«كيف نحل مشكلتنا-انتماؤنا للأرض»: الفرق بين المراجعتين

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث
(أنشأ الصفحة ب' تصنيف:كتابات عمار الجر')
 
 
سطر ١: سطر ١:
 +
[[ملف:انتماؤنا للأرض.jpg|تصغير|يسار|400بك|انتماؤنا للأرض]]
  
 +
انتماؤنا للأرض والكون (وضرورة وجود نظرة انسانية شاملة لتأطير ذلك):
 +
سلسلة كيف نحل مشكلتنا؟
 +
18 من نحن؟ محاولة لإيجاد الانسجام بين الكيانات التي ننتمي إليها. (متابعة)
 +
**************************
 +
على درب حل مشكلتنا تحدثنا عن انتماءات كثيرة لنا بدأنا بدائرة تضم الإنسان ثم أصبحت الدائرة تتسع لتشمل العائلة والحي والطائفة والمدينة والدولة والنظام الدولي. نصل اليوم إلى آخر هذه الدوائر وهي دائرة الكرة الأرضية ببرها ومائها بجمادها ونباتها وحيوانها وإنسانها.
 +
**
 +
كان حديثاً ممتعاً في إحدى المؤتمرات مع الأخت راشيل التي تتولى مسؤولية في إحدى الجمعيات للدفاع عن المرأة والبيئة في الكميرون والتي أرتني الصورة التي رسمتها والتي تظهر كيف أن الجنس البشري كله الأوربي القوي والأفريقي الضعيف يساهمون في تخريب أمهم الأرض (الصور المرفقة بعدستي).  انتماؤنا للأرض هو انتماء جامع يشترك فيه كل بني آدم الطيب والسيء الأسود والأبيض
 +
**
 +
نحن وعينا أو لم نع ننتمي لهذه الأرض. إنها الأم الكبرى لأشكال الحياة التي نعرفها ومن ناحية أخرى فالكائن البشري هو الوحيد من بين الكائنات التي نعرفها على سطح الأرض والذي يمكنه أن يشعر بهذه الأرض وأن يعتني بها و يزينها ومن ناحية أخرى هو الأقدر على إيذائها.
 +
**
 +
ارتباط الانتماء للارض بالدين والفلسفة
 +
*********************
 +
إن الاهتمام بالأرض واضح في كثير من الأديان والمذاهب حول العالم. فمادة خلق آدم من طين (ماء وتراب). وجبل أحد "يحبنا ونحبه" و زرع الفسيلة التي تتوفر في يد الإنسان يوم تقوم الساعة هو عمل يجب أن لا يتردد الإنسان في فعله. هذه الأمثلة وغيرها من الأمثلة الكثير توضح يدفع الدين الإنسان ليشعر بمسؤوليته عن سطح الأرض. بل إن التكليف الأساسي لآدم على سطح الأرض يتمثل في استعمال قدراته لرعايتها كخليفة للخالق. والعلم البشري الذي خص الله به الإنسان هو ما يجعله مؤهلاً لإعمارها رغم قدرة الإنسان الظاهرة على الإجرام الواسع الممنهج و رغم التدمير والتخريب المنظم والفساد في الأرض الذي تم ربطه بسفك الدم
 +
"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
 +
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
 +
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كلها ..."
 +
ورغم أن الدين يطلب من الإنسان التأمل في الكون وفي حركته ويربط الإيمان بخلق الكون كله إلا أنه يركز على الأرض بشكل خاص كونها المجال الحيوي لنشاط الجنس البشري كله.
 +
ومع التغيرات التي شملت كثيراً من الأديان بلغ تعظيم الأرض درجة اعتبار أن ارتباط الإنسان بالأرض يتجاوز الارتباط المادي ليشمل الروح والعقل وأن حياته وموته ليست إلا دورة ضمن دورات هذه الأرض ليس فيها حساب وعقاب. وبعض العقائد مزجت بين مفهوم الحساب والعقاب وبين انسلاخ الإنسان الدوري عن تراب الأرض. ليست الغاية هنا بيان خطأ وصواب ذلك ولكن الغاية بيان أن ارتباط الإنسان بالأرض ومسؤوليتها عنها وعن بنائها وتنظيمها والحفاظ على الحياة فيها هو مفهوم حاضر في معظم الأديان والفلسفات المشهورة.
 +
**
 +
خطورة التقدم البشري على الأرض
 +
**************************
 +
لقد أصبح للإنسان قدرات هائلة على تغيير الأرض خلال القرنين الماضيين وذلك لعدة أسباب :
 +
• خلال القرن الماضي اكتملت تقريباً تغطية الجنس البشري لكامل سطح الأرض.
 +
• وخلال القرنين الماضيين طور الإنسان أساليب تنظيم جهوده الجماعية في المعامل بحيث أصبح ممكناً تنسيق جهود عشرات الآلاف ومئات الآلاف من الناس (العمال خصوصاً والجنود) ليقوموا بعمل منظم هائل متكامل
 +
• خلال القرنين الماضيين تم اختراع المحرك الذي مكن الإنسان من الاستخدام الهائل للطاقات المختزنة في الخشب والنفط والفحم الحجري بينما كان التغيير سابقاً يعتمد على الطاقة العضلية البشرية والحيوانية
 +
• تم أيضاً اكتشاف آليات للاستفادة من الطاقة النووية الهائلة التي تمكن من تغيير مساحات هائلة من سطح الأرض بفترة وجيزة
 +
هذا القدرات هائلة بشكل أكبر بكثير مما نتصور وفيما يلي بعض الأمثلة :
 +
• بناء الصين لثلاثة سدود عظيمة سيبطئ فترة اليوم بمقدار ستة بالمئة من الميكروثانية!
 +
• عشرين مليار طن من الفضلات ترمى في المحيطات سنوياً وتخرب بيئتها الطبيعية
 +
• أصبح الإنسان قادراً على إجراء تعديلات وراثية على النباتات لا أحد يعلم إلا الله أثر هذه التعديلات على مستقبل النباتات وعلى الحيوانات التي ستأكل من تلك النباتات في دورة ستتسع بدون توقف
 +
• الأوزون يحمي البشر من أشعة الشمس الضارة والبشرية تطلق بعض الغازات التي تثقب الأوزون. مساحة ثقب الأوزون  تضاعفت مئتي مرة منذ عام 1979 لتصبح الآن بمساحة أمريكا الشمالية كلها.
 +
• الاصدار الهائل لثاني أكسيد الكربون وغيره يؤدي إلى أن معدلات درجات الحرارة سترتفع عشرات الدرجات خلال عدة قرون مما يؤدي لاحتراق واختناق الأرض والبشرية
 +
• .. الخ ..
 +
***
 +
الإنسان قادر على إدراك المصيبة ولكنه عاجز عن حلها:
 +
***********************************
 +
لحسن الحظ فإن مؤسسات البحث العلمي هي من أهم المؤسسات التي طورتها البشرية. وكثير منها تعمل لحسن الحظ على مستوى العالم. والآن يوجد مئات آلاف الباحثين الذين يكاملون جهودهم لفهم ما يحصل للأرض وما يحدث للجنس البشري ولذا فعلى الأقل الإنسان يدرك بشكل ما الخطر القادم والحاضر ويستطيع تشخيصه بل وحتى اقتراح آليات للحل.
 +
بالمقابل و للأسف الطريقة التي تطور بها  الجنس البشري لم تتضمن التفكير بمؤسسة  واسعة قادرة على تجميع جهوده. فالجنس البشري عنده مؤسسات قادرة على التخريب وليس عنده مؤسسات قادرة على تنسيق جهوده للإعمار وهنا تكمن المفارقة الكبرى التي تحدثنا عنها مسبقاً في سلسلة (ابن آدم واحد)  تعود المشكلة إلى تجميع البشر ضمن حدود سياسية لا تمثل الجنس البشري وبناء العلاقات بين الدول المقيدة بتلك الحدود بناء على تاريخ دموي وعلى علاقات تنافسية. وكما قلنا سابقاَ الأمم المتحدة لا تعبر عن الجنس البشري فهي تعبر نظرياً عن مجموع دوله. فلا يوجد مثلاً برلمان عالمي على مستوى البشرية كلها ليكون مؤهلاً لدراسة قضاياها واتخاذ قرارات تعبر عن الصالح البشري العام.
 +
من يحرك العالم هو مزيج من الدول الكبرى واللوبيات الكبرى والشركات الكبرى ودوافع تحركهم لا ترتبط بهدف إنساني راق على مستوى البشرية ككل أو على مستوى الأرض أو الكون. والأخطر أن هذه الأدوات التي تحرك العالم تتحكم بالحركة العلمية والثقافية فيه مما يولد جيلاً متشبعاً بثقافة الانقياد وراء تلك المؤسسات من خلال تهافت الناس وراء الحصول على المال ليكون بحد ذاته هدفاً
 +
لقد أعطينا مثالاً مسبقاً عن القوة الهائلة لبعض الشركات فمثلاً مبيعات ExxonMobil تقترب من اربعمئة مليار دولار سنوياً وهي بذلك تتجاوز ميزانية 166 بلداً من الدول المسجلة في الأمم المتحدة والتي يبلغ عددها 193. هذا الشركات وبالرغم من أن قدراتها على التحكم تفوق قدرات أكثر دول العالم إلا أنها لا تتحمل أية مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية عن البشرية وعن الكرة الأرضية وبالمقابل الناس غير قادرين بحسب الثقافات السائدة على التجمع إلا في ظل مثل هذه الشركات رغم أن وسائل الاتصال ميسرة بين كل البشر.
 +
***
 +
عودة الناس للعناية بالأرض:
 +
**************
 +
إن عدم توصل الإنسانية حتى الآن لمؤسسة جامعة تنسق بين جهود بني آدم ليقوموا بواجبهم الجماعي تجاه الكرة الأرضية لا تعني أن بني آدم لا يشعرون بانتمائهم لهذه الأرض بل على العكس لقد ظهرت توجهات كثيرة لعودة الإنسان بحسب إمكاناته التنظيمية المتاحة إلى الانسجام مع الطبيعة والعناية بالكرة الأرضية:
 +
• فعلى المستوى الثقافي الفردي نرى في الدول المتقدمة أن أعداداً متزايدة من الناس تتحول إلى التركيز على أكل النباتات أكثر من لحوم الحيوانات التي تزهق أرواحها. كما نرى أن هناك توجهاً كبيراً نحو استهلاك الخضروات والفواكه الطبيعية المنتجة بشكل طبيعي (كما قبل مئات السنين) ولو كان شكلها غير جميل بدلاً من الخضروات المنتجة بأساليب غير طبيعية ومعالجة بأدوية زراعية
 +
• هناك برامج للأفراد والجمعيات والمدن والدول للتوعية بما يفعله الإنسان من إضرار بالأرض وهناك برامج لتغيير الثقافات بحيث تصبح أكثر سلاماً مع البيئة ففي كثير من الدولة المتقدمة مثلاً تقوم أعداد متزايدة من الناس باستخدام الدراجات كوسيلة رئيسية للمواصلات
 +
• حتى على المستوى السياسي هناك تزايد في أعداد وحجوم أحزاب الخضر الذين يودون تغيير سياسات بلدانهم بحيث تحترم الطبيعة وتنشر السلام
 +
**
 +
ما سبب عدم  شعور سكان المنطقة بانتمائهم للأرض
 +
***************
 +
مع كل هذه التحولات العالمية نجد بأننا نحن سكان المنطقة ما زلنا بعيدين عن شعورنا بانتمائنا لأرضنا لأسباب كثيرة منها
 +
• الظروف الصعبة التي كان يعيشها سكان المنطقة والتي لا تعطي للإنسان الكثير من الوقت للارتقاء بفكره.
 +
• يحتاج الشعور بالانتماء للأرض إلى معرفة منهجية لا تتوفر في المدارس بسبب جمود عناوين المناهج التعليمية على ما كانت عليه قبل أربعين أو خمسين سنة قبل سيطرة المؤسسات السرية على حركة التعليم.
 +
• يحتاج الفعل الذي يحترم الأرض ويحافظ عليها إلى تدريب سلوكي يجب أن تقوم به المدارس ولكن المدارس عاجزة عن ذلك لنفس السبب السابق
 +
• تحول معظم التعليم الديني إلى حفظ أحكام شرعية سابقة عن سلوك وليس عن غايات وليس إلى بناء نظرة شاملة مترابطة عن الكون والأرض والفرد والأسرة والمدينة والبشرية تتوضح من خلالها مسؤولية الإنسان كفرد وكجماعة وكجنس كامل عن باقي البشر وعن الحياة وعن الجماد على سطح هذا الكوكب
  
 
[[تصنيف:كتابات عمار الجر]]
 
[[تصنيف:كتابات عمار الجر]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١٨:٤٧، ١٢ أغسطس ٢٠٢٠

انتماؤنا للأرض

انتماؤنا للأرض والكون (وضرورة وجود نظرة انسانية شاملة لتأطير ذلك): سلسلة كيف نحل مشكلتنا؟ 18 من نحن؟ محاولة لإيجاد الانسجام بين الكيانات التي ننتمي إليها. (متابعة)

على درب حل مشكلتنا تحدثنا عن انتماءات كثيرة لنا بدأنا بدائرة تضم الإنسان ثم أصبحت الدائرة تتسع لتشمل العائلة والحي والطائفة والمدينة والدولة والنظام الدولي. نصل اليوم إلى آخر هذه الدوائر وهي دائرة الكرة الأرضية ببرها ومائها بجمادها ونباتها وحيوانها وإنسانها.

كان حديثاً ممتعاً في إحدى المؤتمرات مع الأخت راشيل التي تتولى مسؤولية في إحدى الجمعيات للدفاع عن المرأة والبيئة في الكميرون والتي أرتني الصورة التي رسمتها والتي تظهر كيف أن الجنس البشري كله الأوربي القوي والأفريقي الضعيف يساهمون في تخريب أمهم الأرض (الصور المرفقة بعدستي). انتماؤنا للأرض هو انتماء جامع يشترك فيه كل بني آدم الطيب والسيء الأسود والأبيض

نحن وعينا أو لم نع ننتمي لهذه الأرض. إنها الأم الكبرى لأشكال الحياة التي نعرفها ومن ناحية أخرى فالكائن البشري هو الوحيد من بين الكائنات التي نعرفها على سطح الأرض والذي يمكنه أن يشعر بهذه الأرض وأن يعتني بها و يزينها ومن ناحية أخرى هو الأقدر على إيذائها.

ارتباط الانتماء للارض بالدين والفلسفة

إن الاهتمام بالأرض واضح في كثير من الأديان والمذاهب حول العالم. فمادة خلق آدم من طين (ماء وتراب). وجبل أحد "يحبنا ونحبه" و زرع الفسيلة التي تتوفر في يد الإنسان يوم تقوم الساعة هو عمل يجب أن لا يتردد الإنسان في فعله. هذه الأمثلة وغيرها من الأمثلة الكثير توضح يدفع الدين الإنسان ليشعر بمسؤوليته عن سطح الأرض. بل إن التكليف الأساسي لآدم على سطح الأرض يتمثل في استعمال قدراته لرعايتها كخليفة للخالق. والعلم البشري الذي خص الله به الإنسان هو ما يجعله مؤهلاً لإعمارها رغم قدرة الإنسان الظاهرة على الإجرام الواسع الممنهج و رغم التدمير والتخريب المنظم والفساد في الأرض الذي تم ربطه بسفك الدم "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كلها ..." ورغم أن الدين يطلب من الإنسان التأمل في الكون وفي حركته ويربط الإيمان بخلق الكون كله إلا أنه يركز على الأرض بشكل خاص كونها المجال الحيوي لنشاط الجنس البشري كله. ومع التغيرات التي شملت كثيراً من الأديان بلغ تعظيم الأرض درجة اعتبار أن ارتباط الإنسان بالأرض يتجاوز الارتباط المادي ليشمل الروح والعقل وأن حياته وموته ليست إلا دورة ضمن دورات هذه الأرض ليس فيها حساب وعقاب. وبعض العقائد مزجت بين مفهوم الحساب والعقاب وبين انسلاخ الإنسان الدوري عن تراب الأرض. ليست الغاية هنا بيان خطأ وصواب ذلك ولكن الغاية بيان أن ارتباط الإنسان بالأرض ومسؤوليتها عنها وعن بنائها وتنظيمها والحفاظ على الحياة فيها هو مفهوم حاضر في معظم الأديان والفلسفات المشهورة.

خطورة التقدم البشري على الأرض

لقد أصبح للإنسان قدرات هائلة على تغيير الأرض خلال القرنين الماضيين وذلك لعدة أسباب : • خلال القرن الماضي اكتملت تقريباً تغطية الجنس البشري لكامل سطح الأرض. • وخلال القرنين الماضيين طور الإنسان أساليب تنظيم جهوده الجماعية في المعامل بحيث أصبح ممكناً تنسيق جهود عشرات الآلاف ومئات الآلاف من الناس (العمال خصوصاً والجنود) ليقوموا بعمل منظم هائل متكامل • خلال القرنين الماضيين تم اختراع المحرك الذي مكن الإنسان من الاستخدام الهائل للطاقات المختزنة في الخشب والنفط والفحم الحجري بينما كان التغيير سابقاً يعتمد على الطاقة العضلية البشرية والحيوانية • تم أيضاً اكتشاف آليات للاستفادة من الطاقة النووية الهائلة التي تمكن من تغيير مساحات هائلة من سطح الأرض بفترة وجيزة هذا القدرات هائلة بشكل أكبر بكثير مما نتصور وفيما يلي بعض الأمثلة : • بناء الصين لثلاثة سدود عظيمة سيبطئ فترة اليوم بمقدار ستة بالمئة من الميكروثانية! • عشرين مليار طن من الفضلات ترمى في المحيطات سنوياً وتخرب بيئتها الطبيعية • أصبح الإنسان قادراً على إجراء تعديلات وراثية على النباتات لا أحد يعلم إلا الله أثر هذه التعديلات على مستقبل النباتات وعلى الحيوانات التي ستأكل من تلك النباتات في دورة ستتسع بدون توقف • الأوزون يحمي البشر من أشعة الشمس الضارة والبشرية تطلق بعض الغازات التي تثقب الأوزون. مساحة ثقب الأوزون تضاعفت مئتي مرة منذ عام 1979 لتصبح الآن بمساحة أمريكا الشمالية كلها. • الاصدار الهائل لثاني أكسيد الكربون وغيره يؤدي إلى أن معدلات درجات الحرارة سترتفع عشرات الدرجات خلال عدة قرون مما يؤدي لاحتراق واختناق الأرض والبشرية • .. الخ ..

الإنسان قادر على إدراك المصيبة ولكنه عاجز عن حلها:

لحسن الحظ فإن مؤسسات البحث العلمي هي من أهم المؤسسات التي طورتها البشرية. وكثير منها تعمل لحسن الحظ على مستوى العالم. والآن يوجد مئات آلاف الباحثين الذين يكاملون جهودهم لفهم ما يحصل للأرض وما يحدث للجنس البشري ولذا فعلى الأقل الإنسان يدرك بشكل ما الخطر القادم والحاضر ويستطيع تشخيصه بل وحتى اقتراح آليات للحل. بالمقابل و للأسف الطريقة التي تطور بها الجنس البشري لم تتضمن التفكير بمؤسسة واسعة قادرة على تجميع جهوده. فالجنس البشري عنده مؤسسات قادرة على التخريب وليس عنده مؤسسات قادرة على تنسيق جهوده للإعمار وهنا تكمن المفارقة الكبرى التي تحدثنا عنها مسبقاً في سلسلة (ابن آدم واحد) تعود المشكلة إلى تجميع البشر ضمن حدود سياسية لا تمثل الجنس البشري وبناء العلاقات بين الدول المقيدة بتلك الحدود بناء على تاريخ دموي وعلى علاقات تنافسية. وكما قلنا سابقاَ الأمم المتحدة لا تعبر عن الجنس البشري فهي تعبر نظرياً عن مجموع دوله. فلا يوجد مثلاً برلمان عالمي على مستوى البشرية كلها ليكون مؤهلاً لدراسة قضاياها واتخاذ قرارات تعبر عن الصالح البشري العام.

من يحرك العالم هو مزيج من الدول الكبرى واللوبيات الكبرى والشركات الكبرى ودوافع تحركهم لا ترتبط بهدف إنساني راق على مستوى البشرية ككل أو على مستوى الأرض أو الكون. والأخطر أن هذه الأدوات التي تحرك العالم تتحكم بالحركة العلمية والثقافية فيه مما يولد جيلاً متشبعاً بثقافة الانقياد وراء تلك المؤسسات من خلال تهافت الناس وراء الحصول على المال ليكون بحد ذاته هدفاً 

لقد أعطينا مثالاً مسبقاً عن القوة الهائلة لبعض الشركات فمثلاً مبيعات ExxonMobil تقترب من اربعمئة مليار دولار سنوياً وهي بذلك تتجاوز ميزانية 166 بلداً من الدول المسجلة في الأمم المتحدة والتي يبلغ عددها 193. هذا الشركات وبالرغم من أن قدراتها على التحكم تفوق قدرات أكثر دول العالم إلا أنها لا تتحمل أية مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية عن البشرية وعن الكرة الأرضية وبالمقابل الناس غير قادرين بحسب الثقافات السائدة على التجمع إلا في ظل مثل هذه الشركات رغم أن وسائل الاتصال ميسرة بين كل البشر.

عودة الناس للعناية بالأرض:

إن عدم توصل الإنسانية حتى الآن لمؤسسة جامعة تنسق بين جهود بني آدم ليقوموا بواجبهم الجماعي تجاه الكرة الأرضية لا تعني أن بني آدم لا يشعرون بانتمائهم لهذه الأرض بل على العكس لقد ظهرت توجهات كثيرة لعودة الإنسان بحسب إمكاناته التنظيمية المتاحة إلى الانسجام مع الطبيعة والعناية بالكرة الأرضية: • فعلى المستوى الثقافي الفردي نرى في الدول المتقدمة أن أعداداً متزايدة من الناس تتحول إلى التركيز على أكل النباتات أكثر من لحوم الحيوانات التي تزهق أرواحها. كما نرى أن هناك توجهاً كبيراً نحو استهلاك الخضروات والفواكه الطبيعية المنتجة بشكل طبيعي (كما قبل مئات السنين) ولو كان شكلها غير جميل بدلاً من الخضروات المنتجة بأساليب غير طبيعية ومعالجة بأدوية زراعية • هناك برامج للأفراد والجمعيات والمدن والدول للتوعية بما يفعله الإنسان من إضرار بالأرض وهناك برامج لتغيير الثقافات بحيث تصبح أكثر سلاماً مع البيئة ففي كثير من الدولة المتقدمة مثلاً تقوم أعداد متزايدة من الناس باستخدام الدراجات كوسيلة رئيسية للمواصلات • حتى على المستوى السياسي هناك تزايد في أعداد وحجوم أحزاب الخضر الذين يودون تغيير سياسات بلدانهم بحيث تحترم الطبيعة وتنشر السلام

ما سبب عدم شعور سكان المنطقة بانتمائهم للأرض

مع كل هذه التحولات العالمية نجد بأننا نحن سكان المنطقة ما زلنا بعيدين عن شعورنا بانتمائنا لأرضنا لأسباب كثيرة منها • الظروف الصعبة التي كان يعيشها سكان المنطقة والتي لا تعطي للإنسان الكثير من الوقت للارتقاء بفكره. • يحتاج الشعور بالانتماء للأرض إلى معرفة منهجية لا تتوفر في المدارس بسبب جمود عناوين المناهج التعليمية على ما كانت عليه قبل أربعين أو خمسين سنة قبل سيطرة المؤسسات السرية على حركة التعليم. • يحتاج الفعل الذي يحترم الأرض ويحافظ عليها إلى تدريب سلوكي يجب أن تقوم به المدارس ولكن المدارس عاجزة عن ذلك لنفس السبب السابق • تحول معظم التعليم الديني إلى حفظ أحكام شرعية سابقة عن سلوك وليس عن غايات وليس إلى بناء نظرة شاملة مترابطة عن الكون والأرض والفرد والأسرة والمدينة والبشرية تتوضح من خلالها مسؤولية الإنسان كفرد وكجماعة وكجنس كامل عن باقي البشر وعن الحياة وعن الجماد على سطح هذا الكوكب