«قراءة في كتاب الدولة التعارفية»: الفرق بين المراجعتين

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث
(أنشأ الصفحة ب' تصنيف:التعارف والدولة')
 
 
(٦ مراجعات متوسطة بواسطة مستخدم واحد آخر غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
 +
بقلم عيسى ابراهيم - محامي سوري
 +
 +
بعد إطلاعي على كتاب الدكتور علي أسعد الذي خَبِرتُه كشخص مسؤول في كَلِمِهِ وتصرفه ، تبين لي أن ذلك المُلَاحَظ مني إبتداءً لديه،  مُنعكِس في منتجه الفكري ، الذي يعكس بدوره فهمه للحياة ، مما يُدلّل على أن الأمر راسخ في فكره ووجدانه وفهمه للحياة والكون ، وهو أمر يجعل لما قِيل في الكتاب مصداقية القول والرغبة والارادة والهم .
 +
 +
فالكتاب  " الدولة التعارفية " يتضمن إقراراً بالتنوع كمُعطى طبيعي خلقي ، ولا يدعو الى الغائه بذريعة الوحدة بل يرى التنوع  إرادة الخالق وسنة الحياة وموجب للتعارف بين البشر وبين الثقافات . معتبراً أن الثقافة هي وعاء هذا التعارف و أداته ، متحمّلاً بما طرحه من عناوين فرعية من الفكرة الأساس القائمة على التعارف … مُتحملاً فيه مسؤولية خلق مشترك إنساني ضامن للحياة من البيئة عينها نامياً فيها ومستنداً إليها ، بعيداً عن تغريب غير منتج وتعصب ملغي للأخر ، من خلال مفهوم التعارف- المعرفة الوارد بالنص المُقدّس .
 +
 +
النص  القرآني المُقدّس" حمّال الأوجه " كما قال الإمام علي كرّم الله وجهه ، وهو بذلك ، شأنه شأن أي نص أخر ،  رهين عقل قارئه و مُتَدبّره ، من خلال فهمه بسياقه ومقاصده الكلية وسياقه التاريخي …الخ  وحيث خلق الله الممتد لا يلغي بعضه بعضاً ، بل ينمو نمواً غير متوقف ويكمل بعضه في مسار السعي للكمال ، بزعمي، مُنطلقاً في عمله هذا من الآية القرآنية المقدسة:
 +
 +
{{قرآن نبذة|يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}} من سورة الحجرات الآية  (13)
 +
حيث يقوم المؤلف بالانطلاق من حقائق يراها مؤكدة في هذه الآية ، أُشاركه بها ، وهي :
 +
 +
أن التنوع صفة كونية للخلق ، والتنوع يُنتج اختلاف الناس المتنوعون ، وهؤلاء يحتاجون لبناء مشترك إنساني مع الوقت " كلمة سواء "  فتبرز حقيقة خلقية أخرى في الآية وهي أهمية التعارف - المعرفة بين البشر المتنوعين كونهم بداية حاملي معرفة وكونهم ناقلين لها لاحقاً ، ويُفرّق المؤلف  بين التعارف البسيط والتعارف المركب .
 +
معتبراً أن التعارف فريضة واجبة على الخلق وله ثوابه الواجب ، فهو طريق لتحقيق العدل عبر معرفة الأخر مما يحول دون تنميط الأخر أو التعميم بمواجهته ، عبر التصور المسبق أو الاتهام المسبق  ، وحيث بسبب التعارف تنتفي العنصرية والتمييز بسبب كون التنوع هو إرادة الخالق للمخلوق في النص القرآني المُقدّس !.
 +
 +
=التعارف منهج حياة=
 +
يعتبر الدكتور علي أن التعارف - المعرفة ، يمكن أن تكون أساساً مُلهماً في جعل الحياة في مشرقنا بداية ، ومن ثم العالم ، مكان أفضل . من خلال جعل التعارف منهج حياة وتعميمه عبر عدة طرق  ، ليكون راسخ في الذهن المجتمعي والحياة المجتمعية ومُنتصر فيهما و ليكون وعي مجتمعي عام ،يجعل النظام السياسي الحاكم يتبناه بقوة الغلبة الثقافية المجتمعية ، ليكون أصلاً دستورياً ومنظومة قانونية ، سواء عبر ضغط الانتشار الشعبي وكذلك الضغط الإعلامي ، أو عبر العملية الديموقراطية عينها من خلال انتصار حزب يتبنى قيم التعارف ، فينتصر بها في النظام السياسي الحاكم بداية ومن ثم في المجتمع عامة . كما يمكن إقامة ورشات للتعارف من خلال مراكز وروابط وجمعيات  تقوم عبر صياغة منظومة العلاقات الاجتماعية ودراستها  من قبيل  :
 +
العلاقة بين الأجيال ، العلاقة بين الطوائف ، العلاقة بين الريف والمدينة ، العلاقة بين أبناء القوميات في المدينة أو الدولة الواحدة ، العلاقة بين المرأة والرجل ، حماية البيئة ، حماية الآثار …..الخ  وصولاً لتداعي تعارفي  تقوم به الأحزاب والجمعيات والتجمعات الاجتماعية  والحزبية  وكذلك القرى والمدن والبلدات ….الخ  وجوهر الكلام هنا للدكتور علي كما أورده …
 +
 +
=التعارف عقد اجتماعي=
 +
ومما يُحسب للدكتور علي هو اعتماده هذا المدخل لتأسيس فهمه لعقد اجتماعي ابن البيئة التي نتاجها والنص المؤثر فيها غالباً و حتى الآن : القرآن الكريم وتداعياته المباشرة وغير المباشرة ، حيث التعارف و حيث الثِّقلين : ثِقل الشخص - الأشخاص . و ثِقَل الفكرة -الأفكار والعلاقات الانسانية في المجتمع وبكل أنواعها  ، حيث يعتمد  الدكتورعلي التركيز على فرادة الثقل البشري وتنوعه لينتقل من ذلك لضرورة تحقيق الثقل الثاني وهو الفكرة المشتركة عبر المعرفة المشتركة التي تضمن حُسن سير الأمور بين الأفراد بضمان حُسن تدبرهم وفهمهم واتفاقهم على الدلالات المعرفية للفكرة المشتركة والأمر المشترك . وحيث الموازنة بين حرية الفرد ومتطلبات الجماعة ، وحيث التنوع ضرورة وشرط للتعارف ، فهو بذلك يقر التنوع كضرورة والمعرفة بين المتنوعين كشرط لبناء مجتمع  ، وهو يأخذ هذا النحت، بتأصيل من النص الديني المقدس  ، كما الاقرار بالتغيير كسنة كونية.
 +
 +
وأعتقد أن ملاحظة الدكتور علي أسعد لعدم تفاعل جمهور منطقتنا مع القيم الانسانية الغربية في مفاهيم العقد الاجتماعي والديموقراطية والعَلمَانية …الخ هي ملاحظة مهمة وواقعية ومحاولته حل هذا المُشكل وفتح النوافذ ، عبر تأصيل تلك المفاهيم إنطلاقاً من نص مقدس ومُؤَسِّس  بهذه الثقافة، هو أمر حكيم يُشكر عليه ، فرغم أن كافة الأفكار في هذه العالم هي نتاج إنساني ، بيد أن ذلك لا يجعلها ولاعتبارات واقعية موضوعية أو شخصية ، لا يجعلها متبناة في مناطق عديدة ، مما يجعل النظرية التي يطرحها الدكتور علي ،أمر قد يُشكل حلاً و مدخل بفتح نوافذ وأبواب بين الثقافة السائدة الراسخة في هذا المشرق وبين بعض تداعيات قيم الحداثة في مجال علم الاجتماع وأهم تجلياته وهي العقد الاجتماعي ، المؤسس لأي فعل جماعي منتج بين الجمهور المعني ، وأعتقد أن فكرته هذه فكرة عملانية مهمة ، خاصة وأنه يُعيد تحميل النص الديني على وجهه الذي يقبل البناء على مشترك ولا يقوم على الدحض والإلغاء بل على فتح نوافذ التعارف بين البشر باعتبارهم خلق الله المتساوين بالخلق وتداعياته في الحقوق ، وكذلك فك أسر كثير من المعاني الواردة بالنص نفسه من قبيل مسلم وإسلام …الخ وإعادة دلالاتها العابرة والعامة والمشتركة ، وبحيث يجعل من النص مدخلاً لبناء كلمة سواء إنسانية ، تكون بدورها مدخلاً لتأسيس عقد إجتماعي مؤصّل في البيئة ومستفيد مما لدى الأخر الشبيه لنا بالخلق -الإنسانية، بما فيه نتاجه الحديث ، كونه كما قلنا ، فهو بالمحصلة هو نتاج انساني .
 +
و أتشارك مع الدكتور علي في خلاصة كتابه ، بدعوته ليكون التعارف أساساً لأي عقد  إجتماعي دائم . والتعارف كما نوه هو بين متنوعين مختلفين، اختلاف التكامل لا اختلاف التمايز المُضر، وعلى قدم المساواة في الحق والواجب .
 +
وقد ناقش الدكتور علي فكرة التعارف وتلك الأفكار المُتداعية منها ، بعناوين فرعية عدة :
 +
 +
=التعارف بحياة الفرد والمجتمع= 
 +
 +
حيث أكّد ضرورة الموازنة بين حق الفرد - الموطن  وحق الجماعة - المجتمع  ،  واعتبره أمر واجب ، يتم من خلال التعارف بين البشر - المواطنين ، وأن هذا التعارف والتوازن بين حق الفرد وحق الجماعة يُنتح " العُرف "  والأخلاق باعتبار ذلك مُشترك إنساني ضامن . وبزعمي هذا يصلح كتوطئة تأصيل لمفهوم الحقوق والواجبات في القانون لدى الثقافة المشرقية وأتباعها وبالتالي عدم التضاد بين الحق والواجب الأخلاقي ، أو العُرف وبين مفهوم الحق والواجب القانوني كنص يجب احترامه كونه مشترك إنساني يصل عبر التعارف لمرتبة العرف الواجب الاحترام .
 +
 +
=مفهوم العقد الاجتماعي=
 +
 +
اعتمد هنا المؤلف على تقسيم العقد الاجتماعي على عنصرين : عنصر ثابت هو التعارف ،بدوره ينقسم الى تعارف بسيط وتعارف مُركَّب . وعنصر متحرك هو الأعراف الذي ينقسم بدوره الى أعراف عامة اجتماعية  وأعراف تخصصية من قبيل القوانين .
 +
 +
=التعارف والدولة=
 +
 +
==أطراف العلاقة في الدولة التعارفية==
 +
الفرد ، المجتمع والسلطة . عبر اعتماده مفهوم التعارف لتحقيق الانسجام بين هذه العناصر التي بدأها قبلاً بعنوان أخر بالتوازن بين حق الفرد - المواطن وحق الجماعة - المجتمع . ومن ثم أكملها في هذا العنوان الفرعي وعبر مبدأ التعارف والمعرفة ومنظومة العقد الاجتماعي للخضوع لسلطة بدون إكراه باعتبار السلطة منبثقة عن تعارفهم وعنهم وتمثلهم . موضحاً فيما يلي عنوانه الفرعي كيفية بناء الدولة ومهام الدولة ونشر المعرفة ، وفق مباديء من فهمه الحيوي المبتدأ به من الآية حول تنوع الخلق وعدم التمييز وعدم العنصرية ، والحاجة لبناء تعارف للوصول الى عدم التنميط وبناء المصلحة المشتركة وبما يحقق انبثاق سلس للسلطة جرّاء ذلك .
 +
 +
=التعارف وحقوق الانسان=
 +
 +
ينطلق المؤلف  في مناقشة هذا العنوان من عدم قابلية المجتمع المشرقي لاحترام حقوق الانسان في حال لم تكن مؤصّلة لديه ، معتبراً أن التعارف والاقرار بالتنوع يضبط عملية التفاعل ويميز السيء من الجيد ويوصل بحكم تداعي ذلك الى قواعد كلية  عامة تضبط عمل المجتمع وهي المنطلقة عنه والضامنة له بآن . تؤصل هذه القواعد الكلية حقوق الإنسان في المجتمع المشرقي المتدين بشكل مباشر أو غير مباشر ، فتكون هذه  دافعه الأساس لاحترام حقوق الانسان ،مطلق إنسان.
 +
 +
=التنافس والحرية والعدل على ضوء التعارف=
 +
يُفصّل الدكتور علي في عناوين فرعية أخرى أهمية التعارف كمبدأ  في التنافس حيث يتم عبر التعارف وتبادل المعرفة ضبط التنافس الذي هو سمة كونية واجبة ، ضبطه ضبط هادف وأخلاقي  ليكون أداة تفاعل بنّاء تساهم في التطور،  يجعل للتدافع المجتمعي الذي يُعبّر عنه بالصراع المجتمعي ، قوة محركة إيجابية تمنع الفساد وتُصلح أحوال المواطنين والدولة .
 +
والحرية حيث يرى الدكتور علي أن التعارف الفطري هو ممارسة للحرية في أبهى صورها ، معتبراً أن التعارف -  و هو اعتبار حق  بزعمي أيضاً – هو العلاقة النوعية التي تربط بين الحرية والالتزام، مشدداً على ربط فكرة ممارسة الحرية بالوصول الى العدل ، حتى لا تتحول الحرية الى عبثية مدمرة 
 +
وفيما يخص الأحزاب والمواطنة يعتمد فيه مفهوم التعارف كمفهوم سلس للمشترك والكلمة السواء، ومعتبراً أن التعارف يُغني عن الأيديولوجيا الثابتة الجامدة ويحرر الناس من التّعصب الأيدلوجي  … وهذا أمر أشاركه به  أيضاً
 +
 +
النظرية التعارفية هنا في هذا الميدان تدعم مسار أخلاقي عقلاني لعملية التدافع والصراع بكل مستوياته فتجعل التنافس أكثر إنسانية وأكثر توازناً وعدالة . حيث يمكن أن يساهم ذلك بقابلية المجتمع للدخول في مفردات الحداثة عبر نمو ذاتي متسلسل  ومُتَقَبَّل ، لا اقتحام خارجي مفتعل مرفوض من الجمهور .
 +
 +
=في التّرشُّح للمناصب العامة=
 +
أما لجهة النظرية التعارفية في تحديد الترشح للمناصب العامة  في كتابه الدولة التعارفية ، فلا يمكن - بزعمي -  تطبيق المبدأ المشار اليه في كل المستويات وذلك بسبب طبيعة التطور البشري وتعقيده وحالة تعدد مستويات الصراع والتدافع في المجتمع الحديث ، وإن كان يُمكن تطبيقه في بعض المجتمعات المحلية الصغيرة حيث الناس تعرف بعضها والحياة ليست بمستوى التعقيد الكوني العام !. من قبيل الدوائر الضيقة في مواقع قيادة محلية أو رئاسة أقسام في جامعة مثلاً أو دائرة حكومية محلية - فالديموقراطية كما أي أمر أخر لها مثالب ولكنها حتى تاريخه هي الصيغة التي يمكن من خلالها الترشح والانتخاب وتحقيق نتائج تتمتع بحد أدنى من المصداقية ، وإن كنت أزعم أيضاً أن التجربة البريطانية في موضوع التمثيل الشعبي لدى البرلمان هي أقل من غيرها في المثالب  .وأن من شأن طرح هذا البُعد الأخلاقي في النظرية التعارفية للدكتور علي ، تعزيز الأبعاد الأخلاقية - العملانية  في خلفية العمل السياسي للعاملين بهذا الشأن على المستوى العالمي وهذا برأيي أمر مهم وجوهري .
 +
 +
=المقارنات بين الدولة العَلْمَانية والدولة التعارفية المفترضة=
 +
يشير الدكتور علي لكون الدولة العلمانية بداية ، وفق تعريف دائرة المعارف البريطانية ، هي حركة اجتماعية تهدف الى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالأخرة الى الاهتمام بالدنيا وحدها ، وأصبحت حركة مضادة للدين …)  معتبراً أن ذلك تطور لاحقاً الى مرونة أحياناً مع الدين وقساوة غالبة معه أحياناً كثيرة ، بحركة مناورة كما يسميها ، مسترسلاً في شرح تداعيات العَلْمَانية وتنوعها تبعاً للتجربة من حيث الدولة والشعب والوقت المعني …الخ  وصولاً الى تلخيص جوهر تفوق الدولة التعارفية على مفهوم الدولة العلمانية  ، معتبراً بالمحصلة أن التعارف يستوعب العلمانية  كونه أوسع منها ولا يعاديها ، ولا أُريد الخوض كثيراً في هذا الجانب ، طالما المقصود من المؤلف هو الوصول الى جوهر العلمانية كما أفهمها  ، دون تبني اسمها ، فالغاية هي تحقيق المقاصد لا العناد على المصطلحات ، خاصة أن المقصود الواضح لدى المؤلف هو تأصيل الفكرة بجوهرها الإنساني المأمول وتبيئتها وليس التحايل عليها لنسفها .كما استخدام مصطلح المدنية من قبل بعض الإسلام السياسي لنسف العملية الديموقراطية وتداول السلطة وتحكيم الرأي السياسي الواحد بذريعة الدين كما يفهمه بعضهم ، ومن ثم رمي السلم عن السطح ليبقى الاستئثار بالسلطة ومنع تداولها بحجة المحافظة على قيم المجتمع ….الخ
 +
 +
وفيما يلي منه يؤكد المؤلف على كون الدولة التعارفية ليست دولة دينية وأنها تقف على مسافة واحدة من الأديان والمعتقدات ، معتبرا ً أنه لا إمكانية لتحقيق دولة إسلامية أو دينية في ظلها ،معتمداً على كون الانسان حراً في ايمانه وكفره وهذا شرط أساس ، موضحاً الاختلاف الجوهري في تعبيرالاسلام والمسلمين عند الاسلاميين عن هذين التعبيرين كما ورد بدلالة النص الديني القرآني المقدس ، وهذا منحى حميد ومهم يُحسب للدكتور علي في فهم طبيعة الحياة ونظرة الدين لها .
 +
 +
=التعارف والاقتصاد=
 +
 +
نقطة ايجابية يمكن ذكرها هنا في مقاربة الدكتور علي للعلاقة بين الاقتصاد والتعارف ،حيث من خلال التعارف يمكن اختيار النظام الاقتصادي الملائم والمشترك ، وهي توطئة مهمة لسياق العدالة الاجتماعية كتداعيات من تداعيات الاقتصاد ، بيد أنه لا يمكن بزعمي أن يكون للتعارف دور حاسم ونهائي  من ذلك  كما مثلاً  الدور الحاسم والرئيس التي يمكن أن تؤديه في مفهوم العقد الاجتماعي والمواطنة والفعالية السياسية العامة، بسبب تعقيد الوضع الاقتصادي وتداعيات نمو الاقتصاد التي لا يمكن ضبطها من خلال التعارف فقط بل تحتاج نظم تخصصية  لمواكبة التطور وتقنينه، مُعتبراً في خلاصته أن:
 +
 +
(التعارف هو البيئة المناسبة لممارسة الجدل الاجتماعي وهذا بدوره الآلية الرئيسية التي تجعل الجدل الاجتماعي مثمراً..).
 +
 +
وهذا بزعمي جوهر النافذة المهمة بين المؤمنين بالنص القرآني المقدس وبين بعضهم ، وبينهم وبين الأخر المختلف ، وكذلك قد تكون عنوان فرعي في تفهم سياقات عامة ، ولكنها ليس لديها امكانية لتكون حلا ً شاملاً لكل المشاكل .
 +
 +
=قراءة حيوية لآية التعارف=
 +
أعتقد أن أهمية هذه القراءة الحيوية لهذه الآية الأساسية في النص الديني المقدس التي هي مرتكز الكتاب  . وكذلك لكامل النص القرآني من قِبل المؤلف ، أهمية كبيرة بسبب أن هذا النص الديني هو النص الأساس والمؤثر والحاسم في تقرير واقع وماهية ومسار الثقافة المشرقية لعموم المشرقيين :  المسلمين بكل طوائفهم وبما فيهم الملحدين منهم ، وكذلك المسيحيين ، الذين بحكم طغيان هذه الثقافة في حياتهم ومحيطهم والعدد وغيره من عوامل ، مُتاثرين بهذه الثقافة التي أُسّها وأساسها هو النص القرآني بأصل وتداعي منه ممتد .
 +
 +
وبالتالي من شأن هذه القراءة الحيوية التي يعتمدها الدكتور علي أسعد في قراءة الآية القرآنية والقرآن عموماً ، من شأنها إحداث فرق بالذهن الجمعي العام للمشرقيين وتأثير ذلك في تأصيل مفردات علم الاجتماع الانساني الحديث بما فيه السياسي ، وبالتالي يساهم ذلك في تجاوز الأزمة الحالية – لدى شريحة واسعة وغالبة من المشرقيين- لجهة العداء بدرجات متفاوته لدى الجمهور المشرقي ، بالأغلب الأعم ، بينهم وبين مفردات الحداثة في الاجتماع الانساني السياسي من قبيل الديموقراطية والعَلمَانية  و حقوق الإنسان والمواطنة ….الخ
 +
إضافةً لتأسيس مرجعية أخلاقية عملانية للعمل الفردي والعام ، العادي والسياسي ، تنعكس بالسلوك الفردي والفاعلية العامة ، مرجعية أخلاقية عملانية تُعيد للأخلاق من حيث بنيتها ودورها ، تُعيد لها لها دورها المجتمعي  وضرورتها الفاعل كعامل حاسم في التنمية ببعدها المادي ، بعيداً عن توظيف طوباوي ما ورائي ، جرّدها ويُجرّدها من الثقل في الحياة ، والحياة المعاصرة ، خاصة في ظل فهم أحادي لمضمون الحياة المعاصرة قوامه المادة .
 +
 +
=الكاتب=
 +
عيسى إبراهيم  ، محام سوري .
 +
  
  

المراجعة الحالية بتاريخ ٢٠:٠٠، ١٢ مارس ٢٠٢٢

بقلم عيسى ابراهيم - محامي سوري

بعد إطلاعي على كتاب الدكتور علي أسعد الذي خَبِرتُه كشخص مسؤول في كَلِمِهِ وتصرفه ، تبين لي أن ذلك المُلَاحَظ مني إبتداءً لديه، مُنعكِس في منتجه الفكري ، الذي يعكس بدوره فهمه للحياة ، مما يُدلّل على أن الأمر راسخ في فكره ووجدانه وفهمه للحياة والكون ، وهو أمر يجعل لما قِيل في الكتاب مصداقية القول والرغبة والارادة والهم .

فالكتاب " الدولة التعارفية " يتضمن إقراراً بالتنوع كمُعطى طبيعي خلقي ، ولا يدعو الى الغائه بذريعة الوحدة بل يرى التنوع إرادة الخالق وسنة الحياة وموجب للتعارف بين البشر وبين الثقافات . معتبراً أن الثقافة هي وعاء هذا التعارف و أداته ، متحمّلاً بما طرحه من عناوين فرعية من الفكرة الأساس القائمة على التعارف … مُتحملاً فيه مسؤولية خلق مشترك إنساني ضامن للحياة من البيئة عينها نامياً فيها ومستنداً إليها ، بعيداً عن تغريب غير منتج وتعصب ملغي للأخر ، من خلال مفهوم التعارف- المعرفة الوارد بالنص المُقدّس .

النص القرآني المُقدّس" حمّال الأوجه " كما قال الإمام علي كرّم الله وجهه ، وهو بذلك ، شأنه شأن أي نص أخر ، رهين عقل قارئه و مُتَدبّره ، من خلال فهمه بسياقه ومقاصده الكلية وسياقه التاريخي …الخ وحيث خلق الله الممتد لا يلغي بعضه بعضاً ، بل ينمو نمواً غير متوقف ويكمل بعضه في مسار السعي للكمال ، بزعمي، مُنطلقاً في عمله هذا من الآية القرآنية المقدسة:

﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ من سورة الحجرات الآية (13) حيث يقوم المؤلف بالانطلاق من حقائق يراها مؤكدة في هذه الآية ، أُشاركه بها ، وهي :

أن التنوع صفة كونية للخلق ، والتنوع يُنتج اختلاف الناس المتنوعون ، وهؤلاء يحتاجون لبناء مشترك إنساني مع الوقت " كلمة سواء " فتبرز حقيقة خلقية أخرى في الآية وهي أهمية التعارف - المعرفة بين البشر المتنوعين كونهم بداية حاملي معرفة وكونهم ناقلين لها لاحقاً ، ويُفرّق المؤلف بين التعارف البسيط والتعارف المركب . معتبراً أن التعارف فريضة واجبة على الخلق وله ثوابه الواجب ، فهو طريق لتحقيق العدل عبر معرفة الأخر مما يحول دون تنميط الأخر أو التعميم بمواجهته ، عبر التصور المسبق أو الاتهام المسبق ، وحيث بسبب التعارف تنتفي العنصرية والتمييز بسبب كون التنوع هو إرادة الخالق للمخلوق في النص القرآني المُقدّس !.

التعارف منهج حياة

يعتبر الدكتور علي أن التعارف - المعرفة ، يمكن أن تكون أساساً مُلهماً في جعل الحياة في مشرقنا بداية ، ومن ثم العالم ، مكان أفضل . من خلال جعل التعارف منهج حياة وتعميمه عبر عدة طرق ، ليكون راسخ في الذهن المجتمعي والحياة المجتمعية ومُنتصر فيهما و ليكون وعي مجتمعي عام ،يجعل النظام السياسي الحاكم يتبناه بقوة الغلبة الثقافية المجتمعية ، ليكون أصلاً دستورياً ومنظومة قانونية ، سواء عبر ضغط الانتشار الشعبي وكذلك الضغط الإعلامي ، أو عبر العملية الديموقراطية عينها من خلال انتصار حزب يتبنى قيم التعارف ، فينتصر بها في النظام السياسي الحاكم بداية ومن ثم في المجتمع عامة . كما يمكن إقامة ورشات للتعارف من خلال مراكز وروابط وجمعيات تقوم عبر صياغة منظومة العلاقات الاجتماعية ودراستها من قبيل  : العلاقة بين الأجيال ، العلاقة بين الطوائف ، العلاقة بين الريف والمدينة ، العلاقة بين أبناء القوميات في المدينة أو الدولة الواحدة ، العلاقة بين المرأة والرجل ، حماية البيئة ، حماية الآثار …..الخ وصولاً لتداعي تعارفي تقوم به الأحزاب والجمعيات والتجمعات الاجتماعية والحزبية وكذلك القرى والمدن والبلدات ….الخ وجوهر الكلام هنا للدكتور علي كما أورده …

التعارف عقد اجتماعي

ومما يُحسب للدكتور علي هو اعتماده هذا المدخل لتأسيس فهمه لعقد اجتماعي ابن البيئة التي نتاجها والنص المؤثر فيها غالباً و حتى الآن : القرآن الكريم وتداعياته المباشرة وغير المباشرة ، حيث التعارف و حيث الثِّقلين : ثِقل الشخص - الأشخاص . و ثِقَل الفكرة -الأفكار والعلاقات الانسانية في المجتمع وبكل أنواعها ، حيث يعتمد الدكتورعلي التركيز على فرادة الثقل البشري وتنوعه لينتقل من ذلك لضرورة تحقيق الثقل الثاني وهو الفكرة المشتركة عبر المعرفة المشتركة التي تضمن حُسن سير الأمور بين الأفراد بضمان حُسن تدبرهم وفهمهم واتفاقهم على الدلالات المعرفية للفكرة المشتركة والأمر المشترك . وحيث الموازنة بين حرية الفرد ومتطلبات الجماعة ، وحيث التنوع ضرورة وشرط للتعارف ، فهو بذلك يقر التنوع كضرورة والمعرفة بين المتنوعين كشرط لبناء مجتمع ، وهو يأخذ هذا النحت، بتأصيل من النص الديني المقدس ، كما الاقرار بالتغيير كسنة كونية.

وأعتقد أن ملاحظة الدكتور علي أسعد لعدم تفاعل جمهور منطقتنا مع القيم الانسانية الغربية في مفاهيم العقد الاجتماعي والديموقراطية والعَلمَانية …الخ هي ملاحظة مهمة وواقعية ومحاولته حل هذا المُشكل وفتح النوافذ ، عبر تأصيل تلك المفاهيم إنطلاقاً من نص مقدس ومُؤَسِّس بهذه الثقافة، هو أمر حكيم يُشكر عليه ، فرغم أن كافة الأفكار في هذه العالم هي نتاج إنساني ، بيد أن ذلك لا يجعلها ولاعتبارات واقعية موضوعية أو شخصية ، لا يجعلها متبناة في مناطق عديدة ، مما يجعل النظرية التي يطرحها الدكتور علي ،أمر قد يُشكل حلاً و مدخل بفتح نوافذ وأبواب بين الثقافة السائدة الراسخة في هذا المشرق وبين بعض تداعيات قيم الحداثة في مجال علم الاجتماع وأهم تجلياته وهي العقد الاجتماعي ، المؤسس لأي فعل جماعي منتج بين الجمهور المعني ، وأعتقد أن فكرته هذه فكرة عملانية مهمة ، خاصة وأنه يُعيد تحميل النص الديني على وجهه الذي يقبل البناء على مشترك ولا يقوم على الدحض والإلغاء بل على فتح نوافذ التعارف بين البشر باعتبارهم خلق الله المتساوين بالخلق وتداعياته في الحقوق ، وكذلك فك أسر كثير من المعاني الواردة بالنص نفسه من قبيل مسلم وإسلام …الخ وإعادة دلالاتها العابرة والعامة والمشتركة ، وبحيث يجعل من النص مدخلاً لبناء كلمة سواء إنسانية ، تكون بدورها مدخلاً لتأسيس عقد إجتماعي مؤصّل في البيئة ومستفيد مما لدى الأخر الشبيه لنا بالخلق -الإنسانية، بما فيه نتاجه الحديث ، كونه كما قلنا ، فهو بالمحصلة هو نتاج انساني . و أتشارك مع الدكتور علي في خلاصة كتابه ، بدعوته ليكون التعارف أساساً لأي عقد إجتماعي دائم . والتعارف كما نوه هو بين متنوعين مختلفين، اختلاف التكامل لا اختلاف التمايز المُضر، وعلى قدم المساواة في الحق والواجب . وقد ناقش الدكتور علي فكرة التعارف وتلك الأفكار المُتداعية منها ، بعناوين فرعية عدة :

التعارف بحياة الفرد والمجتمع

حيث أكّد ضرورة الموازنة بين حق الفرد - الموطن وحق الجماعة - المجتمع ، واعتبره أمر واجب ، يتم من خلال التعارف بين البشر - المواطنين ، وأن هذا التعارف والتوازن بين حق الفرد وحق الجماعة يُنتح " العُرف " والأخلاق باعتبار ذلك مُشترك إنساني ضامن . وبزعمي هذا يصلح كتوطئة تأصيل لمفهوم الحقوق والواجبات في القانون لدى الثقافة المشرقية وأتباعها وبالتالي عدم التضاد بين الحق والواجب الأخلاقي ، أو العُرف وبين مفهوم الحق والواجب القانوني كنص يجب احترامه كونه مشترك إنساني يصل عبر التعارف لمرتبة العرف الواجب الاحترام .

مفهوم العقد الاجتماعي

اعتمد هنا المؤلف على تقسيم العقد الاجتماعي على عنصرين : عنصر ثابت هو التعارف ،بدوره ينقسم الى تعارف بسيط وتعارف مُركَّب . وعنصر متحرك هو الأعراف الذي ينقسم بدوره الى أعراف عامة اجتماعية وأعراف تخصصية من قبيل القوانين .

التعارف والدولة

أطراف العلاقة في الدولة التعارفية

الفرد ، المجتمع والسلطة . عبر اعتماده مفهوم التعارف لتحقيق الانسجام بين هذه العناصر التي بدأها قبلاً بعنوان أخر بالتوازن بين حق الفرد - المواطن وحق الجماعة - المجتمع . ومن ثم أكملها في هذا العنوان الفرعي وعبر مبدأ التعارف والمعرفة ومنظومة العقد الاجتماعي للخضوع لسلطة بدون إكراه باعتبار السلطة منبثقة عن تعارفهم وعنهم وتمثلهم . موضحاً فيما يلي عنوانه الفرعي كيفية بناء الدولة ومهام الدولة ونشر المعرفة ، وفق مباديء من فهمه الحيوي المبتدأ به من الآية حول تنوع الخلق وعدم التمييز وعدم العنصرية ، والحاجة لبناء تعارف للوصول الى عدم التنميط وبناء المصلحة المشتركة وبما يحقق انبثاق سلس للسلطة جرّاء ذلك .

التعارف وحقوق الانسان

ينطلق المؤلف في مناقشة هذا العنوان من عدم قابلية المجتمع المشرقي لاحترام حقوق الانسان في حال لم تكن مؤصّلة لديه ، معتبراً أن التعارف والاقرار بالتنوع يضبط عملية التفاعل ويميز السيء من الجيد ويوصل بحكم تداعي ذلك الى قواعد كلية عامة تضبط عمل المجتمع وهي المنطلقة عنه والضامنة له بآن . تؤصل هذه القواعد الكلية حقوق الإنسان في المجتمع المشرقي المتدين بشكل مباشر أو غير مباشر ، فتكون هذه دافعه الأساس لاحترام حقوق الانسان ،مطلق إنسان.

التنافس والحرية والعدل على ضوء التعارف

يُفصّل الدكتور علي في عناوين فرعية أخرى أهمية التعارف كمبدأ في التنافس حيث يتم عبر التعارف وتبادل المعرفة ضبط التنافس الذي هو سمة كونية واجبة ، ضبطه ضبط هادف وأخلاقي ليكون أداة تفاعل بنّاء تساهم في التطور، يجعل للتدافع المجتمعي الذي يُعبّر عنه بالصراع المجتمعي ، قوة محركة إيجابية تمنع الفساد وتُصلح أحوال المواطنين والدولة . والحرية حيث يرى الدكتور علي أن التعارف الفطري هو ممارسة للحرية في أبهى صورها ، معتبراً أن التعارف - و هو اعتبار حق بزعمي أيضاً – هو العلاقة النوعية التي تربط بين الحرية والالتزام، مشدداً على ربط فكرة ممارسة الحرية بالوصول الى العدل ، حتى لا تتحول الحرية الى عبثية مدمرة وفيما يخص الأحزاب والمواطنة يعتمد فيه مفهوم التعارف كمفهوم سلس للمشترك والكلمة السواء، ومعتبراً أن التعارف يُغني عن الأيديولوجيا الثابتة الجامدة ويحرر الناس من التّعصب الأيدلوجي … وهذا أمر أشاركه به أيضاً

النظرية التعارفية هنا في هذا الميدان تدعم مسار أخلاقي عقلاني لعملية التدافع والصراع بكل مستوياته فتجعل التنافس أكثر إنسانية وأكثر توازناً وعدالة . حيث يمكن أن يساهم ذلك بقابلية المجتمع للدخول في مفردات الحداثة عبر نمو ذاتي متسلسل ومُتَقَبَّل ، لا اقتحام خارجي مفتعل مرفوض من الجمهور .

في التّرشُّح للمناصب العامة

أما لجهة النظرية التعارفية في تحديد الترشح للمناصب العامة في كتابه الدولة التعارفية ، فلا يمكن - بزعمي - تطبيق المبدأ المشار اليه في كل المستويات وذلك بسبب طبيعة التطور البشري وتعقيده وحالة تعدد مستويات الصراع والتدافع في المجتمع الحديث ، وإن كان يُمكن تطبيقه في بعض المجتمعات المحلية الصغيرة حيث الناس تعرف بعضها والحياة ليست بمستوى التعقيد الكوني العام !. من قبيل الدوائر الضيقة في مواقع قيادة محلية أو رئاسة أقسام في جامعة مثلاً أو دائرة حكومية محلية - فالديموقراطية كما أي أمر أخر لها مثالب ولكنها حتى تاريخه هي الصيغة التي يمكن من خلالها الترشح والانتخاب وتحقيق نتائج تتمتع بحد أدنى من المصداقية ، وإن كنت أزعم أيضاً أن التجربة البريطانية في موضوع التمثيل الشعبي لدى البرلمان هي أقل من غيرها في المثالب .وأن من شأن طرح هذا البُعد الأخلاقي في النظرية التعارفية للدكتور علي ، تعزيز الأبعاد الأخلاقية - العملانية في خلفية العمل السياسي للعاملين بهذا الشأن على المستوى العالمي وهذا برأيي أمر مهم وجوهري .

المقارنات بين الدولة العَلْمَانية والدولة التعارفية المفترضة

يشير الدكتور علي لكون الدولة العلمانية بداية ، وفق تعريف دائرة المعارف البريطانية ، هي حركة اجتماعية تهدف الى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالأخرة الى الاهتمام بالدنيا وحدها ، وأصبحت حركة مضادة للدين …) معتبراً أن ذلك تطور لاحقاً الى مرونة أحياناً مع الدين وقساوة غالبة معه أحياناً كثيرة ، بحركة مناورة كما يسميها ، مسترسلاً في شرح تداعيات العَلْمَانية وتنوعها تبعاً للتجربة من حيث الدولة والشعب والوقت المعني …الخ وصولاً الى تلخيص جوهر تفوق الدولة التعارفية على مفهوم الدولة العلمانية ، معتبراً بالمحصلة أن التعارف يستوعب العلمانية كونه أوسع منها ولا يعاديها ، ولا أُريد الخوض كثيراً في هذا الجانب ، طالما المقصود من المؤلف هو الوصول الى جوهر العلمانية كما أفهمها ، دون تبني اسمها ، فالغاية هي تحقيق المقاصد لا العناد على المصطلحات ، خاصة أن المقصود الواضح لدى المؤلف هو تأصيل الفكرة بجوهرها الإنساني المأمول وتبيئتها وليس التحايل عليها لنسفها .كما استخدام مصطلح المدنية من قبل بعض الإسلام السياسي لنسف العملية الديموقراطية وتداول السلطة وتحكيم الرأي السياسي الواحد بذريعة الدين كما يفهمه بعضهم ، ومن ثم رمي السلم عن السطح ليبقى الاستئثار بالسلطة ومنع تداولها بحجة المحافظة على قيم المجتمع ….الخ

وفيما يلي منه يؤكد المؤلف على كون الدولة التعارفية ليست دولة دينية وأنها تقف على مسافة واحدة من الأديان والمعتقدات ، معتبرا ً أنه لا إمكانية لتحقيق دولة إسلامية أو دينية في ظلها ،معتمداً على كون الانسان حراً في ايمانه وكفره وهذا شرط أساس ، موضحاً الاختلاف الجوهري في تعبيرالاسلام والمسلمين عند الاسلاميين عن هذين التعبيرين كما ورد بدلالة النص الديني القرآني المقدس ، وهذا منحى حميد ومهم يُحسب للدكتور علي في فهم طبيعة الحياة ونظرة الدين لها .

التعارف والاقتصاد

نقطة ايجابية يمكن ذكرها هنا في مقاربة الدكتور علي للعلاقة بين الاقتصاد والتعارف ،حيث من خلال التعارف يمكن اختيار النظام الاقتصادي الملائم والمشترك ، وهي توطئة مهمة لسياق العدالة الاجتماعية كتداعيات من تداعيات الاقتصاد ، بيد أنه لا يمكن بزعمي أن يكون للتعارف دور حاسم ونهائي من ذلك كما مثلاً الدور الحاسم والرئيس التي يمكن أن تؤديه في مفهوم العقد الاجتماعي والمواطنة والفعالية السياسية العامة، بسبب تعقيد الوضع الاقتصادي وتداعيات نمو الاقتصاد التي لا يمكن ضبطها من خلال التعارف فقط بل تحتاج نظم تخصصية لمواكبة التطور وتقنينه، مُعتبراً في خلاصته أن:

(التعارف هو البيئة المناسبة لممارسة الجدل الاجتماعي وهذا بدوره الآلية الرئيسية التي تجعل الجدل الاجتماعي مثمراً..).

وهذا بزعمي جوهر النافذة المهمة بين المؤمنين بالنص القرآني المقدس وبين بعضهم ، وبينهم وبين الأخر المختلف ، وكذلك قد تكون عنوان فرعي في تفهم سياقات عامة ، ولكنها ليس لديها امكانية لتكون حلا ً شاملاً لكل المشاكل .

قراءة حيوية لآية التعارف

أعتقد أن أهمية هذه القراءة الحيوية لهذه الآية الأساسية في النص الديني المقدس التي هي مرتكز الكتاب . وكذلك لكامل النص القرآني من قِبل المؤلف ، أهمية كبيرة بسبب أن هذا النص الديني هو النص الأساس والمؤثر والحاسم في تقرير واقع وماهية ومسار الثقافة المشرقية لعموم المشرقيين : المسلمين بكل طوائفهم وبما فيهم الملحدين منهم ، وكذلك المسيحيين ، الذين بحكم طغيان هذه الثقافة في حياتهم ومحيطهم والعدد وغيره من عوامل ، مُتاثرين بهذه الثقافة التي أُسّها وأساسها هو النص القرآني بأصل وتداعي منه ممتد .

وبالتالي من شأن هذه القراءة الحيوية التي يعتمدها الدكتور علي أسعد في قراءة الآية القرآنية والقرآن عموماً ، من شأنها إحداث فرق بالذهن الجمعي العام للمشرقيين وتأثير ذلك في تأصيل مفردات علم الاجتماع الانساني الحديث بما فيه السياسي ، وبالتالي يساهم ذلك في تجاوز الأزمة الحالية – لدى شريحة واسعة وغالبة من المشرقيين- لجهة العداء بدرجات متفاوته لدى الجمهور المشرقي ، بالأغلب الأعم ، بينهم وبين مفردات الحداثة في الاجتماع الانساني السياسي من قبيل الديموقراطية والعَلمَانية و حقوق الإنسان والمواطنة ….الخ إضافةً لتأسيس مرجعية أخلاقية عملانية للعمل الفردي والعام ، العادي والسياسي ، تنعكس بالسلوك الفردي والفاعلية العامة ، مرجعية أخلاقية عملانية تُعيد للأخلاق من حيث بنيتها ودورها ، تُعيد لها لها دورها المجتمعي وضرورتها الفاعل كعامل حاسم في التنمية ببعدها المادي ، بعيداً عن توظيف طوباوي ما ورائي ، جرّدها ويُجرّدها من الثقل في الحياة ، والحياة المعاصرة ، خاصة في ظل فهم أحادي لمضمون الحياة المعاصرة قوامه المادة .

الكاتب

عيسى إبراهيم ، محام سوري .