للتنافر والاقتتال. يمكن الاستشهاد بنموذج قديم أيضاً. فقد كتب تقي الدين الحسني عن وجود 260 صنعة (مهنة) في دمشق وكان لكل صنعة شيخ ومن هنا جاءت تسمية بعض العائلات مثل شيخ الصباغين وشيخ الحدادين وشيخ النجارين .. يتعارف أصحاب كل صنعة (أهل الكار) على تعيين شيخ لصنعتهم ويسمى شيخ الصنعة أو شيخ الكار. وفي كل عام يخرج شيوخ الكار جميعاً من كل الصنعات إلى منطقة الكسوة جنوب دمشق ويجتمعون في بستان كبير، وهدف الاجتماع الموافقة على المعلمين الجدد الذين يدخلون المهنة أو الصنعة ويتم اعتمادهم في الاجتماع. فهذا عُرْفٌ لا يتجاوزه أحد لأن شيخ الكار لا يقدم أحداً إلا بعد فحص دقيق وتدريب طويل وخضوعه لاختبار نظري. هذه صيغة تعارفية شملت كل النقابات المهنية في دمشق وقد تجاوز عددها 260 نقابة. وكان رئيس كل هذه النقابات هو نقيب السادة الأشراف المنتسبين لأهل البيت عليهم السلام. ويقول تقي الدين الحسني أن السلطان العثماني لم يكن بمقدوره تغيير نقيب السادة وذلك بفضل شدة التضامن والتماسك الاجتماعي معه.

أزمة التطبيق

الأمر الثاني بخصوص تحقق مشروع الدولة التعارفية في الواقع: من الذي سيلزم المجتمع بتطبيق الفكرة ؟ من الذي سيعزز هذه الفكرة؟ هل يكفي الوعي بأهمية التعارف؟ ذكر الكاتب مجموعة من الإجراءات العملية لتحقيق هذا المشروع وهي كلها عملية فعلاً لكن تبقى هناك أسئلة بحاجة لإجابات مفصلة. فإذا لم تصل إحدى القوى السياسية إلى قمة السلطة، ماذا نفعل؟ هل نواصل الطريق التوعوي والتربوي؟ هذه النقطة تحتاج لبحث واستقصاء.

التعارف السياسي

فقرة اختيار القيادة والتعارف السياسي، يرد الكاتب على ما كتبه د. القرضاوي حول الآية الكريمة (اجعلني على خزائن الأرض) قائلاً (أي الكاتب) أنه لا ينبغي ترشيح النفس فالأشخاص الأكفاء لابد أن يكونوا معروفين في المجتمع والناس يشهدون لهم بالكفاءة، فهؤلاء الناس يكلفون الأكفاء من غير ترشح وتنافس. لكن قد يكون هناك أشخاص مغمورون وأكفاء فلماذا لا نقبل بلجنة حكماء ترشح أمثال هؤلاء المغمورين؟ لماذا لا نقبل أن يترشح شخص يرى في نفسه القدرة على تحمل المسؤولية في الشأن العام وينفع الأمة؟ ما يدعم ذلك قصة سليمان عليه السلام، فقد قدَّم أحد الجن نفسه للقيام بالأمر وهناك أمثلة أخرى في زمن الصحابة. ولعلّنا نجد لدى الأباضية ما هو أبعد من ذلك. إذْ لا يرون وجوب إقامة الإمامة أو ضرورة لوجود إمام مادام هناك صيغ تقيم العدل للناس بخلاف رأي السنة والشيعة.

ثم ماذا لو تقدمت امرأة كفؤة فعلاً لقيادة الدولة؟ هل نقول (ما أفلح قومٌ ولُّوا أمرهم امرأة)؟ هل في ذلك إشكال؟ رئاسة الدولة ليست إمامة عظمى وبالتالي لا إشكال في رئاسة المرأة. لا يوجد نص شرعي بالمنع أي منع المرأة من الترشح. في القرآن، بلقيس أشادتْ مع قومها حضارة عظيمة وأنقذت قومها من الحرب والصدام والشرك فهي - إذاً - أفلحت. ثم إن الحديث المذكور ذُكر بعد 20 سنة من وفاة الرسول ص وقد رواه رجل واحد فقط وللحديث ظرف خاص فكان تعقيباً على حالة خاصة تتعلق ببوران التي عشقت قائد الجيش وقتلت أباها فالحديث لا يصلح حكماً عاماً.

منطقة الفراغ

ذكر الكاتب مفهوم (منطقة الفراغ في التشريع) وهو ذات المفهوم المعروف لدى الفقهاء باسم (المسكوت عنه). هذه نقطة مهمة جداً وهي تدل على مرونة هائلة في الشريعة الإسلامية التي تركت للناس حرية الاختيار في كثير من الأمور الأساسية في حياتهم بحيث يقررونها هم لأنها تقوم على اجتهادهم وخبرتهم ومصالحهم. صحيح أن الشريعة جاءت بالأسس والمبادئ لكنها فعلاً لم تأتِ على ذكر الدولة ومؤسساتها وتفاصيل نظام الحكم. لقد تُرِكتْ ليتوافق ويتعارف عليها الناس بما يحقق مصالحهم التي تتوافق مع المقاصد السليمة.

ملاحظات أخيرة

فقرة الدولة التعارفية وحقوق الإنسان: الشرح غير كافي. فالناس في البيئة المتدينة قد يميزون بين الخبيث والطيب ويتعارفون أن الشذوذ خبيث لكن ماذا عن تعارف المجتمعات الأخرى حول قبول الشذوذ بل هي قائمة على الشذوذ فلا تعتبره خبيثاً. فكيف نتعامل مع الموضوع؟ هل ندعو لإجراء أبحاث عن أهمية الأسرة واستقرارها وارتباط الشذوذ بالتشرد أو الظروف القاسية التي تمر بها الأسرة أو الاختلاط بأوساط شاذة؟ لا أملك إجابة حاسمة.

ذكر الكاتب في الصفحة 49 أن الله جعل الناس شعوباً وأعراق وقبائل ليتزاوجوا ويحسِّنوا النسل ويحاربوا العنصريات ويطوروا الثقافات. لكني أجد هذا القول غير دقيق. لا يصحُّ حصر التعارف بالتزاوج فالتعارف أوسع من التزاوج بكثير.

أخيراً: الناس بالحقيقة بحالة ظمأ شديد للخير والعدل وهذا البحث يضيء جزءاً مهماً من الطريق إلى ذلك.